الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد الثامن
تقديم
كلمة معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الدكتور حامد الغابد
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين وسلم تسليمًا وبعد،
يطيب لي أن أقدم هذا العدد الثامن من المجلة العلمية التي يصدرها مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة إلى قادة دولنا ورجال الفكر، والباحثين والقراء والمستفتين خاصة، وإلى الأمة الإسلامية عامة.
وقد اشتمل هذا العدد من مجلة المجمع على دراسات وقضايا هامة جدًّا يحتاج إليها كل مسلم في علاقاته مع خالقه وفي معاملاته مع المخلوقين؛ لأنها لا تتضمن فقط أمورًا تتعلق بالعبادة مثل: موضوع أحكام الرخص الشرعية ونحوها، بل استوفت كذلك جوانب تهم المسلم في حياته اليومية مع المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، ومن أمثلة ذلك: حكم بطاقات الائتمان، وأخلاقيات الطبيب، وسائر الموضوعات التي بحثت في هذه الدورة.
وقد طلع علينا المجمع – كعادته – بقرارت وتوصيات ممحصة ومتقنة تتناسب مع روح العصر ومتطلباته.
ولم يقتصر دور المجمع على عقد مؤتمراته السنوية ونشر بحوثها ودراساتها في مجلدات بلغت الآن (21) واحدًا وعشرين مجلدًا، بل امتدت نشاطاته إلى مجالات أخرى، حيث تعقد هذه المؤسسة ندوات كثيرة متخصصة وتنظم مجالس علمية عدة. وإلى جانب هذه وتلك مشاريع المجمع العلمية التي قطعت كلها شوطًا كبيرًا من الإنجاز، مثل: إحياء التراث، الموسوعة الفقهية الاقتصادية، ومعلمة القواعد الفقهية.
ولعل من حسن الصدف – للإنجاز الأول – أن يتزامن صدور هذا العدد الثامن مع انتهاء تحقيق وطبع " عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة " لابن شاس، هذا الكتاب الذي يعد من أهم مصادر الفقه المعتمدة في المذهب المالكي لدى الأئمة وهو يطبع لأول مرة، وذلك على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، جازاه الله خير الجزاء وأكمله، وجعل هذا العمل الجليل في ميزان حسناته.
وإني لأرى لزامًا علي في نهاية الكلمة أن أؤدي حق الشكر والامتنان إلى حكومة خادم الحرمين الشريفين، والشعب السعودي الكريم لما تلقاه منظمة المؤتمر الإسلامي وجميع أجهزته من دعم سخي ورعاية كريمة.
ولا يفوتني كذلك أن أخص بالشكر والتقدير فضيلة الشيخ الدكتور / محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، الذي نما المجمع وترعرع على يديه، والذي لم يدخر أي جهد طوال عشر سنوات مضت من عمر المجمع، في سبيل النهوض بالمؤسسة، فجزاه الله كل خير.
كما أنوه بجهود رئيس مجلس المجمع فضيلة الشيخ الدكتور / بكر بن عبد الله أبو زيد الذي قام بدور كبير في دفع عجلة إنجازات المجمع، وأوجه شكري أيضا لجميع الفقهاء والباحثين والخبراء، وجميع العاملين بالمؤسسة الذين ساهموا كل حسب موقعه في رفعة مستوى هذا الركن العظيم وشهرته، فجزاهم الله جميعًا أحسن الجزاء.
واللهَ أسألُ أن يوفق علماء هذه الأمة وخبراءها لخدمة الإسلام والمسلمين.
إنه ولي التوفيق والسداد.
الدكتور / حامد الغابد
تقديم
كلمة معالي أمين عام المجمع
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
كلمة معالي رئيس مجلس المجمع
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على النبي الأمين، الذي أرسله الله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
مما لا يخفى أن من أهم الأهداف العظيمة، التي أنشئ من أجلها مجمع الفقه الإسلامي الدولي، حشد طاقات فقهاء الأمة وعلمائها ومفكريها، في شتى حقول المعرفة: من فقهية وثقافية، واقتصادية واجتماعية، وطبية، في أنحاء العالم الإسلامي، لمواجهة مشكلات الحياة المعاصرة المعقدة بالاجتهاد فيها اجتهادًا جماعيًّا فاعلاً، لتقديم الحلول الناجعة لتلك المشكلات مهما تعقدت، وذلك على ضوء فقه أصول الشريعة الغراء المعتبرة وقواعدها العامة.
وقد وفق المجمع، ولله الحمد والمنة، ومنذ تأسيسه، للسير خطوات مباركة طيبة في سبيل تحقيق أهدافه، فعقد مؤتمراته السنوية الدولية، واحدًا بعد الآخر في عدد من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي حتى بلغ هذه المرة دورته الثامنة، التي عقدت في جنوب شرق آسيا، بعاصمة بروناي دار السلام بندر سيري بجوان، وذلك في فاتح الشهر المبارك، شهر محرم الحرام، أول شهور السنة الهجرية، لعام أربعة عشر وأربعمائة وألف، الموافق واحدا وعشرين يونيو لعام ثلاثة وتسعين وتسعمائة وألف للميلاد.
ولقد ظفرت هذه الدورة بسامي إشراف وحضور جلالة السلطان، حاج حسن البلقية، سلطان سلطنة بروناي، واستضافة كريمة منه، وقد نوه جلالته - حفظه الله - في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح الدورة بدور المجمع العظيم، وبرسالته السامية وبأهميته البالغة، في توجيه الأمة خصوصًا في زمن تطورت فيه الحضارة وتعقدت، وكثرت فيه الشبهات، وعمت الخلافات والنزاعات بين المسلمين، فالمسلمون يحتاجون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى وجود هذا المجمع ليقوم بدراسات مستفيضة وتحليلات شاملة بقصد الوصول إلى حل جذري لقضايا ومشكلات المسلمين العديدة المعقدة، والملحة التي أفرزتها الحياة المعاصرة في أوساط المجتمعات الإسلامية، طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة.
فجزى الله جلالة السلطان، وولي عهده، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وحكومته، وشعب سلطنة بروناي عن الإسلام والمسلمين، والعلم وذويه، خير الجزاء.
وإن هذه الدورة الثامنة المتميزة، والتي شارك فيها ثلة من علماء الأمة وخبرائها ومفكريها؛ من فقهاء واقتصاديين، وأطباء واجتماعيين، وباحثين مقتدرين، بجانب أعضاء المجمع المنتدبين، قد عقدت فيها للعرض والمناقشة عدة جلسات، وقدمت فيها مجموعة من الأبحاث القيمة التي تناولها العرض (39) بحثًا، مع جملة وثائق للندوات الفقهية الاقتصادية التي ضمت إليها.
وقد خصصت هذه الدورة لبحث ودراسة القضايا التالية:
1-
الأخذ بالرخص وحكمه.
2-
حوادث السير.
3-
بيع العربون.
4-
البيع بالمزايدة.
5-
تطبيقات شرعية لإقامة السوق الإسلامية.
6-
بطاقات الائتمان.
7-
أخلاقيات الطبيب، مسؤوليته وضمانه، الأحكام المتعلقة ببعض ذوي الأمراض المستعصية.
8-
السنة النبوية في العصر الحديث بين أنصارها وخصومها.
9-
وثائق وتوصيات الندوات الفقهية الاقتصادية.
10-
القرارات والتوصيات.
وبناء على الأبحاث المعروضة وما تلاها من مناقشات ومقارنات وتحليلات ومداولات، اتسمت بتلاقح المذاهب الفقهية الإسلامية، ونضج الآراء والمفاهيم، وتحري الدقة، واعتماد مبدأ الاستقراء لاستنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة، ومظانها الموثوقة، لإيجاد الحلول الشرعية للقضايا المبحوثة، اتخذ مجلس المجمع قرارًا مجمعيًّا شرعيًّا في كل قضية طرحت، وتوصيات توجت في مبتداها بدعوة المسلمين قادة وشعوبًا في كل مكان إلى جمع الكلمة والتضامن، والالتزام بالحلول الإسلامية لمشكلاتهم، وتقديم الإسلام للعالم قاطبة بصورته الناصعة البياض، ليلها كنهارها.
وإنا لنرجو أن نكون قد جمعنا في هذا العدد الثامن ذي المجلدات الثلاثة ما يفيد العلماء والباحثين وطلاب العلم، وخاصة المسلمين وعامتهم.
واللهَ تعالى نسألُ، رب العرش العظيم، أن يمدنا بالتوفيق والسداد والإخلاص في جميع أعمالنا، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
معالي الدكتور / محمد الحبيب ابن الخوجة. الأمين العام المجمع الفقه الإسلامي بجدة
معالي الدكتور / بكر بن عبد الله أبو زيد. رئيس المجمع.
القسم الأول
الجلسة الافتتاحية
كلمات الافتتاح
- كلمة سلطان بروناي دار السلام
جلالة الملك الواثق بالله السلطان الحاج: حسن البلقيه معز الدين والدولة.
- كلمة معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الدكتور: حامد الغابد.
- كلمة معالي رئيس مجلس المجمع
الدكتور: بكر بن عبد الله أبو زيد.
- كلمة معالي أمين عام المجمع
الدكتور: محمد الحبيب ابن الخوجة.
كلمة
جلالة سلطان بروناي دار السلام
جلالة الملك الواثق بالله السلطان
الحاج: حسن البلقيه معز الدين والدولة
ابن المرحوم السلطان الحاج: عمر علي سيف الدين والدولة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
- معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
- الإخوة الكرام أعضاء مجمع الفقه الإسلامي، أعضاء وخبراء وباحثين.
- الإخوة الحضور.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أحمد الله سبحانه وتعالى، وأشكره إذ أشارككم في حفل افتتاح المؤتمر الثامن لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وإنه لشرف عظيم أن يعقد هذا المؤتمر العظيم في سلطنة بروناي دار السلام،
ولا يسعني في هذا الافتتاح إلا أن أحيي وأرحب بالسادة العلماء والخبراء والمتخصصين، وأقول لهم: أهلا وسهلا ومرحبا بكم، على تفضلكم بالاشتراك في هذا المؤتمر متمنيا لكم طيب الإقامة طوال وجودكم في هذا البلد العزيز.
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن يمنح لسلطنة بروناي دار السلام شرف انعقاد مؤتمركم هذا على أرضها، وخصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أن بروناي هي ثالث دولة غير المملكة العربية السعودية (دولة المقر) تستضيف مثل هذا المؤتمر، وهذا له معنى كبير لبروناي دار السلام، تلك الدولة الصغيرة والنائية عن آسيا الغربية وأفريقيا.
أفادني المسؤول عن المجمع بأن لمجمع الفقه الإسلامي منذ نشأته أهدافًا كبرى عديدة منها العمل على تحقيق الوحدة الإسلامية، وتوجيه الأمة إلى التمسك بالعقيدة الصحيحة ودراسة قضاياها المعاصرة والتوصل إلى حلها وعلاجها.
ومن هنا يبدو لنا أهمية المجمع ودوره الرائد في توجيه الأمة، وخصوصا في زمن كثرت فيه الخلافات والنزاعات بين المسلمين، فالمسلمون يحتاجون اليوم أكثر من أي يوم مضى إلى وجود هذا المجمع ليقوم بدراسات مستفيضة وتحليلات شاملة بقصد الوصول إلى حل جذري طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
إن الأمة الإسلامية في غنى عن هذه الخلافات التي تفضي في بعض الأحيان إلى اشتعال حروب بين الأشقاء، بينما يحذر ديننا الحنيف عن الاقتتال فيما بيننا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في نص صريح ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) .
فالأمة الإسلامية على اختلاف جنسياتها، لا ينبغي لها الإفراط ولا التفريط، فتقدم السياسة على الشرع، والعكس صحيح؛ فإن السياسة لابد وأن يراقبها الشرع ويقيدها بقيود شرعية عادلة، وذلك لأنه ليس كل ما يحلو في نظر الحس والهوى فهو حسن، ولكن الحسن ما رآه الدين حسنا، وإن كان مرًّا لا يكاد يتجرعه أي إنسان.
وفي نظري أن الضعف أو الوهن الذي تخلل إلى جسم الأمة الإسلامية اليوم ليس ناتجًا عن المؤامرات التي خططها أعداء الإسلام، إنما هو نابع عن تصرفات هذه الأمة نفسها، وذلك لفقدان ثقتها بالإسلام وقلة رغبتها في الانقياد لأحكامه وتعاليمه، بل العكس إنها مؤمنة بالأفكار والثقافات المنبثقة من تيارات أو اتجاهات هدامة.
وهذا في الواقع من أكبر العوامل التي جعلت الأمة الإسلامية عاجزة عن تقديم ما يرجع بالنفع إلى أنفسهم، وبالأولى إلى المجتمع الإسلامي على المستوى الدولي.
وما نشاهده اليوم هنا وهناك من قضايا ومشكلات متناثرة ومتراكمة، كقضية فلسطين والخليج والبوسنة وكشمير والصومال وغيرها كثير، تتطلب وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها فيما بينها دون الاعتماد على غيرها، فكان من الواجب علينا ألا نسمح لأعدائنا أن يستولوا على أي شبر من أراضينا فيجزئوها كيف يشاؤون، في حين يتعرض شعبها المسلم للهلاك دون أن يجدوا من يمد إليهم يد العون والمساعدة، وحتى من إخوانهم في الدين، مع أن المسلمين فيما بينهم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وإنني متأكد من أن الأمة الإسلامية إذا اتحدت وتعاطفت وتعاضدت، فإن المكائد والمؤامرات التي تتستر وراء المساعدات الدولية الخادعة والتي دبرها أعداء الإسلام لن تؤثر فيها ولن تجد إليها سبيلا.
فالأمة الإسلامية تملك كل القدرات التي تمكنها من الاستقلال عن غيرها، فالعالم الإسلامي يتمتع بثروة هائلة وكفاءات عالية في كل المجالات ونواحي الحياة، ففي مجال الاقتصاد مثلا قام علماء الإسلام بإنشاء قسم خاص سمي بالاقتصاد الإسلامي، ثم تولد عنه البنوك الإسلامية التي تتخذ الشريعة الإسلامية أساسًا لتعاملها، خلفا للبنوك الربوية التي تتعامل بالربا المحرم، وهذا لخير دليل على صحة العبارة المشهورة القائلة:" الإسلام صالح لكل زمان ومكان ".
وانطلاقًا من هذا الواقع، فإننا على يقين بأن مستقبل العالم سيشهد تطبيقًا إسلاميًّا في آفاقه الواسعة؛ لأن الإسلام نهج ونظام كامل وشامل لجميع جوانب حياة الإنسان.
وعلى هذا فإن حكومة سلطنة بروناي دار السلام تعمل الآن بجد ونشاط نحو أسلمة دستورها وقوانينها.
وإنني أوجه النداء الخالص إلى جميع الجهات المعنية بالأمة الإسلامية، وعلى الأخص مجمع الفقه الإسلامي لمساعدتي ومساعدة حكومة بروناي دار السلام من أجل تحقيق هذه الأهداف النبيلة، التي يتطلع إليها كل مسلم غيور على دينه.
وختامًا: أهنئكم أيها الحفل الكريم، وأحيي هذا المؤتمر.
وأخيرًا ف بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أعلن افتتاح المؤتمر الثامن لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وبالله التوفيق والهداية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
معالي الدكتور حامد الغابد
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
. صاحب الجلالة السلطان: حسن البلقيه
سلطان بروناي دار السلام،
صاحب معالي وزير الشؤون الدينية
في سلطنة بروناي،
صاحب الفضيلة الشيخ: بكر بن عبد الله أبو زيد.
رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي.
صاحب الفضيلة الشيخ: محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.
أصحاب السعادة،
أيها الأخوة الكرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنه لشرف عظيم وسعادة غامرة تلكم التي أشعر بها وأنا أشارك في الدورة الثامنة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي، التي تنعقد في سلطنة بروناي دار السلام، في هذا الجزء الذي يمثل أقصى شرق العالم الإسلامي، تحت سامي إشراف جلالة السلطان حسن البلقيه، حفظه الله.
وبهذه المناسبة السعيدة أود أن أغتنم هذه الفرصة الطيبة لأزجي إلى مقام جلالة السلطان حسن البلقيه، وإلى حكومته الموقرة، وشعبه الوفي أسمى آيات الامتنان لحفاوة الاستقبال الأخوي ولكرم الضيافة الغامر الذي حظي به كافة المشاركين في الدورة الحالية. إن في هذه المكارم لأبلغ دليل على تعلق هذا البلد الشقيق وقادته بقيم الإسلام الأصيلة، من تضامن وأخوة لا تنفصم عراها. كما لا يفوتني أن أجدد لهم الشكر والعرفان للدعم المعنوي والمادي النفيس الذي ما انفكوا يحيطون به منظمة المؤتمر الإسلامي، ولمساهمتهم في الدفاع عن القضايا الإسلامية انتصارًا للحق والعدل ومن أجل تعزيز السلم والأمن الدوليين.
وفي نفس المقام أرى من واجبي أن أخص بالإشادة مسؤولي مجمع الفقه الإسلامي، وخاصة منهم فضيلة الشيخ بكر أبو زيد، وفضيلة الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة لما يبذلانه من جهد دؤوب على رأس هذه المؤسسة الإسلامية الهامة.
إن هذا الصرح الإسلامي العظيم، مجمع الفقه الإسلامي، الذي تلتقي فيه اجتهادات فقهاء الإسلام وعلمائه وحكمائه كي تقدم للأمة الإسلامية الإجابة الشافية على كل تساؤل تطرحه الحياة المعاصرة؛ فإن منجزاته ومشاريعه العلمية الضخمة التي حققها في فترة زمنية قياسية لم تقتصر على دراسة مشكلات وقضايا الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها وإيجاد حلول ناجعة لها، بل امتد الأمر كذلك إلى تبصير المسلمين بأمور دينهم، سواء أكان هؤلاء المسلمون في الدول الأعضاء أم في الدول غير الأعضاء، هذا إضافة إلى سعي المجمع لترسيخ الفكر الإسلامي الأصيل في شتى مجالات المعرفة: فقهية وثقافية، وعلمية واقتصادية، وغير ذلك.
جلالة السلطان،
أصحاب المعالي والفضيلة
حضرات الإخوة الكرام،
إن الدارس للمجتمعات الإسلامية والتاريخ الإسلامي يقف على حقيقة من حقائق الإسلام تكشف عن أسراره، وهي أن الفقه الإسلامي كان ولا يزال من أهم الأسس والعوامل التي ساهمت في بناء الأمة الإسلامية، وتكوين حضارتها واتساع عمرانها وامتداد سلطانها؛ لأنه فقه يقوم على العدالة، ويشرع الحقوق ويصونها، ويكفل الحرية، ويلائم الفطر السليمة، ويزيل الفوارق، ويساير التطور، ويمسك بالأصول والقواعد العادلة.
وما ذلك إلا لأنه مستمد من شرع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وإرشاد من رسول أمين، لا ينطق عن الهوى ولا يحيد عن الحق، فجاء أول ما جاء ثابت القواعد، راسخ الأساس، سليم المبادئ، صحيح النتائج، متفقا مع الأعراف الصحيحة والعادات الحسنة والأخلاق الكريمة، يهدي إلى الإصلاح، ويدعو إلى السمو، وينأى بجانبه عن الركود والقعود.
ومن هنا كان واجب علماء الأمة الإسلامية أفرادا وجماعات، الاجتهاد في كل عصر، بل الواجب أن لا يخلو منهم جيل كي يستنبطوا من نصوص الشرع أحكام ما يستجد من حوادث ووقائع، ولكي يصلحوا التحريف، ويحقوا الحق ويزيلوا الزيغ حتى يعود الفكر الإسلامي غضا طريا كما كان، خصوصا وأن الاجتهاد الجماعي في هذا العصر متيسر بفضل تطور وسائل الاتصالات، وأن دواعي الاجتهاد قائمة وملحة أكثر من أي عصر مضى.
لقد وجد المجتمع الدولي في عصر التكنولوجيا نفسه متلامسا تتصل الأمور فيه وتتشابك وتتعقد أكثر من ذي قبل، فلابد من القوة للصمود أمام ما يتحاوره من الأفكار والأيديلوجيات والمصالح المتنافسة إن لم تكن متعارضة متناقضة.
فعلى الأمة الإسلامية ممثلة في علمائها أن يهبوا للدفاع عن دينهم الحنيف وأن يجتهدوا اجتهادا جماعيا لمواجهة قضايا الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية برد كل جديد منها إلى الأصول الشرعية من الكتاب والسنة.
ولا يفوتني في هذا السياق، أن أؤكد على أهمية دور الدعوة الإسلامية التي يجب أن تبنى على أسس علمية عصرية وتجريبية مع أخذ الخصوصيات الثقافية لكل شعب بعين الاعتبار، وخاصة في آسيا حيث تتكالب التيارات المعادية للإسلام لتأخذ حجما ما انفك يتزايد يوما بعد يوم.
صاحب الجلالة
أصحاب المعالي
أصحاب الفضيلة
أيها الإخوة الكرام.
إننا نشهد اليوم صارعات مأساوية، معظمها يدور داخل حدود وطننا الإسلامي الكبير، كذلك فإن المجتمع الدولي الذي له وسائل وضع حد لهذه الصراعات أصبح يفضل الكيل بمكيالين بمجرد أن تكون مصالحه غير مهدده مباشرة. وهكذا تستمر معاناة الشعب الفلسطيني بفعل تعنت إسرائيل التي تتمادى دون وازع في تحدي القرارات الدولية وتقتيل المئات من شباب الانتفاضة المباركة، وطرد المواطنين العرب من الأراضي المحتلة، وفرض الحصار الكامل على هذه الأراضي بهدف تركيع المناضلين الفلسطينيين.
وفي البوسنة والهرسك يبدو أن المجازر الرهيبة التي تذكر في جنونها بأبشع الجرائم النازية، لا تحرك ساكن ضمير المسؤولين عن المجتمع الدولي. إن سياسة التطهير العرقي، واغتصاب النساء المسلمات، وتقتيل الأبرياء، وإقامة المحتشدات وغيرها من الجرائم التي يرتكبها الصرب ضد شعب البوسنة ما تزال متواصلة بنفس النسق بينما يركن المجتمع الدولي للتردد والتخاذل مما شجع المعتدي الصربي على الدوس على كل القرارات الرامية إلى وضع حد لمجزرة البوسنة.
إن منظمة المؤتمر الإسلامي، وطبقا لأهدافها النبيلة قد قدمت دعمها الكامل إلى قضيتي فلسطين والبوسنة والهرسك، كما أنها مستمرة في بذل الجهود للإبقاء على ضغط الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن من أجل فرض احترام الشرعية الدولية بنفس المعايير وتطبيق القرارات الدولية دون تمييز.
وفي أماكن أخرى من العالم، فإن حقوق الشعوب المسلمة تتعرض للانتهاك يوميا. تلكم هي الحال في كشمير والفلبين وقبرص وبورما. بينما يتحارب الأشقاء في بلاد إسلامية أخرى باسم مصالح ليست دائما مصالح للشعوب التي يدعون الدفاع عنها. وهكذا فإن الوضع في الصومال وأفغانستان مستمر في التدهور بشكل مثير للقلق، حيث يصر الأشقاء الأعداء على إفشال كل محاولات إعادة المصالحة الوطنية.
ورغم هذا الوضع المتردي فإن أملي عريض في أن تتمكن الأمة الإسلامية من تعزيز وحدتها، وفرض وزنها على كل الأحداث التي تشغل بال المسلمين بالدرجة الأولى. كما أن ثقتي كبيرة في أن العلماء والفقهاء والمثقفين المجتمعين هنا سينظرون في هذه المشاكل وسيتقدمون باقتراحات عملية من شأنها تعزيز التضامن والأخوة الإسلامية في مواجهة التحديات المحدقة بالعالم الإسلامي.
صاحب الجلالة،
أصحاب المعالي،
أصحاب الفضيلة،
أيها الأخوة الكرام.
لا يفوتني في ختام هذه الكلمة أن أتوجه بأسمى آيات العرفان والتقدير إلى حكومة المملكة العربية السعودية، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك: فهد بن عبد العزيز آل سعود، للدعم المادي والمعنوي التي ما انفكت تقدمه لمنظمة المؤتمر الإسلامي عامة، وللأمانة العامة ومجمع الفقه الإسلامي على وجه الخصوص.
واسمحوا لي أيضا أن أجدد الشكر والتقدير إلى صاحب الجلالة السطلان: حسن بلقيه، وإلى حكومة بروناي دار السلام، وشعبها لتفضلهم باستضافة هذه الدورة للمجمع، ولما اتخذ من تدابير من شأنها أن تضمن نجاحها.
كما يسعدني أن أتوجه بالشكر إلى المسؤولين، وأعضاء المجلس، والخبراء والعلماء والباحثين في المجمع، وكافة الموظفين للعمل الإيجابي الذي قاموا به بتفان لجعل هذه المؤسسة المنتمية لمنظومة منظمة المؤتمر الإسلامي أداة فعالة في خدمة الأمة.
قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]
صدق الله العظيم،
أشكركم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
فضيلة الدكتور: بكر بن عبد الله أبو زيد
رئيس مجلس المجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، قيوم السموات والأرضين، وأشهد أن محمدا عبده المصطفى، ونبيه المجتبى صلى الله وسلم عليه وعلى آله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
ففي ضيافة حكومة جلالة السلطان: حسن بلقيه سلطان بروناي دار السلام، تعقد الدورة الثامنة لمجمع الفقه الإسلامي، وإن من يمن الطالع وسعده أن تنعقد هذه الدورة الثامنة على عدد أبواب الجنة الثمانية على أرض دارس السلام، تفاؤلا بأن تكون أعمالنا هذه طريقًا إلى دخول الجنة دار السلام من أي أبوابها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فاللهم اجعل عملنا كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا.
صاحب الجلالة،
أصحاب الفضيلة العلماء،
أصحاب المعالي الوزراء،
أيها الجمع الكريم،
اسمحوا لي – حفظكم الله تعالى – في هذه النوبة أن أنقل خطابة المنابر في الجوامع إلى ردهات المجامع، وأن أنقل مجالس الذكر في الخلوات في أدبار الصلوات إلى أمثال هذه المنتديات والردهات، فأقول:
أما بعد، فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا – رحمكم الله تعالى – أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الأمة حق جهاده، فجزاه الله عن أمته أحسن الجزاء وأوفاه، ثم إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقوا هذا الدين بتولية الله لهم عليه وتزكيته وتعديله لهم بنص كتاب الله وتنزيله، فنقلوا لنا الكتاب والسنة تماما على الذي أنزل، ثم إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نشروا هذا الدين، فطاروا من جزيرة العرب مع شعاع الشمس كل مطار إلى كل بقعة ودار، فنشروا دين الله ونشروا الإسلام ومكنوه في نفوس الناس، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء وأوفاه، ولهذا صار من أصول اعتقاد الملة وأصول الديانة وجوب احترام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظمتهم وتقديرهم في نفوس المسلمين، وأنهم أصل في بلاغ هذه الرسالة إلى الناس، فهم أبر الأمة قلوبا وأعمقها في دين الله، وأقلها تكلفا فقد نشروا هذا الدين، وبلغوا البلاغ المبين، ولهذا فقد تتابع علماء الشريعة العلماء الهداة في القديم والحديث، عقد أهل العلم والإيمان قلوبهم على محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى توقيرهم وتقديرهم وتبجيلهم ووقفوا حصنا منيعا ضد من يريد أن ينال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكننا في هذا الزمان نعايش لوثة مؤلمة، ووضعا معديا من طحالب نبتت في عرض الدولة الإسلامية فأخذوا يكتبون ويقولون وينشرون كتبا ورسائل ومقالات تحمل قدحا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تحمل تفسيقا وتكفيرا لعدد من وجوه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنرى قدحا في الخلفاء الأربعة الراشدين في كتاب يأتي بهم على نسق واحد، ونرى قدحا في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ثم يأتي أحد الكاتبين المجتهدين فيعالج البلية ببلية أخرى، فيكف عن عرض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم يقع في بلية أخرى بالوقيعة في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وهذا كاتب آخر ينشر كتابا من المسلمين في أوساط المسلمين ينكر فيه مائتين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم شخصيات خيالية وهمية وفي مقدمتهم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، راوية الإسلام أبو هريرة رضي الله عنه، وهذه من المكائد العظيمة والمصائب الكبيرة.
وأما الصعقة الغضبية التي يتناثر الصبر دونها، وبلية لا لعلها، وفتنة وقى الله شرها، فهو وجود كتاب ببسطة اليد يحمل مائة وخمسين لعنة بثلاث من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسون إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ونحو خمسين إلى عمر رضي الله تعالى عنه، ونحو خمسين إلى عثمان ذي النورين رضي الله عنه.
وهكذا في عدد من أصقاع العالم الإسلامي من المنتسبين إلى الإسلام يخرجون بهذه اللوثات على وجوه الصحابة وعلى كتب رسائل، ثم لا نرى قلما يحرك ساكنا لرد هذه القباحات عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، إن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم هم الشهود على هذه الشريعة وهم الذين بلغوها، وهؤلاء الأعداء العلمانيون إذا قدحوا في شهود الشرع يريدون أن يسقطوا الشرع بين أيدي المسلمين، ولهذا فإننا نهيب بعلماء المسلمين وبرجال هذا المجمع خاصة أن يقوموا قومة صادقة، وأن يجردوا نياتهم وأقلامهم في سبيل الله دفاعًا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظًا لكرامتهم، وحفظا لبيضة الإسلام، وحفظا لحوزة الإسلام.
وإننا نعرض على معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تثار هذه القضية في منظمة المؤتمر الإسلامي لتتخذ الدول قرارا في حماية جناب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن نعقد القلب على محبتهم والإيمان بهم، ونعقد الولاء والبراء على محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أحبهم وقام بقدرهم وما أوجب الله عليه فهو أخونا في الله، ومن عادى واحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن نبغضه ونكرهه ولا نواليه.
ولهذا فإنه يجب أن نأخذ بهذا الملحظ العظيم الذي أخذت تلك الطحالب تدب إلى العالم الإسلامي في عدد من الدول وعدد من البلدان تعلن فيها سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهكذا يرضى المسلمون؟!.
إن علماء الإسلام قد قاموا بجهود وافرة في رد أمثال هذه الشناعات، ولكن المسلمين ينتظرون جهودكم أيضا في رد هذه الشناعات والقبائح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلنا من أنصار دينه وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا عليه.
هذا، يا صاحب الجلالة إننا نشكر جلالتكم على هذه الاستضافة، وما لقيناه من كرم الوفادة ممثلا في شخصكم الكريم، وفي رجال حكومتكم، وفي مقدمتهم معالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ: محمد الزين، فجزاكم الله خيرا وشكر سعيكم، وأسأل الله الكريم، رب العرش العظيم أن يوفقنا جميعا لكل عمل صالح مبرور، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أقام لنا معالم الهداية، وأوضح لنا سبيل المتقين، وجعلنا من عباده المخلصين الداعين للحق والخير، السائرين على نهج سيد الأولين والآخرين رسول رب العالمين وخاتم النبيين والمرسلين سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
* حضرة صاحب الجلالة: كباوه دولي ينغ مها مليا بادوكا سري بكندا سلطان حاج حسن البلقية معز الدين والدولة ابن المرحوم سلطان حاج عمر علي سيف الدين سعد الخير والدين، سلطان دان يغ دفر توان نكارا بروني دار السلام،
* صاحب المعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
* أصحاب السمو الملكي.
* أصحاب المعالي والسماحة والسعادة والفضيلة، ضيوفنا الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد
فمن مؤتمر الحج الأكبر برحاب بيت الله الحرام بمكة المكرمة الذي دعا الله إليه عباده على لسان خليله إبراهيم، ولسان عبده ورسوله وصفيه محمد عليهما الصلاة والسلام إلى هذا المؤتمر، مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، في دورته الثامنة الذي يخدم دينه، وينشر هديه، ويوضح أحكامه، ويقيم عدله، ويطبق شريعته.
وإنه لمن أمارات الخير واليمن والبركة أن يلتئم هذا الجمع، وتنعقد هذه الدورة الثامنة لمجمع الفقه الإسلامي بعاصمة بروني دارالسلام الجميلة بندر سير بجوان، وبسامي إشراف جلالة السلطان وحضوره في فاتح هذا الشهر المبارك محرم الحرام أول شهور السنة الهجرية لعام أربعة عشر وأربعمائة وألف، جعلها الله سنة فتح ونصر، وعزة وقوة للإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وإن هذا الحضور المشهود من أطراف العالم الإسلامي لأعضاء المجمع وخبرائه الوافدين من جميع أطراف المعمورة، ليعلن شكره وتقديره ويرفع إلى جلالة السلطان الحاج حسن البلقيه آيات الامتنان والعرفان لدعوته الكريمة له، واستضافته دورة مجمع الفقه الإسلامي بعاصمة دار السلام قاعدة حكمه وحاضرة دولته.
ولا بدع في ما نلقاه من جميل رعايته وبالغ عنايته: فدين الدولة الإسلام، وجلالة السلطان حامي حمى الدين، والمحاكم الشرعية تتولى الفصل بين المسلمين فيما يعود إليها بالنظر من القضايا. وقد واصل جلالته عمل والده في خدمة بلاده وإحيائها، وبعث أنواع النشاط بأطرافها، وأقام توازنا حكيما بين النمو الروحي والنمو المادي، فبنى المساجد والمدارس الدينية والمعاهد العليا ومراكز الدعوة الإسلامية، ونشر تعليم العربية وحفظ القرآن ببلده، وأنشأ بالعاصمة مؤسسة مالية إسلامية.
حضرة صاحب الجلالة.
إن موضوعات الدورة التي تشرفونها بمشاركتكم الكريمة، وافتتاحكم لأعمالها تتضمن محاور عدة:
منها: ما له علاقة بالسنة النبوية الشريفة، الأصل الثاني من أصول التشريع الإسلامي وعنوانه: دور السنة النبوية في بناء الإسلام، وما تعرض له هذا الأصل من هجومات الخصوم.
ومنها: ما له ارتباط بالعمل الاجتهادي وموضوعه: الأخذ بالرخصة الشرعية وحكمه. وهو قضية أصولية فقهية أملتها الحنيفية السمحة التي جاء بها الدين الإسلامي، ولها جانبان: الأول: بحث الرخص الشرعية، وأنواعها، وضوابطها، ومدى جواز تتبعها والأخذ بها، والجانب الثاني: التلفيق بين الأراء الفقهية والمذاهب الاجتهادية، عندما تتطلب ذلك الظروف والأحوال الطارئة، والضرورات والحاجات العامة والخاصة. والمؤمل أن يتضح من الدراسات المقدمة في هذا الغرض ما ينبغي أن يكون عليه عمل الفقهاء والمفتين في هذا العصر، وما يتأكد قيام المجامع الفقهية به في هذا المجال من وجوب الالتزام بثوابت الشريعة وأصولها وأحكامها الأساسية، ومن التيسير على الناس في المتغيرات من الأحكام القياسية والمصلحية على وجه يصون الشريعة ويحقق أهدافها، ولا يفضي إلى تعطيلها أو نقض أحكامها أو تفويت مقصادها عن الخلق.
ومن الموضوعات ما له صبغة اجتماعية كحوادث السير، وما ينبغي أن يؤخذ به فيها من الأحكام في هذا العصر، بعد إمعان النظر في الجزئيات والمسائل التي بحثها الفقهاء قديما في هذا المجال.
ومنها ذو الطابع التجاري المتطور كبيع العربون والبيع بالمزايدة.
ومنها قضايا اقتصادية مستجدة مثل: بطاقات الائتمان. والتطبيقات الشرعية لإقامة السوق المالية الإسلامية المشتركة، والقضايا التي بحثتها الندوات الفقهية الاقتصادية الثلاثة التي عقدها المجمع بالاشتراك مع معهد البحوث والتدريب خلال الشهور القليلة الماضية بجدة، وما صدر عنها من توصيات بشأن الموضوعات التالية:
- آثار تغير قيمة أو أساسيات التقييس.
- مشاكل البنوك الإسلامية.
- المشاركة في أسهم الشركات المساهمة المتعاملة بالربا
ومن الموضوعات ما له علاقة بالطب كأخلاقيات الطبيب وتحديد مسؤوليته، والأحكام المتعلقة ببعض ذوي الأمراض المستعصية.
ولبحث هذه الموضوعات المطروحة للدرس والنظر استكتب المجمع عددا من الشيوخ والأساتذة الأعضاء والخبراء، وبلغت حصيلة ما تجمع لدينا من دراسات أكثر من ستين بحثا ووثيقة وثلاث توصيات.
ونحن إذ نشكر جهود العلماء العاملين وما قدمه الدارسون والباحثون في مجالات الاختصاص المختلفة والمتنوعة التي أومأنا إليها، ننوه برعاية حكومة جلالة السلطان ببروني دار السلام لهذا اللقاء العلمي المجمعي الفقهي، كما نشيد بما نجده من تأييد متواصل وعناية خاصة بمجمع الفقه الإسلامي من معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
ولا يفوتني في ختام هذه الكلمة أن أتقدم إليكم جميعا بخالص الشكر، وجزيل الثناء على ما تجشمتموه من مشاق، وتحملتموه من نصب من أجل حضور أعمال الدورة الثامنة لمجمعكم هذا. فأهلا وسهلا بكم ببندر سيري بجوان في رعاية جلالة السلطان راعي هذه الدورة العلمية لمجمعكم.
وإنكم لباذلون بإذن الله ما عودتمونا به مما أنتم أهله من كمال التبصر وحصافة الرأي، وعمق العلم في كل ما تتناولون به القضايا المطروحة على هذه الدورة تناولا يصحبكم فيه من الله العلي القدير التوفيق والتسديد، وتظهر دلائل النصح والإخلاص فيه لدين الله فيما يصدر عنكم من قرارات أو فتاوى أو تتقدمون به للمجتمعات الإسلامية في الشرق والغرب من توجيهات وتوصيات.
بارك الله جمعكم، وبارك عليكم جهودكم. والله ولينا ووليكم يدعو إلى الحق، وهو يتولى الصالحين. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.