المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالشيخ حسن الجواهري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني عشر

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادأ. د. خليفة بابكر الحسن

- ‌استثمار موارد الأوقافإعدادالدكتور إدريس خليفة

- ‌استثمار موارد الأحباسإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌أثر المصلحة في الوقفإعدادالشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌صور استثمار الأراضي الوقفية فقهاً وتطبيقاًوبخاصة في المملكة الأردنية الهاشميةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكوصكوك الأعيان المؤجرةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة(الإجارة المنتهية بالتمليك)دراسة فقهية مقارنةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكدراسة اقتصادية وفقهيةإعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌الشرط الجزائي ومختلف صوره وأحكامهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الشرط الجزائيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌الشرط الجزائيإعدادالأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الشرط الجزائي في العقودإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور ناجي شفيق عج

- ‌الشرط الجزائيدراسة معمقة حول الشرط الجزائي فقها وقانوناإعدادالقاضي محمود شمام

- ‌عقود التوريد والمناقصةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌عقد التوريددراسة فقهية تحليليةإعدادالدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ مجتبى المحمودوالشيخ محمد على التسخيري

- ‌الإثبات بالقرائن والأماراتإعدادالدكتور عكرمة سعيد صبري

- ‌القرائن في الفقه الإسلاميعلى ضوء الدراسات القانونية المعاصرةإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الطرق الحكمية في القرائنكوسيلة إثبات شرعيةإعدادالدكتور حسن بن محمد سفر

- ‌دور القرائن والأمارات في الإثباتإعدادالدكتور عوض عبد الله أبو بكر

- ‌بطاقات الائتمانتصورها، والحكم الشرعي عليهاإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور محمد العلي القري

- ‌بحث خاصبالبطاقات البنكيةإعدادالدكتور محمد بالوالي

- ‌بطاقة الائتمانإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بطاقة الائتمان غير المغطاةإعدادالشيخ علي عندليبوالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التضخم وعلاجهعلى ضوء القواعد العامةمن الكتاب والسنة وأقوال العلماءإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الصلح الواجب لحل قضية التضخمإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌تدهور القيمة الحقيقية للنقود ومبدأ التعويضومسؤولية الحكومة في تطبيقه

- ‌مسألة تغير قيمة العملة الورقيةوأثرها على الأموال المؤجلةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌التأصيل الشرعي للحلول المقترحةلعلاج آثار التضخم

- ‌التضخم وتغير قيمة العملةدراسة فقهية اقتصاديةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌نسبة التضخم المعتبرة في الديونإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

- ‌حقيقة التضخم النقدي: مسبباته – أنواعه – آثاره

- ‌التضخم وآثاره على المجتمعات

- ‌ضبط الحلول المطروحة لمعالجة آثار التضخم على الديون

- ‌حقوق الأطفال والمسنينإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌حقوق الشيوخ والمسنين وواجباتهمفي الإسلامإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌حول حقوق المسنينإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌حقوق الطفلالوضع العالمي اليومإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌الشيخوخةمصير. . . وتحدياتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌البيان الختامي والتوصياتالصادرة عنالندوة الفقهية الطبية الثانية عشرة

- ‌(حقول المسنين من منظور إسلامي)

الفصل: ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالشيخ حسن الجواهري

‌عقود التوريد والمناقصات

إعداد

الشيخ حسن الجواهري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه أجمعين.

وبعد: فقد تلقينا طلب الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي بجدة للكتابة حول موضوع (عقود التوريد والمناقصات) فعزمنا على الإجابة على كتابة الموضوع شاكرين الأمانة العامة على حسن ظنها آملين التوفيق فيما عزمنا عليه.

(عقود التوريد والمناقصات)

أولًا: عقود التوريد

تمهيد:

قبل بدء البحث لابد من بيان أن العقود المعاملية التي أشار إليها القرآن بقوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] هل تختص بالعقود التي كانت موجودة في زمن الشارع المقدس، وحينئذ يكون كل عقد – غيرها – محكومًا بالبطلان، أو أن المراد من قوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} كل عقد كان موجودًا في زمن النص أو سيوجد فيما بعد مما ينطبق عليه عنوان العقد فهو محكوم بالصحة ويجب الوفاء به؟

وبعبارة أخرى: أن الآية القرآنية: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} . هل المراد منها العقود الخارجية أو المراد منها العقود الحقيقية، وقد أخذ العقد على نحو القضية الحقيقية؟

والمعروف في الجواب على هذا التساؤل هو: أن خطابات الشارع لو خلي وطبعها تكون قد أخذت على نحو القضايا الحقيقية بمعنى أن الشارع أوجد حكمه على موضوع معين، فمتى وجد هذا الموضوع وجد حكم الشارع، فتكون خطابات الشارع ومنها:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} . قد أخذت على نحو القضية الحقيقية.

وعلى هذا فسوف يكون كل عقد عرفي – ولو كان جديدًا لم يكن متعارفًا عند نزول النص – يجب الوفاء به إذا كان مشتملًا على الشروط التي اشترطها الشارع في الثمنين أو المتعاقدين أو العقد، ككون الثمنين معلومين، وبلوغ وعقل المتعاقدين وأمثالهما.

وقد نجد في ثنايا الفقه الإمامي وغيره نتيجة هذه الإجابة، فقد ذكر السيد اليزدي في العروة الوثقى فقال:"يمكن أن يقال بإمكان تحقيق الضمان منجزًا مع كون الوفاء معلقًا على عدم وفاء المضمون له، لأنه يصدق أنه يضمن الدين على نحو الضمان في الأعيان المضمونة "(1) .

(1) العروة الوثقى: 2 / 588 من كتاب الضمان، طبعة (1410 هـ - 1990 م) .

ص: 752

وقد ذكر الإمام الخوئي رحمه الله في شرح مراد السيد اليزدي فقال: " ولعل مراده من كلامه هذا يرجع إلى إرادة معنى آخر غير المعنى المصطلح من الضمان، أعني نقل ما في ذمة إلى أخرى "(1) . وقد يكون هذا المعنى هو التعهد بالمال وكون مسؤوليته عليه من دون انتقاله – بالفعل – إلى ذمته، كما هو الحال بالمال وكون مسؤوليته عليه من دون انتقاله – بالفعل – إلى ذمته، كما هو الحال في موارد ضمان العارية مع شرط، أو كون العين المستأجرة ذهبًا أو فضة فإن ضمانها ليس بالمعنى المصطلح جزمًا، إذ لا ينتقل شيء بالعارية إلى ذمة المستعير، فإن العين لا تقبل الانتقال إلى الذمة وهو غير مشغول الذمة ببدلها قبل تلفها، فليس ضمانها إلا بمعنى كون مسؤولياتها في عهدته بحيث يكون هو المتعهد بردها ولو مثلًا أو قيمة عند تلفها

. .

وكيف كان فإذا صح مثل هذا الضمان في الأعيان الخارجية كموارد اليد والعارية فليكن ثابتًا في الأمور الثابتة في الذمة أيضًا، فإنه لا يبعد دعوى كونه متعارفًا كثيرًا في الخارج، فإن أصحاب الجاه والشأن يضمنون المجاهيل من الناس من دون أن يقصد بذلك انتقال المال بالفعل إلى ذممهم وإنما يراد به تعهدهم به عند تخلف المضمون عنه عن أداء ".

ثم قال الإمام الخوئي: " والحاصل: أن الضمان في المقام غير مستعمل في معناه المصطلح. . . وإنما هو مستعمل في التعهد والمسؤولية عن المال، وهو أمر متعارف عند العقلاء، فتشمله العمومات والإطلاقات، فإنه عقد يجب الوفاء به "(2) .

وقد ذكر الشهيد الصدر – رضوان الله تعالى عليه – النتيجة نفسها التي انتهينا إليها سابقًا فقال: إن هناك معنى للضمان غير المعنى المصطلح عند الإمامية وعند السنة، وهو معنى ثالث عبارة عن: " تعهد بالأداء لا تعهد بالمبلغ في عرض مسؤولية المدين، وأن هذا التعهد ينتج ضمان قيمة المتعهد به إذا تلف بامتناع المدين عن الأداء، ولكن حيث إن الأداء ليس له قيمة مالية إلا بلحاظ مالية مبلغ الدين فاستيفاء الدائن لقيمة الأداء من الضامن بنفسه استيفاء لقيمة الدين، فيسقط الدين بذلك.

(1) إن المشهور في فقه الإمامية أن عقد الضمان هو نقل الدين من ذمة إلى أخرى، لا ضم ذمة إلى ذمة.

(2)

مباني العروة الوثقى: كتاب المساقاة، ص 114 – 116.

ص: 753

وهذا المعنى للضمان صحيح شرعًا بحكم الارتكاز العقلاني أولًا، وللتمسك بعموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ثانيًّا، إلا أن التمسك بعموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} التعهد والضمان، يتوقف على أن نثبت قبل ذلك بالارتكاز العقلائي - مثلا - عقدية هذا النحو من التعهد والضمان، أي كون إيجاده المعاملي متقومًا بالتزامين من الطرفين، ليحصل بذلك معنى العقد بناء على تقوم العقد بالربط بين التزامين بحيث يكون أحدهما معقودًا بالآخر " (1) .

وعلى هذا فسوف تكون عندنا قاعدة أن كل عقد عرفي قد ثبتت عقيدته عرفًا بالارتكاز العقلائي إذا كان مشتملًا على شروط صحة العقد الشرعية وخاليًّا عن موانع العقد يجب الوفاء به استنادًا إلى قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

تعريف عقود التوريد:

هو عقد بين طرفين على توريد سلعة أو مواد محددة الأوصاف في تواريخ معينة لقاء ثمن معين يدفع على أقساط.

فالتوريد عقد جديد ليس بسلم ولا نسيئة، لأن السلم – كما قال مشهور الفقهاء – يتقدم فيه الثمن ويتأجل المثمن، والنسيئة يتقدم فيها ويتأخر الثمن، أما هنا فالثمن والمثمن يتأجلان (2) .

حكم عقد التوريد:

والمهم هنا بيان حكم عقد التوريد المتداول الآن بين الدول والشركات بل أصبح ضرورة من ضرورات المعاملات، حيث إن الدولة المحتاجة إلى كمية من النفط لفصل الشتاء وتشتري هذه الكمية لا تكون مستعدة لقبولها مرة واحدة، حيث لا توجد عندها المخازن الكافية لحفظها، كما أن الدولة نفسها لا تملك تلك الكمية الهائلة من الثمن لتقدمه إلى الدولة المصدرة. وكذا الأمر في الدولة المحتاجة إلى تأمين غذاء جيشها في حالة الحرب لمدة ستة أشهر، فهي ليست بحاجة إلى الخبز الكثير مرة واحدة، بل تحتاج إلى قسم منه كل يوم، وليس لديها المال الكافي لتقديمه مرة واحدة، بل يقدم الثمن على أقساط تشابه أقساط استلام الخبز مثلًا، وهكذا صار عقد التوريد حاجة ماسة في هذا العالم.

وقد يجاب على التساؤل المتقدم اعتمادًا على التمهيد المتقدم بعد إحراز عقدية التوريد ارتكازًا عند العقلاء بشمول قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} لهذا العقد الجديد، كما أن هذا العقد يطلق عليه عند العرف بأنه تجارة عن تراض من الطرفين، فيشمله قوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] .

(1) البنك اللاربوي في الإسلام، للشهيد الصدر، ص 231 – 232.

(2)

قد تجري المناقصة من أجل عقد التوريد كما قد يكون التوريد بطريق الشراء العادي المباشر.

ص: 754

ولكن قد يقال: إن المانع من صحة عقد التوريد هو صدق بيع الدين بالدين عليه، وقد ورد النهي عن بيع الدين بالدين كما روى ذلك طلحة بن زيد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يباع الدين بالدين)) (1) .

وقد ذكرت أدلة أخرى لمنع هذه المعاملة، هي:

أ - الإجماع على عدم جواز المعاملة إذا كانت نسيئة من الطرفين.

ب - ولأنها من أبواب الربا.

ج- ولأنها شغل لذمتين (ذمة البائع وذمة المشتري) من غير فائدة (2) .

والجواب: أما الحديث الذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع الدين بالدين فهو لم يصح سندًا من طريق الإمامية؛ لجهالة طلحة بن زيد في كتب الرجال (3) .

وأما من طرق غيرهم فأيضًا لم يصح السند، كما قال الإمام أحمد " ليس في هذا الحديث يصح "(4) .

كما أن دلالة الحديث لا تشمل " لما صار دينًا في العقد، بل المراد منه ما كان دينًا قبله، والمسلم فيه (أو المورد) من الأول لا الثاني الذي هو كبيع ماله في ذمة زيد بمال آخر في ذمة عمرو ونحوه مما كان دينًا قبل العقد "(5) .

وأما الإجماع فهو مدركي، بمعنى أن إجماع العلماء على الحكم مدركه الرواية المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا اعتبار لهذا الإجماع، وإنما الاعتبار بالرواية، وبما أن الرواية لم يذكر لها العلماء معنى واحدًا متفقًا عليه، والقدر المتيقن منها ما كان دينًا قبل العقد، أما وقد صار دينًا بالعقد فلا تشمله الرواية، وقد ذهب بعض (السبكي) إلى أن المجمع على تحريمه هو البيع المؤجل البدل الواحد (السلم أو النسيئة) إذا زيد في أجله لقاء الزيادة في بدله (6) .

وأما الربا في بيع الدين بالدين فهو لا يدخل في الصورة التي نحن بصددها، لأننا نتكلم عن مبادلة سلعة بنقد، فالبدلان مختلفان.

وأما شغل الذمتين من غير فائدة فهو مصادرة، إذ الفائدة في هذه الصورة – كما قدمنا – كبرى للطرفين.

وقد يستدل على بطلان عقد التوريد: بصدق (الكالئ بالكالئ) عليه الذي ورد فيه النهي فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ، وقد ذكر في تفسيره ما يكون دينًا بالعقد بناء على أن الكالئ هو النسيئة فمنع من بيع النسيئة بالنسيئة وهو مورد كلامنا (عقد التوريد) ، وهذا النهي – كما يقول صاحب الجواهر وإن لم يكون موجودًا من طرق الإمامية ووجد من طرق غيرهم إلا أنه قد عمل به الأصحاب (7) فتكون الرواية منجبرة بعمل الأصحاب، فيثبت عدم صحة عقد التوريد.

(1) وسائل الشيعة: ج 13، ب 15 من الدين والقرض، ح 1.

(2)

راجع بحث مناقصات العقود الإدارية، د. رفيق المصري عن أحكام القرآن للجصاص: 1 / 483؛ ونظرية العقد، ص 235، وإعلام الموقعين: 1 / 400؛ وحاشية الشرقاوي 2 / 30؛ وغيرها.

(3)

وقد ذكر كتاب المجروحين ج 1 في ترجمة طلحة بن زيد " أنه منكر الحديث جدًا، يروي عن الثقات المقلوبات، لا يحل الاحتجاج بحديثه ".

(4)

راجع نيل الأوطار: 5 / 177.

(5)

راجع جواهر الكلام: 24 / 293.

(6)

راجع مقالة الدكتور رفيق المصري، مناقصات العقود الإدارية، ص 31 عن تكملة المجموع للسبكي: 10: 106؛ وإعلام الموقعين: 2 / 9 و11 وغيرها.

(7)

راجع جواهر الكلام: 24 / 295 نقلًا عن الجامع الصغير: 2 / 192، طبع عبد الحميد أحمد حنفي.

ص: 755

المناقشة:

وقد يناقش الاستدلال المتقدم – حتى لو قبلنا المسلك القائل بأن عمل المشهور بالرواية الضعيفة يجبرها فتكون حجة – بأن معنى بيع الكالئ بالكالئ لا يشمل عقد التوريد إذ لعل المراد بالكالئ هو الدين لا مطلق المبيع المتأخر بالثمن المتأخر عن مجلس العقد ثم لو كان معناه هو (كما ذكره صاحب مجمع البحرين)" بيع النسيئة بالنسيئة وبيع مضمون مؤجل بمثله، وذلك كأن يسلم الرجل الدرهم في طعام إلى أجل، فإذا حل الأجل بقول الذي حل عليه الطعام: ليس عندي طعام ولكن بعني إياه إلى أجل، فهذه نسيئة انقلبت إلى نسيئة، نعم لو قبض الطعام وباعه إياه لم يكن كالئا بكالئ ".

فيكون معنى الحديث هو المنع من بيع دين مسبق بدين حصل في العقد، وهذا لا يشمل التوريد (الذي هو شراء سلعة بثمن) الذي يكون الدينان قد حصلا بالعقد.

النتيجة: إذا بطلت كل الأدلة على عدم جواز هذه المعاملة يبقى عندنا عموم القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} و {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} و {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ، فما دام يصدق على هذه المعاملة أنها عقد وتجارة وبيع فتشملها العمومات المتقدمة وهي دليل الصحة (1) .

حكم عقد التوريد عند غير الإمامية:

ثم إن عقد التوريد يشبه عقد الاستصناع عند الحنفية (2) الذي أجازوا فيه عدم ضرورة تعجيل الثمن، بل أجازوا تأجيله إلى أجل معلوم فإذا صح عقد الاستصناع مع تأجيل الثمن صح عقد التوريد كذلك.

وذكر بعض (3) أن عقد التوريد هو من قبل بيع الصفة: وبيع الصفة يشترط المالكية فيه ألا يقدم الثمن، كما أن البضاعة مؤجلة فيجب أن يؤجل الثمن، فيكون عقد التوريد لا إشكال فيه على رأي المالكية أيضًا.

علاقة عقد التوريد بالعقد على المبيع الغائب (بيع ما ليس عندك) :

أقول: ثبت بأدلة متعددة (4) النهي عن (بيع ما ليس عند البائع) ولكن عقد التوريد للسلع في الآجال المعلومة لا يدخل في بيع ما ليس عندك، لأن النهي عن بيع ما ليس عندك مخصص في صورة بيع المال الخارجي المملوك للغير للبائع بدون إذن الغير بذلك وذلك:

1-

لما ثبت من جواز بيع السلم، وهو في صورة عدم ملك المال خارجًا حين العقد بل يكفي أن يغلب الظن بكون السلعة عامة الوجود حين التسليم.

2-

لما ثبت من صحة بيع الفضولي إذا أجاز المالك وكان البيع له.

وحينئذ تكون أدلة ثبوت هذين الموردين مخصصة لعموم النهي عن بيع ما ليس عندك بالمبيع الشخصي الذي يكون مملوكًا للغير، فيبيعه البائع لنفسه قبل تملكه وبدون إذن مالكه.

وحينئذ لا يشمل هذا النهي عقد التوريد الذي هو عبارة عن بيع كل موصوف في الذمة على أن يسلم في مواعيد محددة لقاء ثمن مقسم على نجوم معينة، فتبين أن العلاقة بين عقد التوريد والعقد على المبيع الغائب هي علاقة التباين.

(1) أقول: هذا الرأي هو مخالف لرأي الإمامية حيث إنهم بين قائل ببطلان هذا البيع فتوى وبين قائل ببطلانه احتياطًا، ونحن إن تأملنا في صدق البيع عليها والتجارة لعدم قبض الثمن والمثمن أو أحدهما، فإننا لا نتأمل في صدق التسالم الموجود بين الطرفين فتكون صلحًا، إلا أنه حيث لا يوجد تقابض في البين ولا قبض لأحد العوضين، فلعل صدق التفاهم أولى من صدق العقد المعاملي إلا أن التفاهم إذا وصل إلى حد التعهد صار عقدًا ملزمًا، وبما أن موضوعه المعاملة الآتية فيجب العمل بالعقد الذي موضوعه المعاملة القادمة.

(2)

راجع المناقصات في العقود الإدارية، د. رفيق يونس المصري نقلًا عن المبسوط: 2 / 139؛ وعقد الاستصناع، ص 172.

(3)

راجع مناقشة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة، العدد التاسع، الجزء الثاني، ص 314.

(4)

راجع بحوث في الفقه المعاصر، حسن الجواهري: 1 / 352 وما بعدها.

ص: 756

أركان عقد التوريد وشروطه:

أركان العقد: إذا ثبت أن عقد التوريد عقد عرفي، وشملته الأدلة العامة الدالة على وجوب الوفاء بالعقد، فستكون أركانه هي أركان كل عقد (الإيجاب والقبول) فإذا كان عقد التوريد قد تم على سلعة معينة فالإيجاب يكون من البائع وهو المورد بتمليك سلعة موصوفة في الذمة إلى الآخر بثمن معين في الذمة والقبول يكون من المورد إليه بقبوله لإيجاب البائع، وهذا العقد كبقية العقود لا يشترط فيه تقديم الإيجاب، بل يجوز تقديم القبول من المشتري لكن بقوله: أشتري منك سلعة موصوفة في ذمتك بثمن معين موصوف في الذمة فيقول البائع: بعتك تلك السلعة الموصوفة بذلك الثمن الموصوف.

شروط العقد:

أما شروط عقد التوريد فهي تنقسم إلى قسمين (كبقية العقود) :

أ- شروط تتعلق بالمتعاقدين: وهي البلوغ والعقل والاختيار، ولا ندخل في تفصيل شروط المتعاقدين لعدم وجود فرق بين هذا العقد وأي عقد آخر من هذه الجهة.

ب- شروط العوضين: يشترط هنا في خصوص عقد التوريد شروط السلم:

1-

أن يكون العوضان موصوفين بحيث يحصل الانضباط بذكر الجنس والوصف مثلًا. فلا يجوز عقد التوريد فيما لا ينضبط من الثمن والمثمن.

2-

تقدير المبيع والثمن بما يرفع الجهالة.

3-

تعيين الأجل في تسليم قسم من البضاعة وقسم من الثمن.

4-

أن يكون المعقود عليه موجودًا غالبًا وقت حلول الأجل وكذا ثمنه.

ص: 757

وهذه الشروط المتقدمة هي شروط بيع السلم الذي يكون المثمن فيه مؤجلًا وهي بنفسها تكون ثابتة للثمن إذا كان مؤجلًا، لأنها إنما اشترطت من قبل الشارع في المثمن لأجل أن لا تدخل المعاملة جهالة غررية أو يصح نزاع من قبل المتعاقدين فإذا كان الثمن أيضًا مؤجلًا وجد الملاك الذي لأجله اشترط الشارع هذه الشروط في المثمن فتشترط أيضًا في الثمن.

ومن هنا يتبين أن عقد التوريد إنما يجري في المثليات ونحوها من السلع والأثمان الموصوفة في الذمة. وليس معنى هذا أن عقد التوريد لا يمكن جريانه على السلع الموجودة الخارجية، فإن هذا العقد جائز بلا كلام وإن اشترط فيه قبض كمية معينة من المثمن عند كل أول شهر في مقابل تسليم مقابلها من الثمن، وإنما كان كلامنا في عقود التوريد التي تكون موصوفة في الذمة في مقابل وصف ثمنها الذي يكون في الذمة أيضًا، فهذه هي التي تجري في المثليات التي توصف في الذمة.

هل عقد التوريد لازم أو ليس بلازم؟ :

ذكر علماء الإمامية للزوم العقد أدلة يمكن جريانها في عقد التوريد الذي نحن بصدده وهي كما يلي:

1-

الأصل العملي: ويعني به قاعدة الاستصحاب التي تقتضي لزوم العقد فإن الأصل اللزوم في كل عقد شك في لزومه شرعًا وكذا لو شك في أن الواقع في الخارج عقد لازم أو جائز (1) وتوضيح ذلك، أن عقد التوريد بعد انعقاده وحصول الاتفاق بين الطرفين على مضمونه يقتضي ملكية كل طرف لما في ذمة الآخر شيئًا معينًا يستحق قبضه في مدة معينة فإذا شككنا في زوال هذا العقد (التمليك) بمجرد رجوع أحد الطرفين مع عدم رضا صاحبه، يجري حينئذ استصحاب بقاء العقد (الملك) وهذا معناه لزوم العقد وعدم فسخ العقد إذا حصل من أحد الطرفين مع عدم رضا الآخر.

(1) راجع المكاسب، للشيخ الأنصاري: 1 / 85.

ص: 758

2-

الأصل العقلائي: بناء على أن العقلاء يبنون على أصالة اللزوم في العقود إذا رجع أحد الطرفين مع عدم رضا صاحبه.

3-

أن الحديث النبوي القائل: ((الناس مسلطون على أموالهم)) (1) يقتضي أن لا يخرج المال عن ملك الإنسان إلا برضاه، وبعد أن تم عقد التوريد حصل تبادل في الأموال، ومقتضى هذا التبادل أن لا يخرج ما حصل عليه الإنسان بهذا العقد إلا برضاه، ومعنى ذلك عدم تأثير الفسخ لهذا العقد إذا لم يرض الطرف الآخر، ولو كان الفسخ من جانب واحد مؤثرًا (من دون رضا الطرف الآخر) كان هذا الفسخ منافيًّا للسلطنة المذكورة في الحديث النبوي.

وعيب هذا الدليل هو ضعف الرواية، لأنها ذكرت مرسلة في كتب المتأخرين.

4-

الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه)) (2) دل على انحصار سبب الحل في مال الغير (كما في الإباحة) أو جزء السبب للحل (كما في العقود، لأن جزئه الرضا والجزء الآخر العقد) في رضا المالك، فلا يحل مال الغير بغير رضاه وهو معنى اللزوم إذا فسخ أحد الطرفين من دون رضاء صاحبه.

5-

قال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] حيث إن أكل المال ونقله من مالكه بغير رضاه هو أكل للمال بالباطل عرفًا، فيكون باطلًا شرعًا، وهو معنى عدم تأثير فسخ أحد الطرفين من دون رضاء صاحبه.

نعم: لو أذن المالك الحقيقي (وهو الشارع المقدس) وحكم بالتسلط على فسخ المعاملة من دون رضا المالك (كما في الخيارات الشرعية) خرج عن البطلان موضوعًا. ولكن ما دمنا نشك في عقد التوريد بحكم الشارع بجواز الفسخ فيه فيكون أخذ المال بفسخ أحد الطرفين من دون رضا صاحبه مصداقًا للآية القرآنية الشريفة فيكون أكلًا للمال بالباطل.

(1) هذه الرواية ذكرت مرسلة ولم تذكر إلا في كتب المتأخرين، وقيل: إنها مروية في البحار أيضًا.

(2)

نيل الأوطار: 5 / 334 كتاب الغصب والضمانات ح2 وقد ورد بهذا المعنى عن رسول الله في كتاب مستدرك الوسائل قول رسول الله: المسلم أخو المسلم، لا يحل ماله إلا عن طيب نفسه، وورد أيضا عن علي عليه السلام: لا يجوز أخذ مال المسلم بغير طيب نفس منه راجع مستدرك الوسائل: 3 / 145 كتاب الغصب الباب الأول، ح 3 وح 5.

ص: 759

6-

قال تعالى في ذيل الآية السابقة: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} فإن الرجوع بدون رضاء الطرف الآخر ليس تجارة ولا عن تراض فلا يكون الرجوع داخلًا في الاستثناء، فلا يجوز أكل المال الذي أخذ بفسخ أحد الطرفين من دون رضا صاحبه.

7-

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فإن عمومه يشمل ما بعد عقد التوريد حتى في صورة فسخ أحد الطرفين من دون رضاء صاحبه، ومعنى أوفوا بالعقود هو عدم تأثير الفسخ من جانب واحد وهو معنى اللزوم.

8-

يمكن الاستدلال على اللزوم بصحيحة محمد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا)) (1) فمع حصول عقد التوريد والافتراق يكون العقد مشمولًا للزوم.

9-

صحيحة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز)) (2) . فإن الشرط لغة هو مطلق الالتزام، فيشتمل الالتزام بعقد التوريد ووجوبه، وحينئذ يكون فسخ أحد الطرفين من دون رضا صاحبه منافيًّا لوجوب التزام المسلم عند التزامه (3) .

هل يثبت خيار العيب وخيار فوات الوصف ونحوهما في عقد التوريد؟

أقول: إذا بنينا على أن التوريد عقد يجب الوفاء به فيكون حاله كحال بقية العقود بالنسبة لأحكام الخيار فيه وتوضيح ذلك:

1-

خيار المجلس:

يثبت خيار المجلس للطرفين في عقد التوريد إذا كان عقد التوريد عقد بيع وكان فيه مكان للعقد، وينقضي هذا الخيار بالافتراق، لما دل من النصوص المستفيضة على ثبوت خيار المجلس في عقد البيع، ومن النصوص: صحيحة الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قلت له. . . وما الشرط في غير الحيوان؟ (أي وما الخيار في غير الحيوان) ؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما (4) . ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال:(المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا)(5) .

(1) وسائل الشيعة: ج 12 باب (1) من أبواب الخيار وراجع ح 2 وح 3 وح4 وغيرها.

(2)

المصدر السابق: باب (6) من أبواب الخيار ح 2.

(3)

راجع هذه الأدلة في مكاسب الشيخ الأنصاري: 1 / 85 الطبعة الحجرية.

(4)

وسائل الشيعة: ج 12 باب (1) من الخيار ح 3.

(5)

المصدر السابق باب (3) من الخيار ح 3.

ص: 760

2-

خيار الشرط

يثبت خيار الشرط في عقد التوريد بسبب اشتراطه في العقد للطرفين أو لأحدهما، فإذا اشترط الخيار في عقد التوريد لمدة معينة كان الشرط صحيحًا قد دلت عليه الأخبار العامة المجوزة لهذا الشرط.

فمن الأخبار العامة: صحيحة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام: ((المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله فلا يجوز)) (1) .

وفي صحيحة أخرى لابن سنان عن الصادق عليه السلام قال: ((من اشترط شرطًا مخالفًا لكتاب الله فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله عز وجل)(2) . (والمراد من موافقة الكتاب هو عدم مخالفته لقرينة المقابلة) .

3-

خيار الغبن:

إذا تصورنا وجود غبن في عقد التوريد بأن يكون تمليك البضاعة بما زيد على قيمتها بما لا يتسامح به مع جعل الطرف الآخر فالمعروف بين علماء الإمامية وجود خيار الغبن، وقد استدل له بأدلة أقواها: الارتكاز العقلائي الموجود بين المتعاملين بأن المشتري لا يشتري بأكثر من القيمة السوقية وأن البائع لا يبيع بأقل منها، فإذا بان خلاف ذلك (كالصفات المقصودة التي لا يوجب تبيين فقدها إلا الخيار) كان للمغبون منها خيار فسخ العقد أو قبوله.

(1) المصدر السابق باب (6) من الخيار ح 2.

(2)

المصدر السابق: ح1.

ص: 761

4-

خيار الرؤية:

وأما خيار الرؤية المسبب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترط فيه المتبايعان فلا يأت في عقود التوريد، وذلك: لأن مورد خيار الرؤية بيع العين الشخصية الغائبة فيما إذا وصفت ثم تبين أنها خلاف تلك الأوصاف فيثبت الخيار، نعم إذا تصورنا التوريد في سلعة شخصية معينة مرئية، ثم وجدها المشتري على خلاف الوصف أو خلاف ما رآها يثبت له خيار الرؤية (1) .

5-

خيار العيب:

وأما خيار العيب فهو لا يأتي أيضًا في عقد التوريد ما دام العقد قد وقع على كلي موصوف في الذمة، فإذا جاءت السلعة المطبق عليها الكلي وهي معيبة فمن حق المشتري أن يرد المبيع بحجة أن الكلي لم يطبق على مصداقه الحقيقي، ويطالب المشتري بالمصداق الحقيقي للكلي، وعلى هذا فلا يحق للمشتري أن يفسخ المعاملة بخيار العيب الموجود في السلعة الموردة، نعم له الحق في ردها والمطالبة بمصداق الكلي الصحيح.

نعم يأتي خيار العيب إذا كانت السلعة المشتراة شخصية خارجية ثم وجد بها المشتري عيبًا كان موجودًا قبل الشراء أو قبل القبض ولم يعلم به.

والخلاصة:

أن خيار الرؤية وخيار العيب لا يأتيان في عقود التوريد إذا كان عقد التوريد على كلي موصوف في الذمة، أما إذا كان عقد التوريد على عين شخصية خارجية فيثبتان.

الضمان في المبيع بالتوريد:

قد يطلب البائع بالتوريد الضمان على وصول ثمن البضاعة وقد يطلب المشتري الضمان على وصول وسلامة البضاعة، وهذا الضمان الذي يطلبه المشتري قد يكون شرطًا جزائيًّا (غرامة) عند عدم القيام بما يجب على المورد من تسليم البضاعة المعقود عليها نهائيًّا أو مخالفة بعض الشروط المشترطة عليه في العقد، وقد يكون شرطًا جزائيًّا عند عدم تسليم البضاعة في التاريخ المعين وتسليمها بعد ذلك التاريخ بشهر أو أكثر، كما يمكن أن يتصور الضمان الذي يطلبه المشتري بصورة ضمان الضرر الذي يحصل عند القيام بما يجب على المورد من تسليم البضاعة نهائيًّا، أو مخالفة بعض الشروط المشترطة عليه في العقد، أو ضمان الضرر الذي يحصل من عدم تسليم البضاعة في موعدها المقرر، فحصل لدينا سبعة صور للضمان نتكلم فيها تباعاً.

الصورة الأولى:

وهي طلب البائع الضمان على وصول ثمن البضاعة، وقد يتمكن البائع أن يطلب من المشتري أن يضمن البنك ثمن البضاعة عند وصولها إلى المشتري وقبضها، وحينئذ يتقدم البنك بضمان الثمن بطلب من المشتري في صورة عدم وجود ثمن البضاعة في البنك، وأما إذا كان ثمن البضاعة موجوداً في حساب المشتري في البنك، فيتمكن البنك أن يخصم منه ثمن البضاعة ويسلمه إلى البائع عند وصول البضاعة إلى المشتري.

الصورة الثانية:

طلب المشتري الضمان بصورة الشرط الجزائي (2)(الغرامة) عند عدم قيام المورد (البائع) بما يجب عليه من تسليم البضائع نهائيًّا، وهذه الصورة من الضمان صحيحة وذلك: لأنها عبارة عن غرامة يدفعها البائع للمشتري حتى يتمكن من فسخ المعاملة اللازمة حسب الفرض، فقبل دفع هذه الغرامة لا يحق له فسخ المعاملة من دون رضا صاحبه. ومع دفع الغرامة يحق له الفسخ من رضا صاحبه وعلى هذا يجب العمل بالشرط الجزائي وتقديم الغرامة للمشتري عند فسخ المعاملة.

(1) لم نذكر أدلة خيار الرؤية والعيب وفرضناهما ثابتان طلبًا للاختصار.

(2)

ذهب أكثر علماء الشيعة إلى جواز الشرط الجزائي في عقد الإجارة، واستدولا بقاعدة المسلمون عند شروطهم وصحيح الحلبي قال:" كنت قاعدًا عند قاضي من القضاة وعنده أبو جعفر (الإمام الباقر عليه السلام جالس، فأتاه رجلان فقال أحدهما: إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعًا إلى بعض المعادن واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنها سوق أخوف أن يفوتني، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكرى لكل يوم احتبسته كذا وكذا، وإنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوم؟ فقال القاضي: هذا شرط فاسد وفه كراه، فلما قام الرجل أقبل إلى أبو جعفر (الإمام الباقر عليه السلام فقال: " شرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه ". وسائل الشيعة: ج 13 باب (13) من الإجارة ح 2. وبما أنه لا فرق بين الإجارة وبقية البيوع خصوصًا إذا جعلنا الدليل قاعدة (المسلمون عند شروطهم) فيكون الشرط الجزائي صحيحًا لم يكن هناك نهى عنه.

ص: 762

الصورة الثالثة:

طلب المشتري الضمان بصورة الشرط الجزائي (الغرامة) عند مخالفة بعض الشروط المشترطة عليه في العقد. وهذه الصورة من الغرامة صحيحة أيضًا وذلك: لأن المشترط إذا لم يسلم له الشرط فيكون له خيار تخلف الشرط، وحينئذ يكون دفع الغرامة له في قبال عدم فسخه وإبقائه للمعاملة، فالشرط الجزائي (الغرامة) يكون إما في قبال إسقاط خياره أو عدم إعماله وإن كان الخيار موجودًا، ودفع الغرامة (المال) في مقابل ذلك أمر جائز.

الصورة الرابعة:

طلب المشتري الضمان بصورة الشرط الجزائي (الغرامة) عند عدم تسليم البضاعة في التاريخ المعين وتسليمها بعد ذلك بشهر أو أكثر.

وفي هذه الصورة لا يكون الشرط الجزائي صحيحًا وذلك لمحذور الربا الجاهلي في هذا الشرط الجزائي، فنحن وإن قبلنا الشرط الجزائي في الإجارة على الأعمال وفي البيوع، إلا أنه مختص بما لم يؤد إلى محذور باطل شرعًا، وهنا يكون الشرط الجزائي مؤدياً إلى محذور الربا فيكون باطلًا. وتوضيح ذلك: أن المثمن هنا ما دم كليًّا في الذمة ومؤجلًا إلى أجل، فإن أخر إلى أزيد من الأجل المتفق عليه في العقد في مقابل الشرط الجزائي الذي هو غرامة على التأخير صار ربا جاهليًّا وهو محرم في الشريعة الإسلامية.

الصورة الخامسة:

وهي أن يطلب المشتري ضمان الضرر الذي يحصل عند عدم قيام البائع بما يجب عليه من تسليم البضاعة نهائيًّا، وهذا الضمان للضرر شرط صحيح يجب الوفاء به لما قلناه من أنه يؤول إلى أن حق الفسخ في العقد اللازم لا يرضى به المشتري إلا بتعويض ضرره من قبل البائع، فإذا عوض الضرر رضي المشتري بالفسخ من قبل البائع. ولكن هذا الضمان متوقف على إثبات الضرر وتقديره لأنه تعويض والتعويض فرع التضرر الثابت وتقديره. وهذا بخلاف الشرط الجزائي الذي هو غرامة حيث يكون الضرر فيها مفترضًا ولا يلزم إثباته، ولا يستطيع المتعاقد الاحتجاج بعدم وقوعه.

ص: 763

الصورة السادسة:

وهي أن يطلب المشتري ضمان الضرر الذي يحصل عند مخالفة البائع بعض الشروط المشترطة عليه في البضاعة، وهذا أيضًا شرط صحيح لضمان الضرر لأنه يؤول إلى أن المشتري حينما يرى بضاعته غير وافية بالشروط التي اشترطها يكون من حقه فسخ المعاملة لتخلف الشرط، فيكون تعويض الضرر من قبل البائع في مقابل إسقاط خياره أو عدم إعماله مع وجوده، فيستحق التعويض.

الصورة السابعة:

وهي أن يطلب المشتري ضمان الضرر المتوجه إليه من جهة عدم تسليم البضاعة في موعدها المقرر، وهذا الشرط لا يكون صحيحًا لمحذور وجود الربا الجاهلي منه كما تقدم في الصورة الرابعة حيث إن المثمن هنا ما دم كليًّا في الذمة ومؤجلًا إلى أجل فيكون تأخير البضاعة عن الأجل في مقابل تعويض مالي (ولو كان التعويض للضرر الذي حصل من تأخير البضاعة) ربًا جاهليًّا وهو محرم في الشريعة الإسلامية.

والخلاصة:

تبين أن الشرط الجزائي (الغرامة) أو التعويض عند حصول الضرر في العقود جائز لم يصطدم بنهي شرعي عنه كما لاحظنا ذلك في الصورة الرابعة والسابعة.

تحفظ:

إن الشرط الجزائي الجائز وكذا التعويض الجائز إنما يكون صحيحًا بشرط أن لا يكون الشرط الجزائي والتعويض محيطًا بكل الأجرة أو بكل الثمن، وأما إذا كان كذلك فيكون منافيًا لمقتضى العقد أولًا ومنافيًّا لمقتضى الرواية التي هي دليل للشرط الجزائي في عقد الإجارة القائلة شرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه.

* * *

ص: 764

ثانيًّا: عقود المناقصات

وعقد المناقصة: عقد جديد لم يرد له ذكر في القرآن والسنة والفقه بخلاف عقد المزايدة الوارد في السنة والفقه.

تعريف المناقصة: هي " إرساء العقد على أفضل العروض – عند وجود العروض المتعددة في وقت واحد عرفًا – " وهذا الإرساء قد يتضمن تمليكًا إذا تعلقت المناقصة على توريد سلعة من السلع، وقد يتضمن تمليك منفعة إذا تعلقت المناقصة على الانتفاع، وقد يتضمن عقد إجارة إذا كانت المناقصة قد تعلقت على الأعمال (المقاولات) وهكذا فالمناقصة التي هي إرساء العقد على أفضل العروض ليست بنفسها تمليكًا أو إجارة وإنما يكون التمليك أو الإجارة أو المضاربة أو المزارعة أو السلم أو الاستصناع متضمنًا لعقد المناقصة، كالصلح الذي هو عبارة عن التسالم والتصالح الذي يتضمن التمليك إذا تعلق بعين وقد يتعلق بالانتفاع فيفيد فائدة العارية (التي هي مجرد التسليط) وقد يتعلق بالحقوق فيفيد الإسقاط أو الانتقال وقد يتعلق بتقرير أمر بين المتصالحين فيفيد مجرد التقرير.

والذي يدلنا على ذلك: أن المناقصة لو كانت هي البيع والإجارة والسلم والاستصناع والاستثمار لزم كون المناقصة مشتركًا لفظيًّا وهو واضح البطلان، فلم يبق إلا أن يكون مفهوم المناقصة هو نفس إرساء العقد على أفضل العروض الذي يتضمن في كل مورد فائدة من الفوائد حسب ما يقتضيه متعلقه.

وعلى هذا فالمناقصة عقد يتضمن عقد بيع (توريد أو سلم) أو إجارة أو استصناع أو استثمار.

الموجب فيه هو البائع وهو المورد أو المسلم أو المقاول أو المستثمر أو المستصنع والقابل هو المشتري للبضاعة أو المسلم إليه أو المستأجر أو صاحب المال في عملية الاستثمار.

ص: 765

توضيح لعقود المناقصات:

إن ما يجري في الخارج لعقود المناقصات يحتوي على عمليات يكون لفهمها الأثر الخاص في تشخيص الحكم الشرعي، لذا من المستحسن أن نستعرض سير عملية المناقصة من الدعوة إلى المشاركة حتى نهاية العقد فنقول:

1-

يعلن في الصحف الكثيرة الانتشار (إذا كانت المناقصة عامة)(1) عن الدعوة إلى المشاركة في مناقصة لشراء سلعة أو إنشاء مشروع معين، ويذكر آخر موعد لتسلم المظاريف التي فيها الاستعداد لتقبل الصفقة بسعر معين.

2-

يشترط في الاشتراك في عملية المناقصة شراء المعلومات التي أعدتها الجهة الداعية إلى المناقصة حول المشروع.

3-

يبدأ عقد المناقصة من تسلم المظاريف وفتحها، ويكون تقبل المشروع بسعر معين هو الإيجاب والداعي إلى المناقصة بما أنه قد التزم باختيار أفضل من يتقدمون للتعاقد معه، فحينئذ يكون بذل السلعة أو العمل بسعر أقل موجبًا لسقوط الإيجاب الأول وبقاء الأقل.

4-

إذا رست المعاملة على أحد المتناقصين باعتباره الأفضل للتعاقد فقد حصل القبول وتم العقد في هذه اللحظة.

الإيجاب ملزم في عقد المناقصة:

ثم إن الإيجاب في كل عقد يجوز أن يرجع عنه قبل حصول القبول إلا في عقد المناقصة فإن الإيجاب الذي صدر من البائع أو المقاول لا يجوز الرجوع عنه قبل إتيان القبول ولهذا قد يتساءل عن سبب عدم الرجوع عن هذا الإيجاب قبل حصول القبول؟.

والجواب: هو وجود التزام بين الأطراف المتناقصة على إرساء العقد على أفضل العروض، وهذا معناه عدم جواز رجوع صاحب العرض من عرضه (أي عدم جواز رجوع الموجب عن إيجابه) وعدم جواز اختيار المشتري غير العرض الأفضل بحجة من الحجج إلا أن يشترط جواز ذلك له صريحًا، وهذا الالتزام المتبادل بين المتناقصين مستفاد من مفهوم المناقصة التي هي إرساء العقد على أفضل العقود وقد قبل بها كل الأطراف وأقدموا عليها ورتبوا أثرًا على ذلك فإن هذه الالتزامات التي تكون متبادلة ويترتب عليها الأثر تكون ملزمة للطرفين حسب الأدلة الشرعية في وجوب الوفاء بالشروط والالتزامات ولا نؤمن بالإجماع الدال على كون الشروط الملزمة هي التي تكون في ضمن عقد ملزم (2) .

(1) أو ترسل كتب إلى جهات معينة تدعوهم إلى المشاركة فيما إذا كانت المناقصة محدودة.

(2)

هذا الرأي مخالف لمشهور علماء الإمامية الذين يقولون بأن الشرط والالتزام الابتدائي لا يجب الوفاء به والذي يجب الوفاء به هو ما كان في عقد لازم.

ص: 766

وإذا تم عقد المناقصة: بإرساء العقد على أفضل العروض لا نجد مشكلة في عقود المقاولات حيث إن العمل يقدم شيئًا فشيئًا وثمن العمل يجوز دفعه معجلا أو مؤجلا ونجوما. وكذلك لا مشكلة في الاستثمار إذا كان مضاربة أو مزارعة أو مساقاة لأن طبيعة هذه العقود لا يشترط فيها تقديم كل المال الممول للمشروع، كما لا مشكلة أيضًا في إيجار المنفعة عن طريق المناقصة وإنما الإشكال يكون في المناقصة إذا كانت عقد توريد أو سلم مع تأجيل الثمن والمثمن في عقود التوريد أو تأجيل ثمن السلم أيضًا ودفعه نجومًا في عقد السلم، وهذه المشكلة تعرضنا لحلها في عقود التوريد فتراجع هناك وخلصنا إلى أن عقد التوريد أو حتى السلم إذا صدق عليه أنه عقد عرفا مع تأجيل العوضين ودفعهما نجوما فتشمله عمومات الوفاء بالعقد ولا مانع يمنع من صحة العقد إلى ما ذكر من أنه بيع دين بدين أو بيع كالئ بكالئ وقد أجبنا (1) عن هذين الحديثين وعرفنا أنهما لا يمنعان من صحة عقود التوريد وحتى السلم إذا تأجل الثمن ودفع نجومًا مع صدق العقدية عليه (2) .

الفرق بين المناقصة والبيع العادي:

وبما تقدم اتضح الفرق بين عقد المناقصة والبيع العادي حيث: إن عقد المناقصة هو إرساء العقد على أفضل العروض يتضمن بيعًا أو إجارة أو استثمارًا باختلاف متعلق العقد، بينما البيع العادي هو إنشاء تمليك شيء بعوض مع القبول.

(1) راجع بحث عقود التوريد من هذا البحث.

(2)

الرأي عند علماء الإمامية عدم صحة البيع إذا كان الثمنان مؤجلين، إما على نحو الفتوى أو على نحو الاحتياط الوجوبي، وحينئذ تكون عقود التوريد عندهم عبارة عن تفاهم على البيع فعند تسليم كل وجبة يحصل البيع بالنسبة لها فقط ولا إلزام على الطرفين قبلها.

ص: 767

كما أن عقد المناقصة يوجد التزام بين المتناقصين باختيار أفضل العروض وهذا يجعل الموجب المتقدم بعرضه غير مختار في سحب عرضه حتى قبل حصول القبول والإرساء، كما أن القابل لا يجوز له أن يقبل غير أفضل العروض إلا مع شرط صريح بذلك، كل ذلك لمفهوم عقد المناقصة الذي يتضمن هذا الإلزام، بينما يحق للموجب في البيوع العادية أن يسحب إيجابه قبل أن يحصل القبول.

ومن الفرق المتقدم يحصل فرق آخر هو: أن المناقصات تكون قد اشترط فيها شرطًا ضمنيًّا بإسقاط خيار المجلس (أو عدم إعماله) حيث إن الالتزام بالتعاقد مع أفضل من يتقدم للتعاقد ليس معناه عرفًا هو الالتزام بالتعاقد حتى يتم، ثم يفسخ بعد ذلك بخيار المجلس، ونستطيع أن نشبه ما نحن فيه من عدم وجود خيار مجلس في عقد المناقصات بمن حلف أن يبيع داره إلى شخص معين، فإنه لا يحق له أن يبيعها منه ثم يفسخ بخيار المجلس. هذا يفسر لنا معنى ارتكازية عدم الفسخ في عقد المناقصات. بينما في البيوع العادية يكون خيار المجلس بحاله.

ص: 768

ومما ينبهنا على الاشتراط الضمني لسقوط خيار المجلس (أو عدم إعماله) هو أخذ خطاب الضمان الابتدائي الذي يكون لصالح من يلتزم بالعقد ضد من لم يلتزم به بعد رسو المعاملة كما سيأتي:

هل المناقصة عقد؟ وما أركانه؟

قد اتضح مما تقدم أن المناقصة عقد جديد (لم يكن له ذكر في القرآن والسنة والفقه) يتضمن تمليك عين أو منفعة أو إجارة لعمل وأمثالها. فالمناقصة عقد تتضمن عقد آخر يختلف باختلاف الموضوع.

وأما أركانه فهي:

1-

المناقص: الموجب الذي يعرض سلعة موصوفة أو عملًا محددًا بسعر محدد، لأن الإيجاب هو تمليك السلعة أو المنفعة أو العمل كما في المقاولات.

2-

القابل الذي يبرز قبوله لأفضل العروض، وهو الذي يملك الثمن إلا أن تمليكه للثمن تبعي لتمليك السلعة أو المنفعة أو العمل.

وتمامية العقد هنا قد تكون بصورتين:

الأولى: أن يتقدم الإيجاب وهو عرض السلعة أو العمل الموصوفين بثمن معين ثم يأتي القبول من المشتري على أفضل العروض.

الثانية: قد يتقدم القبول بقول المشتري أنا اشتري سلعة أوصافها معلومة أو استأجر عاملًا لعمل معين باختيار أفضل العروض ثم تأتي العروض فيختار أفضلها وبما أنه لا يشترط تقديم الإيجاب على القبول، ويجوز أن يتقدم القبول ولكن بلفظ اشتريت أو استأجرت، فيمكن أن يأتي الإيجاب بعد هذا القبول بلفظ بعت فيتم العقد.

لا غررية في هذه المعاملات: وهذه المناقصة التي يتقدم فيها القبول لا غرر فيها لأننا نعلم بحصول العقد مع جهل صفته، وبينما الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما لم يعلم بحصول الشيء المبيع.

وحتى لو قلنا: إن الغرر يشمل جهالة صفة المبيع، فإن المبيع والمستأجر هنا ليس فيهما جهالة عند تمامية العقد أو الإجارة ، وإن كانت الجهالة موجودة عند إنشاء القبول، فلا جهالة في العقد عند إبرامه.

ص: 769

علاقة المناقصة بالمزايدة:

إن العلاقة بين المناقصة والمزايدة هي علاقة تضاد من الناحية اللغوية والموضوعية فالزيادة ضد النقص، ولهذا وردت التفرقة بينهما في العقود باختلاف موضوعهما.

فالمناقصة: تستهدف اختيار من يتقدم بأحسن عطاء ويكون ذلك عادة فيما إذا أرادت الإدارة القيام بأعمال معينة كالأشغال العامة أو أرادت الإدارة شراء كمية من السلع المعينة أو الموصوفة.

أما المزايدة، فهي تستهدف أيضًا اختيار من يتقدم بأحسن عطاء ولكن فيما إذا أرادت الإدارة أن تبيع مثلاً. . . وعلى هذا اتضح أن العلاقة وإن كانت بين المناقصة والمزايدة هي علاقة تضاد إلا أن تعريفهما واحد وهو " إرساء العقد على أفضل عطاء عند وجود العروض المتعددة في وقت واحد عرفًا " غاية الأمر المناقصة تكون للشراء والمقاولات، والمزايدة تكون في البيع لما عند الإدارة من سلع أو أدوات.

أما الانتفاع بالشيء فكما يمكن أن يكون فيه المناقصة فيما إذا كان المنتفع واحدًا والعرض متعددًا، يمكن أن يكون فيه المزايدة فيما إذا كان العرض واحدًا والمنتفع متعددًا.

ومما تقدم يتضح أن التعريف الوارد في قرار المجمع بشأن المزايدة لا يخلو من إشكال فقد ورد في قرار رقم 73 (4 / 8) بشأن عقد المزايدة تعريف عقد المزايدة: بأنها (عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة في المزاد ويتم عند رضا البائع) . والإشكال على هذا التعريف يكمن في أن (دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة في المزاد) التي أخذت في التعريف لا تمت إلى العقد بصلة، بل هي مقدمة للعقد فلا يحسن إدراجها في تعريف عقد المزايدة، وعقد المزايدة أو المناقصة هو " إرساء العقد على أفضل العروض حينما تكون العروض متعددة في وقت واحد " ولا يخفى أن إرساء العقد معناه أن يختار أحد المتعاملين أفضل العروضات المتعددة في وقت واحد. ففي المزايدة: يختار البائع أفضل العروضات المتعددة من المشتركين في المزايدة، وهذه العروضات وإن كانت من القابل إلا أنها لابد أن تكون بعنوان التملك بثمن معين، فيأتي الإيجاب باختيار أحدها) (وهو الأفضل) بعنوان التمليك فيحصل القبول المتقدم والإيجاب المتأخر ولا خيار في هذا العقد لعدم اشتراط تقديم الإيجاب على القبول إذا كان القبول بعنوان التملك بثمن معين.

ص: 770

وفي المناقصة تتقدم الإيجابات من المشتركين، ويأتي القبول من المشتري على اختيار أفضلهم فيتم العقد.

التكييف الشرعي لعقد المناقصات:

بما أن المناقصات هي من العقود الجديدة التي لا أثر لها في نصوص الشرع فلا يمكن أن يستدل عليها بنصوص خاصة فيها.

ولكن بما أنها عقد عرفي بين طرفين يتضمن بيعًا أو إجارة أو مقاولة أو استثمارات، فيشملها عموم قوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} و {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} و {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} إذا كانت المناقصة تتضمن بيعًا عرفيًّا بين الطرفين، لما ثبت في عقود التوريد من أن العقود المعاملية التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} لا تختص بالعقود التي كانت موجودة في زمن صدور النص، بل النصوص الواردة في الشريعة المقدسة وردت على نحو القضية الحقيقة بمعنى أن الشارع المقدس أوجد حكمه على موضوع معين، ومتى وجد هذا الموضوع وجد الحكم ولو لم يكن الموضوع موجودًا حين صدور النص، ولكن بشرط اشتمال الموضوع (وهو العقد هنا) على الشروط التي اشترطها الشارع المقدس في صحة العقد، وعدم اشتماله على الموانع التي بينها الشارع لبطلان العقد (1) وسوف نتعرض لما يقترن أو يسبق عقد المناقصات أو يلحقه من عقود أو إجراءات لنراها هل تكون مانعة من صحة عقد المناقصة أم لا؟

علاقة المناقصة ببيع ما ليس عند البائع:

ذكرنا في عقد التوريد أن الروايات الحاكية لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند البائع (2) وروايات عدم مواجبة البيع للمشتري إلا بعد أن يشتري البائع السلعة (3) ، (أي عدم شراء المشتري للسلعة إلا بعد أن يشتريها البائع) لابد من تخصيصها بالعين الخارجية (الشخصية) وذلك لورود الروايات لصحيحة التي عمل بها كل المسلمين في جواز بيع الكلي الموصوف في الذمة سلمًا، وبما أن المناقصات إذا كانت على سلع موصوفة تسلم في وقت معين فهي من السلم الجائز قطعًا ولا ربط لها ببيع ما ليس عند البائع.

أما إذا كانت المناقصة ليست متضمنة للبيع، بل متضمنة للإجارة (المقاولات) أو الانتفاع بعين وأمثالهما، فلا إشكال عن صحتها ولا ربط لها ببيع ما ليس عند البائع أصلًا الذي هو مختص بالعين الشخصية الخارجية التي لا يتصور فيها المناقصة بل المتصور فيه المساومة والمراوضة للوصول إلى الاتفاق وهو غير المناقصة.

(1) راجع عقود التوريد من هذا البحث، تمهيد.

(2)

وسائل الشيعة، ج 12، باب (7) من أحكام العقود، ح 2 وح 5.

(3)

المصدر نفسه باب (8) من أحكام العقود، ح 4 وح 6 وح13.

ص: 771

أنواع المناقصات:

يذكر للمناقصات أنواع وتقسيمات لا تؤثر في تغيير الحكم الشرعي لها:

منها: المناقصات العامة والمناقصات الخاصة (المحدودة) ؛ وهذا التقسيم واضح إذ المراد من المناقصات العامة: هي التي تفسح مجال لعدد غير محدود من المناقصين وما يتبع ذلك من إجراءات.

والمراد من المناقصات الخاصة: هي التي توجه فيها خطابات لمن تتوفر فيهم أهلية الاشتراك في المناقصة، فهي تقتصر على عدد محدود من المناقصين ولها إجراءاتها الخاصة أيضًا ومبرراتها.

ومنها: المناقصات الداخلية، والمناقصات الخارجية: باعتبار أن المناقصين قد يكونون من داخل البلد أو خارجه ولهما إجراءاتهما.

ومنها: المناقصات العلنية والمناقصات السرية: باعتبار حضور المناقصين في المناقصة وتقديم عروضهم بصورة علنية وعدم حضورهم وتقديم عروضهم بصورة مظاريف مختومة ويكون لكل منهما إجراءاته الخاصة.

ولكن قلنا: إن كل هذه الأقسام لا تؤثر في تغيير الحكم الشرعي فلا حاجة إلى الإطالة فيها.

نعم: إن المناقصات قد تتنوع بتنوع موضوعها (كما تقدم ذلك) في تعريف المناقصة فتكون المناقصة متضمنة لبيع (توريد سلعة) أو للانتفاع أو المقاولة على الأعمال أو الاستصناع، أو سلم، أو استثمار، وقد ذكرنا ذلك في التعريف فلا نعيد.

ولا بأس بالإشارة إلى أن جميع المناقصات تلتزم بمبدأ تكافؤ الفرص وهو مبدأ المساواة بين المتناقصين ولا يخالف هذا المبدأ إلا بنص صريح. كما أنها تلتزم بمبدأ المنافسة بين المتناقصين بمعنى عدم كونهم متواطئين على حد معين من السعر، بل يجب أن يكون كل واحد منهم مستقلًا عن الآخر في تقديم عرضه.

ص: 772

حكم دفتر الشروط:

إن دفتر الشروط الذي يحمل قائمة احتياجات المناقصة وما يتبعها من شروط ومواصفات اشتركت خبرات واستشارات في إعدادها وبذل المعد لهذا الدفتر في مقابله مالًا، فهو يعتبر ذا نفع للمشارك في المناقصة، وإن كان النفع اطلاعه على شروط مواصفات المناقصة. وعلى هذا يحق للمعد لهذا الدفتر بيعه على المشترك في المناقصة سواء كان بيعه على جميع المتنقاصين بسعر التكلفة أو أكثر، إذ يشمل هذه المعاملة العمومات كقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} .

نعم: من رست عليه المعاملة يستفيد من هذا الدفتر أكثر من غيره، ويمكن أن يباع هذا الدفتر بسعر تكلفته على كل واحد من المتناقصين ويكون خيار الفسخ لمن لم ترس المعاملة عليه. وحينئذ إذا رست المعاملة على أحدهم أخذه وشرع في العمل على طبقه. وأما الباقون فيرجع إليهم الثمن إذا فسخ كل واحد منهم عقده.

وفرق المعاملة الأولى عن الثانية هو: أن المعاملة الأولى إذا كان دفتر الشروط قد صرف عليه أربعون دينارًا يحق لمن أعده أن يبيعه على المشتركين في المناقصة (ولنفرضهم خمسين مشاركًا) كل دفتر بدينار أو كل دفتر بـ (800) فلس فيحصل على ما خسره على دفتر الشروط مع الزيادة أو بلا زيادة أما المعاملة الثانية: فإن الدفتر يباع على كل واحد من الخمسين بأربعين دينارًا (وهو سعر الكلفة) مع خيار فسخ لمن لم ترس المعاملة عليه، فإن رست على أحدهم أخذه بالأربعين وأرجع الثمن إلى الباقين إذا فسخت معاملاتهم.

حكم تقديم نسبة من الثمن ضمانًا من المتقدم إلى المناقصة:

وهذا ما يسمى بالضمان النقدي الذي يقدمه من يتنافس على العملية إلى المستفيد الذي يدعو إلى المناقصة، ويستحقه المستفيد عند عدم قيام الطالب باتخاذ ما يلزم من رسو العملية عليه (1) ويسمى هذا الضمان الابتدائي، تمييزًا له عن الضمان النهائي الذي سيأتي.

وهذا الضمان يكشف عن جدية عرض الخدمات من قبل كل المشتركين وجدية إرادة المتعاقد. وتكييف هذا الضمان النقدي يكون بأحد وجوه ثلاثة:

أولًا: يمكن أن يكون في مقابل رضا (المشتري أو المقاول) لفسخ المعاملة، حيث إننا علمنا أن هذه المعاملة لازمة ومعنى ذلك عدم جواز الفسخ من قبل أحد الطرفين كالمشتري إذا لم يرض البائع، وحينئذ يكون دفع هذا الضمان النقدي إلى المستفيد في مقابل رضاه بفسخ المعاملة أو المقاولة، وهذا التوجيه يكون صحيحًا إذا كانت المعاملة قد تمت وصارت ملزمة حين قبول الداعي إلى المناقصة ويكون كتابة العقد للتوثيق فقط.

(1) أقول: إن صورة خطاب الضمان النقدي يؤدي إلى تجميد المال لمدة من الزمن، وقد استبدل بخطاب ضمان بحوالة أو شيك مصرفي أو ضمان بتعهد من شركة تأمين يجب عليها الدفع عند أول طلب من الجهة الداعية إلى المناقصة دون أي معارضة تصدر من صاحب العرض.

ص: 773

ثانيًّا: يمكن أن يشترط الداعي إلى المناقصة عند بيع دفتر الشروط أن يتملك كمية من المال وهي (الضمان النقدي) عند عدم الالتزام بإبرام العقد من قبل من رست عليه العملية، وهذا الشرط في ضمن عقد فيكون ملزمًا سواء قلنا: إن العقد قد تم عند قبول الداعي إلى المناقصة كما هو الصحيح، أو قلنا: إن العقد يتم عند كتابة العقد مع رضا الطرفين لا قبل ذلك.

ثالثًا: على أنه يمكن القول: بأن المقاول أو البائع إذا كان قد تعهد أو التزم بأن يكون المال (الذي دفعه إلى الداعي على المناقصة) ملكًا للداعي إلى المناقصة عند عدم القيام بالإجراءات اللازمة عليه عند رسو العملية عليه، وقد رتب الطرف الآخر عليه الأثر فعمل كل ما يلزم لعقد المناقصة حتى رست على البائع أو المقاول، فحينئذ يشمل هذا التعهد والالتزام من الطرفين {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} الذي معناه أوفوا بالعهود، كما يشمله قوله صلى الله عليه وسلم:((المسلمون عند شروطهم)) .

ص: 774

حكم الدخول إلى المناقصة على المرخص لهم:

قد يلجأ الداعي إلى المناقصة إلى محدودية المناقصة بأن لا يسمح للدخول في المناقصة إلا لمن رخصت لهم الحكومة القيام بالتوريد أو الخدمات (المقاولات) ، وكذا قد تعمد الدولة إلى هذه الطريقة أيضًا، وهذه الطريقة يلجأ إليها لما فيها من التأكد من جدية الداخلين في المناقصة ومن قدراتهم الفنية الكافية لإنهاء المشروع وقد تكون أقل كلفة من المناقصة العامة وتكون أسعارهم أرخص لأن المرخص لهم حكوميًّا في الدخول في المناقصة يكونون من المنتجين والمقاولين الحقيقيين لا من الوسطاء.

وحكم هذه العملية جائز بلا إشكال لاختيار الجهة الداعية إلى المناقصة في تعاملها مع عدد محدود من المناقصين وهم الذين تتوفر فيهم شروط معينة قد يكون من الشروط الترخيص الحكومي للمقاولات والبيع بأقسامه أو غير ذلك من الشروط التي لا تخالف كتابًا ولا سنة.

نعم: قد تكون هذه المعاملة مخلة بالعدالة والمساواة بين الراغبين في التعامل إلا أن هذا الإخلال لا يصل إلى حد البطلان أو الحرمة ما دام لا يحتوي على ظلم الآخرين وإضرارهم، وربما كان فيه نفع للداعي إلى المناقصة.

ص: 775

حكم التأمينات المقدمة في المناقصة:

قد يطلب الداعي إلى المناقصة تأمينات تعادل نسبة من قيمة المعاملة (نقدية أو غير نقدية كضمان من البنك لدفع مبلغ من النقود معين) يستحقها المستفيد (الداعي إلى المناقصة) إذا تخلف العميل عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد بين المقاول والمستفيد (1) عدا شرط التسليم في الموعد المقرر فإن هذا سنتكلم فيه في الشرط الجزائي.

أقول: إن هذا الطلب هو شرط في ضمن عقد الإيجار أو البيع، وحينئذ يصح لمن اشترط هذا الشرط أن يمتلك هذه التأمينات النقدية في حالة التخلف استنادًا إلى قوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، وإلى قوله صلى الله عليه وسلم:((المسلمون عند شروطهم)) فتحصل أن العقد والشرط الذي ضمنه يجب الوفاء بهما إذا لم يكن الشرط مخالفًا للقرآن والسنة (وهو المفروض) .

أما التأمينات (إذا كانت غير نقدية) كضمان البنك لنسبة من قيمة العملية عند تخلف المقاول أو البائع عن الالتزام بالشروط المشترطة عليه وتخلف عن دفع النسبة من قيمة العملية، وهذا الضمان عرفي يكون البنك ملزمًا بدفع تلك النسبة عند تخلف المشروط عليه من العمل بتلك الشروط وتخلفه عن دفع تلك النسبة من قيمة العملية.

حكم التأمينات إذا تأخر المقاول أو البائع عن تسليم ما يجب عليه عن الموعد المقرر:

قد يطلب الداعي إلى المناقصة غرامة في صورة التأخر عن تسليم ما يجب على المقاول من أعمال ناجزة في موعدها المقرر أو في صورة تأخر البائع عن تسليم البضاعة في موعدها المقرر فهل تكون هذه الغرامة صحيحة ويستحقها الداعي إلى المناقصة؟

والجواب: إن هذا ما يعبر عنه في الفقه بالشرط الجزائي ونتكلم في صحته تارة في عقد الإجارة وتارة في البيع.

أما في الإجارة: فقد ذكر علماء الإمامية صحة هذا الشرط بشرط أن لا يحط بجميع الكراء، استنادًا إلى قوله عليه السلام:((المسلمون عند شروطهم)) وقوله عليه السلام في صحيح الحلبي عند اشتراط المستأجر على الأجير أن يوصله إلى السوق في يوم كذا وعند عدم إيصاله يحط من الكراء كل يوم كذا وكذا قال: شرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه. (2)

أما في البيوع: فإن الشرط الجزائي الذي دليله ((المسلمون عند شروطهم)) لا يفرق في صحته بين الإجارة والبيع، فيكون صحيحًا إذا اشترى إنسان دارًا من غيره على أن يسلمها له في مدة معينة واشترط المشتري على البائع غرامة معينة في كل يوم يتأخر عن التسليم، فلو تأخر البائع عن التسليم أيامًا معينة فيستحق عليه المشتري الغرامة وهذا كله صحيح في البيع الشخصي الخارجي.

أما إذا كان المبيع كليًّا موصوفًا في الذمة (أي في ذمة المبيع) كبيع السلم أو التوريد إذا قلنا بصحته، فهنا يكون الشرط الجزائي (الغرامة) في مقابل تأخيره ربًا جاهليًّا وهو محرم فيكون الشرط الجزائي في هذه الصورة مخالفًا للسنة فلا يجوز.

(1) وقد يطلب العميل تأمينات (نقدية أو غير نقدية) إذا شعر بأن الجهة المقابلة قد لا تلتزم بالعقد أو قد لا تؤدي ما عليها من مال في الوقت المحدد.

(2)

تقدمت الرواية في بحث عقود التوريد في هذا البحث.

ص: 776

اشتراط التعويض:

ونفس الكلام المتقدم في الغرامة نقوله بالنسبة إلى اشتراط المستأجر أو المشتري التعويض عن الضرر الحاصل من تأخر تسليم العمل أو السلعة إلا أن الفرق بين الغرامة والتعويض هو: أن الغرامة يكون الضرر فيها مفترضًا ولا يلزم إثباته على الداعي إلى المناقصة، ولا يستطيع المتعاقد الاحتجاج بعدم وقوعه، وهذا بخلاف التعويض الذي يجب فيه إثبات الضرر ومقداره، ويستطيع المتعاقد إثبات عدم وقوعه.

هل يلزم إخبار المشتري بأن البضاعة تملكها البائع بالأجل؟

أقول: إن كلامنا في مناقصات البيع والتوريد والمقاولات تكون على سلعة كلية موصوفة في الذمة، فقد يشتري المشتري كليًّا في ذمة البائع يقدمه له بعد مدة معينة وهذا ما يسمى بالسلم، فإن كان الثمن أيضًا مؤجلًا ويسلم بعض المثمن في وقت لاحق بنسبة من الثمن فهو عقد التوريد الشائع في هذه الأيام بين الدول.

أما إخبار المشتري بأن البضاعة قد تملكها البائع بالأجل فهو بيع المرابحة الذي نسب فيه الربح إلى الثمن (لا إلى السلعة) وهذا أحد أقسام البيع لأن " البائع إما أن يخبر برأس ماله أو لا، والثاني المساومة، والأول المرابحة إن باع بربح، والمواضعة إن باع بنقص، والتولية إن انتفيا معًا "(1) ، وعلى هذا تكون المرابحة هي البيع مع الإخبار برأس المال مع الزيادة عليه.

وهذا البيع مرابحة هو مختص بالسلعة الشخصية التي اشتراها المشتري الأول وأراد بيعها للمشتري الثاني بربح ينسب إلى رأس المال فيذكر رأس ماله ويذكر زيادة عليه واحد في المائة أو عشرة في المائة.

وفي هذا البيع ذكر الفقهاء:

" يجب على البائع الصدق في الثمن والمؤن وما طرأ من موجب النقص والأجل وغيره "(2) .

وله الحق في ذكر الثمن كأن يقول اشتريته بكذا وأريد ربح كذا، أو يقول تقوم على بكذا فيزيد في ثمن شراه لو صدق عليه ما يوجب نقله وحفظه وأمثال ذلك.

أما في المبيع الكلي الذي نحن بصدده فلا يوجد ثمن قد اشترى به السلعة أولًا حتى يخبر به وبأجله لو كان له أجل فلا موجب لهذا العنوان في بيع المناقصات والمقاولات.

(1) جواهر الكلام: 23 / 303. .

(2)

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: 3 / 428.

ص: 777

نعم: لو أمكن أن يكن عقد التوريد منصبًا على سلعة شخصية خارجية قد رؤيت من قبل المشتري واشتراط توريدها إلى بلده في أوقات معينة يسلم فيها نسبة من الثمن إلى البائع، يمكن هنا أن يكون البيع مرابحة حينئذ يجب على البائع الإخبار بالأجل لو كان البائع قد اشترى سلعته بثمن مؤجل لأن المفروض أن البائع يبيع بنفس الثمن مع زيادة معينة، فلو كان قد اشتراه مؤجلًا وباعه بنفس الثمن حالًا مع زيادة لم يكن بيع مرابحة وكان خيانة وكذبًا.

مماطلة المشتري في تسديد ثمن البضاعة:

قد يتسلم المشتري البضاعة من البائع ويماطل في تسديد الثمن فهل هناك حالة يضمن فيها البائع عدم مماطلة المشتري في تسديد الثمن؟

الجواب: هناك عدة أجوبة لضمان عدم مماطلة المشتري:

الأول: أن البائع يحق له (في عقد السلم إذا تأجل الثمن تبعًا لتأجيل المبيع أو في عقد التوريد الذي يكون فيه البدلان مؤجلين) أن لا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن، وفي هذه الحالة تنتفي مماطلة المشتري موضوعًا.

ولكن هذه الحالة غير متيسرة في هذه العقود لأن البائع في دولة والمشتري في دولة أخرى وتسليم الثمن مباشرة إلى البائع غير متيسر، بالإضافة إلى أن المشتري قد يتصور مماطلة البائع في تسليم المثمن بعد قبضه للثمن فيتوقف عن تسليم ثمنه أولًا، وله الحق في ذلك أيضًا، ولهذا وجد الجواب التالي لضمان عدم مماطلة المشتري وهو:

الثاني: أن يدفع المشتري الثمن إلى البنك ويأمره بتسليمه إلى البائع عند تصدير البضاعة إلى المشتري حسب الوثائق التي يبرزها بنك البائع بتصدير البضاعة إلى المشتري وهذه الحالة يضمن فيها البائع ثمنه والمشتري مثمنه بواسطة بنك البائع وبنك المشتري بعد وصول مدارك إرسال البضاعة ووصلها.

وهذه الصورة الثانية هي ما يصطلح عليه بـ (الاعتمادات المستندية) المنتشرة في عمليات التجارة الخارجية، فيفتح المشتري في البنك اعتمادًا) خلاصته: تعهد بنك المشتري للبائع (بناء على طلب المشتري) أن يدفع له مبلغًا من المال (الثمن) في مقابل كفاءة المستندات التي تبين أن البضاعة التي اشتراها المشتري قد شحنت بقصد وصولها إلى المشتري خلال مدة معينة، وهذا ما يسمى باعتماد الاستيراد.

ويظهر من هذه الصورة الثانية: إن دور البنك هو دور المتعهد بوفاء دين المشتري للبضاعة الخارجية فيما إذا اطلع على شحن السلعة بواسطة الوثائق الرسمية.

وهناك صورة أخرى يكون البنك مسؤولا عن دفع ثمن البضاعة في صورة ما إذا استلم مستندات التصدير من البائع وسلمها إلى المشتري وقبلها، ولكن هذه الصورة قد تلكئ عملية ضمان ثمن البضاعة للبائع إذا قد تصدر السلعة ولم يقبل المشتري المستندات فتحصل المماطلة.

ويستحق البنك على عمله هذا أجرة لأنه عمل جائز وخدمة يقدمها البنك للمشتري لأن تسلم المستندات التي تدل على شحن البضاعة وفحصها للتأكد من عدم تزويرها وتسديد الثمن للمصدر أو بنكه، هي أعمال يقوم بها البنك لصالح المشتري فيستحق أجرة عليها.

الثالث: قد يقال: إن البائع لأجل أن يضمن عدم مماطلة المشتري في تسديد ثمن البضاعة قد يلجأ إلى الشرط الجزائي في صورة تأخر المشتري في التسديد، فيحصل عن كل يوم يتأخر فيه المشتري في التسديد للثمن غرامة معينة (أو تعويضًا معينًا) وهذا الشرط (الغرامة) والتعويض تمنع المشتري من التأخير لأن البائع يتمكن أن يقاضيه إلى القضاء الحكومي عند تأخره فيستحق عليه الثمن والغرامات أو التعويضات التي حصلت من التأخير لتسديد الثمن.

أقول: إن الثمن ما دام دينًا في ذمة المشتري يجب دفعه في مدة محددة فتأخيره في مقابل الغرامات أو التعويضات يكون ربا جاهليًّا محرمًا، لأن الربا الجاهلي ما عبر عنه في الروايات (أتقضي أم تربي) وهذا بنفسه موجود في الشرط الجزائي عند تأخر الثمن الذي هو دين على ذمة المشتري، فيكون محرمًا.

ص: 778

خلاصة البحث

والذي ننتهي إليه من هذا البحث لعقود التوريد والمناقصات هو ما يلي:

أولًا – عقود التوريد:

1-

إن كل عقد عرفي ولو كان جديدًا يجب الوفاء به إذا كان مشتملًا على الشروط التي اشترطها الشارع ولم يكن هناك ما يمنع منه شرعًا، استنادًا إلى قوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

2-

إن عقد التوريد: هو عبارة عن توريد سلعة أو مواد محددة الأوصاف في تواريخ معينة لقاء ثمن معين يدفع على أقساط.

3-

إن عقد التوريد لا يشمله حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الدين بالدين، ولا حديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، وليس عقد التوريد عقدًا ربويًّا ولا إجماع على بطلانه. لأن النهي عن بيع الدين بالدين بالإضافة إلى ضعف سنده قد فسر بما كان هناك دينان قبل العقد ويباع أحدهما بالآخر.

كما أن حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ ضعيف السند أيضًا، وقد فسر إما بمعنى بيع الدين بالدين، أو بمعنى أن يكون هناك دينًا في سلم فيباع في أجل، ولم يكن عقد التوريد كذلك، كما أن من الواضح أن بيع التوريد ليس بربا لأنه بيع سلعة بثمن، وهو عقد جديد لا إجماع على بطلانه كما هو واضح.

4-

لا علاقة لعقد التوريد بالنهي عن بيع ما ليس عندك، لأن التوريد غالبًا ما يكون على سلعة موصوفة كلية، بينما النهي عن بيع ما ليس عندك يختص بالسلعة الشخصية الخارجية فيما إذا باعها غير مالكها لنفسه، بينما عقد التوريد وإن كان على سلعة شخصية معينة فإن المفروض بيعها من قبل صاحبها إلى المشتري فلا محذور فيه.

5-

أركان عقد التوريد هو البائع (المورد) الذي يكون موجبًا والمشتري الذي يقبل البيع.

ص: 779

6-

شروط عقد التوريد هي الشروط العامة للمتعاقدين (بلوغ، عقل، اختيار) وشروط العوضين هي نفس شروط السلم لكنها تكون للثمن والمثمن معًا.

7-

إن عقد التوريد عقد لازم للأدلة القرآنية والرواية الدالة على اللزوم في العقود بالإضافة إلى الأصل العملي والعقلائي.

8-

يثبت خيار المجلس في عقد التوريد إذا كان فيه مكان للعقد، وينقضي بالتفرق للحديث المشهور ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا)) .

9-

يثبت خيار الشرط في عقد التوريد للأدلة العامة على صحة الشرط ((المسلمون عند شروطهم)) .

10-

يثبت خيار الغبن في عقد التوريد إذا تصورنا الغبن فيه مع جهل المغبون.

11-

لا يثبت خيار الرؤية (وهو المسبب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترطه فيه المتبايعان) إذا كان التوريد على سلعة كلية موصوفة، لأن خيار الرؤية في العين الشخصية. أما إذا كان التوريد على سلعة شخصية معينة مرئية ثم اتضحت أنها على خلاف الرؤية والوصف ثبت خيار بالرؤية في عقد التوريد.

12-

لا يأتي خيار العيب في عقد التوريد إذا وقع على كلي موصوف في الذمة. أما إذا وقع عقد التوريد على عين معينة شخصية فيثبت خيار العيب إذا وجدت معيبة وكان العيب قبل القبض ولم يعلم به المشتري.

13-

الشرط الجزائي (غرامة أو تعويضًا) صحيح في بيع التوريد عند عدم تسليم البضاعة نهائيًّا من قبل البائع وهو يؤول إلى أن حق الفسخ إنما يثبت للبائع عند دفع الغرامة أو التعويض.

14-

الشرط الجزائي (غرامة أو تعويضًا) صحيح عند مخالفة البائع الشروط المشترطة في العقد، وهو يؤول إلى إسقاط حق المشتري في الفسخ أو عدم إعماله لخياره في مقابل الغرامة أو التعويض.

15-

الشرط الجزائي (غرامة أو تعويضًا) لا يصح عند عدم تسليم البضاعة في تاريخها المعين وسلمت بعد ذلك لأنه يؤول إلى الربا الجاهلي الذي منعت منه الشريعة.

ثانيًّا – عقود المناقصات:

1-

عقد المناقصة: هو إرساء العقد على أفضل العروض عند وجود العروض المتعددة في وقت واحد عرفًا.

2-

عقد المناقصة: قد يتضمن تمليكًا لعين أو لمنفعة، وقد يتضمن عقد إجارة وقد يتضمن استثمارات (كعقد مضاربة أو مزارعة أو مساقاة) حسب متعلق عقد المناقصة.

3-

الإيجاب المتقدم به البائع أو المقاول ملزم في عقد المناقصة على خلاف بقية العقود كما أن الداعي إلى المناقصة ملزم باختيار أفضل العروض كل ذلك للتعهد الموجود بين الأطراف على ذلك المعلوم من مفهوم المناقصة التي أقدموا عليها ورتبوا عليها الأثر فهذه الالتزامات إما تعهدات من الأطراف أو شروط مشترطة في المناقصة، ويجب العمل على وفقها حسب الأدلة الشرعية لوجوب الوفاء بالعهد أو الشرط.

4-

إن ارتكازية عدم الفسخ في عقود المناقصات يرجع إلى الشرط الضمني بإسقاط خيار المجلس أو عدم إعماله فهو عقد يشبه بيع الدار المحلوف على بيعها لشخص آخر.

ص: 780

5-

المناقصة عقد جديد لم يذكر في الكتاب والسنة والفقه. أركانه المناقص والمناقص. يتم بتقديم الإيجاب المتمثل بعرض السلعة أو العمل الموصوفين بثمن معين ويأتي القبول من الداعي على المناقصة على أفضل العروض. وقد يتم العقد بتقديم القبول بلفظ: اشتريت أو استأجرت، ثم يأتي الإيجاب بلفظ: بعت أو أجرت.

6-

لا غرر في عقود المناقصات، لأننا نعلم بحصول العقد وصفة المبيع والثمن، أو صفة العمل والأجرة عند حصول العقد وتمامه.

7-

المناقصة والمزايدة يتفقان في التعريف ويختلفان في الهدف والغاية.

8-

المناقصة عقد جديد يدل على صحتها العمومات القرآنية لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، و {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} ، و {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} إذا كانت المناقصة تتضمن بيعًا.

9-

لا علاقة للمناقصة ببيع ما ليس عندك لأن المناقصة تكون على أمر كلي، بينما النهي عن بيع ما ليس عندك مختص بالعين الشخصية.

ص: 781

10-

يجوز بيع دفتر الشروط الذي بذل الداعي إلى المناقصة في تكوينه مالًا فيصح بيعه على جميع المناقصين بسعر التكلفة مقسمة على عدد الدفاتر، أو أكثر من التكلفة، كما يصح بيع كل دفتر بسعر التكلفة ويجعل خيار الفسخ لمن لم ترس عليه المعاملة فإن رست المعاملة على أحدهم فهو المستفيد من دفتر الشروط حيث يعتمد عليه في عمله أما بقية المناقصين فيعاد الثمن لهم إذا فسخوا المعاملة.

11-

يجوز أخذ نسبة من الثمن لصالح المشتري أو المستأجر إذا امتنع البائع أو المستأجر من القيام بما يجب عليه بعد رسو المعاملة عليه، ومعنى ذلك أن البائع يحق له الفسخ عند دفع نسبة من الثمن إلى المشتري مثلًا. كما يمكن أن يكون استحقاق المشتري أو المستأجر لهذه النسبة بواسطة الشرط الذي اشترط في ضمن عقد البيع أو الإجارة (المقاولة) كما يمكن أن يكون عقدًا برأسه.

12-

يجوز قصر المناقصة على المرخص لهم حكوميًّا بالدخول في مناقصات التوريد والأعمال لأن الجهة الداعية إلى المناقصة مختارة في التعامل مع من تريد.

13-

يجوز للداعي إلى المناقصة أن يأخذ تأمينات نقدية أو غير نقدية (كغرامة) يستحقها إذا لم يقم العميل بالوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد عدا شرط التسلم في الموعد المقرر لأنه يؤول إلى الربا الجاهلي الممنوع منه شرعًا إذا كان في عقد بيع كلي أما إذا كان في عقد إجارة أو بيع عين شخصية فهو جائز استنادًا إلى عموم ((المسلمون عند شروطهم)) ولا مانع يمنع من ذلك لعدم وجود الربا الجاهلي هنا. وجواز أخذ التأمينات النقدية في صورة عدم القيام بالشروط (إلا شرط تأخر التسليم) استنادًا إلى كونه شرطًا في ضمن عقد لازم.

14-

يجب إخبار البائع المشتري بالأجل الذي اشترى فيه البضاعة إذا كان البيع لبضاعة شخصية، قد اشتراها بأجل، وكان البيع مرابحة ولا يجب إذا كان البيع مساومة.

وينتفي موضوع هذا الحكم إذا كان المبيع كليًّا في الذمة كما هو الغالب في عقود التوريد.

15-

يمكن سد الباب على مماطلة المشتري في تسديد ثمن البضاعة بطلب البائع فتح الاعتماد المستندي من قبل المشتري لدى البنك، ولكن لا يجوز جعل الشرط الجزائي على المشتري في صورة تأخيره في دفع الثمن لردعه عن المماطلة، سواء كان الشرط الجزائي غرامة أو تعويضًا، وذلك في صورة كون الثمن دينًا في ذمة المشتري (كما هو الغالب) لأن هذا يؤول إلى الربا الجاهلي الممنوع منه شرعًا.

هذا آخر ما أردنا بيانه والحمد لله رب العالمين أولًا وآخرًا، وصلى الله على سيدنا ونبينًا محمد وآله صحبه الميامين وسلم تسليمًا كثيرًا.

حسن الجواهري

ص: 782

مصادر البحث

1-

القرآن الكريم

2-

العروة الوثقى – للسيد الطاطبائي اليزدي.

3-

مباني العروة الوثقى – للسيد الخوئي رحمه الله.

4-

البنك اللاربوي في الإسلام، للشهيد الصدر.

5-

وسائل الشيعة.

6-

مناقصات العقود الإدارية – د. رفيق يونس المصري.

7-

كتاب المجروحين.

8-

نيل الأوطار.

9-

جواهر الكلام – للمحقق صاحب الجواهر.

10-

المبسوط.

11-

مجلة مجمع الفقه الإسلامي / الدورة التاسعة / ج 2.

12-

بحوث في الفقه المعاصر، حسن الجواهري.

13-

مستدرك الوسائل.

14-

المكاسب، للشيخ الأنصاري، ج 1.

15-

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية.

ص: 783