المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإجارة المنتهية بالتمليكوصكوك الأعيان المؤجرةإعدادالدكتور منذر قحف - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني عشر

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادأ. د. خليفة بابكر الحسن

- ‌استثمار موارد الأوقافإعدادالدكتور إدريس خليفة

- ‌استثمار موارد الأحباسإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌أثر المصلحة في الوقفإعدادالشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌صور استثمار الأراضي الوقفية فقهاً وتطبيقاًوبخاصة في المملكة الأردنية الهاشميةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكوصكوك الأعيان المؤجرةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة(الإجارة المنتهية بالتمليك)دراسة فقهية مقارنةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكدراسة اقتصادية وفقهيةإعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌الشرط الجزائي ومختلف صوره وأحكامهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الشرط الجزائيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌الشرط الجزائيإعدادالأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الشرط الجزائي في العقودإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور ناجي شفيق عج

- ‌الشرط الجزائيدراسة معمقة حول الشرط الجزائي فقها وقانوناإعدادالقاضي محمود شمام

- ‌عقود التوريد والمناقصةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌عقد التوريددراسة فقهية تحليليةإعدادالدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ مجتبى المحمودوالشيخ محمد على التسخيري

- ‌الإثبات بالقرائن والأماراتإعدادالدكتور عكرمة سعيد صبري

- ‌القرائن في الفقه الإسلاميعلى ضوء الدراسات القانونية المعاصرةإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الطرق الحكمية في القرائنكوسيلة إثبات شرعيةإعدادالدكتور حسن بن محمد سفر

- ‌دور القرائن والأمارات في الإثباتإعدادالدكتور عوض عبد الله أبو بكر

- ‌بطاقات الائتمانتصورها، والحكم الشرعي عليهاإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور محمد العلي القري

- ‌بحث خاصبالبطاقات البنكيةإعدادالدكتور محمد بالوالي

- ‌بطاقة الائتمانإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بطاقة الائتمان غير المغطاةإعدادالشيخ علي عندليبوالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التضخم وعلاجهعلى ضوء القواعد العامةمن الكتاب والسنة وأقوال العلماءإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الصلح الواجب لحل قضية التضخمإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌تدهور القيمة الحقيقية للنقود ومبدأ التعويضومسؤولية الحكومة في تطبيقه

- ‌مسألة تغير قيمة العملة الورقيةوأثرها على الأموال المؤجلةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌التأصيل الشرعي للحلول المقترحةلعلاج آثار التضخم

- ‌التضخم وتغير قيمة العملةدراسة فقهية اقتصاديةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌نسبة التضخم المعتبرة في الديونإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

- ‌حقيقة التضخم النقدي: مسبباته – أنواعه – آثاره

- ‌التضخم وآثاره على المجتمعات

- ‌ضبط الحلول المطروحة لمعالجة آثار التضخم على الديون

- ‌حقوق الأطفال والمسنينإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌حقوق الشيوخ والمسنين وواجباتهمفي الإسلامإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌حول حقوق المسنينإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌حقوق الطفلالوضع العالمي اليومإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌الشيخوخةمصير. . . وتحدياتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌البيان الختامي والتوصياتالصادرة عنالندوة الفقهية الطبية الثانية عشرة

- ‌(حقول المسنين من منظور إسلامي)

الفصل: ‌الإجارة المنتهية بالتمليكوصكوك الأعيان المؤجرةإعدادالدكتور منذر قحف

‌الإجارة المنتهية بالتمليك

وصكوك الأعيان المؤجرة

إعداد

الدكتور منذر قحف

مقدمة

تتميز الإجارة –بين أدوات التمويل الأخرى- ببضع مزايا، من وجهة نظر كل من المؤجر، والمستأجر، فبالنسبة للمستأجر، أهم ما يميز الإجارة هو أنها تمويل من خارج الميزانية بمعنى أن إدارة المؤسسة المستأجرة، التي هي في العادة مطالبة بتقديم تبرير تفصيلي لاستعمالات أموالها، لا تحتاج إلى ذلك فيما يتعلق بالأعيان المستأجرة، لأن شراء الأصل المستأجر يتم من قبل المؤجر، ولا يتعلق التزام المستأجر إلا بدفع الأجرة، التي تعتبر نفقة إيرادية، وليست رأسمالية.

ثم إن الإجارة تقدم –في الأغلب- تمويلاً كاملاً لشراء الأصل الثابت المستأجر بخلاف الأدوات الأخرى، وبخاصة القرض الربوي، التي تتطلب في العادة مشاركة المستفيد بنسبة معينة من ثمن الأصل الثابت المطلوب.

وكذلك فإن الإجارة تساعد المستأجر على التخطيط والبرمجة لنفقاته، لأنه يعرف التزامه المالي مقدماً، وتعتبر وسيلة جيدة تحميه ضد التضخم، خصوصاً إذا ارتبط بعقد إجارة ثابت الأجرة لوقت طويل، وهي تيسر الأعمال الإدارية والمحاسبية للمستأجر، بإعفائه من الخوض في مسائل احتياطيات الاستهلاكات، والتغير في قيمة الأصول الثابتة، وما لذلك من تأثير على تقدير الضرائب، والتقارير اللازمة لها، وهي لا تضغط على سيولة المستأجر النقدية أو رأس المال العامل لديه، بقدر ضغط شراء الأصل المرغوب في منافعه مما يتيح له استعمال السيولة للأغراض الأخرى للشركة.

كما أن للإجارة مزايا أخرى بالمقارنة مع بعض الأدوات التمويلية الأخرى، كل على حدة، فهي مثلاً تحافظ على حصر ملكية الشركة بمالكيها الحاليين، إذا ما قورنت مع زيادة رأس المال عند الحاجة إلى تمويل لشراء أصول ثابتة جديدة، وهي أكثر ثباتاً وتأكيداً من السحب على المكشوف والتسهيلات الائتمانية المصرفية أو التجارية، كما أنها قد تتمتع بمزايا ضريبية، لأن الأجرة نفقة تنزل من الأرباح، إذا ما قورنت بوسائل التمويل التي تقوم على توزيع الأرباح، كالمضاربة.

ص: 228

أما بالنسبة للممول (المؤجر) ، فالإجارة تشكل صيغة أخرى من صيغ التمويل، مما يزيد في مجال اختياراته بين الصيغ المعتمدة، وهي أقل مخاطرة من القراض والمشاركة، لأن الممول يملك الأصل المؤجر من جهة، ويتمتع بإيراد مستقر وشبه ثابت، وسهل التوقع من جهة أخرى، وهي تدر إيراداً للممول (المؤجر) خلافاً للقرض الحسن، وفضلاً عن ذلك فإن بعض المزايا الضريبية، التي نالها المؤجر يمكن أن تنعكس على المستأجر على شكل تخفيض في الأجرة، مما يجعل الإجارة أكثر كفاءة من أشكال التمويل التي لا تحقق مزايا ضريبية، كما أن التمويل عن طريق الاستئجار أقل تعقيداً من حيث الإجراءات والشروط القانونية –في العادة من التمويل عن طريق زيادة رأس المال (1) ، يضاف إلى ذلك أن بقاء الملكية بيد المؤجر يعطيه ضماناً مفضلاً للتمويل الذي يقدمه، مما يجعله أكثر اطمئناناً من التمويل بالمرابحة الذي ينقل الملكية إلى المشتري من تاريخ العقد.

ويلاحظ أن الإجارة كصيغة تمويلية لم تلفت نظر الباحثين في البنوك الإسلامية خلال العقد الأول من وجود هذه المصارف (2) ، ولعل من أوائل من كتب فيها تفصيلاً الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان باقتراح من كاتب هذه الأوراق، وقد نشر المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بحثه في عام 1992م، تلا ذلك كتاب سندات الإجارة والأعيان المؤجرة لمنذر قحف الذي نشر عام 1995م.

تحتوي هذه الأوراق على قسمين: أبحث في القسم الأول منهما في الإجارة المنتهية بالتمليك وأخصص القسم الثاني لصكوك التأجير.

(1) tom Clark، ed.، Leasing Finance، Euromoney Books، Essex، Great 1990 Britain.

(2)

فلم يرد للإجارة في كتابات المرحوم عيسى عبده إبراهيم ولا موسوعة البنوك الإسلامية ولا كتابات الدكتور سامي حمود المبكرة ولا في الرسائل الجامعية المبكرة حول أدوات التمويل الإسلامية مثل رسالة الدكتور محمد صلاح الصاوي ورسالة الدكتورة أميرة مشهور.

ص: 229

القسم الأول

الإجارة المنتهية بالتمليك

تعريف الإجارة، ومشروعيتها ولزومها:

ذكرت الموسوعة الفقهية تعريفاً للإجارة نسبته للفقهاء! هو أنها "عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض"، ونقل الدكتور أبو سليمان تعريفات عن كل من المذاهب الأربعة ورجح منها تعريف الحنابلة وهو "عقد على منفعة مباحة معلومة، مدة معلومة، من عين معلومة، أو موصوفة في الذمة، أو عمل، بعوض معلوم"، ونلاحظ التفصيل في هذا التعريف من إدخال شرطي العلم والإباحة، وأنه يشمل مدة معلومة وإنجاز عمل معلوم، كخياطة ثوب أو نقل شخص مسافة معلومة، بغض النظر عن المدة التي يأخذها ذلك العمل.

وإن هذا التعريف يصلح كمقدمة لبحث الإجارة المنتهية بالتمليك، لأنها إجارة تتحدد في العادة بالزمن وليس بإنجاز عمل معلوم.

أما حكمها التكليفي فهو الجواز أو المشروعية، وقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع والعقل (1) ، وهي عقد لازم عند المذاهب الأربعة (2) ، وحكى ابن رشد الجواز فيها، ويرى الحنفية أن للمستأجر فسخ الإجارة للعذر الطارئ (3) .

(1) الموسوعة الفقهية: 1/245؛ وعقد الإجارة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، ص19-22.

(2)

أبو سليمان، ص33.

(3)

الموسوعة الفقهية، ص253.

ص: 230

تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك:

قد يصعب وضع تعريف محدد للإجارة المنتهية بالتمليك قبل التعرف على صورها، فهي من جهة إجارة ينطبق عليها تعريف الإجارة المذكور، ولكن فيها تخصيصاً أضيق، لأنه يقصد منها أن يشتمل مجموع الأجرة خلال مدة العقد على ما يفي بسداد ثمن العين المؤجرة مع العائد الإيجاري المرغوب به، فحقيقتها أنها –في جميع صورها- إجارة وشراء معاً، مهما كان الشكل التعاقدي الذي يتخذه نقل الملكية، سواء أكان ذلك عند انتهاء مدة الإجارة، أم تنجيماً على أسهم أثناء مدة العقد.

ولقد جاء في استفسار البنك الإسلامي للتنمية الموجه إلى مجمع الفقه الإسلامي؛ وصف هذا العقد بأنه عقد إجارة يتضمن التزاماً من المؤجر بهبة العين المستأجرة عقب وفاء جميع أقساط الأجرة، أما الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي فقد عرفت الإجارة المنتهية بالتمليك بأنها: عقد على انتفاع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة موزعة على مدة معلومة على أن ينتهي العقد بملك المستأجر للمحل.

أما هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية فقد آثرت تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك من خلال تعداد حالاتها العملية، وهي:

(أ) الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق الهبة.

(ب) الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق البيع بثمن رمزي أو غير رمزي يحدد في العقد.

(ج) الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق البيع قبل انتهاء مدة عقد الإجارة بثمن يعادل باقي أقساط الأجرة.

(د) الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق البيع التدريجي.

ويمكن إضافة حالة خامسة هي:

(هـ) الإجارة المبتدئة بالتمليك، وتنتقل فيها ملكية العين بعقد بيع في أول مدة الإجارة مقابل الدفعة النقدية المقدمة مع استثناء منافع العين من البيع لمدة الإجارة، ثم تباع هذه المنافع لمشتري العين نفسه بعقد إجارة للمدة المعلومة.

وفي جميع هذه الحالات يكون نقل الملكية ملزماً ومطلوباً للطرفين، فهو من مقصود العقد نفسه.

ص: 231

أما القسط الذي يدفعه المستأجر فيمكن أن يتخذ أياً من ثلاثة أشكال هي:

1-

مبلغ ثابت متساو لجميع الأقساط، محدد في العقد، يتألف كل قسط منه من جزء متزايد يقابل أصل ثمن العين المؤجرة، ومن جزء متناقص يقابل أجرة محسوبة على أساس مجموع الأجزاء المتبقية من أصل الثمن.

2-

مبلغ متناقص بشكل تدريجي محدد في العقد، يتألف كل قسط منه من جزء ثابت يقابل نسبة من أصل الثمن (مثلاً 10 % إذا كانت الإجارة لعشر سنوات) ، وجزء متناقص يقابل أجرة محسوبة على أساس مجموع الأجزاء المتبقية من أصل الثمن.

3-

مبلغ متناقص يتألف من جزأين: جزء ثابت مماثل للشكل رقم (2) وجزء متناقص غير محدد بذاته في العقد ولكن قد حدد العقد طريقة حسابه، كأن يكون معدل Libor + 2 % مثلاً، بحيث يعلم مقداره قبل بدء كل فترة إيجارية.

وإلى جانب الإجارة المنتهية بالتمليك نجد نوعاً من الإجارة التمويلية الشائعة، وبخاصة في السيارات، وهي إجارة منتهية بالتخيير، لا بالتمليك، ويكون التخيير فيها عادة للمستأجر بين إعادة العين المؤجرة إلى المالك أو شرائها بثمن يحدده العقد نفسه (1) .

(1) من الواضح أن خيار تمديد عقد الإجارة بنفس الأجرة لمدة جديدة لا يرد هنا لأنه غير مقبول للمستأجر باعتبار النقص في عمر السيارة الاقتصادي وبالتالي ثمنها، وقد يرد في بعض العقود خيار بالاستئجار لمدة جديدة بأجرة يتفق عليها عند انتهاء مدة الإجارة، ولكن هذا الخيار يعتبر فرعاً من إعادة العين للمالك، لأن العين تعود له إذا لم يتفق على الأجرة.

ص: 232

التكييف الشرعي للإجارة المنتهية بالتمليك وصورها:

يتنوع تكييف الإجارة المنتهية بالتمليك باختلاف صورها، لذلك سنستعرض هذه الصور الخمسة وتكييف كل منها، مع ملاحظة أن جميع هذه الصور تتضمن اجتماع عقدين مع بعضهما، أو إدخال شروط تمثل عقداً آخر في عقد الإجارة، لذلك فإنه مما يعين في فهم هذه الصور العودة إلى مسألة اجتماع العقود، وقد نوقشت في الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي.

فالأصل الشرعي في المعاملات حرية التعاقد وصحة الشروط إلا ما أبطله الشرع أو نهى عنه بنص أو قياس صحيح، ولقد تبين من النصوص المتعددة أن الاجتماع يؤثر في الصحة والبطلان والإباحة والحرمة، كما في البيع والسلف وزواج المرأة مع أختها أو عمتها، ولقد فصل فضيلة الشيخ الدكتور حسن الشاذلي في آراء المذاهب في اجتماع العقود، فإذا كانت العقود متفقة الأحكام "يصح عند الحنفية أن تحتوي الصيغة على أكثر من عقد طالما توافر في ذلك ثلاثة شروط هي:

1) صلاحية المحل لورود جميع العقود عليه، 2) انتفاء الجهالة، 3) أن يصدر القبول موافقاً للإيجاب" (1) .

أما إذا كانت العقود مختلفة الأحكام فيطبق الحنفية على اجتماعها رأيهم المعروف في الشروط، فالشرط الذي لا يقتضيه العقد فاسد عندهم، ومفسد للعقد أيضاً.

أما المالكية فيصح عندهم اجتماع الإجارة والبيع، والإجارة والهبة، لعدم تضاد هذه العقود، ومنعوا اجتماع البيع مع الشركة أو مع الصرف لوجود التضاد بينها (2) .

وقد فصل الدكتور الشيخ نزيه حماد في مبدأ التضاد هذا، وبين أن المقصود منه "ترتب التنافر في موجبات آثار كل من العقدين"(3) ، أو العقد والشرط، لا مجرد الاختلاف والتباين في وضع العقدين وأحكامهما، "وأن ذلك التضاد والتناقض إنما يكون إذا ورد العقدان على محل واحد مثل بيع عين وهبتها أو شراء أمة ونكاحها"(4)

(1) أ. د. حسن الشاذلي "اجتماع العقود المتفقة أو المختلفة الأحكام في عقد واحد"ورقة قدمت في الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي، نوفمبر 1998م، ص26.

(2)

المرجع السابق، ص30.

(3)

أ. د. نزيه حماد، (اجتماع العقود المتعددة في صفقة واحدة في الفقه الإسلامي) ، ورقة قدمت في الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي، ص16-17.

(4)

المرجع السابق نفسه.

ص: 233

كما أوضح أن الاختلاف بين البيع والإجارة، وبين الإجارة والهبة ليس من باب التضاد والتناقض رغم ما بينهما من اختلاف في الحكم وفي الآثار (1) .

أما مذهب الشافعية، فيخلص الدكتور الشيخ حسن الشاذلي إلى القول بجواز اجتماع العقود اللازمة المختلفة الأحكام، كالبيع والإجارة، بعوض واحد، في الأظهر من قولي الشافعي، أما إذا حددت الصيغة عوضاً لكل عقد فيستظهر الصحة، على قواعد المذهب، قولاً واحداً، وأما اجتماع عقد لازم مع عقد جائز في صيغة واحدة فيرى فيه الصحة أيضاً، ما لم يشترط قبض العوض في العقد اللازم في مجلس العقد (2) .

وأما اجتماع عقدي الإجارة والبيع عند الحنابلة فيجعل الكل باطلاً، على قول القاضي، لأن ملك العين يقتضي ملك المنفعة فكيف يبيعها بعقد الإجارة؟ ولكن الشيخ التقي يرى صحة ذلك لأنه يعني أن البيع قد استثنيت منه المنفعة لمدة محددة فجاز بيع ما استثني بعقد الإجارة، وهذا ما يصححه الشيخ الشاذلي، سواء أكانت الإجارة للمشتري أم لغيره (3) .

ويخلص الأستاذ الدكتور نزيه حماد في ورقته القيمة إلى ثلاثة ضوابط لحظر اجتماع العقود هي:

أولاً: أن يكون الجمع بينهما محل نهي في نص شرعي.

ثانياً: أن يترتب على الجمع بينهما توصل بما هو مشروع إلى ما هو محظور.

ثالثاً: أن يكون العقدان متضادين وضعاً ومتناقضين حكماً (4) .

وقد انتهت الندوة إلى التوصية التالية: "يجوز اجتماع العقود المتعددة في عقد واحد، سواء أكانت هذه العقود متفقة الأحكام أم مختلفة الأحكام طالما استوفى كل عقد منها أركانه وشروطه الشرعية، وسواء أكانت هذه العقود من العقود الجائزة أم من العقود اللازمة، أم منهما معاً، وذلك بشرط ألا يكون الشرع قد نهى عن هذا الاجتماع، وألا يترتب على اجتماعها توصل إلى ما هو محرم شرعاً"(5) .

(1) المرجع السابق نفسه.

(2)

أ. د. حسن الشاذلي، ص47-48.

(3)

المرجع السابق، ص53.

(4)

حماد، ص18.

(5)

توصيات الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي، الكويت-أكتوبر 1998م.

ص: 234

وإذا عدنا إلى صور الإجارة المنتهية بالتمليك لتطبيق هذه الضوابط عليها فإنه من المفيد أن نبدأ بعقد الإجارة المنتهية بالتخيير (لا بالتمليك) لأن قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 44 (6/5) في اجتماعه السنوي الخامس قد نص على جواز عقد الإجارة المنتهي بالتخيير باعتباره بديلاً مباحاً فقال في وصفه: " عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر، بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة، في واحد من الأمور التالية:

• مد مدة الإجارة.

• إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.

• شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة".

وقد لاحظ فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي بأن هذا ليس في الحقيقة من باب الإجارة المنتهية بالتمليك وليس بديلاً حقيقياً عنها (1) ، لأنه لا انتهاء بالتمليك فيه، وأكد ذلك الدكتور محمد علي القري في بحثه المقدم في الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي بإشارته إلى المعنى التمويلي المتضمن في هذا العقد الذي يقتضي أن يحدد سعر البيع في العقد نفسه، لأن من مقصود العقد نفسه أن يتملك المستأجر العين المؤجرة عند انتهاء مدة الإجارة، ولكننا ينبغي أن نؤكد هنا أيضاً بأن شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة يمكن أن يدل على الانتهاء بالتمليك فعلاً بمقتضى العقد نفسه (2)، لأن تطبيق هذا الشرط يمكن أن يتخذ إحدى ثلاث حالات هي كالآتي:

(أ) أن يلتزم الطرفان بعقد بيع على العين المأجورة عند انتهاء مدة الإجارة، بسعر السوق، وأن يحددا في العقد نفسه أسلوباً معيناً للتعرف على سعر السوق هذا، كأن ينص العقد مثلاً على لجنة من الخبراء تحدد السعر، أو على عرض العين في سوق معينة بالمزاد مثلاً، فيكون السعر الملزم للطرفين هو ما تحدده لجنة الخبراء أو ما ينتهي إليه المزاد.

(ب) أن يلتزم واحد من الطرفين، البنك الإسلامي مثلاً، بالسعر السوقي المحدد كما في الصورة (أ) دون الطرف الآخر.

(ج) أن لا يكون السعر ملزماً لكلا الطرفين معاً، فإن شاءا أمضيا العقد وإن لم يرغبا به أخذ المؤجر العين التي يملكها.

ومن الواضح أن الحالة (أ) تنتهي بتمليك مؤكد، بعد مدة عقد الإجارة، كما أن الحالة الثانية تنتهي بمثل ذلك أيضاً في الغالب، وبخاصة إذا كان الممول هو صاحب الخيار لأنه يرغب في العادة بالاحتفاظ بالسلعة، أما الحالة (ج) فإنها تتضمن أكبر قدر من المخاطرة بحيث تكون غير محببة لكل من المصرف الإسلامي والعميل معاً، فضلاً عن الموقف السلبي الذي يتوقع للمصرف المركزي أن يتخذه منها بسبب ارتفاع قدر المخاطرة فيها إلى حد يفوق ما يسمح به عادة من السلطة الرقابية النقدية.

(1) انظر مناقشات أعضاء المجمع في العدد الخامس، ج4.

(2)

د. محمد علي القري (العقود المستجدة: ضوابطها ونماذج منها) ، ورقة مقدمة إلى الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي، ص18-29.

ص: 235

أولاً- الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق الهبة:

ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن الإجارة المنتهية بالتمليك هي عقد تمويلي يقصد منه تقديم بديل للتمويل القائم على أساس القرض الربوي، وهو ظاهرة أثارتها على المستوى الشرعي البنوك الإسلامية في سعيها لتنويع البدائل عن الربا من عقود يستربح فيها بالمال بما يتوافق مع أحكام الشريعة الغراء، وهو أيضاً عقد لم يتم اختراعه من قبل الخبراء المسلمين كما هو الشأن بالنسبة للمرابحة، وإنما عرفته الأمم الغربية التي لم تعن به كبديل للربا، لذلك يمكن أن نجد في بعض صوره ظواهر ربوية أو مخالفات شرعية أخرى جاءت بحكم استعارته من الغرب، مما يجعله بحاجة إلى التنقية والتصفية الشرعيتين.

ولكننا بنفس الوقت ينبغي ألا نندفع وراء التعريفات والتقسيمات الغربية لأنواعه، لأن هذه التعريفات ليست معياراً شرعياً عندنا، وإن كانت مفيدة في التعرف على خصائص كل صورة من صوره.

والإجارة المنتهية بالتمليك –بصفتها عقداً تمويلياً- تطبق في العادة بأسلوب الإجارة للآمر بالشراء، أي أنه عند إبداء العميل رغبته بالاستئجار لا تكون العين مملوكة للمصرف، فيأمره بشرائها ويَعِده باستئجارها بعد ذلك، وقد يسبق عقد الإجارة شراء المصرف للعين، فتكون عندئذ إجارة لعين موصوفة، على أنه عند تطبيق الإجارة المنتهية بالتمليك على عين كانت مملوكة للعميل، واشتراها البنك الإسلامي منه ليؤجرها له، يتتالى العقدان، بحيث يشتري البنك الإسلامي العين، ثم يؤجرها نفسه إلى البائع إجارة منتهية بالتمليك.

فالإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق الهبة عقد إجارة تكون فيها الأقساط عالية بحيث تتيح للمصرف الإسلامي استرداد رأس ماله مضافاً إليه عائد متفق عليه، وبالتالي فإن ما يبرر الهبة هو كون المؤجر قد استرد فعلاً قيمة العين المؤجرة من خلال أقساط الأجرة، على أن العقد يسميها دائماً أقساط أجرة ويعاملها على أنها أجرة من حيث استحقاقها، واستمرار ملكية المؤجر للعين كاملة، وعدم نشوء أي حق على العين المؤجرة نتيجة دفع الأجرة عن المدة السابقة إذا طرأ ما يقتضي إلغاء العقد أو الإقالة منه، كما أن الواضح أن العمر الاستعمالي للعين المؤجرة يفوق مدة الإجارة بحيث يكون المستأجر راغباً بامتلاك العين بعد انقضاء عقد الإجارة، وبمعنى آخر فإن قيمة العين المؤجرة في الإجارة المنتهية بالتمليك بجميع صورها تفوق –عند انتهاء عقد الإجارة- قيمة الخردة البحتة، وإلا لما رغب المستأجر في تملكها بعد عقد الإجارة.

ص: 236

وتتخذ الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق الهبة إحدى صورتين فرعيتين هما:

1) إجارة مع وعد بالهبة –ويتم تنفيذ الوعد بعقد مستقل بعد الوفاء بجميع الأقساط الإيجارية.

2) إجارة مع عقد هبة فوري ولكنه معلق على سداد جميع الأقساط الإيجارية.

أما بالنسبة للصورة الفرعية الأولى –وهي ما يطبقه حالياً البنك الإسلامي للتنمية - فقد صدر قرار المجمع رقم (1) د3/70/86 في اجتماعه السنوي الثالث لعام 1407هـ، باعتماد المبادئ التالية لها:

المبدأ الأول: أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعاً.

المبدأ الثاني: أن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها هو توكيل مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.

المبدأ الثالث: أن عقد الإيجار يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات، وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد.

المبدأ الرابع: أن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل.

المبدأ الخامس: أن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكاً للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد أو تقصير من المستأجر فتكون التبعة عندئذٍ عليه.

ومن الواضح أن الوعد بالهبة يحتاج إنجازه إلى عقد جديد، ويرد عليه الخلاف المعروف حول لزوم الوعد، فمن يرى فيه الإلزام يستند إلى رأي المالكية في التبرعات إذا ترتب على الوعد بها دخول الموعود في التزامات مالية، يؤدي النكول بالوعد إلى الإضرار به بشأنها، وهذه الالتزامات هنا هي سداد أقساط أجرة أعلى من أجرة المثل أملاً بتنفيذ هذا الوعد.

أما الصورة الفرعية الثانية فهي تخرج من الخلاف حول إلزامية الوعد، وتدخل في خلاف غيره آخر حول جواز تعليق الهبة على شرط، ويرى الجواز المالكية والإباضية وبعض الحنابلة والحنفية، أما الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) فعلى عدم صحة تعليق الهبة على الشرط (1) .

(1) معايير المحاسبة والمراجعة، طبعة 1997م، ص311-312.

ص: 237

ثانياً- الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق البيع بثمن رمزي أو غير رمزي يحدد في العقد:

ويكون السعر الرمزي عادة دولاراً واحداً، وهو يقل كثيراً عن القيمة الحقيقية للعين المؤجرة عند انتهاء عقد الإجارة، على اعتبار أن المؤجر (البائع) قد استوفى قيمة العين من خلال أقساط الأجرة، وبذلك فإن البيع بسعر رمزي عند نهاية أمد الإجارة لا يبعد عن هبة العين إلا من حيث الشكل فقط.

ويلاحظ هنا أن البيع بسعر رمزي يحصل في البنوك الإسلامية تنفيذاً لوعد ملزم من طرف واحد هو المؤجر البنك الإسلامي، ولا نحتاج إلى المواعدة لأنه ليس في غير صالح المستأجر اقتناء العين بالسعر الرمزي، حيث إنه قد دفع فعلاً ثمنها من خلال أقساط الإيجار.

وينبغي أن نلاحظ في كل من البيع بسعر رمزي والهبة أن العقد لا يقدم حماية كافية للمستأجر، بما يحافظ على حقوقه المتمثلة بالزيادات في أقساط الأجرة الناشئة عن إدخال أجزاء الثمن ضمن هذه الأقساط، والتي قصد منها دفع ثمن العين تدريجياً، فإذا طرأ ما يمنع استمرار الإجارة إلى نهاية أجلها، فإن المؤجر يسترد العين وتضيع على المستأجر كل تلك المبالغ التي دفعها لقاء الثمن، يتضح ذلك من بنود صريحة في عقود الإيجار تجعل الأقساط مقابلة للمنافع وحدها بدلاً من المنافع وجزء من ثمن العين، فاتفاقية الإيجار للبنك الإسلامي للتنمية تنص في مادتها الثانية على أن "في مقابل إيجار المعدات للمستأجر يلتزم المستأجر بأن يؤدي للمؤجر أقساط الإيجار"، وأن الهبة يلتزم بها المؤجر فقط بعد سداد جميع الأقساط (المادة 12) ، وأن المؤجر، يبقى مالكاً للعين حتى انتقال ملكيتها للمستأجر (المادة 3) .

وفي هذا ظلم وعدم توازن في التزامات الطرفين العقدية، ونرى أن السبب في ذلك هو أن هذه العقود قد عاملت الإجارة المنتهية بالتمليك، التي هي بطبيعتها عقد تمويلي، معاملة الإجارة البسيطة التي لا تؤول إلى التمليك، فطبقت عليها قاعدة أن الأجرة مقابل المنفعة في حين أن الطبيعة التمويلية للعقد تتضمن أن جزءاً من القسط الإيجاري يقابل المنفعة والجزء الباقي يتجه نحو سداد ثمن العين.

من أجل ذلك ألزمت بعض القوانين (في أمريكا مثلاً) مؤجري السيارات إيجاراً تمويلياً أن يلتزم المؤجر ببيع السيارة إلى المستأجر بثمن محدد في العقد نفسه، كما أن المنافسة بين شركات التأجير التمويلي للسيارات في أمريكا اضطرتها إلى تخفيض القسط الإيجاري إلى الحد الذي يغطي فقط الاستهلاك الحقيقي الناشئ عن الاستعمال العادي للسيارة مضافاً إليه كلفة التمويل البديل المتاح هناك وهو التمويل الربوي البسيط.

ص: 238

ثالثاً- الإجارة المنتهية بالتمليك بالبيع التدريجي للعين المؤجرة:

وتتألف هذه الصورة من عقود إجارة متتالية أو مترادفة للحصة التي يملكها الممول (المؤجر) من العين عند بدء كل فترة إيجارية، فتكون الأجرة لقاء منفعة ذلك الجزء، ويترافق مع كل دفعة للأجرة دفع مبلغ إضافي لشراء أسهم أو أجزاء من العين نفسها وتملكها مع منافعها من تاريخ الدفع، ويستمر ذلك حتى دفع أصل ثمن العين بكامله، عندئذٍ ينتهي دفع الأجرة.

وتطبق هذه الصورة بشكل خاص في التمويل العقاري، فهي الصورة التي تطبقها الجمعية التعاونية (الإسلامية) السكنية في تورنتو – كندا، والصيغة التي تستعملها هذه الجمعية فيها هي صيغة التعاقد – لا الوعد – على البيع والإجارة. فيكون كل طرف ملزماً –بالعقد- بالبيع للأسهم المعلومة عند كل دفعة وباستئجار الأسهم غير المملوكة من العين، ويتضمن هذا العقد عادة خياراً للمشتري بزيادة عدد الأسهم التي يشتريها عند كل دفعة أجرة.

ولا يمكن فيها تطبيق الوعد الملزم لطرف واحد، لأن أحوال التمويل العقاري خاصة هي من التغير والتبدل، مع طول فترته في العادة، بحيث يحتاج كل طرف إلى إلزام الطرف الآخر بعلاقة عقدية محددة، لأنه قد توجد ظروف، في وقت أو آخر في المستقبل، تجعل من صالح أي طرف عدم تنفيذ بقية العقد، أي أن المخاطرة المتضمنة في وعد من طرف واحد هي دائماً أكبر مما يستطيع الطرف الآخر أن يتحمله.

ومن الواضح أن هذه الصورة لا تحتوي على بيع ما لا يملك أو لم يقبض، لأن العين المؤجرة في ملك البائع وضمانه، وقد قبضها فعلاً ثم سلمها للمستأجر (المشتري) لاستخلاص منافعها، وإن القبض لكل سهم يباع عند دفع ثمنه حاصل حكماً لوجود العين في يد المشتري بصفته مستأجراً.

أما المواعدة الملزمة من الطرفين فإنها تغني عن التعاقد على البيوع المتتالية في هذه الحالة عند من يراها ملزمة شرعاً وقضاءً، وقد اعتبر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة (1409هـ) أن المواعدة الملزمة للطرفين "تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذٍ أن يكون البائع مالكاً للمبيع"، [القرار رقم 2، 3 للدورة الخامسة المنعقدة في الكويت، ديسمبر 1988] ، وفي هذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك يحصل تجنب لهذا المحظور لأن البائع مالك للعين التي يبيعها، وإن كانت البيوع المترادفة معلقة على المستقبل، شأنها في ذلك شأن بيع التوريد.

يضاف إلى ذلك أن هذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك تتميز تميزاً واضحاً عن المعاملة الربوية، لوجود عين فعلية تباع وتشترى على أنجم، وتستأجر الأنجم غير المملوكة للمشتري عند بدء كل فترة إيجارية،، فهي تتألف من عقود إجارة مترادفة على الأجزاء غير المملوكة للمشتري تتقابل فيها الأجرة في كل فترة إيجارية مع المنافع المملوكة للمستأجر، وعقود بيع مترادفة أيضاً على أنجم من العين تتقابل فيها التزامات الطرفين بانتقال ملكية الثمن وملكية النجم المبيع إلى المشتري، أما المعاملة الربوية فهي زيادة في الدين لا يقابلها شيء.

ص: 239

رابعاً- الإجارة المنتهية بالتمليك مع تخيير المستأجر بالشراء قبل انتهاء مدة عقد الإجارة بثمن يعادل باقي أقساط الأجرة عدا ثمن المنفعة عن المدة الباقية:

الواقع أن هذه ليست صورة مستقلة، وإنما هي شرط، كثيراً ما يضاف في الصور الثلاث السابقة، وقد ذكرت سابقاً أن قسط الأجرة يشمل جزأين: جزءاً لقاء المنفعة خلال الفترة التي تقع بين القسطين، وجزءاً من أصل ثمن العين، ويساوي مجموع هذه الأجزاء أصل ثمن العين، الذي دفعه المصرف الإسلامي للحصول على العين المؤجرة.

وهذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك تتضمن تخيير المستأجر بشراء العين بما تبقى من أصل ثمنها في أي وقت يشاء، ويكون ذلك بالنص على وجود إيجاب مفتوح من الممول (المؤجر) بالبيع بما تبقى من أصل الثمن في أي وقت، أو هو وعد ملزم من طرفه فقط، أما المستأجر (المشتري) فيستطيع أن يمارس هذا الحق في أي وقت يشاء خلال مدة العقد، وإذا لم يمارس هذا الحق بالشراء، فإن استمرار عقد الإجارة إلى أجله يعني قيامه بسداد جميع أقساط الأجرة بجزأيها، وبالتالي استحقاقه للعين المؤجرة تنفيذاً للوعد بالبيع بسعر رمزي أو بالهبة، أو بعد اكتمال البيوع التدريجية المتتالية.

خامساً-الإجارة المنتهية بالتمليك:

وتكون هذه الصورة ببيع العين إلى المستفيد من التمويل مع استثناء منافعها لمدة الإجارة، بثمن يدفع عند العقد، ثم تباع المنافع المستثناة بعقد إجارة لمشتري العين نفسه، فتكون الدفعة النقدية الأولى لقاء ثمن العين، وتكون الدفعات الدورية التالية لقاء أجرتها عن مدة استثناء المنافع.

وتبقى العين المؤجرة على ضمان البائع لأنها لم يتم تسليمها بيعاً، إذ إن التسليم حصل بموجب عقد الإجارة لا بموجب عقد البيع، ولا يكون تسليم المبيع –في عقد البيع- إلا بعد انقضاء فترة الاستثناء، أي أن يد المستأجر (المشتري) على العين خلال فترة الإجارة هي يد أمانة بموجب عقد الإجارة وليست يد ضمان بموجب عقد البيع لأن التسليم لم يتم بعد، وعند انقضاء فترة الإجارة تصبح العين على ضمان المشتري دون حاجة إلى عقد جديد ولا إلى قبض جديد لأنها في يده.

ص: 240

وتمتاز هذه الصورة بأنها لا تحتاج إلى وعد –ملزم أو غير ملزم- بالهبة أو البيع، وهي لا تغير شيئاً يتعلق بالمسؤولية عن الصيانة والتأمين خلال فترة الإجارة، لأن العين المبيعة لم يتم تسليمها للمشتري، والمؤجر ما يزال مطالباً بتمكين المستأجر من استخلاص المنافع التي اشتراها، وإن كانت تُخَفِّض قليلاً من الضمانات التي توفرها للممول بالإجارة مع الوعد بالهبة أو بالبيع، لأن الارتباط بعقد البيع منذ بدء التمويل يجعل العين مملوكة للمشتري وإن لم تكن على ضمانه بسبب عدم القبض، فإذا لم يف المستأجر بجميع أقساط الأجرة فإنه ليس في يد المؤجر عدم نقل ملكية العين أو تأخير ذلك كما يحصل في حالة الوعد بالهبة أو بالبيع، وبالتالي فإن هذه الصورة –رغم أنها تبدو أوضح وأرجح من الناحية الفقهية- فإنها تتطلب من المؤجر الحصول على ضمانات أكثر قوة من تلك التي يحصل عليها في الصور الأربعة الأولى.

وهذه الصورة قد قال بها الحنابلة وهي قول عند غيرهم أيضاً، كما رأينا في التمهيد الفقهي، وهي تتمتع بنفس المزايا التمويلية للمستفيد من التمويل ولمقدمه، التي أشرت إليها في مقدمة هذه الورقة، مثلها في ذلك مثل الصور الأخرى، ولا نجد مثلبة لهذه الصورة في مسألة ربط انتقال الملكية بوفاء جميع أقساط الأجرة، لأن هذا الربط قليل الفائدة في الصور الأخرى على كل حال، على اعتبار أن العين هي في يد المستأجر في جميع الأحوال، واهتمام الممول (المؤجر) ينصب في واقع الأمر على حصوله على أقساط الأجرة أكثر مما ينصب على تأخير نقل الملكية إلى المستأجر، والممول في هذا يحرص على تحصيل ضمانات كافية لسداد دين الأجرة أكثر من اهتمامه بالإمساك عن نقل ملكية العين نفسها، وهو يستطيع تحصيل تلك الضمانات في كلا الحالتين على السواء.

ولكننا ينبغي أن نلاحظ أن استثناء المنافع لمدة معلومة يختلف عن الصور الأخرى للإجارة المنتهية بالتمليك من جانب آخر، هو حق المؤجر بأجرة عن المدة الإضافية الناتجة عن التأخير، لأن بقاء العين أو أية أجزاء منها على ملكه مدة إضافية يتيح له استحقاق أجرة لها عن هذه المدة المضافة، في حين لا يمكن زيادة مدة المنافع المستثناة من البيع، وهذا فرق مهم بين هذه الصورة والصورة السابقة مما يضيق من إمكان استعمال هذه الصورة في جميع الحالات التي لا تتوفر فيها ضمانات كافية لعدم التأخير.

ص: 241

نفقات الصيانة والتأمين:

من الواضح أن المؤجر مطالب بإبقاء العين المؤجرة بحالة يستطيع معها المستأجر استخلاص منافعها المتعاقد عليها لذلك فقد أقر مجمع الفقه الإسلامي، أن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك (المؤجر) بصفته مالكاً (1) ، ويبدو أن للعرف أثراً كبيراً في تحديد ما يقع على المؤجر من أعمال الصيانة (2) .

ذلك لأن مسؤولية المؤجر تقتصر على الصيانة والإصلاح اللازمين لتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، أما إذا ما كانت الصيانة لاستيفاء المنافع مثل مراجعة معايير الحرارة، والمياه، والزيوت، وأعمال الصيانة الوقائية الدورية، فإنها تقع على عاتق المستأجر (3) .

(1) قرار المجمع رقم (1) في دورته الثالثة، 8-13/2/1407هـ (11-16/10/1986م) .

(2)

أبو سليمان، ص68؛ وحسين حامد حسان:"المسؤولية عن أعمال الصيانة في إجارة المعدات"، بحث غير مطبوع: ص6-7.

(3)

حسن حامد حسان؛ المرجع السابق، ص2-5.

ص: 242

يضاف إلى ذلك أن كل ما كان معلوماً من نفقات الصيانة الجوهرية، التي تتعلق بتمكين المستأجر من الانتفاع، يمكن أيضاً تحميله بالشرط على المستأجر، لأنه يكون –عند الشرط- جزءاً من الأجرة.

أما ما هو غير معلوم، نحو نفقات إصلاح جدار، أو سقف، انهدما، فإنه لا يصح اشتراطه على المستأجر لأنه يدخل جهالة في مقدار الأجرة مما يفسد العقد، وإن كان من الجائز توكيل المستأجر بالقيام به، على أن يعود على المؤجر بما يدفع (1) ، ويلاحظ أن معظم أعمال الصيانة غير المتوقعة، بل جميعها في المجتمعات المعاصرة، هو مما يخضع للتأمين في الوقت الحاضر.

أما ما يتعلق بنفقة التأمين على العين المؤجرة، فإذا كانت معلومة، فهي مما يجوز –بالشرط في العقد- وضعه على عاتق المستأجر، واعتباره جزءاً من الأجرة، سواء أكان التأمين تجارياً عند من يرى جوازه بشروطه، أم تعاونياً عند من لا يبيح التأمين التجاري ويعتبر أن التأمين التعاوني القائم على التبرع هو وحده المقبول في الشريعة.

يضاف إلى ذلك أن التأمين التعاوني، القائم على التبرع، يمكن اشتراط نفقته على المستأجر، لأنها اشتراط تبرع لطرف ثالث، حتى لو لم تكن معلومة عند العقد، لأن دفع القسط في هذا التأمين، يكون على سبيل التبرع، ولا بأس أن يتبرع غير المالك، وأن يشترط المتبرع لغيره الاشتراك معه في المنفعة (2) .

على أنه لنا أن نلاحظ، أنه يمكن في جميع الأحوال أن يشترط في عقود الإجارة، وبخاصة تلك التي تصدر بموجبها صكوك تأجير، أن يقوم المستأجر بأعمال الصيانة والتأمين، فإذا كانت هذه الأعمال معلومة النفقة، واشترط قيام المستأجر بها، وكالة عن المالك، فإنها معتبرة عند حساب الأجرة الصافية، بمعنى أن ما يعود على حامل الصك هو الأجرة، منقوصاً منها المبلغ المعلوم للصيانة والتأمين، وطالما أنها معلومة فإنها لا تؤثر على مشروعية الإجارة المنتهية بالتمليك، ولا صكوك التأجير، ولا تؤثر كذلك على مردود الإجارة للممول، سواء رجع فيها المستأجر على المؤجر أم لم يرجع، لأنه لو رغب المؤجر بعائد صاف محدد لضم هذه النفقة المعلومة إلى إجمالي الأجرة بحيث يبقى الصافي هو المقدار المرغوب فيه.

(1) المرجع السابق، ص31-32.

(2)

المرجع السابق، ص28-30.

ص: 243

أما إذا كانت نفقة الصيانة والتأمين غير معلومة، وكانت مما لا يجوز أن يتحمله المستأجر بالشرط، فإن قيام المستأجر بها وكالة عن المالك يلقي على المؤجر عبئاً مالياً فقط، يتمثل بقدر من المخاطرة يتحمله المالك، ويؤثر بالتالي على العائد المتوقع للمؤجر.

على أننا ينبغي أن نلاحظ أن كون الإجارة المنتهية بالتمليك عقداً تمويلياً يعني أن اهتمام الممول يتركز في الحصول على العائد المناسب بطريقة تبيحها الشريعة، لذلك فإن التأمين المناسب لهذا العقد ينبغي أن يشمل الهلاك والتعيب والعائد (الأجرة) الفائت نتيجة الهلاك والتعيب وخلال فترة التعطل بسبب الصيانة التي تقع على عاتق المؤجر.

وهناك ملاحظتان لابد من إضافتهما في معرض الحديث عن نفقات الصيانة والتأمين غير المتوقعة.

الملاحظة الأولى: تركز على إمكان تحميل المستأجر هذه النفقات بصفة يده يد أمانة بالشرط، على الرأي الذي يرى أن تضمين يد الأمانة بالشرط جائز طالما أنه ليس فيه توصل إلى محظور، وليس في تضمين المستأجر هلاك أو تعييب العين المؤجرة توصل إلى محظور، وبخاصة إذا اتضح في الذهن الفارق المميز بين التمويل الإسلامي المشروع والتمويل الربوي.

فالتمويل المشروع يستند إلى وجود سلعة حقيقية تنتج أو تمتلك، ويتم تداولها أو تداول منافعها، وذلك من خلال المشاركات والبيوع والإجارات، أما التمويل الربوي فيقوم على الزيادة في الديون، سواء عند إنشائها بالإقراض الربوي، أم عند إعادة جدولتها بـ "أَنْسيءْ وأَرْبِ".

والإجارة بأشكالها تستند إلى وجود عين حقيقية تمتلك وتباع منافعها، فهي تختلف اختلافاً جوهرياً مؤثراً في الحكم عن المعاملة الربوية، فلا يكون في ضمان يد الأمانة فيها توصل لاستباحة محظور، وذلك لبقاء الفارق المميز منذ بدء المعاملة التمويلية الإيجارية إلى نهايتها.

ص: 244

أما الملاحظة الثانية: فتتعلق بخدمة التأمين نفسها، وهنا لابد من تأكيد أن الأخطار المؤمن عليها يمكن أن تشمل الهلاك التام والجزئي وكل تعيب يؤدي إلى فوات المنافع أو صعوبة كبيرة في تحصيلها، إضافة إلى بدل المنافع الفائتة أو ثمنها (الأجرة) ، فهو يشمل إذن جميع أنواع الصيانة غير المعلومة عند عقد الإجارة فضلاً عن فوات الأجرة بسببها، وخدمة التأمين هذه هي مما يمكن وصفه وبيانه بدقة كبيرة بحيث تحدد جميع عناصر ومشمولات هذه الخدمة.

وهذه المخاطر تتأثر كثيراً جداً بالأشخاص الذين يشغلون الآلات وغيرها من الأعيان المؤجرة، مع تفاوت واضح في هذا التأثير بين الآلات الثابتة كالمولدات الكهربائية مثلاً، والآلات المتحركة كالسيارات والبواخر، والمباني كالمصانع والهكتارات، والأراضي، فكل نوع من الأعيان يتأثر بالمستأجر (المشغل) بدرجة تتفاوت عن الأنواع الأخرى، فاحتمالات حدوث المخاطر في السيارات مثلاً قد دلت التجارب المتكررة والمعلومات الإحصائية أنها تتأثر بعمر السائق، وحالته العائلية من متزوج أو أعزب أو مطلق أو أب لأطفال صغار أو كبار، وحالته الصحية، ومستواه التعليمي، وعاداته الاجتماعية، وما يتناوله عادة من مشروبات، وكونه مدخناً أو غير مدخن، وجده واجتهاده إن كان طالباً ثانوياً أو جامعياً، وطبيعة عمله وبعده أو قربه من سكنه، وأسلوبه في قيادة السيارة، وعدد وأعمار من يركبون معه عادة، وأغراض استعماله للسيارة للعمل أم للنزهة أم للأسرة وحاجاتها أو غير ذلك، وحالته النفسية وما يتعرض له عادة من ضغوط، ومدى توفر سيارات أخرى لدى الأسرة، والمنطقة التي يستعمل سيارته فيها أو يعيش فيها، وتوفر موقف خاص للسيارة في البيت أو العمل من عدم ذلك، وعوامل كثيرة أخرى، وكذلك التغيرات المتوقع حصولها في فترة التأمين على كل ذلك مقدرة من متغيرات الماضي، فالمطلق مثلاً غير صاحب الأسرة المستقرة والذي يكثر تبديل عمله غير صاحب العمل المستقر.

ومثل ذلك قيادة الطائرات والبواخر وغيرها من الآلات المتحركة، كما ينطبق ذلك –إلى درجة أقل- على معظم أنواع الآلات الثابتة التي يشغلها أشخاص أو التي تعمل بصورة أوتوماتيكية متتالية، كما ينطبق إلى درجة أقل على المباني، ويضاف هنا أيضاً أساليب الشركة في تدريب ملاحيها وعمالها، ومعاملتهم، ونظام العمل وساعاته، وأساليبها في الصيانة والفحص الاحتياطي والدوري وغير ذلك من عناصر، مما لا يمكن ضبطه بالنظم القانونية وحدها، فلا تكتفي شركات التأمين بتوفر رخصة القيادة مثلاً ولا بالعمر القانوني للسائق.

ص: 245

وبعبارة أخرى فإن التأمين على الأعيان المؤجرة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخص المستأجر، ومن البدهي أن كل هذه العناصر لا تؤثر فقط على نوع المخاطر التي يؤمن عليها، وإنما تؤثر أيضاً على أسعار التأمين، فتتفاوت أقساط التأمين تفاوتاً كبيراً حسب هذه العوامل والمؤثرات، ولا ينطبق ذلك على التأمين عن المخاطر التي تؤثر على الآخرين في أشخاصهم وأموالهم، أي المخاطر الناشئة عن المسؤولية التقصيرية Liability Insurance، بل تشمل المخاطر التي تتعرض لها العين نفسها، كالسيارة والطائرة والمبنى.

ومعظم هذه العناصر هي مما لا يستطيع المؤجر التدقيق في معرفتها عند العقد لكثرتها وتنوعها وتغيرها المستمر، الأمر الذي يجعل القول بأن التأمين يقع على المؤجر شيئاً غير عملي عند التطبيق الفعلي في الحياة المعاصرة المعقدة.

والبديل الذي يمكن تقديمه هو النظر إلى ما يهم المؤجر من خدمة التأمين، لأن هذا الجانب يمكن تحديده ومعرفته بدقة بالغة، فالمؤجر يهتم فقط بثلاث نقاط، هي:

1-

الهلاك الكامل للعين المؤجرة وهي معروفة القيمة.

2-

والتعيب الجزئي الذي لا يتجاوز حده الأقصى قيمة العين.

3-

وفوات ثمن المنافع الناشئ عن ذلك وهو ثمن محدد ومعروف في عقد الإجارة.

أي أن جميع عناصر خدمة التأمين معروفة ومحددة عند عقد الإجارة بحيث يمكن إدخالها في الأجرة فتكون الأجرة مؤلفة من مبلغ نقدي وخدمة عينية هي خدمة التأمين المعروفة عند العقد، فإذا أمكن النظر إلى خدمات التأمين على أنها خدمات عينية، فإنه يمكن إذن إعادة النظر بعقود الإجارة المنتهية بالتمليك وتنقيتها من المخاطرة المتضمنة في عدم معلومية الصيانة الجوهرية بتحويل ذلك إلى خدمة تأمينية معلومة عند تاريخ عقد الإجارة.

ص: 246

القسم الثاني

صكوك التأجير

سنناقش في هذا القسم الصكوك التي تمثل ملكية أعيان مؤجرة، من حيث تكييفها الشرعي واستعمالاتها والحاجة إليها.

تعريف صكوك التأجير:

هي وثائق خطية تمثل أجزاء متساوية من أعيان مؤجرة.

فالصك التأجيري لا يمثل مبلغاً معيناً من المال، ولا هو دين على جهة معينة أو شخص طبيعي أو اعتباري من حكومة أو غيرها، وإنما هو سند أو ورقة تمثل جزءاً من ألف جزء مثلاً من عقار أو طائرة أو جسر أو طريق، ويمتاز عن ورقة القيد العقاري لهذه الموجودات الثابتة في أن العين التي يمثل صك التأجير سهماً فيها مرتبطة بعقد إجارة، وهذا الارتباط يجعل للصك عائداً هو حصته من الأجرة.

ويمكن لهذه الصكوك أن تكون اسمية، يحمل الصك منها اسم مالكه، ويتم انتقال ملكيته بالقيد في سجل معين لذلك؛ أو تكون للحامل، بحيث تنتقل الملكية بالتسليم، كما هو الشأن في أسهم شركات المساهمة (1) .

تمهيد فقهي:

هناك بضعة مسائل فقهية تحتاج إليها صكوك التأجير ينبغي بيانها، رغم أنها من الأمور المعروفة الشائعة في باب الإجارة في كتب الفقه، وهي المسائل التالية:

1 -

توثيق عقد الإجارة خطياً:

لا يختلف الفقهاء في إباحة توثيق ملكية العين المؤجرة بصك خطي، بل إن ذلك مما يقاس على كتابة الديون التي حث عليها القرآن الكريم، ثم إن كثيراً من الدول الإسلامية اليوم تشترط توثيق الملكية بصك خطي في العقار، وهو أمر اعتبره الفقهاء المعاصرون من المصالح العامة التي تحافظ على الحقوق.

(1) إذا كان السهم لحامله جائزاً، وهو يمثل حصة معلومة من ملكية شركة، لا يعرف عند بيع السهم مقدار ولا أعيان أموالها، فإن جواز سند الإجارة للحامل يصبح من باب أولى، لأنه يعلم –في كل حين- ما يمثله السند من أعيان محددة، كما يعلم مقدار الأجرة الخاصة به.

ص: 247

وقد تعرض مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي لهذا الموضوع ضمناً عندما قرر: "إن المحل المتعاقد عليه في بيع الأسهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة"(1) ، بل إن المجمع قد اعتبر قبض شهادة السهم بمثابة قبض "للحصة الشائعة في أصول الشركة"عندما أباح "إصدار أسهم لحاملها وتداولها"(2) .

2 -

بيع العين المؤجرة:

ليس من مقتضيات عقد الإجارة حرمان المالك المؤجر من التصرف بملكه، بما لا يضر بحق المستأجر في حصوله على المنفعة التي تملكها بالعقد؛ لذلك فإن تصرف المالك مقيد بحق المستأجر الذي تملك المنفعة بعقد الإجارة، ولقد نص الحنفية على أن البيع يصح في حق المتبايعين ولا يصح في حق المستأجر (3) ، رغم أنهم يقولون بجواز فسخ الإجارة بعذر وبانفساخها بانتقال ملك العين إلى الوارث (4) .

فإذا باع المالك عيناً مؤجرة، ولم يستثن منافعها لمدة الإجارة، فإن الأجرة تستحق للمشتري من حين الشراء، ولقد نص على ذلك الحنابلة، قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات: والأجرة من حين الشراء له (أي للمشتري) نصاً، "ورد على المعارض بأن ملك عوض المنفعة، وهو الأجرة، ولم يستقر بملك البائع بعد، حتى إنه إذا انفسخت الإجارة، رجعت المنافع إلى البائع"، فإذا باع العين، ولم يستثن شيئاً، لم تكن تلك المنافع، ولا عوضها مستحقاً له (أي للبائع) لشمول البيع للعين ومنافعها، فيقوم المشتري مقام البائع فيما كان يستحقه منها، وهو استحقاق عوض المنافع مع بقاء الإجارة إن كان المشتري غير المستأجر" (5) .

(1) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره السابع بجدة بتاريخ 7-12/11/1412هـ، القرار رقم 65/1/7.

(2)

المرجع السابق نفسه.

(3)

الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي: 4/762.

(4)

المرجع السابق، ص858.

(5)

شرح منتهى الإرادات للبهوتي، المطبعة السلفية بالمدينة المنورة، دون تاريخ: 2/376.

ص: 248

وقد ذكر القرافي أن "بيع الدار المستأجرة (من المستأجر) لا يوجب الفسخ، ويستوفي المبتاع المنافع بحكم الإجارة، ومن غيره يصح أيضاً، وتستمر الإجارة إلى آخر المدة"(1) ، كما ذكرت الموسوعة الفقهية (1/274) أن "لا تنفسخ الإجارة بالبيع"وهو رأي الحنفية والحنابلة والشافعية في الأظهر وقول للمالكية.

ويمكن تأكيد هذه المسألة، بأن ينص عقد البيع، صراحة، على بقاء الإجارة لمدتها، وقبول المشتري بذلك، وأنه يقبل بحلوله محل البائع في جميع حقوقه وواجباته التعاقدية فيما بينه وبين المستأجر.

كما يمكن أن يتضمن عقد الإجارة، نفسه تأكيد حق المالك المؤجر ببيع العين المؤجرة لمن يشاء وقبول المستأجر انتقال عقده –بكل شروطه- إلى المشتري.

وبجعل هذين التوضيحين جزءاً من شروط العقد لا نخالف أي نص شرعي يتعلق بالإجارة أو البيع، وبخاصة أنها شروط لا تتنافى مع مقتضى العقد بل إنها تؤكده، وبذلك نكون قد مهدنا السبيل لظهور صكوك التأجير دون أن نقع في منطقة الخلاف بين الفقهاء فيما يتعلق بآثار انتقال الملك على عقد الإجارة.

3 -

هبة العين المؤجرة ووقفها:

ومن جهة أخرى فإن الشريعة لا تمنع ورود بعض العقود الأخرى على الإجارة نحو الوصية والهبة، فضلاً عن البيع، فيمكن للمالك أن يبيع أو يهب أو يقف العين المؤجرة، دون أن يؤثر ذلك على حقوق المستأجر.

(1) الذخيرة للقرافي: 5/540، تحقيق محمد بوخبزه، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1994م.

ص: 249

وكما يصح البيع لغير المستأجر، يصح للمستأجر أيضاً، دون أن يؤثر ذلك على الإجارة بفساد أو فسخ (1) .

4 -

إجارة المشاع:

اختلف الفقهاء في إجارة المشاع (أي إذا كانت العين المتعاقد على منفعتها مملوكة مشاعاً) فقد أباحها أبو يوسف، ومحمد، والشافعي، والمالكية، ولأنها تصرف المالك في ملكه، ويمكن فيها الاستيفاء بالمهايأة (2) ، ولم يجزها أبو حنيفة لعدم إمكان استيفاء المنفعة إلا بالتصرف في حصة شريكه، وليس له ذلك، (وأبو حنيفة لا يقول بالمهايأة) ، إلا إذا كانت الإجارة لشريكه فيمكن فيها الاستيفاء، أما الحنابلة، فأجازوها للشريك ومنعوها للغير (3) .

ويتضح من خلافهم أن إمكان استيفاء المنفعة هو مدار الجواز، فحيثما أمكن للمستأجر استيفاء المنفعة –كالإجارة للشريك- جازت إجازة المشاع باتفاق الجميع، لذلك نجد الحنابلة قد نصوا أيضاً على جواز إجارة المشاع إذا أجر الشركاء كلهم معاً لآخر (4) ، فإذا كانت إجارة المشاع جائزة بعقد واحد، فمن باب أولى جواز الإجارة، دونما خلاف بين الفقهاء، بعقد واحد، مع تساوي حصص المالكين (أصحاب الصكوك) وانطباق نفس الشروط التعاقدية عليهم جميعاً.

(1) ينقل أبو سليمان: ص60-63، نصوص الفقهاء في ذلك، فلا داعي لتكرارها.

(2)

المغني لابن قدامه: 6/137؛ وبدائع الصنائع للكاساني: 4/187-188، والمهايأة أن تعطى العين المؤجرة بكاملها جزءاً من المدة فتعطى الدار نصف المدة، للمستأجر من الشريك دون شريكه، وتعطي النصف الآخر للشريك الذي لم يؤجر، إذا كانا متناصفين.

(3)

المرجعين السابقين نفسيهما؛ والإنصاف للعلاء المرداوي: 6/33.

(4)

المغني والإنصاف؛ المرجع السابق نفسه.

ص: 250

والمشهور عن أبي حنيفة أن الشيوع الطارئ بعد عقد الإجارة لا يفسدها، على خلاف الشيوع عند العقد، لأنه ليس كل ما يشترط في إنشاء العقد يشترط لبقائه (1) ، وهذا يعني أنه لو تمت إجارة العين ثم بيعت أسهماً مشاعاً، فإن ذلك لا يفسد عقد الإجارة عنده.

5 -

بيع المشاع:

ويجوز بيع المشاع بلا خلاف، فقد قاس صاحب البدائع إجارة المشاع المختلف فيها على بيع المشاع غير المختلف فيه، كحجة من أجل بيان جوازها، وكذلك فقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي بيع الأسهم في الشركات، وهو بيع مشاع، وذلك بقراره رقم 65/1/7 المتخذ في مؤتمره السابع المنعقد بجدة في ذي القعدة 1412هـ.

6 -

وقت دفع الأجرة:

لم يذكر الفقهاء وقتاً معيناً لوجوب دفع الأجرة، في إجارة العين، أو العمل، ولكنهم اتفقوا على أنه يجوز للمتعاقدين الاتفاق على تحديد وقت دفع الأجرة فيما بينهما، وقد خالف في ذلك الشافعية والحنابلة فقالوا بوجوب تعجيل الأجرة في حالة ما إذا كانت الإجارة إجارة في الذمة، قياساً على السلم، ومنعاً لأن يكون العقد كالئاً بكالئ (2) ، ويقول غيرهم إن الإجارة ليست سلماً، إلا إذا استعمل فيها لفظ السلم، فلا يشترط فيها على هذا القول تعجيل الأجرة.

(1) البدائع؛ مرجع مذكور سابقاً؛ والفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: 4/742.

(2)

الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: 4/760-762.

ص: 251

7 -

الإجارة الموصوفة في الذمة:

اتفقت المذاهب الأربعة على جواز الإجارة الموصوفة في الذمة، ولم يشترطوا فيها وجود العين عند العقد، لأنها في هذا مثل السلم (1) ، على صحة تأجيل المنفعة فيها إلى وقت معلوم، كما اتفقت المذاهب الثلاثة (عدا الشافعية) على جواز إضافة إجارة العين المعينة إلى زمن مستقبل (2) .

8-

تأجير المستأجر:

اتفق الفقهاء على جواز أن يبيع المستأجر ما ملكه، من منفعة بعقد الإجارة لثالث، لأن من موجبات الإجارة تملك المنفعة المعقود عليها، والناس مسلطون على ما يملكون (3) ، وبذلك فإن حق المستأجر في استيفاء المنافع المعقود عليها بعقد الإجارة هو حق قابل للتداول، بيعاً، وإعارة، وهبة، شريطة أن لا يخل ذلك بأي من شروط الإجارة، كأن لا يركب على الدابة المستأجرة للركوب من هو أثقل منه مثلاً (4) ، ولا يختلف الأمر بين ملك منفعة العين، ومنفعة العمل في ذلك.

(1) المغني، تحقيق التركي والحلو، هجر للطباعة والنشر، الرياض 1989م: 8/9.

(2)

الزحيلي: 4/762-763؛ وأبو سليمان، ص53؛ وانظر أيضاً الفتاوي الهندية: 4/410؛ والمهذب: 1/399؛ وكشاف القناع: 3/561.

(3)

الزحيلي: 4/763؛ وأبو سليمان، ص34.

(4)

أبو سليمان؛ المرجع السابق نفسه.

ص: 252

9 -

العمر الاقتصادي للعين المؤجرة:

لم يتحدث الفقهاء عن العمر الاقتصادي للعين المؤجرة، وإن كانوا تحدثوا عن اشتراط أن لا يؤدي استيفاء المنفعة المبيعة إلى استهلاك العين نفسها (1) ، وبالتالي فإنه من الممكن إجراء العقد لكامل العمر الاقتصادي للعين المؤجرة، طالما أن أصلها يبقى دون أن يستهلك باستيفاء المنفعة، فالآلة، نحو الطائرة، أو قاطرة السكة الحديدية أو آلة الطباعة في مطبعة، أو غير ذلك من الآلات يقدر لها في العادة عمر اقتصادي، لا يكون من المربح اقتصادياً تشغيلها بعده، على الرغم من بقائها من الناحية المادية، وإمكان استعمالها أو الاستفادة منها أحياناً، غير أن هذه الإفادة –في نفس ما أعدت له الآلة- مثل النقل بالنسبة للطائرة، تصبح عملية غير اقتصادية، أي أن تكاليفها أكثر من عائداتها، وقد تبقى للعين قيمة بعد انقضاء عمرها الاقتصادي –وهو الغالب- فيكون لها ما يسمى بالقيمة المتبقية، بحيث تصلح لاستعمالات أخرى غير ما أعدت له أصلاً، نحو أن تؤخذ منها قطع التبديل فتباع منفصلة، أو أن تستعمل كمعدن، يذاب، وتعاد صناعته مرة ثانية، وفي بعض الأحيان تكون القيمة المتبقية ضئيلة جداً، بحيث يزهد مالكها بالانتفاع بها، أو قد يكون نقلها مكلفاً، أكثر من القيمة المتبقية، فيتركها للمستأجر.

(1) أبو سليمان، ص27؛ والزحيلي: 4/733؛ والموسوعة الفقهية، إصدار وزارة أوقاف الكويت: 1/259.

ص: 253

ولم يضع معظم الفقهاء حداً لمدة الإجارة لا يجوز تجاوزه في العقد، وإن كانوا جميعاً اشترطوا أن تكون المدة معلومة في الإجارة، التي تتحدد فيها المنفعة بالمدة، كإجارة الدور للسكنى، وبالتالي فإن طول مدة الإجارة لا يضر، وقد اشترط الحنابلة –في قول- أن يغلب على الظن بقاء العين طيلة مدة الإجارة، وقال المالكية بتحديد المدة في بعض الإجارات، كالعمل لخمسة عشر عاماً، أما الدور –ونرى أن مثلها الآلات وسائر العقارات- فبحسب حالها (1) ، من ذلك يتضح أنه يمكن أن تكون الإجارة لجميع العمر الاقتصادي المتوقع للأصل الثابت المؤجر.

10 -

إجارة العين التي تنتج أعياناً استهلاكية غير ناضبة:

اختلف الفقهاء في جواز إجارة العين التي تنتج أعياناً، لا منافع، نحو إجارة الشاة للبنها، والبئر لمائها، أي إذا كانت الإجارة تتضمن استيفاء أعيان نحو اللبن والماء واستهلاكه، فالجمهور على عدم الجواز، وقد فرق ابن تيمية بين نوعين من الأعيان: أعيان تحدث شيئاً بعد شيء مع بقاء أصلها نحو لبن الظئر وماء البئر، وأعيان ليست كذلك، فالأولى لها حكم المنافع تجوز فيها الإجارة، حسب رأي ابن تيمية، وبذلك فإنه يعتبر جواز إجارة الظئر للبنها أصلاً، يقاس عليه، لا استثناء من الأصل جاء على خلاف القياس (2) .

11 -

البيع مع استثناء بعض المنافع:

أجاز الحنابلة استثناء بعض المنافع في البيع، نحو بيع الدار مع اشتراط سكناها سنة، للبائع أو لغيره. واشترطوا أن يكون الاستثناء معلوما لأن الرسول صلى الله عليه وسلم "نهى عن الثنيا -الاستثناء- إلا أن تعلم " وهذا الاستثناء لبعض منافع العين لمدة معلومة، كسكنى الدار المبيعة سنة مثلاً هو استثناء معلوم (3) ، ويؤيدهم المالكية في ذلك، إذا كان المنتفع من الاستثناء هو البائع نفسه (4) ، غير أن الحنابلة يؤكدون أن للمستثني أن يؤجر ما استثناه من منفعة، أو يعيرها لغيره، أي أن له التصرف بها تصرف المالك بملكه، لأنه يملك المنفعة المستثناة، كما يملك المستأجر منفعة الدار التي استأجرها (5) ، وفائدة هذا الرأي أنه يساعد على تخريج صورة بديلة للإجارة المنتهية بالتمليك، كما رأينا في القسم الأول من هذه الأوراق.

(1) الموسوعة الفقهية: 1/261-262؛ وأبو سليمان، ص64.

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية، المجلد العشرون، ص549-550؛ وتابعه في ذلك تلميذه ابن القيم؛ انظر إعلام الموقعين: 1/15.

(3)

كشاف القناع: 3/190-191.

(4)

الموسوعة الفقهية: 2/20.

(5)

كشاف القناع: 3/190.

ص: 254

12 -

اجتماع الإجارة والوكالة:

يمكن للمؤجر أن يوكل المستأجر –في عقد إجارة عين موصوفة في الذمة- ليقوم بشراء العين، وقبضها من البائع وكالة عن المشتري، ثم يسلمها لنفسه بصفته مستأجراً، إذ لا يوجد في الشريعة ما يمنع توكيل المستأجر من قبل المؤجر، كما أن الجمع بين عقدي الإجارة في الذمة، والوكالة، لا يوجد ما يمنعه في الشريعة، فهما ليسا عقدين متعارضين، ولا يتضمن الواحد منهما أية شروط تؤثر على الآخر، وقد أكدت ذلك الأبحاث المقدمة في الندوة الفقهية لبيت التمويل الكويتي المشار إليها فيما سبق.

13 -

المخاطرة في الإجارة والشركة:

أثار بعض المعاصرين (1) أن المشاركة أكثر عدالة من الإجارة، لأن الشركاء يتساوون في المغنم والمغرم، ويشتركون في الخوف والرجاء، فلا تقتصر المخاطرة في الشركة على طرف واحد، على عكس الإجارة التي يعتبرون المؤجر فيها أقل تحملاً للمخاطرة من المستأجر، حيث يحصل الأول على شيء مضمون، في حين يبقى الآخر معرضاً للمخاطرة، وقد استندوا في ذلك إلى أقوال نقلوها عن شيخ الإسلام ابن تيمية.

(1) رفيق المصري، "مشاركة الأموال الاستعمالية في الناتج أو في الربح"، مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، مجلد 3، 1405هـ؛ ونجاة الله صديقي Some Economic Aspects of Mudarabah”"في مجلة بحوث الاقتصاد الإسلامي مجلد 1، عدد2، 1991م.

ص: 255

وهذا الاعتراض على الإجارة –في نظرنا- غير صحيح؛ فليس من الصواب القول بأن المشاركة أكثر عدالة من الإجارة، من حيث تحمل المخاطرة، ذلك أن المقارنة بينهما ينبغي أن تنظر إلى طبيعة كل منهما والفترة الزمنية لمشروع المشاركة ومشروع الإجارة.

فالإجارة بيع لمنافع عين. وهذه المنافع هي نفسها المنتوج النهائي لمشروع استثماري، ابتدأ بالحصول على العين، من أجل بيع منافعها، وقد تعرض صاحب هذا المشروع لجميع المخاطر المرتبطة بمشروعه، سواء منها تلك الناتجة عن عوامل الطبيعة، أم السوق، أم التقدم العلمي.

والمشاركة هي مشروع آخر، يبدأ بالحصول على العين، والإفادة من منافعها لإنتاج خدمة، أو سلعة، فلابد، من أجل المقارنة بينهما، من اختيار النقطة الزمنية التي تناسب طبيعة كل منهما، ولا تصح المقارنة بين مخاطر الإجارة عند نقطة من الزمن، هي نقطة عقدي الإجارة والشركة، لأن هذه النقطة تقع عند بدء مشروع الشركة الاستثماري، في حين هي نقطة قريبة من نهاية مشروع الإجارة الاستثماري، وبحكم ذلك، فهي عند بدء جني ثماره، كالزارع عندما يبيع ثمرته، فلا يقال إن الزراعة ليس فيها مخاطرة لأن الزارع لا يتحمل مخاطر السلعة بعد عقد البيع، وانتقال السلعة للمشتري، لأن زمن البيع بالنسبة له هو وقت انتهاء المخاطر ووقت تحصيل ثمرات الجهد، والمخاطرة قد كانت زمن الزراعة، فهي تبدأ عند بدء المشروع، وتنتهي عند جني الثمرة وبيعها.

إن المقارنة الصحيحة –من حيث المخاطرة- ينبغي أن تشمل كل المدى الزمني الذي يعيشه المشروع، فمشروع الإجارة يبدأ عند شراء العين لتأجيرها، فهو إذن يتضمن مخاطر التملك، وضمان العين المملوكة، وتحمل مخاطر القرار الاستثماري السوقية، والتكنولوجية، مما يجعل معيار العدالة التبادلية متوافراً بتمامه عند مبادلة ثمرة مشروع الإجارة –وهي منافع العين المؤجرة - بعوضها، أي الأجرة، التي تحددها عوامل السوق بشروطها المعروفة، أي أن المؤجر، عند عقد الإجارة يكون قد تحمل كل أعباء المخاطر المعلقة بمشروعه الاستثماري، وهي ذات نوع المخاطر التي يتحملها الشريك في مشروع الشركة التي يساهم فيها.

ولا ينكر أن المشروعات تتفاوت، فيما بينها، من حيث المخاطرة، فالمخاطرة في مشروع زراعي مثلاً تختلف عن المخاطرة في مشروع تملك عقار وتأجيره، والمخاطرة في تجارة العقارات تختلف عن المخاطرة في تجارة السلع الصناعية كالملابس، أو تجارة السلع الزراعية السريعة الفساد كالخضروات، وأسعار السوق تتضمن في العادة نصيباً من الربح يقابل المخاطرة، فكلما زادت المخاطرة في مشروع كانت أرباحه أكثر ارتفاعاً في الأحوال العادية.

ولكن شكل العقد، بين المشاركة والإجارة، ليس عاملاً في تحديد مقدار المخاطرة التي يتحملها صاحب المشروع، والربح يكون على المشروع وليس على العقد، لذلك لا نرى مبرراً للحديث عن اعتبار المشاركة أفضل من الإجارة، من حيث المخاطرة، وبخاصة أن هذا التمييز قد يقصد منه أحيانا اعتبار الإجارة قريبة من الربا الذي تنعدم فيه المخاطرة، فالعائد في الربا هو زيادة على مال انشغلت به الذمة، في حين أن الأجرة في الإجارة هي ثمن منفعة العين المؤجرة، وهذه المنفعة هي الثمرة النهائية لمشروع استثماري مادي حقيقي، يبدأ من شراء العين وينتهي عند قطف ثمارها بالتأجير.

ص: 256

14 -

حق الشفعة:

يقول بعض المذاهب بحق الشفعة للشريك، والأصل في الشفعة أنها في العقار، وما يلحق به، وعند من يقول بالشفعة في الشركة، حتى في غير العقار، فإن الشفعة تسقط بالتسليم وترك المخاصمة عند بعضهم، وتسقط عند الجميع بالشرط، أي إذا تم التصريح في عقد الإجارة نفسه، أو في صكوك التأجير، بأن جميع الشركاء في الملك يتنازلون عن حقهم في الشفعة.

لذلك نرى أن مثل هذا النص في العقد يقطع الخلاف، ويسمح بتداول السند، وبيعه لأي مشتر دون الوقوع في خلاف الفقهاء، وبخاصة أن مجمع الفقه الإسلامي قال بجواز بيع الأسهم ولم يقيد ذلك بحق شفعة لمالك أسهم أخرى.

تحويل الإجارة إلى صكوك:

تقوم فكرة صكوك التأجير على تحويل التمويل بالإجارة إلى شكل سندات تمويلية أو ما يسمى (Securitization of Lease) ويمكن تعريف التحويل إلى سندات (Securitization) بأنه "وضع موجودات دارة للدخل، كضمان، أو أساس، مقابل إصدار صكوك، تعتبر هي ذاتها أصولاً مالية"(1) .

وعملية التحويل إلى سندات عملية عامة لا تتحدد فقط بالإجارة، فأي مجموعة من الموجودات يمكن وضعها أساساً لإصدار صكوك مالية، ويمكن لهذه الموجودات أن تكون أصولاً عينية، كمصنع يصدر مالكه صكوكاً، أو أسهماً، أو سندات بقيمته، أو تكون مجموعة من الأصول العينية، والنقدية، والديون في الذمة، والمنافع، تجمع بعضها مع بعض، وتصدر بها صكوك تمثل ملكيتها، وعندئذ، لابد لجواز تداول هذه السندات، من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، من توفر شرط غلبة الأعيان والمنافع، كما بينت ذلك فتوى مجمع الفقه الإسلامي بقرار رقم 5 في مؤتمره الرابع المنعقد بجدة من 18 إلى 23 جمادى الآخرة 1408هـ 6-11/2/1988م) .

(1) Adrian Miles، "An Introduction to the Securitization of Lease"In Hornbrook، ed. Studies in Leasseing Law and Tax، Euromoney Publications، London 1993، p.15.

ص: 257

والذي يهمنا من هذه الفتوى –فيما يتعلق بفكرة صكوك التأجير- هو الأعيان (الأصول العينية) المعمرة والأعيان التي لا تستهلك باستيفاء منافعها.

فإذا كانت هذه الأعيان المعمرة مؤجرة، فإنها تدر دخلاً هو الأجرة محسوماً منها ما يقع على عاتق المؤجر من أعباء ونفقات، وبالتالي فإن هذه الأعيان يمكن تمثيلها بصكوك، أي تحويلها إلى صيغة الأصول المالية، عن طريق إصدار صكوك، هي عبارة عن شهادات ملكية لهذه الأعيان المؤجرة، وهذه الصكوك يمكن تداولها حسب الفتوى المذكورة.

صور صكوك التأجير:

يمكن لصكوك التأجير أن تتخذ صوراً عديدة، نقتصر على الصور الأكثر أهمية، والتي يمكن تفريع صور أخرى كثيرة عليها.

الصورة الأولى:

وهي الصورة المبسطة لهذه الصكوك، وهي تقوم على وجود عقار مملوك لشخص واحد، يحمل سنداً يمثل ملكيته للعقار، وهو مؤجر لطرف آخر هو المستأجر، الذي يدفع للمؤجر أجرة للعقار، بصورة دورية، غرة كل شهر مثلاً، فالسند هنا هو صك تأجير، ويمكن لهذا الصك أن يصدر عن إدارة حكومية معينة هي إدارة السجل العقاري، أو عن المستأجر الذي يحوز العقار ويستوفي منافعه، أو عن مالك العقار نفسه، ويتضمن هذا الصك وصفاً للعقار، بعينه، وأوصافه، واسم مالكه، وبياناً لشروط إجارته، مع اسم المستأجر، وسائر المعلومات الإجرائية اللازمة.

ويمكن بيع هذا العقار دون المساس بحقوق المستأجر، ويكون انتقال ملكية الصك بإجراء القيد اللازم في السجل العقاري، أو كتابة اسم المالك الجديد على الصك نفسه، كما يمكن أن يكون بإجراء القيد في سجلات المستأجر، أو المالك الأول، إذا كان هو الذي أصدر الصك، وكما أن السهم يمكن أن يكون لحامله، حسب قرار مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره السابع المنعقد بجدة في شهر ذي القعدة 1412هـ، يمكن لصك التأجير أن يكون لحامله أيضاً، ولا يمنع ذلك من تداوله، ويكون قبض العقار أو الآلة بانتقال حيازة الصك للمالك الجديد.

وكما يمكن أن يكون الصك لعقار مؤجر، يمكن أن يكون أيضاً لأي عين مؤجرة مما تتوافر فيها الشروط الشرعية اللازمة في العين المؤجرة، فيمكن أن يمثل الصك ملكية طائرة مؤجرة، أو باخرة مؤجرة، أو خطوط سكة حديدية مؤجرة، أو شبكة أسلاك كهربائية مؤجرة، أو آلة صناعية مؤجرة، أو مصفاة بترول مؤجرة (إلخ.. ما دام يمكن تحديد العين المؤجرة تحديداً لا يترك للنزاع والخصومة مجالاً، ومادامت العين مما تتوافر فيها الشروط الشرعية المطلوبة في العين المؤجرة) .

ص: 258

ويمكن كذلك أن تكون الأعيان التي يمثلها الصك شيئاً واحداً نحو طائرة أو آلة، ويمكن كذلك أن تكون مجموعة أشياء متماثلة مثل خمس طائرات، أو غير متماثلة نحو مجموعة آلات ومعدات لمستشفى، أو لشركة للهاتف، أو مبنى بنك إسلامي بأثاثه وأجهزته وآلاته، وفي كل ذلك يبقى أهم ما في الأمر أن الصك يمثل ملكية أعيان حقيقية، وأن الأعيان مؤجرة، وتدر عائداً هو الأجرة منقوصاً منها ما يترتب على المؤجر من نفقة ومؤونة، وأن الصك قابل للبيع بثمن يتفق عليه، قد يزيد، أو قد ينقص عن ثمن شراء العين من قبل المالك المؤجر.

الصورة الثانية:

وهي مثل الأولى مع اختلاف بسيط هو أن مالك العين المؤجرة يحمل عدة صكوك تأجير بحصص متساوية شائعة من العين، ويبيعها متفرقة لأشخاص متعددين، فيكون كل صك ممثلاً لحصة شائعة محددة من ملكية العين، (1 %) أو (10 %) مثلاً، ويحصل مالك الصك على حصته من الأجرة، بالشكل، والميعاد، الذي ينص عليه عقد الإجارة، وهو يستطيع بيع الصك في السوق لأي مشتر، بالسعر الذي يتفقان عليه، زاد أو نقص عن الثمن الذي دفعه البائع عند حصوله على الصك.

الصورة الثالثة:

أن تحتاج جهة من جهات القطاع الخاص، مثل شركة طباعة، أو جهة حكومية، نحو وزارة العدل، إلى منافع عين، وترغب في الحصول عليها عن طريق إجارة تلك العين، ولتكن طائرة لشركة طيران، أو مبنى لمحكمة، فيلجأ الراغب بالحصول على العين إلى وسيط مالي، بنك إسلامي مثلاً، ليشتري العين ثم يؤجرها إلى الآمر بالشراء، وتصدر صكوك تأجير تمثل أجزاء متساوية من العين، ويساوي مجموعها العين بكاملها، من جهة حكومية كالسجل العقاري، أو من المالك المؤجر، أو من المستأجر، وبعد ذلك يعمد البنك الإسلامي إلى بيع هذه الصكوك في السوق للمستثمرين الأفراد.

الصورة الرابعة:

وهي تشبه الصورة الثالثة، ولكن للوسيط المالي فيها –أي البنك الإسلامي دور أكبر، فهو يحتفظ ببعض الحقوق والواجبات، بصفة الوكالة عن حملة الصكوك، يمكن أن يشمل ذلك إدارة ما يتعلق بعقد الإجارة، من تحصيل أجرة، وتوزيعها على مالكي الصكوك، وحفظ سجل الصكوك، ومتابعة ما ينشأ من قضايا وخلافات حول هذه الصكوك في المحاكم، أو خارجها، أو بين مالكيها والمستأجر، وقد تقوم بهذا العمل جهة حكومية متخصصة –بأجر أو بدون أجر- أو جهة من القطاع الخاص تتخصص بأعمال التعهد بترويج (Underwriting) صكوك التأجير، وتدير هذه الجهة الوكيلة كل مجموعة صكوك تصدر لعين واحدة، أو لمجموعة أعيان مرتبة مع بعضها بعقد إجارة واحد، على حدة، وتتقاضى على ذلك أجراً من المستأجر، أو من المؤجر، أو من كليهما محسوباً بمقدار محدد، أو بنسبة من الأجرة المترتبة لمالك الصك.

ص: 259

الصورة الخامسة:

وهي تشبه الصورة الثالثة أيضاً، ولكن دون وجود الوسيط المالي، فتعمد الجهة الراغبة في استئجار العين إلى دعوة الجمهور إلى الاكتتاب بصكوك التأجير، وينص الاكتتاب على توكيل المستأجر بشراء العين، أو بنائها، وقبضها وكالة عن أصحاب الصكوك، ثم يعقد عقد الإجارة بعد القبض، بالشروط المتفق عليها في الدعوة للاكتتاب، وفي خطابات أو طلبات الاكتتاب، ويمكن أن يتم القبض وعقد الإجارة تحت رقابة طرف ثالث، نحو سلطة رقابية حكومية، أو أمين استثمار.

ويمكن وجود صورة فرعية للصورة الخامسة هذه يتم فيها عقد الإجارة بالذمة منذ بدء الاكتتاب، ويبدأ استحقاق الأجر من تاريخ قبض العين من قبل المستأجر.

ولكل من هذه الصور الخمسة أحوال متعددة حسب طبيعة العين المؤجرة وشروط عقد الإجارة، ونعرض فيما يلي أهم هذه الأحوال:

الحالة الأولى: أن تكون العين المؤجرة مما يعمر أكثر من مدة عقد الإجارة، كأن يكون عمر العقار خمسين سنة وقد أجر لعشرين، وهذه هي الحالة الأقرب إلى ما يسمى بالإيجار التشغيلي (Operating Lease) وعند الأجل، يترتب على أصحاب صكوك التأجير إما الدخول في عقد إجارة جديد، أو استرداد العين والتصرف بها بيعاً، أو هبة أو غير ذلك، ومن البدهي أن أصحاب الصكوك –إن كثروا- لا بد لهم من وسيلة للاجتماع واتخاذ القرار المناسب، مما لا يتوافر في الصورة الثانية والثالثة والخامسة، إلا إذا تضمنت عقودها نصوصاً بالتجديد التلقائي، أو ما يسميه فقهاء الحنفية، بالعقود المترادفة (1) ، أو نصت على تسمية جهة تكون موكلة من قبل أصحاب الصكوك باتخاذ هذه القرارات، كما في الصورة الرابعة، ويمكن لهذه الجهة أن تكون هي المستأجر نفسه بشروط خاصة ينص عليها عقد الوكالة المذكور في الصورة الخامسة.

الحالة الثانية: هي مثل الحالة الأولى، ولكن مع إضافة وعد من أصحاب الصكوك ببيع العين المؤجرة للمستأجر عند انتهاء عقد الإجارة، بمبلغ محدد في العقد، وهذه الحالة تقوم على رغبة المستأجر بامتلاك العين المؤجرة بعد انقضاء الإجارة عادة على أساس المتبقي من العمر الإنتاجي للعين، ويدخل في المساومة بين المؤجر (أصحاب الصكوك) والمستأجر عوامل كثيرة، منها مقدار الدخل المتوقع للمالك من الإجارة ومدته ودخول الفرص البديلة، ودرجة المنافسة في سوق الطلب على الأموال، وغير ذلك.

(1) عقد الإجارة لعبد الوهاب أبو سليمان، ص63-65.

ص: 260

ولقد قرر مجمع الفقه الإسلامي أن "الوعد يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب، ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد"(1) ، وكذلك، فإن رفض المجمع لقبول المواعدة الملزمة للطرفين دون خيار لأي منهما جاء معللاً بأن المواعدة في البيع "تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده"(2) ، ويبدو أن هذه العلة غير واردة في المواعدة على بيع العين المؤجرة عند انتهاء عقد الإجارة، لأنها موجودة ومملوكة للمؤجر، وله أن يبيعها في أي وقت، سواء أباعها للمستأجر، أم لغيره، مع المحافظة على حقوق المستأجر، ما يدل على أن المواعدة على بيع العين المؤجرة للمستأجر، دون خيار لأي من الواعد بالبيع أو الواعد بالشراء، قد تكون غير داخلة تحت الحظر الوارد بقرار المجمع المذكور، وإن كان ذلك لا يعني أنني أقول بجوازها، لذلك أرى أنها تحتاج إلى نظر مستقل من قبل مجمع الفقه الإسلامي.

وتشبه هذه الحالة البيع بالتقسيط، لأن المالك المؤجر يحصل على الأجرة الدورية، بالإضافة إلى مبلغ من المال، هو الثمن عند نهاية الإجارة، ويعادل مجموع هذه الدفعات كلها ثمن الآلة الذي دفعه عند شرائها، إضافة للعائد الذي ارتضاه، ولكن الفروق بين هذه الحالة والبيع بالتقسيط واضحة من حيث إن المواعدة على البيع لا تنقل الملكية في حين ينقلها البيع بالتقسيط، والواقع أن النظام الأمريكي للضرائب قد اعتبر هذا النوع من الإجارة معادلاً للبيع مع شرط تأجيل نقل الملكية، بالمعنى الرهني، وأسماه البيع الشرطي (Conditional Sale) ، وذلك من حيث المعاملة الضريبية، حيث أجاز للمستأجر تنزيل الاستهلاكات، وجزء الأجرة الذي يقابل الفائدة على قيمة العين، من الأرباح الخاضعة للضريبة، ومنعه في الوقت نفسه من تنزيل الجزء من الأجر الذي يقابل سداد جزء من قيمة الآلة من أرباحه من أجل احتساب الضريبة، على اعتباره شراءً لأصل ثابت وليس نفقة عادية (3) .

غير أنه ينبغي أن يذكر –من ناحية أخرى- أن مجمع الفقه الإسلامي نفسه، لم يقرر مبدأ الوعد بالبيع، بالنسبة لعقود الإجارة الخاصة بالبنك الإسلامي للتنمية (4) ، بل بدل شرط الوعد بالبيع بعقد وعد بالهبة منفصلة عن عقد الإجارة، وفي كلتا الحالتين، سواء أقلنا بالوعد بالبيع عند من يرى ذلك، أم قلنا بالوعد بالهبة عند من لا يرى صحة الوعد بالبيع، فالوعد ملزم كما يبدو من مناقشة القرار المذكور بالنسبة للوعد بالهبة، لأن المستأجر يكون قد أسس على ذلك ارتباطات مالية أخرى، وبالتالي، فإن العين المؤجرة تؤول إلى ملكية المستأجر، سواء أكان ذلك هبة، أم شراء.

(1) قرار المجمع رقم 2 في دورته الخامسة المنعقدة في الكويت 1-6 جمادى الأولى 1409هـ؛ انظر قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي.

(2)

المرجع السابق نفسه.

(3)

انظر Ramesh K. S. Roa، Fundamentals of Financial، Management Macmillan، N-pp. 709-710.y. ويلاحظ أن نظام الضريبة الأمريكي قد وضع شروطاً خاصة لاعتبار هذا النوع من التأجير بيعاً شرطياً منها أن لا تزيد القيمة المتبقية عن (20 %) من قيمة الأصل وأن تغطي مدة الإجارة (75 %) على الأقل من العمر الاقتصادي للعين المؤجرة.

(4)

قرار رقم (1) /د 3/07/68 في المؤتمر الثالث لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في عمان –الأردن 8-13 صفر 1407هـ (11-16 تشرين الأول/ أكتوبر 1986م) .

ص: 261

الحالة الثالثة: أن تكون العين مؤجرة بعقد لمدة محددة، يتجدد تلقائياً (أي بعقود مترادفة) ، وتكون العين مما لا يفنى بطبيعته، أو مما يمكن تطبيق مبدأ التجديد المستمر عليه عن طريق حجز احتياطي الاستهلاك، فلو فرضنا أن العين المؤجرة هي بناء، فإنه يمكن حجز مبالغ من الأجرة لعمليات التجديد المستمر في البناء للمحافظة على منافعه كاملة، أو لبناء مبنى جديد مماثل بحيث يكتمل بناؤه عند انقطاع منافع البناء الأول، فينتقل العقد إلى البناء الجديد الذي حل محل القديم، وهكذا تصبح العين المؤجرة متجددة بسبب أسلوب الاستثمار الذي تبناه المالك، أي عن طريق حجز مبالغ من الإيرادات تستعمل في استبدال العين المؤجرة.

أما العين التي تبقى منافعها بصورة مستمر، فمثالها الأرض المعدة للبناء عليها (ولم نقل الأرض الزراعية، لأن خصبها قد يزول، وإن كان من الممكن اتباع أسلوب في الزراعة، ومدخلاتها، ودورتها، بما يحافظ على الخصب مستمراً) وكذلك النبع ذو الماء المتجدد دائماً، على رأي من قال بجواز إجارته لمائه.

وسواء أكان بقاء المنافع من طبيعة العين أم ناتجاً عن أسلوب الاستثمار فإن ذلك يجعل صكوك التأجير تمثل –في هذه الحالة- ملكية دائمة (إذا كانت العين المؤجرة مما لا يفنى، بطبيعته، كالأرض السكنية) ، أو متجددة (إذا كانت العين مما يتجدد بمخصصات الاستهلاك) ، ذات ريع متجدد (بسبب عقود الإجارة المترادفة) ، مما يميزها عن الحالات الأخرى، وتنطبق هذه الحالة على أي من الصور الخمس المذكورة.

الحالة الرابعة: أن تكون العين المؤجرة مما يبقى بعد انتهاء مدة الإجارة، ولكن هذا البقاء مادي بحت، لا يشكل قيمة ذات بال، بحيث يأبه لها أي من مالك الصك، أو المستأجر، وبمعنى آخر أن تستوعب مدة الإجارة العمر الاقتصادي للعين، ومثال ذلك آلة تستأجر لكامل عمرها الاقتصادي، ولكنها تبقى كما هي من حيث مادتها عند نهاية العقد، وقد تفوق كلفة استردادها ونقلها أي سعر لحديدها (الخردة) عند نهاية عقد الإجارة، فلا مصلحة لأصحاب الصكوك باستردادها، وقد يتفضل المستأجر تبرعاً بكلفة رميها جانباً، أو التخلص منها، حتى تعرقل أعماله، وتشغل عنده حيزاً له عنده استعماله البديل، وقد يكون سبب انقضاء العمر الاقتصادي للآلة هو التغير التكنولوجي، بحيث إن الآلة ما تزال موجودة، وقابلة للتشغيل، ولكن لا توجد مصلحة اقتصادية بتشغيلها لظهور أساليب تكنولوجية جديدة، تحقق الغرض من الآلة القديمة بزيادة كبيرة في الكفاءة الإنتاجية.

ص: 262

ويلاحظ أن ملكية الآلة لا تؤول هنا إلى المستأجر، ولكن أياً من طرفي العقد ليس له بها حاجة، بعد انقضاء مدة الإجارة، وقد تشبه في هذه الحالة بعض صيغ ما يسمى بالعرف المالي المعاصر بالإيجار التمويلي:(Financial Lease) ، من حيث إن الإجارة تشمل مجموع العمر الاقتصادي للعين المؤجرة، مع فارق عدم تملك المستأجر للعين المؤجرة عند نهاية العقد، وهي تشبه كذلك بيع التقسيط من حيث إن المالك يسترد قيمة الأصل مع أرباحه من خلال الدفعات الدورية للأجرة، مع فارق عدم انتقال الملكية إلى المستفيد، الذي يحصل في البيع بالتقسيط منذ تاريخ العقد، في حين لا ينتقل الملك في الإجارة إلى المستأجر.

ويدخل ضمن الحالة الرابعة هذه أن تكون رقبة العين المؤجرة تستحق لطرف ثالث بعد انتهاء مدة الإجارة، كأن تكون العين المؤجرة جسراً بناه شخص على أرض له عليها إقطاع ارتفاق مؤقت بمدة عشرين سنة مثلاً من الدولة، وتشترط الدولة أن تؤول إليها ملكية ما على الأرض، بعد انتهاء مدة إقطاع الارتفاق، كجزء من الخراج المشروط عند الإقطاع، فهنا العين المؤجرة باقية بعد انتهاء الإجارة واستيفاء منافعها ولكنها على غير ملك المؤجر، كما لو باعها لثالث عند انتهاء الإجارة.

الحالة الخامسة: وهي تشبه الحالة الثانية، حيث يرغب المستأجر بتملك العين المؤجرة عند نهاية الإجارة، فيعقد مع أصحاب الصكوك –منذ إصدارها- عقد استصناع يشتري به منهم عيناً موصوفة بالذمة لها نفس المواصفات المتوقعة للعين المؤجرة عند انتهاء الإجارة، وعند انتهاء مدة الإجارة، يتم تسليم العين المؤجرة بالثمن المتفق عليه، وتبقى العين المؤجرة نفسها مملوكة لأصحاب الصكوك طيلة مدة الإجارة، وبالتالي فإن صكوكهم التي تمثل عيناً مادية مؤجرة، تكون قابلة للتداول بسعر سوقي يتفق عليه بين المتبايعين، قد يزيد، أو ينقص عن سعر الشراء.

ومن الواضح أن عقد الاستصناع ملزم للطرفين ويمكن فيه تأجيل الثمن حسبما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة، عام 1412هـ، ولكن هذا العقد لا يصح لبعض الأعيان المؤجرة، نحو الأرض مثلاً، التي ليس فيها من الصناعة شيء، غير أن هذا القيد قليل الأهمية التطبيقية، لأن معظم الأعيان المؤجرة ينطبق عليها مبدأ التصنيع مثل الآلة، والبناء، والجسر، والطائرة، ونحو ذلك.

ص: 263

وإذا كان عقد البيع لا ينافي عقد الإجارة، فإن الاستصناع بيع، فهو بذلك لا ينافي الإجارة أيضاً، الأمر الذي يدل على أن هذه الحالة مقبولة من وجهة النظر الفقهية، على ضوء ما ورد في هذا البحث، مع ملاحظة أن عقد الإجارة وعقد الاستصناع لا يقعان على نفس العين عند التعاقد، لأن الاستصناع – كالسلم - بيع لموصوف في الذمة، في حين أن الإجارة تقع هنا على عين حاضرة، ولا يتنافى ذلك مع قيام الصانع بتقديم العين المأجورة نفسها للوفاء بالتزامه في عقد الاستصناع ما دامت تتحقق فيها الصفات المحددة للمبيع فيه.

الحالة السادسة: وهي أن تكون الإجارة بأجرة متناقصة، أو متزايدة، ولكنها في جميع الأحوال معلومة، كأن تكون أجرة كل سنة أكثر (أو أقل) بعشرة في المائة من السنة التي قبلها، ويمكن تطبيق هذه الحالة بالزيادة مثلاً للحماية من التضخم المتوقع، فتجعل نسبة الزيادة المحددة في الأجرة السنوية، أو الشهرية، معادلة للنسبة المتوقعة للتضخم، أما حالة تناقص الأجرة، فيمكن تطبيقها عند توقع التناقص في منفعة العين مع الزمن لأسباب فنية، مثل السيارة التي تقل كفاءتها مع الاستعمال، أو لأسباب التقدم العلمي التكنولوجي، وبخاصة حيث تكون سرعة التطور التكنولوجي كبيرة، بحيث تفقد الآلة القديمة قيمتها بسرعة.

وفي جميع حالات الأجرة المتناقصة، أو المتزايدة، فإن المتفق عليه بين المذاهب الإسلامية هو اشتراط أن تكون الأجرة معلومة، أو بمقادير أو نسب معلومة، كل ذلك في عقد الإجارة أي عند إصدار الصك نفسه.

ويلاحظ هنا أن من الحنابلة من أجاز البيع بما ينقطع به السعر في المستقبل، بتاريخ معين، من غير تحديد الثمن وقت العقد (1) ، وهو بيع بسعر يمكن معرفته، لأنه معلق على أمر يعلم دونما نزاع، أو خلاف، فإذا جاز هذا في البيع، فإن الإجارة بأجرة متزايدة، أو متناقصة، غير محددة في العقد، ولكنها معلقة على أمر يعلم، ويعلن قبل بدء الفترة الإيجارية، التي تحدث فيها الزيادة، أو النقصان، قد تكون جائزة أيضاً، لأن الإجارة بيع، وبخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مبدأ العقود المترادفة، كما هو معروف عند الحنفية، حيث تنعقد الإجارة على الفترة اللاحقة عند انتهاء الفترة التي قبلها.

(1) الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: 4/459.

ص: 264

الصورة السادسة:

وهي صورة من صكوك التأجير تقوم على أساس الحكر. والحكر إجارة طويلة، تنطبق على أراضي الأوقاف في الأغلب، وقد تكون في الأملاك الخاصة أيضاً (1) . حيث يقصد منح المستأجر إجارة طويلة تمكنه من إقامة البناء أو غرس الأشجار، لأنه يطمئن إلى انتفاعه بالأرض خالياً من المنافسين لمدة الحكر. وقد اتفق الفقهاء أن البناء والغراس ملك للمستأجر، له أن يبيعه، أو يهبه، أو يوصي به، كما أنه يورث عنه (2) ويمكن في الحكر وصف البناء، ووصف صيانته وتأمينه خلال مدة الإجارة، بدقة لا تترك مجالاً للنزاع، بحيث يعرف ما سيكون على الأرض من بناء عند انتهاء الحكر. كما يمكن بالشرط جعل البناء على الأرض- وهو معلوم – جزءاً من أجرة آخر سنة من سنوات الحكر.

وصورة صكوك التأجير القائمة على الحكر هي أن يحكر ناظر الوقف، المالك، الأرض إلى وسيط مالي، نحو مصرف إسلامي، أو شركة تأجير إسلامية. فيقوم الوسيط بالبناء والتأجير، ثم يصدر صكوك تأجير أعيان بملكية البناء وحده، دون الأرض، يبيعها للأفراد المستثمرين. وتمثل هذه الصكوك ملكية البناء المؤجر وهي ملكية آيلة إلى الانتهاء عند أجل الحكر لانتقال ملكية البناء إلى الوقف بعقد الحكر بصفته جزءاً من أجرة السنة الأخيرة. فنحن هنا أمام صكوك ذات عائد إيجاري لمدة محددة دون أن يكون للعين المؤجرة قيمة متبقية يملكها صاحب الصك.

خصائص صكوك التأجير:

تتميز صكوك التأجير بعدد من الخصائص، التي تجعل من الممكن لهذه الصكوك أن تكون أساساً مهماً في السوق التمويلية الإسلامية. وتقوم هذه الخصائص على طبيعة عقد الإجارة بشكله الشرعي، وطبيعة التكييف الشرعي للصكوك، باعتبارها تمثل ملكية أعيان مؤجرة. وقبل شرح هذه الخصائص لابد من كلمة حول أهمية الأوراق المالية عامة لأي دولة معاصرة.

(1) الموسوعة الفقهية الكويتية: 18/ 54.

(2)

المرجع السابق، ص63.

ص: 265

فالحكومات المعاصرة تحتاج إلى أوراق مالية ذات استقرار نسبي في أسعارها في سياستها النقدية التي تهدف إلى تنظيم كمية النقود الموجودة في أيدي الناس، بحيث تستطيع أن تبيع هذه الأوراق عندما ترغب الحكومة بتقليل كمية النقود في السوق، أو شراءها عندما ترغب بزيادة تلك الكمية. وقلما تستطيع الحكومات استعمال أسهم شركات المساهمة في هذا المجال بسبب التغيرات الكبيرة التي تطرأ على أسعار الأسهم في الأسواق المالية.

يضاف إلى ذلك الحاجات التمويلية لبناء بعض المشاريع الكبيرة وبخاصة مشاريع البنية التحتية كالجسور والطرق الكبيرة والمطارات ومحطات السكة الحديد وشبكات الاتصالات مما يمكن تمويله بصكوك التأجير.

وكذلك فإن السوقين المالية والنقدية تحتاجان دائماً إلى تنوع في الأوراق المالية، وبشكل خاص إلى أوراق مالية ذات عائد منتظم ومخاطر قليلة، بحيث تصلح لتكون علامة (Bench Mark) ترجع إليها السوق في تحديد عوائد الدرجات الكبيرة من المخاطر أو ما يسمى برأس المال المغامر (Venture Capital) الذي يتمثل عادة في الأسهم.

ولنعد الآن إلى بيان أهم خصائص صكوك التأجير حيث يمكن تصنيفها تحت عنوانين هما خضوع الصكوك لعوامل السوق والمرونة الكبيرة التي تتمتع بها، وتفصيل ذلك فيما يلي:

I) خضوع الصكوك لعوامل السوق:

1-

بما أن صكوك التأجير تمثل ملكية أعيان، فإنه تخضع لعوامل السوق في تقييم أثمان هذه الأعيان. فإذا ارتفعت القيمة السوقية لهذه الأعيان ترتفع قيمة الصكوك، وتهبط قيمتها إذا انخفضت القيمة السوقية للأعيان التي تمثلها.

وهذه القيمة السوقية لما تمثله صكوك التأجير من ملكية تتأثر بعوامل العرض والطلب في السوق.

ص: 266

2-

فمن جهة عرض صكوك التأجير، فإنه يرتبط بحاجة المشروعات والأعمال إلى الاستثمارات الجديدة، مما ترغب المؤسسات الاستثمارية العامة أو الخاصة بتمويله عن طريق الإجارة من جهة، وما يعرضه المستثمرون الماليون من صكوك تأجير موجودة في محافظهم الاستثمارية، يرغبون في بيعها، أي تسييلها، أو تحويلها إلى نقد جاهز. وذلك إما لإعادة استثمار أموالهم في مشروعات أخرى، أو لسداد الحاجات إلى السيولة الناشئة عن الطلب الاستهلاكي أو الطلب التربصي (Speculative) للنقود، من جهة أخرى، وبالتالي، فإن عرض الصكوك بعنصريه- العرض الجديد من جانب المشروعات، وعرض الصكوك القديمة من قبل أصحابها- يعتمد على ثلاثة أمور هي: فرص الاستثمار الأخرى المتاحة، وحجم الاستهلاك، وحجم المضاربات (Speculations) المتاحة. يضاف إلى ذلك المزايا التي تتمتع بها الإجارة بالمقارنة مع الصيغ التمويلية الأخرى، سواء من حيث الضريبة، أم من حيث شروط التمويل وظروفه، مما أشرنا إليه في مقدمة هذا البحث.

3-

ومن جهة الطلب على هذه الصكوك تعتمد على عدة عوامل منها ما ينطبق على جميع أنواع الصكوك ومنها ما يتعلق بنوع واحد منها فقط. ويمكن أن نناقش أهم هذه العوامل فيما يلي:

فالمستثمر المطلق، أي الذي لا يهتم بغير هدف استثمار ماله، ينظر إلى صكوك التأجير من زاوية المخاطر التي تحيط بها، والعائد المتوقع عليها، ومدى القدرة على تحويلها إلى نقد جاهز – أي سيولتها – إذا لزم الأمر. وهذا العوامل الثلاثة تنطبق على جميع صكوك التأجير، بكل أنواعها، وصورها، كما تنطبق على الأدوات المالية الأخرى للاستثمار.

ويتضمن عنصر المخاطرة خطر عدم قدرة المستأجر على دفع الأقساط الإيجارية، والرأسمالية إن وجدت، إضافة إلى مخاطر تغير سعر صكوك التأجير في السوق، لتغير أحوال العرض والطلب عليها، التي من أهمها عوائد الفرص البديلة. كما أن هنالك مخاطر سياسية أيضاً يتعرض لها حاملو صكوك التأجير إذا كانت صادرة عن الحكومة، سواء أكانت وطنية، أم أجنبية. ومخاطر التغير في أسعار صرف العملة الأجنبية بالنسبة للصكوك الصادرة بعملة أجنبية.

ص: 267

ومن الملاحظ أن هذه المخاطر مألوفة يتعرض لها حاملو سندات القرض الربوي، أو غير الربوي. غير أن حاملي صكوك التأجير يتعرضون لنوع إضافي من المخاطر ينشأ عن عدم القدرة على التحديد المسبق للجزء من نفقات الصيانة، الذي يترتب على المالك. وذلك بالنسبة لمعظم صور صكوك التأجير المذكورة في هذا البحث.

ولنا أن نتساءل هنا عما إذا كانت صكوك التأجير تتضمن – دائماً – أية مخاطرة تتعلق بتغير أسعار ما تمثله هذه الصكوك من أعيان، أو منافع مملوكة لأصحاب الصكوك؟ وللجواب على ذلك، لابد من النظر الدقيق إلى الصور المتعددة للصكوك فهي لا تمثل مجرد أعيان، وإنما هي أعيان مرتبطة بعقود إجارة ملزمة. بالتالي، فإذا كانت الإجارة متجددة، أو كانت تشمل جميع العمر الاقتصادي للعين المؤجرة، أو كان المؤجر مرتبطاً بوعد ملزم ببيع العين، أو هبتها عند انتهاء الإجارة، فإن التغير في الأسعار السوقية للأعيان المؤجرة، لا يؤثر على إيراد الصك، ولا على قيمته الحالية. وهكذا فإن صاحب الصك لا يتحمل – في هذه الأحوال – المخاطر المتعلقة بانخفاض سعر العين المؤجرة، كما أنه لا يتمتع بارتفاع ذلك السعر.

4-

أما العائد المتوقع للصكوك التأجير، فلابد في الحديث عنه من التمييز بين الصور المختلفة للصكوك.

ذلك لأن الأجرة تتحدد فيها منذ تاريخ إصدار الصكوك. ويبقى غير معروف الجزء الذي لا يمكن معرفته، عند العقد، من المال الصيانة الجوهرية، وهو ما يقع على عاتق أصحاب الصكوك، إذا كان مما لا يقبل التأمين المباح شرعاً وبالتالي فإن إيراد أصحاب الصكوك هو المجموع الجبري لثلاثة عناصر هي:

(أ) الأجرة الدورية الصافية المحددة في العقد. وهي تساوي الأجرة التعاقدية، منقوصاً منها ما يقع على المالك من تأمين وصيانة معلومين، مما يخصم من الأجر. وتكون الأجرة دائم، بالنسبة للأعيان المتجددة أو الدائمة كالأرض. ولنرمز للأجرة الدورية الصافية هذه بالحرف (ر) .

(ب) القيمة المتبقية – إن وجدت – وهي قيمة العين المؤجرة عند انتهاء صكوك التأجير. ويمكن لهذه القيمة أن تكون معلومة عند العقد، كما في الحالتين الثانية والخامسة. ولنرمز للقيمة المتبقية بالحرف (ق) .

(ج) نفقات الصيانة الجوهرية غير المعروفة عند العقد، ولنرمز لها بالحرف (ص) . وهذه النفقات تترتب على صاحب الصك.

ص: 268

والعائد المتوقع للصك هو سعر الخصم، الذي يساوي بين سعر صك التأجير في السوق من جهة، ومجموع القيمة الحالية للأجرة الدورية والقيمة المتبقية مطروحاً منها القيمة الحالية لنفقات الصيانة المتوقعة من جهة أخرى. فإذا كان سعر الصك عند إصداره هو (س)، فإن العائد السنوي المتوقع للصك (ع) يحسب من المعادلة التالية:

وذلك على فرض أن الأجرة ثابتة خلال مدة الصك، وأن هذه المدة هي (ن) ، وأن (م) هي السنة التي توقع فيها حدوث صيانة جوهرية غير معلومة مسبقاً. ومن المعادلة رقم (1) يحسب المعدل المتوقع لعائد الصك. ولو فرضنا أن السند يمثل أعياناً متجددة (الحالة الثالثة) ، وأن نفقات الصيانة الجوهرية غير المعروفة قليلة بحيث تهمل أو تصل إلى الصفر، فإن سعر الصك في هذه الحالة يصبح:

ويلاحظ وجود علاقة عكسية بين سعر الصك في السوق وعائده المتوقع.

فإذا طرح في السوق صك تأجير لعين متجددة معينة، يمثل 1/1000 من آلة معينة، بسعر 100 دينار مثلاً وبأجرة دورية صافية قدرها 11 ديناراً، فإن عائده المتوقع هو 11 %. أما إذا كان سعر طرح الصك 110 دينار، فإن عائده المتوقع سيكون 10 % فقط.

وباستخدام المعادلة رقم (1) يمكن حساب سعر صك التأجير، إذا كان لدى المستثمر فكرة مسبقة عن العائد الذي يرغب به (عَ) ، نحو أن يكون هنالك عائد لفرص البديلة (1)، يقيس عليه. وبذلك يكون سعر الصك (س) هو:

ويتضح من المعادلة رقم (4) أن سعر صك التأجير يرتفع كلما ارتفعت أية من الأجرة الدورية الصافية، أو القيمة المتبقية، وينخفض كلما زاد المقدار المتوقع لنفقات الصيانة الجوهرية غير المعلومة مسبقاً. كما أن هنالك علاقة عكسية بين سعر الصك والعائد المرغوب فيه مع ملاحظة معلومية الأجرة الدورية وثباتها. أما تأثير عمر الصك، فإن طول عمر الصك يزيد في عدد دفعات الأجرة الدورية الصافية، أي عدد الكوبونات، مما يزيد في سعر الصك، إلا أنه بنفس الوقت ينقص القيمة الحالية للقيمة المتبقية للعين، إن وجدت.

(1) لعلها: فرض البديل. (المراجع) .

ص: 269

ومن الواضح أن هذه هي نفس المعادلة التي تستعمل في تقييم الأوراق المالية التقليدية، من أسهم وسندات قرض ربوي، مع فارق من حيث طبيعة ما يمثله السند، ومن حيث وجود عنصر الصيانة الجوهرية غير المتوقعة في صكوك التأجير، وعدم وجود هذا العنصر في سندات القرض الربوي.

5-

أما عنصر السيولة، فإن صكوك التأجير تحتوي على جميع العوامل، التي تجعلها قابلة للتحويل إلى نقد جاهز بأي وقت. فمن الوجهة الشرعية، تمثل الصكوك ملكية أعيان مؤجرة قابلة للبيع بأي سعر يتفق عليه المتبايعان. ومن الوجهة المالية، تتوافر فيها – من الناحية النظرية – جميع الشروط اللازمة لسندات القرض، أو للأسهم، من أجل قبول التداول بها في الأسواق المالية، سواء منها المنظمة، أم غير المنظمة.

ويمكن هنا الإشارة إلى عنصر من عناصر المخاطرة، التي توجد في بعض صور صكوك التأجير، وبيان قلة تأثيره على قابلية هذه الصكوك للتداول. حيث هنالك نوع من نفقات الصيانة الجوهرية، مما يتحمله المالك، لا يعلم عند العقد.

ولكن معظم الصيانة الجوهرية، وبخاصة ذات المبالغ الكبيرة يعتبر خاضعاً للتأمين، وقسط التأمين يحول – في واقع الأمر- الكلفة غير المعروفة إلى كلفة مقدرة محسوبة منذ إنشاء عقد التأمين. وبالتالي فإن تأثير عامل عدم التوقع في نفقات الصيانة قليل، بحيث يمكن إخضاعه لمبادئ التوقع الطبيعي الاعتيادي، واحتساب سعر له، بمثابة هامش، يضاف إلى الإيراد المرغوب فيه للصك ليقابل عنصر المخاطرة المتعلق بالصيانة.

ص: 270

ب) مرونة صكوك التأجير:

تتمتع صكوك التأجير بمرونة كبيرة، سواء من حيث المشروعات التي يمكن تمويلها بها، أم من حيث الجهات المستفيدة من التمويل، أم من حيث الوساطة المالية المتضمنة فيها، أم من حيث التنوع في الخيارات المتعددة التي تتاح لطالب التمويل، أم من حيث أنواع الأملاك والمشروعات التي يمكن تمويلها، أم من حيث التنوع في الصور والحالات التي يمكن فيها صياغة صكوك التأجير

إلخ.

1) إصدار صكوك التأجير من كل من قبل القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الخيري:

يمكن استخدام صكوك التأجير لتمويل مشروعات تقوم بها الحكومة، سواء أكانت مركزية، أم إقليمية، أم محلية. كما يمكن استخدامها من قبل كل من القطاع الخاص، والقطاع الخيري التبرعي. والسبب في ذلك أن العلاقة بين الجهة الممولة وأصحاب الصكوك يمكن أن تبدأ على أساس الوكالة، إذا أصدرت الصكوك قبل اقتناء الأصل الثابت ثم تنقلب إلى علاقة إجارة بين المالك (أصحاب الصكوك) والمستأجر (مصدر الصكوك) . وهاتان العلاقتان لا تتعارضان فقهاً، وبخاصة أن الوكيل لا يؤجر لنفسه، وإنما يؤجر له أصحاب الصكوك، فهو يقبض العين المؤجرة نيابة عنهم بحكم وكالته، ثم يتسلمها بصفته مستأجراً منهم.

2) صلاحية صكوك التأجير للوساطة المالية:

إن طبيعة صكوك التأجير يمكن معها إصدارها، إما مباشرة من قبل المستفيد من التمويل نفسه، وإما عن طريق وسيط مالي نحو البنوط الإسلامية، أو شركات تؤسس خصيصاً لأعمال التمويل بالإجارة.

كما يمكن لدور الوسيط المالي أن يزداد أو ينقص، حسب المصلحة التي يراها المتعاملون، أو السلطة الرقابية. فيمكن للوسيط المالي أن يقوم بدور المروج فقط، لقاء أجر محدد، يحصل عليه إما من أصحاب الصكوك، وإما من الجهة المستفيدة بالإجارة، وإما من كليهما معاً. كما أنه من الممكن كذلك أن يتوسع دور الوسيط ليشمل الالتزام ببيع جميع الصكوك، وأن يشتري بنفسه الجزء الذي لا يباع منها. ويمكن كذلك – في معظم صور وحالات صكوك التأجير – أن يقوم الوسيط المالي بعقد الإجارة الأولي، وإصدار الصكوك ثم بيعها. ويمكن أيضاً أن يحتفظ بدور المدير، وكالة عن أصحاب الصكوك، في متابعة ما يتعلق بالعلاقة بين المستأجر وأصحاب الصكوك من أمور.

ص: 271

3) صلاحية صكوك التأجير لتلبية حاجات تمويلية متنوعة:

تستطيع صكوك التأجير أن تمول مشروعاً يدر الربح. فيمكن مثلاً تمويل آلات مصنع للأجهزة الإلكترونية، أو أثاث متجر للمواد الغذائية، أو شاحنات شركة لنقل البضائع. ويمكن كذلك استخدام صكوك التأجير في تمويل أصول ثابتة لا يقصد الربح من استعمالها، سواء أكان استعمالها في قطاع الخدمات الحكومية مثل إقامة العدل، وتحقيق الأمن، ومراكز البحث العلمي، أم في القطاع الخيري التبرعي، نحو تمويل سيارات إسعاف لجمعية خيرية.

ويمكن كذلك إصدار صكوك التأجير لتمويل إقامة المشروعات ذات النفع العام، التي لا ترغب الحكومة في إقامتها على أساس الربح، لمصلحة عامة تراها، نحو تمويل بناء الجسور، والمطارات، والطرق، والسدود، وسائر مشروعات البنية التحتية الصماء. وفي هذه الحالة تكون الحكومة هي المستأجر، من أصحاب الصكوك الذين يكونون هم المالكين لهذه الأعيان المؤجرة للدولة. ثم تقوم الحكومة – بصفتها مستأجراً – بإباحة الطريق لسير السيارات، والجسر للعابرين عليه، وباستعمال السد لحجز المياه، وتخزينها، وتوزيعها على المزارعين وسائر السكان.

ويمكن لصكوك التأجير كذلك أن تمول المشروعات الإنتاجية الحكومية أو التابعة للقطاع العام الاقتصادي. فتمول شراء محطات توليد الكهرباء، والأصول الثابتة لشركات النقل العام، وآلات استخراج أو تصفية البترول والمعادن الأخرى.

ويمكن أيضاً استخدام هذه الصكوك في تمويل عين واحدة، أو أصل ثابت واحد، نحو طائرة، أو مولد كهربائي. وكذلك يمكن استخدام هذا الأسلوب التمويلي لمجموعة من الأصول الثابتة، سواء أكانت ذات أعمار إنتاجية متساوية أم لا، وسواء أكانت ذات استخدام نوعي واحد أم لا، وساء أكانت لمستأجر واحد أم لعدة مستأجرين، وبعقود مختلفة. بحيث يمثل السند حصة معلومة محددة من ملكية كل من الأصول الثابتة المجموعة مع بعضها في حزمة (Bundle) واحدة. وبالتالي، فإن البنك الإسلامي يستطيع تحويل عدة عقود إيجار مجتمعة إلى صكوك (Securitization of Leases) ، يطرحها للمدخرين كإصدار واحد ذي قسائم (كوبونات) ، قيمة كل قسيمة هي مجموع الأجرة المستحقة بتاريخ القسيمة.

ص: 272

4) توفر بدائل متعددة من صكوك التأجير:

أن الصور المتعددة لصكوك التأجير، والحالات المتنوعة لمعظم هذه الصور، وكذلك الشروط الكثيرة التي يمكن إضافتها، وبخاصة فيما يتعلق بالإجارة الموصوفة في الذمة، كل ذلك يتيح لكل من المدخر من جهة، والمؤسسة الاستثمارية من جهة أخرى، اختيار الصيغة التي تتناسب مع ظروف كل منهما، مما يوجد في سوق الأوراق المالية صكوك تأجير ذات نماذج عديدة، الأمر الذي يزيد من فرص الاختيار أمام المدخرين، كما يوسع دائرة الإصدار من وجهة نظر المستفيد من التمويل، ويزيد من مرونة السوق نفسها واستجابتها لجميع رغبات المستثمرين.

5) الاستجابة للحاجات الخاصة لبعض زمر المحتاجين للتمويل:

فمن الجهات التي تحتاج إلى التمويل من يرغب بالحصول على العين المؤجرة عند نهاية عقد الإجارة، فيجد في صور صكوك التأجير ما يناسبه لذلك.

ومن الجهات المستفيدة من التمويل من لا يستطيع، بسبب وضعه القانوني، التصرف برقبة الأرض، أو العقار. مثال ذلك أراضي الأوقاف، أو البلديات، أو بعض الأملاك العامة التي تمنع الأنظمة السارية بيع رقبتها. فتيسر بعض أنواع صكوك التأجير لهذه الجهات، الحصول على التمويل اللازم لعمارتها، دون التخلي عن ملكية رقبة الأرض أو العقار. ونحو ذلك من يرغب في الحصول على تمويل آني، مع الاحتفاظ بملكية رقبة الأرض، أو العقار لورثته مثلاً.

6) المرونة في ميعاد دفع الأجرة:

فقد رأينا أن جمهور الفقهاء لا يرى في تعجيل الأجرة، أو تأخيرها، أو تنجيمها بأساً، طالما أنها محددة ومعروفة، واتفقا العاقدان بالشرط على موعد دفعها (1) . وهذه المرونة في تحديد موعد دفع الأجرة تتيح فرصة توزيع الأجرة، على مجموع المدى الزمني للاستثمار، بغض النظر عن العمر الحقيقي للآلة، أو البناء الذي يتم تمويله بصكوك التأجير. فلو كانت فترة إنجاز البناء تتطلب سنتين مثلاً، وعمر البناء عشر سنوات، فيمكن مثلاً تنجيم الأجرة على اثنى عشر قسطاً سنوياً، يدفع أولها قبل سنة من استكمال البناء، مع ملاحظة أن الأقساط الاثني عشر تخص مدة إيجارية هي عشر سنوات فقط.

(1) أبو سليمان، ص35-38، علماً بأن المالكية يقولون بضرورة التعجيل إذا كانت الإجارة موصوفة في الذمة، ويتابعهم الشافعية إذا عقدت بصيغة السلم.

ص: 273