الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطاقات الائتمان
تصورها، والحكم الشرعي عليها
إعداد
الدكتور عبد الستار أبو غدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
إن بطاقات الائتمان من أهم التطبيقات المصرفية التي انتشرت واشتدت الحاجة لمعرفة ما يتعلق بها من أحكام شرعية، ولاسيما بعد أن بادر عدد من البنوك الإسلامية إلى إصدار بطاقات ائتمان من خلال هيئاتها الشرعية، كما عقدت لذلك ندوات فقهية أصدرت بشأنها فتاوى تسهم في الوصول إلى رأي مجمعي إن شاء الله.
هذا، وقد أوجزت القول في الجوانب التي يندر فيها الاختلاف أو التي لها طابع إجرائي تنظيمي تسري عليه أحكام الشروط غير المنافية للقواعد الشرعية، وذلك لأن الجوانب التاريخية أو الإحصائية أو الإجرائية وما يتعلق بذلك من بيان المنافع والمحاذير، وما تستتبعه تطبيقات البطاقة من جوانب محاسبية.. إلخ وهو حقل مطروق بكثرة، وفيه مرونة، والتباين فيه قليل، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.
الدكتور عبد الستار أبوغدة
(1)
أنواع بطاقات الائتمان، وتوصيفها وأطرفها
بالرغم من كلمة (الائتمان) المقترنة بذكر بطاقة الائتمان فإن واحدة منها فقط يتحقق فيها الائتمان كما سيأتي. والمقصود بالائتمان: منح التسهيل المالي، أو الاستعداد للمداينة بالتعبير الفقهي، فشمول هذا الاسم لها جميعها هو من باب التغليب.
أنواع بطاقات الائتمان وتوصيفها:
أنواع البطاقات ثلاثة وهي:
بطاقات السحب الفوري DEBIT CARD.
وبطاقة الخصم الدوري (الشهري) CHARGE CARD.
وبطاقة الائتمان CREDIT CARD.
وفيما يلي وصف موجز لتلك البطاقات والدور الذي تؤديه كل واحدة منها:
بطاقة السحب الفوري DEBIT CARD:
هذا النوع من البطاقات يسمى أيضا الصرف الآلي A.T.M. وهي تصدر للعملاء الذين يحتفظون بحسابات جارية أو توفير استثماري لدى البنك المصدر للبطاقة، بحيث يستطيع العميل حامل البطاقة استخدامها على مدار الساعة للسحب النقدي فقط ومن خلال الأجهزة التابعة للبنك المصدر بالغالب.
أحيانا تشترك مجموعة بنوك محلية بشبكة اتصال مشتركة تقوم بإصدار بطاقة يمكن لحاملها استخدامها للسحب النقدي إلى أجهزة الصرف الآلي التابعة للبنك المصدر من خلال جميع الأجهزة التابعة للبنوك المشتركة في شبكة المحلات، وكذلك الشراء من مجموعة التجار المتصلين إليكترونيا مع هذه البنوك (نقاط البيع) POINT OF SALE.
بطاقة (الخصم الخاص) CHARGE CARD:
وهي بطاقة تمكن حاملها من استخدامها بعمليات الشراء المختلفة وتلقي الخدمات في شتى أنحاء العالم. إضافة إلى عمليات السحب النقدي من خلال الأجهزة التابعة للبنوك المصدرة في جميع أنحاء العالم.
والأصل في هذه البطاقة توافر الرصيد الكافي لخصم ما تم سحبه أو الشراء به ومعظم- بل ربما جميع البطاقات التي أصدرتها بنوك إسلامية هو من هذا النوع، وبالرغم من ذلك تسمى هذه البطاقة (بطاقة ائتمان) وأحيانا (بطاقة اعتماد) مع أنها ليس فيها في الواقع ائتمان إلا في حالات استثنائية حين يتجاوز استخدام حاملها مقدار رصيده لدى البنوك ويوافق البنك على تنفيذ العملية، فيكون دفعه ما زاد عن الرصيد قرضا حسنا من البنك الإسلامي المصدر إلى حامل البطاقة يطالبه البنك بأدائه عاجلا.
بطاقة الائتمان CREDIT CARD:
وهي تتصف بنفس مواصفات ومزايا وصلاحيات بطاقة الخصم الشهري أو الاعتماد، غير أن العميل حامل هذا النوع من البطاقات لا يلزم أن يكون لديه حساب لدى البنك المصدر، وفي حالة وجود حساب للعميل لا يشترط توافر الرصيد لخصم ما عليه من مبالغ الاستخدام، حيث يكون قد تم الاتفاق بين العميل والبنك المصدر على إعطائه سقفا كالحساب الجاري المدين يستطيع استخدام البطاقة به وبالتالي إضافة الفوائد المترتبة على ذلك (في حال عدم الالتزام بالأحكام الشرعية) .
أطراف التعامل في بطاقة الائتمان:
إن أطراف التعامل الرئيسة بالبطاقة هم:
المنظمة العالمية: وهي هيئة أو منظمة عالمية تملك العلامة التجارية للبطاقة، وهدفها ليس الربح بل خدمة البنوك الأعضاء وتقديم البرامج وتطويرها.
البنك المصدر: وهو البنك الذي يقوم بإصدار البطاقة بناء على ترخيص معتمد من المنظمة العالمية، ويقوم بتسويقها على من يرغب في استخدامها وهم حملة البطاقات.
البنك التاجر: هو البنك الذي يقوم بالترويج لاستخدام البطاقات لدى أصحاب المتاجر والخدمات بحيث يخولهم قبول البطاقة أينما كان مصدرها ومن أي بلد بالعالم. ويقوم البنك بهذه المهمة بعد اعتماده رسميا من قبل المنظمة العالمية.
حامل البطاقة: هو عميل البنك الذي يشترك في نظام البطاقات، ويقوم باستخدامها لاحتياجاته المختلفة.
التاجر: هو المؤسسة أو المحل التجاري أو أي جهة تعتمد قبول البطاقة في عمليات الشراء من محلها أو تقديم الخدمة المطلوبة باستخدام البطاقة بدلا عن النقد.
وصف لأدوار أطراف بطاقتي الائتمان والاعتماد:
إن التعامل ببطاقات الائتمان يتم من خلال نظام متكامل تدخل فيه أطراف متعددة وتنشأ فيه علاقات مختلفة، وتترتب رسوم وعمولات شتى على إعطاء البطاقة أو استخدامها للدفع، أو السحب النقدي، أو قبول التاجر بين المتعاقدين بها.
ولعل الشكل الأنسب لبحث موضوع بطاقات الائتمان من الناحية الشرعية توجيه النظر إلى (العلاقات) بين الأطراف الأساسية الثلاثة فيها، وهم: مصدر البطاقة، وحاملها، وقابلها، بالرغم من وجود أطراف أخرى ثانوية من حيث التأثير الشرعي.
وكذلك لابد من التركيز على (الالتزمات المالية) الناشئة عن علاقات هذه الأطراف بعضها ببعض، وأخيرا لابد من النظر في (الاتفاقيات) التي تنظم تلك العلاقات.
وفيما يلي تحديد المسار الغالب للعملية بين الأطراف الثلاثة الأساسية، للانطلاق منه إلى بيان العلاقات والالتزامات المالية والاتفاقيات بين تلك الأطراف مع التكييف الشرعي لذلك كله.
أ- يصدر البنك البطاقة إلى حاملها، فيستحق عليه رسم إصدار ورسم اشتراك، وقد يعفيه من أحدهما أو كليهما، وهذه العلاقة: تقديم خدمة التعريف والتأهيل لاستخدام البطاقة، هي خدمة يجوز تقاضي أجر عنها، كما يجوز تقديمها مجانا.
وهذا الالتزام المالي للبنك على عملية حامل البطاقة – في حال وجوده – هو قبل الاستخدام الفعلي فيما أصدرت لأجله.
ب- يتفق البنك مصدر البطاقة (أو البنك التاجر) مع التاجر على قبول المداينة مع حاملي البطاقة، ويعطيه الوسائل التي يستلزمها ذلك فتنشأ علاقة تقديم خدمة أيضا، ويستحق البنك من التاجر مقابلا عن تلك الخدمة.
وهذا الالتزام المالي للبنك على عميله الآخر قابل البطاقة هو قبل الاستخدام الفعلي أيضا للبطاقة فيما أصدرت لأجله.
فتنشأ علاقة تقديم خدمة أيضا، ويستحق البنك من التاجر مقابلا عن تلك الخدمة.
وهذا الالتزام المالي للبنك على عميله الآخر قابل البطاقة هو قبل الاستخدام الفعلي أيضا للبطاقة فيما أصدرت لأجله.
جـ- يشتري حامل البطاقة من قابلها سلعة أو يحصل على خدمة ولا يدفع نقودا، بل يوقع على المستند الخاص الذي يتمكن به قابل البطاقة من تحصيل الثمن من مصدر البطاقة، وتنشأ من جراء ذلك علاقة بين حامل البطاقة والبنك، ويترتب على تلك العلاقة التزام مالي للبنك على حامل البطاقة.
د- يقدم قابل البطاقة إلى البنك نسخة من مستند الدفع الموقع من حامل البطاقة، فتنشأ علاقة تعاقدية بين البنك وقابل البطاقة استنادا إلى الإطار المتفق عليه بينهما تجاه أي حالة قبول للبطاقة، وسيأتي بيان تكييفها بالتفصيل، كما ينشأ مع هذه العلاقة التزام مالي لقابل البطاقة على البنك، وينشأ التزام مقابل للبنك على حامل البطاقة، ولا تخفى صفة التوازي بين هذين الالتزامين الناشئين عن استخدام البطاقة لشراء السلع والحصول على الخدمات دون دفع الثمن والاكتفاء بتوقيع مستند الدفع.
(2)
التعريف والتكييف القانوني لبطاقة الائتمان
لعل أوضح وأدق تعريف لبطاقة الائتمان من الناحية القانونية هو أنها:
البطاقة الصادرة من بنك أو غيره تخول حاملها الحصول على حاجياته من البضائع دينا (1) .
وفي تعريف آخر يوضح آلية البطاقة:
بطاقة خاصة يصدرها المصرف لعميله، تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من محلات وأماكن معينة عند تقديمه لهذه البطاقة، ويقوم بائع السلع أو الخدمات بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف مصدر الائتمان فيسدد قيمتها له ويقدم المصرف للعميل كشفا شهريا بإجمالي القيمة لتسديدها، أو لخصمها من حسابه الجاري طرفه (2) .
والجدير بالتنبيه أن التكييف القانوني لا يلزم المؤسسات المالية التي أصدرت بطاقة ائتمان وتعاملت بها بالضوابط الشرعية، فكثيرا ما يكون للتصرف تكييفان مختلفان بحسب الالتزام بالمتطلبات الشرعية أو عدمه، ومن أمثلة ذلك البيع بالأجل الذي فيه زيادة مندمجة في الثمن، فهو مشروع إذا تم التقيد بالأحكام الشرعية ولاسيما في حال تأخر السداد، وهو في التكييف التقليدي تعامل بالفائدة إذا اشترط تخفيض للزيادة المقابلة للأجل عند السداد المبكر أو زيادتها عند تأخر السداد.
(1) قاموس أكسفورد، ص272.
(2)
معجم المصطلحات التجارية، أحمد زكي بدوي، ص62.
تكييف العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها:
تبين من إمعان النظر في تكييف علاقة المصدر للبطاقة بحاملها أن ذلك صورة من صور التسهيلات البنكية، إلا أن التاجر هو الجهة المختارة من حامل البطاقة للدفع إليها.
ويجري هذا على ما دأبت عليه البنوك من أنها حين تمنح تسهيلا (وهو غير القرض) لا تقدم في الأغلب نقودا سائلة وإنما تغطي به عمليات، ليكون ربط التسهيلات بها مساعدا على الاسترداد وسهولة الوفاء، ويتمثل ذلك في السلع والخدمات المستخدمة بالدفع إلى التجار ومقدمي الخدمات لصالح حامل البطاقة.
وتكرار القول هنا بأن التكييف القانوني - رغم مافيه من لبس- لا يلزم من يستخدم البطاقة ويتعامل بها تحت مظلة تكييف شرعي مقبول.
ومن المقرر أن التسهيلات مشروعة إذا خلت من الإقراض بفائدة واقتصر أمرها على المداينة المباحة، وما يتعلق بها كالحوالة أو الوكالة بالدفع أو القبض، أو الإقراض الحلال لمبالغ يسيرة وأوقات محددة ونحوها (فترات السماح التي فيها مهلة لأداء الالتزامات) .
التكييف القانوني للعلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر قانونا:
يستخلص من أن الالتزام المترتب للتاجر على البنك هو التزام بالتسديد مباشرة دون تأخير، حيث أن الوقت الذي يمنحه التاجر للبنك للتسديد هو إتمام إجراءات المطالبة بإرسال وثائق البيع حسب الطريقة المتفق عليها، وعليه فإن العلاقة ليست علاقة إقراض، لأن التأجيل هو معيار ما يسمى قرضا (1) .
(1) بطاقات المعاملات المالية، (مصدر سابق) ، ص77.
التكييف للعلاقة بين حامل البطاقة والتاجر:
بناء على ما سبق تكون العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر علاقة اشتراط لصالح الغير، فحامل البطاقة يشترط أنه المستفيد المباشر من التسهيل وهو التاجر، وتكون الاستفادة غير المباشرة هي لحامل البطاقة.
هذا وقد جاء في البحث المسهب الذي ألفه الزميل أ. د. عبد الوهاب أبو سليمان في موضوع بطاقات الائتمان بعنوان (بطاقات المعاملات المالية) تكييفها بأنها بطاقة قرض. والواقع أن التكييف بالتسهيل هو الأليق هنا بعمل البنوك، ولاسيما قبل استخدام البطاقة، أما عند استخدامها في الشراء فإنه ليس هناك إقراض نقدي ولا فوائد عليه بالنسبة إلى حامل البطاقة ما لم يحصل تأخير السداد.
أما قابلها فإنه حين يحصل على مستحقاته قبل تحصيل معادلها من حامل البطاقة فليس ذلك من قبيل الإقراض وإنما هو تنفيذ الالتزام الذي على البنك التاجر بدفع مستحقات التاجر وهو بهذا يمارس دور الكفيل بالأداء، والكفالة فيها معنى الإقراض، كما سبق.
هذا، وإن من خدمات البنوك المشابهة لموضوع البطاقة والقائمة على التسهيل إصدار خطاب الاعتماد، وإصدار خطاب الضمان، فمن المقرر أن البنك يتعرض للمسؤولية العقدية عند تنفيذ خدمة إصدار ضمان إذا لم يقم بتنفيذ التزامه العقدي، فيكون البنك مسؤولا إذا لم يصدر خطاب ضمان بعد التزامه به، وكذلك الحال في خدمة إصدار الاعتماد المستندي (1) ، والأمر نفسه في إصدار بطاقة الائتمان.
(1) عقود الخدمات المصرفية، د. حسن حسني، ص72.
آخرُ صيحاتِ المدعو ناب – أجلّكم اللهُ! – أنّهُ كتبَ مقالةً يظهرُ فيها بثوبِ المبجّلِ المعظّمِ للعلماءِ!! ، يردُّ عليهم بأدبٍ وتؤدةٍ، ويُناقشُ بعلمٍ وحصافةٍ، وذكّرني في مقالتهِ هذه – وقد كتبها باسمهِ الصريحِ في جريدةِ الجزيرةِ اليومَ – بتلكَ الراقصةِ التي تتحجّبُ في أزقّةِ حيّها، بينما تخرجُ أمامَ الملايينِ في الشاشةِ وهي عاريةٌ ترقصُ وتمتهنُ البغاءَ.
ناب – يا سادة – يشتمُ الصحابةَ والتابعينَ بأسمائهم، ويتسلّى بذلك في مقالاتهِ التي يكتبها في المنتدياتِ، فقد سبقَ لهُ شتمُ معاويةَ رضي الله عنه، وتعرّض بالطعنِ لأبي هريرةَ رضي الله عنه، وأمّا خصمهُ اللدودُ وقاهرهُ وقاهرُ جميعُ العصرانيينَ والليبراليين فهو ابنُ تيميّةَ – برّدَ اللهُ مضجعهُ -!! ، ولا يكادُ يمرُ اسمُ ابنُ تيميّةَ إلا وينتفضُ ناب مستعداً للشتمِ والسبِّ!! ، إلا أنّهُ في جريدةِ الجزيرةِ ولأنّهُ يكتبُ باسمهِ الصريحِ فقد اضطرَّ للنفاقِ والتجمّلِ وإطلاقِ لقبِ الإمامِ على شيخِ الإسلامِ! .
وناب أيضاً من دعاةِ العلمانيّةِ الصريحةِ، يتبجّحُ بذلكَ علانيةً، ويُعلنُ الحربَ الصريحةَ على الدعوةِ السلفيّةِ، تلكَ التي يقتاتُ هو على بقايا خيرِها بعد أن مهّدَ اللهُ أمرَ هذه الجزيرةِ على يدِ جدّهِ الإمامِ محمّد بن عبدِ الوهابِ ومعهُ الإمام محمد بن سعود – جادَ اللهُ ثراهم بمزون الرحمةِ -، روّوا الأرضَ بدماءِ العلماءِ في سبيلِ نصرةِ التوحيدِ وإقامةِ الدعوةِ السلفيّةِ، فكفرَ بها من جملةِ من كفرَ ناب، ولولا تلك الدعوةُ لكان ناب الآن حمّالاً في سوقِ الجفرةِ.
كانتْ مقالتهُ بعنوانِ " الهويملُ.. آخرُ الديناصوراتِ المعاصرةِ "، وإنَّ ممّا زادَ بهِ الدكتورُ حسنُ الهويملُ – أسعدَ اللهُ أيّامهُ – شرفاً وفخراً أنَّ ناباً شبّههُ بالديناصوراتِ، في الوقتِ الذي أبى فيه ناب إلا أن ينحدرَ إلى مستوى الذبابِ قذراً وعفناً، فلا تجدهُ إلا في أقذرِ الأمكنةِ الفكريّةِ، ولا يبحثُ إلا عن النتنِ يدسُّ فيهِ أنفهُ ويجدُ في ذلك متعةً وسلوةً، فشتّان بينَ الديناصوراتِ العاليةِ القدرِ والهمّةِ وبينَ الذبابِ الدنيءِ النفسِ والقذرِ الطبعِ.
لندخل إلى صلبِ الموضوعِ، وهو ردٌّ كتبتهُ على عجلٍ لبعضِ أقوالهِ واستدلالاتهِ العجيبة! :
زعمَ في مقالتهِ أنَّ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيميّةَ حرّمَ الكيمياءَ – وهو العلمُ المعروفُ في زمانِنا - لما فيها من المضاهاةِ، وأرادَ ناب إفهامنا – كذباً وتزويراً - أنَّ شيخَ الإسلامِ يرى أنَّ الكيمياءَ تصنعُ أشياء تضاهي بعضَ ما خلقهُ اللهُ، ولهذا فهي محرّمةٌ! ، ثمَّ طردَ فهمهُ لكلامِ ابنِ تيميّةَ بقولهِ " وحسب قاعدة المضاهاةِ هذه يمكنُ القولُ إنَّ السيّارةَ مُحرّمةٌ أيضاً! ، والعلّةُ تكمنُ – حسبَ القاعدةِ – في مضاهاتِها للإبلِ والخيلِ والحميرِ والبغالِ " انتهى كلامهُ.
وهذا يدلُّ على جهلهِ الفاضحِ بكلامِ شيخِ الإسلامِ – رحمه الله، وجهلهِ كذلكَ بعلمِ البحثِ والأدلّةِ، وغبائهِ أيضاً في القياسِ والتسويةِ!! ، وهو الذي نعى علينا جهلنا بهِ، ليقعَ ضحيّةً فيما نهانا عنهُ من قبلُ! ، ذلك أنَّ كلامَ شيخِ الإسلامِ – رحمه الله – في تحريمِ الكيمياءِ إنّما كانَ في صورٍ مُحدّدةٍ للكيمياءِ، وهذه الصورُ غيرُ ما يعهدهُ النّاسُ في زمانِنا من علمِ الكيمياءِ، وفي القاعدةِ الأصوليّةِ " العرفُ المقارنُ للخطابِ يُخصّصُ عمومَ اللفظِ ".
توضيحُ ذلكَ: أنَّ كلامَ شيخِ الإسلامِ في صورةٍ مُخصّصةٍ وهي الكيمياءُ التي يستخدمها النّاسُ ليزيّفوا بها بعضَ المعادنِ، ويغشّوا الناسَ فيها، وهذه يقعُ فيها المضاهاةُ في الشكلِ دون الحقيقةِ، فتُباعُ على أنّها ذهبٌ أو جوهرٌ نفيسٌ، وإنّما هي في حقيقةِ الأمرِ معدنٌ زائفٌ تمَّ تعديلهُ بحيلِ الكيمياءِ، فهي من هذا الوجهِ يحرمُ تعلّمها واستخدامها، وهذا واضحٌ تماماً في كلامِ شيخِ الإسلامِ، يقولُ مثلاً في معرضِ جوابهِ عن عملِ الكيمياءِ:" وأمّا الكيمياءُ فإنّهُ يُشبهُ فيها المصنوعُ بالمخلوقِ، وقصدُ أهلها إمّا أن تجعلَ هذا كهذا، فينفقونهُ ويعاملونَ بهِ النّاسَ، وهذا من أعظمِ الغشِّ " – الفتاوى ج 29 -.
وقال بعد ذلكَ: " وأهلُ الكيمياءِ من أعظمِ النّاسِ غشّاً، ولهذا لا يظهرونَ للنّاسِ إذا عاملوهم أنَّ هذا من الكيمياءِ، ولو أظهروا للنّاسِ ذلكَ لم يشتروهُ منهم إلا من يريدُ غشّهم ".
وقالَ أيضاً: " وكذلك طلاب الكيمياءِ الذين يُقالُ لهم الحدبانُ لكثرةِ انحنائهم على النّفخِ في الكيرِ، أكثرهم لا يصلون إلى الحرامِ، ولا ينالونَ المغشوشَ، وأمّا خواصهم فيصلونَ إلى الكيمياءِ، وهي محرّمةٌ باطلةٌ، لكنّها على مراتبَ: منها ما يستحيلُ بعدَ بضع سنين، ومنها ما يستحيلُ بعدَ ذلكَ، لكن المصنوعَ يستحيلُ ويفسدُ ولو بعدَ حينٍ، بخلافِ الذهبِ المعدنيِّ المخلوقِ فإنّهُ لا يفسدُ ولا يستحيلُ، ولهذا ذكروا أنَّ محمد بن زكريا الرازيَّ المتطبّبَ – وكان من المُصحّحينَ للكيمياءِ – عمل ذهباً وباعهُ للنّصارى، فلمّا وصلَ إلى بلادِهم استحالَ، فردّوهُ عليهِ، ولا أعلمُ في الأطباءِ من كانَ أبلغَ في صناعةِ الكيمياءِ منهُ ".
وذكرَ ابنُ مُفلحٍ – وهو من أعلمِ النّاسِ بكلامِ شيخهِ ابنِ تيميّةَ في الفقهِ وأفقهِ أصحابهِ – أنَّ شيخهُ حرّمَ الكيمياءَ لأنّها غشٌّ فقالَ: " قالَ شيخُنا: الكيمياءُ غِشٌّ، وهي تشبيهُ المصنوعِ من ذهبٍ أو فضّةٍ بالمخلوقِ " – الفروع 6/ 168 -.
وفي قولهِ – نقلاً عن شيخهِ -: الكيمياءُ غِشٌّ، ما يُفيدُ القارئَ أنَّ علّةَ تحريمِ الكيمياءِ عندَ شيخِ الإسلامِ إّنما هو الغِشُّ الواقعُ فيها، وذلك لأنَّ من مسالكِ العلّةِ المعروفةِ عندَ علماءِ البحثِ والنّظرِ: الإيماءُ، وهو أن يقترنَ الحكمُ بالوصفِ على وجهٍ لو لم يكنْ فيه الوصفُ علّةً للحكمِ، لكانَ ذلكَ مُخلاً بالفصاحةِ، وبسطُ ذلكَ في كتبِ الأصولِ.
يخلُصُ لنا ممّا سبقَ: أنَّ تحريمَ ابنِ تيميّةَ للكيمياءِ إنّما هي في ضربٍ مخصوصٍ منهُ، وهو ما كانَ يُعملُ للمعادنِ من أجلِ صناعةِ معدنٍ مُشابهٍ للأصيلِ، وأنَّ غالبَ ذلكَ هو من الغِشِّ والتدليسِ في المعاملةِ، وليسَ مقصودهُ علمُ الكيمياءِ المعروفِ في زمانِنا والقائمِ على معرفةِ خواصِّ الموادِّ ونحوِها.
على أنَّ هناكَ صوراً وأصنافاً أخرى للكيمياءِ، وقعتْ في عصرهِ وبعدَ عصرهِ، وقد اعتبرها العلماءُ – بخصوصِها - من السحرِ، كما قالَ ابنُ خلدون – في المقدمةِ -:" وأنت ترى كيف صرفَ ألفاظهم كلها في الصناعة إلى الرمزِ والألغازِ التي لا تكادُ تبين ولا تعرفُ، وذلك دليلٌ على أنها ليست بصناعةٍ طبيعيةٍ، والذي يجبُ أن يُعتقد في أمر الكيمياء وهو الحقّ الذي يعضده الواقعُ أنها من جنسِ آثار النفوسِ الروحانيةِ، وتصرفها في عالمِ الطبيعةِ إما من نوع الكرامةِ إن كانت النفوس خيّرة، أو نوع السحر إن كانت النفوس شريرة فاجرةٍ ".
وإذا كانَ للغباءِ ميثاقٌ شرفيٌّ فإنَّي لا أجدُ أحطَّ ولا أغبى من هذه العبارةِ في كلامهِ: " وحسب قاعدة المضاهاةِ هذه يمكنُ القولُ إنَّ السيّارةَ مُحرّمةٌ أيضاً! ، والعلّةُ تكمنُ – حسبَ القاعدةِ – في مضاهاتِها للإبلِ والخيلِ والحميرِ والبغالِ "!! ، اقرأوها واحمدوا الله على نعمةِ العقلِ والعافيةِ من بلادةِ الليبراليينَ من أمثالِ ناب.
وهذه النقولُ تبيّنُ كذبَ الكاتبِ وتلبيسهُ على القرّاءِ، ليزعمَ بذلكَ أنَّ علماءَ الإسلامِ وأئمّةَ السلفِ كانوا يُحاربونَ العلومَ التجريبيّةَ والتطبيقيّةَ، وأنَّ حضارتهم كانتْ مبنيّةً على ثقافةِ الزهدِ ومجافاةِ أسبابِ الرّخاءِ، فضلاً عن نبذِ الحضاراتِ الأخرى ورفضِ التواصلِ معها!! .
إنَّ من يطلع على كتاباتِ علماءِ الإسلامِ يجدُ أنّهم كانوا يتواصلون مع الحضاراتِ الأخرى، ويأخذونَ من علومِ المخالفينَ المادّيّةِ ما لا يتعارضُ منها مع الشريعةِ وأصولِها، بل إنَّ الحضاراتِ لا يمكنُ أن تنشأ معزولةً عن العالمِ أو محاطةً بسياجٍ من الفوقيّةِ المانعةِ من التعاطي مع المخالفينَ، وهذا ما حصلَ مع الحضارةِ الإسلاميّةِ العظيمةِ، التي بنتْ أسسها على كتابِ اللهِ تعالى وسنّةِ النبيِّ – صلى الله عليه وآله وسلم – وانفتحتْ على الحضاراتِ والأممِ والشعوبِ الأخرى، وأخذتْ منها ما أفادها في معاشِها وحياتِها، ولم تعشْ متقوقعةً على نفسِها في جوٍّ من القطيعةِ مع الآخرين.
يقولُ شيخُ الإسلامِ عن بعضِ الفلاسفةِ: " لهم في الطبيعيّاتِ كلامٌ غالبهُ جيّدٌ، وهو كلامٌ كثيرٌ واسعٌ، ولهم عقولٌ عرفوا بها ذلكَ، وهم يقصدونَ الحقَّ ولا يظهرُ عليهم العنادُ، لكنّهم جهّالٌ بالعلمِ الإلهي إلى الغايةِ " – الردِّ على المنطقيينَ 143-، وهذا يبيّنُ ما قرّرتهُ سابقاً من تفاعلِ الحضارةِ الإسلاميّةِ وتواصلِها مع الحضاراتِ الأخرى وإقرارِها لما في يديها من الحقِّ وإفادتِها منهُ، مع رفضِ ما فيها من جوانبِ الانحرافِ والزيغِ، وكشفِ ذلك للنّاسِ وبيانِهِ لهم حتى لا يتلبسَ عليهم الحقُّ بالباطلِ.
ويقولُ شيخُ الإسلامُ في معرضِ كلامهِ عن الأطباءِ وأهلِ الهندسةِ " هم من أذكى النّاسِ، ولهم علومٌ صحيحةٌ طبّيّةٌ وحسابيّةٌ، وإن كانَ ضلَّ منهم طوائفُ في الأمورِ الإلهيةِ فذلك لا يستلزمُ أن يضلّوا في الأمورِ المتعلّقةِ بالعلومِ الطبيعيّةِ كالطبِّ والحسابِ.... حتّى إنَّ محمّد بن زكريّا الرازيِّ مع إلحادهِ في الإلهياتِ والنبواتِ هو من أعلمِ النّاسِ بالطبِّ، حتّى قيلَ عنهُ جالينوس الإسلامِ " – المنهاج 2/572 -.
وقد خبطَ ناب في مقالهِ خبطَ عشواءَ، فلم يُشرْ إلى الفرقِ بين الحضارةِ وبين المدنيّةِ، وأدخلَ فروعِ هذه في تلك، وهذا من الأخطاءِ المنهجيّةِ، التي تدلُّ على انعدامِ أساسٍ صحيحٍ للمعرفةِ لديهِ، فهو إنّما يتحرّكُ من حنقهِ على المدرسةِ السلفيّةِ وينطلقُ منها هادماً تراثها بكل ما يقعُ تحتَ يدهِ من الكتبِ والأبحاثِ، دون أن يجمعَ بينها نسقٌ واحدٌ، أو يبنيها على أسسٍ معرفيّةٍ وبحثيّةٍ سليمةٍ.
ولعلَّ البعضَ يعترضُ قائلاً بأنَّ هناكَ من جعلَ الحضارةَ والمدنيّةَ مترادفتينِ، والجوابُ عن هذا أنَّ هذا نوعٌ من التّواضعِ في إطلاقِ المُصطلحِ على أفرادِ الصورِ، ولا أريدُ أن أدخلَ هنا في إشكاليةِ المُصطلحِ والحدِّ، إلا أنَّ الحضارةَ لدى الكثيرين لا تعني المدنيّةَ وإنّما تعنى جانباً آخرَ وهو الاستعدادُ الروحيُّ والعقليُّ لقبولِ المعارفِ والتفاعلِ معها – كما هو تعبيرُ ألبرت اشفيستر في كتابهِ فلسفة الحضارةِ 34 -، وفي تاريخِ الحضاراتِ العامِّ: الحضارةُ مجموعةٌ من الخططِ والنّظمِ القمينةِ بإشاعةِ النّظامِ والسلامِ والسعادةِ وبتطويرِ البشريّةِ الفكريِّ والأدبيِّ – ص 17 -، ويميلُ بعضُ الباحثينَ إلى أنَّ الحضارةَ هي صورةُ التعبيرِ عن الرّوحِ العميقةِ للمجتمعِ، فأمّا مظاهرُ التقدّمِ الآلي والتكنولوجي فإنّهُ مما يتصلُ بمعنى المدنيّةِ، ولبعضِ علماءِ الاجتماعِ تفريقٌ لطيفٌ بينَ الحضارةِ والمدنيّةِ وهو أنَّ الحضارةَ هي ما نحنُ، والمدنيّةُ هي ما نستعملُ، وبعبارةٍ أخرى فإنَّ الحضارةَ في رأيهم تتمثّلُ في الفنونِ والآدابِ والدياناتِ والأخلاقياتِ، بينما تتمثّلُ المدنيّةُ في السياسةِ والاقتصادِ والتكنولوجيا – التغير الحضاري وتنمية المجتمع 41 -.
فالحضارةُ إذن عبارةٌ عن منظومةٍ من المبادئ والأفكارِ والتصوّراتِ والمعاييرِ، والإسلامُ أرسى دعائمِ هذه الأمورِ، فالقولُ – كما يقولُ ناب – بأنَّ الإسلامِ حضارتهُ حضارةٌ قاصرةٌ غيرُ شاملةٍ هو تجنٍّ في حقيقتهِ على الشريعةِ الإسلاميّةِ أو جهلٌ من صاحبهِ بها، فالإسلامُ أرسى دعائمَ الحضارةِ، والمسلمونَ عملوا بمقتضى هذه الدعائمِ وظهرَ من صورِها في حياتهم العديدُ من المناشطِ المدنيّةِ، بل إنَّ تخلفَ بعضِ صورِ المدنيّةِ لا يعني قصوراً في الحضارةِ أو طعناً فيها.
ولقد أجمعَ الباحثونَ – مسلمهم ومستشرقهم – على أنَّ الغربَ وأوروبا تحديداً لم يتحرّك فيها العلمُ إلا بعدَ تواصلِهم مع العربِ والمسلمينَ، سواءً كانَ ذلكَ عن طريقِ التواصلِ المباشرِ في بلادِ الأندلسِ وصقليّة ونحوِها، أو عن طريقِ التواصلِ المعرفيِّ بقراءةِ مؤلّفاتِهم والنهجِ على طريقِهم، وقد كان الأوربيّون عاكفونَ على منطقِ أرسطو فلم يتقدّموا شيئاً للأمامِ، ولكنّهم عندما فُتحَ لهم بابُ العلمِ التجريبيِّ – وأساسهُ كان عند ابنِ تيميّةَ كما سوف يأتي – تحوّلوا إلى أمّةٍ أخرى، ولو جئتُ أنقلُ النصوصَ المؤكّدةَ لهذا لضاقَ المقامُ لطولِها وكثرِتِها، ولكن ما عسانا أن نفعلَ مع أمثالِ ناب ممن إذا أتيناهُ بكل آيةٍ ما غيّرَ رأيهُ!! ، ذلك لأنَّ قلبهُ وعقلهُ مع الغربِ قد أُشربَ من هواهم.
إنَّ من يزعمُ اليومَ بأنَّ الغربَ بعدوانهِ وانحطاطهِ وتخلّفهِ القيَمي وانحدارهِ الخُلقيِّ يُشكّلُ حضارةً راسخةً فإنّما يُغالطُ نفسهُ، نعم لدى الغربِ مدنيّةٌ وعمرانٌ وصناعةٌ وتقنيةٌ، لكنّهُ عارٍ من قيمِ الحضارةِ الحقّةِ، فهو لا يعرفُ للأخلاقِ معنى إلا ما شهدتْ بهِ المنفعةُ، وحداثتهم قائمةٌ على أُسسٍ ماديّةٍ أغفلوا فيها جانبَ الرّوحِ تماماً، وهذا ما جعلهم يعيشون حياةً شبيهةً بحياةِ البهائمِ في كثيرٍ من شئونِ حياتِهم.
ومن تهافتهِ في مقالتهِ أنّهُ زعمَ أنَّ شيخَ الإسلامَ وقفَ ضدَّ الفلسفةِ والمنطقِ، وأخذَ يتباكى عليهما زاعماً أنَّ إيقافَ تدريسِها أخملَ جذوةَ العقلِ وأطفأ سراجها، وهذا خبثٌ منهُ لأنّهُ يُريدُ أن يوهمَ القارئَ أنَّ منهجيّةَ المعرفةِ والاستدلالِ في الإسلامِ – كما قرّرها شيخُ الإسلامِ وغيرهُ - تتعارضُ مع العقلِ، بينما منهجيّةُ المنطقِ اليونانيِّ تتفقُ مع العقلِ، كما أنّهُ يُريدُ أن يُشيرَ إلى عدمِ المنهجيّةِ في نقدِ شيخِ الإسلامِ للمنطقِ وتحريمهِ للكثيرِ من علومِ الفلسفةِ، ويعتبرُ ذلكَ عداءً مُجرّداً لمخالفيهِ، وليسَ لهُ أي اعتبارات منهجيّةٍ أخرى.
إنَّ شيخَ الإسلامِ في نقدهِ وردّهِ على المناطقةِ والفلاسفةِ إنّما ينطلقُ من رؤيةٍ معرفيّةٍ ونظرةٍ استدلاليّةٍ إسلاميّةٍ واضحةٍ، فالشريعةُ الإسلاميّةُ جاءتْ برؤيةٍ واضحةٍ لقضايا المعرفةِ والبحثِ والاستدلالِ، وهذه الرؤيةُ الإسلاميّةُ رؤيةٌ أصيلةٌ لا يحتاجُ معها المسلمُ إلى موازينِ المنطقِ وقواعدهِ، لأنّها منسجمةٌ مع العقلِ غيرُ متعارضةٍ معهُ، فكانَ رفضُ شيخِ الإسلامِ للمنطقِ والفلسفةِ لسقوطِ كثيرٍ من قضاياه في نفسِها، وأما ما كانَ منها صحيحاً سالماً من المعارضِ والقادحِ فإنَّ في قواعدِ المعرفةِ والاستدلالِ في الإسلامِ ما يغني عنهُ.
وممّا يؤكّدُ أنَّ شيخَ الإسلامِ كان يؤسّسُ في كلامهِ لمنهجٍ إسلاميٍّ في المعرفةِ ما قالهُ الدكتورُ علي سامي النشارِ – وهو من فلاسفةِ الأشاعرةِ المعاصرينَ -: " وبهذا حقّقَ ابنُ تيميّةَ فكرتهُ القائلةَ بأنَّ للمسلمينَ طرقاً خاصّةً في البحثِ مُستمدّةً من القرءانِ وقائمةً عليهِ " – مناهجُ البحثِ 281 – ويقولُ مصطفى عبدِ الرازق أحدُ أكبرُ الفلاسفةِ المعاصرينَ وأستاذُ الفلسفةِ في الأزهرِ: " إنَّ الدراساتِ المنطقيّةِ لو سارتْ منذ عهد ابنِ تيميّةَ على نهجهِ في النقدِ بدلَ الشرحِ والتعمّقِ، لكنّا بلغنا بها من الرّقيِّ مبلغاً عظيماً " – مناهجُ البحثِ 282 -.
وأيضاً فإنَّ شيخَ الإسلامِ كانَ يحمل رؤيةً خاصّةً في علمِ المنطقِ مؤدّاها أنَّ العلومَ النظريّةَ كلّها غيرُ مفيدةٍ، وهذا ما جعلهُ يؤسّسُ لفلسفةٍ تجريبية على أنقاضِ الفلسفةِ النظريّةِ الجامدةِ، يقولُ محمد عبد الستار نصّار – وهو من مخالفي ابن تيميّةَ -:" وأخيراً لا يسعنا أمامَ هذه الرّوحِ العلميّةِ التجريبيّةِ التي اتسمتْ بها فلسفةُ ابنُ تيميّةَ إلا أن نُقرّرَ أنّهُ لو قُدّرَ لهذه الفلسفةِ أن توضعَ في قالبٍ منهجيٍّ، لعُدَّ ابنُ تيميّةَ – بحقٍّ – على رأسِ الفلاسفةِ التجريبيينَ، وحسبهُ أنّهُ وضعَ الأفكارَ في وقتٍ كانتْ أوربا ترسفُ في أغلالِ الجهلِ وتعاني من جمودِ الفكرِ النظريِّ طوالَ العصورِ الوسطى " – المدرسةُ السلفيّةُ 449 -.
والمعرفةُ في الإسلامِ تقومُ على منهجٍ واضحٍ في الاستدلالِ، لهُ مصادرُهُ ومجالاتُهُ، وثمّةَ توافقاً وتكاملاً بينَ المعرفةِ وبينَ مصادرِها ومجالاتِها، والمقصودُ بالتوافقِ عدم التعارضِ بينَ المصادرِ التي قد تشتركُ في الدلالةِ على بعضِ المجالاتِ، والمقصودُ بالتكاملِ إثباتُ أنَّ لكلِّ مصدرٍ حدودهُ ومجالاتهُ التي يختصُّ بها، بحيثُ تكونُ دلالاتُ المصادرِ المختلفةِ متكاملةً لا متعارضةً، وهذا يُبينُ لنا اختصاصَ المعرفةِ في الإسلامِ بالدلالةِ على الحقِّ في جميعِ جوانبِ المعرفةِ – يُراجعُ للتوسّعِ كتابُ " المعرفةُ في الإسلامِ " -، وهو ما يجعلُ المسلمَ في غنى عن جميعِ مصادرِ المعرفةِ والاستدلالِ الأخرى كعلمِ المنطقِ وغيرهِ.
وممّا يؤكّدُ أنَّ الحضارةَ الإسلاميّةَ حضارةٌ شاملةٌ كاملةٌ هو وجودُ مصادرَ مستقلّةٍ للمعرفةِ والبحثِ والاستدلالِ في الإسلامِ، تتوافقُ مع الحسِّ والعقلِ وتتكاملُ معها، ولا يوجدُ – بحمدِ اللهِ تعالى – تعارضٌ بين أصولِ الشريعةِ وبين العقلِ.
وبهذا يظهرُ لنا أنَّ ما فعلهُ شيخُ الإسلامِ في نقدهِ للمنطقِ وأفكارِ الفلاسفةِ لم يكنْ جانباً هدميّاً فحسب، أو كانَ حرباً للعلومِ الأخرى الخارجةِ عن علومِ الشريعةِ، كما يصوّرها لنا ناب!! ، وإنّما كان نقداً لها وتزييفاً، وإنشاءً وتأسيساً لأصولِ المعرفةِ والاستدلالِ في الإسلامِ وتأصيلِ ذلكَ، بل وإمدادِ البشريّةِ بأُسسِ العلمِ والمنطقِ التجريبيِّ وهو ما تعيشُ عليهِ أوربا الآن في فورةِ قوّتها ومجدِها، بعد أن غرقتْ قديماً في سفسطاتِ المنطقِ النظريِّ، ويعودُ فضلُ ذلكَ بتوفيقِ اللهِ تعالى لابنِ تيميّةَ إليهِ وهدايتهِ إلى إرساءِ دعائمهِ.
ويزدادُ صلفُ ناب وكذبه حينَ يقولُ: " كما أنَّ الحضارةَ كمصطلح هي مفهومٌ قادمٌ إلينا من خارجِ منظومتنا اللغويّةِ والثقافيّةِ!! "، ولا أدري كيف يجرؤُ على مثلِ هذا التلفيقِ والافتراءِ الواضحِ! ، ذلك أنَّ الحضارةَ قد تحدّثَ عنها وعن تعريفِها وعن مقوّماتِها العلاّمةُ ابن خلدون في كتابهِ المقدّمةِ، وذلك في القرنِ الثامنِ الهجريِّ، في الفترةِ التي تمثّلُ عصورَ الانحطاطِ والظلامِ في أوربا.
وهذا يوضحُ لنا تقدّمَ المسلمينَ في علومِ العمرانِ والاجتماعِ والسياسةِ على الغربِ، خلافاً لما افتراهُ ناب في مقطعٍ آخرٍ بقولهِ:" قصورُ الثقافةِ الإسلاميّةِ في مجالِ السياسةِ "، والثقافةُ التي يريدُها ناب هي الثقافةُ القائمةُ على الفصلِ بينَ التشريعاتِ الإسلاميّةِ وبينَ إدارةِ شئونِ الحياةِ، وأن تبقى الشريعةُ محصورةً في العباداتِ الظاهرةِ والروحانياتِ ولا تتعدّاها إلى صبغِ الحياةِ كلّها بالشريعةِ الإسلاميّةِ، وإنَّ أي دراسةٍ أو مؤلَّفٍ يؤصّلُ للحكمِ بشرعِ اللهِ، أو يُقرّرُ مسائلَ السياسةِ الشرعيّةِ، فهي ناقصةٌ غيرُ كاملةٍ، ما لم تحملْ في ثناياها المنهجَ الغربيَّ ورؤيتهُ الليبراليّةَ للحياةِ! .
" ومن هنا يُمكنُنا القولُ إن الحضارةَ مُنتجٌ إنسانيٌّ "، هذه العبارةُ من كلامهِ تكشفُ لنا حقيقةَ مقالهِ، لأنّهُ يُريدُ من جميعَ ما سبقَ إيرادهُ أن يُسقطَ البعدَ الدينيَّ عن الحضارةِ، ويجعلها نصيباً مُشتركاً بينَ الإنسانيّةِ، لا يؤثّرُ فيها دينٌ أو يحدّها شرعٌ، وكلامهُ هذا يردُّ عليهِ الواقعُ الذي يشيرُ إلى أنَّ الإسلامَ وحّدَ ملايينَ البشرِ، كانوا ينتمونَ إلى حضاراتٍ شتّى، فجمعهم على حضارةٍ واحدةٍ شاملةٍ تامّةٍ، ولم يحملهم على إلغاءِ مكتسباتِهم من حضاراتِهم السابقةِ ممّا لا يتعارضُ مع أحكامِ الشريعةِ، وإنّما دعاهم إلى التفاعلِ مع الحضارةِ الجديدةِ، ولم يعرفْ أحدٌ من الناسِ لهذه الرابطةِ الاجتماعيّةِ إطاراً توصيفيّاً دقيقاً إلا الحضارةَ الإسلاميّةَ.
يقولُ مالكُ بنُ نبيٍّ: " إنَّ الحضارةَ لا تنبعثُ إلا بالعقيدةِ الدينيّةِ، والحضارةُ لا تظهرُ في أمّةٍ من الأممِ إلا في صورةٍ وحي يهبطُ من السماءِ، يكونُ للنّاسِ شرعةً ومنهاجاً " – شروطُ النهضةِ 76 -.
للحديثِ بقيّةٌ ولكنّي أطلتُ، واعذروني على تداخلِ الكلامِ لعدمِ التحريرِ والمراجعةِ.
وحقيقة التسهيل أنه استعداد للمداينة الفعلية للعميل أو ضمان استدانته من الغير وهو مبدأ عام، ومن تطبيقاته كفالة ما سينشأ في الذمة فهي ضمان لاستدانة تنشأ بها حوالة دين، يحيل العميل فيها التاجر على البنك التاجر.
وعندما يقوم البنك بالدفع إلى التاجر بموجب حوالة الدين هذه يثبت له حق الرجوع على المحيل، هذا الحق في الرجوع لا يختص بمال معين للمحيل أو بحق معين له، ومع هذا يتعزر حقه بنشوء حوالة حق (1) يحيل التاجر فيها البنك التاجر على حامل البطاقة بموجب الحق الذي للتاجر عليه عندما استخدم البطاقة بدلا من الدفع الفعلي، وتعدد الأسباب لإحداث أثر ما لا يستغرب.
والتكييف القانوني يركز على الالتزامات الناشئة عن منح البطاقة واستخدامها أكثر من تركيزه على تكييف العلاقات، وذلك بسبب الهيمنة المطلقة لمبدأ (العقد شريعة المتعاقدين) والتي لم تكف في التطبيقات البنكية التي أعطت العرف المصرفي صفة المصدر الملزم للبنك وعميله ولو لم يوجد قانون يحكم العلاقة بينهما، وهو الغالب كما هو ملحوظ.
(1) المصدر السابق، ص423، 425.
(3)
التعريف والتكييف الشرعي لبطاقة الائتمان بوجه عام
إن التعريف الوارد في أحد قرارات مجمع الفقه الإسلامي يفي بالغرض من الناحية الشرعية، وهو وإن كان موضوعا لبطاقة الائتمان فإنه قد شمل كلا من بطاقة الاعتماد (الخصم الدوري) وبطاقة الصرف (الخصم الفوري) .
والتعريف المشار إليه جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي (الصادر في الدورة السابعة سنة 1992م) وهو يوضح جوهر هذه البطاقة بعيدا عن الفروق المختلفة بين بطاقة وأخرى، وهذا التعريف هو بالتالي:
بطاقة الائتمان هي مستند يعطيه مصدره (البنك المصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما، يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالا لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف.
ولبطاقات الائتمان صور:
• منها ما يكون السحب والدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف، وليس من حساب المصدر فتكون بذلك مغطاة.
• ومنها ما يكون الدفع من حساب المصدر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية.
• ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال فترة محددة من تاريخ المطالبة، ومنها ما لا يفرض فوائد.
• وأكثرها يفرض رسما سنويا على حاملها، ومنها ما لا يفرض فيه المصدر رسما سنويا.
وبعد التداول قرر المجلس تأجيل البت في التكييف الشرعي لهذه البطاقة وحكمها إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
أهمية بطاقة الائتمان وعلاقتها بالمصلحة المرسلة:
تحقق بطاقات الائتمان منافع مشتركة لكل من حاملها وقابلها ومصدرها:
فحامل البطاقة يتفادى بها حمل النقود وتعريضها لخطر الضياع أو السرقة أو عدم الكفاية لمتطلباته المالية لاسيما في السفر.
وقابل البطاقة، وهو التاجر (بائع السلعة أو مقدم الخدمة) تحقق له البطاقة الرواج لبضائعه وخدماته وإيجاد فرص الشراء بدلا من تسويف الراغب فيها لعدم حمله ما يكفي من النقود عند توافر رغبته في الشراء.
وأما بالنسبة للبنوك المصدرة لها فإن البطاقة هي من أهم الخدمات المصرفية، فبالإضافة لما تجلبه للبنك من عمولات وما تتيح له من تحريك للأموال واستفادة من عمليات الصرف تجعل حامل البطاقة واحدا من عملاء البنك في المجالات الأخرى التي يحتاج فيها إلى بنك.
والإحصائيات المعدة حول البطاقات، والمبالغ المستخدمة في الشراء بها أو الحصول على خدمات بواسطتها تدل دلالة واضحة على الأهمية الكبيرة لها.
إن ما يذكر أحيانا من محاذير أو أضرار بسبب أو آخر ليست البطاقة هي المسؤولة عنها، بل ترجع إلى عدم ترشيد الاستخدام، والتوسع فوق الطاقة في الشراء وتحصيل الخامات، والاستدانة للكماليات دون مقدرة ذاتية لها.. وهذه الأضرار قد يتعرض لها من لا يستخدم البطاقة لسلوكه المعاشي وبالدخول في عمليات الشراء بالتقسيط دون تدبر ظروفه للأداء.
والواقع أن منافعها أكثر من محاذيرها، وبذلك تكون مما يقع فيه تغليب المصلحة على المفسدة، وهو الشأن في أكثر الأشياء فتندرج في المصالح المرسلة إذا توافرت في تطبيقاتها الضوابط الشرعية مع انتفاء محظورات التعامل المالي.
(4)
التكييف الشرعي للعلاقات التعاقدية بين أطراف البطاقة
من المعهود تعدد التكييف الشرعي للعقود أحيانا، سواء كانت من العقود المسماة، أم من العقود المستحدثة التي لم ترتبط أحكامها الشرعية مباشرة بتسمياتها. وهذا التعدد في التكييف إما أن ينصب على العقد مطلقا، وإما أن يكون بالنظر إلى أطراف العقد، فيكون للعقد الواحد تكييف بحسب أحد طرفيه، وتكييف آخر بالنسبة للطرف الآخر وقد تجتمع تكييفات عديدة لعلاقة واحدة.
مثال النوع الأول (التعدد المطلق للتكييف) شركة المفاوضة فإن تكييفها أنها وكالة وكفالة.
ومثال النوع الآخر (التعدد الوجهي للتكييف) خطاب الضمان المغطى، فهو بالنسبة للبنك تجاه المستفيد كفالة، وبالنسبة لطالب الخطاب تجاه البنك وكالة بالدفع.
ومثال النوع الثالث: نشوء دين مع توثيقه بالرهن وبالحوالة، فيكون الدائن مرتهنا ومحالا له، كما يكون الدائن راهنا، ومحيلا.
وسنرى أن نظام البطاقات الذي يحتوي على أطراف وعلاقات متشابكة لا يخلو من تعدد التكييف بالأنواع المشار إليها.
التكييف الشرعي للعلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها:
تختلف العلاقة الشرعية بين مصدر البطاقة وحاملها بحسب التوقيت والفترة (قبل استخدام البطاقة- بعد استخدامها) .
ونبدأ بالشق الثاني وهو فترة استخدامها حيث تكون العلاقة هي علاقة حوالة، وذلك أن حامل البطاقة أحال التاجر على مصدر البطاقة لتحصيل مستحقاته على حامل البطاقة.
والحوالة هنا هي حوالة دين، وهي حوالة مقيدة أو حوالة مطلقة بحسب التفصيل التالي الذي انتهت إليه ندوة البركة الثانية عشرة وهو:
إذا كان لحامل بطاقة الائتمان (عميل البنك) حساب لدى البنك المصدر للبطاقة، واتفق على أن البنك يدفع من حساب العميل المبالغ التي استخدمت لها البطاقة فإنه تنشأ علاقة حوالة على مدين (حوالة مقيدة) العميل فيها محيل، والتاجر محال، والبنك محال عليه.
وإذا لم يكن لعميل البنك حساب وقبل البنك أن يتولى الدفع عنه ويطالبه بالسداد فيما بعد من غير فائدة فالعلاقة حوالة أيضا ولكن على غير مدين (حوالة مطلقة)(1) .
وإنما استبعدت الفترة السابقة لاستخدام البطاقة من تكييفها بالحوالة لأن من أركان الحوالة قيام الدين المحال، وفي هذه الفترة لم ينشأ دين، أما بعد استخدامها فقد وجد الدين الذي يمكن إحالته إلى البنك المصدر، أما الدين في ذمة المحال عليه فمختلف في كونه، حيث إن الحوالة المطلقة جائزة عند الحنفية، أما عند غيرهم فلها حكم الكفالة.
وفي ذلك يقول الشربيني من الشافعية عن الحوالة: (ولا تصح على من لا دين عليه، وقيل تصح برضاه، بناء على أنها استيفاء، فقبوله ضمان)(2) .
وقال البهوتي: (وإن أحاله على من لا دين عليه فهي وكالة)(3) .
(1) فتاوى ندوات البركة:12/1.
(2)
مغني المحتاج:2/194.
(3)
الروض المربع، ص221.
وعلى القول بأنها وكالة ينبغي أن تكون لازمة ولا يصح الرجوع عنها من الموكل أو الوكيل لتعلق حق الغير.
وعلى القول بأنها ضمان فإنه يطلب من الضامن فقط، فليس من قبيل الكفالة المعروفة التي للمكفول المطالبة للأصيل (المدين) أو الكفيل معا، بل تنحصر المطالبة في الكفيل.
أما في الفترة السابقة لاستخدام البطاقة، فإن التكييف الملائم للعلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها هي الكفالة: فالبنك المصدر يتكفل بأداء ما يجب في ذمة حامل البطاقة من ديون ناتجة عن استخدامها في حدود السقف المبين في شروط البطاقة تجاه التجار ومقدمي الخدمات المشتركين في نظام البطاقة.
والكفالة تقبل التقييد بالزمان والمبلغ والأشخاص كما أنها تنقسم إلى نوعين (الأول) كفالة دين ثابت عند انعقاد الكفالة (والثاني) كفالة دين سيثبت في المستقبل، وسيأتي فيما بعد بعض التفصيل في هذا النوع.
الالتزامات المالية على حامل البطاقة:
تتنوع الالتزامات المالية بالنسبة للعميل حامل البطاقة بحسب تنوع البطاقات وما تتضمنه من شروط وأحكام مختلفة لاستخدامها وفيما يلي أهم هذه الالتزامات:
1-
التزام العميل حامل البطاقة بإيداع مبلغ مالي يمثل الحد الأعلى للائتمان المسموح له باستخدام البطاقة، ويقوم البنك مباشرة بالسحب منه لسداد المستحقات.
يوجد هنا هذا النوع من الالتزامات في البطاقات الشبيهة ببطاقات الخصم الفوري، لأن إصدار هذه البطاقات لا يكون إلا لمن يحتفظ بحسابات جارية أو حسابات توفير استثمارية لدى البنك المصدر للبطاقة.
2-
التزام العميل حامل البطاقة بدفع تأمين نقدي يبقى تحت يد البنك المصدر طوال فترة استمرار العضوية كضمان لحقوق الغير أو البنك المصدر.
هذا الالتزام لا نجده إلا عند إصدار بطاقات الخصم الفوري، وهو الذي يشترط فيه البنك المصدر فتح حساب يكون رصيده الحد الأعلى لإيقاف أي مبالغ باستخدام البطاقة ففي هذه الحالة قد يشترط البنك المصدر – بالإضافة إلى وجود رصيد دائن مستمر – قيام حامل البطاقة بدفع تأمين نقدي.
3-
التزام العميل حامل البطاقة بسداد كامل المستحقات المطلوبة منه خلال فترة محددة دون تحميله أي فوائد ربوية.
يوجد هذا النوع من الالتزامات في البطاقات الشبيهة ببطاقات الخصم الشهري، لأنه لا يشترط في إصدار البطاقات على حاملها إيداع مبلغ مالي يمثل الحد الأعلى للائتمان المسموح له باستخدامه، وإنما هنا يكتفى بوضع حدود المبالغ المصرح باستخدامها من قبل حامل البطاقة مع الالتزام بعدم تجاوزها ويدفع ما عليه من مستحقات خلال فترة سماح محددة تختلف بحسب شروط البطاقة.
4-
التزام العميل حامل البطاقة بتقديم بعض الضمانات في حالة تمكينه من سداد كامل المستحقات المطلوبة منه خلال فترة محددة دون تحميله أي فوائد ربوية.
هذا الالتزام نجده في حالة إصدار البطاقات الشبيهة ببطاقات الخصم الشهرى.
تقديم الضمانات للحصول على بطاقات الائتمان:
صدرت بشأن هذه الالتزامات فتوى من ندوة البركة الثانية عشرة نصها:
(يجوز للبنك المصدر لبطاقة الائتمان أن يشترط على طالب تقديم ضمان (كفيل، أو رهن، أو رهن حساباته لدى البنك) وذلك في مقابل منح حامل البطاقة مهلة سداد محددة بدون فوائد، مع مراعاة الشروط والأحكام الشرعية للكفالة والرهن والمقاصة) .
العمولات التي يحصلها المصدر من حامل البطاقة:
إن العملات التي يحصل عليها البنك المصدر من عميله حامل البطاقة هي التالية:
- رسوم العضوية: يحصل هذا الرسم مرة واحدة عند الموافقة على طلب العميل للحصول على البطاقة أول مرة.
- رسوم التجديد: يحصل هذا الرسم عند تجديد صلاحية البطاقة وإصدار أخرى للعميل بدلا عنها بعد انتهاء مدتها المقررة السابقة (سنة واحدة أو سنتين) .
- رسوم الاستبدال: يحصل هذا الرسم عند ضياع البطاقة عن حاملها أو تلفها أو سرقتها، فيصدر البنك بدلا عنها عند إبلاغه بذلك.
وهذه العمولات المدفوعة من حامل البطاقة عبارة عن أجر عن خدمات متعددة مثل التعريف بالعميل وتجهيز البطاقة وإرسال الإشعار.. إلخ، وقد صدر عن ندوة البركة الثانية عشرة الفتوى التالية:
يجوز للبنك المصدر لبطاقة الائتمان أن يأخذ من طالب البطاقة رسوم العضوية، ورسوم الاشتراك أو التجديد، ورسوم الاستبدال على أن تكون تلك الرسوم مقابل الخدمات المقدمة لحامل البطاقة.
لا مانع من اختلاف الرسوم باختلاف الخدمات أو المزايا، وليس باختلاف مقدار الدين (المبلغ المستخدمة له البطاقة) أو أجله (مقدار مهلة السداد) .
التكييف الشرعي للعلاقة بين البنك المصدر وبين التاجر:
تحديد طرفي العلاقة هنا بأنهما مصدر البطاقة والتاجر قائم على حالة تولي البنك المصدر مهمة الإصدار والدفع، ولكن هناك حالة يقوم فيها إلى جانب البنك المصدر البنك التاجر وهو الذي يتعهد بالدفع ويقسم مع البنك المصدر العمولة التي تؤخذ من التاجر.
هذا، وإن العلاقة بين مصدر البطاقة وقابلها (التاجر) هي علاقة كفالة مقترنة بالحوالة التي تمت بين حامل البطاقة ومصدرها وكان التاجر فيها (محالا) .
وفائدة الكفالة هنا – مع أن الحوالة وحدها توصل التاجر إلى حقه – هي استمرار التزام مصدر البطاقة (أو البنك التاجر) بالأداء للتاجر، دون ربط بالرجوع على المحيل في حالة التوى (الإفلاس) ومبدأ الرجوع عند التوى مسألة خلافية بين المذاهب، وجمهور الفقهاء على أنه لا رجوع للمحال على المحيل عند التوى.
أما إذا كان المتعهد بالدفع هو البنك التاجر (وليس البنك المصدر) فإن علاقة (البنك التاجر بالتاجر) هي علاقة كفالة، وليست حوالة لعدم معرفة حامل البطاقة البنك التاجر، فلا تتصور الحوالة ممن يجهل المحال عليه.
وعلى كل حال فإن الكفالة والحوالة كما قال السرخسي: (يتقاربان من حيث إن كل منهما إقراض للذمة والتزام على قصد التوثيق)(1) .
العمولة التي يحصلها البنك التاجر، أو البنك المصدر، من التاجر:
هذه العمولة التي يدفعها أصحاب البضائع والخدمات الذين يقبلون التعامل بالبطاقة، هي أجرة السمسرة باستفادتهم من حاملي البطاقة وكذلك لقاء الأجهزة والنشرات والملصقات..إلخ.
وقد صدر بشأن هذه العمولة فتوى عن ندوة البركة الثانية عشر نصها:
(يجوز للبنك المصدر لبطاقة الائتمان، وبنك التاجر (البنك التاجر) تقاضي عمولة من التاجر القابل للبطاقة في بيع السلعة أو تقديم الخدمة، وذلك مقابل الخدمات المقدمة للتاجر في منح البطاقة، وقبول الدفع بها، وتوفير العملاء، وتحصيل المستحقات بالوكالة عن التاجر) .
ولا مانع من اقتسام هذه العمولة بين البنك المصدر والبنك التاجر لاشتراكهما في تقديم الخدمات المشار إليها.
(1) المبسوط للسرخسي: (20/46) .
التكييف الشرعي للعلاقة بين البنك التاجر والتاجر:
نظام هذه البطاقات يستوجب وجود علاقة مسبقة بين هؤلاء التجار وأحد البنوك الأعضاء في المنظمة، والذي يسمى في هذه الحالة البنك التاجر، بحيث يتم تعاقد بينهما يخول التاجر بموجبه قبول التعامل بالبطاقة أينما كان مصدرها ومن أي بلد بالعالم، ويلتزم البنك التاجر بدوره بسداد المبالغ المستحقة من جراء استخدام تلك البطاقة خلال فترة زمنية لا تزيد عن ثلاثة أيام من الطلب، فضلا عن قيامه بتوفير ما يحتاجه التاجر من معلومات وبيانات وتمكينه من الأجهزة اللازمة، وتأمين نوعية جيدة من الزبائن حاملي هذه البطاقات.
وعند دفع قيمة القسيمة المستحقة للتاجر يقوم البنك التاجر بدوره بتحصيل تلك المبالغ من مصدري البطاقة عن طريق نظام المقاصة والتسويات لدى المنظمة العالمية التي تتبع لها البطاقة.
وتكييف العلاقة بين البنك التاجر والتاجر مزدوجة:
فهي (أولا) الأثر الناشئ عن حوالة الدين الصادرة من حامل البطاقة على البنك التاجر، لصالح التاجر، فالتاجر ينشأ له التزام على البنك التاجر بموجب الحوالة.
وهي (ثانيا) حوالة حق، بإحالة التاجر البنك التاجر لاستيفاء ما للتاجر من حق على حامل البطاقة، وهي بمثابة توثيق آخر لحصول البنك التاجر على ما يدفعه، فيثبت له حق الرجوع على حامل البطاقة بسببين هما حق استيفاء المحال عليه (البنك التاجر) من المحيل (حامل البطاقة) في الحوالة المطلقة، وحق استيفاء المحال (البنك التاجر) حوالة حق من المحال عليه (حامل البطاقة) .
وقد صدرت بجواز أخذ البنك التاجر عمولة من التاجر فتاوى عن الهيئات الشرعية لكل من شركة الراجحي وبيت التمويل الكويتي والبنك الإسلامي الأردني، على أساس أنها أجر وكالة على الوساطة بين التاجر وحامل البطاقة للترويج وتأمين الزبائن وتحصيل الديون، وأنه لا أثر للضمان الذي يوجد في بعض الحالات لأنه لا تزداد العمولة مقابلة ولا ينظر للمبلغ المضمون.
العلاقة الشرعية بين حامل البطاقة وقابلها (التاجر) :
سبقت الإشارة إلى أن العلاقة بين البنك المصدر للبطاقة وحاملها عند استخدام البطاقة هي علاقة حوالة، والحوالة لها أطراف ثلاثة، والتاجر أحدها حيث إنه هو (المحال) لتحصيل مستحقاته على حامل البطاقة من البنك التاجر وكيل البنك المصدر الذي هو المحال عليه.
والتاجر أيضا مكفول له بموجب كفالة البنك المصدر لحامل البطاقة.
نوع الكفالة القائمة في بطاقات الائتمان:
الكفالة التي تكيف بها العلاقة بين مصدر البطاقة والقابل لها- في أي فترة لم تستخدم فيها- هي من قبيل كفالة ما لم يجب بعد، بمعنى ضمان ما سيدرك الذمة من التزامات لما تثبت بعد، وهي مقررة ثابتة في المذاهب الأربعة بالنظر إلى المذهب القديم للشافعية.
والكفالة - كما هو مقرر يمكن أن تقع على حق معين، أو على جميع الحقوق ومطلقا أو لمدة محددة، ولا أثر لها إلا بعد ثبوت حق بذمة المكفول عنه (المدين) ، كما أنها تتقيد بسقف معين من الالتزامات، ويحسب الصيغ المحددة للتعامل فلا يدخل غير ما حدده من أسباب الالتزام المستوجب للكفالة.
الرجوع عن كفالة الالتزامات المستقبلية:
من أحكام كفالة ما سينشأ في الذمة مستقبلا أنه يحق الرجوع عنها دون إخلال بحق الغير، أي يشعر الضامن المكفول لهم قبل نشوء الالتزام (المكفول به) بأنه أنهى ضمانه للمكفول عنه، فيصح هذا الرجوع فيما لم يقع التعامل فيه، وأما ما سبق الرجوع فإنه مشمول بالكفالة، قال ابن الهمام:(لو رجع الكفيل عن هذا الضمان (ضمان ما لم يثبت في الذمة) ، ونهاه عن المبايعة صح، حتى لو بايعه بعد ذلك لم يلزم الكفيل شيء) (1) .
وهذا يصلح سندا لإيقاف المصدر البطاقة بإلغاء صلاحيتها ويشعر بذلك القابلين للتعامل بها، فلا تثبت كفالة المصدر لأي مداينة تقع بعد الإلغاء.
التكييف الشرعي للعلاقة بين البنك المصدر للبطاقة والمنظمة الراعية لها:
العلاقة بين البنك المصدر للبطاقة والمنظمة العالمية الراعية لها هي علاقة وساطة (سمسرة) ، حيث إن المنظمة هي صاحبة الحق المعنوي في البطاقة (الترخيص أو الامتياز) . وتنشئ المنظمة علاقة بينها وبين البنوك والمؤسسات المالية التي تصدر البطاقة، حيث تزود المنظمة تلك البنوك بالخبرة الفنية والإدارية في إدارة نشاط إصدار البطاقة، وتشمل خدمات المنظمة التوسط بين الأعضاء بشأن الاتصالات والمراسلات وعمليات المقاصة والتسويات وعمليات التفويض وإيجاد الحلول للمشاكل التي تحدث بين الأعضاء.
وتحصل المنظمة من الأعضاء عمولة في حدود التكلفة، لأن هذه المنظمات ليست شركات هدفها الربح بل هي بمثابة ناد أو هيئة مالية لاستقطاب البنوك الراغبة في إصدار البطاقة.
وعموما فإن المنظمة العالمية تغطي مصاريفها كاملة من خلال:
• إيرادات الاشتراك (العضوية) للأعضاء.
• الإيرادات ربع السنوية.
• ثمن بعض البرامج التي تقدمها المنظمة.
• الرسوم على بعض الخدمات.
(1) فتح القدير، لابن الهمام:(7/183) .
التكييف الشرعي للعلاقة بين البنك التاجر والبنك المصدر:
يقدم البنك التاجر خدمات للبنك المصدر للبطاقة، وذلك بالترويج لاستخدام البطاقة من قبل أصحاب المتاجر والخدمات، وهو الذي يتولى إبرام الاتفاقيات مع التجار، والتعهد بدفع المبالغ المستحقة المترتبة على قبولهم البطاقة، وهو في علاقته مع البنك المصدر يقوم بدور الوكيل أو الوسيط (السمسار) ، ويستحق من المصدر عمولة على ذلك.
وهذه العمولة ليست عن دوره كفيلا فإن المألوف في عمولة الكفالة أن يدفعها المستفيد من الكفالة هو المكفول له، والبنك المصدر كفيل وليس مكفولا له.
وهذه العمولة هي جزء من العمولة التي يحصل عليها البنك التاجر من التاجر حيث يقتسمها البنك التاجر مع البنك المصدر، كما يقدمان جزءا منها إلى المنظمة العالمية للبطاقة، وهذه العمولة أجور سمسرة.
والعلاقة بين الأطراف الثلاثة (المنظمة، والبنك المصدر، والبنك التاجر) هي علاقة وكالة بأجر.
(5)
قضايا شرعية متعلقة ببطاقات الائتمان
غرامات التأخير على حامل البطاقة:
احتساب فوائد عن كل يوم تأخير كما تجريه البنوك التقليدية المصدرة للبطاقات هو من الربا المحرم، وبالتالي ليس للبنك الإسلامي المصدر لبطاقات الائتمان اتباع هذا الأسلوب.
ولكن هناك أساليب أخرى أجازتها كثير من الفتاوى المعاصرة، ومنها اشتراط غرامات تأخير على المدين المماطل على أن تصرف في وجوه الخير العامة ولا يتمولها البنك نفسه للابتعاد عن شبهة الربا المحرم، هذا بالإضافة إلى مطالبة البنك المصدر العميل بتحمل جميع المصاريف الفعلية التي يدفعها البنك بسبب استخلاص مستحقاته، مثل النفقات القضائية وأتعاب المحاماة وغيرها من المصاريف التي يدفعها البنك لرفع الظلم عنه وتحصيل أمواله من عملية المدين.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك فتاوى صادرة عن بنك الغرب الإسلامي في السودان وعن بيت التمويل الكويتي أجازت ذلك بشرط كون المدين مماطلا وليس معسرا مستحقا للإنظار.
وفيما يلي الجزء المتفق عليه من المشاركين في ندوة البركة الثانية عشرة:
(يجوز اشتراط غرامة مقطوعة، أو بنسبة محددة على المبلغ والفترة في حال تأخر حامل البطاقة عن السداد دون عذر مشروع، وذلك على أساس صرف هذه الغرامة في وجوه البر ولا يتملكها مستحق المبلغ.
ويستأنس لذلك بالقول بالتعزير بالمال عند بعض الفقهاء، وبما ذهب إليه بعض المالكية من صحة التزام المقترض بالتصدق إن تأخر عن السداد، وتكون المطالبة بذلك- عند الامتناع على أساس دعوى الحسبة عما لصالح جهة البر الملتزم بالتصدق عليها) .
استخدام بطاقات الائتمان التي فيها شرط تقاضي فوائد التأخير:
يؤخذ مما جاء في فتاوى بعض اللجان المختصة بالفتوى- بشأن القروض الإسكانية، أو فواتير الهاتف، التي فيها شرط دفع فوائد على تأخير السداد - أن حامل البطاقة إذا اتخذ من الاحتياطات ما يكفل عدم تطبيق هذا الشرط المحرم عليه، فلا بأس من الاستفادة من البطاقة وتوقيعه على اتفاقيتها بالرغم من هذا الشرط، لأنه في معرض الإلغاء شرعا، وهو مستنكر ومعمول على استبعاد مفعوله.
والدليل الشرعي لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم، المروي في الصحيحين لعائشة رضي الله عنها في أمر بريرة رضي الله عنها:((خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق)) ، وفي رواية:((اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء)) ، قال شراح الحديث:(معناه: لا تبالي لأن اشتراطهم مخالف للحق، فلا يكون ذلك للإباحة، بل المقصود الإهانة وعدم المبالاة بالاشتراط وإن وجوده كعدمه)(1) .
هذا من حيث المستخدم، أما من جهة المشترط فإن اشتراطه فوائد التأخير حرام باتفاق، وهو من ربا الجاهلية، وهو ما يدعى قاعدة:(زدني أنظرك) .
(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام: (3/11) .
السحب النقدي بالبطاقة لقاء عمولة:
جاء في الفتوى (12/5) لندوة البركة عن سحب النقود ومهما كانت العملة ما يلي:
(لا مانع شرعا من استخدام بطاقة الائتمان في السحب النقدي من البنك المصدر أو فروعه أو البنوك الأعضاء المتفق معها على تمكين حامل البطاقة من السحب، سواء كان له رصيد لدى البنك المصدر للبطاقة أم لم يكن له رصيد ووافق البنك المصدر على تقديم تسهيلات لحامل البطاقة دون تقاضي فوائد على ذلك، كما لا يمتنع شرعا استخدام البطاقة للسحب النقدي من أجهزة الصرف الآلي المنتشرة في العالم) .
ويجوز أخذ العمولة على ذلك سواء كانت لصالح البنك المصدر للبطاقة أم غيره من البنوك الأعضاء، سواء كانت العمولة مبلغا مقطوعا أم نسبة مئوية من المبلغ، بشرط ألا تزيد العملة في حالة السحب على المكشوف، وذلك على أساس أن العمولة تقابل خدمة فعلية لتوصيل المال للساحب ولا ترتبط بمقدار الدين ولا بأجل الوفاء به.
الصرف عند تسوية حساب حامل البطاقة:
في حالات عديدة يقوم العميل حامل البطاقة باستخدام بطاقته لسداد قيمة مشتريات أو خدمات تختلف عن عملة حساب البطاقة التي يتعامل بها مع البنك المصدر، وحيث إن هذا الأخير يدفع تلك المبالغ لمستحقيها بالدولار عادة، فإن تسوية المعاملة تحتاج إلى عملية صرف أو تحويل المستحقات من الدولار إلى العملة المحلية.
فبعض البنوك المصدرة تقوم بعملية الصرف على أساس السعر المعلن لديها في يوم قيد قيمة تلك المشتريات أو الخدمات على حساب العميل حامل البطاقة أو بزيادة نسبة معلومة.
وبعض البنوك يعتمد سعر الصرف السائد في التاريخ الذي تم فيه سداد القيمة من جانب البنك نيابة عن العميل حامل البطاقة.
وبعضها يعتمد سعر الصرف السائد في تاريخ استلام بيان المبالغ المستحقة من المنظمة العالمية.
وقد صدرت في شأن هذه المسألة فتوى في ندوة البركة الثانية عشرة، وهي:
(يجوز اتفاق البنك المصدر مع حامل البطاقة على تحويل قيمة المبالغ المستحقة، باستخدام السعر المعلن لدى البنك يوم إجراء قيد العملية لصالح التاجر (يوم السداد) ، وذلك بالحسم من حساب حامل البطاقة إن كان فيه رصيد، أو بإقراض البنك له بدون فوائد بإضافة المبلغ إلى حسابه المكشوف ثم الحسم منه، إن كان البنك قد وافق على إقراضه في هذه الحالة.
ويعتبر شرط التقابض متوافرا وهو من قبيل القبض الحكمي لأن هذا صرف ما في الذمة وهو جائز عند جمهور العلماء) (1) .
(1) فتاوى ندوات البركة: (2/108) .
شراء الذهب والفضة وصرف العملات بالبطاقة:
يجوز استخدام بطاقة الائتمان في شراء الذهب والفضة وصرف العملات بشرط عدم التأجيل أو التأخير بالاشتراط أو العرف، مع مراعاة أنه لا يحصل اختلال التقابض بالتأخير غير المقصود (72 ساعة) على ما هو المتبع في القيود المصرفية، طبقا لقرار مجمع الفقه الإسلامي.
وذلك لأن قسيمة الدفع الموقعة من حامل البطاقة تقوم مقام القبض، كالشيك، بل هي أقوى منه كما أفاد الفنيون، لأنها ملزمة للتاجر وتبرأ بها ذمة حامل البطاقة من الدين حالا، وليس له الاعتراض على الوفاء بقيمتها.
شراء سلع أو خدمات محرمة بالبطاقة:
لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان لمن يعلم البنك، أو يظن، أنه يستخدمها في أعمال مخالفة للشريعة الإسلامية، لأن في ذلك معاونة له على الإثم. ويستحسن للبنك المصدر للبطاقة التنبيه بأسلوب لطيف على أن المتوقع من المسلم عدم استخدامها في ذلك، وأنه يحق للبنك في حالة مخالفة العميل إلغاء البطاقة.
(6)
استخدام بطاقة الائتمان
لشراء سلع على أساس التمويل بالمرابحة
طرح في ندوة البركة الثانية عشرة عند دراسة بطاقات الائتمان اقتراح من خلال ورقتي العمل المقدمتين بغرض إصدار بطاقة بديلة للبطاقة التي تصدرها البنوك التقليدية وتخول حاملها السحب على المكشوف مقابل فوائد عن أجل السداد.
ويقوم ذلك البديل على أساس بيع المرابحة للآمر بالشراء:
بتوكيل البنك المصدر التاجر في الشراء لصالح البنك ثم البيع إلى حامل البطاقة وكيلاً عن البنك.
أو بتوكيل البنك المصدر العميل في الشراء لصالح البنك ثم البيع لنفسه، وذلك وفق ما يتم تحديده من شروط وبيانات في الطريقتين، ولم يبت في الاقتراح لحاجته إلى مزيد من البحث والدراسة والتأصيل إن أمكن على غير أساس المرابحة التي تكررت التوصيات بالتخفيف من استخدامها كاقتران بيع الأجل بخيار الشرط مثلا، وذلك لتجديد النظر في الاقتراح لتوفير بديل للاستخدام غير المشروع (1) .
والأصل في هذه البطاقة أن يقوم العميل بدفع ما عليه من مستحقات نتجت عن استخدام البطاقة في آخر كل شهر. بمعنى يجب توافر الرصيد الكافي لخصم ما تم سحبه أو الشراء به.
وهناك محاولات عديدة من بعض البنوك الإسلامية لإيجاد البدائل الشرعية لهذا النوع من البطاقة بعد أن نشطت البنوك التقليدية في ترويجها.
وتلك البدائل إما أن تستخدم صيغة المرابحة المشار إليها بعد تطويرها وتوفير الوسائل لتحقيق ضوابطها الشرعية، وإما أن تستخدم أسلوب السماح والاستفادة من المدد التي تستغرقها عملية الأداء للتاجر.
(1) المصدر السابق: (12/10) ، ص211.