الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التطبيقات الشرعية
لإقامة السوق الإسلامية
التطبيقات الشرعية
لإقامة السوق الإسلامية
إعداد
الدكتور علي محيي الدين القره داغي
جامعة قطر – كلية الشريعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين. وبعد:
فإذا كانت الشعوب المسلمة قد خطت خطوات جادة في سبيل عودتها إلى نظامها الإسلامي، ولا سيما في نطاق الاقتصاد من خلال إنشاء المصارف والشركات الإسلامية، حيث أدت دورا جيدا في جذب أموال المسلمين وتدفقها عليها واتساع آفاق التمويل؛ فإن الحاجة ملحة جدا لأن تخطو الدول الإسلامية خطوة جادة أخرى لإيجاد سوق ثانوية لتغطية رؤوس أموالها، لها أدواتها المشروعة وآلياتها الفعالة تكون بمثابة رئتها التي تتنفس فيها شهيقا وزفيرًا، وذلك لأن البنوك الإسلامية اليوم كأنها تسير على رجل واحدة تمثل في السوق الأولوية، أما رجلها الثانية المتمثلة في السوق الثانوية (البورصة) فلا تزال لم تكتمل على الرغم من أهميتها القصوى وحاجتنا الماسة إليها وذلك لأنها الوعاء المتكامل للفائض من سيولة البنوك الإسلامية وامتصاص حاجتها.
فالبنوك الإسلامية إذا لم تحقق لنفسها سوقا إسلامية ثانوية ستظل أسيرة النظام المالي العالمي المتحكم في تدوير أموال الشعب (1) .
لذلك سيكون من أولى الواجبات البحث عن هذه السوق المالية الإسلامية وعن مجموعة كبيرة من آلياتها المشروعة وأدواتها المباحة شرعًا.
(1) د. سامي حسن حمود: بحثه عن تطبيقات بيوع المرابحة المقدم إلى ندوة مؤسسة آل البيت عن خطة الاستثمار، عمان 22 شوال – 25 شوال 1407 هـ ص 18
إضافة إلى أن عالمنا الإسلامي قد حباه الله تعالى بوفرة موارده وثرواته ومعادنه ومواده الخام وكثرة السيولة النقدية حتى أن الاستثمارات العربية الخليجية في الغرب تقدر بأكثر من سبعمائة مليار دولار، ومن هنا فإعادة توطين هذه الأموال المهاجرة إلى خارج البلاد تتطلب تعاون الدول الإسلامية لإيجاد سوق إسلامية لرأس المال الإسلامي وتسييله وتدويره لخدمة الأهداف التنموية وتحقيق التكافل والتوازن والتكامل، وفي حالة عدم قيام الدول الإسلامية بهذا الواجب فإن على البنوك الإسلامية والمجامع والهيئات الفقهية أن تبذل كل جهودها للوصول إلى هذا الهدف ولا تألو بأي جهد فكري أو مالي لتحقيق هذا الغرض الملح.
وللإحساس بهذه الأهمية قام مجمع الفقه الإسلامي الموقر بعقد عدة ندوات في المغرب وفي البحرين لبحث الأسواق المالية الإسلامية ضمت عددا كبيرا من الخبراء والباحثين والمتخصصين في مجال الاقتصاد والفقه الإسلامي، بل ناقش المجمع في دورته السابقة مجموعة من البحوث حولها ووصل فيها إلى عدة حلول مرجئا بقية موضوعاتها إلى دورته الثامنة المقبلة إن شاء الله، وكذلك عقدت ندوات فرعية من قبل بعض البنوك حول السوق المالية وأدواتها الشرعية.
وتأتي عناية مجمع الفقه الإسلامي الموقر بالأسواق المالية من خلال تخصيص كل هذه الجهود العلمية السابقة لدراستها دراسة تحليلية دقيقة من قبل المتخصصين في الفقه الإسلامي والاقتصاد. للوصول إلى الهدف المنشود وهو إقامة السوق المالية التي خصص لها حلقة خاصة لبحثها وكيفية تحقيقها في دورته الحالية (الثامنة) .
ونحن بدورنا المتواضع نحاول جاهدين أن نعطي صورة لأدوات السوق الإسلامية التي يمكن تطبيقها، ولذلك سنخصص هذا البحث لأهم الأدوات والآليات للسوق وهي الأسهم والسندات، وكيفية الإفادة من العقود الخاصة، كالسلم والاستصناع والمرابحة، والمشاركة، والإجارة، والوعد ونحوها.
تصور شامل
لسوق المال الإسلامية
إذا أردنا النجاح لسوق المال الإسلامية فلا بد أن يكون لدينا تصور شامل لها يستوعب جميع جوانبها وآلياتها، وعقودها، بحيث نقدم الحل الإسلامي والبديل العملي الإسلامي لها.
وأعتقد أن مجمع الفقه الموقر يسير في ندواته ودوراته لتحقيق هذا التكامل، وهذه الصورة المتكاملة.
ولذلك نعرض في هذا البحث آليات السوق وأدواتها من الأسهم والسندات، وبدائلهما الإسلامية من خلال عامل ما يحل من الاسهم، وما يمكن أن يكون بديلا عن السندات مثل صكوك المضاربة والمشاركة ونحوهما من العقود التي يمكن أن تصاغ منها الصكوك، ثم أتبعنا ذلك بمباحث هامة للاستفادة العملية من العقود؛ لأن سوق المال (البورصة) لا تقتصر الآن على التعامل بالأسهم، والسندات، وإنما تتعامل أيضا عن طريق مجموعة من العقود النمطية وغيرها، ومن هنا جاء بحثنا في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الأسهم.
المبحث الثاني: السندات وبدائلها.
المبحث الثالث: الإفادة العملية من العقود الشرعية في سوق المال الإسلامية.
والله نسأل أن يوفقنا لخدمة الإسلام ونظامه الاقتصادي وأن يعصمنا من الخطأ والزلل في القول والعقيدة والعمل.
المبحث الأول
سوق الأسهم: أنواعها وحكم كل نوع منها
الأسهم هي جمع سهم، وهو لغة له عدة معان منها: النصيب، وجمعه:"السهمان" بضم السين، ومنها العود الذي يكون في طرفه نصل يرمى به عن القوس، وجمعه: السهام، ومنها: بمعنى القدح الذي يقارع به، أو يلعب به في الميسر، ويقال: أسهم بينهم أي أقرع، وساهمه أي باراه ولاعبه فغلبه، وساهمه أي قاسمه وأخذ سهما، أي نصيبا، جاء في المعجم الوسيط:"ومنه شركة المساهمة "(1)، وفي القرآن الكريم:{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] أي قارع بالسهام فكان من المغلوبين (2) . والاقتصاديون يطلقون السهم مرة على الصك، ومرة على النصيب، والمؤدى واحد، فباعتبار الأول قالوا: السهم هو صك يمثل جزءا من رأس مال الشركة، يزيد وينقص تبع رواجها.
وبالاعتبار الثاني: قالوا: السهم هو نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال، أو جزء الذي على قيمته مجموع رأس مال الشركة المثبت في صك له قيمة اسمية، حيث تمثل الأسهم في مجموعها رأس مال الشركة، وتكون متساوية القيمة (3) .
(1) القاموس المحيط، ولسان العرب، والمعجم الوسيط مادة (سهم)
(2)
النكت والعيون للماوردي، ط. أوقاف الكويت (3 / 426)، ويراجع: أحكام القرآن لابن العربي، ط. دار المعرفة بيروت (4 / 1622)
(3)
يراجع: د. علي حسن يونس: الشركات التجارية، ط. الاعتماد بالقاهرة ص (539) ود: شكري حبيب شكري، وميشيل ميكالا: شركات الأشخاص وشركات الأموال علما وعملا، ط. الإسكندرية ص (184)، ود: صالح بن زابن المرزوقي البقمي، ط. جامعة أم القرى 1406 هـ ص (332)، ود: أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، ط. دار الفكر العربي، القاهرة 1989، ص (526)
وتتميز الأسهم بكونها متساوية القيمة، وأن السهم الواحد لا يتجزأ وأن كل نوع منها – عاديا أو ممتازا – يقوم من حيث المبدأ – على المساواة في الحقوق والالتزامات وأنه قابل للتداول، ولكن بعض القوانين – مثل النظام السعودي – استثنى الأسهم المملوكة للمؤسسين حيث لا يجوز تداولها قبل نشر الميزانية إلا بعد سنتين ماليتين كاملتين – كقاعدة عامة – وكذلك لا يجوز تداول أسهم الضمان التي يقدمها عضو مجلس الإدارة لضمان إدارته طوال مدة العضوية وحتى تنقضي المدة المحددة لسماع دعوى المسؤولية (1) .
(1) د. صالح البقمي: المرجع السابق ص (337 – 338)
حكم تقسيم رأس مال الشركة:
ومن الجدير بالتنبيه عليه أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص وأجزاء واشتراط الشروط السابقة لا يتنافى مع المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، والقواعد العامة للشركة في الفقه الإسلامي، إذ ليس فيها ما يتنافى مع مقتضى عقد الشركة، بل فيها تنظيم وتيسير ورفع للحرج، الذي هو من سمة هذه الشريعة، وداخل ضمن الوفاء العام بالعقود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وتحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((المسلمون عند شروطهم)) (1) وفي رواية: ((
…
المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما)) (2) . قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"(3) .
فهذه النصوص وغيرها تدل على أن كل مصالحة وكل شرط جائزان إلا ما دل الدليل على حرمته، وعلى أن الأصل فيهما هو الإباحة، والحظر يثبت بدليل خاص، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"وهذا المعنى هو الذي يشهد عليه الكتاب والسنة.."(4) .ويقول أيضا: "إن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على خلافه
…
فإن الكتاب والسنة قد دلا على الوفاء والعهود، وذم الغدر والنكث ..... والمقصود هنا: أن مقتضى الأصول أن الشرط يلزم إلا إذا خالف كتاب الله
…
" (5) .
(1) رواه البخاري في صحيحه – تعليقا بصيغة الجزم – كتاب الإجارة (4 / 451)
(2)
سنن الترمذي – مع شرح تحفة الأحوذي – كتاب الأحكام (4 / 584)، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى 29 / 147) :"وهذه الأسانيد، وإن كان الواحد منها ضعيفا فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضا"
(3)
مجموع الفتاوى – ط. الرياض (29 / 150) ويراجع لإثبات أن الأصل في العقود والشروط هو الإباحة: مبدأ الرضا في العقود، ط. دار البشائر الإسلامية (2 / 1148)
(4)
مجموع الفتاوى (29 /346، 351)
(5)
الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (315) . ومجموع الفتاوى لابن تيمية (29 / 320 – 331)
ولا يخفى أن هذه القواعد السابقة تجعل الفقه الإسلامي يقبل بكل عقد، أو تصرف، أو تنظيم مالي أو إداري ما دام لا يتعارض مع نصوص الكتاب والسنة، وقواعدها العامة، وأن الشريعة الغراء تجعل كل حكمة نافعة ضالة المؤمن دون النظر إلى مصدرها أو اسمها، وإنما الأساس معناها ومحتواها، ووسائلها وغاياتها، وما تحققه من مصالح ومنافع، أو مضار ومفاسد.
أنواع الأسهم:
للأسهم أنواع كثيرة وأسماء مختلفة متنوعة، لذلك لا يكون الحكم دقيقا حتى نعرض لكل نوع منها، ثم نبين حكمه مع التوجيه؛ لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره.
وهذه الأنواع باعتبارات مختلفة، قد يتداخل بعضها مع بعض، وقد يكون نوع واحد يعتريه عدة أحكام باعتبار حالاته المختلفة التي تحددها الشركة في نظامها الأساسي، لذلك نحاول أن نذكر كل ذلك بشيء من الإيجاز (1) .
(1) يراجع: المراجع السابقة نفسها
أ- أنواع الأسهم من حيث الحقوق: العادية والممتازة:
لا يخفى أن جميع الأسهم قيمتها متساوية، وهذا يقتضي تساويها في الحقوق والواجبات، وتكون مسؤولية المساهمين بحسب قيمة السهم، ولذلك فالأصل أن تكون الأسهم عادية لا ميزة لأحدها على الآخر، ولكن بعض القوانين تبيح إصدار أسهم ممتازة، وهذه الميزة قد تكون بمنح أصحابها الأولوية في الأرباح، أو في أموال الشركة عند التصفية، أو بغير ذلك.
فحكم الأسهم العادية الجواز من حيث المبدأ إلا إذا كان محلها حراما وحينئذ لا يجوز – كما سبق تفصيلها -.
وأما أسهم الامتياز فحكمها يختلف باختلاف نوعية الامتياز فيها:
1-
فإذا كان امتيازها بضمان نسبة مثل 5 % من قيمة السهم، ثم يوزع باقي الأرباح على جميع الأسهم بالتساوي، أو استيفاء فائدة سنوية سواء ربحت الشركة أم لا.
فإن هذا النوع لا يجوز ألبتة في الشريعة الإسلامية، لأنه يتضمن الربا المحرم شرعا. ولأن هذا الشرط مخالف لمقتضى عقد الشركة في الشريعة الغراء، فمبنى الشركة على المخاطرة، والمشاركة الحقيقية في الغرم والغنم على قدر الحصص، وعلى ذلك إجماع الفقهاء (1) .
(1) يراجع: المراجع السابقة نفسها
2-
وإذا كان امتياز السهم بإعطاء الأولوية في الأرباح، أي يعطى لصاحبه الربح، ثم إن بقي يعطى لأصحاب الأسهم العادية.... فهذا الامتياز أيضا مخالف لمقتضى عقد الشركة، فلا يجوز.
3-
وإذا كان هذا الامتياز بأن يعطى لصاحب السهم حق استعادة قيمة الأسهم بكاملها عند تصفية الشركة، ثم تعطى البقية الباقية لأصحاب الأسهم العادية، حيث قد يخسرون وهو لا يخسر، فهذا أيضا كسابقه لا يجوز للسبب نفسه.
4-
وأما إذا كان امتياز السهم يعود إلى إعطاء ضمان مالي لصاحبه دون غيره. فإن هذا الضمان مخالف لمقتضى عقد الشركة – كما سبق -.
5-
أما إذا كان الامتياز في حدود الأصوات بأن يتنازل صاحبه عن صوته، بأن لا يكون له حق التصويت في الجمعية العمومية في مقابل أن يعطى له حق دفع قيمة أسهمه بالأقساط.
فلا أرى مانعا من ذلك، لأنه يعود إلى القضايا الإدارية التي يتحكم فيها الاتفاق، وليس فيه أي مخالفة لنصوص الشرع، ولا لمقتضى عقد الشركة، ولا يعود هذا الامتياز إلى الجوانب المالية، وإنما أعطي له نوع من التيسير في مقابل تنازله عن صوته، وكل ذلك قد تم برضا الطرفين، ولا يتعارض هذا الرضا من نصوص الشرع ولا مقتضى العقد، حيث يعود الأمر في ذلك إلى تنازل أحد الشركاء لأن يدير الشركة بعضهم دون الآخرين، وقد أجاز جماعة من الفقهاء استبداد أحد الشريكين بالعمل (1) .
وكذلك الأمر لو تم الاتفاق على أن يعطى لبعض الأسهم صوتان لكل سهم، فلا أرى أنه محرم شرعا – وإن كان فيه خوف من الاستغلال – وذلك لأن هذا الامتياز ليس في نطاق الحقوق المالية، وإنما يعود إلى الجوانب الإدارية والإشراف على العمل – كما سبق -.
ولكن يشترط أن يكون هذا الامتياز منصوصا عليه في قانون الاكتتاب، وبعيدا عن الاستغلال.
وكذلك يجوز أن يكون الامتياز بإعطاء حق الأولوية في الاكتتاب بأسهم جديدة لأصحاب الأسهم القدامى بناء على أن الشركة قد انعقدت بالإيجاب والقبول، فإذا أرادوا توسيع أعمال الشركة فلهم أن يقرروا ذلك، إضافة إلى حق الشفعة (2) .
(1) يراجع: فتح العزيز بهامش المجموع (10 / 425 – 437)
(2)
د. الخياط: المرجع السابق (2 / 224)
ب- أنواع الأسهم من حيث ما يدفع (نقدا أم عينا) :
وبهذا الاعتبار تقسم إلى قسمين:
1-
أسهم نقدية، وهي الأسهم التي تدفع قيمتها نقدا.
2-
وأسهم عينية، وهي التي تدفع قيمتها من الأموال العينية.
وقد اتفق الفقهاء على جواز المشاركة بالنقود، يقول ابن رشد:"فاتفق المسلمون على أن الشركة تجوز في الصنف الواحد من العين، أعني الدنانير والدراهم، وإن كانت في الحقيقة بيعا لا تقع فيه مناجزة، ومن شرط البيع في الذهب وفي الدراهم المناجزة، لكن الإجماع خصص هذا المعنى في الشركة"(1) .
وأما المشاركة بالأعيان – أو كما يعبر عنه الفقه الإسلامي بالعروض أي غير النقود – فمحل خلاف بين الفقهاء على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: جواز الشركة بالعروض مطلقا – أي اتفقت جنسا أو اختلفت – حيث تنعقد الشركة بقيمتها يوم عقد الشركة، وهذا مذهب مالك (2) وإحدى الروايتين عن أحمد، اختارها أبو بكر الخلال، وأبو الخطاب، وابن تيمية، وبه قال ابن أبي ليلى، وبه قال في المضاربة طاوس والأوزاعي، وحماد بن أبي سليمان (3) .
وقد استدلوا بقياس العروض على النقود. حيث إنها عند تقويمها أصبحت بمثابة النقود، يقول ابن قدامة:"لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعا، وكون ربح المالين بينهما وهذا يحصل في العروض كحصوله في الأثمان". "ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد، كما أننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها"(4) .
الرأي الثاني: صحة الشركة بالمثليات كالحبوب، والأدهان، ونحوها، وهذا الرأي الراجح عند الشافعية (5) ، وبه قال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة (6) ، وذلك لأن المثلي إذا اختلط بجنسه ارتفع معه التمييز فأشبه النقدين، ولذلك اشترطوا الخلط.
(1) بداية المجتهد، ط. مصطفى الحلبي (2 / 252) ، وفتح العزيز بهامش المجموع (10 / 407) ، والمغني لابن قدامة (5 / 16)
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 349)
(3)
المغني لابن قدامة (5/ 17) ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (30 / 91)
(4)
المغني (5 / 17)
(5)
فتح العزيز بهامش المجموع، (10/ 407 – 408)
(6)
فتح القدير (5 / 16، 17) ، وحاشية ابن عابدين (3 / 340)
وقالوا في الرد على من أجاز في العروض: "وليس المثلي كالمتقوم لأنه لا يمكن الخلط في المتقومات، وربما يتلف مال أحدهما ويبقى مال الآخر، فلا يمكن الاعتداد بتلفه عنهما، وفي المثليات يكون التالف بعد الخلط تالفا عنهما جميعا، ولأن قيمتهما ترتفع، وتنخفض، وربما تنقص قيمة مال أحدهما دون الآخر، وتزيد، فيؤدي إلى ذهاب الربح في رأس المال، أو دخول بعض رأس المال في الربح (1) .
الرأي الثالث: عدم صحة الشركة بالعروض مطلقا، سواء كانت من الطرفين، أو من طرف بحيث يعطى الآخر النقد، وهذا رأي أبي حنيفة وأبي يوسف (2) ، وظاهر مذهب أحمد، وكره ذلك ابن سيرين، ويحيى بن كثير، والثوري (3) ؛ غير أن الحنفية وصلوا إلى ما وصل إليه الرأي الأول عن طريق حيلة، وهى أن يبيع كل واحد من الشريكين – مثلا – نصف عرضه بنصف عرض الآخر، ثم عقداها مفاوضة أو عنانا، قال الحصكفي:(وهذه حيلة لصحتها بالعروض، وهذا إن تساويا قيمة، وإن تفاوتا باع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة" (4) .
(1)(فتح العزيز 10 / 407)
(2)
حاشية ابن عابدين (3 / 340)
(3)
المغني لابن قدامة (5 / 17)
(4)
در المختار مع حاشية ابن عابدين (3 / 340)
وقد استدل أصحاب هذا الرأي بما يأتي:
أولا: أن العروض يمتنع وقوع الشركة على أعيانها، أو قيمتها، أو أثمانها، أما امتناع وقوعها على أعيانها فلأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله، وهذه العروض لا مثل لها حتى يرجع إليه، وقد تزيد قيمة جنس أحدها دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح، أو جميع المال، وقد تنقص قيمته فيؤدي إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح.
وأما امتناع وقوعها على قيمتها فلأن القيمة غير متحققة القدر فيفضي إلى التنازع، وقد يقوم الشيء بأكثر من قيمته، ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فشاركه الآخر في العين المملوكة له.
وأما امتناع وقوع الشركة على أثمان العروض فلأنها معدومة حال العقد، ولا يملكانها، ولأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن مكانه وصار للبائع، وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهو بيع الأعيان، وهذا لا يجوز (1) .
ثانيا: إن وقوع الشركة على العروض يؤدي إلى أن يشترك أحد الشريكين في حصة الآخر المالك للعرض إذا ظهر ربحه قبل التصرف فيه، بمقتضى عقد الشركة، مع أن الشريك غير المالك، كيف يستحق هذا الربح الذي هو زيادة فيما لا ملك له فيها ولا ضمان ولا تصرف (2) .
المناقشة والترجيح:
يمكن أن نناقش أدلة الرأي الثاني والثالث بأنها جميعا تنطلق من منطلق أصحابها في النظرة إلى الشركة في العروض باعتبار ذاتها، ومن منطلق عدم تحقق الضمان إلا بعد التصرف فيها، وكلتا النظرتين تدخل في منطق المصادرة، وإلزام الغير بمقتضيات ومسلمات لا تعتبر مسلمة عنده.
وذلك لأن القائليلن بصحة الشركة في العروض مطلقا يقولون بأن الشركة فيها لا تتم إلا بعد تقويمها، والاتفاق على القيمة، ثم تصبح القيمة هي محل الشركة، وإذا لم يتم الاتفاق على القيمة لم تنعقد، وعلى ضوء ذلك يتحقق الضمان بعد هذا التقويم، وما يحدث للعروض من زيادة أو نقصان يكون من نصيب الشركاء، وحينئذ تطبق عليهما قاعدتا الغرم بالغنم، والخراج بالضمان (3) .
(1) المغني لابن قدامة (5 / 17)
(2)
المبسوط (11 / 161)
(3)
القاعدة الأخيرة حديث صحيح رواه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح، انظر: مسند أحمد (6/ 49، 208، 237) وسنن أبي داود - مع عون المعبود - (9/ 415، 417، 418) والترمذي - مع التحفة - (4/ 517) والنسائي (7/ 223) وابن ماجه (2/ 754) والتلخيص الحبير (3/ 23)
وبذلك يتضح رجحان القول الأول، وقوة مسلكه ومناطه، ولا سيما أن المخالفين لم يجدوا لأنفسهم دليلا من الكتاب والسنة الثابتة يدعم اجتهادهم، وحينئذ تبقى المسألة في دائرة المصالح المرسلة وهي تتحقق بالقول الأول الذي يفتح باب الشركة على جميع الموجودات بضوابطها الشرعية – والله أعلم-.
جـ- أنواع الأسهم من حيث الاسم وعدمه:
تقسم الأسهم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
1-
أسهم أسمية، وهي التي يكتب عليها اسم صاحبها، وهذا هو المطلوب حفاظا على الحقوق، وضمانا لعدم خلط حق شخص بحق آخر، وهذا النوع تنتقل ملكيته بنقل قيده في سجل المساهمين الذي تحتفظ به الشركة (1) .
2-
أسهم لحاملها، أي يصدر السهم دون ذكر الاسم، فيكون حامله هو صاحبه. وهذا النوع لا يجوز في الفقه الإسلامي بدون خلاف – نعلمه – بين الفقهاء المعاصرين (2) ، والسبب أن عدم كتابة اسم صاحب السهم يؤدي إلى عدم معرفة الشريك، وبالتالي إلى النزاع والخصومة، كما أنه يؤدي إلى إضاعة الحقوق؛ لأن أي شخص وقعت يده عليه، سواء كان عن طريق السرقة، أو الغصب، أو غير ذلك فإنه يعتبر صاحبه، وأحد الشركاء في الشركة بحكم القانون، ولا شك أن كل ما أفضى إلى النزاع والضرر ممنوع شرعا، إضافة إلى أنه قد يصبح فاقد الأهلية حامل السهم، مع أنه لا يصح اشتراكه بنفسه (3) ،وحتى من الناحية القانونية فإن القانون المصري، والسوري، والكويتي يمنع هذا النوع (4)
(1) د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، ط. دار الفكر العربي ص (533)
(2)
جميع المراجع السابقة.
(3)
د. الخياط: المرجع السابق (2 / 221) والمراجع السابقة
(4)
د. أبو زيد رضوان: المرجع السابق ص (534)
3-
أسهم للآمر، وهي الأسهم التي يكتب عليها اسم صاحبها، ولكن تضاف عبارة "لأمر أو لإذن" وحينئذ يكون تداولها عن طريق التظهير – أي يكتب على ظهر الصك تحويله إلى آخر مع التوقيع وحينئذ يصبح الثاني مباشرة صاحبه – دون الرجوع إلى الشركة.
وهذا النوع نادر الوقوع، وكذلك نادر في التشريعات حيث لم تتناوله أكثرها (1) .
ومن الناحية الفقهية فإن بعض الباحثين (2) لا يرى فيه أي مانع شرعي، وذلك لأن الشريك الأول معروف للشركة وقد أجازت له حق نقل سهمه عن طريق التظهير من خلال النظام والعقد التأسيسي للشركة (والمؤمنون عند شروطهم) ، ثم إن الشريك الأول يتخلى عن حقه بنقل مالية السهم إلى الثاني، وهذا النوع من انتقال الحصة إلى شريك آخر، وهو جائز شرعا، سواء أكان بعوض كالبيع ونحوه، أم بدونه كالهبة.
الأسهم قبل تكوين أصول الشركة:
الأسهم إذا كانت نقدية (أو دفعت قيمتها نقدا أو مقطعة) فلا يجوز تداولها بالبيع والشراء إلا بتطبيق قاعدة الصرف، (أي التقابض في المجلس مع التماثل عند اتحاد الجنس، والتقابض فقط عند اختلافه) .
أما إذا تكونت الشركة كلها، أو غالبها من العينيات فيجوز حينئذ التصرف في أسهمها مباشرة بعد تكوينها على ضوء قواعد البيع.
وبعد تكوين الشركة فإذا كانت نقودها تحولت كلها، أو غالبها إلى أصول، أو يتاجر بها في العروض والسلع فإن أسهمها يجوز تداولها وتملكها على ضوء الضوابط العامة للتصرفات في الفقه الإسلامي بناء على أن العبرة بالغالب والأصل، وليس بالقليل والتابع – كما سبق -.
(1) المرجع السابق، ود. أكثم الخولي: دروس في القانون التجاري (2 / 160)
(2)
د. الخياط: المرجع الساق (2 / 221)
وأما إذا كانت الشركة أساسا تتعامل في النقود والصيرفة فقط، أو كان غالب أعمالها، فإنه لا بد حينئذ من ملاحظة ضوابط الصرف في الفقه الإسلامي عند تداول أسهمها، وتملكها.
وهذا التقسيم والحكم للشركات التي تتعامل في نطاق المباحات، ولا تزاول الأعمال المحرمة، كالخمر والربا ونحوها.
وكذلك لا مانع شرعا من بيع السهم قبل الوفاء بقيمته كاملة على ضوء القواعد السابقة من العلم بعدد الأسهم، ومقدار رأس مال الشركة، وقيمة السهم ونحو ذلك (1) .
د- أنواع الأسهم من حيث إرجاع قيمتها:
تنقسم بهذا الاعتبار إلى نوعين:
1-
أسهم رأس المال: وهي التي تبقى قيمتها إلى حين التصفية النهائية، فهذه الأسهم حكمها من حيث المبدأ الجواز مع ملاحظة ما ذكرناه، وما سنذكره من حكم كل نوع، وهي الأصل والقاعدة في الشركات.
2-
أسهم تمتع: وهي الأسهم التي ترد قيمتها تدريجيا، أو مرة واحدة قبل انقضاء الشركة، أو بعبارة الاقتصاديين: تستهلك قيمتها في حياة الشركة دون انتظار لانتهاء أجلها وتصفية موجوداتها، ويعتبر استهلاك السهم عملية استثنائية.
وهذا النوع في الغالب يكون في الشركات التي تكون محددة بفترة زمنية محددة ثم تفنى أصولها كشركات السفن، أو التي لا يتوقع أن تبقى عند انقضائها أصول توزع على المساهمين، مثل شركات الامتياز للبترول أو المعادن التي يعطى لها حق الامتياز لفترة محددة، والتزمت بأيلولة ما تملك إلى الحكومة مثلا، وحينئذ تعمل على تعويض المساهمين بإعادة القيمة الاسمية إليهم قبل انقضاء الشركة إضافة إلى الأرباح إن وجدت.
وهذه الأسهم لا تسمح بإنشائها كثير من القوانين الوضعية إلا إذا كان غرض الشركة يتعلق باستغلال موارد الثروة الطبيعية أو مرفق عام ممنوح لمدة محدودة، أو كانت أصولها مما يستهلك بالاستعمال، أو يزول بعد مدة معينة (2) ، وهذا النوع لصاحبه حق التصويت في الجمعية العمومية، والحصول على نصيب من الأرباح، بل وموجودات الشركة إن بقيت.
(1) د. الخياط: المرجع السابق (2 / 221)
(2)
د. أبو زيد رضوان: المرجع السابق ص (538) ود. أكثم الخولي: المرجع السابق (2 / 160) . ود: الخياط (2 / 224) ود: محمد القري ص (15)
وقد اختلف القانونيون في تكييف هذا الاستهلاك، فبعضهم يرى أنه عبارة عن توزيع الأرباح، وبعضهم يقول: إنه رد لرأس المال الذي قدمه المساهمون، وثالث يقول: إنه يعتبر "وفاء معجلا" لنصيب المساهم في رأس مال الشركة (1) إلى غير ذلك مما لا يسع المجال لطرح أدلة كل فريق ومناقشته.
وهناك تفاصيل كثيرة لأسهم التمتع في قوانين الشركات، لذلك لا نخوض فيها، وإنما نبين الصور الشرعية – حسب نظرنا – لأسهم التمتع على ضوء التفصيل الآتي وهو:
1-
إن أسهم الشركة إذا جعلت جلها على هذا الشكل (أي ما يسمى بأسهم التمتع) ونص النظام الأساسي لها على هذا التفصيل، ثم مع انقضاء كل سنة يوزع ما حصلته الشركة من النقود على جميع المساهمين بالتساوي حسب الحصص، فهذا جائز لا غبار عليه، وأن ذلك يكيف شرعا على أن ما يعطى يمثل جزءا من الأصول، والأرباح، أو بعبارة أخرى: غن ذلك كان بمثابة تصفية جزئية مستمرة في كل سنة إلى أن تنتهي، وتنتهي معها موجودات الشركة.
لكنه إذا بقي من أصول الشركة يوزع على هؤلاء المساهمين حسب حصصهم، إن كان نظامها ينص على ذلك، كما في شركات السفن ونحوها مما يبلى، أو تفنى، وأما إن كانت الشركة شركة امتياز يعود ملكية ما يتبقى من المكائن للحكومة التي منحتها الامتياز فلا مانع منها أيضا ما دام الشركاء قد أخذوا حقوقهم، ووافقوا في النظام الأساسي على إعطاء ما تبقى للحكومة بناء على أن ذلك كان وعدا بالتنازل ثم يتحقق التنازل الفعلي في الأخير، أو من باب الهبة للدولة.
والخلاصة أن المساواة بين حقوق جميع المساهمين مطلوبة لا يجوز لصاحب حق أن يأخذ أكثر من الآخر، وأن الفقه الإسلامي لا ينظر إلى الأسهم، وإنما إلى المسمى والمقصد، ولذلك يعتبر ما سبق جائزا شرعا، سواء أكان سمي بأسهم التمتع أم لا.
(1) المراجع السابقة
2-
أما إذا كانت أسهم الشركة نوعين: أسهما عادية، يبقى أصحابها ملتزمين بالتزامات الشركة، وأسهم تمتع يستهلكها أصحابها، ويتخلصون من خسارتها، فهذا لا يجوز، لأنه مخالف لمقتضى عقد الشركة من المساواة بين الجميع، واحتمال المخاطرة للجميع، فلا يجوز أن ينجو مساهمون من تحمل الخسارة حين يأخذون قيمة أسهمهم، ويتحمل الباقون الخسارة كلها، فهذا ظلم وإجحاف وضرر لا يجوز شرعا (1) .
ويمكن أن يعوض عن هذه الفكرة بالمضاربة، وصكوك المضاربة لأجل محدد، أو أن تنشئ الشركة فرعا خاصا لهذا النوع من الشركات تكون جميع أسهمها أسهم تمتع.
أنواع القيم وحكمها:
هناك ثلاث قيم للأسهم:
1-
القيمة الاسمية: وهي القيمة التي تحدد للسهم عند إنشاء الشركة، بمعنى أن مجموع القيم الاسمية تساوي رأس مال الشركة عند إنشائها.
فهذه في الواقع حصة الشريك في رأس مال الشركة، فالصك الذي سجلت عليه هذه القيمة بمثابة وثيقة لإثبات المشاركة بهذا القدر، فيجب أن يكون مطابقا للمبلغ الذي ساهم به الشريك حقيقة في رأس المال (2) .
وهذه المساواة مطلوبة شرعا حتى تتحقق العدالة في توزيع الأرباح والخسائر.
2-
القيمة الحقيقية (الدفترية) : هي نصيب من صافي أصول الشركة بعد إعادة تقديرها وفقا للأسعار الجارية، وبعد إعادة تقدير الخصوم، لإظهار الالتزامات الحقيقية للشركة (3) .
فالقيمة الحقيقية للسهم هي المقدار الذي يساويه من موجودات الشركة بعد ملاحظة الأرباح والخصوم، فهي بمثابة المؤشر الحقيقي لأرباح الشركة أو خسارتها، وهذا هو المطلوب فقها لمعرفة أرباح الشركة أو خسارتها.
3-
القيمة السوقية: وهي القيمة التي يباع بها السهم، وهي ترتبط بنجاح الشركة، أو فشلها، وبحسب رأس مالها الاحتياطي، والظروف، والأزمات المالية والسياسية، وبحسب الرغبة، والدعاية ونحوها (4) .
(1) د. الخياط: المرجع السابق (2 / 226)
(2)
المراجع السابقة، ود. الخياط، المرجع السابق (2 / 212) ؛ ود. محمد الحبيب الجراية: بحثه المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة ص (17) ؛ ود. صالح بن زابن: المرجع السابق ص (357)
(3)
المراجع السابقة، ود. الخياط، المرجع السابق (2 / 212) ؛ ود. محمد الحبيب الجراية: بحثه المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة ص (17) ؛ ود. صالح بن زابن: المرجع السابق ص (357)
(4)
المراجع السابقة، ود. الخياط، المرجع السابق (2 / 212) ؛ ود. محمد الحبيب الجراية: بحثه المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة ص (17) ؛ ود. صالح بن زابن: المرجع السابق ص (357)
ومراعاة هذه القيمة، وتداول الأسهم على ضوئها لا تتعارض مع الشريعة الغراء، إذ للإنسان الحق في بيع ماله (المفرز والمشاع) حسب أسعار السوق، بل هو المطلوب.
الإصدار:
بالنظر إلى هذا المصطلح نجد أنه يطلق على معنيين: أحدهما إطلاقه على نسبة محدودة مثل 5 % مما يدفع للأسهم، تتطلبها الشركة عند تأسيسها لمصاريف الإصدار الإدارية والحكومية والدعائية ونحوها، حتى تبقى قيمة الأسهم صافية لرأس مال الشركة.
فهذه لا بأس بها، ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديرا مناسبا، ثم يودع ما يتبقى منها في احتياطي الشركة.
الثاني: إطلاقه على أسهم الإصدار، ولذلك أرى أن يسمى هذا: قيمة أسهم الإصدار.
فهذه الأسهم تصدرها الشركة لزيادة رأس مالها عندما تتوسع في المشاريع، فتحتاج إلى مصادر مالية طويلة الأجل لدعم توسعاتها، وحينئذ تصدر أسهما جديدة للاكتتاب فيها، قد تكون مساوية لقيمة الأسهم الاسمية، وقد تكون أعلى، أو أقل من ذلك.
والحكم الشرعي في هذه المسألة هو أن هذه القيمة لتلك الأسهم الجديدة إن كانت مساوية لقيمة الأسهم الحقيقية أو السوقية؛ فهذا لا مانع منه شرعا سواء كانت مساوية لقيمة الأسهم الاسمية، أو أعلى منها، أو أقل؛ لأن العبرة بالواقع، وبسعر السوق؛ لأن الشركة قد تخسر، وقد تربح – كما لا يخفى -.
أما إذا كانت هذه القيمة أقل من القيمة الحقيقية لأسهم الشركة، فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك يضر بحقوق المساهمين حيث يؤدي إلى إنقاص قيمة أسهمهم، أو حرمانهم من حقهم في هذا المال، وكل ما يؤدي إلى ضرر بين، وحرمان من حقوق فعلية لا يجوز شرعا، تطبيقا للقاعدة الشرعية:((لا ضرر ولا ضرار)) إلا إذا عوضوا عن حقوقهم تعويضا عادلا من خلال منح أسهم جديدة بقدر حقوقهم، أو دفع الفروق نقدا أو مقسطا، أو نحو ذلك.
أما إذا كانت أعلى من القيمة الحقيقية فحينئذ إذا كانت تعبر عن سعرها السوقي فهذا جائز ما دامت الشركة لم تستعمل أية وسيلة محرمة من الخداع والتغرير ونحوهما مما حرمه الإسلام.
هـ – أنواع الأسهم من حيث المنح وعدمه:
تقسم إلى قسمين:
1-
أسهم يدفع صاحبها قيمتها.
2-
وأسهم منح: وهي الأسهم التي تمنحها الشركة للمساهمين مجانا في حالة زيادة رأس مال الشركة على شكل ترحيل جزء من الأرباح المحتجزة، أو الاحتياطي إلى رأس المال الأصلي، ويتم توزيعها حسب قدر الأسهم.
وهذا لا غبار عليه شرعا ما دام المنح يتم بالتساوي حسب الأسهم؛ لأن ذلك مال المساهمين، فلهم الحق في الحصول عليه بأي طريق مشروع.
حصص التأسيس:
وهي عبارة عن نصيب مقدر من أرباح الشركة على شكل صكوك قابلة للتداول تصدرها شركات المساهمة بغير قيمة اسمية، لأولئك الذين قدموا خدمات جليلة أثناء تأسيس الشركة، مثل براءة اختراع، أو تحصيل التزامات من شخص اعتباري عام.
هذه صكوك يعطى لأصحابها نصيب من أرباح الشركة، وتقبل التداول، وبذلك تتفق مع الأسهم، لكنها تختلف جوهريا من حيث إنها تصدر بدون قيمة اسمية على عكس الأسهم، ولا تمثل أي حصة من رأس المال، ولا تخول لأصحابها أي حق لإدارة الشركة، فضلا عن أنه يمكن إلغاؤها (1) .
يقول د. أبو زيد: "لقد ظهرت حصص التأسيس لأول مرة سنة 1858 م بمناسبة تأسيس شركة " قناة السويس البحرية " كوسيلة لشراء ذمم رجال السياسة
…
ونتيجة لطبيعة الأهداف التي تسعى إليها حصص التأسيس، وما أدت إليه من نتائج بالغة السوء وقفت الكثير من التشريعات منها موقف العداء، فحرمها المشروع الفرنسي في قانون الشركات الصادر سنة 1966 م
…
كذلك فعل المشروع السوري..، وتجاهلها القانون العراقي والكويتي (2) . وأقرها قانون الشركات بمصر الصادر لسنة 1981 م، في مادته 34، وكذلك نظام الشركات في السعودية في مواده 112، 113، 114، 115.
وقد ثار جدل قانوني حول تكييف حصص التأسيس، فيرى البعض أن صاحبها بمثابة الدائن، لا المساهم (3) ، ويرى آخرون إلى أنه في مركز خاص بحيث لا يعتبر دائنا، ولا شريكا (4) .
(1) د. رضوان أبو زيد: المرجع السابق ص (559) والمراجع السابقة
(2)
المرجع السابق ص (559 – 560) .
(3)
د. كامل ملش: الشركات ص (268)
(4)
د. علي يونس: الشركات ص (546)
وحكم هذا النوع على ضوء قواعد الفقه الإسلامي غير جائز؛ لأن صاحب حصة التأسيس ليس شريكا حتى باتفاق القانونيين لأنه لم يقدم حصة نقدية ولا عينية، لا عملا مستمرا مع أن العمل لا يجوز الاشتراك به في شركات المساهمة، والشركات ذات المسؤولية المحددة، حتى عند القانونيين (1) .
وحصة التأسيس تكيف فقها على أن صاحبها قدم للشركة خدمة غير محددة ولا مبينة، ثم تمنحه الشركة عدة صكوك في مقابلها، وهي صكوك غريبة لا هي مثل الأسهم حيث ليس لصاحبها الحق في موجودات الشركة، وإنما في أرباحها، ولا هي مثل السندات، كما أن الشركة لها الحق في إلغائها وإن كان بتعويض.
ولذلك فلا يمكن تكييفها على البيع أي أن الشركة تبيع عدة صكوك في مقابل خدمات صاحبها لجهالة الثمن والمثمن معا، إذ الخدمة التي قدمها ليست محددة حتى يرد عليها عقد البيع، كما أن الصك أيضا غير محدد من حيث ما يأخذه صاحبه، لأنه مقيد بنسبة الربح الذي هو معدوم عند العقد، أو مجهول يظهر في المستقبل.
كذلك لا يمكن تكييفها على عقد الإجارة لأن مقدار الأجرة المتمثلة في الصك مجهول لا يعلم قدره، ولا على عقد الجعالة لنفس السبب السابق، ولا هبة؛ لأن طبيعتها أنها في مقابل عمل، والهبة بعوض يشترط فيها ما يشترط في البيع كمبدأ عام (2) .
إضافة إلى أن فتح هذا الباب سيؤدي إلى فتح أبواب المجاملات، والمحاباة على مصراعيها، وحتى معظم القانونيين قد هجموا عليها هجوما عنيفا، وكشفوا عن عوارها، وعيوبها، وأخطائها، وبينوا نتائجها السلبية جدا، فطالبوا بإلغائها (3) .
ويمكن أن تستبدل بهذه الفكرة فكرة المكافأة النقدية أو العينية لهؤلاء الذين قدموا خدمات فعلية، أو براءة اختراع، كما يمكن تحويل قيمة هذه المكافأة بعد تحديدها بأسهم عادية تتساوى معها في جميع الحقوق والالتزامات (4) .
ملحوظة:
لقد صدر قرار من مجمع الفقه الموقر (التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي) في دورته السابعة أوضح كثيرا من أحكام الأسهم، وأنواعه، فنحيل القارئ الكريم إليه.
(1) المراجع السابقة نفسها
(2)
د. صالح بن زابن، المرجع السابق ص (381) ، ود. الخياط (2 / 230)
(3)
المصادر القانونية السابقة.
(4)
المراجع الفقهية السابقة
المبحث الثاني:
التعريف بالسندات وخصائصها
السندات لغة جمع السند وهو: بمعنى الاعتماد والركون إليه والاتكاء عليه، وما ارتفع من الأرض من قبل الوادي أو الجبل، والجمع أسناد، ولكن حينما أصبح السند علما لنوع معين من الأوراق المالية جاز جمعه على السندات (1) .
وأما السندات في عرف الاقتصاد الحديث فهي عبارة عن: وثيقة بقيمة محددة يتعهد مصدرها بدفع فائدة دورية في تاريخ محدد لحاملها (2) .
فهي في حقيقتها حصة إقراض للبنك أو الشركة أو الدولة مع التزام المصدر بنصيب من الفائدة (الربا) دون أن يكون العقد منصبا على الاستثمار ونتائجه من الربح أو الخسارة، وقد عبر كثير من القوانين عن أن السندات تمثل قروضا تعقدها أو تصدرها الشركة متساوية القيمة وقابلة للتداول وغير قابلة للتجزئة (3) .
(1) لسان العرب والقاموس المحيط والمعجم الوسيط، مادة (سند)
(2)
يراجع د. سامي حسن حمود، بحثه في الأدوات المالية الإسلامية المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة ص (6) ، والدكتور صالح بن زابن البقميك شركة المساهمة في النظام السعودي، الجزء الأول، جامعة أم القرى ص (386) . والدكتور علي حسن يونس: الشركات التجارية، طبعة الاعتماد بمصر ص (558) . والدكتور أبو زيد رضوان: الشركات التجارية، طبعة دار القلم العربي ص (563)
(3)
يراجع على سبيل المثال: نظام الشركات السعودية، المادة 116
وكما تصدر الحكومة السندات كذلك تصدرها بعض المؤسسات والشركات الخاصة في كثير من الدول.
والتكييف المتفق عليه عند الاقتصاديين للسندات هو أنها وثيقة بدين، ولذلك يعامل مالكها كمقرض وليس كمالك وتسري عليه القوانين المنظمة للعلاقة بين الدائن والمدين.
والسندات تشترك مع الأسهم في تساوي الاسمية لكل فئة وقابليتها للتداول حسب كونها اسمية وللآمر أو لحاملها وفي عدم قابليتها للتجزؤ، غير أن السندات تتميز عن غيرها بالخصائص الآتية:
1-
إن السند يعتبر شهادة دين على الشركة وليس جزءا من رأس المال كما هو الحال في الأسهم.
2-
حصول صاحبه على الفائدة الدورية المقررة له دون النظر إلى أن الشركة ربحت أم خسرت أم كانت الأرباح كثيرة.
3-
عدم مشاركة صاحبه في إدارة الشركة.
4-
تحديده بوقت محدد على عكس الأسهم وبالتالي يحصل صاحبه على قيمة سنده وفوائده في التاريخ الذي حدد له دون النظر إلى تصفية الشركة، ومدده مختلفة أقصرها تسعون يوما وبعضها يمتد إلى مائة عام على أن بعض السندات تستمر لحين قيام المصدر باستدعائها أو شرائها من السوق:
5-
يحصل حامله على ضمان خاص على بعض موجودات الشركة وقد يكون الضمان عاما على أموالها، ولذلك يحصل على حقه في حالات التصفية قبل أن يحصل حامل السهم على أي شيء (1) .
(1) المراجع القانونية السابقة: ويراجع الدكتور محمد القري، بحثه السابق
أنواع السندات
للسندات أنواع كثيرة (1) ، ولا تزال الأفكار الاقتصادية تبتكر الكثير، ونحن نذكر أهمها مع حكمها:
أنواعها من حيث مصدرها وهي:
1-
سندات الدولة حيث تصدرها لتمويل الإنفاق العام.
2-
سندات الهيئة الدولية – كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير – حيث تصدرها لتمويل مشاريعها.
3-
سندات المؤسسات الحكومية المحلية التي تصدرها لتمويل إنفاقها ومشاريعها.
4-
سندات الشركات التجارية والصناعية والخدمات التي تصدرها بضمان بعض أموالها أو جميعها لتمويل مشاريعها.
ولا يخفى أن جميع هذه الأنواع تصدر بفائدة دورية على رأس المال، ولذلك فهي محرم إصدارها وتداولها، ولصاحبها إن عاد إلى رشده رأس ماله {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] .
(1) الدكتور أبو زيد رضوان: المرجع السابق ص (565 – 566) . والدكتور صالح بن زابن: المرجع السابق ص رقم (391) . وبقية المراجع السابقة
أنواع السندات باعتبار فوائدها:
1-
سندات مستحقة الوفاء بعلاوة إصدار، حيث تصدر الشركة سند الإصدار بمبلغ تسعين ريالا – مثلا – ولكنها تحسبه بمائة ريال إضافة إلى فوائد منخفضة نسبيا عن غيرها.
2-
سندات النصيب: وهي السندات التى تخول لصاحبها الحصول على فوائد سنوية ثابتة، إضافة إلى اليانصيب المخصص لها، والذي يمكن أن يكون من نصيب السندات التي يحالفها الحظ حسب القرعة.
3-
سندات عادية ذات الاستحقاق الثابت التي ليس لها سوى قيمة واحدة وتعطى عليها فوائد ثابتة فضلا عن قيمة السند عند نهاية مدة القرض.
4-
سندات مضمونة، وهي مثل النوع السابق لكنها مضمونة بضمان شخصي أو عيني، والسندات وإن كان جميع أنواعها مضمونة بأصل الشركة لكن هذا النوع يتميز بضمان شخصي أو عيني أيضا.
5-
السندات القابلة للتحول إلى الأسهم التي تعطى للمساهمين بقرار من الجمعية العامة غير العادية، وتعطي هذه السندات لحاملها الحق في طلب تحويلها إلى أسهم حسب القواعد المقررة لزيادة رأس المال. وهذا النوع قد أقره القانون المصري للشركات (م 51 / 1) لسنة 1981 م. والقانون الفرنسي والألماني بينما لم تقره كثير من التشريعات (1) .
6-
سندات الاستثمار أو شهادات الاستثمار: هذه السندات يصدرها البنك الاهلى المصري لتكون حجة لمن حررت له على أنه أودع لديه مبلغا من ماله مبينا بها شروط الاسترجاع والفوائد التي تعطى له أو الجوائز وهي ثلاثة أنواع وفئات (2) .
(1) الدكتور أبو زيد رضوان: المرجع السابق ص (565 – 566) . والدكتور صالح بن زابن: المرجع السابق ص رقم (391) . وبقية المراجع السابقة
(2)
يراجع في تفصيل ذلك الشيخ علي الخفيف: حكم شهادات الاستثمار، بحث مقدم للمؤتمر السابع لمجمع البحوث الإسلامية ص (4) إلى (6) . والدكتور علي السالوس: المعاملات المالية المعاصرة، طبعة مكتبة الفلاح، الكويت، ص (67) والدكتور حسن عبد الله الأمين: الودائع المصرفية النقدية، طبعة دار الشروق بجدة، ص (290) . والموسوعة العلمية والعملية، البنوك الإسلامية (ص 166)
1-
فئة (أ) وهي التي تعرف بالشهادات ذات القيمة المتزايدة، حيث يبقى المبلغ عشر سنوات لدى البنك ثم يسترده صاحبه مع فوائده التي تراكمت خلال السنوات العشر، تبدأ قيمتها من (5) جنيهات مصرية إلى (500) جنيه مصري وبفائدة 5 % أو أكثر. وهذا النوع وإن كان قد سمي بالاستثمار لكنه في الواقع قرض مضمون مع فوائده المحددة، وحينئذ يدخل في الربا كما أقرت ذلك المجامع الفقهية الثلاثة (مجمع البحوث – ومجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي – وكذلك مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي) .
2-
فئة (ب) وهي الشهادات ذات العائد الجاري حيث يمكن سحب فوائدها كل ستة أشهر وتبدأ هذه الفئة بعشرة جنيهات مصرية إلى خمسة آلاف جنيه ومدة استغلالها عشر سنوات بفائدة 5 %. وحكم هذه الفئة كسابقتها حيث إنها في حقيقتها ربا واضح وإن سميت بالاستثمار فالعبرة بالحقائق والمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني.
3-
فئة (ج) وهي الشهادات ذات الجوائز التي لا تعطي ربحا محددا كل سنة، ولكنها خصصت جوائز نقدية لأصحابها حسب القرعة. وهذه الفئة تدخل في القرض المشروط بمنفعة محددة تكيف على أن ما يرد هو القرض وما يخصص للجوائز هي جزء من الفوائد المخصصة لرأس المال في مقابل إبقائه فترة زمنية محددة (1) .
(1) المراجع السابقة
7-
شهادات ادخار العملة المركبة (سلة العملات) : يقوم بنك مصر بإصدار شهادات سماها شهادات ادخار العملة المركبة (سلة العملات التي تتكون من دولار أمريكي وجنيه استرليني ومارك ألماني وفرنك سويسري) .
يضمن البنك باسترداد قيمة الشهادة في تاريخ الاستحقاق بالعملات المكونة للشهادة أو بنفس العملة التي يتم الاشتراك بها مع فوائدها.
ونص نظامه على ما يأتي:
1-
الشهادة اسمية وتصدر لأجلين ثلاثة شهور أو ستة شهور.
2-
الحد الأدني للاشتراك 500 وحدة قيمتها 1300 دولار أمريكي أو ما يعادلها من العملات المكونة للشهادة.
3-
يمكن زيادة الاشتراك بمضاعفات مائة وحدة وبدون حد أقصى.
4-
يمكن الاشتراك بأي عملة أجنبية يقبلها البنك ويتم استبدالها لحساب العميل بالدولار أو بإحدى عملات الوحدة المركبة.
5-
العائد معوم ومرتبط بأسعار يوم الشراء ويسري على العملات الأربعة المكونة للشهادة.
6-
يعلن البنك دوريا عن معدل العائد للشهادات ثلاثة شهور أو ستة شهور كل على حدة. والربا في هذا النوع واضح حيث هو مرتبط بالربا العالمي دون النظر إلى قواعد المضاربة أو المشاركة الشرعية (1) .
(1) هذه المعلومات نشرت هكذا في الصحف المصرية وهي ضمن النظام أو القرار الذي صدر من خلاله هذا النوع من السندات
_________
8-
شهادات الادخار الدولارية: وهذا النوع مثل النوع السابق لكنه خاص بالدولار وينص نظامه بوضوح على الربا حيث نص على أنه "يعلن البنك دوريا عن معدل العائد حتى يتمشى مع آخر تطورات المعدلات العالمية". وجاء في نشرة لاحقة بأن هذه الشهادة تضمن لك أعلى سعر فائدة في سوق المال المصرية وهي 16 % صافيا سنويا.
9-
شهادات التوفير ذات الجوائز: هذا النوع من السندات يتضمن الفائدة المخصصة للتوفير إضافة إلى جوائز تسحب لأصحابها من حين لآخر، فهي بذلك تجمع بين الربا والقمار وهذه صورة من هذا النوع:
10-
سندات الدخل حيث يكون لها فوائد ثابتة إضافة إلى نسبة محددة من أرباح الشركة بينما غيرها تكون فائدتها دورية دون مشاركتها في أرباح الشركة.
أنواع السندات من حيث التملك:
حيث توجد سندات اسمية وسندات لحاملها.
أنواع السندات من حيث الرد:
لها ثلاثة أنواع:
1-
سداد نقدي في موعد الاستحقاق وحينئذ قد تكون القيمة التي تسترد هي نفس ما دفع وقد تكون أعلى فترد بعلامة الإصدار.
2-
ردها عن طريق تحويلها إلى أسهم كما سبق.
3-
ردها عن طريق الإحلال حيث تقوم الشركة عند تاريخ استحقاقها بإحلالها بسندات أخرى جديدة وبمزايا حسب نظام الشركة (1) .
أنواع أخرى جديدة في كل يوم:
لا تزال المؤسسات الاقتصادية ودور المال تفكر في المزيد من أنواع السندات وغيرها وتتفنن في كيفية جلب أصحاب الأموال وشدهم وجذبهم إلى إيداع مدخراتهم في تلك المؤسسات بأية وسيلة مجدية في نظرها.
وتكاد أبصارنا تقع كل يوم على نوع جديد وابتكار جديد في الأوراق المالية وأدوات السوق وآلياتها وفي العمليات البنكية، ونحن هنا نذكر بعض أنواع السندات التي هي جديدة نوعا ما وهي:
1-
سندات بفائدة ثابتة وشروط متغيرة حيث تعطي لصاحبها حرية أكثر من ناحية انتقال الملكية والاستفادة منها.
2-
سندات مسترجعة حيث يعطى لحاملها الحق في استرجاع قيمتها الاسمية بعد فترة محددة مثل ست سنوات، ثم تقوم الشركة المصدرة بإعطاء شروط أحسن من السابق في حالة إبقاء قيمتها فترة أخرى.
(1) الدكتور محمد الحبيب الجراية: بحثه السابق
3-
سندات ذات أصوات تعطي صاحبها حق التصويت في الجمعية العمومية للشركة.
4-
سندات بفائدة عائمة تتغير كل سنة أو ستة أشهر على أساس سعر الفائدة الدولية مثلا أو أي أساس آخر إضافة إلى حق صاحبها من تحويلها إلى سندات ذات فائدة ثابتة حسب رغبته.
5-
سندات مربوطة بالقوة الشرائية للنقود، أي يحدد النقد الذي دفع بسعره يوم الدفع حتى يتفادى صاحبها التضخم الذي قد يكون أكثر من نسبة الفائدة.
6-
سندات بشهادة حق حيث تعطي صاحبها الحق في شراء أوراق مالية طيلة فترة محددة وبسعر محدد مسبقا (1) .
الحكم الشرعي لهذه السندات:
إذا كان هناك خلاف طفيف سابق حيث أباحها البعض، فإن هذه الإباحة في نظري تعود إلى عدم فهم طبيعة هذه السندات في وقتها واعتبارها مضاربة أو تكييفها على الضرورة (2) ، ولذلك لا داعي لمناقشة هؤلاء لأنه الآن قد ظهر بما لا يوجد أدنى شك أن السندات حتى في نظر القانونيين (3) تكيف على أنها قروض بفوائد كما رأينا في جميع أنواعها، وأن صاحبها دائن للحكومة أو الشركة يستحقها في وقتها إضافة إلى فوائدها دون النظر إلى خسارة الشركة وأرباحها وبذلك يظهر جليا بعدها - بعد المشرقين – عن المضاربة والمشاركة في الشريعة الإسلامية الغراء.
(1) المراجع السابقة ود. محمد القري بحثه ص (21)
(2)
يراجع الدكتور الخياط: المرجع السابق (2 / 150) حيث ذكر آراء هذا البعض وتوجيهاته
(3)
د. أبو زيد رضوان: المرجع السابق ص (565) والمراجع القانونية السابقة
وهذه الفوائد هي عين ربا النسيئة الذي لا خلاف في حرمته كما أنه لا توجد ضرورة في شراء هذه السندات أو تداولها بل إن بعض أنواعها عبارة عن الربا والقمار كما في سندات اليانصيب (1) .
هذا هو ما عليه واقع السندات اليوم بجميع أنواعها لكنها لو غير واقعها وأطلقت على عقد مشروع مثل سندات المقارضة فالعبرة بالمضمون والمدلول وإن كان الأفضل تسميتها بغير السند لأنه اشتهر في الأعراف الاقتصادية إطلاق السند على القروض بالفوائد التي هي محرمة، ولذلك فالأولى إطلاق لفظ الصكوك أو نحوها على أوراق مالية لو وجدت دفعا للالتباس والغموض والاشتباه.
وقد صدر قرار من المجمع الفقهي حول السندات، وهذا نصه:
قرار رقم (62 / 11 / 6) بشأن السندات
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 – 23 شعبان 140 هـ الموافق 14 – 20 مارس 1990 م.
بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندورة (الأسواق المالية) المنعقدة في الرباط 20 – 24 ربيع الثاني الموافق 1410 هـ 20 – 24 أكتوبر 1989 م. بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وباستضافة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية.
(1) د. الخياط المرجع السابق (2 / 228) ويراجع في خطورة الربا كتب التفاسير كالقرطبي والرازي وابن كثير في تفسير آيات سورة البقرة (275 وما بعدها) وكذلك كتب الصحاح والسنن في باب الربا
وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغا مقطوعا أم خصمة.
قرر
1-
إن السندات التي تمثل التزاما بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعا من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء كانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة، لا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكا استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحا أو ريعا أو عمولة أو عائدا.
2-
تحرم أيضا السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضا يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصما لهذه السندات.
3-
كما تحرم أيضا السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضا اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلا عن شبهة القمار.
4-
من البدائل للسندات المحرمة – إصدارا أو شراء أو تداولا – السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك – ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلا ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم: 5 للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة.
البدائل الإسلامية:
بخصوص الأسهم فهي كما رأينا حلال وجائز تملكها وتداولها ما دامت تصدرها شركات لا تزاول نشاطا محرما ولا تتعامل في المحرمات وليس لبعض أسهمها ميزة مالية لا تمنح لجميعها كما سبق. ومن هنا فباب الأسهم مفتوح على مصراعيه بهذه الضوابط السابقة.
وأما السندات فهي كما رأينا صكوك تتضمن القرض وفوائده، ولذلك فهي محرمة لأنها تدخل في ربا النسيئة الذي حرمه الكتاب والسنة وأجمع على حرمته العلماء كما سبق.
والبديل عنها يكمن في إصدار صكوك المضاربة سواء كانت لفترة طويلة الأجل أو لمشروع معين أو صكوك المشاركة لمشروع معين وسواء أكانت هذه الصكوك ترد قيمتها في الأخير مرة واحدة أم بالتدريج.
وفي نظري أن الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين تقع عليهم مسؤولية كبيرة في إبداع مجموعة من البدائل الإسلامية المتطورة تتناسب مع حجم التطور الهائل لدى الاقتصاديين الغربيين؛ حيث توصلوا إلى استنباط أساليب عمل وطرق وآليات لتسهيل الأموال وتغطية الإصدارات الجديدة. كما أن على الحكومات وأصحاب الأموال توفير السوق الثانوية لتسهيل مهمة تبادل الأوراق المالية، فالمسؤولية مشتركة بين الجميع ولن تتحقق المهمة إلا إذا قام الجميع بمسؤوليته أمام الله ثم أمام الأمة (1) .
(1) المراجع السابقة، والدكتور مصطفى النابلي: بحثه عن الأسواق المالية والتجربة التونسية ص (5)
ولذلك فإن الاقتصار على الأسهم - مهما كان السبب - غير مجد ولا سيما في العالم يأتي فيه الفكر المالي كل يوم بجديد في نطاق السوق الأولية أو في الآليات والأساليب المالية، ولهذا السبب نحاول أن نذكر أنواعا من أوراق مالية مقبولة شرعًا وهي ما يأتي:
- سندات المقارضة أو صكوك المقارضة (1) وقد وضع المجمع الفقهي الموقر في دورته الرابعة ضوابط هذا النوع وشروطه وهذا هو نص قراره:
القرار رقم 5 بتاريخ 4 / 8 / 1988 بشأن
سندات المقارضة وسندات الاستثمار
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 - 23 جمادى الآخرة سنة 1408 هـ. الموافق6 - 11 فبراير عام 1988 م.
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة في موضوع " سندات المقارضة وسندات الاستثمار"، التي كانت حصيلة الندوة التي أقامها المجمع بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 6 - 9 محرم 1408 هـ للمجمع وشارك فيها عدد من أعضاء المجمع وخبرائه وباحثي المعهد وغيره من المراكز العلمية والاقتصادية وذلك للأهمية البالغة لهذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه للدور الفعال لهذه الصيغة في زيادة القدرات على تنمية الموارد العامة عن طريق اجتماع المال والعمل.
وبعد استعراض التوصيات العشر التي انتهت إليها الندوة ومناقشتها في ضوء الأبحاث المقدمة في الندوة وغيرها.
(1) الأولى استعمال صكوك المضاربة دون سندات
…
؛ لأن الأخيرة ارتبط مفهومها في الأذهان بالقروض ذات الفوائد، كما سبق، لكن العبرة بالمسمى والواقع
قرر ما يلي:
أولا: من حيث الصيغة المقبولة شرعا لصكوك المقارضة:
1-
سندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضابة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصا شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه. ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية: (صكوك المقارضة) .
2-
الصورة المقبولة شرعا لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:
العنصر الأول:
أن يمثل الصك ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته.
ويترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك في ملكه من بيع وهبة
…
ورهن وإرث وغيرها مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.
العنصر الثاني:
يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الإصدار) وأن (الإيجاب) يعبر عنه (الاكتتاب) في هذه الصكوك وأن (القبول) تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة.
ولا بد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعا في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.
العنصر الثالث:
أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذونا فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
أ - إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودًا فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف.
ب- إذا أصبح مال القراض ديونا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.
ج- إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقا للسعر المتراضى عليه على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع، أما إذا كان الغالب نقودًا أو ديونا فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة.
العنصر الرابع:
إن من يتلق حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب أي عامل المضاربة ولا يملك من المشروع إلا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك، فهو رب مال بما أسهم به بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس.
وأن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة لا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.
3-
مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول:
يجوز تداول المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص على النحو المشار إليه.
4-
لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.
5-
لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقا أو مضافا للمستقل وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدا بالبيع، وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضاء الطرفين.
6-
لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلا. ويترتب على ذلك:
أ- عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها.
ب- إن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة، ويعرف مقدار الربح إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة وفقا لشروط العقد.
ج- أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنا وتحت تصرف حملة الصكوك.
7-
يستحق الربح بالظهور ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) فإنه يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
8-
ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة إما من حصة حملة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت حساب، ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.
9-
ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين. على أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.
- انتهى قرار المجمع -
أ- صكوك المضاربة:
هذا وقد كانت وزارة الأوقاف الأردنية قد بدأت بإجراء دراسات اقتصادية وشرعية لإصدار سندات المقارضة وتوفقت في إصدار قانون سندات المقارضة من قبل الحكومة الأردنية عام 1981 م، ثم إن صكوك المضاربة يمكن أن تتفرع عنها عدة أنواع:
1-
صكوك مضاربة طويلة الأجل (عشر سنوات، عشرين مثلا) غير مخصصة لمشروع معين، وإنما تخول مستثمرها (المضارب) حق الاستثمار المطلق (المضاربة المطلقة) ويبين في كل سنة (مثلا) الأرباح التي تحققت أو الخسارة التي لحقت فينال كل صك حصته من الأرباح أو الخسائر وفي حالة الأرباح يمكن صرفها أو إضافتها إلى عملية المرابحة فيعطي في مقابلها صك أو صكوك حسب قدرها وحسب الضوابط السابقة التي بينها المجمع الفقهي.
وحينئذ قد يكون مصدرها الحكومة أو شركة معينة أو بنكا إسلاميا فيكون المضارب وصاحب الصك هو (رب العمل) ، ويأخذ كل واحد منهما نسبته من الربح المتفق عليها.
2-
صكوك المضاربة لمشروع معين (سواء أكان صناعيا أم زراعيا أم تجاريا..) وتكون محددة بمدة معينة حسب عمر المشروع.
وذلك بأن يقسم ما يحتاج إليه المشروع على صكوك متساوية محددة القيمة فيصدرها البنك - مثلا - ثم تطرح في الأسواق فيقوم البنك (المضارب) باستثمار قيمة هذه الصكوك في المشروع نفسه، ويمكن أن توزع الأرباح كل سنة حسب الميزانية ولا مانع من ترحيل جزء منها للاحتياطي الذي سوف يوزع على أصحاب الصكوك والبنك حسب النسب المتفق عليها وعلى ضوء الضوابط التي بينها المجمع الموقر حيث أجاز أن يقوم طرف ثالث بالوعد بالتربع - دون مقابل - بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين إلى آخر فقرة 9 من القرار السابق.
وهذه الصكوك تمتاز بعدة مميزات:
وجود نوع من الاطمئنان للمكتتب من خلال وعد الطرف الثالث بجب الخسران لو حدث، وعدم وجود ذلك أكبر عقبة في سبيل التشجيع على المضاربة.
قابلية هذه الصكوك للتداول - كما أقر ذلك المجمع الموقر- ولا مانع شرعا من أن تكون هذه الصكوك (أو شهادات الاستثمار) محددة بمدة طويلة أو قصيرة حسب قدرة البنك (أو الشركة) فيمكنها أن تصدر صكوك المضاربة أو شهادات الاستثمار لمدة ثلاثة أشهر وحينئذ يمكن استثمارها في المرابحات والمعاملات قصيرة الأجل ويمكن أن يكون لمدد مختلفة.
ومن هنا يتنوع من هذا النوع أنواع مختلفة مما يعطي المصرف مرونة وسيولة جيدة وقدرة على النمو والازدهار.
3-
صكوك المضاربة (أو شهادات الاستثمار) المستردة بالتدرج:
وذلك بأن ترد قيمة الصكوك مع أرباحها (إن وجدت) في مدة زمنية محددة فمثلا أن ترد نسبة معينة مثل (العشر أو الربع) بعد سنتين مثلا وهكذا.
4-
صكوك المضاربة المستردة في آخر المشروع:
وذلك بأن يكون رد المبلغ مع ملاحظة الخسائر والأرباح إن وجدت في آخر المشروع. ويمكن أن توزع الأرباح ويبقى أصل المال لآخر المشروع.
5-
صكوك المضاربة (الاستثمار) المنتهية بتمليك المشروع:
ويمكن أن يكون رد قيمة صكوك المضاربة من خلال التعويض عنها بجزء من المشروع وذلك بأن تطرح فكرة مشروع معين كبناء عمارة ويصدر له مجموعة من الصكوك (أو شهادات الاستثمار) بحصص متساوية ويكون رد قيمتها في الآخر من خلال تمليك المشروع لأصحاب هذه الصكوك حسب حصصهم وشهاداتهم، ولا شك أن البنك المصدر يأخذ نسبته من الأرباح السنوية وهكذا.
6-
صكوك المضاربة على شكل فئات متنوعة مثل 100 دولار أو أكثر أو أقل لمدة محددة لثلاث سنوات قابلة للتجديد ويصرف الربح إن وجد كل ستة أشهر مثلا.
ب- شهادات الاستثمار للبنك الإسلامي للتنمية:
حيث قام البنك بإصدار شهادات تمثل ملكية المستثمرين، وجاء وصف شهادات الاستثمار في محفظة البنوك الإسلامية التي يديرها البنك الإسلامي للتنمية بأنها "المستندات التي تمثل نصيبا في ملكية المحفظة، ويصدرها البنك الإسلامي للتنمية وتسجل في سجل الشهادات بأسماء مالكيها".
وتخصص هذه المحفظة لتمويل تجارة الدول الإسلامية، وتكون موجوداتها تحت يد البنك بصفته مضاربا (1) .
ويوجد لهذه الشهادات نوعان:
النوع الأول:
شهادات الإصدار الأساسي:
وهي مجموع الشهادات التي تصدر عند تأسيس المحفظة وتقتصر ملكيتها على البنك الإسلامي للتنمية والبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الأخرى.
النوع الثاني:
شهادات الإصدارات اللاحقة:
وهي مجموع الشهادات التي تصدر بعد تأسيس المحفظة وتطرح للاكتتاب العام. وهذه الشهادات تتمتع بإمكانية التسييل بإحدى الوسيلتين:
1-
البيع إلى مؤسسة مصرفية إسلامية بالسعر الذي يتفق عليه (وذلك بعد فترة الاكتتاب والتشغيل الفعلي)
2-
شراء البنك الإسلامي للتنمية حيث تعهد بشراء ما قد تعرض البنوك الإسلامية بيعه مما تملكه من شهادات وذلك بحد أقصى 50 % مما يملكه البنك الواحد من الإصدار الأساسي (2) .
ج- أسهم المشاركة دون التصويت:
القاعدة العامة في الأسهم هي الحل إلا إذا كان مجال نشاطها المحرمات - كما سبق تفصيله - وإلا أسهم امتياز يكون الامتياز فيها عائدا إلى ميزة مالية - كما سبق -.
(1) د. محمد فيصل الأخوة: بحثه عن الأدوات المالية الإسلامية والبورصات الخليجية، قدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة
(2)
د. المنصف شيخ روحه: بحثه في أسواق الأوراق المالية، المقدم إلى المجمع الفقهي في دورته السادسة
ونظرا لحاجة المؤسسات الإسلامية إلى هذا النوع وبعد نظرها في عدم هيمنة من لا يرغب فيه على مقدرات الشركة، فإن هذه المؤسسات بالتعاون مع الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين قد وفقوا إلى أسهم امتياز يكون لصاحبها جميع الحقوق الممنوحة للأسهم العادية ما عدا حق التصويت في الجمعية العمومية، وقد يسر الله تعالى عملية نقل الأفكار من الإطار النظري إلى الواقع العملي من خلال تأسيس شركة التوفيق للصناديق الاستثمارية في 5 / 1 / 1987 م، وشركة الأمين للأوراق المالية في 28 / 6 / 1987 في دولة البحرين، وهما تهدفان إلى طرح أدوات مالية جديدة لجمهور المكتتبين. كما تتخذ الصناديق الاستثمارية أشكالا متنوعة من حيث الربحية والمخاطرة والمدة، حيث يمكنها أن تكون صناديق مرابحات أو تأجير أو سلم أو مشروعات، وقد صدر بذلك قرار وزاري رقم 17 في البحرين لسنة 1986 يسمح بتأسيس شركات مساهمة إسلامية (1) .
(1) د. محمد فيصل: المرجع السابق ص (11) ، والمراجع السابقة أيضا
وكذلك قام بنك التقوى (الذي أسس في بهاما عام 1988) بتطبيق هذا النوع حيث يصدر نوعين من الأسهم؛ يخصص النوع الأول للأسهم العادية، والنوع الثاني لأسهم الامتياز التي ليس لصاحبها حق حضور الجمعية العامة، أو التصويت فيها ويمكن دفع قيمتها على ثلاثة أقساط متساوية بين كل قسط وآخر ستة أشهر ويدفع أولها من الاكتتاب.
وقد كان لهيئة الرقابة الشرعية للبنك دور كبير في الوصول إلى هذه الصيغة كما نص على ذلك النظام الأساسي (1) .
وإعطاء هذه الميزة (أي التقسيط) لهذا النوع من الأسهم لا يخالف الشريعة الغراء لأنه لا يحسب له الربح إلا بقدر قسطه المدفوع وإنما هو نوع من التيسير أعطوه برضا المساهمين، ثم إن التكييف الشرعي لهذه المسألة يكمن في أن صاحب الأسهم الممتازة حينما دفع القسط الأول لهذا أصبح مشتركا بهذا القدر ثم وعد بأن يكمل البقية، فمثلا لو دفع شخص الأقساط الأولية لثلاثين سهما فهو قد شارك فعلا بعشرة أسهم وبالقسط الثاني قد شارك في العشرة الأخرى وبالقسط الثالث قد أكمل الثلاثين، أي أنه اشترى أولا عشرة ووعد أن يشتري البقية المتفق عليها، وهذا لا مانع منه شرعا.
(1) حيث كتب في النظام الأساسي له: ملاحظة: عدلت الإدارة عما سبق إعلانه من مميزات كلا النوعين من الأسهم، لما ارتأته هيئة الرقابة الشرعية تجنبا لأي تعارض مع المباح شرعا
أما قضية التصويت في الجمعية العمومية فهي عملية إدارية يجوز لأي واحد من الشركاء أن يتنازل عن حقه في هذه المشاركة الإدارية - كما سبق -.
د- شهادات التأجير أو الإيجار المتناقصة:
وهي شهادات اهتدى إليها بيت التمويل التونسي السعودي بفضل استشارات وتوصيات رقابته الشرعية، اشتراها من الشركة التونسية للتأجير، وذلك كالآتي:
تقتني الشركة التونسية للتأجير معدات وتؤجرها إلى زبائنها بسعر كراء معين، وتنقل ملكية المعدات إلى الزبون عند انتهاء العقد ودفع كل أقساط الكراء، وطوال مدة الإيجار تصدر الشركة التونسية للتأجير شهادات لصالح مشترين بقيمة معينة تمثل قسطا من ثمن شراء المعدات، ويتقاضى المشترون للشهادات نصيبا من دخل الكراء.
ويقول الدكتور المنصف: ويبدو أن هذا النوع من التمويل يحترم السلامة الاقتصادية فلا يوزع ثروة (صورية) ، كما يراعي قواعد الشريعة الإسلامية ويساهم في تنشيط سوق الأوراق المالية ويفتح المجال أمام تداولها في أسواق الإصدار أو الأسواق الثانوية (1) .
وهذه الشهادات تشبه شهادات الاستثمار المخصص، لكنها تختلف عنها في أنها تمثل نوعا من المساهمة المتناقصة حيث تشمل أقساط الإيجار أرباح المؤجر إضافة إلى استهلاك رأس المال؛ وعلى هذا فإن شهادات الإيجار هذه سوف تصفى تدريجيا حتى تنتهي تماما مع آخر الأقساط (2) .
(1) د. المنصف شيخ روحه: بحثه في أسواق الأوراق المالية المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة
(2)
د. معبد الجارحي: بحثه عن المصارف الإسلامية، والأسواق المالية ص (44)
وبالإضافة إلى هذا النوع الذي رأى النور فليس هناك ما يمنع من إصدار شهادات إيجار غير متناقصة القيمة تقدم كاملها معدل ربح أعلى من الشهادات المتناقصة نتيجة لإمكان إعادة استثمار الأقساط المدفوعة، وذلك لأن المصرف (مثلا) يستثمر حصيلة الأقساط المدفوعة في عقود إيجارات جديدة.
وهذا النوع يمكن تسميته بشهادات الإيجار الثابتة (1) .
هـ – صكوك المشاركة:
إذا نظرنا إلى فلسفة الاقتصاد الإسلامي لوجدنا أنها تقوم على أساليب للمشاركة بمختلف صورها من المشاركة بالأموال، ثم المشاركة الحقيقية في أرباحها وخسائرها، أو المشاركة بالمال من جانب والعمل والخبرة من جانب آخر ثم مشاركة الطرفين في الربح وفى الخسارة حيث خسر صاحب المال ماله أو جزءا منه وخسر صاحب العمل عمله وضاع عليه الوقت دون أن يربح، وهكذا فالمشاركة في الربح والخسارة وفي الغرم والغنم وفي المخاطرة هي أساس الاقتصاد الإسلامي.
وهذا الأساس (أي المشاركة) هو الذي يمكن الاقتصاد من ربط الدورة الاقتصادية (أي إنتاج السلع والخدمات) بالدورة المالية (أي النقود) وحينئذ يتقلص خطر الانزلاق بين هاتين الدورتين، ذلك الانزلاق الخطير الذي سبب كوارث مختلفة للبنوك والمؤسسات الاقتصادية والأسواق المالية (2) .
وإذا كانت المشاركة ضمانا لتقليص خطر الانزلاق فإن هذا المبدأ يكمله مبدأ آخر إسلامي وهو التكافل والتعاون من خلال تخصيص جزء معين من أرباح الشركة للمخاطر وذلك بأن يتنازل المساهمون عن نصيب ضئيل من أرباحهم يكمل به الخسارة التي تلحق بعض الصفقات أو في بعض السنوات.
وهذا بلا شك لا مانع منه شرعا بالنسبة للمساهمين؛ لأن الشركة أولا وأخيرا لهم، وهذا القدر يرحل إلى احتياطي الشركة وهو بدوره جزء منها.
(1) د. معبد الجارحي: بحثه عن المصارف الإسلامية، والأسواق المالية ص (44)
(2)
د. المنصف: بحثه السابق
ولكن المشكلة من الناحية الشرعية تظهر بالنسبة للمودعين المستثمرين، حيث إن هؤلاء لا يتحملون الخسارة إلا بقدر الخسارة التي تحققت لأموالهم وحسب سنوات المشاركة؛ ولذلك فالعلاج يمكن أن يتم في إحدى الصور التالية:
1-
أن يعد طرف ثالث بالتربع لمثل هذه الخسارة إن تحققت كما في البند 9 من قرار المجمع بخصوص صكوك المضاربة - كما سبق -.
2-
أن يتم تحديد مشروع معين يشترك فيه المضاربون ويلتزمون بالمدة المحددة له وحينئذ يتفقوا على تخصيص جزء من الأرباح لمثل هذه المخاطر ثم يتم توزيع الأرباح جميعا بما فيها الاحتياطي على الجميع حسب النسب المتفق عليها.
وهذا العمل يكيف فقها بأن المضاربة أو المشاركة لم تنته إلا بإتمام المشروع، أو بعبارة أخرى: إن البضاعة لم تنضض إلا بانتهاء المشروع، ومن هنا فجميع الأرباح والخسارة محسوبة حسب المشروع كله، وما عمل من الميزانيات السنوية فهي من باب التنضيض الجزئي والحكمى.
وصكوك المشاركة - غير المضاربة - لها صور:
1-
الأسهم بجميع أنواعها المباحة - كما سبق -.
2-
شهادات المشاركة في مشروع معين والإدارة لمصدرها وذلك بأن يطرح المصرف الإسلامي (أو الشركة) مجموعة من الشهادات بحصص متساوية تخصص لمشروع معين يشترك المصرف نفسه بنسبة محددة (كالنصف والربع مثلا) فيكون الجميع شركاء بما فيهم المصرف مصدر الشهادات، وسواء أكان المشروع صناعيا أم زراعيا أم تجاريا أم نحو ذلك من هذا كله.
ثم يقوم المصرف بإدارة هذا المشروع لقاء نسبة من الأرباح.
وهذه الشهادات بهذه الصورة تختلف عن الأسهم في عدة صور؛ من أهمها أن أصحابها لا يشتركون في إدارة المشروع، ومنها أنها محددة بمدة معينة ولا تنطبق عليها مواصفات شركة المساهمة.
3-
شهادات المشاركة في مشروع معين تكون الإدارة لجهة أخرى.
وهذا النوع هو مثل النوع الأول لكن إدارة المشروع المشترك بين المصرف (مصدر الشهادات) وأصحاب الشهادات تكون لجهة أخرى نسبة من الأرباح.
4-
ومن جانب آخر يمكن إصدار صكوك أو شهادات المشاركة بالطرق التالية:
* صكوك المشاركة الدائمة.
* صكوك المشاركة المؤقتة بفترة زمنية محددة.
* صكوك المشاركة المنتهية بالتمليك. أما النوع الأول (صكوك المشاركة الدائمة) فله تطبيقاته من خلال الأسهم بجميع أنواعها المباحة، وكذلك يمكن للبنك أن يطرح صكوكًا لمشروع معين يشترك فيه البنك بنسبة معينة ويطرح الباقي على شكل صكوك سواء أكانت الإدارة للبنك المصدر أم للمجموعة المشاركة أم لجهة ثالثة كما سبق.
وأما النوع الثاني (صكوك المشاركة المؤقتة بفترة زمنية محددة) فله عدة صور:
1-
صكوك المشاركة المستردة بالتدرج:
وهذا النوع قد تبناه بنك التقوى بعد إقرار هيئة الرقابة الشرعية (1) ، وإجراء التعديلات والضوابط المطلوبة، وخلاصة هذه الفكرة أن تدفع القيمة الدفترية لشراء هذه الأسهم إلى جانب مصاريف الإصدار، ثم تعامل معاملة الأسهم التي ليس لها حق التصويت في الجمعية العمومية ولا حق الحضور إليها، ثم يسترد قيمتها على خمسة أقساط متساوية، ويصرف لحاملها سنويا ما يتقرر توزيعه من حساب الربح أو الخسارة مثله مثل حاملي الأسهم الأخرى على أن يكون فقط بنسبة الرصيد الذي لم يحن موعد استرداده.
ولهذا النوع مميزات بالنسبة للمضاربة، حيث يكون لأصحاب هذا النوع من الأسهم نسبة أرباح تساوي بقية الأسهم الأخرى، أي يكون لهم نسبة ربح أموال البنك من المضاربة إضافة إلى المشاركة في أرباح البنك (كمضارب) أي أنهم كحاملي الأسهم العادية في هذه المسألة، ولذلك تكون نسبة أرباحهم أكثر من أصحاب المضاربة.
(1) هيئة الرقابة الشرعية تتكون من الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور عبد الستار أبو غده والدكتور علي محيي الدين القره داغي، وقد قدم الباحث هذه الفكرة من قبل إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة في بحثه عن الأسواق المالية في ميزان الفقه الإسلامي
وأما مميزاتها بالنسبة للأسهم الأخرى فتكمن في أن هذه الأسهم القابلة للاستراد سترد في الفترات المحددة، أي البنك ملزم برد قيمتها مع ملاحظة أنهم سيكونون في حاجة إلى أموالهم بعد بضع سنين ولا يستطيعون الاستمرار في استثمارها في رأس مال البنك.
وأما سلبياتها بالنسبة للمضاربة فهي أنها لا يمكن سحب قيمتها إلا حسب الجدول المذكور في حين أن أموال المضاربة يمكن سحبها بإخطار قبل سنة ميلادية تبدأ في أول يناير.
وأما سلبياتها بالنسبة للأسهم الأخرى فهي أنها ليس لها صوت ولا حضور في الجمعية العمومية للبنك وأن نسبة زيادة قيمتها حسب الرصيد الباقي سنويا (1)
ويمكن طرح هذا النوع للمشروعات الخاصة أو العامة.
2-
صكوك المشاركة المستردة خلال زمن محدود كأن يصدر البنك صكوكا للمشاركة في مشروع معين أو في مشروعات عامة دون تخصيص ويحددها بخمس سنوات أو عشر أو أكثر أو أقل ويشترك فيه البنك بنسبة معينة ثم يصفى المشروع ويأخذ كل واحد نصيبه أو يبقى المشروع ويتفق فيه على أن ينتهي بأن يتملكه الطرف الأول أو الثاني حسب الاتفاق.
3-
صكوك المشاركة المنتهية بالتمليك:
والمشاركة المنتهية بالتمليك لها عدة صور؛ من أهمها ما أقره مؤتمر المصرف الإسلامي الذي انعقد بدبي عام 1399 هـ وهي:
الصورة الأولى: أن يتفق المصرف مع عميله على تحديد حصة كل منهما في رأس مال المشاركة وشروطها، وقد رأى المؤتمر أن يكون بيع حصص المصرف الى العميل بعد إتمام المشاركة بعقد مستقل بحيث يكون للعميل شريك المصرف حرية التصرف ولا يلتزم بأن يبيع حصصه للبنك خاصة؛ بل يكون له الحق في بيعها للمصرف أو لغيره، وكذلك يكون الأمر بالنسبة للمصرف بأن تكون له حرية بيع حصصه للعميل شريكه أو لغيره.
الصورة الثانية: أن يتفق المصرف مع عميله على المشاركة في التمويل الكلي أو الجزئي لمشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس اتفاق المصرف مع الشريك الآخر لحصول المصرف على حصة نسبية من صافي الدخل المتحقق فعلا مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي من الإيراد أو أي قدر منه يتفق عليه ليكون ذلك الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمه المصرف من تمويل.
الصورة الثالثة: يحدد نصيب كل من المصرف وشريكه في الشركة في صورة أسهم تمثل قيمة الشيء موضوع المشاركة (عقار مثلا) ، يحصل كل من الشريكين (المصرف والشريك) على نصيبه من الإيراد المتحقق من العقار.
(1) أصدر بنك التقوى المحدود (البهاما) نشرة حول التعريف بهذه السلسلة من الأسهم أو الصكوك
وللشريك إذا شاء أن يقتني من هذه الأسهم المملوكة للمصرف عددا معينا كل سنة بحيث تكون الأسهم الموجودة في حيازة المصرف متناقصة إلى أن يتم تمليك شريك المصرف الأسهم بكاملها، فتصبح له الملكية المنفردة للعقار دون شريك آخر (1) .
و سندات الخزينة المخصصة للاستثمار الإسلامي:
وقدم الدكتور سامي حمود هذه الفكرة، وأسس فكرة إصدارها على القواعد التالية:
1-
إصدار سندات الخزينة للمشاركة في المشاريع المنتجة للدخل وذلك على أساس بيع المشروع المعين، وجملة من المشروعات مقابل إعطاء سندات تمثل حصص امتلاك وانتفاع بريع المشروع أو المشروعات المعينة.
2-
إصدار الخزينة الإيجارية لمشاريع مملوكة لمؤسسات وشركات مساهمة ذات نفع عام، وذلك باعتبار أن هذه السندات تمثل حصص امتلاك قابلة للتأجير.
3-
إصدار سندات الخزينة البترولية بطريق السلم، وذلك على أساس بيع الإنتاج المستقبل مع تنظيم بيوع السلم الأول والبيوع الموازية من أجل الموازنة بين الكميات المسلم فيها بالبيع والمطلوبة بالشراء.
(1) يراجع د. علي السالوس: المعاملات المالية المعاصرة، طبعة الفلاح الكويت ص (148) ؛ والدكتور سيد الهواري: الطبعة المميزة للبنوك الإسلامية، بحثه المقدم الى ندوة الاستثمار والتمويل التي انعقدت بجامعة الملك عبد العزيز في 23 محرم - 4 صفر 1401 هـ؛ ونصر الدين فضل المولى محمد: المصارف الإسلامية، طبعة دار القلم بجدة ص رقم 35
ويقول الدكتور سامي: "وتعتبر هذه الإدارة واحدة من أنجح الوسائل الملائمة للدول البترولية حيث يساعد الإنتاج البترولي الضخم على اجتذاب آلاف الملايين من الدراهم والدنانير والريالات التي لا تجد طريقها للمشاركة في التنمية الوطنية"(1) .
غير أن هذه السندات (أو الصكوك أو الشهادات) لا بد من ملاحظة القواعد الشرعية فيها؛ من حيث المشاركة وعدم ضمان المصدر لرأس المال (أي وجود المخاطرة) وعدم تحديد أية نسبة من الفوائد، وإنما ربطها بالأرباح الحقيقية؛ إضافة إلى شروط عقد السلم من حيث المواصفات، ومن حيث تسليم الثمن في مجلس العقد عند الجمهور أو في خلال أيام عند مالك (2) .
ز- صكوك المرابحة:
وقد طرح هذه الفكرة الدكتور سامي حمود في ندوة البركة الثانية التي عقدت بتونس من 4 إلى 7 نوفمبر سنة 1984 م، وقال: "وقد كان بيع المرابحة من أبرز الأمثلة المختارة لبيع الحصص الاستثمارية باعتبار أن بيع المرابحة بعد أن يتم يمكن فيه تماما معرفة الربح وموعد تحققه ونسبة ما يستحق من الزمن وما يتبقى لما هو باق من الأيام، وإذا كانت الديون بحد ذاتها لا تباع إلا مثلا بمثل، فإن هذه الديون إذا كانت جزءا من موجودات مختلطة مع النقود والأعيان فإنها تصبح قابلة للبيع؛ ولذا جاز في المخارجة (3) .
وقد كانت هذه الفكرة متمثلة في إنشاء شركة تابعة لبنك البركة الإسلامي في البحرين تكون متخصصة في تمويل المرابحة وتكون أسهمها قابلة للبيع والشراء وفق أسعار معلنة مقدما على أساس محسوب تبعا للعمليات المنفذة والأرباح المستحقة في بيوع المرابحة القائمة، وذلك باعتبار أن السهم في الشركة التابعة يمثل جزءا شائعا في موجودات الشركة بكاملها، وقد صدر قرار وزاري بالبحرين لإنشاء شركة إسلامية مساهمة تمارس الإصدارات المختلفة في صناديق المرابحة والإيجار والسلم والمشروعات وإيجاد أدوات مالية إسلامية تتمتع بالسيولة والربحية والقابلية للتسويق المنظم على أساس السعر المعلن والمكشوف (4) .
(1) بحثه بعنوان: الأدوات المالية الإسلامية، المقدم الى مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة
(2)
يراجع في ذلك شرح الخرشي (5 / 203) ؛ وبلغة السالك (2 / 538) ؛ وحاشية ابن عابدين (4 / 208) والغاية القصوى (1 / 497) ؛ والمغني لابن قدامة (4 / 328)
(3)
د. سامي حسن حمود: تطبيقات بيوع المرابحة للآمر بالشراء من الاستثمار البسيط إلى بناء سوق رأس المال الإسلامي مع اختيار تجربة بنك البركة في البحرين كنموذج عملي المقدم إلى ندوة عن خطة استراتيجية الاستثمار في البنوك الإسلامية في عمان بتاريخ 22 شوال - 25 شوال 1407 هـ
(4)
د. سامي حسن حمود: تطبيقات بيوع المرابحة للآمر بالشراء من الاستثمار البسيط إلى بناء سوق رأس المال الإسلامي مع اختيار تجربة بنك البركة في البحرين كنموذج عملي المقدم إلى ندوة عن خطة استراتيجية الاستثمار في البنوك الإسلامية في عمان بتاريخ 22 شوال - 25 شوال 1407 هـ
مدى إمكانية رد السندات إلى المضاربة الشرعية:
السندات التي تصدرها الحكومات أو البنوك الربوية أو الشركات بصورتها الحالية عقد قرض بفوائد محددة سنويا، فهي إذن من الربا المحرم حسب التكييف الشرعي - كما سبق -.
ولكنه مع ذلك إذا أريد أن تكون هذه السندات مشروعة لا بد أن تصاغ عقودها وإصداراتها على أساس المضاربة الشرعية التي يكون للمضارب ورب المال المشاركة في الربح حسب الاتفاق، وإذا حدثت الخسارة فإن رب المال يتحملها، فإذا صيغت بهذه الصورة فلا مانع منها شرعا إذا لم يكن متضمنة أمورا أخرى لا يجيزها الشرع.
وكذلك يمكن صياغتها على أساس عقود المشاركات أو أي عقد لا يتوفر فيه مصادمة مع نص شرعي، وذلك لأن الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا إذا دل دليل على الإفادة منها (1) .
وقد وضع قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي مجموعة من الضوابط يمكن الإفادة منها (2) .
العقود التي يمكن أن تصاغ منها الصكوك أو السندات المشروعة:
1-
المضاربة بجميع صورها - كما سبق -.
2-
المشاركة بجميع صورها - كما سبق -.
3-
الإجارة، وقد سبق أننا ذكرنا شهادات التأجير أو الإيجار المتناقصة - كما سبق-.
ويمكن صياغة صكوك للإجارة المنتهية بالتمليك، بحيث تصدر سندات لمشروع خاص يقوم به البنك، ثم يتفق مع مجموعة من الناس (أو شخص أو جهة) أن يؤجره لهم على شكل الإيجار المنتهي بالتمليك فيصدر البنك مجموعة من السندات لهذا المشروع.
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بشأن التأجير المنتهي بالتمليك هذا نصه:
(1) يراجع رسالتنا للدكتوراه مبدأ الرضا في العقود، دراسة مقارنة، طبعة دار البشائر الإسلامية 1985، بيروت (2 / 1448) ، أثبتنا بالأدلة هذا الأصل
(2)
وهو قراره المرقم 5 في الدورة الرابعة المنعقدة بجدة في18 - 23 جمادى الآخرة 1408 هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (6) 5 / 9 / 1988
بشأن الإيجار المنتهي بالتمليك
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق 10ـ15 ديسمبر 1988.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
واطلاعه على قرار المجمع في الدورة الثالثة بشأن الإجابة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية رقم (1) فقرة (ب) بخصوص عمليات الإيجار.
قرر
أولًا: الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى، منها البديلان التاليان:
الأول: البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية.
الثاني: عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:
• مد مدة الإجارة.
• إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.
• شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.
ثانيًا: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة بعد تقديم نماذج لعقودها وبيان ما يحيط بها من ملابسات وقيود بالتعاون مع المصارف الإسلامية بدراستها وإصدار القرار بشأنها. والله أعلم.
وقد صدرت فتوى عن الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي 1981 بشأن التأجير المنتهي بالتمليك تنص على أنه:
إذا وقع التعاقد بين مالك ومستأجر على أن ينتفع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة بأقساط موزعة على مدة معلومة على أن ينتهي هذا العقد بملك المستأجر للمحل فإن هذا العقد يصح إذا روعي فيه ما يأتي:
أـ ضبط مدة الإجارة وتطبيق أحكامها طيلة تلك المدة.
ب ـ تحديد مبلغ كل قسط من أقساط الأجرة.
ج ـ نقل الملكية إلى المستأجر في نهاية المدة بواسطة هبتها إليه تنفيذًا لوعد سابق بذلك بين المالك والمستأجر.
مجالات تطبيق الإجارة المنتهية بالتمليك:
يمكن تطبيقها في نطاق العقارات أرضًا أو بناءً أو موزعة، وفي الآلات والمعدات المختلفة، وفي السفن والطائرات والسيارات وأجهزة الكمبيوتر ونحوها.
ويمكن كذلك إصدار سندات للإجارة العادية (أي غير منتهية بالتمليك) سواء أكانت إجارة الأعيان منقولة أم غير منقولة أم إجارة على الأعمال.
والبنوك الإسلامية اليوم تستخدم إجارة الأعيان بشكل واسع فتشتري السفن أو الطائرات وتؤجرها في مقابل أجرة معينة، ويمكن توسيع نطاقها إلى جميع الأعيان، وتنظم حالاتها من خلال عقود نمطية.
والإجارة كما هي معروفة إما إجارة على عين معينة كتحديد عقار معين للاستئجار أو على شخص، أو على شيء موصوف في الذمة مثل الإجارة على أن يلتزم البنك بتوفير سفينة موصوفة بالأوصاف الدقيقة لإيجارها.
ويمكن إصدار سندات بالإجارة بكل أنواعها في مشروعات معينة، يقوم البنك بتخصيصها لهذه المشروعات على ضوء الضوابط الشرعية (1) .
4 ـ المزارعة: وهي شركة في الزرع بحيث يقدم صاحب الأرض المزروعة أرضه والآخر عمله وجهده الزراعي ويكون الناتج من الزرع بينهما حسب الاتفاق.
5 ـ وكذلك الأمر في المساقاة: وهي شركة في الثمرة ويقدم صاحب الأشجار أشجاره والآخر يقوم برعايتها على أن يكون الناتج من الثمر بينهما حسب الاتفاق.
وهذان العقدان محل إجماع بين الفقهاء (2) ويمكن صياغة صكوك المزارعة وصكوك المساقاة على غرار صكوك المضاربة التي ذكرناها.
6، 7 ـ صكوك السلم وبيع الأجل:
كذلك يمكن إصدار صكوك بعقد السلم تنظم فيه مسائله حيث إنه يعالج العقود التي ترد على السلع المستقبلية، كما أن بيع الأجل يعالج الأثمان الآجلة، ويمكن صياغة صكوك في هذين النوعين بضوابطهما الشرعية، ولا سيما في السلم (3) ، وسيأتي له تفصيله.
8 ـ صكوك الاستصناع:
وهذا النوع في نظري أهم الأنواع في علاج كثير من الموضوعات المعاصرة، ومع ذلك لم يول عناية مناسبة، لذلك سيكون بحثنا الخاص بالاستصناع منصبًّا على هذا الجانب بشكل تأصلي إن شاء الله (4)
(1) يراجع لمزيد من التفاصيل فتح القدير (9 / 57) ، وبدائع الصنائع (5 / 2554) ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4 / 2) ، وبداية المجتهد (2 / 219) ، وكتاب الأم للشافعي (7 / 139) ، والغاية القصوى، (2 / 619)، والمغني لابن قدامة:(5 / 432) .
(2)
حيث ذكر ابن المنذر وغيره الإجماع فيهما. انظر الإجماع لابن المنذر طبعة قطر (صفحة 100) ، والمغني لابن قدامة (4 / 485 ـ 5 / 596) .
(3)
يراجع في تفصيل ذلك بحثنا في القبض، المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة
(4)
يراجع في تفصيل ذلك بحثنا في الاستصناع، الذي قدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة.
9 ـ المرابحة:
كما هي معروفة، وقد ألفت فيها كتب كثيرة ولاسيما في عصرنا الحاضر حيث لا تزال البنوك الإسلامية تعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا باعتبارها أسلوبًا مرنًا من أهم أساليب التداول الشائعة (1) .
وقد نوقش في ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي التي عقدت بتونس في 4ـ7 نوفمبر 1984. كيفية صياغة صكوك بيع المرابحة باعتباره من أبرز الأمثلة المختارة لبيع الحصص الاستثمارية، حيث يمكن بعد إتمام العقد معرفة الربح وموعد تحققه ونسبة ما يستحق من الزمن وما يتبقى كما هو باقي من الأيام (2)
وكان مبنى الفكرة المعروضة على العلماء المشاركين في الندوة قائمًا على أن تنشأ شركة تابعة لبنك البركة الإسلامي في البحرين تكون متخصصة في تمويل المرابحة وتكون أسهمها قابلة للبيع والشراء وفق أسعار معلنة مقدمًا على أساس محسوب تبعًا للعمليات المنفذة والأرباح المستحقة في بيوع المرابحة القائمة باعتبار أن السهم في الشركة التابعة يمثل جزءا شائعًا في موجودات الشركة بكاملها (3)
ضمانات السندات:
يوجد عادةً حسب النظام السائد ـ نوعان من الضمان لأصحاب هذه السندات هما:
النوع الأول: أن تعطي الجهة المصدرة ضمان رأس المال أو رأس المال وفوائدها وقد تقوم جهة ثانية بإعطاء هذا الضمان لمن يشتري هذه السندات.
النوع الثاني: خلو السندات عن أي ضمان، وهذا ما يقع بالنسبة للشركات الكبرى حيث تعتمد على سمعتها وثقة الناس بها بحيث تصبح قابلة للتداول ما دامت الشركة الكبيرة الفلانية أصدرتها (4)
(1) يراجع كتاب الشيخ يوسف القرضاوي في المرابحة طبعة المؤسسة
(2)
د. سامي حسن حمود: بحثه عن خطة الاستثمار في البنوك الإسلامية المقدم إلى المؤتمر السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت)
(3)
المرجع السابق نفسه والعلماء الذين حضروا هذه الندوة هم: الشيخ عبد الحميد السائح رئيسًا ـ الشيخ زكريا البري عضوًا ـ الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير عضوًا ـ الشيخ محمد الحبيب بلخوجه عضوًا ـ الدكتور / حسين حامد عضوًا ـ الشيخ محمد السعدي فرهود عضوًا ـ الدكتور / عبد الستار أبو غده عضوًاـ الدكتور / حسن عبد الله الأمين عضوًا ـ الدكتور / عبد الوهاب أبو سليمان عضوًا ـ الدكتور / محمد إبراهيم عضوًا ـ الدكتور / محمد الطيب النجار عضوًا ـ الدكتور / عبد اللطيف آل محمود عضوًا ـ الدكتور بابكر عبد الله إبراهيم عضوًا ـ الشيخ أبو تراب الظاهري عضوا ـ الشيخ المختار السلامي عضوًا ـ الحاج أحمد بزيع الياسين عضوًا مراقبًا ـ الدكتور سامي حسن حمود مقرر اللجنة.
(4)
يراجع د. معبد الجارحي: المصارف الإسلامية والأسواق المالية، بحث مقدم إلى المؤتمر الثالث للمصارف الإسلامية بدبي أكتوبر 1985 ص17
ولكن السندات في ظل النظام الرأسمالي لا تخلو من تحديد فوائدها مقدمًا كما أنه من الطبيعي استرداد رأس مالها وفوائدها حسب المدة المتفق عليها مقدمًا.
وفي الفقه الإسلامي لا يجوز بالإجماع (1) ضمان رأس مال الصكوك من قبل الجهة المصدرة ولكنه يجوز أن تقوم جهة ثانية ـ كالدولة مثلًا ـ بإعطاء هذا الضمان للسندات التي أصدرتها البنوك أو الشركات. وهذا ما أجازه مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم 5 في دورت هالرابعة بجدة في 18ـ23 جمادى الآخرة 1408هـ، القاضي بأنه:"ليس هناك ما يمنع شرعًا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المضاربة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزامًا مستقلًّا عن عقد المضاربة ".
ومن المعلوم بداهةً حرمة الفوائد المضافة إلى رأس المال في السندات (وفي غيرها) وكذلك ضمانها.
كذلك لا مانع شرعًا من أن تضمن الجهة المصدرة للصكوك قيامها بشرائها تطمينًا لمن يشتريها وهذا هو الحال في شهادات الإصدار اللاحقة من شهادات الاستثمار للبنك الإسلامي للتنمية حيث يتمتع هذا النوع بإمكانية التسييل بإحدى الوسيلتين.
الأولى: البيع إلى مؤسسة مصرفية إسلامية بالسعر الذي يتفق عليه وذلك بعد فترة الاكتتاب والتشغيل الفعلي.
الثانية: شراء البنك الإسلامي للتنمية، حيث تعهد بشراء ما قد تعرض البنوك الإسلامية بيعه مما تملكه من شهادات وذلك بحد أقصى 50 % مما يملكه البنك الواحد من الإصدار الأساسي (2)
(1) الإجماع للإمام ابن المنذر تحقيق د. فؤاد عبد المنعم، طبعة دولة قطر ص 98، وكذلك صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الرابعة بجدة من 18ـ23 جمادى الآخرة 1408هـ حيث جاء فيه:" 4 ـ لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المضاربة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال"
(2)
د. محمد فيصل الأخوة: بحثه عن الأدوات المالية الإسلامية والبورصات الخليجية قدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة.
المبحث الثالث
الاستفادة العملية من العقود في سوق المال الإسلامية
ذكرنا فيما سبق أن العقود التي يمكن صياغة الصكوك منها تسعة عقود مع مراعاة الضوابط الشرعية لكل عقد، ونقول هنا: إنه لا مانع من التفكير في أي عقد جديد يصلح أن يكون أداة من أدوات السوق ما دام لا يتعارض مع نصوص الكتاب والسنة والإجماع الصريح، وذلك لأن الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا إذا دل دليل على حرمتها (1)
وبما أن المجمع الموقر في ورقته قد طرح عدة أمور وعقود لبحثها، لذلك سنخصصها بمزيد من البحث:
1 ـ الاستفادة من السلم:
السلم كما هو معروف بيع شيء موصوف في الذمة إلى أجل معلوم بثمن معجل، أو أنه عقد على موصوف في الذمة، ويجوز أن يكون الثمن نقودًا أو غيرها، والمسلم فيه أي شيء يمكن ضبطه عن طريق الوصف، ويشترط فيه تعجيل الثمن في مجلس العقد عند الجمهور، وعدم تأخيره أكثر من ثلاثة أيام عند المالكية (2) ، وأن يكون الأجل معلوما، إما تحديدا، أو حسب العرف كالحصاد والجذاذ، والمقدار محدد وزنًا أو وكيلًا، أو عددا، أو ذرعًا، وأن يكون المسلم فيه مما ينضبط بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها، وأن يكون مقدور التسليم عليه عند الحلول.
والسلم يمكن أن يكون في جميع السلع والمعادن، والحيوان والبضائع، وحتى في المنافع عند جماعة من الفقهاء، كما أنه يمكن تجزئة تسليم المسلم فيه على أوقات متفرقة معلومة، وأيضًا يمكن أن يكون سلمًا حالًّا، أو مؤجلًا، وكذلك يمكن أن يكون رأس مال السلم نقدًا، أو سلعة أو طعامًا، أو حيوانًا، أو نحو ذلك (3) .
والمقصود أن دائرة عقد السلم واسعة تسع كثيرًا من الأمور، ولذلك يمكن الإفادة منه في سوق المال الإسلامية إفادة كبيرة، باعتباره عقدًا فيه مرونة كبيرة، ويحقق كثيرًا من مصالح المجتمع، ومنافع للعاقدين، ولاسيما لمن لم يكن لديه السيولة، أو لديه الأعيان في المستقبل، أو هو قادر على توفيرها في الوقت المحدد، كما أن تداول عقود السلم يؤدي إلى نوع من الضمان، والتشجيع على الإنتاج المستقبلي في الزراعة والصناعة ونحوهما.
(1) وقد رجحنا ذلك، وأثبتنا أن هذا هو رأي جمهور العلماء وذلك في رسالتنا للدكتوراه: مبدأ الرضا في العقود دراسة مقارنة ط. دار البشائر (2 / 1148ـ 1163)
(2)
يراجع لتفصيله: فتح القدير: ط. مصطفى، بالقاهرة (7 / 69)، وحاشية ابن عابدين: ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت (4 / 203) . والمدونة: ط. السعادة، مصر 1323هـ (4 / 0002)، والمقدمات والممهدات: ط. دار الغرب الإسلامي (2 / 19)، والأم: ط. دار المعرفة ـ بيروت (3 / 89) . والغاية القصوى: ط. دار الاعتصام (1 / 493)، والروضة: ط. المكتب الإسلامي (4 / 3) . والمحلى لابن حزم (10 / 45) والمغني. (4 / 3ـ4) .
(3)
المصادر السابقة، ويراجع: الغاية القصوى (1 / 494) ، والمغني (4 / 304) .
ففيه فائدة للمسلم إليه (البائع) حيث يستفيد من السيولة المتحققة لديه للإنتاج الزراعي، أو الصناعي، أو التجارة، كما أن المسلم (المشتري) يستفيد من تصريف نقوده وتدويرها واستثمار فائض أمواله من خلال رخص الثمن، وتحقيق الأرباح.
وإدارة سوق المال يمكن الإفادة منها من خلال تداول عقود السلم، وصكوكه والسمسرة فيها ونحو ذلك.
التصرفات في المسلم فيه:
تصرفات المسلم في المسلم فيه إما أن تكون بعد القبض، أو قبله، ولذلك تنقسم إلى نوعين:
النوع الأول: التصرفات في المسلم فيه بعد القبض:
فللمسلم (المشتري) بعد قبض المسلم فيه (حسب العرف)(1) جميع التصرفات المشروعة من بيع عاجل، وآجل، ومرابحة، ومشاركة، وتولية، وتأجير، ورهن ونحو ذلك بدون خلاف، لأنه دخل في ملكه التام.
(1) يراجع قرار مجمع الفقه الإسلامي الموقر في تحديد القبض في دورته السادسة، وبحثنا في القبض وصوره المعاصرة المقدم إلى تلك الدورة
الثاني: التصرف في المسلم فيه قبل القبض:
هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل لأنها تحتمل عدة احتمالات:
الاحتمال الأول: التصرف فيه عن طريق الاعتياض عنه ممن عليه السلم.
الاحتمال الثاني: بيع المسلم فيه لشخص آخر.
الاحتمال الثالث: التصرف في المسلم فيه بالمشاركة،والحوالة، والتولية، ونحو ذلك.
الاحتمال الرابع: أن ينفسخ عقد السلم بالإقالة أو نحوها، فهل يجوز أن يصرف الثمن في عوض آخر غير المسلم فيه.
ومجمع الفقه الإسلامي تحدث في قراره في دورته السابعة عن حالة واحدة وهي:
"عدم جواز بيع السلعة المشتراة قبل قبضها"، ولذلك أرى إعادة الموضوع بكامله وطرحه على بساط البحث والمناقشة للوصول إلى رؤية شاملة واضحة.
وهأنذا أعرض هذا الموضوع بجمع جوانبه واحتمالاته وما ثار فيه من خلاف، وما نراه راجحًا على ضوء ما يأتي:
الاحتمال الأول: ـ الاعتياض عن المسلم فيه من المسلم نفسه عند حلول الأجل:
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم (رحمهما الله) في هذه المسألة، ننقل منهما بعض النصوص (1)
جاء في مجموع الفتاوى: "سئل رحمه الله عن رجل أسلف خمسين درهمًا في رطل من حرير إلى جل معلوم، ثم جاء الأجل فتعذر الحرير، فهل يجوز أن يأخذ قيمة الحرير؟ أو يأخذ عوضه أي شيء كان؟
فأجاب: "هذه مسألة فيها روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: لا يجوز الاعتياض عن دين السلم بغيره كقول الشافعي.
(1) مجموع الفتاوى (29 / 503ـ519) ، وشرح سنن أبي داود لابن القيم، بهامش عون المعبود (9 / 353) .
والقول الثاني: يجوز ذلك، كما يجوز في غير دين السلم وفي المبيع من الأعيان وهو مذهب مالك، وقد نص على هذا في غير موضع، وجعل دين السلم كغيره من المبيعات، فإذا أخذ عوضًا غير مكيل، ولا موزون يقدر دين السلم حين الاعتياض لا بزيادة على ذلك، أو أخذ نوعه يقدره مثل أن يسلم في حنطة فيأخذ شعيرًا بقدر الحنطة، فإنه يجوز، وقد ذكر ذلك طائفة من الأصحاب، لكن في بعض الصور.. روايتان".
ثم قال: " وأما المطلعون على نصوص أحمد فذكروا ما هو أعم من ذلك وأنه يجوز الاعتياض عن دين السلم بغير المكيل والموزون مطلقًا.. وكذلك إن أخذ قيمته مما لا يكال، ولا يوزن كيف شاء..".
ثم ذكر أن بعض الروايات قيدت بأن لا يأخذ مكان المسلم فيه إلا بقيمته أو أنقص منه، وهذا هو قول ابن عباس رضي الله عنهما (1) . وجاء في المجموع أن السلم إذا فسخ لانقطاع المسلم فيه كان لصاحب رأس المال بيعه قبل استرداده (2) .
وقد استدل المانعون بعدة أدلة أهمها ما يأتي:
1ـ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره (3)
2 ـ أن هذا يدخل في بيع الشيء قبل قبضه، وهذا لا يجوز، لأنه يدخل ضمن النهي عن ربح ما لم يضمن.
يقول ابن تيمية: "فإن علته في منع بيع دين السلم كونه مبيعًا، فلا يباع قبل القبض"(4) ثم بين بأن مبنى ذلك على ما رواه ابن عباس ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن يع الطعام قبل قبضه)) وقال: ((ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام)) (5)
(1) مجموع الفتاوى: (19: 503ـ518)
(2)
المجموع للنووي: (9:266)
(3)
الحديث رواه أبو داود: الحديث رقم (3451) ، عون المعبود (9 / 353)، وابن ماجه (2: 766) الحديث رقم (2283) ، والبيهقي (6 / 25) ، والدارقطني (308)
(4)
مجموع الفتاوى (29 / 505) .
(5)
الحديث رواه البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض (4 / 349) ، ومسلم (3 / 1159)
3 ـ الإجماع: حيث ذكر صاحب المغني الإجماع على ذلك فقال: "أما بيع المسلم فيه قبل قبضه فلا نعلم في تحريمه خلافًا (1)
وهذه الأدلة كلها مجال للنقاش والرد والبدل على ضوء ما يلي:
1 ـ فبالنسبة للدليل الأول (الحديث) هو أولًا: ضعيف لا ينهض حجة في مثل هذه القضايا، حيث في سنده عطية بن سعد وهو كما قال عبد الحق في أحكامه: لا يحتج به، وقد ضعفه أحمد، وغيره، وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وقال مسلم بن الحجاج: قال أحمد: وذكر عطية العوفي فقال: هو ضعيف، ثم قال: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي ويسأله عن التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد: وكان هشيم يضعف حديث عطية، وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه، وقال النسائي: هو ضعيف، وذكر ابن عدي أن عطية مع أهل البدعة، وذكره ابن حبان في الضعفاء، وذكر أنه كان يسمع أحاديث من الكلبي ويرويها فإذا قيل: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي، قال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب (2)
فرجل هذا حاله كيف يؤخذ منه أحاديث الأحكام؟ لذلك فالحديث ضعيف لا ينهض حجة لأن مداره على رجل "مجمع على ضعفه"(3)
(1) المغني لابن قدامة (4 / 334) .
(2)
أنظر، تهذيب التهذيب: ط. دار صادر، بيروت (7 / 224ـ226) والمغني في الضعفاء، ط. قطر (1 / 617) .
(3)
قال الذهبي في المغني (1 / 617) عطية بن سعد العوفي الكوفي تابعي مشهور، مجمع على ضعفه، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (3 / 225) : وهو ـ أي هذا الحديث ـ ضعيف، وأعله أبو حاتم، والبيهقي، وعبد الحق، وابن القطان بالضعف والاضطراب
ثانيًا: أن الحديث ـ على فرض ثبوته ـ ليس نصًّا على الدعوى، حيث يحتمل أكثر من معنى فقد قال الطيبي: "يجوز أن يرجع الضمير في (غيره) إلى (من) في قوله: _من أسلف) يعني لا يبيعه من غيره قبل القبض، أو إلى شيء، أي لا يبدل المبيع قبل القبض بشيء آخر (1) .
وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث بجوابين أحدهما: أنه ضعيف، ثم قال:"والثاني: المراد به أن لا يجعل السلف سلمًا في شيء آخر، فيكون معناه النهي عن بيعه بشيء معين إلى أجل وهو من جنس بيع الدين بالدين، ولهذا قال: (لا يصرفه إلى غيره) أي لا يصرف المسلم فيه إلى مسلم فيه آخر، ومن اعتاض عنه بغيره قابضًا للعوض لم يكن قد جعله سلمًا في غيره"(2)
ثالثًا: أن الحديث رواه الدارقطني بلفظ آخر ليس فيه ما يدل عليه اللفظ السابق، وهو "من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلم فيه، أو رأس ماله (3) فهذا اللفظ ليس فيه النهي عن صرفه إلى غيره، لكن الحديث ضعيف جدًّا، ومضطرب ومعلول كما قال الحافظ ابن حجر وغيره (4) ، فلا ينهض حجة.
2 ـ وأما البيع قبل القبض ـ كقاعدة عامة ـ ستأتي مناقشته فيما بعد عند كلامنا عن بيع المسلم فيه لغير المسلم إليه.
(1) عون المعبود: (9 / 354)
(2)
مجموع الفتاوى: ط. الرياض (29 / 17جـ) ، ويراجع كذلك شرح ابن القيم على سنن أبي داود (9 / 355) .
(3)
الدارقطني: (308) .
(4)
التلخيص الحبير: (3 / 25)
3 ـ وأما الإجماع الذي ادعاه صاحب المغني ابن قدامة، فقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "وأما ما ذكره الشيخ أبو محمد في (مغنيه) .. قال: (بيع المسلم فيه قبل قبضه لا نعلم في تحريمه خلافًا) فقال رحمه الله بحسب ما علمه، وإلا فمذهب مالك أنه يجوز بيعه من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته، وإن كان ذلك ليس في كتب كثير من متأخري أصحابه، وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد (1)
وإذا كان هذا هو القول الأصح للإمام أحمد، فلنذكر رأي المالكية في هذه المسألة، جاء في المدونة: "قلت: فإن كنت أسلفت في شعير، فلما حل الأجل أخذت سمراء، أو عمولة؟ قال: لا بأس بذلك هو قول مالك، قلت: ولا ترى هذا بيع الطعام قبل أن يستوفي؟ قال: لا إذا حل الأجل، فأخذت بعض هذا من بعض مثل الذي ذكرت لي، وأخذت مثل كيله، فإنما هذا بدل، وليس هذا بيع الطعام قبل أن يستوفي (2)
(1) مجموع الفتاوى: (29 / 506)، وقد سرد ابن القيم في شرح سنن أبي داود ـ بهامش عون المعبود (9 / 353) ـ مجموعة من أجوبة أحمد وأصحابه منها أن القاضي قال: نقلت من خط أبي حفص في مجموعه: "فإن كان ما أسلم فيه مما يكال أو يوزن فأخذ من غير نوعه مثل كيله مما هو دونه في الجودة جاز، وكذلك إن أخذ بثمنه مما لا يكال، ولا يوزن كيف شاء".. ومنها ما قال حرب: سألت أحمد: فقلت: رجل أسلم إلى رجل دراهم في بر، فلما حل الأجل لم يكن عنده بر، فقال: قوم الشعير بالدراهم فخذ من الشعير.. مثل كل البر، أو أنقص
(2)
المدونة: (4 / 34) .
ثم ذكر أن هذا " إنما يجوز بعد محل الأجل، أن يبيعه من صاحبه الذي عليه السلف، ولا يجوز أن يبيعه من غير صاحبه الذي عليه السلم.. حتى يقبضه من الذي عليه السلف، لأنه إن باعه من غير الذي عليه ذلك بمثل كيله وصفته صار حوالة، والحوالة عند مالك بيع من البيوع، فلذلك لا يجوز أن يحتال بمثل ذلك الطعام الذي سلف فيه على غير الذي عليه السلف، لأنه يصير دينًا بدين وبيع الطعام قبل أن يستوفي (1)
هذا في السلم في الطعام حيث يجوز الاعتياض عنه إلا ممن عليه السلم، ويكون بعد حلول الأجل، أما قبل حلول الأجل فتجوز الإقالة، وحينئذ يكون له الحق أن يأخذ رأس ماله، أو الطعام الذي أسلم فيه (2)
فالاعتياض عن الطعام يجوز عند مالك ممن عليه السلم، ولكنه لا يجوز بيعه قبل القبض (3)
أما غير الطعام فيجوز بيعه لغير المسلم إليه مطلقًا، أما له فلا يجوز قبل حلول الأجل بأكثر، جاء في المدونة في كتاب السلم:"قلت: أرأيت إن أسلمت في طعام معلوم.. أيجوز لي أن أبيع ذلك الطعام قبل أن أقبضه؟ قال: لا يجوز ذلك في قول مالك. قلت: وما سوى الطعام والشراب مما سلفت فيه كيلًا أو وزنًا فلا بأس أن أبيعه قبل أن أقبضه من الذي باعني، أو من غيره؟ قال: قال مالك: "لا بأس أن تبيع ما سلفت فيه إذا كان من غير ما يؤكل ويشرب من غير الذي عليه ذلك السلف بأقل أو بأكثر، أو بمثل ذلك إذا انتقدت، وأما الذي عليه ذلك السلف فلا تبعه منه قبل الأجل بأكثر، ولا تبعه منه إلا بمثل الثمن، أو بأقل، ويقبض ذلك (4)
(1) المدونة: (4 / 34ـ35)
(2)
المدونة: (4 / 59ـ69)
(3)
المدونة: (4 / 59، 87)
(4)
المدونة: (4 / 87)
وجاء في الشرح الكبير: "وجاز بلا جبر قبل زمانه أي أجل المسلم فيه قبول صفته ـ أي موصوفها فقط ـ لا أوفى ولا أجود، ولا أقل ولا أكثر.. قبل محله إلا الموضع الذي اشترط فيه القبض أو موضع العقد عند عدم الشرط فيجوز في العرض مطلقًا حل الأجل أم لا، وفي الطعام إن حل".
وعلق الدسوقي على ذلك بأن في العرض والطعام قولين أحدهما لابن القاسم، وأصبح الجواز قبل محله بشرط الحلول فيهما، والثاني: لسحنون، واختاره ابن زرقون: الجواز قبل محله وإن لم يحل فيهما (1)
وجاء فيه أيضًا: " وجاز قضاؤه ولو قبل الأجل بغير جنسه، أي المسلم فيه بشروط أربعة" وهي: إن جاز بيعه قبل قبضه كسلم ثوب في حيوان فأخذ عنه دراهم، إذ يجوز بيع الحيوان قبل قبضه، وثانيها: قوله: وجاز بيعه أي المأخوذ عن المسلم فيه بالمسلم فيه مناجزة كدراهم في ثوب أخذ عنه طشت نحاس، إذ يجوز بيع الطشت بالثوب يدًا بيد.. والثالث: قوله: وأن يسلم فيه ـ أي في المأخوذ ـ رأس المال، كالمثال المتقدم، إذ يجوز سلم الدراهم في طشت نحاس، والرابع: أن يعجل المأخوذ ليسلم من نسخ الدين في دين (2)
وجاء في بداية المجتهد: "اختلف العلماء في بيع المسلم فيه إذا حان الأجل من المسلم إليه، فمن العلماء من لم يجز ذلك أصلًا، وهم القائلون بأن كل شيء لا يجوز بيعه قبل قبضه.. وأما مالك فإنه منع شراء المسلم فيه قبل قبضه في موضعين:
أحدهما: إذا كان المسلم فيه طعامًا.
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: (3 / 219)
(2)
المرجع السابق نفسه.
والثاني: إذا لم يكن المسلم فيه طعامًا فأخذ عوضه المسلم ما لا يجوز أن يسلم فيه رأس ماله..".
ثم قال: "وأما بيع السلم من غير المسلم إليه فيجوز بكل شيء يجوز التبايع به ما لم يكن طعامًا، لأنه لا يدخله بيع الطعام قبل قبضه"(1)
الخلاصة أن مالكًا أجاز الاعتياض عن المسلم فيه ممن هو عليه السلم إلا الطعام حيث لا يجوز فيه بيعه قبل قبضه، وهذا رواية عن أحمد، وفي رواية أخرى أجاز بيع المكيل والموزون بغير المكيل والموزون، وكذلك الاعتياض عن المكيل والموزون أو بالعكس، إذا كان بقدره. (2)
وأما الدليل على جواز الاعتياض عن المسلم فيه ممن عليه السلم فهو ما يأتي:
1 ـ الاستدلال بالحديث الثابت الذي يرويه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنت أبيع الإبل بالنقيع ـ بالنون: سوق المدينة، وبالباء: مقبرتها ـ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة، فقلت: يا رسول الله، رويدك اسألك، إني أبيع الإبل بالنقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء)) (3)
(1) بداية المجتهد: ط. مصطفى الحلبي (2 / 206)
(2)
مجموع الفتاوى: (29 / 511)
(3)
الحديث رواه أحمد في مسنده (2 / 82، 154) ، وأبو داود في سننه ـ مع عون المعبود ـ كتاب البيع (9 / 203) ، وابن ماجه في سننه لكنه بدون" سعر يومها " كتاب التجارات (2 / 70) ،والدارمي (2 / 174) ، والنسائي، البيوع (7 / 281) .. قال النووي في المجموع (9 / 273) :(حديث ابن عمر صحيح رواه أبو داود والترمذي، والنسائي، وآخرون بأسانيد صحيحة عن سماك بن حرب عن سعيد عن ابن عمر) ، ثم ذكر بأن الحديث إذا روي مرفوعًا، وموقوفًا، ومرسلًا كان محكومًا بوصله ورفعه على المذهب الصحيح الذي قاله الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين من المتقدمين والمتأخرين"
وقد اعتبر شيخ الإسلام هذا الحديث دليلًا على جواز الاعتياض عن المسلم فيه فقال: "والدليل على ذلك أن الثمن يجوز الاعتياض عنه قبل قبضه بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.. فقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتاضوا عن الدين الذي هو الثمن بغيره مع أن الثمن مضمون على المشتري لم ينتقل إلى ضمان البائع، فكذلك المبيع الذي هو دين السلم يجوز بيعه وإن كان مضمونًا على البائع لم ينتقل إلى ضمان المشتري، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يجوز الاعتياض عنه إذا كان بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن (1) ثم ختم كلامه بقوله: "والصواب الذي عليه جمهور العلماء.. أنه يجوز بيع الدين ممن هو عليه؛ لأن ما في الذمة مقبوض للمدين، لكن إن باعه بما لا يباع به نسيئة اشترط فيه الحلول والقبض لئلا يكون ربا، وكذلك إذا باعه بموصوف في الذمة، وإن باعه بغيرهما ففيه وجهان:
أحدهما: لا يشترط، كالاشتراط في غيرهما.
والثاني: يشترط؛ لأن تأخير القبض نسيئة كبيع الدين بالدين، ومالك لم يجوز بيع دين السلم إذا كان طعامًا؛ لأنه بيع، وأحمد جوز بيعه وإن كان طعامًا أو مكيلًا، أو موزونا من بائعه إذا باعه بغير مكيل، أو موزون؛ لأن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه هو في الطعام المعين، وأما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء، وفائدته سقوط ما في ذمته عنه، لا حدوث ملك له، فلا يقاس هذا بهذا، فإن البيع المعروف هو أن يملك المشتري ما اشتراه، وهنا لم يملك شيئا، بل سقط الدين من ذمته، وهذا لو وفاه ما في ذمته لم يقل: إنه باعه دراهم بدراهم، بل يقال: أوفاه حقه، بخلاف ما لو باعه بدراهم معينة فإنه بيع، فلما كان في الأعيان إذا باعها بجنسها لم يكن بيعًا، فكذلك إذا وفاها من غير جنسها لم يكن بيعًا بل هو إيفاء فيه معنى المعاوضة (2)
(1) مجموع الفتاوى: (29 / 510)
(2)
مجموع الفتاوى: 29 / 512) .
ومما يدل على تسامح أكثر في بيع اعتياض دين السلم من المسلم إليه أن ابن عباس الذي لم يجوز بيع البيع قبل قبضه مطلقًا (1) أجاز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح، حتى أنه لم يفرق بين الطعام وغيره، ولا بين المكيل والموزون وغيرهما، قال ابن تيمية:"لأن البيع هنا من البائع الذي هو عليه، وهو الذي يقبضه من نفسه لنفسه، بل ليس هنا قبض، لكن يسقط عنه ما في ذمته فلا فائدة في أخذه منه، ثم إعادته إليه، وهذا من فقه ابن عباس"(2)
2 ـ بل إن شيخ الإسلام ذكر في توضيح الرأي القائل بجواز الاعتياض عنه سواء تعذر المسلم فيه أم لا (3) : إن قول ابن عباس في جواز ذلك لا يعرف له في الصحابة مخالف، وذلك لأن السلم دين ثابت فجاز الاعتياض عنه كبدل القرض، وكالثمن في المبيع، ولأنه أحد العوضين في البيع فجاز الاعتياض عنه كالعوض الآخر ما دام بسعر يوم الاعتياض (4)
قال ابن القيم: "قال ابن المنذر: ثبت عن ابن عباس أنه قال: (إذا أسلفت في شيء إلى أجل، فإن أخذت ما أسفلت فيه، وإلا فخذ عوضًا أنقص منه ولا تربح مرتين) رواه شعبة، فهذا صحابي، وهو حجة ما لم يخالف".
ثم قال: "والذين منعوا جواز بيعه لمن هو في ذمته قاسوه على السلم، وقالوا: لأنه دين فلا يجوز بيعه كدين السلم، وهذا ضعيف من وجهين:
أحدهما: أنه قد ثبت في حديث ابن عمر جوازه، (حيث يدل على جواز بيع الثمن ممن هو في ذمته قبل قبضه، فما الفرق بينه وبين الاعتياض عن دين السلم بغيره؟) .
والثاني: أن دين السلم غير مجمع على منع بيعه ـ كما سبق ـ.
(1) صحيح البخاري: مع الفتح (4 / 349)
(2)
مجموع الفتاوى: (2 / 514)
(3)
جاء هذا في جواب سؤال هذا نصه: "وسئل عن الرجل يسلم في شيء فهل له أن يأخذ من المسلم إليه غيره، كمن أسلم في حنطة، فهل له أن يأخذ بدلها شعيرًا سواء تعذر المسلم فيه أم لا؟ " مجموع الفتاوى (29 / 518)
(4)
مجموع الفتاوى: (2 / 519)
والذين فرقوا بين دين السلم وغيره لم يفرقوا بفرق مؤثر، والقياس التسوية بينهما (1)
وقد أطال العلامة ابن القيم النفس في هذه المسألة وناقش المانعين مناقشة رائعة نذكرها بنصها لأهميتها فقال: "وما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه فهذا إنما هو في المعين أو المتعلق به حق التوفية من كيل أو وزن، فإنه لا يجوز قبل قبضه، وأما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء، وفائدته: سقوط ما في ذمته عنه، لا حدوث ملك له فلا يقاس بالبيع الذي يتضمن شغل الذمة، فإنه إذا أخذ منه عن دين السلم عرضًا أو غيره أسقط ما في ذمته. فكان كالمستوفي دينه لأن بدله يقوم مقامه. ولا يدخل في هذا بيع الكالئ بالكالئ بحال. والبيع المعروف: هو أن يملك المشتري ما اشتراه. وهذا لم يملكه شيئا، بل سقط الدين من ذمته. ولهذا لو وفاه ما في ذمته لم يقل: إنه باعه دراهم بدراهم، بل يقال: وفاه حقه، بخلاف ما لو باعه دراهم معينة بمثلها فإنه بيع. ففي الأعيان إذا عاوض عليها بجنسها أو بعين غير جنسها يسمى بيعًا. وفي الدين إذا وفاها بجنسها لم يكن بيعًا. فكذلك إذا وفاها بغير جنسها لم يكن بيعًا، بل هو إيفاء فيه معنى المعاوضة. ولو حلف ليقضينه حقه غدًا، فأعطاه عنه عرضًا برَّ في أصح الوجهين.
وجواب آخر: أن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه أريد به بيعه من غير بائعه. وأما بيعه من البائع ففيه قولان معروفان.
(1) شرح سنن أبي داود للحافظ ابن القيم، بهامش عون المعبود (9 / 356)
وذلك لأن العلة في المنع إن كانت توالي الضمانين اطرد المنع في البائع وغيره، وإن كانت عدم تمام الاستيلاء، وأن البائع لم تنقطع علقه عن المبيع بحيث ينقطع طمعه في الفسخ، ولا يتمكن من الامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه، لم يطرد النهي في بيعه من بائعه قبل قبضه لانتفاء هذه العلة في حقه. وهذه العلة أظهر، وتوالي الضمانين ليس بعلة مؤثرة، ولا تنافي بين كون العين الواحدة مضمونة له من وجه وعليه من وجه آخر، فهي مضمونة له وعليه باعتبارين. وأي محذور في هذا؟ كمنافع الإجارة، فإن المستأجر له أن يؤجر ما استأجره، فتكون المنفعة مضمونة له وعليه، وكالثمار بعد بدو صلاحها له أن يبيعها على الشجر، وإن أصابتها جائحة رجع على البائع فهي مضمونة له وعليه، ونظائره كثيرة.
وأيضًا فبيعه من بائعه شبيه بالإقالة، وهي جائزة قبل القبض على الصحة.
وأيضًا فدين السلم تجوز الإقالة فيه بلا نزاع، وبيع المبيع لبائعه قبل قبضه غير جائز في أحد القولين.
فعلم أن الأمر في دين السلم أسهل منه في بيع الأعيان، فإذا جاز في الأعيان أن تباع لبائعها قبل القبض فدين السلم أولى بالجواز، كما جازت الإقالة فيه قبل القبض اتفاقًا بخلاف الإقالة في الأعيان.
ومما يوضح ذلك: أن ابن عباس لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه، واحتج عليه بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه وقال:"أحسب كل شيء بمنزلة الطعام" ومع هذا فقد ثبت عنه أنه جوز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح فيه. ولم يفرق بين الطعام وغيره، ولا بين المكيل والموزون وغيرهما. لأن البيع هنا من البائع الذي هو في ذمته. فهو يقبضه من نفسه لنفسه، بل في الحقيقة ليس هنا قبض، بل يسقط ما في ذمته، بل يسقط ما في ذمته فتبرأ، وبراءة الذمم مطلوبة في نظر الشرع، لما في شغلها من المفسدة، فكيف يصح قياس هذا على بيع شيء غير مقبوض لأجنبي لم يتحصل بعد، ولم تنقطع علق بائعه عنه؟
وأيضًا: فإنه لو سلم المسلم فيه ثم أعاده إليه جاز. فأي فائدة في أخذه منه: ثم إعادته إليه، وهل ذلك إلا مجرد كلفة ومشقة لم تحل بها فائدة؟
ومن هنا يعرف فضل علم الصحابة وفقههم على كل من بعدهم.
قالوا: وأما استدلالكم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن: فنحن نقول بموجبه، وأنه لا يربح فيه، كما قال ابن عباس:"خذ عرضًا بأنقص منه، ولا تربح مرتين".
فنحن إنما نجوز له أن يعاوض عنه بسعر يومه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر في بيع النقود في الذمة:" لا بأس إذا أخذتها بسعر يومها" فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما جوز الاعتياض عن الثمن بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن.
وقد نص أحمد على هذا الأصل في بدل العوض وغيره من الديون أنه إنما يعتاض عنه بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن.
وكذلك قال مالك: يجوز الاعتياض عنه بسعر يومه كما قال ابن عباس لكن مالكًا يستثني من الطعام خاصةً؛ لأن من أصله أن بيع الطعام قبل قبضه لا يجوز بخلاف غيره.
وأما أحمد: فإنه فرق بين أن يعتاض عنه بعرض أو حيوان أو نحوه، دون أن يعتاض بمكيل أو موزون، فإن كان بعرض ونحوه جوزه بسعر يومه، كما قال ابن عباس ومالك، وإن اعتاض عن المكيل بمكيل، أو عن الموزون بموزون، فإنه منعه لئلا يشبه بيع المكيل بالمكيل من غير تقابض، إذ كان لم توجد حقيقة التقابض من الطرفين. ولكن جوزه إذا أخذ بقدره مما هو دونه، كالشعير عن الحنطة، نظرًا منه إلى أن هذا استيفاء لا معاوضة، كما يستوفي الجيد عن الردئ، ففي العوض جوز المعاوضة، إذ لا يشترط هناك تقابض. وفي المكيل والموزون منع المعاوضة، لأجل التقابض، وجوز أخذ قدر حقه أو دونه، لأنه استيفاء. وهذا من دقيق فقهه رضي الله عنه.
قالوا: وأما قولكم: إن هذا الدين مضمون له، فلو جوزنا بيعه لزم توالي الضمانين فهو دليل باطل من وجهين:
أحدهما: أنه لا توالي ضمانين هنا أصلًا، فإن الدين كان مضمونًا له في ذمة المسلم إليه، فإذا باعه إياه لم يصر مضمونًا عليه بحال. لأنه مقبوض في ذمة المسلم إيه، فمن أي وجه يكون مضمونًا على البائع؟ بل لو باعه لغيره لكان مضمونا له على المسلم إليه ومضمونًا عليه للمشتري، وحينئذ فيتوالى ضمانان.
الجواب الثاني: أنه لا محذور في توالي الضمانين. وليس بوصف مستلزم لمفسدة يحرم العقد لأجلها. وأين الشاهد من أصول الشرع لتأثير هذا الوصف؟ وأي حكم علق الشارع فساده على توالي الضمانين؟ وما كان من الأوصاف هكذا فهو طردي لا تأثير له.
وقد قدمنا ذكر الصور التي فيها توالي الضمانين. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جوز المعاوضة عن ثمن المبيع في الذمة. ولا فرق بينه وبين دين السلم.
قالوا: وأيضًا فالمبيع إذا تلف قبل التمكن من قبضه كان على البائع أداء الثمن الذي قبضه من المشتري. فإذا كان هذا المشتري قد باعه فعليه أداء الثمن الذي قبضه من المشتري الثاني، فالواجب بضمان هذا غير الواجب بضمان الآخر، فلا محذور في ذلك.
وشاهده: المنافع في الإجارة والثمرة قبل القطع. فإنه قد ثبت بالسنة الصحيحة التي لا معارض لها وضع الثمن عن المشتري إذا أصابتها جائحة. ومع هذا يجوز التصرف فيها. ولو تلفت لصارت مضمونة عليه بالثمن الذي أخذه، كما هي مضمونة له بالثمن الذي دفعه.
قالوا: وأما قولكم: إن المنع منه إجماع، فكيف يصح دعوى الإجماع مع مخالفة حبر الأمة ابن عباس، وعالم المدينة مالك بن أنس؟
فثبت أنه لا نص في التحريم،ولا إجماع ولا قياس، وأن النص والقياس يقتضيان الإباحة كما تقدم، والواجب عند التنازع: الرد إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى:
3 ـ أن الأصل في العقود أنها تنعقد بمجرد الإيجاب والقبول ـ مع توافر الشروط المطلوبة ـ فإذا انعقد العقد تحققت التزامات الطرفين، ويجب الوفاء بها تنفيذًا لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]
الاحتمال الثاني: بيع المسلم فيه لشخص آخر قبل القبض.
وقد ثار خلاف كبير في بيع المبيع قبل القبض يمكن إرجاعه إلى ثلاثة اتجاهات وهي:
الاتجاه الأول: يرى عدم جواز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا سواء أكان المعقود عليه طعامًا أم غيره، وسواء أكان مكيلًا أم موزونًا، عقارًا أم منقولًا.
وهذا مذهب الشافعي وأكثر أصحابه (1) ، وأحمد في رواية (2) ، ومحمد بن عبد الحق وزفر من الحنفية (3) ، والظاهرية (4) ، والزيدية (5) ، ورواية للإمامية (6) ، والأباضية في المشهور عنهم (7) ، وروي ذلك عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب في رواية عنه، وسفيان الثوري (8)
الاتجاه الثاني: يرى جواز بيع المبيع، وكل تصرف فيه مطلقًا، وهذا رأي عطاء بن أبي رباح، وعثمان البتي (9) ، ورأى للإمامية (10)
الاتجاه الثالث: يرى التوسط والتفصيل، وأصحاب هذا الاتجاه مختلفون على خمسة آراء، حيث ذهب أكثرهم إلى عدم جواز بيع الطعام قبل قبضه، وإلى جواز ما عداه، وهذا رأي مالك في المشهور عنه (11) ، وأحمد في رواية عنه (12) ، واختيار أبي ثور وابن المنذر (13) ، وإليه أشار البخاري في صحيحه (14) .
وهذا الرأي هو الذي يدعمه الدليل (15)، وقد قال الحافظ ابن المنذر:"هو أصح المذاهب ......."(16)
(1) الأم: (3 / 60)، والمجموع للنووي:(9 / 264 / 275)
(2)
المغني لابن قدامة: (4 / 121ـ123)
(3)
بدائع الصنائع: (7 / 2100)، وفتح القدير:(7 / 22)
(4)
المحلى لابن حزم: (9 / 592)
(5)
البحر الزخار: (4 / 311)
(6)
المختصر النافع: ص148.
(7)
شرح النيل: (8 / 59)
(8)
المصنف لعبد الرزاق: (8 / 38ـ 44)، والمحلى:(9 / 594)، والمغني:(4 / 121)
(9)
المحلى: (8 / 597)، والمغني:(4 / 220)، وشرح ابن القيم على السنن:(9 / 382)
(10)
المختصر النافع: ص148
(11)
المدونة: (4 / 90)
(12)
المغني: (4 / 120)، ومجموع الفتاوى:(29 / 398)، وشرح ابن القيم على سنن أبي داود:(9 / 392) .
(13)
المغني: (4 / 121ـ123) .
(14)
حيث ترجم البخاري في صحيحه: باب بيع الطعام قبل أن يقبض: (4 / 349)، وباب إذا اشترى متاعًا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض:(4 / 351) .
(15)
يراجع في تفصيل الأدلة والآراء: بحثنا عن القبض وصوره المعاصرة المقدم إلى مجمع الفقه الموقر في دورته السادسة بجدة عام 1990م
(16)
المجموع: (9 / 270ـ271)
هذا هو الخلاف في بيع الشيء قبل قبضه بصورة عامة، وهل هذا الخلاف يجري في بيع المسلم فيه قبل قبضه؟
إنه من الثابت في كتب المالكية والحنابلة أن مذهب مالك على جوازه فيما عدا الطعام (1) وكذلك نص عليه أحمد (2) ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية "فمذهب مالك أنه يجوز بيعه من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد، نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته.. وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد (3) ، ثم قال: "والمقصود أن أصل أحمد ومالك جواز التصرف، وأنه يوسع في البيع قبل انتقال الضمان إلى المشتري، بخلاف أبي حنيفة والشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد (4)
،أصل الخلاف يعود إلى مسألة الضمان، هل هو من ضمان البائع، أم من ضمان المشتري، وهل ذلك الضمان يمنع المشتري من التصرف فيه؟
فمالك وأحمد في المشهور عنه ومن معهما قالوا: إن ما تمكن المشتري من قبضه فهو من ضمانه، وأن المشتري يستطيع أن يتصرف في المبيع قبل التمكن من قبضه؛ لأن ضمان البائع له لا يمنع تصرف المشتري الذي انتقلت إليه ملكية المبيع والمسلم فيه بمجرد العقد، قال ابن تيمية: " فظاهر مذهب أحمد أن جواز التصرف فيه ليس ملازمًا للضمان ولا مبنيًّا عليه، بل قد يجوز التصرف فيه حيث يكون من ضمان البائع كما ذكر في الثمرة، وصنائع الإجارة، وبالعكس كما في الصبرة المعينة (5)
بينما ربط أبو حنيفة والشافعي جواز التصرف بالضمان فإذا لم ينتقل الضمان إلى المشتري لا يجوز له التصرف فيه حتى لا يتوالى الضمانان.
لكن شيخ الإسلام رد على هذا الأصل بأنه مأخذ ضعيف، وأنه لا محذور في وجود ضمانين؛ لأن الواجب بضمان هذا غير الواجب بضمان ذاك (6) ، فلو تلف المبيع قبل التمكين من القبض فإن المشتري الثاني يعود إلى المشتري الأول وهو على البائع، وكل يرجع على الآخر بما دفعه.
(1) المدونة: (4 / 88،90، 91، 95)، وبداية المجتهد:(2 / 206)
(2)
مجموع الفتاوى: (29 / 506) .
(3)
المرجع السابق
(4)
المرجع السابق: (29 / 506ـ509)
(5)
مجموع الفتاوى: (29 / 506ـ509)
(6)
المرجع السابق نفسه
ويدل على أن ضمان البائع لا يمنع من تصرف المشتري في المبيع حديث ابن عمر الثابت السابق في البيع بالذهب والأداء بالفضة، أو بالعكس، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتاضوا عن الدين الذي هو الثمن بغيره، مع أن الثمن مضمون على المشتري لم ينتقل إلى ضمان البائع، فكذلك المبيع الذي هو دين السلم يجوز بيعه وإن كان مضمونًا على البائع لم ينتقل إلى ضمان المشتري، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جوز الاعتياض عنه بسعر يومه لئلا يربح بما لم يضمن، وهكذا قد نص أحمد على ذلك في بدل القرض وغيره من الديون، إنما يعتاض عنه بسعر يومه (1)
ومن ناحية أخرى إن ما في ذمة المدين البائع مقبوض للدائن فحينما يبيعه للآخر فكأنه سلمه إليه، وحل محله، يقول ابن تيمية، "إن ما في الذمة مقبوض للمدين (2) كما أن الموجود في الذمة فكأنه موجود في الواقع والخارج.
الاحتمال الثالث ـ التصرف في المسلم فيه بالتولية، والشركة، والحطيطة، والمصالحة، والحوالة، والوكالة ونحوها:
فعقد الوكالة والسمسرة في السلم جائز؛ لأن القاعدة فيها هي أن كل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلًا أو امرأة، مسلمًا كان أو كافرًا، وكل ما يصح أن يستوفيه بنفسه وتدخله النيابة صح أن يتوكل لغيره فيه (3)
وأما التولية، والشركة في المسلم فيه قبل قبضه فمحل خلاف بين الفقهاء:
فذهب مالك إلى جوازهما سواء أكان المسلم فيه طعامًا، أم غيره، جاء في المدونة: " قلت: ارأيت إن اشتريت سلعة من السلع فأشركت فيها رجلًا قبل أن أنقده، أو بعد ما نقدته، أيصلح ذلك في قول مالك أم لا؟
قال: لا بأس بذلك عند مالك
قال: ولقد سألت مالكًا عن رجل اشترى من رجل طعامًا بثمن إلى أجل فأتاه رجل، فقال: أشركني في هذا الطعام، وذلك قبل أن يكتال طعامه الذي اشترى.
قال مالك: لا بأس بذلك إن أشركه على أن لا ينتقد إلا إلى الأجل الذي اشترى إليه الطعام، فإن انتقد فلا خير في ذلك".
وكذلك الأمر في التولية، جاء في المدونة، "قلت: أرأيت أن اشتريت سلعة من رجل بنقد، فلم أقبضها حتى أشركت فيها رجلًا، أو وليتها رجلًا، أيجوز ذلك؟
قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: وإن كان طعامًا اشتريته كيلا، ونقدت الثمن، فوليته رجلًا أو أشركته فيه قبل أن أكتاله من الذي أشتريه؟
قال مالك: لا بأس بذلك، وذلك الحلال إذا انتقد مثل ما نفذ.
قلت: لم جوزه مالك وقد جاء في الحديث الذي يذكره مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى؟
قال: قد جاء هذا، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى إلا ما كان من شرك، أو إقالة، أو تولية.
(1) المرجع السابق: (29 / 510)
(2)
المرجع السابق: (29 / 512)
(3)
يراجع المغني لابن قدامة: (5 / 88)، وحاشية ابن عابدين:(4 / 399)، وروضة الطالبين:(4 / 291)، وبداية المجتهد:(2 / 301)، والمدونة:(4 / 94)
قال سحنون: وأخبرني ابن القاسم عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه إلا ما كان من شرك، أو إقالة، أو تولية)) .
قال مالك: " اجتمع أهل العلم على أنه لا بأس بالشرك والإقالة والتولية في الطعام قبل أن يستوفى إذا انتقد الثمن ممن يشركه، أو يقيله، أو يوليه"(1) وهذا الحديث الذي رواه الإمام سحنون بسنده، رواه أيضًا عبد الرزاق في مصنفه عن معمر، عن ربيعة عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((التولية، والإقالة، والشركة سواء لا بأس به)) . وأما ابن جريج فقال: أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا مستفاضًا بالمدينة، قال:((من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه إلا أن يشرك فيه، أو يوليه، أو يقيله)) (2)
والحديث الذي رواه سحنون، وعبد الرزاق مرسل لكنه مرسل سعيد بن المسيب، وهو يحتج به عند جمهور العلماء. (3)
وأما سند الحديث فالحافظ عبد الرزاق معروف بأنه ثقة حافظ (4) ، وهو قد روي عن معمر وغيره، ومعمر أيضًا ثقة ثبت، بل عده علي ابن المديني وأبو حاتم فيمن دار الإسناد عليهم، بل اعتبره النقاد من أثبت الناس (5) وأما ربيعة المعروف بربيعة الرأي فهو أيضًا ثقة ثبت من التابعين الفقهاء المفتين، حتى قال مالك:"ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة"(6)
إذن فالحديث مرسل صحيح الإسناد، أو أنه لا تقل درجته عن الحسن الذي ينهض حجة، وكذلك فهو نص في الدعوى حيث يدل بنصه على جواز الشرك، والإقالة، والتولية في الطعام قبل القبض والاستيفاء، ويقاس عليه بطريق أولى غير الطعام.
وذهب جماعة آخرون منهم الحنفية (7) ، والشافعية (8) ، والحنابلة (9) إلى عدم جواز الشركة، والتولية في المسلم فيه قبل قبضه.
(1) المدونة: (4 / 80ـ81)
(2)
المصنف للحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق خليل الرحمن الأعظمي، ط. المجلس العلمي:(8 / 49)، ونصب الراية:(4 / 31) .
(3)
المجموع: (1 / 60ـ63، والأحكام للآمدي: (2 / 178)، والمقدمة لابن الصلاح ص:130..
(4)
تقريب التهذيب، ط. دار المعرفة:(1 / 505)، وتهذيب التهذيب:(6 / 310)
(5)
تهذيب التهذيب: (10 / 243ـ246)، وتقريب التهذيب:(2 / 66) .
(6)
يراجع للمزيد من التفصيل: تهذيب التهذيب: (3 / 258)، وتقريب التهذيب:(1 / 247) .
(7)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار: (4 / 209ـ210)
(8)
يراجع: تحفة المحتاج مع حواشي الشيرواني، وابن قاسم العبادي، ط. دار صادر بيروت:(3 / 30ـ31)، والغاية القصوى:(1497) .
(9)
المغني لابن قدامة: (4 / 235) ، والمبدع شرح المقنع، ط. المكتب الإسلامي:(4 / 197ـ198) .
واستدلوا بأن هذه التصرفات معاوضة في المسلم فيه قبل القبض فلم يجز، كما لو كانت بلفظ البيع، ولأنهما نوعا بيع فلم يجوزا في المسلم فيه قبل قبضه كالنوع الآخر (1) ويمكن أن يرد على هذا الاستدلال بأنه لا نسلم أن التولية والشركة بيع، ولو سلم فالبيع نفسه محل خلاف، فلا يكون الدليل ملزمًا، لأنه أيضًا محل خلاف.
ويكاد الخلاف السابق ينسحب على الصلح في المسلم فيه قبل قبضه (2)
والذي يظهر رجحانه رأي مالك لقوة دليله، ومنطقه، وموافقة رأيه للأصل القاضي بأن الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا ما دل على حرمته، فليس هناك نص من الكتاب ولا من السنة يمنع التصرف في المسلم فيه قبل القبض عن طريق الشركة، أو التولية، أو الحيطة، أو الصلح لكنه بشرط واحد، وهو أن ينقد الثمن حتى لا يكون بيع دين نسيء بدين نسيء.
وأما الحوالة بالمسلم فيه (دين السلم) ، أو عليه فمحل خلاف كبير.
فذهب جماعة من الفقهاء منهم الحنفية (3) ، ووجه للشافعية (4)، والمالكية (5) في غير ما إذا كان البدلان: المحال به، وعليه طعام من بيع إلى جواز الحوالة بدين السلم وعليه.
وذهب الحنابلة (6) ، ووجه للشافعية ـ رجحه النووي (7) إلى أنه لا تجوز الحوالة بدين السلم ولا عليه.
(1) المغني لابن قدامة: (4 / 235)
(2)
يراجع المدونة: (4 / 59)، وروضة الطالبين:(4 / 4)، والتحفة مع حواشيها لابن قاسم والشيرواني:(4 / 31)، والمغني لابن قدامة:(4 / 542)
(3)
جاء في الدر المختار ـ مع حاشية ابن عابدين: (4 / 208) : "وصحت الكفالة والحوالة والارتهان برأس مال السلم"
(4)
يراجع: فتح العزيز بهامش المجموع: (10 / 340)، والروضة:(3 / 512) .
(5)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: (3 / 327)
(6)
المغني لابن قدامة: (4 / 335، 577)، والمبدع:(4 / 198) .
(7)
انظر الروضة: (3 / 512، وتحفة المحتاج: (5 / 228)
وهؤلاء المانعون استدلوا بما يلي:
أولًا: إنهم اعتمدوا في منعهم هذا على أن دين الحوالة يجب أن يكون مستقرا، وأن السلم بعرض الفسخ (1) .
ويمكن الجواب عنه بأن هذا الشرط نفسه محل خلاف وليس عليه دليل من الكتاب والسنة والإجماع، فالنص النبوي الشريف في الحوالة لم يشترط كون الدين مستقرًّا أو غير مستقر، بل قال:" فإذا أتبع ـ أو أحيل ـ أحدكم على مليء فليتبع"(2) ، فالنص لم يشترط سوى كون المحال عليه مليئًا قادرًا على أداء الدين، ولذلك قال الشوكاني معلقًا على اشتراط استقرار الدين لدى البعض: "فلا أدري لهذا الاشتراط وجها؛ لأن من عليه الدين إذا أطال على رجل يمتثل حوالته، ويسلم ما أحال به كان ذلك هو المطلوب؛ لأن به يحصل المطلوب بدين الحال ولو لم يكن في ذمة المحال عليه شيء من الدين (3) ، ولذلك أجاز الحنابلة أنفسهم استعمال لفظ الحوالة في صورتين ليستا بحوالة، وإنما هي وكالة وقرض (4)
(1) المغني لابن قدامة: (4 / 335)
(2)
الحديث متفق عليه، ورواه الشافعي، وأحمد، وأصحاب السنن، انظر: صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (4 / 464)، ومسلم:(3 / 1197)، وسنن أبي داود ـ مع العون ـ:(9 / 195)، والترمذي ـ مع التحفة:(4 / 535)، وابن ماجه:(2 / 803)، والسنن الكبرى للبيهقي:(6 / 70)، والنسائي:(7 / 278)، والأم:(3 / 203)، ومسند أحمد:(2 / 463) .
(3)
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: (4 / 242)
(4)
جاء في المغني (4 / 579) : "وإن أحال من لا دين له عليه رجلًا على آخر له عليه دين فليس ذلك بحوالة، بل هي وكالة.. وإنما جازت الوكالة بلفظ الحوالة، لاشتراكهما في المعنى.. وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فليست حوالة أيضًا.. وإنما هو اقتراض، فإن قبض المحتال منه الدين رجع على المحيل، لأنه قرض.. وإن أحال من لا دين عليه فهي وكالة في اقتراض، وليست حوالة؛ لأن الحوالة إنما تكون لدين على دين". وعند المالكية: "لو أعلم المحيل المحال بأنه لا دين له على أعمال عليه، أو علم من غيره، وشرط المحيل البراء من الدين الذي عليه، ورضي المحال صح التحول، ولا رجوع له على المحيل، لأنه ترك حقه حيث رضي بالتحول"، انظر: الشرح الكبير مع الدسوقي (3 / 326)
ثانيًا: واستدل المانعون كذلك بأن الحوالة إما بيع وهو لا يجوز قبل قبض المبيع، أو هو كالبيع، أي يقاس عليه فيكون حكمه مثل حكمه.
والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: "أن هذا الكلام مبني على أن الحوالة بيع، وهذا بناء ضعيف؛ لأن الحوالة عقد مستقل له شروطه ومواصفاته وأن اسمها ومسماها قد أثبتهما الشرع، فلا يقبل أن تدخل في عقد آخر، ومن هنا فاختلاف الاسم والمسمى لغة وشرعًا يدل على اختصاص هذا العقد بأحكامه الخاصة به دون غيره، ولذلك لا يشترط في عقد الحوالة التقابض حتى ولو كان الدينان من النقود، أو الطعام، ولا يدخل في بيع الدين بالدين الذي يمنعه الفقهاء، وجاز فيه كون أحد الدينين أكثر من الآخر وغير ذلك (1)
الوجه الثاني: أن قياس الحوالة على البيع قياس مع الفارق، لما ذكرنا في الوجه الأول.
الوجه الثالث: أن المقيس عليه نفسه مختلف فيه فلا يصلح أن يكون أصلًا ملزمًا للطرفين، فبيع المبيع قبل قبضه ـ بما فيه المسلم فيه ـ محل خلاف، كما سبق.
ثالثًا: استدلوا بما روي: ((من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره)) .
والجواب عنه ـ كما سبق ـ أنه ضعيف جدًّا لا ينهض حجة ولو فرضنا ثبوته فلا يدل على منع الحوالة؛ لأن معناه النهي عن عدم صرف المسلم فيه إلى شيء آخر، ولا يدل الحديث على منع الحوالة به أو عليه (2)
(1) المغني لابن قدامة: (4 / 335) .
(2)
فتح العزيز شرح الوجيز، بهامش المجموع:(10 / 338)
ويتبين من خلال هذه المناقشة الموجزة ضعف الحجج التي بنى عليها المانعون، حيث لم تصمد أمام المناقشة.
أما المجيزون للحوالة بدين السلم،أو عليه فحجتهم قوية ـ كما سبق.
وقد يرد تساؤل حول حق المحال في الحفاظ على حقه إذا لاحظنا أن المحيل تبرأ ذمته بمجرد الحوالة، وأن المحال عليه (المسلم إليه) يمكن أن ينفسخ سلمه للأسباب المقبولة شرعًا في الفسخ أو الإقالة، أو نحو ذلك، وحينئذ ماذا يفعل المحال في الحفاظ على حقه؟
للجواب عن ذلك نقول: إن هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل لأن لها شقين:
الشق الأول: هل تبرأ ذمة المحيل إذا تمت الحوالة بشروطها؟
للجواب عن ذلك نقول: إن فيها اختلافًا كبيرًا بين الفقهاء.
1 ـ حيث ذهب الحسن في رواية، وشريح، وزفر إلى أن الحوالة لا يترتب عليها براءة ذمة المحيل مطلقًا، بل تبقى ذمته مع ذمة المحال عليه مشغولة كالكفالة (1)
2ـ وذهب أبو حنيفة إلى أن المحتال لا يرجع إلى المحيل إلا بالتوى (2)، وهو بأحد أمرين: أن يجحد المحال عليه الحوالة، ويحلف ولا بينة للمحتال والمحيل، أو يموت مفلسًا بغير دين، ولا عين، ولا كفيل.
(1) فتح الباري: (4 / 464)، والمغني لابن قدامة:(4 / 580)
(2)
التوى على وزن الحصى بمعنى الهلاك، المصباح مادة (توى)
3ـ وأضاف صاحباه إليهما حالة ثالثة وهي: أن يحكم بإفلاسه الحاكم في حياته (1)
4 ـ وذهب الثوري إلى أنه يرجع على المحيل في حالة الموت فقط (2)
5ـ وذهب الحسن في رواية، وقتادة إلى أنه إذا كان يوم أحال عليه مليئًا لم يكن له حق الرجوع على المحيل (3)
5 ـ وذهب مالك إلى أن المحال لا يرجع على المحيل وإن أفلس المحال عليه، أو جحد بعد الحوالة، غير أن مالكًا استثنى حالتين هما:
الحالة الأولى: أن يعلم المحيل بإفلاسه فقط دون المحال، فحينئذ له الرجوع عليه؛ لأنه غره، قال الدردير:"والظاهر أن الظن القوي كالعلم، ومثل علمه بإفلاسه علمه بلدده، أوعدمه ـ أي فقره"(4)
وهناك رواية عن أحمد بمثل هذا القول (5)
الحالة الثانية: أن يشترط المحال على المحيل أنه إذا أفلس المحال عليه يرجع على المحيل فله شرطه، قال الدسوقي:"ونقله الباجي كأنه المذهب، وقال ابن رشد: هذا صحيح ولا أعلم فيه خلافًا"(6) وذهب وجه للشافعية إلى مثل هذا (7)
(1) حاشية ابن عابدين: (4 / 293)
(2)
فتح الباري: (4 / 464)
(3)
صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ: (4 / 464)
(4)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: (3 / 328)
(5)
المغني: (4 / 581)
(6)
حاشية الدسوقي: (3 / 328)، لكن الدسوقي بعد نقله هذا الكلام عن ابن عرفة قال:"فيه نظر؛ لأن شرطه هذا مناقض لمقتضى العقد، وأصل المذهب في الشرط المناقض للعقد أن يفسده، تأمل". لكن الحقيقة ليس في هذا الشرط تناقض لمقتضى العقد
(7)
جاء في الروضة (4 / 232) : "فلو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الإفلاس أو الجحود فهل تصح الحوالة والشرط، أم الحوالة فقط، أم لا يصحان؟ فيه أوجه. هذا إذا طرأ الإفلاس، فلو كان مفلسًا حال الحوالة، فالصحيح المنصوص: أنه لا خيار للمحتال سواء أشرط يساره أم أطلق، وفيه وجه يثبت خياره في الحالين، وفي وجه: يثبت إن شرط فقط، واختار الغزالي الثبوت مطلقًا"
7 ـ وذهب الشافعية والحنابلة في المشهور عنهم إلى أن الحوالة تبرئ ذمة المحيل إذا جرت بشروطها ـ من رضا الأطراف ـ ولاسيما المحيل والمحال، وفي المحال عليه خلاف ـ ومن كون الدين ثابتًا، أو مستقرًّا، وتماثل الدينين أو أن لا يكون ما على المحال عليه أقل ـ وحينئذ ليس للمحال الحق في الرجوع عليه بأي حال من الأحوال (1)
فمسألة براءة ذمة المحيل عن الدين ليست منصوصًا عليها، ولا متفقًا عليها، بل الذي يظهر رجحانه هو أن ذمته إنما تبرأ بشروط وضوابط منها أن يكون المحال عليه مليئًا وقت الحوالة كما اشترط ذلك النص النبوي الشريف، ومنها أن لا يموت أو يفلس قبل أداء الدين، وأن لا يشترط المحال حق الرجوع إليه مطلقًا.
الشق الثاني: أن دين السلم في حالة فسخه يبقى في ذمة المسلم إليه من خلال الثمن، لأنه قد استلم الثمن فعلًا، فإما أن يدفع المسلم فيه بشروطه ومواصفاته وحينئذ يتسلمه المحال كما هو بدلًا من دينه الذي كان على المحيل (المسلم) ، أو تحدث ظروف تؤدي إلى فسخ السلم بشروطه، وحينئذ يتسلم الثمن، وإذا وجد نقص في دينه فإنه يرجع إلى المحيل بناء على الرأي القائل بعدم براءة ذمته ـ كما سبق.
(1) الروضة: (4 / 231ـ232)، والمغني:(4 / 580 ـ 581)
وهناك حل آخر، وهو جواز الاعتياض عنه، بل بيعه لآخر بشروطه كما سبق.
ومن هنا فلا مانع أن يشترط في الحوالة على دين السلم، وأحرى به أن يوضع هذا الشرط، وهو أنه في حالة نقص المتسلم عن الدين فإن المحال يرجع إلى المحيل تحقيقًا للعدالة، كما أن المحال ينبغي أن يحتاط لنفسه فلا يقبل إلا في حدود الثمن إلا إذا كان المسلم إليه مليئًا معروفًا بقدرته على الوفاء.
الاحتمال الرابع ـ أنه إذا انفسخ عقد السلم بإقالة (1) ، أوغيرها، فهل يجوز أن يأخذ عن دين السلم عوضًا من غير جنسه؟
هذه المسألة ذكر فيها العلامة ابن القيم وجهين:
أحدهما: أنه لا يجوز ذلك حتى يقبضه، ثم يصرفه فيما شاء وهذا اختيار الشريف أبي جعفر، وهو مذهب أبي حنيفة.
والثاني: يجوز أخذ العوض عنه، وهو اختيار القاضي أبي يعلى، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مهب الشافعي، وهو الصحيح، فإن هذا عوض مستقر في الذمة فجازت المعاوضة عليه كسائر الديون من القرض وغيره.
وأيضًا فهذا مال رجع إليه بفسخ العقد فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في المبيع.
(1) جاء في المغني: (4 / 336) : قال ابن المنذر: أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة" وأما في بعضه فمحل خلاف.
وأيضًا فحديث ابن عمر في المعاوضة عما في الذمة صريح في الجواز (1)
وهؤلاء المانعون استدلوا بالحديث السابق وهو: ((من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره..)) وقد سبق أن الحديث ضعيف جدًا لا ينهض حجة، وأنه يحتلم معاني أخرى كما سبق، قال ابن القيم "ولو صح لم يتناول محل النزاع، لأنه لم يصرف المسلم فيه في غيره وإنما عاوض عن دين السلم بغيره، فأين المسلم فيه من رأس مال السلم؟ (2) واستدلوا كذلك بأنه مضمون على المسلم إليه بعقد السلم، فلم تجز المعاوضة عليه قبل قبضه وحيازته كالمسلم منه.
ويجاب عنه بأن قياسكم المنع على نفس المسلم فيه، فالكلام فيه أيضًا قد تقدم وأنه لا نص يقتضي المنع، ولا إجماع ولا قياس.
وقال ابن القيم: "ثم لو قدر بتسليمه لكان الفرق بين المسلم فيه، ورأس المال السلم واضحًا، فإن المسلم فيه مضمون بنفس العقد، والثمن إنما يضمن بعد فسخ العقد فكيف يلحق أحدهما باآخر؟ فثبت أنه لا نص في المنع، ولا إجماع، ولا قياس"(3)
ثم بين ابن القيم أن حكم رأس المال في السلم بعد الفسخ حكم سائر الديون، ولك لا يجوز أن يجعل سلمًا في شيء آخر، وأنه إذا أخذ فيه أحد النقدين عن الآخر وجب قبض العوض في المجلس، لأنه صرف بسعر يومه، لأنه غير مضمون عليه، وإن عاوض عن المكيل بمكيل، أو عن الموزون بموزون من غير جنسه كقطن بحرير، أو كتان، وجب قبض عوضه في مجلس التعويض، وإن بيع بغير مكيل، أو موزون كالعقار والحيوان فهل يشترط القبض في مجلس التعويض؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا يشترط، وهو منصوص أحمد.
والثاني: يشترط (4)
(1) شرح سنن أي داود للحافظ ابن القيم بهامش عون المعبود (9 / 360)، ويراجع مذهب أبي حنيفة في حاشية ابن عابدين:(4 / 209) ، لكنه أجاز الاستبدال في حالة كون عقد السلم فاسدًا
(2)
المرجع السابق
(3)
شرح سنن أبي داود لابن القيم: 9360) ، ويراجع المذهب الشافعي في الروضة:(3 / 493) .
(4)
شرح سنن أبي داود لابن القيم بهامش عون المعبود: (9 / 361)
قال ابن القيم: "ونظير هذه المسألة: إذا باعه ما يجري فيه الربا كالحنطة مثلًا بثمن مؤجل فحل الأجل فاشترى بالثمن حنطة أو مكيلًا آخر من غير المجلس مما يمتنع ربا النساء بينهما، فهل يجوز ذلك؟ فيه قولان:
أحدهما: المنع، وهو المأثور عن ابن عمر وسعيد بن المسيب، وطاوس، وهو مذهب مالك، وإسحاق.
والثاني: الجواز، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة (1) ، وبه قال جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين، وهو اختيار صاحب المغني (2) وشيخنا.. (3)
ثم قال: "والصحيح الجواز، لما تقدم، قال عبد الله بن زيد: قدمت على علي بن حسين، فقلت له:(إني أجذ نخلي، وأبيع ممن حضرني التمر إلى أجر فيقدمون بالحنطة، وقد حل الأجل فيوقفونها بالسوق، فابتاع منهم، وأقاصهم؟ قال: لا بأس بذلك، إذا لم يكن منك على رأي) يعني إذا لم يكن حيلة مقصودة فهذا شراء للطعام بالدرام التي في الذمة بعد لزوم العقد الأول، فصح، لأنه لا يتضمن ربا بنسبة ولا تفاضل، والذين يمنعون ذلك يجوزون أن يشتري منه الطعام بدراهم، ومعلوم أن شراءه العام منه بالدراهم التي في ذمته أيسر من هذا، واقل كلفة، والله أعلم (4)
والخلاصة أن الإقالة جائزة في عقد السلم بالاتفاق، وأن المسلم (المشتري) له الحق في أن يأخذ بدل رأس ماله (دينه) أي شيء من المسلم إليه، مع ملاحظة قواعد الصرف فيما لو كان رأس ماله نقدًا، ويأخذ الآن نقدًا آخر مكانه، أما لو كان رأس ماله عينًا فيسترد مثله أن كان مثليًا، وقيمته أن كان قيميًا.
وكذلك له الحق في أن يشتري برأس مال السلم ـ بعد فسخ ـ أي شيء آخر مع ملاحظة قواعد الربا في النقود والطعام، ولكنه لا يجوز له أن يشتري به دينًا نسيئة، لأنه لا يجوز بيع الدين بالنسيء.
وله الحق في الحوالة، والتولية والإشراك والصلح ونحو ذلك، كما سبق.
(1) يراجع: حاشية ابن عابدين: (4 / 210)، والروضة:(3 / 493، 4 / 29)، ويراجع المدونة:(4 / 69ـ79)
(2)
المغني لابن قدامة: (4 / 337)
(3)
شرح سنن أبي داود: (9 / 361)
(4)
شرح سنن أبي داود بهامش عون المعبود: (9 / 361 ـ 362)
2 ـ الاستفادة من عقد الاستصناع:
إن مجمع الفقه الإسلامي الموقر قد خطا خطوة رائعة في مؤتمره السابع حسم فيها خلافًا كبيرًا بين الفقهاء، إذ قرر أن عقد الاستصناع عقد ملزم للطرفين، ولأهمية القرار نذكره هنا بنصه:
قرار رقم 66 / 3 / 7
بشأن
عقد الاستصناع
إن مجلس الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7 إلى 12 ذو القعدة 1412هـ، 9ـ14 مايو 1992م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (عقد الاستصناع) .
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، ومراعاة لمقاصد الشريعة في مصالح العباد والقواعد الفقهية في العقود والتصرفات، ونظرًا لأن عقد الاستصناع له دور كبير في تنشيط الصناعة، وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي.
قرر
1 ـ أن عقد الاستصناع ـ هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة ـ ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط.
2 ـ يشترط في عقد الاستصناع والشروط:
أـ بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة.
ب ـ أن يحدد فيه الأجل.
3 ـ يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة.
4 ـ يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة.
والله أعلم
وبناء على هذه القرارات الرائعة أصبح للاستصناع مجال كبير ودائرة واسعة جدًا في سوق المال الإسلامية، من حيث الاستفادة منه كأحد العقود المستعملة، وكذلك من حيث صياغة صكوك منه.
وذلك لأن الاستصناع ليس كالسلم حتى يشترط فيه قبض رأس المال في المجلس أو خلال ثلاثة أيام عند المالكية، وليس كالبيع الآجل الذي ينبغي وجود المبيع، وإنما هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة يجوز فيه تأجيل الثمن، أو تقسيطه، وبذلك يعطي مرونة رائعة لسوق المال أن تتعاقد عقودًا كثيرة في السلع والمعادن والبضائع المصنعة التي لا توجد في السوق، أو هي موجودة لكن المشتري ليس له مال كاف لشرائها، كما أن له دورًا في تنشيط الصناعة والزراعة والتجارة والحرف، من خلال عقود تضمن لأصحابها الكمية التي تنتجها مصانعهم مثلًا أو التي طلبها المستصنع.
ويستفاد كذلك من عقد الاستصناع الموازي لعقد استصناع مبرم مع آخر، وهذا ما تقوم به المصارف الإسلامية، حيث يقوم ـ مثلًا ـ بنك قطر الدولي الإسلامي بالتعاقد مع عميله لبناء دار له، أو تصنيع سيارة، أو بضاعة، أو أي شيء فيه الصنعة، حسب الشروط الموجودة بين الطرفين، والضوابط الشرعية، ثم يقوم البنك مع مقاول، أو شركة أخرى بعقد استصناع مواز بنفس الشروط والضوابط السابقة، ويمكن للمصرف أن يغير بعض الشروط في مسائل الثمن ونحوه (1)
(1) يراجع لتفصيل عقد الاستصناع: بحثنا عن عقد الاستصناع إلى قدم إلى مجمع الفقه الإسلامي الموقر في دورته السابعة بجدة عام 1412هـ. ولدى بنك قطر الدولي الإسلامي ـ وغيره ـ عقد الاستصناع وعقد الاستصناع الموازي بطبقهما في أغلب الأحوال، وقد نص البند السابع من عقد الاستصناع المعمول به في البنك على هذا الحق.
3 ـ الاستفادة من الوعد بالبيع،والمواعد به:
الوعد لغة: هو التعهد، وكذلك الموعد، قال تعالى:{مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طه: 87]، حيث قال مجاه: الموعد: العهد، وكذلك قوله تعالى {فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} [طه: 85] : عهدي (1)
والمواعدة هي الوعد من الطرفين.
والوعد بالبيع ـ أو نحوه ـ: هو التعهد بإنشاء البيع ـ مثلًا ـ في المستقبل، أو بالقيام بالشراء، أو نحو ذلك في المستقبل.
والوعد بالمال: أن يتعهد بدفع المال المتفق عليه في المستبق.
وقد أولى القرآن والسنة النبوية المشرفة عناية كبرى بالوعد وأهميته، وضرورة الحفظ عليه، وحرمه إخلافه، حتى تكرر (وعد) ومشتقاته في القرآن الكريم أكثر من (150) مرة، تدل على هذه العناية، وعلى إلزامية الوعد بالنسبة للواعد، ولذلك فهم الأنبياء الكرام من الوعد الالتزام، فقد قال نوح عليه السلام لربه حينما رأى ابنه قد هلك بالطوفان:{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45] . طلب ذلك لأن الله تعالى وعده بنجاة أهله، فبين الله تعالى بقوله:{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] ، أي أن المراد أهلك اتباعك الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أما ابنك فقد خرج منهم بعمله غير الصالح، وكذلك التزام إبراهيم بالاستغفار لأبيه الكافر، لأنه وعده ذلك، قال تعالى:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114]، كما أن موسى عليه السلام بين لقومه أن مخالفة الموعد يترتب عليها العقوبات الرادعة فقال:{أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} [طه: 86] ، وكذلك فهم موسى وخضر الإلزام حتى في المواعدة، حيث حينماوعد موسى بأنه إذا سأل عن شيء بعد ذلك فلا يصاحبه خضر، ثم سأل، قال خضر:{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ} [الكهف:](2)
(1) لسان العرب: (6 / 4872) ، مادة (وعد)
(2)
راجع سورة الكهف من آية 60 إلى الآية 82، وراجع صحيح البخاري، وترجم له في كتاب الشروط (باب الشروط مع الناس بالقول) فتح الباري: 5 / 326) .
وكذلك السنة حيث جعلت مخالفة الوعد من خصال النفاق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أربع من كن يه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) (1)
فهذه الأدلة ونحوها واضحة في دلالتها على وجوب الوفاء بالوعود والعهود والعقود، غير أن الفقهاء على الرغم من اتفاقهم على أن خلف الوعد منهي عنه اختلفوا اختلافًا كبيرًا في إلزاميتها أمام القضاء، فذهب الجمهور إلى عدم لزومه.
وذهب ابن شبرمة إلى أن الوعد كله لازم، ويقضي به على الواعد ويجبر على تنفيذه (2)
ويقرب من هذا القول ما ذكره البخاري عن ابن سيرين عن القاضي شريح: قال ابن سيرين: قال الرجل لكربه: أدخل ركابك، فإن لم ارحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح:"من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه"، وقال أيوب عن ابن سيرين: أن رجلًا باع طعامًا. فقال: أن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجيء. فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت، فقضي عليه" (3) .
هاتان المسألتان داخلتان في الوعد؛ لأن ما تعهد به لم يدخله ضمن العقد حتى يكون من شروط العقد، وإنما هو تعهد مستقل، أي أنه وعد ومع ذلك قال به شريح، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في رده على شريح:"وقال الجمهور: هي عدة فلا يلزم الوفاء بها"(4)
(1) الحديث رواه البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ كتاب الإيمان: (1 / 89) ،ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان:(1 / 78) .
(2)
المحلى لابن حزم: (8 / 377) .
(3)
صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ كتاب الشروط: (5 / 354)
(4)
فتح الباري: (5 / 354)
وذهب المالكية إلى تفصيل فيه على أربعة آراء (1)، قال القرافي: "واعلم أن الفقهاء اختلفوا في الوعد: هل يجب الوفاء به شرعًا أم لا؟
قال مالك: إذا سألك أن تهب له دينارًا، فقلت: نعم، ثم بدا لك، لا يلزمك، ولو كان افتراق الغرماء عن وعد، وإشهاد لأجله، لزمك، لإبطالك مغرمًا بالتأخير، قال سحنون: الذي يلزم من الوعد قوله: اهدم دارك، وأنا أسلفك ما تبني به، أو اخرج إلى الحج وأنا أسفلك، أو اشتر سلعة، أو تزوج امرأة وأنا أسلفك، لأنك أدخلته بوعدك في ذلك، أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به، بل الوفاء من مكارم الأخلاق.
وقال أصبغ: يقضى عليك به، تزوج الموعود أم لا. وكذا أسلفني لأشتري سلعة كذا، لزمك تسبب في ذلك أم لا
…
" (2)
لكن الراجح لدى الكثيرين في مذهب مالك هو رأي ابن القاسم وسحنون القائل بأنه يقضى بوجوب الوفاء إذا كان على سبب، ودخل الموعود في سبب (3)
والذي ظهر لنا رجحانه أن الوعد ملزم مطلقًا إلا إذا دل خاص بعدم إلزاميته (4)
غير أن مجمع الفقه الإسلامي الموقر قد أخذ بالرأي القائل بإلزامية الوعد إذا كان معلقًا على سبب، ودخل الموعود في كلفة، حيث نص في قراره بالدورة الخامسة التي عقدت بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ، قرار رقم 2، 3 على ما يلي:
"ثانيًا: الوعد: (وهو الذي يصدر من الآمر، أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزمًا للوعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقًا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد.
(1) انظر: الفروق للقرافي: (4 / 24ـ25)، وإدرار الشروق المطبوع بهامش الفروق:(4 / 24)، وفتح العلي المالك:(1 / 254)
(2)
الفروق: (4 / 24ـ25)
(3)
يراجع إدرار الشروق على أنوار الفروق: (4 / 24)، وفتح العلي المالك:(1 / 254)
(4)
ويراجع للمزيد من التفصيل: مبدأ الرضا في العقود ـ ط. دار البشائر عام 1985م: (2 / 1032 وبعدها) ، حيث دافعت كثيرًا عن إلزامية الوعد وبرهنت على ذلك بكثير من الأدلة، وبعد طبع هذا الكتاب بفترة اطلعت على كتاب فضيلة الشيخ القرضاوي: بيع المرابحة للأمر بالشراء، فوجدته يتجه نحو هذا الرأي ويرجحه بأدلة معتبرة، فراجعها ص:(87ـ 106) .
ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الغرر الواقع فعلًا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر".
وعلى ضوء ذلك يمكن للوعود المنفردة بالبيع، أو بالشراء، أو بالإجارة، أو بالشركة، أو بالمضاربة، أو المساقاة، أو المزرعة، أو المرابحة، أو نحوها.. أن تلعب دورًا بارزًا كبيرًا في تنشيط سوق المال، والحركة، وذلك لأن الوعد أصبح ملزمًا ما دام الموعود دخل في السبب الذي لأجله وعد.
4 ـ الوعد بالصرف، والمواعدة فيه وفي غيره:
لا يختلف الوعد (من طرف واحد) بالصرف عن الوعد بالبيع ونحوه، وحينئذ ينطبق عليه قرار المجمع الموقر الذي نقلناه في الفقرة السابقة، فيجوز أن يعد شخص من طرفه بأن يقوم بالصرف بعد يوم أو يومين بصرف ريالاته بالدولار أو بنحوه بسعر يومه. فهذا الوعد ليس عقدًا حتى يحتاج إلى شروط الصرف، ولكنه تعهد من قبله، فإذا حان وقت الصرف لابد من التقابض في المجلس وأن يكون بسعر يومه.
وأما المواعدة في الصرف إذا لم يتم في المجلس تقابض، فمحل خلاف بين جمهور الفقهاء (1) الذين منعوها، والظاهرية الذين أجازوها، حيث قال ابن حزم: " والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة، وفي بيع الفضة بالفضة، وفي سائر الأصناف الأربعة بعضها ببعض جائز، تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا؛ لأن التواعد ليس بيعًا، وكذلك المساومة أيضًا جائزة، تبايعا أو لم يتبايعا (2)
(1) يراجع: فتح القدير: (7 / 17) وبداية المجتهد: (2 / 194،197)، والروضة:(3 / 379)، والمغني لابن قدامة:(4 / 53)
(2)
المحلى لابن حزم: (9 / 583) .
وقد استدل ابن حزم بأنه لم يأت نهي عن المواعدة في الصرف، ولو كان محرمًا لذكره الكتاب والسنة؛ لأن الله تعالى قد فصل المحرمات وبينها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . قال ابن حزم: " فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال بنص القرآن، إذ ليس في الدين إلا فرض، أو حرام، أو حلال، فالفرض مأمور به في القرآن والسنة، والحرام مفصل باسمه في القرآن والسنة، وما عدا هذين فليس فرضًا ولا حرامًا فهو بالضرورة حلال إذ ليس هناك قسم رابع (1)
فرأي الجمهور هنا هو الراجح؛ لأن المواعدة في الصرف إذا كانت ملزمة فهي مثل العقد فلا تجوز دون تقابض البدلين بنص الأحاديث الصحيحة في هذا الباب.
وإن كانت غير ملزمة فلا فائدة فيها للطرفين، لكنها قد تتخذ وسيلة للتحايل، بل هي ذريعة للخلاف والنزاع الشديدين ولا سيما إذا لاحظنا تغير قيمة النقود صعودًا أو هبوطًا تغيرًا خطيرًا، حيث قد تنزل قيمة عملة ما نزولًا يخرجه عن المعيار والثمنية، ويكون الفرق بين وقت المواعدة ووقت العقد بالملايين، بل قد يكون بالمليارات في الصفقات الكبيرة، حتى في العملات الدولية المعتبرة، فقد نزلت قيمة الدولار عام 1986م أمام الين الياباني بنسبة 40 %، وحدث للجنيه الإسترليني في صيف 1993 صعود كبير، وهبوط حاد، كل ذلك يجعل المواعدة في الصرف مخاطرة كبرى، واحتمالًا للغبن الفاحش، أو الربح الكبير، غير أن ابن حزم لا يقول بكونها ملزمة، لكن الاحتياط يقتضي سد هذا الباب في باب الصرف.
المواعدة في غير باب الصرف:
فالمواعدة هي التعهد الصادر من طرفين بإتمام عقد ما في زمن محدد، أو عند استكمال شيء معين، بأن يقول البائع: أبيع لك داري في شهر كذا، أو عندما أشتري دارًا أخرى، أو نحو ذلك، فيوافق عليه المشتري، أو يكون التعهد أولًا من المشتري ويوافق عليه البائع.
(1) المرجع السابق نفسه
ويسميه القانونيون: الوعد المتبادل حيث يرتبط الطرفان على سبيل التبادل، إذ يعد أحدهما أن يبيع للآخر شيئًا معينًا إذا أظهر الأخير رغبته خلال مدة معينة، كما يعد هذا الأخير أن يشتري الشيء ذاته بالثمن المعين إذا أظهر البائع رغبته خلال هذه المدة، وحينئذ يلتزم الطرفان قانونًا بما التزما به (1)
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الموقر في دورته الخامسة عام 1409هـ ينص على أن "المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما، أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز؛ لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكًا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده".
والقرار يخص المرابحة، لكنه إشارة طيبة إلى أن المواعدة يمكن أن تكون ملزمة في البيع إذا توفرت شروط البيع حيث قال:" لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه. حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكًا للمبيع حتى لا تكون مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده ".
فهذا واضح في دلالته على إقرار إلزامية المواعدة مع ضوابط، كما أن هذا النص يفتح الشهية لبحث المواعدة في جميع العقود ما عدا الصرف.
(1) الوجيز في عقد البيع للدكتور: توفيق حسن فرج، ط. دار الجامعية عام 1988م، ص28ـ29.
والذي يظهر لنا رجحانه أن المواعدة في المعاوضات وغيرها إذا خلت عن المحرمات فهي ملزمة للطرفين، حيث تشهد بذلك ظواهر النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية التي ذكرنا بعضها، وقد ترجم الإمام البخاري: باب من أمر بإنجاز الوعد وفعله الحسن.
ثم ذكر قوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54]، وقال: وقضى ابن الأشوع (1) بالوعد، وذكر ذلك عن سمرة بن جندب، وقال المسور بن مخرمة:((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهرًا له، فقال: وعدني فوفى لي)) (2)
ثم ذكر البخاري في هذا الباب أربعة أحاديث تدل على وجوب الوفاء بالوعد، فإذا كان الوفاء بالوعد واجبًا ديانة فيجب على القضاء أن يحمي ذلك ما دام يقع تحت طاولة القضاء، وكذلك لو كان خلف الوعد محرمًا وعلامة من علامات النفاق فيكون الوفاء به واجبًا، ولذلك قال الحافظ ابن حجر متسائلًا متعجبًا: "وينظر هل يمكن أن يقال: يحرم الإخلاف، ولا يجب الوفاء؟ أي يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك!!!! (3)
ويفهم من صنيع البخاري أن القول بإنجاز الوعد والقضاء به مذهبه، ولذلك ترجم له هذا الباب، وكذلك ذكره هذا الباب في كتاب الشهادات يدل على أن الواعد يؤخذ بوعده، كما يؤخذ الشاهد بالشهادة على نفسه (4)
وقد ذكر العلامة الزبيدي: أن أكثر العلماء على وجوب الوفاء بالوعد، وتحريم الخلف فيه، وأن الحافظ السخاوي ألف في ذلك رسالة مستقلة سماها:"التماس السعد في الوفاء بالوعد"(5) .
وليس هذا البحث مجال التفصيل في مسألة الوعد والمواعدة، إذ لم تأت فيه إلا كجزئية من الجزئيات، ولكن الذي يظهر لنا رجحانه هو القول بإلزامية المواعدة في غير الصرف، إلا إذا أدت إلى مخالفة نص (6)
5-
الاستفادة من الصلح:
وقد فصل العلماء في كتاب الصلح، وذكروا تفصيلات طيبة في الصلح في المعاوضات، يمكن الإفادة منها في سوق المال الإسلامية، حيث توضع المعلومات الخاصة بالصلح في المعاوضات أو الحطيطة، أو على الدين في إطار مرن يستفاد منها عند النزاع والتصالح.
(1) وهو القاضي الفقيه سعيد بن عمرو بن الأشوع الهمذاني، كان قاضي الكوفة، في زمان إمارة خالد القسري على العراق، وذلك بعد المائة، وتوفي في (120هـ) ، ذكره ابن حيان في الثقات، قال العجلي: ثقة، قال البخاري: رأيت إسحاق بن راهويه يحتج بحديثه انظر: تهذيب التهذيب: (4 / 67)، وفتح الباري:(5 / 289) .
(2)
صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ كتاب الشهادات: (5 / 289ـ290)
(3)
فتح الباري: (5 / 290) .
(4)
المرجع السابق نفسه.
(5)
تاج العروس في شرح القاموس: مادة "وعد"
(6)
وقد أطلنا النفس في رسالتنا الدكتوراه: مبدأ الرضا في العقود: (2 / 1032 وما بعدها) وكذلك فعل الأستاذ الجليل الشيخ القرضاوي في كتابه القيم: بيع المرابحة للآمر بالشراء (ص 87ـ106)
6-
الاستفادة من المقاصة:
حيث فصل الفقهاء فيها ولا سيما المالكية، وقالوا: إنها " إسقاط ما لك من دين على غريمك في نظير ما له عليك بشروطه"(1) . أي بشروط الإسقاط.
والمقاصة قد تكون جائزة، وقد تكون واجبة، والغالب عليها الجواز، ووجوبها في ثلاث أحوال وهي:" إذا حل الدينان، أو اتفقا أجلًا، أو طلبها من حل دينه فإن المذهب وجوب الحكم بها". (2)
وقد فصل علماء المالكية تفصيلًا للحالات التي يمكن أن تقع فيها المقاصة فبلغت ثمان وأربعين حالة، لخصها الدردير فقال:" واعلم أن الدينين إما من بيع، أو من قرض، أو مختلفين، وفي كل إما أن يكونًا عينًا، أو طعامًا، أو عرضًا" الدسوقي: " فهي تسعة أحوال، وفي كل إما أن يكون الدينان حالين، أو أحدهما حالا، والآخر مؤجلًا، أو يكونا مؤجلين متفقين في الأجل، أو مختلفين فيه، فالجملة ست وثلاثون حالة " وعلق الشيخ محمد عليش على ذلك فقال: "بل ثمان وأربعون حالة، أسقط المحشي منها اثنتي عشرة صورة اختلافهما قدرًا وصفة، وحكمها حكم صور اختلاف القدر فقط (3)
7 -
7 ـ والاستفادة من بيع الدين بالدين إذا لم يكونا نسيئين:
فالتحقيق (4) أن الممنوع منه هو بيع الدين النسيء بالدين النسيء؛ لأن الإجماع على منع "الكالئ بالكالئ " وهو كما فسره علماء اللغة العربية وغريب الأحاديث: بيع النسيئة بالنسيئة، وهي التأخير (5)، قال البيهقي: قال أبو عبيدة: " هو النسيئة بالنسيئة"(6)
وأما الفقهاء فقد اختلفوا في تفسيره اختلافًا كبيرًا أثر في وجهات نظرهم في حكمه، لكن المجمع عليه هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال:" قال أحمد: لم يصح منه ـ أي في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ ـ حديث، ولكن هو إجماع، وهذا مثل أن يسلف إليه شيء مؤجل، فهذا الذي لا يجوز بالإجماع "، ثم قال ابن تيمية:"وإذا كان العمدة في هذا هو الإجماع، والإجماع إنما هو في الدين الواجب بالدين الواجب كالسلف المؤجل من الطرفين ".
(1) الشرح الكبير: (3 / 227)
(2)
المرجع السابق نفسه
(3)
انظر الشرح الكبير للدردير، مع حاشية الدسوقي، وتقريرات الشيخ محمد عليش على الشرح، والحاشية:(3 / 227) فنجد فيها هذه الصور: (ص227ـ231) .
(4)
قام الأخ الدكتور: نزيه حماد بتحقيق هذه المسألة، وأجاد فيها فليراجع كتابه: دراسات في أصول المداينات، ط. دار الفاروق، ص:(242 وما بعدها)
(5)
يراجع: لسان العرب مادة: كلأ، وغريب الحديث لأبي عبيدة:(1 / 20) .
(6)
السنن الكبرى: (5 / 290)
ولذلك أخرج ابن تيمية بيع ما هو ثابت في الذمة ـ ليسقط بما هو في الذمة ـ عن صور الكالئ بالكالئ، فقال:"ليس في تحريمه نص ولا إجماع ولا قياس، فإن كلًّا منهما اشترى ما في ذمته، وهو يقول له بما في ذمة الآخر"(1)
ولكن في حصر صور بيع الكالئ بالكالئ على هذه الصورة نظر (2) ، غير أنها تنحصر عند التحقيق في بيع الدين النسيء بالدين النسيء، ويمكن الاستفادة من بيع الدين بالدين في سوق المال ما داما غير نسيئين فيما يأتي:
أولًا: بيع الديون لمن هو عليه، جاء في المهذب: "وأما الديون فينظر فيها، فإن كان الملك عليه مستقرًّا كغرامة المتلف، وبدل العرض جاز بيعه ممن عليه قبل القبض؛ لأن ملكه مستقر عليه فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض (3)
والمراد باستقرار الدين بأن سببه قد تحقق فعلًا، وأمن من الفسخ كتسليم المبيع، أو يحقق الوطء في المهر، أو نحو ذلك كغرامة المتلف، وبدل العرض، وقيمة المغصوب، وعوض الخلع، وثمن المبيع، والأجرة بعد استيفاء المنفعة، والمهر بعد الدخول (4)
(1) قاعدة العقود ـ التي طبعت باسم نظرية العقد ـ ط. دار المعرفة (ص234ـ235)
(2)
د. نزيه حماد: المرجع السابق ص (245)
(3)
المهذب وشرحه المجموع: (9 / 272)
(4)
المنشور في القواعد للزركشي، ط. وزارة الأوقاف الكويتية:(2 / 159ـ160) ، والأشباه والنظائر للسيوطي ص (351)، ود. نزيه حماد: أصول المداينات ص (47)
ويسمى هذا النوع أيضًا بالاستبدال، والاعتياض، وهو جائز في جميع الديون المستقرة بالاتفاق، والثانية: ما عدا دين السلم عند الجمهور ـ كما سبق ـ (1)
ولكن يشترط في بيع الدين بالدين لمن هو عليه ملاحظة قواعد الصرف، بحيث لو باع دينه الذي كان نقودًا بالنقود يشترط فيه التقابض في المجلس، ويدل على ذلك حديث ابن عمر في هذا الباب، ولكن إذا لم يكن من باب الصرف فيجوز البيع بالتأجيل وغيره كبيع الدين بالعين، أو بالعكس (2)
وهذا الحل يفيد كثيرًا في تصفية الديون بين الناس، وفي المصارفة في الذمة دون الحاجة إلى القبض الفعلي، وذلك بأن يكون لرجل دنانير في ذمة رجل آخر، وللآخر عليه ريالان فاصطرفا بما في ذمتهما جاز عند الأكثر، منهم المالكية والحنفية، أما اقتضاء أحد النقدين من الآخر ويكون صرفًا بعين وذمة، فهو جائز في قول أكثر أهل العلم، لحديث ابن عمر (3) . وذكر ابن القيم أن مسألة التعاوض فيها غرض صحيح ومنفعة مطلوبة؛ لأن ذمتهما تبرأ من أسرها، وهي مطلوبة للشرع والعاقدين. (4)
جعل الدين الحال رأس مال في السلم:
وهذه المسألة نقل فيها الإجماع على عدم جوازه بناء على أنه داخل في بيع الكالئ بالكالئ (5)
(1) يراجع: حاشية ابن عابدين: (4 / 166)، والمدونة:(4 / 80) ، والمجموع للنووي (9 / 274)، والمغني لابن قدامة:(4 / 53)، وقال النووي في المجموع (9 / 274) :"فيجوز الاستبدال عنه بلا خلاف، كما لو كان له في يد غيره مال بغصب، أو عارية فإنه يجوز بيعه له"
(2)
فتح العزيز: (8 / 436)، والمجموع:(9 / 274) .
(3)
يراجع: بدائع الصنائع: (7 / 3155)، ومجموع الفتاوى:(29 / 472)، والمغني لابن قدامة:(4 / 530ـ540) ، ود. نزيه حماد ص (146) .
(4)
إعلام الموقعين، ط. شقرون:(2 / 8ـ9)
(5)
جاء في المغني: (4 / 339ـ330) ، " وإذا كان له في ذمة رجل دينار فجعله سلمًا في طعام إلى أجل لم يصح، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم.. لأنه بيع دين بدين"
غير أن شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم بينا أنه لا إجماع فيها، بل هي جائزة، قال ابن القيم: "وأما بيع الواجب بالساقط فكما لو أسلم إليه في كر حنطة بعشرة دراهم في ذمته فقد وجب له عليه دين، وسقط له عنه دين غيره، وقد حكي الإجماع على امتناع هذا، ولا إجماع فيه، قاله شيخنا واختار جوازه، وهو الصواب، إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى، فإن المنهي عنه قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة، فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله، وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بغير فائدة، وأما ما عداه من الصور الثلاث فلكل منها غرض صحيح ومنفعة مطلوبة (1)
بيع الساقط بالواجب:
هذا مصطلح استعمله ابن القيم في تقسيم بيع الدين بالدين وأجازه، فقال:" والساقط بالواجب كما لو باعه دينًا له في ذمته بدين آخر من غير جنسه فسقط الدين المبيع ووجب عوضه، وهي بيع الدين ممن هو في ذمته".
ثم بين فائدة هذا النوع للطرفين (2)
لكن الفقهاء الذين أجازوا هذا النوع ـ وهم الحنفية، والحنابلة، ووجه للشافعية ـ اشترطوا لصحة بيع الدين ممن هوعليه بشيء موصوف في الذمة أن يقبض الدائن العوض قبل التفرق من المجلس حتى لا يقع في المنهي عنه من بيع الكالئ بالكالئ (3)
(1) إعلام الموقعين: (2 / 8) .
(2)
المرجع السابق: (2 / 8ـ9) .
(3)
بدائع الصنائع: (7 / 3230) وكشاف القناع: (3 / 294)، والمجموع:(9 / 274) ود. نزيه حماد: المرجع السابق ص (148) .
هذا كله في الديون المستقرة، أما الديون التي لم يستقر ملك الدائن عليها لعدم قبض المدين العوض المقابل لها كالأجرة قبل استيفاء المنفعة، أو مضي زمانها، وكالمهر قبل الدخول، فهذه الديون اختلف الفقهاء في جواز تمليكها ممن هي عليه بعوض، والذي يظهر رجحانه هو جواز ذلك كما سبق في السلم.
تمليك الدين لغير المدين:
لخص الإمام الرافعي والنووي هذا الموضع تلخيصًا طيبًا نذكره ثم نذكر آراء الفقهاء فيه وهو:
الدين في الذمة ثلاثة أضرب: مثمن، وثمن، ولا مثمن ولا ثمن (1)
الضرب الأول: المثمن: وهو المسلم فيه فلا يجوز بيعه، ولا الاستبدال عنه، وهل تجوز الحوالة به أو عليه، فيه ثلاثة أوجه.
الضرب الثاني: الثمن: فإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة ففي الاستبدال عنها طريقان: أحدهما القطع بالجواز، قاله القاضي أبو حامد وابن قطان، وأشهرهما على قولين: أصحهما وهو الجديد جوازه، والقديم منعه.
ولو باع في الذمة بغير الدراهم والدنانير فإن قلنا: الثمن ما ألصقت به الباء صح الاستبدال عنه كالنقدين، وادعى البغوي أنه المذهب وإلا فلا؛ لأن ما ثبت في الذمة مثمنًا لم يجز الاستبدال عنه.
(1) ذكر الرافعي في الفتح: (8 / 431)، والنووي في المجموع:(9 / 273) : أن حقيقة الثمن مختلف فيها على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه ما ألصق به الباء كقولك: بعت كذا بكذا، فالأول مثمن، والثاني: أن الثمن هو النقد فقط، والثالث: أن الثمن هو النقد، والمثمن ما يقابله، فإن لم يكن في العقد نقد، أو كان العوضان نقدين فالثمن ما دخلت عليه الباء، والمثمن ما يقابله، ورجح الرافعي والنووي الوجه الثالث.
وأما الأجرة فكالثمن، وأما الصداق وبدل الخلع فكذلك إن قلنا: إنهما مضمونان ضمان العقد، وإلا فهما كبدل الإتلاف.
الضرب الثالث: ما ليس ثمنًا ولا مثمنًا: كدين القرض والإتلاف، فيجوز الاستبدال عنه بلا خلاف، كما لو كان له في يد غيره مال بغصب أو عارية فإنه يجوز بيعه له (1)
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أربعة آراء:
الرأي الأول: جواز تمليك الدين بعوض وبغير عوض.
وهذا وجه للشافعية، ورواية للحنابلة (2) .
الرأي الثاني: عدم جواز تمليك الدين لغير من هو عليه بعوض أو بغير عوض.
وهذا رأي الحنفية، والشافعية في قول، والحنابلة في رواية، والظاهرية (3) .، غير أن الحنفية استتثنوا بعض الحالات منها الوصية (4) .
الرأي الثالث: جواز بيع سائر الديون ما عدا دين السلم لغير من عليه الدين، وهذا قول للشافعية صححه جماعة من أئمتهم منهم الشيرازي والنووي، واختاره السبكي والقاضي زكريا الأنصاري (5) .، قال النووي:" أما بيعه لغيره كمن له على إنسان مئة فاشترى من آخر عبدا بتلك المئة فلا يصح على الأظهر..، وعلى الثاني: يصح.. قلت: الأظهر الصحة والله أعلم "(6) .
الرأي الرابع: جواز بيع الدين لغير المدين إذا لم يكن فيه غرر، أو محظور شرعي آخر، جاء في شرح الخرشي: " والمعنى أن الدين ولو حالا لا يجوز بيعه بدين، قال المؤلف: ولا بد من تقدم عمارة الذمتين، أو إحداهما، ويتصور في ثلاثة، كمن له دين على شخص فيبيعه من ثالث بدين، وفي أربعة كمن له دين على إنسان ولثالث دين على رابع فيبيع كل ما يملك من الدين بمال صاحبه من الدين
…
ولا يتصور بيع الدين بالدين في أقل من ثلاثة ".
(1) نقلنا النص عنهما مع اختصار. فتح العزيز: (8 / 431ـ439) ، والمجموع (9/ 273- 275) .
(2)
المنثور في القواعد للزركشي: (2/ 160) ؛ والمبدع: (4/ 199) ؛ ومجموع الفتاوى: (29/ 506)
(3)
حاشية ابن عابدين (4/ 166) ؛ وبدائع الصنائع: (7/ 3104) ؛ والروضة: (3/ 514) ؛ والأشباه والنظائر للسيوطي ص (331) والمحلى لابن حزم: (9/ 6، 117)
(4)
حاشية ابن عابدين: (4/ 166) ؛ ويراجع للمزيد د. نزيه حماد: المرجع السابق ص (158)
(5)
المهذب من المجموع: (9/ 275) ؛ والروضة: (3/ 514) ؛ والأشباه والنظائر للسيوطي ص (331)
(6)
الروضة: (3/ 514)
ثم قال: " وفهم من قوله: (بدين) عدم منع بيع الدين بمعين يتأخر قبضه، أو بمنافع معين
…
ولا يجوز للشخص بيع ماله على الغير من دين سواء كان حيا أو ميتا
ولو علم المشتري تركته؛ لأن المشتري لا يدري ما يحصل له بتقدير دين آخر إلا أن يكون من هو عليه حاضرًا بالبلد مقرًّا، والدين مما يباع قبل قبضه لا طعامًا من بيع، وبيع من غير جنسه، وليس ذهبًا بفضة، ولا عكسه، وأن لا يكون بين المشتري والمدين عداوة، وأن لا يقصد المشتري إعنات المدين، وأما إن لم يقر فلا يجوز لأنه من شراء ما فيه خصومة (1)
والذي يظهر لنا رجحانه هو أن بيع الدين لمن هو عليه ولغيره جائز مع ملاحظة قواعد الصرف، وكون الدين ثابتًا مقدورًا عليه يمكن تسليمه بالفعل، أو عن طريق المصارفة في الذمة، وأن لا يكون فيه محظور شرعي آخر من جهالة فاحشة، وغرر ونحو ذلك. والله أعلم.
الصلح عن دين بدين:
هذا له عدة صور:
منها: أن يتصالح الدائن مع مدينه بأن يكون للمدين أيضًا دين آخر عليه من نفس جنسه، فيتصالحان بما في ذمتيهما سواء كان ما في ذمتيهما متساويين أو لا وهذا بمثابة إسقاط من الطرفين، وإبراء، وتخارج.
ومنها: أن يتصالح الدائن مع مدينه في الذمة، وذلك بأن يصالحه على موصوف في الذمة من غير جنسه، "كأن يصالحه عن دينار في ذمته بإردب من قمح، أو نحوه في الذمة"(2) فهذا الصلح صحيح عند جمهور الفقهاء ـ الحنفية والمالكية والحنابلة ـ إذا تم قبض البدل في المجلس، قبل التفرق (3)
(1) شرح الخرشي على المختصر مع حاشية العدوي: (5 / 77ـ78) .
(2)
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد المادة (1628) .
(3)
تبيين الحقايق: (5 / 42) ، والتاج، والإكليل للمواق:(5 / 81)، والمغني:(4 / 534)، ويراجع لمزيد من التفصيل د. نزيه حماد: المرجع السابق ص (260)
وذهب الشافعية إلى أنه يشترط تعيين بدل الصلح في المجلس، ولا يشترط القبض في المجلس على أصح الوجهين (1)
أما إذا كان بدل الصلح ليس في الذمة فيجوز مع تفصيل ذكره النووي حيث قال:
أما إذا كان صالح الدائن على دينه عن بعض الأموال التي يقع فيها الربا على ما يوافقه في العلة فلابد من قبض العوض في المجلس، فإن لم يكن العوضان ربويين، فإن كان العوض عينًا صح الصلح ولا يشترط قبضه في المجلس. (2)
8 ـ الاستفادة من عقد البيع بمختلف أنواعه:
سواء أكان بيع الشيء بالثمن، أم عن طريق المقايضة، أو بيع العربون، أو البيع الآجل (وبالتقسيط) ، أو بيع الشيء المعين، أو البيع على الأوصاف والبيع على البرنامج، كذلك بيوع المرابحة، والإشراك، والتولية، والحطيطة.
فلو تتبعنا اجتهادات الفقهاء جميعًا في كتاب البيوع، وتتبعنا استنباطاتهم في أنواع البيوع والخيارات الفقهية التي تزيد على ثلاثين نوعًا من الخيار، والشروط وغيرها.. لاستطعنا أن نوفر لسوق المال الإسلامية عددًا كبيرًا من العقود التي تحقق مصالحها، وتعطيها المرونة والانسياب.
(1) روضة الطالبين: (4 / 195)، حيث قال: "وإن كان دينًا صح على الأصح، ولكن يشترط التعيين في المجلس، ولا يشترط القبض بعد التعيين على الأصح
(2)
الروضة: (4 / 195) .
الاستفادة من عقد الإيجار سواء كان واقعًا على العين، أو العمل، أو الذمة، ولاسيما عند الحنابلة في الإجارة في الذمة حيث أجازوا تأخير الأجرة ما دام العقد جرى بلفظ الإجارة (1)
9 -
9 ـ الاستفادة من بقية العقود:
كالشركات، الوكالة، والحوالة والرهن، والصلح، والقراض، والمساقاة والمزارعة والجعالة، والضمان، وإحياء الموات، والوقف، ونحوها من العقود التي ذكرها فقهاؤنا الكرام.
ومع ذلك علينا أن ندرسها دراسة متعمقة على ضوء حاجاتنا العصرية، بحيث نستفيد من القواعد الثابتة فيها، وندخل فيها من الاجتهادات ما يكتمل بها، وتجعلها صالحة لوقتنا الحاضر، دون أن تصطدم هذه الاجتهادات المكملة بالقواعد الأصلية.
10 ـ الاستفادة من إنشاء عقود جديدة:
والذي نرى رجحانه هو أن الأصل في العقود والشروط الإباحة،وهذا هو الرأي الذي اختاره المحققون من العلماء مثل ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما، بل وجدنا أن هذا الأصل معتبر عند المذاهب الأربعة (2)
وبناء على ذلك فعلى الفقهاء أن يبحثوا عن عقود جديدة وشروط جديدة لم تكن موجودة لدى فقهائنا العظام؛ لأن عصرهم لم يكن بحاجة إليها، ولذلك لو وجدت الحاجة إلى أي عقد جديد قالوا به استحسانًا.
(1) شرح منتهى الإرادات: (2 / 360) .
(2)
يراجع: رسالتنا للدكتوراه: مبدأ الرضا في العقود، ط. دار البشائر الإسلامية ـ بيروت 1985م:(2 / 1032) ، حيث أقمنا الدليل على اعتبار هذا الأصل لدى المذاهب الأربعة، خلافًا للظاهرية.
الاجتهاد الانتقائي، والاجتهاد الإنشائي:
والمقصود بهذا العرض الموجز أننا بحاجة ـ كما يقول الأستاذ الدكتور القرضاوي (1) ـ إلى نوعين من الاجتهاد، هما الاجتهاد الانتقائي بحيث يقوم الفقهاء بغربلة الفقه الإسلامي بمختلف آرائه ومذاهبه ومدارسه للوصول إلى ما هو الأرجح دليلًا، والأوفق بمقاصد الشريعة، والأكثر تحقيقًا للمصالح، مع مراعاة ضوابط الشرع، وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.
والاجتهاد الإنشائي في المسائل التي لا نجد فيها آراء لفقهائنا الكرام ولأنها لم تكن موجودة في عصرهم، وإنما هي ظهرت في عصرنا نتيجة للتطورات الاقتصادية والطبية، والاجتماعية، والسياسية.
فإذا أردنا النجاح فعلينا أن نسير بتوازن على هذين الأمرين، وهما: الاعتماد على فقهنا العظيم مع تنقيته، وغربلته، والاستفادة من كل نظرية من نظرياته، وكل رأي من آرائه ما دام صادرًا من فقيه ثقة، صحابيًّا كان أم تابعيًّا، أم إمامًا للمذهب أو غيره.
ثم التجديد في الاجتهاد، وعدم الوقوف على ما قالوه ولاسيما في الأمور الجديدة، والقضايا المستحدثة، مشجعين على هذا النوع ما دام صاحبه أهلًا للاجتهاد الكلي، أو الجزئي، أو الترجيح، وما دام يريد به وجه الله تعالى، ولا نغلظ عليه إن أخطأ، بل يصوب بعضنا البعض من خلال المنابر الفقهية المعتبرة كهذا المجمع الموقر الذي يحتضن الجميع، أو من خلال المناقشات العلمية الهادفة التي تريد إحقاق الحق، وإظهاره على لسان أي شخص كان، والله المستعان.
الخلاصة
بعد هذا الاستعراض الشامل الموجز للتطبيقات الشرعية لإقامة سوق المال الإسلامية نلخص بأن سوق المال الإسلامية تحتاج إلى ثلاثة عناصر أساسية بعد ترتيب النواحي الإدارية والفنية، هي الأسهم والسندات أو الصكوك، والعقود النمطية، أو العقود العادية، وهي:
أولًا: في نطاق الأسهم نجد فيها سعة من الناحية الشرعية حيث إنها تعني حصة المساهمة بنسبة من الشركة، ولذلك فالأصل فيها الحل إلا إذا كانت طبيعة الأسهم ـ كأسهم الامتياز بالمال ـ مخالفة للشرع، أو أن محلها ونشاطها محرم.
(1) الأستاذ الدكتور / يوسف القرضاوي: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، ط. مكتبة الوهبة بالقاهرة ص (277)
وقد أصدر المجمع الموقر قرارًا في دورته السابعة حول هذا الموضوع.
ثانيًا: في نطاق السندات، حيث بما أنها تقوم اليوم على القرض بفائدة فإنها محرمة ـ كما صدر بذلك قرار من المجمع الفقهي الموقر.
ولكن المجمع قد وصل إلى بعض البدائل من خلال صكوك المضاربة التي أقرها في دورته الرابعة بجدة من 18 ـ 23 جمادى الآخرة 1408هـ، كما وضع مجموعة من الضوابط لها. وقدمنا في هذا البحث بدائل أخرى، ويمكن أن يشكل مجمع الفقه الموقر لجنة من علماء الفقه والاقتصاد والبنوك لصياغة صكوك من العقود التي تقبل أن تصاغ منها، وقد قدمنا في البحث البدائل الآتية:
أـ صكوك مضاربة طويلة الأجل.
ب ـ صكوك مضاربة لمشروع معين.
ج ـ صكوك المضاربة المستردة بالتدرج.
د ـ صكوك المضاربة المستردة في آخر المشروع.
هـ ـ صكوك المضاربة المنتهية بتمليك المشروع.
وـ صكوك المضاربة على فئات متنوعة، مثل 100 دولار.
ز ـ شهادات الاستثمار للبنك الإسلامي.
ح ـ شهادات التأجير أو الإيجار المتناقصة، كما في تجربة بيت التمويل التونسي السعودي.
ط ـ صكوك المشاركة بجميع أنواعها، وهي تشمل:
الأسهم بجميع أنواعها المباحة كما سبق.
صكوك ـ أو شهادات ـ المشاركة في مشروع معين.
صكوك المشاركة المؤقتة بفترة زمنية محددة.
صكوك المشاركة المنتهية بالتمليك.
صكوك المشاركة المستردة بالتدرج.
صكوك المشاركة المستردة في نهاية المشروع.
ي ـ سندات الخزينة المخصصة للاستثمار.
ك ـ صكوك المرابحة.
وأما العقود التي يمكن صياغة الصكوك، أو السندات الشرعية منها فهي ـ في نظرنا ـ ما يأتي:
المضاربة بجميع صورها.
المشاركة بجمع صورها.
الإجارة بجميع أنواعها (العين والعمل والذمة) وكذلك الإجارة المنتهية بالتمليك.
السلم بضوابطه.
بيع الأجل.
الاستصناع.
،8ـ المزارعة، والمساقاة.
المرابحة.
وقد ارتأينا أنه لا مانع شرعًا من وجود ضمانات للصكوك لكنها ليست من المضارب، أو الشريك، أو نحوهما، وإنما من جهة ثالثة كالدولة، أو مؤسسة النقد.
وكذلك لا مانع شرعًا من تعهد الجهة المصدرة للصكوك بشراء نسبة منها كما هو الحال بالنسبة للبنك الإسلامي للتنمية.
ثالثًا: في نطاق العقود التي يمكن الاستفادة منها في سوق المال فهي ما يأتي:
أـ السلم حيث يمكن الإفادة منه من ناحيتين: الناحية الأولى أنه عقد يحقق المنفعة للعاقدين، وينشط حركة السوق بشكل كبير، حيث يكون لدى البائع (المسلم) سلع ومعادن وبضائع ومواد غذائية ونحوها في المستقبل فيدخل في عقد لضمان تصريفها، وكذلك المشتري يستفيد من رخص الثمن واستثمار فائض أمواله.
الناحية الثانية من خلال صكوك السلع على ضوء ما رجحناه من جواز التصرف في المسلم فيه بالبيع، والإقالة، والتولية، والشركة، والحوالة ونحوها بضوابطها الشرعية.
ب ـ الاستفادة من عقد الاستصناع الذي يتسم بمرونة أكثر من السلم، والبيع الآجل، ولاسيما بعد إقرار كونه ملزمًا للطرفين من قبل مجمع الفقه الموقر في دورته السابقة.
جـ ـ الاستفادة من الوعد الملزم، والمواعدة بضوابطها.
د ـ الاستفادة من بيع الدين بالدين، إن لم يكونا نسيئين من المدين ومن غيره بضوابطه الشرعية.
هـ ـ الصلح بجميع أنواعه، ولاسيما الصلح على الدين.
وـ البيوع بجميع أنواعها.
ز ـ الإجارة بجميع أنواعها ولاسيما الإجارة في الذمة.
ح ـ الإفادة من جميع العقود الموجودة في فقهنا العظيم.
ط ـ الاستفادة من إنشاء عقود جديدة ما دامت لا تخالف نصًًّا شرعيًّا من الكتاب والسنة بناء على أن الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا إذا دل دليل معتبر على حظرها.
واللهَ أسأل أن يجعل أعمالي كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يعصمنا من الخطأ والزلل في القول والعقيدة في العمل.
الدكتور / علي محيي الدين القره داغي