المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استثمار موارد الأوقافإعدادالدكتور إدريس خليفة - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني عشر

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادأ. د. خليفة بابكر الحسن

- ‌استثمار موارد الأوقافإعدادالدكتور إدريس خليفة

- ‌استثمار موارد الأحباسإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌أثر المصلحة في الوقفإعدادالشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌صور استثمار الأراضي الوقفية فقهاً وتطبيقاًوبخاصة في المملكة الأردنية الهاشميةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكوصكوك الأعيان المؤجرةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة(الإجارة المنتهية بالتمليك)دراسة فقهية مقارنةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الإجارة المنتهية بالتمليكدراسة اقتصادية وفقهيةإعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكوصكوك التأجيرإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌الشرط الجزائي ومختلف صوره وأحكامهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الشرط الجزائيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌الشرط الجزائيإعدادالأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الشرط الجزائي في العقودإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الشرط الجزائي في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور ناجي شفيق عج

- ‌الشرط الجزائيدراسة معمقة حول الشرط الجزائي فقها وقانوناإعدادالقاضي محمود شمام

- ‌عقود التوريد والمناقصةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌عقد التوريددراسة فقهية تحليليةإعدادالدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌عقود التوريد والمناقصاتإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ مجتبى المحمودوالشيخ محمد على التسخيري

- ‌الإثبات بالقرائن والأماراتإعدادالدكتور عكرمة سعيد صبري

- ‌القرائن في الفقه الإسلاميعلى ضوء الدراسات القانونية المعاصرةإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌الإثبات بالقرائن أو الأماراتإعدادالشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الطرق الحكمية في القرائنكوسيلة إثبات شرعيةإعدادالدكتور حسن بن محمد سفر

- ‌دور القرائن والأمارات في الإثباتإعدادالدكتور عوض عبد الله أبو بكر

- ‌بطاقات الائتمانتصورها، والحكم الشرعي عليهاإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌بطاقات الائتمان غير المغطاةإعدادالدكتور محمد العلي القري

- ‌بحث خاصبالبطاقات البنكيةإعدادالدكتور محمد بالوالي

- ‌بطاقة الائتمانإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بطاقة الائتمان غير المغطاةإعدادالشيخ علي عندليبوالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التضخم وعلاجهعلى ضوء القواعد العامةمن الكتاب والسنة وأقوال العلماءإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الصلح الواجب لحل قضية التضخمإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌تدهور القيمة الحقيقية للنقود ومبدأ التعويضومسؤولية الحكومة في تطبيقه

- ‌مسألة تغير قيمة العملة الورقيةوأثرها على الأموال المؤجلةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌التأصيل الشرعي للحلول المقترحةلعلاج آثار التضخم

- ‌التضخم وتغير قيمة العملةدراسة فقهية اقتصاديةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌نسبة التضخم المعتبرة في الديونإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

- ‌حقيقة التضخم النقدي: مسبباته – أنواعه – آثاره

- ‌التضخم وآثاره على المجتمعات

- ‌ضبط الحلول المطروحة لمعالجة آثار التضخم على الديون

- ‌حقوق الأطفال والمسنينإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌حقوق الشيوخ والمسنين وواجباتهمفي الإسلامإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌حول حقوق المسنينإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌حقوق الطفلالوضع العالمي اليومإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌الشيخوخةمصير. . . وتحدياتإعدادالدكتور حسان شمسي باشا

- ‌البيان الختامي والتوصياتالصادرة عنالندوة الفقهية الطبية الثانية عشرة

- ‌(حقول المسنين من منظور إسلامي)

الفصل: ‌استثمار موارد الأوقافإعدادالدكتور إدريس خليفة

‌استثمار موارد الأوقاف

إعداد

الدكتور إدريس خليفة

رئيس المجلس العلمي بتطوان

قيدوم كلية أصول الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

حقيقة الاستثمار:

الاستثمار في اللغة طلب إثمار المال، إذ أن السين والتاء للطلب، وكلمة الاستثمار بالعربية مرتبطة بالثمر والإثمار، وقد جاء في لسان العرب أنه يقال لأنواع المال والولد ثمرة، وأثمر الشجر خرج ثمره، وقال أبو حنيفة: أرض ثميرة كثيرة الثمر، والثُّمُر بضمتين الذهب والفضة، وفسر بذلك قوله تعالى:{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [الكهف: 34]، وثمر ماله: نماه، يقال: ثمر الله مالك أي كثره، وأثمر الرجل كثر ماله، والكلمة تستعمل في المجال الاقتصادي مرادفة للكلمتين: الفرنسية (Investisoment) ، وكلمة (Investment) الإنجليزية، وهذه الكلمة الأوروبية بلفظيها تعني استغلال المال بقصد الحصول على دخل، مثل إنشاء مصنع أو شرائه أو شراء أسهم وسندات وغيرها من أسباب نماء الثروة.

ويقتصر المفهوم الاقتصادي للمادة على إنتاج السلع الرأسمالية والمضافة إلى رأس المال، لذلك لا يدخل فيه شراء منزل أو مصنع قائم، لأن ذلك لا يعتبر إضافة جديدةالى المال العام، والاستثمار بهذا المعنى ذو أهمية كبيرة لكونه يضيف إلى المال العام، رفع طاقة الإنتاج وتنشيط القوة الشرائية، وتبادل الأموال.

وقد عرَّف معجم لاروس كلمة استثمار (Investisoment) بما يأتي:

1-

استعمال رؤوس الأموال بهدف نمو إنتاجية مقاولة أوتحسين فوائدها.

2-

مكان المؤسسة: نادي الاستثمار.

3-

عملية استثمار في النشاط.

فالاستثمار إذن هو أداة أو عمل تفعيل النشاط الاقتصادي بقصد زيادة الأموال ورفع مستوى الدخل وتحسين فوائد المردودية وتحقيق النمو، وسنستعمله في هذا البحث للدلالة على مختلف أنواع النشاط الاقتصادي الهادف إلى زيادة المداخيل وتوفيرها للوفاء بأغراض الواقفين ونمو مؤسسة الوقف نمواً يؤدي إلى تعميم الخير والوفاء بمتطلبات التضامن الاجتماعي.

ص: 56

ومفهوم الاستثمار غير مفهوم التنمية (Developpement) ولكنه مرتبط بها، لأن كل استثمار يعني الإنفاق لإنتاج السلع أو تحسين المردودية، إنما هو عمل أو نشاط يدخل في إطار المفهوم الشامل للتنمية، وهذا المفهوم يتنوع حسب التصورات والفلسفات التي تحكم المذاهب الاقتصادية من رأسمالية أو شيوعية، وهو لذلك مفهوم أعم من مفهوم الاستثمار الذي يدخل ضمن القبول بشروط التنمية حسب مذهب دولة المستثمر، مثال ذلك نموذج التنمية الإنجليزي الذي ينبني على أسس المشروع الفردي الحر، وإقرار المنافسة بين الأفراد واعتماد آليات السوق أو جهاز الثمن، ونموذج التنمية الشيوعي في الاتحاد السوفياتي الذي اعتمد على المركزية المتطرفة والتخطيط المركزي الشامل للإنتاج وتوزيع الناتج القومي على قاعدة (من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله) وقاعدة ملكية الدولة لكل أدوات الإنتاج واستثناء المشروع الفردي الحر من القبول، ويتضح منه أن مشروع الاستثمار الفردي في المفهوم الغربي يجد دعماً من الدولة التي تؤمن بمفهوم حرية الإنتاج، في حين لا يجد هذا المشروع عند الدولة التي يسود عندها مفهوم الجماعية الشيوعية قبولاً ولا دعماً، كما يتضمن شمول مفهوم التنمية لعملية الاستثمار وخضوع هذه الأخيرة لشروطها العامة.

ومفهوم التنمية في الإسلام ينبني على الوسطية ومراعاة أحكام الشريعة والتقيد بضوابط الأخلاق والتضامن الاجتماعي كما يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] .

ضرورة الاستثمار:

استثمار الموارد أمر تتطلبه ضرورات الحياة، فالكائن البشري لا يستطيع البقاء إلا بضمان عيشه، وذلك يكون ببذل الجهد لاستخراج خيرات الأرض والاستفادة من الأموال بالتنمية بوسائل الصناعة والمبادلة والتحويل والنقل والجلب وغير ذلك من الأسباب، ولعمل الإنسان في هذا أثر بالغ، فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، والأموال لا تكتسب بالنوم والراحة والكسل، وارتقاء حياة الأمم لا ينال بالتراخي والعبث والإهمال، والحياة بين الشعوب صراع من أجل البقاء، والأقوى هو الذي يصمد في هذه المعركة بما يبذله من أجل رفع مستواه وتحسن ظروف عيشه وملاءمة أوضاعه لمتطلبات عصره.

ص: 57

وللتنمية الاجتماعية والاقتصادية دور كبير في هذا المجال، إذ لا رقي بدون استثمار الموارد، ولا فائدة في هذا الاستثمار إلا إذا كان لصالح الإنسان الذي هو الهدف الأهم من عملية الاستثمار في المجال الاقتصادي.

ولقد بينت النصوص الشرعية أن الإنسان مستخلف في الأرض ومستعمر فيها، وأنه مطوق بأمانة التكليف، وأن السماوات والأرض سُخرت له، وأنه مطالب بالعمل ومسؤول عن عمله في نطاق ما سن الشرع من ضوابط وحدود وأحكام، وأن الله أحل الطيبات وحرم الخبائث، وأنه تعالى يأمر بالإنفاق ويأمر بالزكاة والصدقات ويحرم كنز المال والربا وأكل أموال الناس بالباطل، ويأمر بكتابة الدين، ويأمر بإنظار المدين المعسر، ويحرم مطل المدين الغني الموسر، ويأمر بالصدق والوفاء بالعهود والعقود، ويحرم الكذب والخداع والخلابة وكتمان العيوب عند الحاجة إلى البيان.

وعملية الاستثمار في الإسلام وثيقة الصلة بهذه الأحكام والتوجيهات الربانية العظيمة التي قامت الحضارة الإسلامية على أسسها، وجعلت من الأمة الإسلامية أمة التكافل والتضامن والمحبة والتعاون، وضمنت أفضل الشروط لنجاح تنمية إسلامية اجتماعية سليمة، تمتاز عن طبائع التنمية التي سادت عصور الجاهلية، وتتفوق بعمق مضامينها وأحكامها على ما جاءت به المذاهب المعاصرة من تصورات يجنح بعضها إلى حرمان الأفراد من وسائل العيش، وجعل ذلك حكراً للدولة الجماعية المستبدة، ويجنح البعض الآخر إلى المبالغة في الأنانية الرأسمالية الفردية وإهدار حقوق المجتمع والسعي نحو الهيمنة الاقتصادية والعسكرية الدولية من أجل السيطرة على الأموال والأسواق والأقطار.

وهذه المذاهب البشرية لا تميز بين طيب وخبيث، وحلال وحرام، ولا تنطلق من منطلق الإيمان والإسلام والإحسان، ولا من أساس وحدة البشرية ووحدة الكون والمصير، ولا من أجل مسؤولية الإنسان أمام الخالق الكريم العظيم، ولا من قواعد مراعاة أحكام الأخلاق ومقتضيات الضمير، لكنها مع ذلك استفادت من تقنيات التقدم، واكتسبت مهارات التفوق العسكري والاقتصادي، والأمة الإسلامية ملزمة بحكم تحملها للدعوة ومسؤولياتها عن الحياة أن تواصل السعي في درب النماء والاستثمار على هدي من أحكام الإسلام، ووفق قوانين النمو والاستثمار الطبيعية والشرعية والعملية.

والاستثمار في مجال الوقف هو من المجالات التي تظهر مدى حرص الإسلام على فعل الخير وتثمير الأموال وتوزيع تلك الثمار على المستحقين مع الحرص على بقاء الأصل المثمر مادة للعطاء والإمداد المستمر والنفع المستقر.

والشريعة تراعي في هذا تطلعات الإنسان، سواء كان متبرعاً واقفاً، أو متبرعاً عليه موقوفاً على مصالحه، كما تراعي الحاجة إلى نمو المال ووفائه بأغراض الوقف والوظيفة الاجتماعية للمال، فالمال أداة لتحقيق النمو ووسيلة النهوض، لكنه ليس منعزلاً عن حاجات ومصالح المتمولين، ولا منغلقاً على مطالب التطور والتجدد في الأغراض والوسائل، وهذا هو الغرض من بحث الموضوع.

ص: 58

حقيقة الوقف وحكمه:

الوقف والتحبيس والتسبيل لغة بمعنى واحد، يقال: وقفت كذا بمعنى حبسته، ويقال: أوقفته في لغة تميمية وهي رديئة، وهي الجارية على الألسن، وقد عرف بعدة تعاريف، منها قول مؤلف (مغني المحتاج) :(حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود)(1) .

وعرفه صاحب (الفتح المعين) بقوله: هو لغة: الحبس، وشرعاً: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح وجهة، وعرفه في (المنتهى) بقوله:(تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرفه وغيره في رقبته، يصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى)(2)، وعرفه في اللباب بقوله:"حبس عين لمن يستوفي منافعها على التأييد"(3) ، وحكمه الجواز خلافاً لأبي حنيفة الذي قال بالمنع، ورجع عن ذلك صاحبه أبو يوسف.

عندما ناظره الإمام مالك مستدلاً بأحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وأنكر المتأخرون من الحنفية منع إمامهم، ذاهبين إلى أنه جائز غير لازم (4) ، وهو من التبرعات، ولم يكن معروفاً في الجاهلية، واستنبطه الرسول صلى الله عليه وسلم لمصالح لا توجد في الصدقات، لأن الإنسان قد ينفق كثيراً من المال على جهة البر والإحسان فيفنى، ويحتاج الفقراء، ويبقى آخرون منهم من أجيال بعدهم محرومين، فلم يكن أنفع ولا أحسن ولا أوفق لعامتهم من حبس العين والتصرف بالمنفعة، وهو معنى الوقف.

وجمهور العلماء على مشروعية الوقف ولزومه، قال القرطبي: رادُّ الوقف مخالف للإجماع، فلا يلتفت إليه، واستدل العلماء على هذه المشروعية واللزوم بأدلة من السنة، منها الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) .

(1) مغنى المحتاج: 2/376.

(2)

شرح منتهى الإرادات، ص 489.

(3)

مواهب الجليل: 6/18.

(4)

المبسوط: 12/27.

ص: 59

وحديث الصحيحين عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنهما أصاب أرضاً بخيبر، فقال: يا رسول الله أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا أنفس عندي منه فما تأمرني؟ فقال: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضعيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول)) .

وأخرج النسائي والترمذي وحسنه تعليقاً من حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال:((من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالي)) . وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أما خالد فقد حبس أدراعه وأعتده في سبيل الله)) .

وأركانه عند المالكية كما ذكره ابن جزي في (القوانين الفقهية)(1) أربعة: المحبِّس والمحبَّس والمحبَّس عليه والصيغة، قال:(فأما المحبِّس فكالواهب، وأما المحبَّس فيجوز تحبيس العقار كالأراضي والديار والحوانيت والجنات والمساجد والآبار والقناطر والمقابر والطرق وغير ذلك، ولا يجوز تحبيس الطعام، لأن منفعته في استهلاكه، وفي تحبيس العروض والرقيق والدواب روايتان، على أن تحبيس الخيل للجهاد أمر معروف، وأما المحبَّس عليه فيصح أن يكون إنساناً أو غيره كالمساجد والمدارس ويصح على الموجود والمعدوم، والمعين والمجهول، والمسلم والذمي، والقريب والبعيد)(2) .

والحوز شرط في صحته، وصيغته هي ألفاظ الحبس والوقف والصدقة بقرينة تفيد الوقف كما قال خليل في (المختصر) :"بحبست ووقفت أو تصدقت إن قارنه قيد أو جهة لا تنقطع أو لمجهول وإن حصر". (3)

(1) القوانين الفقهية، ص 318.

(2)

الفواكه الدواني: 2/176.

(3)

مواهب الجليل: 6/27.

ص: 60

واشترط الحنفية لجواز الوقف شروطاً (1) بعضها يرجع إلى الواقف وبعضها يرجع إلى نفس الوقف وبعضها يرجع إلى الموقوف، أما الذي يرجع إلى الواقف فأنواع، منها العقل والبلوغ والحرية، وأن يخرجه الواقف من يده، وأن يجعل آخره بجهة لا تنقطع عند أبي حنيفة، وليس هذا بشرط عند محمد وأما الذي يرجع إلى نفس الوقف فهو التأبيد، وأما الذي يرجع إلى نفس الموقوف فأنواع منها: أن يكون مما لا ينقل ولا يحول كالعقار ونحوه، فلا يجوز وقف المنقول إلا إذا كان تابعاً للعقار كضيعة ببقرها، لكن إذا كان شيئاً جرت العادة بوقفه فيجوز خلافاً للقياس، وعملاً بالاستحسان مثل وقف القدوم لحفر القبور والمرجل لتسخين الماء، ومنها: أن يكون الموقوف مقسوماً عند محمد، وقال أبو يوسف ليس هذا بشرط.

والحنابلة يشترطون لصحة الوقف ما يأتي: "شرط الواقف صحة عبارته، وأهلية التبرع، والموقوف دوام الانتفاع به، لا مطعوم وريحان، ويصح وقف عقار ومنقول ومشاع".

وإذا كان الحوز شرط صحة في التحبيس عند المالكية، فالحنفية الذين يقولون بجوازه لا بلزومه ويشترطون لصحته حكم الحاكم، أو إضافته إلى ما بعد الموت، وشرط محمد التسليم عكس أبي يوسف الذي يقول بلزومه عند التلفظ به.

وجمهور الفقهاء على منع التحبيس على جهة معصية كالكنائس.

ويفهم مما تقدم أن الوقف عبارة عن حبس العين والتصدق بالمنفعة على من تصح الصدقة عليه (إنسان أو جهة) بصفة مستمرة، وهو من أعمال البر والإحسان التي رغبت الشريعة فيها وجرى عليها العمل منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من أنفع القربات وأجلها لدوام النفع وشمول المصلحة وبقاء الأثر، وهو يعم العقار والمنقول، ولا يهم الخلاف في صحة وقف المنقول ما دام المانعون بالقياس أخذوا بقاعدتي الاستحسان والعرف في الجواز، ولا يلتفت إلى مذهب ابن حزم الظاهري الذي شذ في إبطال القياس في الوقف زاعماً أنه إنما يصح الوقف في الأصول من الدور والأراضي بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها والإرجاء وفي المصاحف والدفاتر والعبيد والسلاح والخيل في سبيل الله عز وجل في الجهاد فقط لا في غير ذلك "ولا يجوز في شيء غير ما ذكرناه أصلاً"(2) ، فقد حجر هذا الإمام واسعاً، واستعمل ما روى من السنة أصلاً غير قابل للقياس، رغم قصد الشارع إلى تعميم البر والنفع بالصدقات وشمول البر والإحسان ما يصح بكل وسيلة نافعة وقربة صالحة.

فلا مانع من تحبيس السفن والطائرات والأقمار الصناعية والغواصات، ولا مانع من تحبيس أنواع المنقول كالدراهم والدنانير وغير ذلك كما سيأتي.

(1) بدائع الصنائع 6/219-221

(2)

المحلى: 9/175.

ص: 61

مسائل الاستثمار:

خلط إيرادات أموال الوقف:

أموال الوقف مخصصة لفعل الخير، والوقف إما خاص جعل قصد نفع خاص لشخص أو جهة قائمة، وإما عام جُعل لنفع العالم من غير اختصاص بأحد، وإن كان المال أصلاً رصد لهدف معين كما هو الشأن في الوقف على المساجد، ومن هنا حق التساؤل عن حكم خلط أموال الوقف العام لفائدة الأوقاف جميعها، بحيث يغطي الوفر في ناحية ما قد يقع من خصاص في ناحية ثانية.

فأما الوقف الخاص فهو على ما شرط الواقف، ولذلك يصرف وفره في مصالحه وقد يعود إلى الورثة حسب الشرط.

وأما الوقف العام فإن الفقه يجيز انتفاع الأوقاف بعضها من بعض لأنه كله لله.

بذلك أفتى فقهاء مذهب مالك في المغرب والأندلس حسبما في نوازل (المعيار) وغيره، وقد نقل العلمي في نوازله (1) فتاوى بهذا الشأن للبرزلي وعبد الغفور وابن مزين وابن الماجشون في (العتبية) إذ قال: الأحباس كلها إذا كانت لله بعضها من بعض، وذلك مقتضى فتوى أبي محمد العبدوسي، ونقل عن أبي مهدي عيسى الماواسي قوله في جواب له:"قال أصبغ وابن الماجشون: إن ما يقصد به وجه الله أن ينتفع ببعضه في بعض، وروى أصبغ عن ابن القاسم مثل ذلك في مقبرة قد عفت، فبنى قوم عليها مسجداً لم أر به بأساً، قال: وكذلك ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض، وقد رأى بعض المتأخرين أن هذا القول أرجح في النظر لأن استنفاد الزائد في سبيل الخير أنفع للمحبس وأنمى لأجره"(2) ومثل هذا فتوى لأبي محمد العبدوسي من المعيار، وقد قال في الجواب عن جمع أحباس فاس: "يجوز جمعها وجعلها نقطة واحدة وشيئاً واحداً لا تعدد فيه وأن تجمع مستفادات ذلك كله، ويقام منه ضروري كل مسجد من تلك المستفادات المجتمعة

" (3) .

وقد ذهب الفقه الحنبلي إلى جواز انتفاع الوقف بعضه من بعض، قال في منتهى الإرادات وشرحه: "يصح بيع بعضه أي الموقوف الخراب لإصلاح باقيه، لأنه حيث جاز بيع الكل فالبعض أولى إن اتحد الواقف والجهة، فإن اختلفا أو أحدهما لم يجز إن كان الوقف عينين كدارين خربتا فتباع إحداهما لتعمير الأخرى

"قالا: "وأفتى الشيخ عبادة من أيمة أصحابنا بجواز عمارة وقف من ريع وقف آخر على جهته، قال المنقح: وعليه العمل، وفي الإنصاف: وهو قوي بل عمل الناس عليه، لكن قال شيخنا يعني أبي قندس في حواشي الفروع: إن كلامه في الفروع أظهر، وقال الحارثي: وما عدا المسجد من الأوقاف يباع بعضه لإصلاح ما بقي" (4) وقد صرح ابن قدامة بالجواز (5) .

والقول بجواز انتفاع الأوقاف بعضها من بعض فيه منفعة للأوقاف جميعها، إذ تجد من وفر مالها ما يضمن صيانتها وإصلاحها وبناء ما تهدم منها، وهذا مشاهد في أوقاف المغرب الذي أخذ فقهاؤه بقاعدة انتفاع الأحباس بعضها من بعض منذ عصور.

(1) نوازل العلمي: 2/313 – 314.

(2)

نوازل العلمي: 2/344 – 345.

(3)

المصدر السابق: 2/351.

(4)

شرح منتهى الإرادات، ص 515.

(5)

المغني: 6/250 – 253، مسألة 4410 – 4413.

ص: 62

مبدأ التوقيت:

يعني مبدأ التوقيت جعل الوقف مؤقتاً بمدة تطول أو تقصر، كأسبوع أو شهر أو سنة، أو أعوام، أو حياة الواقف، يخصص ريع الوقف فيها لما جعل له، وعند انتهاء المدة يعود الريع إلى ملك الواقف أو ورثته، وخلاف التوقيت: التأبيد الذي يعني خروج الموقوف عن ملك الواقف خروجاً مؤبداً.

والتوقيت قد يصلح غرضاً شرعياً للمحبسين، فقد لا تسخو أنفسهم بخروج ملكية الموقوف عنه على وجه التأبيد، وقد يحسب لطوارئ الزمن حسابها، فيفكر في تسبيل الثمرة مدة مؤقتة، يعود بعدها الملك كاملاً إليه، وقد يكون غرضه انتفاع شخص ما دام هذا حياً، فإذا مات رجع الوقف إليه، والتوقيت يصلح حافزاً على الإقبال على الوقف وتوسيع مداخيله وتعزيز عمل مؤسسته، لذلك يحسن الاجتهاد في هذا الباب بعد النظر في مذاهب الفقه لاختيار الأوفق والأنسب وعدم اعتماد التعريفات الجاهزة التي تساق للتقريب والتي لا تتفق مع مذاهب الفقهاء أنفسهم.

مثال هذا مذهب الإمام مالك الذي عرف بعض فقهائه الوقف أو الحبس بأنه: "حبس عين لمن يستوفي منافعها على التأبيد"(1) ، والمذهب يقر الحبس المؤبد والحبس المؤقت، وضابط ذلك ألفاظ الواقف والعرف، فلفظ وقفت مطلقاً يفيد التأبيد، قال ابن عبد السلام: هي أصرح الألفاظ بغير ضميمة، وعزاه في (التوضيح) لعبد الوهاب وغيره من العراقيين وهو قول صاحب المقدمات وأبي زرقون، وعبر عنه خليل إذ قال:"بحبست ووقفت أو تصدقت إن قارنه قيد أو جهة لا تنقطع أو لمجهول وإن حصر" وهو قو لابن الحاجب.

لكن ابن الحاجب وغيره من فقهاء المذهب يشترطون القرينة المفيدة للتأبيد، وذلك لرجوع الشرط في قول خليل للألفاظ الثلاثة: حبست وقفت وتصدقت، قال الحطاب: "قال ابن الحاجب: وحبست وتصدقت إن اقترن به ما يدل على التأبيد من قيد أو جهة لا تنقطع تأبد، وإلا فروايتان، قال ابن عبد السلام يعني أن لفظتي: حبست وتصدقت لا يدلان على التأبيد بمجردهما، بل لابد مع ذلك من ضميمة قيد في الكلام، كقوله: حبس لا يباع ولا يوهب وشبه ذلك من الألفاظ، أو الجمع بين اللفظتين معاً كماوقع في بعض الروايات: إذا قال: حبساً صدقة، أو ذكر لفظ التأبيد أو ضميمة جهة في الحبس لا تنقطع، ومراده عدم انحصار من يصرف إليه الحبس بأشخاص معينين كقوله: حبس على المساكين أو على المجاهدين أو طلبة العلم، فإن انعدمت هذه القيود والجهات وشبهها ففي التأبيد حينئذٍ روايتان، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يختلف في التأبيد إذا وجدت هذه القيود أو الجهات وذلك قريب مما قال في (المدونة) : إذا قال: حبس صدقة أو حبس لا يباع ولا يوهب، أن قول مالك لم يختلف في هذا أنه صدقة محرمة ترجع بمراجع الأحباس ولا ترجع إلى المحبس ملكاً، ومع ذلك فابن عبد الحكم حكى عن مالك أنها ترجع إليه ملكاً بعد موت المحبس عليه، وإن قال: حبس صدقة، وكذا قال ابن وهب أنها ترجع ملكاً إذا حبس على معينين، ولو قال لا يباع ولا يوهب، نعم، يعز وجود الخلاف بل ينتفي إذا اقترن به شيء من الجهات غير المحصورة، والمرجع في ذلك كله إلى مدلول العرف. انتهى.

(1) مواهب الجليل: 6/18.

ص: 63

والذي يتحصل من كلامه في التوضيح أن الراجح من المذاهب أن: وقفت وحبست يفيدان التأبيد سواء أطلقا أو قيدا بجهة لا تنحصر أو على معينين أو غير ذلك إلا في الصورة الآتية، وهي ما إذا قال: وقف أو حبس على فلان المعين حياتي أو على جماعة معينين حياتهم، وقيد ذلك بقوله: حياتهم، فإنه يرجع بعد ذلك ملكاً للواقف إن كان حياً أو لورثته إن كان ميتاً، وكذلك إذا ضرب لذلك أجلاً فقال: حبسي عشر سنين أو خمساً أو نحو ذلك كما نص عليه اللخمي والميتطي، قالا: ولا خلاف في هذين الوجهين، أي إذا ضرب للوقف أجلاً أو قيده بحياة شخص" (1) .

فالمذهب المالكي يقول بتوقيت الوقف إذا دلت قرينة لفظية أو عرفية على أنه مراد الواقف، وكذلك إذا صرح بتوقيت وقفه بمدة كخمس سنوات أو عشر، وليس الوقف على التأبيد دائماً كما يشعر به تعريفه المذكور، قال في (الفواكه الدواني) (2/176) :"لا يشترط في الوقف عندنا التأبيد، وإن كان قول المصنف (يعني ابن أبي زيد القيرواني في رسالته) : "فهي على ما جعلها عليه"يوهم اشتراط التأبيد، وليس كذلك خلافاً لابن عرفة للوقف حيث قال: "إعطاء منفعة شيء مدة وجوده"، فإنه خلاف المعتمد أو أنه بنى التعريف على الغالب فلا ينافي أنه يصح الوقف مدة من الزمان ويصير الذي كان موقوفاً ملكاً كما نص عليه خليل وغيره".

ومذهب الشافعية عدم جواز الوقف المؤقت إلا ما كان معقباً بمصرف، قال في (المنهاج) :"ولو قال وقفت هذا سنة فباطل"قال شارحه: "يشترط في الوقف أربعة شروط: الأول التأبيد كالوقف على من لم ينقرض قبل قيام الساعة كالفقراء، أو على من ينقرض ثم على من لا ينقرض كزيد ثم الفقراء، فلا يصح تأقيت الوقف كما تضمنه قوله: "ولو قال وقفت هذا"على كذا "سنة"مثلاً "فباطل"هذا الوقف لفساد الصيغة، فإن أعقبه بمصرف كوقفته على زيد سنة ثم على الفقراء صح، وروعي فيه شرط الواقف كما نقله البلقيني عن الخوارزمي (2) وهو مذهبهم في عدم إمكان الخيار فيه بإبقاء الوقف والرجوع عنه قال في (المغني) "ولو وقف بشرط الخيار لنفسه في إبقاء وقفه والرجوع فيه متى شاء أو شرطه لغيره أو شرط عوده إليه بوجه ما، كأن شرط أن يبيعه أو شرط أن يدخل من شاء ويخرج من شاء بطل على الصحيح "قال:"ومقابل الصحيح يصح الوقف ويلغو الشرط كما لو طلق على أن لا رجعة له"(3)

(1) مواهب الجليل: 6/27 – 28.

(2)

مغنى المحتاج: 2/383.

(3)

المصدر السابق: 2/385.

ص: 64

ومذهب الحنابلة عدم جواز التوقيت وعدم الخيار والتعليق إلا إن كان بموته فيجوز لأن من شرطه عندهم أن يكون منجزاً، قال في (منتهى الإرادات) :"الرابع: أن يقف ناجزاً فلا يصح تعليقه إلا بموته ويلزم من حينه، ويكون من ثلثه، وشرط بيعه أو هبته متى شاء وخيار فيه أو توقيته أو تحويله مبطل"(1) وقال في (المغنى) : "وإن شرط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه لم يصح الشرط ولا الوقف لا نعلم فيه خلافاً لأنه ينافي مقتضى الوقف، ويحتمل أن يفسد الشرط ويصح الوقف بناء على الشروط الفاسدة في البيع، وإن شرط الخيار في الوقف فسد، ونص عليه أحمد وبه قال الشافعي.

وقال أبو يوسف في رواية عنه: يصح لأن الوقف تمليك المنافع فجاز شرط الخيار فيه كالإجارة، ولنا أنه شرط ينافي مقتضى العقد، فلم يصح كما لو شرط أنه له بيعه متى شاء، ولأنه إزالة ملك لله تعالى فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالعتق، ولأنه ليس بعقد معاوضة فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالهبة، ويفارق الإجارة لأنها عقد معاوضة وهي نوع من البيع، ولأن الخيار إذا دخل في العقد منع ثبوت حكمه قبل انقضاء الخيار أو التصرف، وهاهنا لو ثبت الخيار لثبت مع ثبوت حكم الوقف ولم يمنع التصرف فافترقا"قال: "وإن شرط في الوقف أن يخرج من شاء من أهل الوقف ويدخل من شاء من غيرهم لم يصح لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف فأفسده

" (2) وهو مذهب الإمام الشوكاني (3) .

ومذهب الحنفية عدم جواز التوقيت في الوقف لأنه إنما يكون على التأبيد، وهو عندهم جائز، ولا خلاف عندهم في وجوب التصدق بالفرع مادام الواقف حياً، ويكون بمثابة النذر، ولا خلاف عندهم كذلك في جواز ملك الرقبة إذا اتصل بذلك قضاء القاضي أو إضافة إلى ما بعد الموت (4)، وعليه لا يلزم الوقف بغير الشرطين: حكم القاضي أو تعليقه بالموت، فيخرج من ثلث التركة، والتأبيد مذهب محمد، خلاف أبي يوسف الذي لم يشترطه (5) ، على مذهبه في التوسع في الوقف (6) .

(1) شرح منتهى الإرادات: 2/496 – 497.

(2)

المغنى لابن قدامة: 6/217 - 218.

(3)

السيل الجرار: 322- 323.

(4)

كتاب بدائع الصنائع: 6/218 – 219؛ ورد المحتار: 3/365 – 366.

(5)

المبسوط: 12/47.

(6)

المرجع السابق: 12/42.

ص: 65

وقف النقود:

النقود وسيلة التبادل الاقتصادي، وقد استعملها الإنسان عوض مقايضة السلع التي كانت تعوق تبادل المنتجات على نطاق واسع، وكانت المبادلة المباشرة للمنتجات تواجه صعوبة تقدير الأثمان، ولذلك كان اختراع النقد علاجاً لهذه المشاكل، وأصبحت النقود تمثل معيار القيمة والأداة العامة للتبادل، واقتصاد الأسواق ينمو دائماً بمقدار تبادل الأموال، وعند احتكار السلع وكنز المال تركد التجارة ويضعف الانتفاع بالمنتجات، ولذلك حض الإسلام على الإنفاق وحرم كنز النقدين الذهب والفضة ومثلهما النقود الورقية التي هي أداة التبادل في عصرنا، والإسلام حض على مختلف ضروب الإحسان ومنها السلف أو القرض بدون فائدة.

وقد تناول الفقه الإسلامي قضية وقف المال في ضوء حقيقة الوقف الذي يفترض بقاء الرقبة والاستفادة من الريع أو الثمرة، ووقف النقود ليس فيه بقاء الرقبة، وإنما يبقى عوضها أو بدلها وهي إشكالية حملت بعض الفقهاء على إنكار أصل هذا التحبيس وقول البعض بكراهته، وسنرى ما يكون عليه الموقف عند الوقوع والنزول حسبما يأتي:

والمسألة يدرجها الفقهاء في تحبيس المثليات مثل تحبيس الطعام، وقد صرح بعض فقهاء المالكية بالكراهة، وذلك لا يقتضي المنع، لهذا جرى العمل بوقف الدراهم والدنانير في بعض البلاد الإسلامية المالكية كفاس، يقول الحطاب عند قول خليل:(وفي وقف كطعام تردد) : "أتى بالكاف لتدخل المثليات، ويشير بالتردد لما ذكره في الجواهر من منع وقف الطعام إن حمل كلامه على ظاهره، وما ذكره في البيان أن وقف الدنانير والدراهم وما يعرف بعينه إذا غيب عليه مكروه.

(تنبيه) : قال في الشرح الكبير في هذا التردد نظر لأنه إن فرضت المسألة فيما إذا قصد بوقف الطعام ونحوه بقاء عينه، فليس إلا المنع لأنه تحجير من غير منفعة تعود على أحد.

ص: 66

وذلك مما يؤدي إلى إفساد الطعام المؤدي إلى إضاعة المال، وإن كان على معنى أنه أوقف للسلف إن احتاج إليه محتاج ثم يرد عوضه، فقد علمت أن مذهب المدونة وغيرها الجواز، والقول بالكراهية ضعيف". قال:"وقال في الشامل جواز وقف الدنانير والدراهم، وحمل عليه الطعام، وقيل يكره"(1) .

ونص كلام ابن رشد: "الدنانير والدراهم وما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه، فالتحبيس مكروه، فإن وقع كان لآخر العقب ملكاً إن كان معقباً، وإن لم يكن معقباً، وكان لمعينين رجع إليه بعد انقراض المحبس عليهم"(2)، وقال:"الدنانير والدراهم ترجع بانقراض المحبس عليه إلى المحبس ملكاً، لأن الدنانير والدراهم يضمنها المحبس عليه ويكره تحبيسها، فلا ترجع بمرجع الأحباس "(3) ، فكلام ابن رشد يفيد كراهة ما يغاب عليه ولا يعرف بعينه للغرر في الذهب والفضة، لكن مذهب المدونة وهو مذهب أكثر فقهاء المالكية الجواز، وقد صرح بذلك ابن عاصم إذ قال:

الحبس في الأصول جائز وفي منوع العين بقصد السلف

قال شارحه ميارة: يريد جواز تحبيس منوع العين، وهو "من إضافة الصفة للموصوف، يريد العين المنوع إلى ذهب وفضة لقصد السلف بحيث توضع تحت يد أمين بإشهاد على أن يسلفها لمن احتاج إليها ممن هو مليء الذمة، إما برهن أو حميل، وهو الأولى، أو بلا شيء حسبما يرى ذلك من جعلت تحت يده، وقد ذكر لنا أنه كان بقيسارية فاس دراهم نحو ألف أوقية محبسة بقصد السلف، فكان من يتسلفها يرد بعضها نحاساً ويمتنع من تبديله، فما زال الأمر كذلك حتى اندرست"(4) .

(1) مواهب الجليل: 6/21-22.

(2)

البيان والتحصيل: 12/189.

(3)

المصدر السابق: 12/188.

(4)

شرح ميارة على التحفة: 2/145.

ص: 67

ومذهب الإمام أحمد عدم جواز وقف ما لا ينتفع به إلا بإتلافه مثل الذهب والورق والمأكول والمشروب، والمراد بالذهب والفضة هنا الدراهم والدنانير وما ليس بحلي لأن ذلك هو الذي يتلف بالانتفاع به، أما الحلي فيصح وقفه (1) واختار ابن تيمية صحة وقفها (2) .

ومذهب الشافعية عدم جواز وقف ما لا يحصل الانتفاع به إلا بإتلافه كالذهب والفضة والمأكول (3) .

ولا خلاف في المذهب الحنفي في جواز وقف الدنانير والدراهم (4) قال ابن عابدين في حاشيته: "قلت إن الدراهم لا تتعين بالتعيين، فهي وإن كانت لا ينتفع بها مع بقاء عينها، لكن بدلها قائم مقامها لعدم تعينها فكأنها باقية، ولاشك في كونها من المنقول، فحيث جرى تعامل دخلت فيما أجازه محمد، ولهذا لما مثل محمد بأشياء جرى فيها التعامل في زمانه، قال في الفتح إن بعض المشايخ زادوا أشياء من المنقول على ما ذكره محمد لما رأوا جريان التعامل فيها، وذكر منها مسألة البقرة الآتية ومسألة الدراهم والكيل حيث قال: ففي الخلاصة وقف بقرة على ما يخرج من لبنها وسمنها يعطى لأبناء السبيل قال: إن كان ذلك في موضع غلب ذلك في أوقافهم رجوت أن يكون جائزاً، وعن الأنصاري –وكان من أصحاب زفر - فيمن وقف الدراهم أو ما يكال أو يوزن قال نعم، قيل: وكيف؟، قال: يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه، وما يكال أو يوزن يباع ويدفع ثمنه لمضاربة أو بضاعة، قال: فعلى هذا القياس إذا وقف كراً من الحنطة على شرط أن يقرض للفقراء الذين لا بذر لهم ليزرعوه لأنفسهم ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر القرض، ثم يقرض لغيرهم من الفقراء أبداً على هذا السبيل يجب أن يكون جائزاً، قال: ومثل هذا كثير في الري وناحية دوماوند".

فالفقه الحنفي يجيز وقف النقدين، ويحكى جريان العمل به، ويجيز وقف المنقول على حسب ما يجري العمل به، وهو يتفق مع الفقه المالكي في هذا الجانب.

ووقف النقود للسلف ينبغي أن يقرر، وذلك لشدة الحاجة إلى المال بدل الذهب والفضة من النقود الورقية في الاستثمار، ومنع هذه المعاملة وإهمالها يوقع الناس في حرج، خاصة مع وجود المصارف الربوية التي تقرض بفائدة، وإذا كانت النقود لا تتعين فإن بدلها يعينها، فيصير البدل مثل العين، وقد انتفى الغبن لمثلية الورق النقدي، لذلك ينبغي إقرار هذا النوع من الوقف على سبيل السلف، لما فيه من المصلحة وانتفاء الحرج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ولما في ذلك من إحسان مطلوب في الوقف، لكن يلزم مع هذا ضمان هذا الوقف بمختلف الوسائل العصرية بتأسيس صندوق أو مصرف لهذا النوع من المعاملة يعهد إليه طبقاً لقوانين مضبوطة باستثمار هذا المورد وإقراض المستثمرين والمحتاجين في إطار من الضمانات الشرعية الكفيلة بالمحافظة على رأس المال وتنميته حسب خطط مدروسة.

(1) المغني: 6/262، المسألة رقم 4424؛ وشرح منتهى الإرادات، ص492.

(2)

الاختيارات الفقهية، ص171.

(3)

جواهر العقود: 1/218.

(4)

رد المحتار: 3/374.

ص: 68

حق الرجوع:

الوقف لا يصير وقفاً بمجرد التعبير عن النية في ذلك، بل يفتقر حسب بعض المذاهب إلى إجراءات أو شروط لابد منها لثبوت التحبيس، فالمالكية يشترطون الحوز، ولذلك يبطل الحبس إذا مات المحبس أو مرض أو أفلس قبل الحوز، وكذلك إن سكن داراً حبسها قبل عام من التحبيس أو أخذ غلة الأرض لنفسه، لكن الأب المحبس يحوز عن أبنائه الصغار، ولابد من معاينة البينة للحوز (1) ولهذا يصح لمن حبس الرجوع عن التحبيس قبل إتمام هذا الإجراء.

والحنفية يشترطون لإتمام الحبس شروطاً هي: أن يتصل به حكم حاكم أو الإضافة إلى ما بعد الموت، وبشرط التسليم عند محمد، وعند أبي يوسف تزول الرقبة عن الملك بمجرد القول، فعلى مذهب أبي حنيفة القائل بجواز الحبس لا يثبت الوقف إلا بالشروط المذكورة، وعليه يجوز الرجوع إذا لم تحصل (2) .

ولا يشترط الحنابلة الإخراج من اليد، وإنما يلزم بمجرد اللفظ كالعتق، على خلاف القياس، لأن القياس يقتضي التسليم إلى المعين الموقوف عليه (3) ولذلك لا يجيزون رجوع الواقف عن وقفه، قال في المغني: "وإن شرط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه لم يصح الشرط ولا الوقف، لا نعلم في ذلك خلافاً، لأنه ينافي مقتضى العقد

" (4) كما لا يصح أن يدخل من شاء من أهل الوقف ويخرج من شاء (5) .

(1) القوانين الفقهية، ص318.

(2)

كتاب بدائع الصنائع: 6/218.

(3)

شرح منتهى الإرادات، ص497.

(4)

المغني: 6/217، مسألة رقم:3477.

(5)

المصدر السابق: 6/218، مسألة رقم:4378.

ص: 69

ومذهب الشافعية لزوم الوقف باللفظ، ولا يحتاج إلى حكم حاكم ولا إلى إخراجه مخرج الوصية ولا إلى إخراجه من اليد كما يشترط ذلك الحنفية (1) .

وكذلك مذهب ابن حزم عدم اشتراط الحيازة (2) .

ويذهب الفقه الذي أفتى به فقهاء المغرب إلى جواز اشتراط الواقف حق بيع أولاده الوقف إذا افتقروا، كما جرت الفتوى بانتفاع الواقف وأبنائه من الوقف قبل غيرهم عند الحاجة والضرورة.

والخلاف في الموضوع يرجع إلى الدليل من الحديث، فالقائلون بعدم الرجوع وعدم الافتقار إلى الحوز يصححون شروط المذهب الحنفي ويستدلون بحديث:((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) .رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه، والصدقة الجارية هي الوقف، وإذا جاز الرجوع فيه لم يكن صدقة جارية، وحديث ابن عمر المتقدم في وقف عمر أن عمر رضي الله عنه أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يباع ولا يوهب ولا يورث)) لأنه بيان لماهية التحبيس.

واحتج الحنفية بما روى الطحاوي وابن عبد البر عن الزهري أن عمر قال: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها، وهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه، وأن الذي منع من الرجوع عنه كون عمر ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجيب عنه بأنه لا حجة في أقوال الصحابة وأفعالهم إلا إذا وقع منهم الإجماع، ولم يقع هذا هنا، وأيضاً فهذا الأثر منقطع لأن الزهري لم يدرك عمر، ومن حجج الحنفية المروية عن محمد وابن أبي ليلى أن الوقف لا ينفذ إلا بعض القبض، مثل الصدقة التي من شرطها القبض، وأجيب بأنه إلحاق مع وجود الفارق (3) ، والمالكية يقولون كذلك بأن الوقف كالصدقة مفتقر للقبض، لما رواه مالك والبيهقي من حديث عائشة أن أبا بكر نحلها، ولم تقبض إلى حين حضور موته فقال:(لو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال وارث وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله)، وقول عمر رضي الله عنه مما روى ابن شهاب في نحل الولد أن عمر رضي الله عنه قال:(من نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها حتى تكون إن مات لوارثه فهي باطلة)، ومثله قول أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس:(لا تجوز صدقة حتى تقبض)(4)، وبعضهم احتج بحديث:((أو تصدقت فأمضيت)) وهو قول ابن أبي زيد في الرسالة: (ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة) .

(1) جواهر العقود: 1/318.

(2)

المحلى: 9/182، مسألة 1653.

(3)

نيل الأوطار: 6/131.

(4)

انظر مسالك الدلالة، ص362.

ص: 70

الحبس المعقب (الأهلي أو الذري) :

الوقف على القرابة أو الأولاد من صور الوقف في الإسلام، والواقف في هذا الوجه يراعي حاجات أبنائه إلى مورد رزق متواصل بعد وفاته، فيقف عليهم ما يضمن ذلك المردود ويسعفهم بصدقة لا تنضب، وقد أقر الفقه الإسلامي هذا النوع من الوقف، واعتبره من أفضل القربات لقوله عليه الصلاة والسلام:((صدقتك على غير رحمك صدقة، وعلى رحمك صدقة وصلة)) (1)، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة:((أرى أن تجعلها في الأقربين، فجعلها في أقاربه وبني عمه)) .

ويذهب الفقهاء إلى أن الشخص إذا حبس على معينين أو لمدة وانقطع المعين بالموت أو انتهت المدة أنه يرجع ملكاً للمحبس، ويصير بعده حبساً إلى أقاربه، وكذلك الشأن إلى ذكر غير معينين وقال "حياتهم"فانقرضوا، فإنه تصير ملكاً له لدى حياته وإلى ورثته من بعده (2) وفي مذهب أحمد والشافعي وغيرهما أن الوقف إذا كان على جهة فانقطعت، فإنه يعود إلى أقرب أقارب الواقف الفقراء، وبعدهم المساكين، وإذا كان أقارب الواقف أولى بالوقف عليهم عند عدم النص على حكمهم، فإنهم يكونون أولى بالوقف عند النص عليهم.

وقد اعترض من اعترض على هذا الوقف بأمور منها:

1-

أنه حبس عن فرائض الله، حيث يمنع الواقف الورثة أو بعضهم من حق الميراث المفروض، أو ينقص قدره، ولذلك منع بعض الفقهاء هذا النوع من التصرف إذا ظهر فيه قصد الإضرار بالورثة، يقول مؤلف (الروضة الندية) في شرح قول مؤلف (الدرر البهية) (3) :"من وقف شيئاً مضارة لوارثه كان وقفه باطلاً"قال: "لأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه، بل لم يأذن إلا بما كان صدقة جارية ينتفع بها صاحبها لا بما كان إثماً جارياً وعقاباً مستمراً"بدليل القرآن، وقوله عليه الصلاة والسلام:((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) ، قال: "والحاصل أن الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل ومخالفة فرائض الله عز وجل فهي باطلة من أصلها لا تنعقد بحال وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم وما أشبه ذلك

وهكذا وقف من لا يحمله على هذا الوقف إلا محبة بقاء هذا المال في ذريته، فإن هذا إنما أراد المخالفة لحكم الله عز وجل، وهو انتقال الملك بالميراث وتفويض الوارث في ميراثه يتصرف فيه كيف يشاء" ومثله للشوكاني في (السيل الجرار:3/316) .

(1) لم أقف على نص الحديث بلفظه المذكور، لكن يدل عليه حديث النسائي في سننه رواية عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثتنان صدقة وصلة)) ذكره في كتاب الزكاة، الحديث رقم:2355.

(2)

البيان والتحصيل.

(3)

الروضة الندية: 2/160.

ص: 71

وقد تمسك بهذا الاعتراض فريق من أهل الرأي وعلماء الأزهر في العصر الحديث وأثاروا زوبعة حول أدلة المجيزين، وقد ناقش آراءهم فقهاء آخرون، في مقدمتهم الفقيه محمد أبو زهرة الذي أكد صحة الوقف على الذرية والورثة مادام للواقف غرض صحيح في دفع الحاجة وغائلة الفقر والحرمان عنهم:"إذا كان غرض الواقف كذلك، فوقفه صحيح لا ريب في صحته، لأن الوقف صدر من أهله مستوفياً شروطه، وكان على جهاته، وليس في شرطه هذا مخالفة للمبادئ الشرعية في شيء، ولا محاربة لنظام المواريث الذي سنه الله، ومن هذا النوع أن يقول الواقف مثلاً: أن من يركبه دين من ورثته ويعجز عن أدائه أن يسدد من غلات الوقف دينه، ومثله كل شرط ينبئ عن الحاجة، ويشعر بأن صرف الغلات إلى الورثة منوط بها، لأن هذا يدل على أن الواقف ما قصد به إيثاراً لبعض الورثة على بعض، بل قصد إيثار ذوي قرباه عند احتياجهم وذلك أمر مبرور يحث عليه الشرع، ويدعو إليه"(1) .

2-

أنه يمنع المستحقين من التصرف في الأموال الموقوفة فتخرج الثروة من دائرة التعامل والتداول إلى دائرة الجمود والركود.

3-

أن فيه خراب الموقوفات من جهة سوء إدارتها من قبل النظار والمديرين لانتفاء مصلحتهم الشخصية في عمارته.

4-

أنه يؤدي إلى تواكل الموقوف عليهم وكسلهم عن العمل المنتج اعتماداً على موارد ثابتة.

5-

أنه يضعف من قوة الملكية الفردية لمصالح وقف جمعي غير منتج.

والجواب عن الاعتراضات الأخيرة يكون بإصلاح إدارة الوقف، والحرص على قاعدة التعمير التي هي شرط عند الفقهاء، وأن هذا الوقف ليس فيه إنهاء للملكية الفردية، فالملكية الفردية هي الأصل في التشريع الإسلامي الذي يجيزها ويحرص في الوقت نفسه على إنشاء حقوق للضعفاء والمحرومين مما تطيب به نفس المحسنين من الأمة، وهذا الوقف يعزز الملكية الفردية ويطهرها من رذيلة البخل والأنانية والشح، وهو من باب التضامن الاجتماعي ولو على صعيد الأسرة التي هي النواة الاجتماعية للأمة، بصلاحها يصلح المجتمع، وبفسادها وتدهور أوضاعها تختل أحواله وتضطرب أعماله وتنحل روابطه.

(1) الوقف، ص205-206.

ص: 72

وفي نطاق الاعتراض على الوقف الأسري شرعت بعض البلاد الإسلامية قوانين تصفية هذا الوقف وإلغائه، ومن ذلك مصر (قانون 1952م وقانون 1953م) والمغرب (الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 33-77-1 بتاريخ 24 شوال 1397هـ موافق 18 أكتوبر 1977م المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3388مكرر بتاريخ 26 شوال 1397 هـ موافق 10 أكتوبر 1977م) وهو يشتمل على (8) فصول:

عرف الفصل الأول منه الحبس المعقب كما يسمى بذلك الوقف الأهلي أو الذري بالمغرب.

وتناول الفصل الثاني إمكان رجوع المحبس عنه متى كان الحبس على الذرية، أو العقب، غير أنه لا يمكن الرجوع إذا كان مخصصاً لجهة البر والإحسان.

ونص الفصل الثالث على أنه يمكن تصفية الحبس المعقب بمبادرة من السلطة المكلفة بشؤون الأوقاف، إذا تبين لها أن المصلحة العامة أو مصلحة المستفيدين تقتضي ذلك.

وبين الفصل الرابع أن التصفية تتم بمقتضى الفصول (5-6-7-8) .

وأوضح الفصل الخامس أن الأوقاف تستحق من كل حبس معقب تقررت تصفيته نسبة الثلث، واستثنى من ذلك حالتين، لا تؤول فيهما للأوقاف أية حصة، هما:

1-

إذا كان المحبس عليهم يسكنون داراً ولا يملكون غيرها.

2-

إذا تعلق الأمر بأرض فلاحية لا تتجاوز مساحتها عشرة هكتارات، وكانت هي المورد الوحيد لعيش المحبس عليهم.

ونص الفصل السادس على أنه إذا كان ورثة المحبس لازالوا كلاً أو بعضاً على قيد الحياة، سواء كانوا هم المستفيدين وحدهم أو معهم غيرهم أو كان بعضهم مستفيداً وبعضهم محروماً، فإنه لا يقسم الثلثان الباقيان إلا بين الورثة ذكوراً وإناثاً حسب الفريضة الشرعية.

وإذا انقرض ورثة المحبس يقسم الثلثان الباقيان حسب الحصة المحددة لكل واحد منهم في رسم التحبيس، ويعتبر الحجب في هذه الحالة ملغى بمقتضى القانون، ويستحق المحجوبون نصيب آبائهم في القسمة.

وبين الفصل السابع أنه يعهد بتصفية الحبس إلى لجنة خاصة، يحدد تشكيلها ومسطرة عملها بمقتضى مرسوم، مع اعتبار القاضي المكلف بشؤون القاصرين عضواً في هذه اللجنة بقوة القانون، كلما تعلق الأمر بمستفيد قاصر تحت ولايته.

ونص الفصل الثامن على نشر الظهير بالجريدة الرسمية.

ص: 73

التجارة والإيجار:

التجارة نشاط يهدف إلى الربح ويلبي الحاجة إلى تبادل السلع والتوسع الاقتصادي وهي مظهر حضاري للمجتمع البشري الذي اعتمد هذه الوسيلة من أجل رقي الأمم وتقدمها وتطوير علاقتها في مختلف العصور، وهي عمل مباح من الناحية الشرعية، وواجب إذا اقتضته الضرورة، باستثناء التجارة في المواد المحرمة التي لا يجوز شرعاً تداولها.

والإسلام يجيز التعاقد في هذا المجال لإقامة شركات بقصد الربح المشروع، كشركات المضاربة والعنان والمرابحة، فالمضاربة هي شركة تقوم على أساس التأليف بين المال وبين العمل من شأنه تحقيق مصلحة الملاك والعمال على حد سواء، وقد كان هذا العقد معروفاً قبل الإسلام إذ كان أصحاب الأموال يلتمسون من يتاجر لهم بأموالهم من كل من اشتهر بالصدق والأمانة والحزم، وقد أجازها الرسول عليه الصلاة والسلام وأجاز شروطها، وهي الشروط المذكورة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:

أن العباس بن عبد المطلب كان إذا دفع ماله مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحراً ولا ينزل به وادياً، ولا يشتري به دابة ذات كبد رطبة فإن فعل ذلك ضمن، فبلغ شرطه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه، رواه البيهقي.

وهي كما عرفها المالكية: إجارة على التجر بمال بجزء من ربحه (1) قال في التوضيح ولا خلاف بين المسلمين في جوازه، وهو مستثنى من الإجارة المجهولة ومن سلف جر منفعة، وله اسمان القراض والمضاربة (2) .

وعرفه الحنابلة بأنه: دفع مال إلى آخر يتجر به والربح بينهما (3) .

وهي عند الحنفية: عقد شركة في الربح بمال من جانب رب المال وعمل من جانب المضارب (4) .

وهي عند الشافعية أن يدفع إليه مالاً ليتجر فيه والربح مشترك (5) .

ويتراوح هذا العقد عند الفقهاء بين باب الشركات وباب الإجارات.

(1) شرح ميارة على التحفة: 2/132.

(2)

المصدر السابق: 2/137.

(3)

الإنصاف: 5/427.

(4)

حاشية ابن عابدين: 5/645.

(5)

مغنى المحتاج: 2/309 – 310.

ص: 74

وشركة العنان هي اشتراك اثنين أو أكثر بمالهما على أن يعلما فيه والربح بينهما وهي جائزة بالإجماع، ولن أطيل بذكر الشركات وأنواعها وأركانها وشروطها، وإنما المراد أن في التجارة على وجه الشركة سواء بإنشائها أو المساهمة في رأسمالها مجالاً لاستثمار المال في ما هو مباح شرعاً.

وأموال الوقف يمكن استثمارها في هذا المجال، فإن تنمية الوقف وتثميره وتعميره وزيادة مداخيلة أمر مطلوب شرعاً، إذ لا يجوز تعطيل الوقف وتجميده ولا تقليص مداخيله وإهمال تعميره بإجماع المذاهب الفقهية.

وصكوك المضاربة الواردة في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 30 (4/5) أو سندات الاستثمار هي من الوسائل الجيدة لتسهيل إدخال مال الوقف في الدورة الاقتصادية الإسلامية، فهذه السندات تقوم على أساس تجزئة رأس مال القراض أو المضاربة بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه، وهي تتميز بكون كل صك يمثل حصة شائعة في المشروع مستمرة من البداية إلى النهاية، وهي قابلة للبيع والهبة والإرث وغيرها من التصرفات الشرعية، وأنها ترتبط بشروط التعاقد التي تحددها نشرة الإصدار، ويجري فيها الإيجاب والقبول من الطرفين، وتشتمل نشرة الإصدار على بيانات تتعلق برأس مال وتوزيع الربح طبقاً لأحكام الشرعية، وأنها تقبل التداول بعد الفترة المحددة للاكتتاب، وأن المضارب وهو الذي يتلقى حصيلة الاكتتاب له من المال بقدر ما أسهم فيه، وهو أمين على ذلك لا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية، وأنه يجوز تداول تلك الصكوك في أسواق الأوراق المالية وبيعها للجهة المصدرة بسعر معين، ويبطل أن ينص الصك على ضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، ويبطل شرط الضمان إذا نص عليه، ويبطل العقد النص على احتمال قطع الشركة في الربح.

ص: 75

والإجارة من وسائل استثمار الوقف قديماً وحديثاً، ومعناها بيع المنافع الطارئة عن الرقاب مع الساعات والأيام والشهور والأعوام دون الرقاب، وهي من العقود اللازمة والثابتة (1) ومن مهام الناظر إجارة عقارات الوقف (2) ويلزم في ذلك مراعاة أثمان الوقف دون مس بأية حقوق مكتسبة، يقول شارح المنهاج على قوله:"وإذا أجر الناظر فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد في الأصح"قال: "لأن العقد قد جرى بالغبطة في وقته فأشبه ما إذا باع الولي مال الطفل ثم ارتفعت القيم بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة، والثاني ينفسخ إذا كان للزيادة وقع، والطالب ثقة، لتبين وقوعه على خلاف الغبطة، أما إذا أجر العين الموقوفة عليه فإنه يصح قطعاً ولو دون أجرة المثل

" (3) ويلزم من سكن داراً ثم تبين أنها وقف أداء أجرة المثل (4) ولا يصح إيجار الوقف بأقل من أجرة المثل بدون ضرورة (5) وفي (المختصر) لخليل عدم فسخ الكراء لزيادة لكن بعض فقهاء المذهب أفتى بالفسخ (6) ، وأفتى ابن عات بالفسخ إذا كان هناك غبن، قال: "إذا أكرى صاحب الأحباس والناظر حوانيت الأحباس أو دورها وأرضها، وعقدها على رجل بعد النداء فيها والاستقصاء، ثم جاء زائد بعد ذلك لم يكن له نقض الإجارة ولا أخذ الزيادة، إلا أن يكون في ذلك غبن على الحبس فينتقض الكراء، وسواء كان المزايد حاضراً أو غائباً، وكذا الوصي يكري يتميه لخدمة عام أرضه ثم يجد زيادة لم تنتقض الإجارة إلا بثبوت الغبن إذا فات وقت كرائها فإن كان قبل ذلك نقض الكراء وأخذت الزيادة وفيه: ينبغي للناظر في الحبس أن يؤخر العقد فيه بعد انتهاء الزيادة فإن عقد لزمته القبالة، ولم يقبل زائد إلا بثبوت الغبن، فإن عقد غير ناظر ولا وصي ولا وكيل قبلت الزيادة إلا أن تكون أرضاً وتفوت بالعمل فيكون عليه كراء مثلها إلا أن يكون أقل مما اكتراها به فلا ينقص شيء. البرزلي: قلت: يحتمل أن يكون جواب السيوري لعادة جرت بأن ريع اليتيم والحبس على قبول الزيادة، ويكون الجواب الثاني على نفيها، فإذا تقرر عرف عمل عليه، والعادة اليوم بتونس تختلف فأكثر الأحباس والمخزون على قبول الزيادة وكذا بعض أحباس المسجد وفي بعضها على البت وكذا ريع الأيتام، وهذا كله ما لم يظهر غبن فيجب قبوله" (7) .

(1) الكافي لابن عبد البر، ص 368.

(2)

منهاج الطالبين، ص 81؛ ومغنى المحتاج: 2/394- 395.

(3)

مغنى المحتاج: 2/394 – 395.

(4)

رد المحتار: 3/367.

(5)

المصدر السابق: 3/398.

(6)

نوازل العلمي: 2/263.

(7)

المصدر السابق: 2/269.

ص: 76

وقد جرى العمل بالمغرب بكراء أرض الأحباس مدة طويلة كالعشرين سنة ونحوها للبناء والغرس وذلك ما يعرف بالجزاء، وهو محمول عندهم على التبقية كأرض السلطان، وهي الأرض المخزنية (1) وهذا على خلاف ما أفتى به الفقهاء من عدم جواز المغارسة في أرض الأحباس تلافياً لمقاسمتها، وهو ما أشار إليه ناظم العمل قال:

وأعط أرض حبس مغارسة وفوق عام دورها المحبسة

أكر وأرض حبس لا كثرا من أربع من نحو عشرين يرى

يشير إلى قول ابن العطار: إن القضاة بالأندلس استحسنوا القبالة (2) في الدور والأرض لأكثر من أربعة أعوام "وذكر الناظم أن العمل جرى بالزيادة على ذلك إلى عشرين عاماً ويؤيده أن القاضي أبا الأصبغ بن سهل قال في كتاب (الأقضية) : إن ابن القاسم أجاز كراء أرض الحرث لنحو عشرين سنة، وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إن العقد فيها يجوز لعشرين سنة وأزيد"قال: "والقائل بمنع الكراء لنحو عشرين سنة علل بأمرين: مخافة ادعاء المكتري الملك في الأرض مع الطول ومخالفة الغبن على الحبس في بعض السنين بحدوث الرغبة في الأرض"(3) .

وحكم الجزاء أو الجلسة يتعدى في الفقه الذي جرى به العمل بالمغرب الكراء أو الإجارة لأمد طويل كعشرين سنة، وإنما معناه الاصطلاحي العرفي أنه الكراء على التبقية، وبعبارة التماق الفاسي: هي كراء خاص على شرط التبقية على أن يقوم المكترى بالأصل (4) ، فمعنى الجلسة من التعريف شراء الجلوس أو الإقامة بدكان على الدوام.

(1) نوازل العلمي: 2/273.

(2)

القبالة مصدر من قولهم: تقبلت العمل من صاحبه إذا التزمت بعقد، والقبالة بالفتح اسم المكتوب الذي التزم به صاحبه من علم ودين وغيرهما، فالكتاب هو القبالة بالفتح والعمل قبالة بالكسر لأنه صناعة.

(3)

نوازل العلمي: 2/56.

(4)

إزالة الدلسة، مخطوط.

ص: 77

والاستمرار كمكتري الأرض للغرس أو البناء لا يحق لمالك الأرض إخراجه، ولكن له كراء المثل على الدوام والاستمرار، فيصير المشتري كمالك الأصل، وليس لمالك الأصل غير كراء المثل، ويصح في هذا الحق المحدث البيع والهبة والإرث وغيرها من التصرفات، فكأن الجلسة أو الجزاء بلغة العصر كناية عن شراء أصل تجاري مع التزام بكراء للمحل.

وقد اختلف الفقهاء في جوازها، فمنهم من حرمها ومنهم من لم يقطع برأي فيها، ومنهم من أجازها مطلقاً فميارة (1) أجاب لما سئل عنها بأنه لم يقف على نص فيها، وأنها محض اصطلاح للمتأخرين، واشتملت على أمور مخالفة للشريعة، وبمثل ذلك أجاب عبد الواحد بن عاشر (2) ، وذكر الجلالي (3) أنها مما أحدثه أهل الغصوبات، وهو قول أبي عبد الله المسناوي (4) ، وابن القاضي وعبد القادر الفاسي (5) لكن أبا عبد الله التماق تلميذ المسناوي ذهب إلى جوازها، موضحاً أنه ليس في ذلك ما يقتضي التحريم، وأن الأمر "إذا اتخذه عرفاً أهل المروءات والجمهور من الناس لا ينبغي أن يكون حراماً "مستدلاً على ذلك بقول ابن لب:"ما جرى به عمل الناس وتقادم في عرفهم وعاداتهم ينبغي أن يلتمس له مخرج شرعي ما أمكن على خلاف أو وفاق، إذ لا يلزم ارتباط العمل بمذهب معين أو بمشهور من قول قائل"(6)

وكلمات الجلسة والمفتاح والزينة كلها بمعنى واحد، ويقابلها كلمة الخلو المستعملة بالمشرق.

وقد أفتى الشيخ أبو العباس الرهوني التطواني بصحة هذا العقد وقال: "مسألة المفتاح قد استمرت كما نرى بالمغرب والمشرق من المائة التاسعة إلى الآن، وإبطالها الآن ونسخها إضاعة لأموال عظيمة لا تسيغها الشريعة المطهرة، مع أنه لا ضرر على الأحباس فيها مادام الناظر بيده تقويم الكراء كلما تغيرت الأسعار من انخفاض وارتفاع وهو حكم عام في الجلسة وغيرها"(7) .

ومعنى الجزاء في الأرض كراؤها على التبقية للبناء أو الغرس أو الزراعة ويجري في أرض الأحباس وإن لم ينص عليه، ولصاحب الجزاء البيع والهبة ويورث عنه، ويقومه أرباب البصر بعد المدة المتعاقد عليها، وما يكون به التقويم سنوياً أو شهرياً لازم للناظر وصاحب الجزاء.

(1) إزالة الدلسة، مخطوط.

(2)

المصدر السابق نفسه.

(3)

المصدر السابق نفسه.

(4)

المصدر السابق نفسه.

(5)

المصدر السابق نفسه؛ وشرح العمل: 1/44.

(6)

إزالة الدلسة.

(7)

مختصر منة الكريم الفتاح للرهوني التطواني، مخطوط المكتبة العامة بتطوان بدون رقم.

ص: 78

الناظر:

الناظر على الوقف هو الشخص أو الجهة التي تشرف على الوقف وتناط بها مسؤولية المحافظة عليه واستثماره وصرفه للمستحقين بمقتضى المصالح الشرعية ويعتبر وكيلاً عن الواقف في هذا الشأن يراعى دائماً"مقتضى الشرع وغرض المصلحة، والقيم والناظر والمتولي بمعنى واحد (1) وألفاظ الواقفين تعتبر بمثابة ألفاظ الشارع من حيث لزوم التقيد بها في تنفيذ الوقف مادامت لا تتعارض مع الشرع كتاباً وسنة وإجماعاً، فإن تعارضت لم يعمل بها كوقف على كنيسة أو على عمل صلبان أو إيواء فسقة أو نشر بدعة إلى غير ذلك من الأمور، ومراد الفقهاء من قولهم إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، المراد منه أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف لا في وجوب العمل بها، ولذلك انقسمت شروط الواقفين إلى صحيحة وفاسدة (2) ، ولو جهل شرطه عمل بعادة جارية ثم بعرف (3) .

ولا يجوز للواقف أن يشترط النظر لنفسه على خلاف بين المذاهب ويكون واحداً ومتعدداً ويتبع شرطه، وإن لم يشترط أحداً كان النظر للقاضي، لأن له النظر العام، فكان أولى بالنظر فيه، ولأن الملك في الوقف لله تعالى، وفي هذه الحالة يكون النظر لقاضي بلد الموقوف بالنسبة لحفظه، وقاضي بلد الموقوف عليه بالنسبة لما عدا ذلك (4)، وفي الأزهار (3/329) : "وولاية الوقف إلى الواقف ثم منصوبه، وصياً كان أو والياً، ثم الموقوف عليه معيناً، ثم الإمام والحاكم

".

و"إذا لم يعمل الواقف أو الموقوف عليه على ما تقتضيه المصلحة ويوجبه العدل فلهما (الإمام والحاكم) أن يرادهما إلى الصواب ويبطلا ما وقع من تصرفاتهما مخالفاً لطريق الحق"(5)، قال في شرح منتهى الإيرادات:"إن لم يشترط الواقف ناظراً لوقفه أو شرطه لمعين فمات، فالنظر للموقوف عليه المحصور، كل ينظر على حصته عدلاً كان أو فاسقاً لأنه ملكه وغلته له، وإن كان الموقوف عليه محجوراً عليه لحظه فوليه يقوم مقامه، وإن كان الموقوف عليه غير محصور كالموقوف على مسجد ونحوه كالفقراء فنظره لحاكم البلد"(6) .اهـ. بتصرف بسيط.

(1) رد المحتار: 3/431.

(2)

فتاوى ابن تيمية: 31/47.

(3)

شرح منتهى الإرادات: 2/503؛ وإعانة الطالبين: 3/173.

(4)

إعانة الطالبين: 6/186 – 187.

(5)

السيل الجرار: 3/330 – 331.

(6)

شرح منتهى الإرادات: 2/503.

ص: 79

ولا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر له ولو كان من قبله (1) ولا يجيز المالكية وطائفة من الحنفية وأكثر الحنابلة اشتراط النظر للنفس، قال الحطاب تعليقاً على قول خليل:"أو على النظر له": "هذا إذا لم يكن على صغار ولده أو من في حجره، وأما من كان كذلك فهو الذي يتولى حيازة وقفهم والنظر لهم كما صرح به في المدونة"، وقال المواق في شرح المختصر:" ابن شاس قال في المختصر الكبير: لا يجوز للرجل أن يحبس ويكون هو ولي الحبس، وقال في كتاب محمد فيمن حبس غلة داره في صحته على المساكين فكان يلي عليها حتى مات وهي بيده أنها ميراث، قال: وكذلك إن شرط في حبسه أنه يلي ذلك لم يجز"(2) وهو قول يتفق مع اشتراط الحوز في المذهب تلافياً لرجوع الواقف عن وقفه على قيد الحياة.

وجاء في (رد المختار) وهو مذهب محمد من الحنفية (3) ، وجرت الفتوى للحنفية، بالجواز على قول أبي يوسف خلافاً لما ذهب إليه محمد، قال في (العقود الدرية) : سئل في واقف جعل غلة وقفه والولاية عليه لنفسه مدة حياته، فهل يكون ذلك جائزاً؟ (الجواب) : نعم ويجوز شرط المنفعة والولاية لنفسه، يعني جاز للواقف عند أبي يوسف أن يشترط انتفاعه من وقفه وتوليته لنفسه (4) ، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يأكل من صدقته أي من وقفه، ولا يحل ذلك إلا بالشرط فعلم أنه مشروع.

ويشترط الفقه في الناظر شروطاً هي في مجملها شروط الولاية على المصالح هي حسب (الفقه الشافعي: نهاية المحتاج 5/396) العدالة الظاهرة والباطنة، والكفاية ومعناها الاهتداء إلى التصرف، قياساً على الوصي والقيم لأنها ولاية عن الغير، ومثله في (إعانة الطالبين: 3/187) ، وفي شرح (منتهى الإرادات: 2/504) يشترط فيه التكليف والكفاية لتصرف أو خبرة وقوة عليه، ويتعين بقوي أمين إذا تعين وكان ضعيفاً، وولايته من حاكم في الوقف ناظراً، وقال في مغنى المحتاج (2/393) :"شرط الناظر العدالة والكفاية والاهتداء إلى التصرف" ومثله في جواهر العقود (1/317) .

(1) الدر المختار: 3/381.

(2)

هامش مواهب الجليل: 6/374، 384.

(3)

رد المحتار على الدر المختار: 3/473، 384.

(4)

العقود الدرية: 1/122.

ص: 80

ومهمة ناظر الوقف ووظيفته هي العمارة والإجارة وتحصيل الغلة وقسمتها على المستحقين وحفظ الأصول والغلات (مغني المحتاج: 2/394) ويجوز للواقف قصر مهام الناظر على بعض تلك الأمور، قال (شرح منتهى الإرادات: 2/504 – 505) : "ووظيفتة حفظ وقف وعمارته وإيجاره وزرعه ومخاصمة فيه وتحصيل ريعه من أجرة أو زرع أو ثمر والاجتهاد في تنميته وصرفه في جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء مستحق ونحوه"ويباع الوقف العام للمصلحة بإذن الحاكم، أما الناظر والخاص فإن الأحوط عدم بيعه إلا بإذنه (المصدر السابق، ص 515) على ما يذكر في تنمية الوقف وتصرف الوزارات، وللناظر بالأصالة النصب والعزل، وللحاكم النظر العام بالاعتراض عليه إن فعل ما لا يسوغ، وله ضم أمين مع تفريطه أو تهمته، وإذا ثبت فسقه أو أصر على التصرف بخلاف الشرط قدح ذلك فيه، فأما أن ينعزل أو يعزل أو يضم إليه أمين (كتاب الفروع لابن مفلح: 4/593 – 594) .

ويجوز عزل الناظر إذا عجز عن ضبط الوقف لمرض مزمن كفالج أو شلل أو جنون مطبق ونحوها (1) ، وليس للحاكم مع ذلك أن يولي أو يتصرف في الوقف بدون إذن الناظر الشرعي الخاص، يقول ابن تيمية في فتاواه:"ليس للحاكم أن يولي ولا يتصرف في الوقف بدون أمر الناظر الشرعي الخاص، إلا أن يكون الناظر الشرعي قد تعدى فيما يفعله، وللحاكم أن يعترض عليه إذا خرج عما يجب عليه"(2) ولناظر الوقف أن يعمل كل ما كان من غرضه وإن خالف شرطه، مثل وقف الماء على الغسل والوضوء، إذ يجوز للناظر تمكين العطشان من الشرب، لأن الواقف لو كان حياً لم يمنع منه (3) .

وقد أفتى الفقهاء وفقهاء المغرب والأندلس بوجوب محاسبة الناظر ومساءلته عن قيامه بمهامه وعزله إذا أخل بها (4) .

(1) العقود الدرية لابن عابدين 1/199،200،231.

(2)

فتاوى ابن تيمية: 31/65.

(3)

الفواكه الدواني: 2/176.

(4)

شرح العمل للسجلماسي: 2/51 – 53.

ص: 81

وفقهاء المذاهب لا يجيزون بيع الوقف إلا للضرورة القصوى، ومعظمهم على أن ما كان كالمسجد لا يباع ولا يتصرف في بنائه وخشبه، وهو لله منذ جعله لهذه الغاية باللفظ والفعل المفهم لمقصود المحبس، ولم يجر العمل بالمغرب في القديم ببيع الحبس، وإنما كان العمل بالمعاوضة على شروط وضعها الفقه، وذلك قول ناظم العمل:

كذا معاوضة ربع الحبس على شروط أسست للمؤتسي (1)

وأمر النظارات اليوم أن تعلق الأمر بالوقف العام مرتبط بوزارات الأوقاف التي تتولى تدبيره وتعيين النظار المشرفين عليه وهي تراقب تصرفاتهم وتحاسبهم على أعماله وتزودهم بتعليماتها فيما يخص النهوض به وتحصيله وصرفه، مع الاستيثاق من ذلك بالوثائق والسجلات والأشهاد وغير ذلك، وإن تعلق بالوقف الخاص فإن شرط الواقف في تعيين الناظر الخاص يعمل به، ويلزم هذا الناظر تدوين أعماله في سجله الخاص، وتوثيق تصرفاته، وبيان مصاريفه ومختلف تصرفاته للإدلاء بها عند الاقتضاء.

ويمكن إجمالاً بيان مهام ناظر الوقف فيما يأتي:

1-

المحافظة على الأملاك الوقفية.

2-

عمارة الوقف وعدم إهماله حتى لا يكون في ذلك خرابه وفوت منفعته.

3-

تنفيذ شروط الواقف التي لا تخالف الحكم الشرعي.

4-

توزيع غلاته على المستحقين إما بالتسوية إذا لم يكن هناك شرط مخالف، وعند وجود الشرط يعمل به، وعدم تأخير دفعها إليهم.

5-

توفية ديون الوقف من الوقف نفسه.

6-

يجوز له الإقدام على تغيير صورة العين الموقوفة بما يعود بالنفع على ذات الوقف.

7-

عدم الإقدام على بيع الوقف إلا للضرورة.

8-

تقديم المعاوضة لفائدة الحبس على البيع.

9-

إجارة عقار الوقف بالثمن المعمول به في أكثرية الوقت دون بخس ولا تفريط.

10-

استثمار أموال الوقف لفائدة زيادة المداخيل وتكثير الإحسان والزيادة في مقاديره.

11-

يتحمل الناظر تبعات إهماله وتقصيره وأخطائه العمدية والعفوية، ويمكن عزله للأسباب التي تجيز العزل.

(1) شرح العمل للسجلماسي: 2/23.

ص: 82

الوقف بالمغرب:

عرف المغاربة نظام الوقف منذ دخول الإسلام إلى المغرب، وحيث أقبل المحسنون على تخصيص جزء من أموالهم لأغراض البر والإحسان، فكانت أوقاف على المساجد وطلبة العلم والفقهاء والفقراء والمدارس وغيرها من وجوه الوقف، وقد عمل المغاربة على ضبط الأحباس، حرصاً على مواردها، وإيصال النفع إلى المستفيدين منها، حيث عهد بذلك إلى أشخاص وجهات عرفت بالحزم والتقوى والحرص على المصلحة العامة، والدولة المغربية في العصر الحديث اهتمت بهذا الجانب وصورت الرسائل الملوكية والقوانين والمراسم لضبط عملية الوقف وتحديد نفقاته وسبل الانتفاع به.

ولقد كان للوقف بالمغرب دور اجتماعي طيب وأثر حميد على المحتاجين والفقراء الذين وجدوا فيه خير مساعد على التخفيف من آلامهم وأحزانهم وتلبية حاجياتهم المادية المستعجلة إلى الدواء والغذاء والسكن وغير ذلك.

وقد شمل الوقف بالمغرب إرصاد أوقاف لعلاج المرضى بالمستشفيات، سواء كان المرض الذي يعانون منه عضوياً أو نفسياً أو عقلياً، وذلك منذ عهد الدولة الموحدية في القرن السادس الهجري، وكذلك الشأن على العهد المريني حيث قام السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق ببناء المارستانات للمرضى والمجانين وأجرى عليهم النفقات.

وقام السلطان أبو الحسن بتجديد مارستان مدينة فاس وبعده ابنه الذي بنى المارستانات في كل بلد من إيالته وقد أوقف كما أوقف المحسنون في عصرهما أموالاً لرعاية هذا العمل الاجتماعى وتأسست لذلك نظارة خاصة بها تعني بالمرضى والفقراء والغرباء وذوي العاهات، ومن الأمثلة على أهمية الوقف بالمغرب أوقاف أبي العباس السبتي بمراكش التي كانت تغطي احتياجات الزمنى والمرضى والمعتوهين والمكفوفين وغيرهم على مذهبه الشهير في الإحسان.

ص: 83

ومن جملة الأوقاف التي عرفت بالمغرب:

-أوقاف تسليف المال لمحتاجين بدون فائدة ولا عوض وكانت توضع في قيساريات المدن، ومن بينها مدينة فاس، كما ذكرنا عن شرح ميارة لمنظومة ابن عاصم.

-أوقاف تعويض أواني الفخار إذا انكسرت في يد الأطفال.

-أوقاف إقامة الأعراس.

-وقف الملابس والحلي للعرائس.

-أوقاف لإنشاء حمامات وأفران.

-أوقاف تجهيز الضعفاء من الموتى وتكفينهم وإقامة جنائزهم.

-أوقاف على الحيوان من طير وغيره لعلاجها وعلاج كسر أجنحتها وأعضائها.

-وقف التهليل للمرضى من الصوام قبل طلوع الفجر.

-أوقاف لتعريس المكفوفين الذين لا مسكن لهم، فكلما اقترن واحد منهم أقام عرسه بدار مختصة لهذا الغرض.

-أوقاف لتعريس الضعفاء.

-وقف الأغراس على الضعفاء لفلاحتها.

-وقف دور لإقامة الغرباء (دور الضيافة) .

-وقف السقايات.

-إجراءالهبات على الفقراء والمعوقين.

-قضاء الديون.

-أوقاف لإطعام الحيوان وإسكانه.

ص: 84

ولقد ألم الفقيه الشاعر العلامة الحاج أحمد بنشقرون رئيس المجلس العلمي بفاس بهذه المظاهر من الأوقاف بالمغرب وسجلها في قصيدة قال فيها:

اصخ تدر ما أسدى أخ الذوق من جدا وفي حبيس يستحسن السبق للخير

إذا عطب اللقلاق يوماً فإنه بمال من الأوقاف يجبر من كسر

وإن لم تجد أنثى مكاناً لعرسها فدار من الأوقاف تنقذ من فقر

وإن لم تجد عقد الجيد فإنه يعار من الأوقاف يوصل للخدر

وإن جن مجنون، فإن علاجه بمال من الأوقاف يصرف للفور

تعالج موسيقى دماغاً من الأذى بها يعزف الفنان مبتسم الثغر

وقد أوقفوا جبر الأواني، ربما يهشمها طفل، فتقطع من أجر

ولكن بمال الوقف يأخذ غيرها بلا عوض منه، فيسلم من خسر

وقد أوقفوا دار الوضوء لنسوة يردن صلاة في حياء وفي ستر

وقد أوقفوا وقفاً يخص مؤذناً يؤذن للمرضى بعيداً من الفجر

ليكشف عنهم من كثافة غربة حجاب ظلام الليل والسقم والوتر

مبرات أوقاف الألى قصدوا إلى معان من الإحسان جلت عن الحصر

وقد عنى المغرب بتسجيل الأوقاف في مختلف العصور ومحاسبة النظار ومراقبتهم، ووضعت الحوالات الحبسية منذ العهد المريني وهي دفاتر تسجل الأملاك الحبيسة العقارية والمنقولة، ومستفاداتها وصوائرها وتتضمن نصوصاً عدلية تثبت ملكيات المحبسين وكل الوثائق المرتبطة بها، وعقود المعاوضات والمناقلات، وحالة تلك الأملاك ووسائل استغلالها، إلى غير ذلك من المعلومات المفيدة، وقد تضمنت الحوالات الإسماعيلية لمكناس ظهائر تحبيساته وظهائر تعيينه لبعض النظار وكل ما تم إنشاؤه من سجلات حبسية في عهده، فالحوالات إذن هي ديوان الوقف المغربي وسجله الحافل الدال على ما وصل إليه المغرب القديم الأصيل من تقدم وعناية ورعاية للأوقاف الإسلامية.

ص: 85

تجربة وزارة الأوقاف المغربية:

الاستثمار كما ذكرت مطلب ضروري لنمو الوقف، والمغاربة وقفوا أموالاً كثيرة من عقار ومنقول على سبيل الإحسان، وكان النظار والمسؤولين عن الوقف يبذلون جهوداً كثيرة لزيادة مداخيله لكن الوسائل التي كانت تستعمل إلى العصر الحديث لم تخرج عما هو تقليدي من الوسائل التي كانت لا تجدي كثيراً في مجال التنمية.

وقد سلكت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الفترة الأخيرة مسلك إدخال الأساليب الحديثة على عملية الاستثمار الوقفي، حيث صارت العملية تدر أموالاً كثيرة على إدارة الوقف مما مكنها من مواصلة إقامة مشاريع تنموية حبسية وتحسين المردودية وجودة المنتوج والزيادة في مكافآت القيمين الدينيين من خطباء ووعاظ ومؤذنين وغيرهم، يقول السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري عن الموضوع:

"تسهر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تنمية مواردها، وعلى تأهيلها لأداء دور اللامركزية على أكمل وجه، هذه التنمية تطلبت منا وضع استراتيجية علمية وخطة مدروسة، سهرنا على تنفيذها منذ عدة سنوات أي منذ أن وضع فينا أمير المؤمنين ثقته، فركزنا على الجانب البشري، إذ أن الوزارة منذ عام 1984م لم تكن تتوفر على أي مهندس لا في المجال المعماري أو الفلاحي، أو متخصصين في الحسابات أو خبراء ذوي تكوين جامعي، بل إن الوزارة في تلك الفترة كانت تعاني من عجز مالي، لأن مصاريفها كانت تفوق مداخيلها، وكانت بعض أملاكها مثل المركب الحبس في الدار البيضاء تحت الحجز، لأن الوزارة كانت عاجزة عن أداء أقساط القرض الذي شيدت به هذه البناية، لكن هذه الوضعية تغيرت منذ 1996م حيث توفرت للوزارة إمكانيات سمحت لها بالقيام بمشاريع في مختلف أنحاء المملكة.

ص: 86

فمداخيل الأوقاف في سنة 1984م، لم تكن تتجاوز 8 ملايين سنتيم، فيكفي أن أقول – والسجلات تؤكد ذلك- إن ما بين 1996 و 1997م، تضاعفت المداخل لتصل إلى (30) مليار سنتيم، أي إن معدل النمو بين 1985 و 1997م، وصل على (133.43) بمعدل سنوي قدره (11.12 %) بعد ما كان العجز في سنة 1984م يصل إلى (17 %) .

هذه الأرقام الناطقة لم يكن ميسراً الوصول إليها دون استراتيجية علمية، تعتمد أساساً على العنصر البشري، فمن الناحية العمرانية استطعنا ما بين 1987 م و1996م، بناء (2360) شقة، و (403) محلات تجارية، من أموال الأوقاف، التي كانت تعاني من العجز، بل ومن الإفلاس في بعض الوحدات.

هذا المجهود في التنمية واكبه مجهود في بناء المساجد، حيث نبني مسجد كل شهر، أي (12) مسجداً في السنة إضافة إلى أعمال الصيانة والإصلاح التي نباشرها في المساجد، والإعانات التي نوزعها في البوادي من أجل مساعدة الجماعات والقبائل على إصلاح المساجد، إضافة إلى الدور الأساسي الذي تلعبه الأوقاف في إحياء التعليم الديني، فالوزارة تقدم أكثر من (5000) منحة شهرية لطلبة المدارس العتيقة، إضافة إلى الأعمال الإحسانية التي تدخل ضمن عملها الاجتماعي".

ويقول عن عملية مراقبة الاستثمار في الوقف والميزانية صرفاً وتحصيلاً وعمليات التفتيش والوسائل الإعلامية المعتمدة:

"تخضع ميزانية الأوقاف لرقابتين، قبلية وبعدية، فلدينا مفتشية عامة، وقسم للمالية في مصلحة الحسابات، في البداية تراقب مصلحة الحسابات صرف الميزانية، وتوزيع الميزانيات على النظارات في الأقاليم، ولا يمكن أن تأذن بصرف أي مبلغ إلا بحجج أو ملف، ثم هناك التفتيش الدوري والسنوي، وهو عبارة عن محاسبة تقوم بها التفتيشية العامة في جميع نظارات الأوقاف وتحاسب الناظر والإدارة على الدرهم والسنتيم ثم لدينا سجلات مضبوطة ضبطاً متقناً.

ص: 87

وزيادة في الضبط والإتقان، أدخلنا عناصر جديدة تعتمد على الإعلاميات، فإذا كان الناظر في الماضي، في أي جهة من جهات المغرب، ينفرد بمعرفة الأماكن التي حل وقت غلتها، فإننا في هذا الزمان نستطيع أن نتابع ذلك بواسطة الكمبيوتر، بحيث تظهر على الشاشة المحلات التي حان وقت مراجعتها، مما يقضي على أعمال التواطؤ، ويعطي نوعاً من الشفافية للعملية".

من حديث للسيد الوزير إلى جريدة الاتحاد الاشتراكي أعيد نشره بمجلة (دعوة الحق عدد 338 ص 143 – 152) .

ومن ذلك يبدو أن آليات ووسائل الوزارة في الاستثمار آليات حديثة، وأنها أعطت للوقف مردودية جيدة، وأن الوقف المغربي يسير نحو توسيع آفاق وتغطية الحاجيات البشرية المادية والمعنوية للموقوف عليهم والقيمين الدينيين، وعامة المؤمنين، وتتلخص مهام الوزارة ورسالتها في الميدان الديني في الجوانب الآتية:

-المحافظة على الدين بإقامة شعائره وأركانه من صلاة وصيام وزكاة وحج وتوعية المؤمنين بأموره من عبادات ومعاملات.

-بناء المساجد ومؤسسات المجالس العلمية والنظارات وتجهيزها، وبناء المراكز الدينية التعليمية وتجهيزها.

-العناية بالتوعية الدينية وتوجيه خطباء الجمعة والوعاظ والمؤذنين.

-تعميم الوعي الديني بين المواطنين بوسائل الخطبة والمحاضرة والندوة والصحافة وغيرها.

-توزيع الوقف على المستحقين.

-مساعدة الجمعيات الدينية والثقافية.

-تقديم إعانات للقيمين الدينيين والعناية بزيادة مكافآتهم.

--إحياء التراث الإسلامي وطبعه.

-المشاركة في الإصلاح الزراعي عن طريق استصلاح أراضي الوقف وغرسها.

-تشييد البنايات السكنية للإيجار وفتح أوراش لعمل العاطلين.

-القيام بمهام الدعوة الإسلامية على المستويين الداخلي والخارجي.

-التوعية الدينية للعمال المغاربة بالخارج وخاصة خلال شهر رمضان بواسطة البعثات العلمية.

-تشييد المساجد والمراكز الإسلامية بالخارج وتقديم إعانات للطلبة المسلمين من جهات العاملين الإسلاميين الراغبين في متابعة الدراسة بالمغرب.

-تقديم إعانات لطلبة المدارس الدينية.

ص: 88

خلاصة بحث استثمار الوقف

تناول هذا البحث حقيقة الاستثمار وطبيعته وضرورته لنمو المال وتحقيق الحاجيات المادية والفرق بين معناه ومعنى التنمية، وكون السياسة الشرعية في الاقتصاد تقوم على أسس الاعتدال والوسطية والتضامن وعدم تعطيل المال عن وظيفته الاجتماعية، وبين البحث حقيقة الوقف في الإسلام، وأن الجمهور على مشروعيته ولزومه، وخلاف الفقهاء بعد هذا في افتقار إمضائه إلى الحوز كما هو مذهب مالك لحديث:((أو تصدقت فأمضيت)) أو ما في معناه من حكم القاضي به أو إضافته إلى ما بعد الموت أو التسليم، أو كونه غير محتاج إلى ذلك كما هو الشأن في المذهبين الحنبلي والشافعي، وكذلك فيما ذهب إليه ابن حزم، ومذهب هذا الأخير في قصر الأحباس على ما ورد في الحديث ومنع القياس في المسألة خلاف مذهب الجمهور، واشتملت مسائل الاستثمار في البحث دراسة عدد من المسائل، وهي:

1-

خلط إيرادات أموال الوقف العام، حيث أفتى بالجواز فقهاء مذهب مالك والحنفية واشترط الحنابلة والشافعية التماثل في جهة الوقف والقول بالجواز هو ما صرح به ابن قدامة من الحنابلة، والقول بجواز انتفاع الأوقاف بعضها من بعض فيه منفعة للأوقاف العامة جميعها، لذلك ينبغي صدور قرار من مجمع الفقه الإسلامي به.

2-

مبدأ التوقيت، ويعني جعل الوقف مؤقتاً بمدة تطول أو تقصر كأسبوع أو شهر أو سنة أو أعوام أو حياة الواقف، وعند نهاية المدة يرجع الوقف إلى ملك الواقف أو ورثته وخلاف التوقيت التأبيد، ومذهب مالك أن الوقف يمكن أن يكون مؤقتاً إذا صرح الواقف بذلك، وإذا صرح بالتحبيس أو الوقف أو الصدقة، فلا يدل الكلام على التأبيد إلا إذا كان الوقف على مسجد أو جهة لا تنقطع أو لمجهول وإن حصر، وكذلك إذا صرح بأنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وفيما عدا هذه الحالات يكون مؤقتاً، وهو لا يلزم إلا بالحوز. ومذهب الحنفية القول بتأبيده لكنه لا يلزم إلا بالتسليم أو حكم قاضي السلطان أو إضافته إلى ما بعد الموت، ونتيجة هذا المذهب هي نفس النتائج المترتبة على قول مذهب مالك لبقاء تصرف الواقف في وقفه ما لم تتحقق الشروط المذكورة.

ص: 89

ومذهب الشافعية عدم جواز التوقيت إلا إذا ذكر الواقف مصرفاً، مثل: وقفت هذا العقار على فلان حياته، وعدم جواز الخيار فيه، ومذهب الحنابلة وقوعه منجزاً وعدم جواز التوقيت والخيار، والأصل في هذا حديث ابن عمر أن عمر أوقف أرضاً، فشرط هو أو شرط النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تباع ولا توهب ولا تورث، إذ هو في المذهبين الأخيرين دليل وجوب إنجازه ولزومه وعدم تعليقه والخيار فيه، وهو في المذهبين الأولين دليل جواز الشرط، ويرشحه أن من تمام الحديث قول عمر: أن لمن وليه أن يأكل منه بالمعروف ويطعم غير متمول، لأن معناه جواز الشرط، والحديث مروي في الصحيحين وغيرهما.

وفي القول بعدم التأبيد والقول بحق الرجوع قبل إنفاذ الصدقة، وخاصة إذا صرح الواقف بالتوقيت تشجيع للواقفين على الوقف، وهو أمر يحقق مصلحة الواقف والفقراء، فالواقف يبتغي التنازل عن منفعة عقاره أو منقوله مدة معلومة ابتغاء الأجر، ويمنعه من ذلك الحكم بتأبيد وقفه وإبطال شرطه، ومصلحة الفقير والمحتاج الانتفاع ولو مدة محددة، ولا يكون هذا إلا بالعمل بشرط الواقف، وإجازة الوقف المؤقت وفقاً لمذهب المجيزين واجتهاد مجمع الفقه الإسلامي ينبغي أن يكون في هذا الاتجاه.

3-

وقف النقود تناوله البحث مبيناً موقف المذاهب الفقهية منه لإشكالية عدم بقاء العين واستهلاكها، ومع الخلاف كانت نتيجة البحث القول بأن وقف النقود للسلف ينبغي أن يقرر، وذلك لأن الأموال وإن كانت لا تتعين فإن بدلها يتعين، ولكنه يلزم مع ذلك ضمان هذا الوقف بتأسيس صندوق للسلف الوقفي ضمن شروط الاستثمار الإسلامية.

4-

حق الرجوع تناولها لبحث من وجهة نظر المذاهب الفقهية وخلافها حول مبدأ التأبيد وكون الوقف يقع منجزاً بلفظ الواقف أو كونه ينعقد منجزاً بشروط الحوز أو التسليم أو غيرهما من الشروط، فالمذهبان المالكي والحنفي يشترطان، والحنابلة والشافعية يرونه مؤبداً بمجرد اللفظ، والأصل في ذلك الحديث المذكور عن ابن عمر، وحديث:((ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)) .

ص: 90

5-

الحبس المعقب، وهو جائز في مختلف المذاهب الفقيهة، وقد اتجهت قوانين البلاد الإسلامية في العصر الحديث إلى إبطاله أو تصفيته بحجج مختلفة، ومن بينها قلة جداوه وضعف ثمرته، والمسألة ينبغي علاجها بإدماج هذا الوقف في دائرة التنمية الشرعية وطبق شروط الاستثمار.

6-

التجارة والإيجار تناولهما البحث من جانب استثمار أموال الوقف في المشاريع الاقتصادية، ونوه البحث بأهمية قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 30 (5/4) بشأن صكوك الاستثمار التي يمكن تطبيقها في المجال الوقفي في شؤون التجارة، وعالج البحث مسألة إيجار عقارات الوقف، متحدثاً عما جرى به العمل بالمغرب بخصوص الوقف المعروف بالجزاء ووقف الدور والحوانيت المعروف بالجلسة.

7-

الناظر الذي تناوله البحث من حيث شروطه ومهامه ودوره في تنمية مال الوقف والاستثمار ومن حيث محاسبته.

8-

نظرة عن الوقف بالمغرب وتوسع المغاربة فيه ومناحي صرفه عبر التاريخ.

9-

تجربة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب التي يمكن اعتبارها نموذجية، والتي عنيت بالنهوض بالوقف واستثماره وتكثير مداخيله، وتوزيع عائداته على مصالحه، وفي المقدمة العناية بتحسين وضعية القيمين الدينيين، وإرصاد المال لصالح الدعوة والتوعية الدينية ونشر التراث، والمساهمة في مكافحة الفقر والحرمان، وفتح أوراش الشغل بمختلف جهات المغرب.

والله المسؤول أن يوفقنا لصالح القول والعمل، ويبلغنا من فضله العميم غاية السؤال والأمل والسلام.

ص: 91

خاتمة

تناول البحث بالدرس مسألة استثمار أموال الوقف، ومذاهب الفقه الإسلامي بشأن مفهوم التأبيد وشروط الوقف من حيث كونه يقع منجزاً لا يقبل التعليق ولا الشرط وعكس ذلك، وهو ما يكون له تأثير على بعض مسائل الوقف المثارة والتي من شأن حلها حفز الاستثمار وتشجيع الوقف وفتح مجالات فسيحة أمامه، خاصة إذا قلنا بوقف النقود للسلف الذي ينبغي اعتماده لإرصاد المال لعملية استثمار إنسانية وإحسانية بالغة الأهمية.

وعدا هذه المسألة ذات الأهمية القصوى عالج البحث مسائل الرجوع في الوقف والحبس المعقب وخلط إيرادات أموال الوقف ومبدأ التوقيت في الوقف ومسألة ناظر الوقف، وتجربة الوقف بالمغرب قديماً وحديثاً.

واعتمد البحث المصادر الفقهية والشرعية، والمراجع المساعدة، ولا أحسب بعد هذا إني حصرت الموضوع أو سلمت فيه من الخطأ والذهول، بل إن كل ما فيه من توفيق فهو من الله، وما كان من خطأ وقصور فمني ومن نفسي، والسلام.

ص: 92

مصادر البحث

1-

أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: تقي الدين أبو الفتح ابن دقيق العيد، ط. بيروت.

2-

إزالة الدلسة: محمد التماق، مخطوط.

3-

إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين: أبو بكر البكري محمد الديماطي، ط. دار إحياء التراث ببيروت.

4-

الأم: محمد ابن إدريس الشافعي، ط. بيروت، 1393 هـ – 1973م.

5-

البيان والتحصيل: أبو الوليد بن رشد القرطبي، ط. الثانية، دار الغرب الإسلامي ببيروت.

6-

جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود: شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي، ط. الثانية مصورة عن الطبعة الأولى.

7-

الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: أبو الحسن علي بن محمد البعلي الدمشقي، ط. الرياض.

8-

رد المحتار على الدر المختار: حاشية ابن عابدين، ط. بيروت.

9-

الروضة الندية شرح الدرر البهية: أبو الطيب صديق بن حسن القنوجي البخاري، ط. بيروت، 1412 هـ- 1992م.

10-

سبل السلام شرح بلوغ المرام: محمد بن إسماعيل الأمير اليماني الصنعاني، ط. دار الفكر، 1411 هـ 1991.

11-

السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: محمد بن علي الشوكاني ط. بيروت، 1405 هـ- 1985م.

12-

شرائع الإسلام في الحلال والحرام: أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن، ط. الأولى، 1389 هـ – 1969م – بيروت.

13-

شرح العمل: محمد بن أبي القاسم السلجماسي، ط. حجري.

14-

شرح منتهى الإرادات: منصور بن يونس البهوتي، ط. المدينة المنورة.

15-

شرح ميارة على التحفة: محمد بن أحمد ميارة الفاسي، ط. القاهرة.

16-

العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية: محمد أمين، ط. دار المعرفة – بيروت.

17-

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ط. دار الفكر – بيروت.

18-

القوانين الفقهية: محمد بن أحمد ابن جزي، ط. دون ذكر تاريخ.

19-

الكافي: أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي، ط. بيروت، 1407هـ 1987م.

20-

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار: أحمد بن يحيى المرتضى، ط. بيروت، 1394 هـ – 1975م.

21-

كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: أبو بكر بن مسعود الكاساني، ط. دار الكتاب العربي – بيروت، 1394 هـ 1974م.

22-

كتاب الفروع: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح الدمشقي، ط. الرابعة، 1404هـ- 1984م- بيروت.

23-

كتاب المبسوط: شمس الدين أبو بكر محمد بن أبي الفضل السرخسي.

24-

كتاب النوازل: الشيخ عيسى بن علي الحسني العلمي، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية عام 1403هـ – 1983م.

25-

مجموع فتاوى ابن تيمية: أحمد بن تيمية، ط. المعارف – الرباط المغرب.

26-

المحلى: أبو محمد علي بن أحمد بن حزم، ط. بيروت.

27-

مختصر الكريم الفتاح: أحمد الرهوني التطواني، مخطوط المكتبة العامة بتطوان.

28-

المدونة الكبرى: سحنون بن سعيد التنوخي، ط. بيروت، 1415هـ – 1994.

29-

مسالك الدلالة في شرح متن الرسالة: أحمد ابن الصديق، ط. دار الفكر.

30-

مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج: محمد الخطيب الشربيني، ط. بيروت.

31-

المغني والشرح الكبير على متن المقنع: لأبي محمد عبد الله بن أحمد ابن قدامة وأبي الفرج عبد الرحمن بن محمد ابن قدامة، ط. الأولى، دار الفكر – بيروت.

32-

منهاج الطالبين وعمدة المفتين: أبو بكر يحيى بن شرف النووي، ط. بيروت – لبنان.

33-

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: ط. مكتبة النجاح – ليبيا.

34-

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: شمس الدين محمد بن أحمد الرملي المصري الأنصاري، ط. المكتبة الإسلامية.

35-

النوازل الصغرى أو المنح السامية في النوازل الفقهية: محمد المهدي الوزاني العمراني الحسني، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية – الرباط، 1413هـ 1993م.

36-

نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار: محمد بن علي الشوكاني، ط. بيروت.

ص: 93

المراجع

1-

خطوط رئيسية في الاقتصاد الإسلامي: محمد أبو السعود، ط. الأولى، 1385 هـ – 1965م.

2-

العرف والعمل في المذهب المالكي: عمر الجيدي، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب.

3-

فاس عاصمة الأدارسة: م. المنتصر الكتاني، ط. الثانية، بيروت.

4-

الفقه الإسلامي وأدلته: د. وهبة الزحيلي، ط. دار الفكر المعاصر – دمشق، 1418 هـ 1997م.

5-

الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، ط. المدينة المنورة، 1396هـ.

6-

الاقتصاد الإسلامي، مقوماته ومناهجه: د. إبراهيم دسوقي أباظة، ط. القاهرة.

7-

اقتصادنا: محمد باقر الصدر، ط. بيروت 1411 هـ- 1991م.

8-

نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي: ظافر القاسمي، ط. الأولى – بيروت.

9-

الوقف: محمد أبو زهرة: ط. الثانية، 1971م.

10-

الوقف في الفكر الإسلامي: محمد بن عبد العزيز بن عبد الله، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المملكة المغربية، 1416 هـ – 1996م.

ص: 94