الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمة
المتعاملة بالربا
تجربة مجموعة دلة في أسلمة الشركات
عن طريق شراء أسهمها
إعداد
الشيخ صالح عبد الله كامل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]، والقائل:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .
والصلاة والسلام على خير خلقه سيدنا محمد القائل: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) .. وبعد، أيها الإخوة الكرام.
هذه الورقة ليست بحثاً فقهياً أو اقتصادياً بشأن الموضوع المطروح للمناقشة، ولكنها عرض لتجربة مجموعة دلة البركة في مجال أسلمة شركات المساهمة العامة والشركات ذات المسؤولية المحدودة، ونقصد بأسلمة تلك الشركات هو جعل الشركات ذات الغرض الأساسي المشروع والتي تتعامل بالفائدة أخذاً وعطاءً في تسيير نشاطها تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية وتمتنع عن ذلك، وذلك عن طريق شراء أسهمها وحصصها بالحجم الذي يمكن المجموعة ومن يعاونها في ذلك من سلطة اتخاذ القرار في الشركة المعنية.
ولقد اهتمت المجموعة بهذا الموضوع اهتماماً خاصاً وأولته عنايتها وذلك لقناعتها بالمرتكزات الأساسية التالية:
1-
الدور المهم لشركات المساهمة العامة والشركات ذات المسؤولية المحدودة في حركة النشاط الاقتصادي.
2-
إن إحجام الأفراد والجهات الملتزمة بالمعاملات المالية الشرعية في المجتمعات الإسلامية الخالصة عن شراء أسهم تلك الشركات معناه أن تقع تلك الشركات وبما تمله من وزن اقتصادي مؤثر تحت سيطرة الأفراد غير الملتزمين والمؤسسات الربوية، وبالتالي يصبح جل حركة النشاط الاقتصادي خارج مجال ومتناول المؤسسات الإسلامية.
3-
وتبدو الصورة أكثر وضوحاً في حالة المجتمعات الإسلامية التي بها جاليات كبيرة غير مسلمة ذات نفوذ اقتصادي، ففي هذه الحال فإن عدم الدخول في مثل هذه الشركات معناه أن يسيطر اليهود والنصارى واللادينيون على حركة النشاط الاقتصادي.
ولقد قامت المجموعة بعرض هذا الموضوع على ندوة البركة السادسة والتي عقدت بالجزائر في مارس 1990م، والتي اشترك فيها عدد كبير من الفقهاء والعلماء الموجودين بيننا الآن، وجاء نص الفتوى كالتالي:
(شراء أسهم الشركات العاملة في البلاد الإسلامية ذات الغرض المشروع وتتعامل أحياناً مع البنوك الربوية إقراضاً واقتراضا، وذلك بقصد العمل على أسلمة معاملاتها أمر مطلوب لما فيه من زيادة مجالات التزام المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية) .
ولقد صدرت الفتوى بإجماع العلماء المشاركين في الندوة.
عملاً بتلك الفتوى التي اعتبرت أن مثل هذا الأمر واجباً، قامت المجموعة بشراء أسهم عديدة من الشركات تمهيداً لأسلمتها، وبفضل الله وإخلاص كثير ممن تعاملنا معهم نجحت المجموعة في أسلمة عدد من الشركات على المعنى الذي أوضحناه لكلمة الأسلمة.
وضماناً للجدية وعدم التسويف في هذا الأمر، وحتى لا يتم استغلال الفتوى دون متابعة جدية واتخاذ خطوات عملية فلقد راعت المجموعة في الشركات التي تعتبر هدفاً لمحاولاتها هذه اعتبارات عديدة، أهمها التالي:
1-
عند دراسة أسلمة أية شركة يجب أن يجري التفريق بين الشركة الجديدة والشركة القائمة. ففي الشركة الجديدة والتي لم تمارس عملها يجب أن لا يتم ذلك إلا مع شركاء يوثق بدينهم، ويكون الاتفاق والتوافق معهم تاماً في الغايات، وشرط عدم تعامل الشركة بالمحرمات والربا باعتبار ذلك أمراً أساسياً واضحاً قبل السير في المشاركة.
2-
أما الشركات المساهمة القائمة فيجب الانتباه إلى مجموعة من الملاحظات قبل السير في شراء أسهمها، والإجابة على مجموعة من الأسئلة والأفكار قبل الإقدام على الشراء، ومن هذه الأمور ما يلي:
أ- غرض الشركة:
التأكد من أن غرض الشركة حلال، ومجال عملها ومنتجاتها من الأغراض التي يصدق عليها على أنها تنموية ذات قيمة مضافة.
ب- القوانين:
دراسة القوانين في البلد المعني للتأكد من أنه لا يوجد مانع قانوني من النص على الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية أو من شراء الأسهم أو ملكيتها بسبب الجنسية أو أي اعتبار آخر. كما يتم دراسة الواجبات والمسؤوليات على الشركاء حتى لا يتم التورط فيما هو مخالف للأسلمة.
جـ- الأنظمة الداخلية للشركة:
دراسة النظام الداخلي للشركة وعقد تأسيسها للتأكد من مرونة تغييره بما يوافق التوجه نحو أسلمة الشركة.
د- نصاب اتخاذ القرار:
التأكد من أن عدد الأسهم التي ستشترى بالتعاون مع الشركاء الحاليين أو المحتملين الآخرين تمكننا من إجراء التغيير المطلوب في أنظمتها وقوانين تأسيس الشركة.
هـ- التمويل:
يجب دراسة حاجات الشركة من التمويل للتأكد من أنه يمكن توفيرها للشركة حتى يقع تناقض بين أسلمة النظام الداخلي للشركة والعجز عن توفير التمويل.
و الإدارة الأمينة المؤهلة:
من المهم حقاً وجود إدارة أمينة على القيم الإسلامية، مؤهلة لضمان استمرار نجاح الشركة وتقدمها في تحقيق أهدافها ولضمان التزامها بالأحكام الشرعية.
ولقد اتبعت المجموعة في سعيها لأسلمة الشركات من خلال شراء أسهمها في السعودية والأردن ومصر أساليب مختلفة تتناسب كل منها مع ظروف كل شركة، وذلك وفقاً للتالي:
الأسلوب الأول:
النص في النظام الأساسي للشركة بالالتزام القاطع بأحكام الشريعة الإسلامية وعدم الإقراض أو الاقتراض بالفائدة، وحصل مثل هذه في عدد من الشركات أهمها شركة مكة للإنشاء والتعمير حيث كان معظم المؤسسين من الملتزمين الذين أقبلوا على شراء أسهم الشركة بنية عدم التعامل الربوي.
الأسلوب الثاني:
الدخول في الشركة من خلال شراء الأسهم، ثم العمل من الداخل من أجل تغيير النظام الأساسي من خلال الجمعية العمومية، وخير مثال لذلك شركة طبية، والتي كانت تتعامل لفترة بالفائدة، إلا أنه نتيجة للجهود التي قام بها الشيخ صالح الحصين ومؤازرة ومساندة بعض الإخوة الأفاضل تم تغيير منهج الشركة، وتم إهدار 60 مليون ريال من أموال الربا لم تسجل في ميزانية الشركة كأرباح، كذلك استطعنا وفق هذه المنهجية أسلمة معاملات شركة ساسكو وذلك من خلال الجمعية العمومية، وشركة الفنادق عندما كنت مسؤولاً عنها.
الأسلوب الثالث:
بعض الشركات ذات المسؤولية المحدودة دخلنا مع الشركاء دون أن نطلب منهم النص على التعامل الشرعي أو غيره، وبعدما أشعرناهم بثقل وزننا مالياً ومعنوياً وضعناهم في خيار بين أن نخرج من الشركة، أو أن تصبح أعمال الشركة إسلامية خالصة، وعندها أحسوا بأن بقاءنا في الشركة فيه مصلحتهم أكثر مما في تمسكهم بالتعامل الربوي وافقوا على التحول إلى التعامل الشرعي، وتحققت لهم في آن واحد الهدف المادي والطمأنينة النفسية على التحول إلى التعامل الشرعي، وتحققت لهم في آن واحد الهدف المادي والطمأنينة النفسية بتحريرهم من قيود الربا وأغلاله، وتم وفق هذا الأسلوب أسلمة ما يزيد عن 70 شركة ذات مسؤولية محدودة.
الأسلوب الرابع:
وهو التأثير على بعض الشركات التي نحس من المسؤولين عنها تقبلاً طيباً لفكرة التحول عن الربا، فتقوم بتمويلها عن طريق الصيغ الإسلامية ثم السعي لتخليصها من التعامل الربوي تدريجياً، مع العمل في نفس الوقت على شراء أسهم فيها تدعيماً لهذا التوجه. حتى إذا زاد اقتناع القائمين عليها أو أغلبهم تم السعي إلى تحويل عملها بما يجنبها التعامل الربوي.
أيها السادة:
أنا أعلم أن هناك بعض الفتاوى التي لا تجيز شراء أي نوع من أسهم الشركات المساهمة العامة ما دام أنها تتعامل ولو عرضاً بالربا أخذاً وعطاءً، وذلك دون النظر إلى كل حالة على حدة، وبغض النظر عن أهدافها ونوايا الجهة المشترية للأسهم. وكما ذكرت فإن ذلك سيضعف الملتزمين الإسلاميين ويجعل مراكز القوى الاقتصادية في يد غير المسلمين. والحال أسوأ في الدول الإسلامية التي بها مواطنون غير مسلمين فإنهم سيسيطرون على مقدرات البلد.
فإصدار الفتوى مطلقة دون النظر إلى الآثار الجانبية التي تلحق الضرر بالمسلمين قد لا يكون ملائماً، ولو نظرتم حضراتكم إلى كل حالة ومقصد الشراء فيها، فمثلاً أعتقد بتشجيع المسلمين على شراء أسهم الشركات المساهمة العامة في الدول الإسلامية (حتى ولو كانت تتعامل عرضاً بأخذ ودفع الفوائد) بغرض إحكام سيطرة المسلمين على مراكز الإنتاج كهدف، ثم تحويل هذه الشركات من الداخل للتعامل بالطرق الإسلامية، أعتقد أن في هذه الحالة الأمر واجب ومندوب إليه.
يلي ذلك الأسهم في الدول الإسلامية التي كل مواطنيها مسلمون، أما الأسهم في الغرب فلا أظن أنه بالإمكان محاولة التغيير في الشركات الكبيرة، ولكن توجد شركات حقوق الملكية فيها إلى الديون معقولة، وأنا أعرف محفظة أسهم في نيويورك تعرف الآن باسم (المحفظ الإسلامية) أنشأناها مع بعض المختصين في تلك الأسواق ومن خلال بيوت سمسرة غربية بدأنا فيها بشركات رؤوس أموالها إلى ديونها 1- 1 ثم 60- 40 ثم 70 – 30 ووصلنا بفضل الله إلى 80 – 20، ونأمل الوصول إلى 100 وذلك يتأتى بالإقناع وبتوفير التمويل اللازم بوسائل إسلامية، ونتائج هذه المحفظة باهرة، وتعمل لها مقارنة مع محافظ أخرى، ودائما نتائج هذه أحسن، وبدأ الغربيون يستغربون ذلك؛ لأن هناك نظرية غربية عن موضوع الرافعة المالية وضرورة الديون، وقد أثبتنا الحمد لله أن تلك النظرية ليست دائماً صحيحة.
هناك حالة قد تدعو لها الضرورة في بعض المؤسسات المالية الإسلامية التي تحتاج إلى أصول يمكن تسييلها بسرعة لمواجهة متطلبات السحب المفاجئ، فاحتفاظها بجزء من أموالها في الأسهم الغربية يتيح لها ذلك ولا توجد وسيلة أخرى توفر هذه الإمكانية، وإن لم تقم بذلك تتعرض للكثير من الضرر والتقلص.
هناك حالة مؤسسات مالية تتعامل في ذلك بغرض المضاربة وتحقيق ربح سريع كبير، وهي بعملها ذلك تضر الأسواق ولا تنفع المجتمع وتتعامل بأسهم يشوبها الربا.. فهل ذلك مقبول أم لا؟
قبل أن أختم كلمتي أود أن أتساءل عن موضوعين ربما يلقيان بصيصاً من ضوء على الإجابة المتوقعة:
الأول: موضوع الأوراق النقدية في العصر الحاضر والتي نتقاضى بها رواتب وأرباحاً لا يشوبها غبار الربا، أليس غطاؤها عملات واحتياطات تتعامل بها البنوك المركزية بالربا ولو كان عرضاً، فهل نمتنع عن استلامها والتعامل بها وهي حتى قيمتها يدخل في تحديد ارتفاعها وانخفاضها الربا؟
الثاني: هذه الشركات المساهمة العامة التي تتعامل بالربا عرضاً، هل يجوز لنا أن نمولها مرابحة وتأجيراً، أم نمتنع عن ذلك؛ لأنها تتعامل بالربا، وقد تدفع لنا رأس مالنا وأرباحنا من مصادر ربوية لها، وهي لا تستطيع الفصل بين مصادرها الربوية وغير الربوية، وإذا كان ذلك لا يجوز فمن نمول؟؟ وهل لو اشترطنا عليها الامتناع عن التعامل بالفوائد كلياً هل إمكانيات البنوك الإسلامية المالية تسمح بذلك أو الضوابط القانونية التي تفرض من البنوك المركزية والأعراف المصرفية التي لا تتيح تمويل عميل واحد بأكثر من 10 % من رأس مال البنك.
وهذه مشكلة حالية تواجهنا مع كثير من المتعاملين المسلمين الصادقين الذين لا يرغبون في التعامل في الربا في كامل أعمالهم، ولكن الحواجز القانونية الإسلامية لا تتيح لنا تمويله بأكثر من نسبة معينة، ولقد طرحت ذلك في أحد الاجتماعات المشتركة للبنوك الإسلامية، واقترحت إنشاء صندوق تساهم فيه البنوك الإسلامية بمبالغ معينة، وبفوائض ما لديها، بحيث إذا قام البنك الإسلامي الأردني مثلاً بدراسة عميل وأجاز تمويله بكامل احتياجه إلا أن حاجز النسبة يعوق ذلك، فنلجأ لهذا الصندوق حتى يقدم الفرق بنسبة من كل بنك، وبذلك نتيح للعملاء أسلمة أعمالهم، ولكن الاقتراح ذهب أدراج الرياح؛ لأن كل بنك ينظر فقط لصالح مساهميه ولا ينظر للمصلحة العامة للمسلمين.
أيها السادة العلماء:
الموضوع المطروح أمامكم خطير، وأرجو الله أن يلهمكم الصواب.
الشيخ صالح عبد الله كامل