المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مداواة الرجل للمرأةوالمرأة للرجلإعدادالدكتور محمد علي البار - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثامن

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادالدكتور: وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌موضوع: " الأخذ بالرخص الشرعية وحكمه

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌الرخصة (التلفيق)إعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌التلفيق والأخذ بالرخصة وحكمهماإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادمحمد رفيع العثماني

- ‌حكمالرخصة وتتبع الرخصفي الفقه الإسلامي

- ‌الأخذ بالرخصةإعدادأ. د. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادأ. د. عبد العزيز عزت الخياط

- ‌الرخصةإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهتتبع الرخص – التلفيق ورأي الفقهاء فيهإعدادفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالشيخ الطيب سلامة

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌بيع العربُونإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بيع العربُونإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌بيع العربونإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌بيع المزايدةإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار

- ‌عقد المزايدةبين الشريعة الإسلامية والقانوندراسة مقابلةمع التركيز على بعض القضايا المعاصرةإعدادعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌قواعد ومسائلفيحوادث السيرإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌ موضوع "حوادث السير

- ‌حوادث السيرإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌حوادث السيرإعدادالشيخ عبد القادر محمد العماري

- ‌حوادث السيرإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالأستاذ الدكتور / علي السالوس

- ‌الائتمان المولد على شكل بطاقةمع صيغة مقترحة لبطاقة ائتمانية خالية من المحظورات الشرعيةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌بطاقات الائتمانإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌سر المهنة الطبية بين الكتمان والعلانيةإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌مسؤولية الطبيبإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌مداواة الرجل للمرأةوالمرأة للرجلإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابينإعدادأ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

- ‌بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعيةالناتجة عن مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)إعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌التداوي بالمحرماتإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌بحوث مجمعية

- ‌حُسن وفاء الديونوعلاقته بالربط بتغير المستوى العام للأسعارإعدادالدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعارفي ضوء الأدلة الشرعيةإعدادد. حمزة بن حسين الفعر

- ‌الربط القياسي للأجور بالمستوى العام للأسعارتحليل من منظور إسلامي لمشكلة الأجورفي ظل التضخم والعلاج المقترحإعدادد. عبد الرحمن يسري أحمد

- ‌التضخم والربط القياسيدراسة مقارنة بين الاقتصاد الوضعيوالاقتصاد الإسلاميإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعاربين الفقه والاقتصادإعدادد. محمد أنس الزرقا

- ‌ندوة قضايا العملةالربط القياسي للديون بعملة اعتباريةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌ملاحظات أساسيةفي مسألة ربط الأجور والمستحقاتإعدادالدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادمجموعة دلة البركة

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادبيت التمويل الكويتي

- ‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلاميةوتصورات لكيفية مواجهتهاإعدادأ. د. إسماعيل حسن محمد

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةعقد السلم ودوره في المصرف الإسلاميإعدادالشيخ صالح الحصين

- ‌مشكلات البنوك الإسلامية في الوقت الحاضرإعدادد. محمد نجاة الله صديقي

- ‌في مشكلات المصارف الإسلاميةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمةالمتعاملة بالرباتجربة مجموعة دلة في أسلمة الشركاتعن طريق شراء أسهمهاإعدادالشيخ صالح عبد الله كامل

- ‌المشاركة في شركات تتعامل بالحرامإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

الفصل: ‌مداواة الرجل للمرأةوالمرأة للرجلإعدادالدكتور محمد علي البار

‌مداواة الرجل للمرأة

والمرأة للرجل

إعداد

الدكتور محمد علي البار

مستشار الطب الإسلامي بمركز الملك فهد

للبحوث الطبية

بسم الله الرحمن الرحيم

مداواة الرجل للمرأة والمرأة للرجل

مداواة المرأة للرجل:

وردت عدة أحاديث صحيحة تفيد في مداواة المرأة للرجل الأجنبي عنها، فقد جاء:

1-

في صحيح البخاري عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها، قالت:((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي، ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة)) .

2-

وأخرج مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده وابن ماجه في سننه أن أم عطية رضي الله عنها قالت: ((غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام، وأجيز على الجرحى، وأداوي المرضي)) .

3-

وأخرج مسلم أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغزو ومعه أم سليم (هي أيضاً أم أنس بن مالك) ، ومعها نسوة من الأنصار يستقين الماء، ويداوين الجرحى)) .

4-

وأخرج مسلم في صحيحه أن نجدة الخارجي كتب إلى ابن عباس رضي الله عنهما، يسأله عن غزو النساء مع النبي صلى الله عليه وسلم فكتب إليه أنه كان يغزو بهن فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة، وأما بسهم فلم يضرب لهن.

5-

وأخرج الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن رجلاً من الأنصار خرجت به نملة، فدل أن الشفاء بنت عبد الله ترقي من النملة (1) ، فجاءها فسألها أن ترقيه، فقالت: والله ما رقيت منذ أسلمت، فذهب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالت الشفاء، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها، فعرضتها عليه فقال:((ارقيه وعلميها حفصة كما علمتها الكتابة)) .

(1) النملة: قروح تظهر في الجنب أو غيره وتدب دبيب النمل في الجلد، وهي تقع على وصف مرض الهربس زوستر (القوباء المنطقية)

ص: 1279

6-

وعندما أصيب سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم غرب في موقعة الأحزاب في أكحله (1)((جعل له الرسول خيمة في المسجد وأوكل تمريضه إلى رفيدة الأسلمية، ثم جعل معه بعض الجرحى وأوكل تمريضهم جميعاً إليها)) .

وذكر الإمام الذهبي في كتابه الطب النبوي (2) : (ونص أحمد أن الطبيب يجوز له أن ينظر المرأة الأجنبية إلى ما تدعو إليه الحاجة إلى العورة، نص عليه في رواية المروزي والأشرم وإسماعيل، وكذلك يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة الرجل عند الحاجة.. قال المروزي: أصاب أبا عبد الله (أي الإمام أحمد) لوي فدعا بامرأة فأخرجته) ، ثم قال الذهبي:(وكذلك يجوز خدمته الأجنبية، ويشاهد منها عورة في حال المرض، وكذلك المرأة يجوز لها أن تخدم الرجل وتشاهد منه عورة في حال المرض إذا لم يوجد رجل أو محرم) .

مداواة الرجل للمرأة:

ومما استدل به على جواز مداواة الرجل للمرأة الأجنبية ما يلي:

1-

روي عن جابر أن أم سلمة رضي الله عنها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فأذن لها، فأمر أبا طيبة أن يحجمها (3)

2-

لا خلاف بين الفقهاء على جواز مداواة الرجل للمرأة، ونظر ومس ما تدعو الحاجة إلى نظره أو مسه، وإن كان عورتها المغلظة إذا اقتضت الضرورة أو الحاجة، ومن هذه الشروط عدم وجود امرأة يمكنها القيام بمداواتها، وقال بعض الحنفية: ينبغي أن يعلم الطبيب امرأة كيفية مداواة المريضة، وخص بعضهم ذلك بالعورة المغلظة، فإذا كان المرض في فرجها وخيف عليها الهلاك أو الإصابة بألم لا تطيقه، ولم توجد امرأة يمكن تعليمها كيفية المداواة فللرجل أن يداويها.

وتقدم الطبيبة الكافرة على الطبيب المسلم عند الشافعي، بحيث تداويها المرأة وإن كانت كافرة إلا إذا كان الرجل محرماً لها فيقدم على الكافرة، ويقدم الأمهر من الأطباء ولو كان رجلاً على المرأة.. ولو وجدت امرأة طبيبة لا ترضى إلا بأكثر من أجرة مثلها، ورضي الطبيب الرجل بأقل منها جاز للرجل مداواتها. بل لو وجد كافر يرضى بأجرة أقل من أجرة الطبيب المسلم جاز التداوي عنده، ويجوز التداوي عند الأمهر من الأطباء ولو كان كافراً مع وجود مسلم أقل خبرة ومهارة منه (4)

(1) الأكحل: عرق في اليد يفصد ويحجم، والحديث أخرج البخاري طرفاً منه من حديث أبي سعيد الخدري، وأخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنهم أجمعين

(2)

الطب النبوي للذهبي ص 112

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه، وابن حبان في صحيحه أيضاً، وابن حزم في المحلى، صحيح مسلم: 4/ 173، وصحيح ابن حبان: 7/ 447، والمحلى لابن حزم: 10/ 133

(4)

الهداية والعناية: 8/ 99، رد المحتار: 5/ 237، نهاية المحتاج: 6/ 197، مغني المحتاج: 3/ 133 نقلاً عن عبد الفتاح إدريس في بحث أخلاقيات الطبيب ص 11

ص: 1280

ولابد أن يكون مع الطبيب عند فحصه للمرأة مانع خلوة كوجود محرم من محارمها أو نساء أخريات، بل ذهب بعض الحنفية إلى أن الخلوة المحرمة بينهما تنتفي بوجود رجل آخر أجنبي عن المرأة، والراجح عند الشافعية أن الخلوة تنتفي بوجود امرأة ثقة أخرى، وذهب آخرون من الحنفية إلى عدم انتفاء الخلوة بوجود رجل أجنبي آخر، وكذلك القول المشهور عند الشافعية إذ يحرم خلوة رجل أو أكثر بالمرأة الأجنبية عنهم، وقال القفال الشاشي: يحرم خلوة رجل بامرأتين أو أكثر إلا إذا كانت إحداهن من محارمه فيجوز، وتنتفي الخلوة، وكذلك يحرم خلوة امرأة برجلين أو أكثر إلا إذا كان أحدهما من محارمها، وعند الحنابلة أن الخلوة لا تنتفي بوجود امرأة أو أكثر مع الطبيب والمريضة، كما لا تنتفي بوجود رجل أو أكثر أجنبي عن المرأة معها، ولابد لانتفاء الخلوة من وجود رجل من محارمها.

وذهب بعض الحنفية والمالكية إلى جواز خلوة الشيخ الهرم المرأة الشابة وخلوة المرأة العجوز غير المشتهاة بالرجل الأجنبي (1) .

وتحريم الخلوة ثابت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهما ذو محرم)) ، وحديث عامر بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم)) (2)

ويسمح للطبيب أن ينظر أو يمس موضع المرض، هكذا قال الفقهاء، وفي الطب الحديث يحتاج الطبيب لمعرفة العلة وسببها أن يفحص أماكن أخرى عديدة قد لا تبدو للعامة (وهم هنا غير الأطباء) أي علاقة ظاهرية لها بموضع الألم.. ومثاله امرأة تشكو من وجع في بطنها، وقد يكون المرض متعلقاً بالقلب، أو تشكو من صداع، ويكون المرض متعلقاً بضغط الدم، وحينئذ لابد من فحص القلب وغيره من الأعضاء وفحص قاع العين، أو تشكو من كثرة التبول الناتجة عن البول السكري، وذلك يستدعي فحص العديد من أعضاء جسمها، وهكذا، ولهذا فإن اشتراط موضع الألم فقط أمر لا معنى له؛ لأن موضع الألم قد يكون بعيداً عن سبب العلة، ولابد للطبيب أن يفحص ما يحتاج إلى فحصه من جسم المريضة لمعرفة المرض ومضاعفاته، وللوصول إلى التشخيص السليم، وبالتالي إعطاء الدواء الصحيح.

(1) الهداية والعناية: 8/ 99، رد المحتار: 5/ 237، نهاية المحتاج: 6/ 197، مغني المحتاج: 3/ 133 نقلاً عن عبد الفتاح إدريس في بحث أخلاقيات الطبيب ص 11، كما ينقله عن النووي في المجموع: 4/ 277- 278، نهاية المحتاج: 6/ 188، المغني لابن قدامة 3/ 239، الدر المختار ورد المحتار: 5/ 235- 236، كشاف القناع 5/ 13- 16 وشرح النووي لصحيح مسلم 5/ 16- 18، ونيل الأوطار للشوكاني 6/ 241، وسبل السلام للصنعاني: 1/ 7

(2)

أخرجه أحمد في مسنده 3/ 446، والهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني، وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف

ص: 1281

طبيبات في الإسلام:

لقد اشتهرت في الإسلام مجموعة من النساء بالطب وبالتمريض، وعرفن باسم الآسيات، وكانت القبالة مهنة مختصة بالنساء، ومن هؤلاء القابلات من الصحابيات الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها، وفيما يلي ذكر موجز لبعض من قام بالتطبيب والقبالة والتمريض من النساء:

1-

فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء العالمين: حينما قامت بحرق قطعة من حصير عندما رأت الدم لا يستمسك من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أصابته الجراح في أحد، فألزقت الحصير المحروق بموضع النزف فاستمسك الدم، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وابن ماجه (1) والحصير الذي أحرقته السيدة فاطمة من البردي.

قال ابن سينا في القانون: (البردي ينفع من النزف ويمنعه، ويذر على الجراحات الطرية فيدملها، والقرطاس المصري كان قديماً يعمل منه

ويحبس نفث الدم ويمنع القروح الخبيثة أن تسعى) .

2-

عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: حيث روي أن عروة بن الزبير قال لخالته عائشة (لأنها أخت أمه أسماء بنت أبي بكر) : ((يا أمتاه، لا أعجب من فقهك أقول: زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس، أقول ابنة أبي بكر، ولكني أعجب من علمك بالطب، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات، فكنت أعالجه، فمن ثم)) (2)

3-

حفصة بنت عمر رضي الله عنهما: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفاء بنت عبد الله أن تعلم حفصة رقية النملة (القوباء المنطقية = هربس زوستر) فقد روى أبو داود عن الشفاء قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال: ((ألا تعلمين حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة)) (3) وفي رقية النملة دعاء وطلاء للقروح بطلاء متخذ من الكركم والخل.

4-

أسماء بنت أبي بكر: وفي الصحيحين أن أسماء كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت تدعو لها، أخذت الماء فصبت بينها وبين جيبها وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نبردها بالماء (4)

(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري كتاب المغازي: 7/ 372

(2)

التراتيب الإدارية: 1/ 455

(3)

سنن أبي داود، كتاب الطب، ما جاء في الرقى، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي بكر بن سليمان: 4/ 56- 57

(4)

جامع الأصول: 7/ 528

ص: 1282

5-

رفيدة الأسلمية: أخرج البخاري ومسلم (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل خيمة في المسجد لمداواة الجرحى في غزوة الخندق ومنهم سعد بن معاذ، وجعل الإشراف على تمريضهم لرفيدة الأسلمية.

6-

الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس القرشية: كانت تقوم بالقبالة وترقي رقية النملة، وقد تقدم رقيتها للأنصاري وتعليمها لأم المؤمنين حفصة رقية النملة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

7-

الربيع بنت معوذ: تقدم حديثها في البخاري حيث قالت: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة)) .

8-

أم عطية: تقدم قولها: ((غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى)) (2) وأم عطية هي نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف، وتكنى أم عمارة وكانت تختن البنات.

9-

أم سليم: (وهي أم أنس بن مالك وزوج أبي طلحة الأنصاري)، وقد تقدم حديث أنس حيث قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار ليسقين الماء ويداوين الجرحى)) (3)

وهكذا نرى أمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات يداوين الجرحى ويسقينهم في ميادين القتال، وقد أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه:((لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان)) .

وروى عمر بن الخطاب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما التفت يميناً ولا شمالاً يوم أحد إلا رأيت أم سليط تقاتل دوني)) .. وفي ذلك اليوم العصيب تقاعس عدد غير قليل من الصحابة عن القتال بعد وقع الهزيمة وسماعهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ففت ذلك في عضدهم.

وروى البخاري أن عمر بن الخطاب قسم مروطاً بين نساء المدينة، فبقي مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك:(يريد أم كلثوم بنت علي وفاطمة الزهراء) فقال عمر: ((أم سليط أحق؛ فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد)) ، وتزفر أي تحمل الحمل الثقيل.. وهكذا كانت أم سليط تداوي الجرحى وتسقي العطشى وتقاتل دون النبي صلى الله عليه وسلم عند اشتداد البأس.

(1) عون الباري: 5/ 255- 256، وصحيح مسلم: 4/ 173

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه 5/ 199

(3)

صحيح مسلم 5/ 196

ص: 1283

وأم سليط هي أم قيس بنت عبد من بني مازن، تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة من بني النجار من الأنصار، فولدت له سليطاً وفاطمة، وكانت من أوائل من بايع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وشهدت أحداً وخيبر وحنيناً.

ولم تكتف أيضاً أم عمارة الأنصارية بإسعاف الجرحى وسقاية العطشى، بل حملت السيف وقاتلت، وقتلت أم حكيم يوم اليرموك سبعة من الروم بعمود الفسطاط لما هجم الروم على مواقع المسلمين الخلفية.

واشتهر بالطب من غير الصحابيات عدد من النساء منهن:

1-

زينب طبيبة بني أود، واشتهرت بطب العيون (الكحالة)، حتى تمثل بها الشاعر (1) حيث قال:

أمخترمي ريب المنون ولم أزر

طبيب بني أود على النأي زينبا

2-

أخت أبي بكر بن زهر الحفيد وبنتها: وقد اشتهرتا بالطب في الأندلس.. وهي عائلة طبية تخرج منها العديد من الأطباء.. وقد كان المنصور لا يسمح لأحد بمعالجة نسائه وأهله إلا أخت الحفيد أو ابنتها.

3-

ابنة شهاب الدين بن الصائغ: كان أبوها رئيس البيمارستان المنصوري بالقاهرة. ودرست الطب على يد والدها وعلى الأطباء المشهورين على عهده. واشتغلت بالطب، وتولت رئاسة البيمارستان المنصوري بعد وفاة والدها، وكانت تعتبر في المكانة السامقة في الطب في عهدها، وتولت مشيخة الأطباء!! (2) .

4-

أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطنجالي: من أهل برشلونة، كانت واسعة الاطلاع كثيرة المعارف، ولكنها اشتهرت بالطب (3)

5-

بنت دهن اللوز الدمشقية: عرفت بالطب ومارسته، رغم أن بعض المؤرخين تشكك في ذلك (4)

(1) ذكر ابن أبي أصيبعة أن رجلاً أتى امرأة من بني أود لتكحله من رمد أصابه فكحلته، ثم قالت: اضطجع قليلاً حتى يدور الدواء في عينيك، فاضطجع وتمثل قول الشاعر: أمخترمي ريب المنون ولم أزر طبيب بني أود على النأي زينبا فضحكت وقالت: أتدري فيمن قيل هذا الشعر؟ قال: لا، قالت: في والله قيل، وأنا زينب التي عناها، وأنا طبيبة بني أود، أفتدري من الشاعر؟ قال: لا، قالت: عمك أبو سماك الأسدي

(2)

تاريخ البيمارستانات في الإسلام للدكتور أحمد عيسى (ص 139)

(3)

تاريخ التربية الإسلامية للدكتور أحمد شلبي (ص285)

(4)

د. محمود الحاج قاسم: الطب عند العرب والمسلمين (ص89)

ص: 1284

ما هو الواقع اليوم؟

إن المستشفيات اليوم تعاني من اختلاط شديد بين الرجال والنساء، ولا يكاد يوجد في أقسام المرضى من الرجال ممرضين من الرجال إلا نادراً جداً، والأمر قائم كله على تمريض النساء للرجال.

وقد ذكر فضيلة الشيخ علي الطنطاوي أمد الله في عمره، في أحد أحاديثه التي يجمع فيها بين العلم والمتعة والأدب، أن شخصاً كتب إليه يشكو أن ممرضة في أحد المستشفيات الخاصة قد قامت بحلق شعر عانته للتحضير لعملية كان سيجريها في ذلك المستشفى، وأنه لا توجد في أقسام الرجال من ذلك المستشفى سوى الممرضات.

وهو أمر يحدث في كل المستشفيات تقريباً، مع عدم الحاجة إلى أن تقوم ممرضة بمثل هذا العمل للمريض، إذ يستطيع ذلك المريض نفسه في أغلب الحالات، كما يمكن إيجاد ممرضين من الرجال في أقسام الرجال.

والعكس يحدث في أقسام النساء، حيث نجد أن معظم الأطباء في أقسام أمراض النساء هم من الذكور، ونادراً ما توجد طبيبة في أقسام النساء، وبالتالي تنكشف العورات المغلظة للنساء المسلمات العفيفات للرجال.

وسنحاول هاهنا أن نورد الحجج التي يقدمها من يدافعون عما يجري حالياً في المستشفيات في البلاد الإسلامية، وموقفهم يتلخص فيما يلي:

1-

عدم وجود عدد كاف من الممرضين الذكور.

2-

أثبتت المرأة قدرتها في مجال التمريض، ولعل التمريض أليق بوظيفتها الأنثوية.

3-

الآسيات في التاريخ الإسلامي شهادة ناصعة على سماحة هذا الدين.

4-

سماح الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابيات الجليلات وأمهات المؤمنين أن يداوين الجرحى ويسقين العطشى في المعارك والغزوات، وتمريض رفيدة الأسلمية لسعد بن معاذ، ورقية الشفاء للصحابي الأنصاري من النملة.. إلخ كما تقدم معنا.

ص: 1285

والرد على هذه النقاط يتلخص في الآتي:

1-

إن عدم وجود عدد كاف من الممرضين الذكور راجع إلى أننا أهملنا فتح مدارس التمريض للذكور، وهو أمر ميسور، وإذا وفرنا ذلك فإننا لن نحتاج للممرضات في أقسام الرجال.

وقد عملت شخصياً طبيباً في مستشفيات بريطانيا وكان في بعض المستشفيات عدد كاف من الممرضين الذكور.. وكان الممرضون الذكور منتشرين في أقسام الرجال إلى الخمسينات من القرن العشرين. ثم بدأ عددهم في التناقص، وأوكل الأمر إلى الممرضات الإناث.

2-

إن إثبات كفاءة الممرضات لا يعني أن الرجل لا يستطيع أن يقوم بمهمة التمريض، فقد أثبت الواقع أن الرجال كانوا أقدر على أداء مهماتهم في أقسام الرجال عندما كان يتاح لهم ذلك.

3-

وجود الآسيات في التاريخ الإسلامي دلالة على عظمة هذا الدين وسماحته.. ومع هذا لم يذكر أحد أن المستشفيات (البيماراستانات) التي انتشرت في العالم الإسلامي بأكمله، كانت تقوم على النساء الممرضات فقط، بل كانت أقسام النساء للنساء فقط، وأقسام الرجال للرجال فقط.

4-

الأحاديث الشريفة الواردة في إباحة مداواة النساء للرجال والرجال للنساء عند فقد الطبيب أو الطبيبة.. وما جاء في الأحاديث كان في وقت المعارك وانشغال الرجال بالقتال، فكان لابد من استنفار طاقة الأمة بأكملها وإعطاء المرأة دورها لعدم وجود الرجال.. وكذلك التداوي في وقت السلم، فإن كشف العورة وخاصة المغلظة مشروط بالضرورة أو الحاجة عند عدم وجود من يطبه من جنسه.

والغريب حقاً أن إحدى الزميلات من الطبيبات لديها شهادة الدكتوراه في الأمراض الجنسية وقد حاولت أن تعمل في ميدان تخصصها في معالجة النساء فقط، فلم تستطع؛ لأن كل المستشفيات التي حاولت الالتحاق بها طلبن منها أن تداوي الرجال والنساء، وأن تكشف على عوراتهم جميعاً!! وقد رفضت ذلك ومكثت سنين وهي ترفض، واتصلت بي هاتفياً، فطلبت منها أن تتصل بسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لدائرة الإفتاء والدعوة والإرشاد ليفتيها ويوجهها إلى ما يجب عمله في هذه الظروف.

وكان نظام القابلات نظاماً جيداً معمولاً به في كل أنحاء العالم، ولا يزال. ولكننا للأسف الشديد بدأنا نهمله، مع أن القابلات يستطعن القيام بتوليد 95 بالمئة من النساء. ويمكن أن يتم ذلك في البيوت. والحالات المتعسرة تحولها القابلة إلى المستشفى.

ص: 1286

ولكننا نصر للأسف، على أن تذهب نساؤنا إلى المستشفيات للولادة الطبيعية، وحيث يشرف عليها في الغالب طبيب رجل (مسلم أو غير مسلم) ، وبتكاليف كبيرة؛ سواء كان ذلك في المستشفيات الخاصة، أو المستشفيات الحكومية، حيث تتحمل الدولة النفقات.

والواقع الذي تدعو إليه منظمات الصحة العالمية، هو إيجاد قابلات مؤهلات تأهيلاً عالياً، وأن يتم توليد الأغلبية الساحقة من النساء في بيوتهن، بكلفة أقل، وفي ستر دون الحاجة إلى أن يتكشفن للرجال.

ولا بد من إيجاد كليات للقابلات والاهتمام بهن وبمستواهن حتى يستطعن أن يقمن بهذه المهمة النبيلة. كذلك لا بد من إيجاد كلية طب لأمراض النساء والولادة، بحيث تدخل الطالبة بعد الثانوية مباشرة إليها، وتتخرج بعد ست أو سبع سنوات طبيبة أخصائية في أمراض النساء والولادة. وذلك ييسر تخريج دفعات متكاملة من طبيبات أمراض النساء والتوليد.

أما النظام الحالي فيقتضي الطالبة أن تدرس الطب بفروعه المختلفة ثم تتخرج بعد ست سنوات طبيبة عامة، ثم عليها بعد ذلك أن تدرس مرة أخرى لثلاث أو أربع سنوات لتتخصص في أمراض النساء والتوليد.

ومعنى ذلك باختصار أن يفوتها قطار الزواج؛ لأنها ستتخرج طبيبة عامة وهي في الرابعة أو الخامسة والعشرين، وعليها أن تعمل فترة، ثم تتخصص. وهذا الفرع من الطب يحتاج إلى تضحيات كبيرة، وإلى ترك المنزل في الليل والنهار، مما يجعل الطبيبات يعزفن عن التخصص فيه إلا ما ندر.

أما إذا وفرنا للطالبات، خريجات الثانوية، كلية لطب النساء والولادة فإنهن سيتخرجن متخصصات في هذا الفرع مباشرة، دون الحاجة لقضاء عشر سنوات أو أكثر، كما هو في النظام الحالي.

وإذا كانت الأسنان تستحق منا أن نفرد لها كلية خاصة بها، فإن أمراض النساء والتوليد تستحق كلية بذاتها تدرس فيها الطالبة كل ما تحتاج إليه في هذا التخصص بالإضافة إلى دراسة عامة عن فروع الطب الأخرى، وهو ما يحدث حتى في كليات طب الأسنان اليوم..

بهذه الطريقة نستطيع أن نوفر الطبيبات المسلمات المتخصصات بهذا الفرع المهم. ونجنب بالتالي زوجاتنا وأخواتنا وبناتنا من انكشاف عوراتهن لدى أطباء النساء والولادة.. وهو أمر ميسور إن صدقت النيات وتقدمت التوصيات إلى الحكومات والجامعات ووزارات التعليم العالي بذلك.. والله ولي التوفيق، لا رب غيره، ولا معبود سواه.

الدكتور محمد علي البار

ص: 1287