المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التداوي بالمحرماتإعدادالدكتور محمد علي البار - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثامن

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادالدكتور: وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌موضوع: " الأخذ بالرخص الشرعية وحكمه

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌الرخصة (التلفيق)إعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌التلفيق والأخذ بالرخصة وحكمهماإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادمحمد رفيع العثماني

- ‌حكمالرخصة وتتبع الرخصفي الفقه الإسلامي

- ‌الأخذ بالرخصةإعدادأ. د. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادأ. د. عبد العزيز عزت الخياط

- ‌الرخصةإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهتتبع الرخص – التلفيق ورأي الفقهاء فيهإعدادفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالشيخ الطيب سلامة

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌بيع العربُونإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بيع العربُونإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌بيع العربونإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌بيع المزايدةإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار

- ‌عقد المزايدةبين الشريعة الإسلامية والقانوندراسة مقابلةمع التركيز على بعض القضايا المعاصرةإعدادعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌قواعد ومسائلفيحوادث السيرإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌ موضوع "حوادث السير

- ‌حوادث السيرإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌حوادث السيرإعدادالشيخ عبد القادر محمد العماري

- ‌حوادث السيرإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالأستاذ الدكتور / علي السالوس

- ‌الائتمان المولد على شكل بطاقةمع صيغة مقترحة لبطاقة ائتمانية خالية من المحظورات الشرعيةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌بطاقات الائتمانإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌سر المهنة الطبية بين الكتمان والعلانيةإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌مسؤولية الطبيبإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌مداواة الرجل للمرأةوالمرأة للرجلإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابينإعدادأ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

- ‌بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعيةالناتجة عن مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)إعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌التداوي بالمحرماتإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌بحوث مجمعية

- ‌حُسن وفاء الديونوعلاقته بالربط بتغير المستوى العام للأسعارإعدادالدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعارفي ضوء الأدلة الشرعيةإعدادد. حمزة بن حسين الفعر

- ‌الربط القياسي للأجور بالمستوى العام للأسعارتحليل من منظور إسلامي لمشكلة الأجورفي ظل التضخم والعلاج المقترحإعدادد. عبد الرحمن يسري أحمد

- ‌التضخم والربط القياسيدراسة مقارنة بين الاقتصاد الوضعيوالاقتصاد الإسلاميإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعاربين الفقه والاقتصادإعدادد. محمد أنس الزرقا

- ‌ندوة قضايا العملةالربط القياسي للديون بعملة اعتباريةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌ملاحظات أساسيةفي مسألة ربط الأجور والمستحقاتإعدادالدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادمجموعة دلة البركة

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادبيت التمويل الكويتي

- ‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلاميةوتصورات لكيفية مواجهتهاإعدادأ. د. إسماعيل حسن محمد

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةعقد السلم ودوره في المصرف الإسلاميإعدادالشيخ صالح الحصين

- ‌مشكلات البنوك الإسلامية في الوقت الحاضرإعدادد. محمد نجاة الله صديقي

- ‌في مشكلات المصارف الإسلاميةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمةالمتعاملة بالرباتجربة مجموعة دلة في أسلمة الشركاتعن طريق شراء أسهمهاإعدادالشيخ صالح عبد الله كامل

- ‌المشاركة في شركات تتعامل بالحرامإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

الفصل: ‌التداوي بالمحرماتإعدادالدكتور محمد علي البار

‌التداوي بالمحرمات

إعداد

الدكتور محمد علي البار

مستشار الطب الإسلامي بمركز الملك فهد

للبحوث الطبية

التداوي بالمحرمات

1-

التداوي بالخمر:

الحمد لله الذي أحل الطيبات وحرم الخبائث، والقائل في محكم كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]، والقائل:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] ، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة، الذي وصفه المولى سبحانه وتعالى بقوله:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذه الخبائث فكان من أخبثها الخمر التي حرمها الله سبحانه وتعالى على عباده تحريماً أبدياً في هذه الدنيا، قال تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) } [المائدة: 90- 91] ، وقد وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر وعرفها لنا تعريفاً واضحاً جلياً، فقال صلى الله عليه وسلم:((كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)) (1) و ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)) (2) و ((كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملئ الكف منه حرام)) (3)

(1) أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

(2)

أخرجه أبو داود والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

(3)

أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك

ص: 1355

وقد خطب عمر رضي الله عنه الناس فقال: ((أما بعد، أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أنواع: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل)) (1) ولهذا فإن أي مادة تسبب الإسكار لها حكم الخمر، كما نصت على ذلك الأحاديث النبوية الكثيرة والصحيحة، وإن لم تسبب الإسكار وسببت التفتير والخدر فلها حكم مشابه من ناحية التحريم، وفيها التعزير لا الحد، قالت أم سلمة رضي الله عنها:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر)) (2)

وقد وردت أحاديث كثيرة عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم تنهى عن التداوي بالخمر؛ وذلك لأن العرب في جاهليتهم بل وإلى عقود كثيرة بعد الإسلام ظلوا يعتقدون أن في الخمر منافع طبية عديدة، حيث نرى الإمام ابن كثير وهو يفسر قوله تعالى:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] يذكر أنه من هذه المنافع منافع عديدة للبدن فيقول: ((أما إثمهما فهو في الدين)) ، وأما المنافع فدنيوية من حيث إن فيها نفع البدن، وتهضيم الطعام، وإخراج الفضلات، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذة الشدة المطربة التي فيها كما قال حسان بن ثابت في الجاهلية:

ونشربها فتتركنا ملوكاً

وأسداً لا ينهنهنا اللقاء

ونرى شيخ أطباء المسلمين أبا بكر الرازي يتمدح بالمنافع الوهمية للخمر فيقول في كتابه منافع الأغذية: (إن الشراب المسكر يسخن البدن ويعين على الهضم للطعام في المعدة وسرعة تنفيذه إلى الكبد وجودة هضمه هناك

وتنفيذه من ثمة إلى العروق وسائر البدن، ويسكن العطش إذا مزج بالماء، ويخصب البدن متى شرب على أغذية كثيرة الاغتذاء، ويحسن اللون، ويدفع الفضول جميعاً، ويسهل خروجها من البدن، ولذلك هو عون عظيم على حفظ الصحة) (3)

وكذلك فعل ابن سينا في القانون، وسار على نهجهما كثير من قدامى الأطباء، وهو منهج خاطئ بعد أن أوضح لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الخمر داء.. وقد جاءت أحاديثه معجزة في هذا الباب؛ فقد كشف الطب الحديث زيف ما كانوا يعتقدون، وأبان أن ما جاءت به الأحاديث الصحيحة هو الحق الذي لا مرية فيه، وأن كلام الأطباء على مدى الأزمنة المتطاولة هو الهراء والغثاء.

(1) أخرجه الستة إلا مالكاً

(2)

أخرجه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده

(3)

أبو بكر الرازي محمد بن زكريا: منافع الأغذية ودفع مضارها، دار إحياء العلوم، بيروت، 1982، ص 69 وما بعدها

ص: 1356

وفيما يلي جملة صالحة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تنهى عن التداوي بالخمر والمحرمات:

1-

أخرج مسلم في صحيحه (كتاب الأشربة) ، وأبو داود في السنن (كتاب الطب) ، والترمذي في الجامع الصحيح (باب كراهية التداوي بالمسكر) وابن ماجه في سننه وأبو نعيم في الطب النبوي عن وائل بن حجر أن طارق بن سويد الحضرمي رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر يجعل في الدواء، فقال:((إنها داء وليست دواء)) .

وفي صحيح مسلم عن طارق بن سويد الحضرمي قال: قلت: يا رسول الله، إن بأرضنا أعناباً نعصرها فنشرب منها، قال: لا، فراجعته، قلت: إنا نستشفي للمريض، قال:((إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء)) ، وهو أيضاً بلفظ مقارب عند ابن حبان.

2-

أخرج أبو داود في سننه (1) وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله أنزل الداء وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام)) .

3-

أخرج أبو نعيم في الطب النبوي عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تداوى بحرام لم يجعل الله فيه شفاء)) .

4-

أخرج أبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((من تداوى بالخمر فلا شفاه الله)) .

5-

أخرج البخاري في صحيحه (كتاب الأشربة) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرفعه قال: ((إن الله لم يجعل شفاءً فيما حرم عليكم)) .

6-

أخرج ابن حبان في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلي (أي يفور بالحبب وهو ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن عملية تخمر السكريات وتحولها إلى كحول إتيلي)، فقال:((ما هذا؟ فقلت: إن ابنتي اشتكت فنبذت لها هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) .

(1) 4/ 206، حديث رقم 3874

ص: 1357

7-

وأخرج أبو داود في سننه (كتاب الطب) ، والترمذي في الجامع الصحيح (كتاب الطب) ، وابن ماجه في سننه والحاكم في المستدرك، وأحمد في مسنده، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث)) .

قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وقال أحمد شاكر محقق المسند: إسناده صحيح، وقال السيوطي في (المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي) : الدواء الخبيث هو السم.

وذكر عبد الملك بن حبيب الأندلسي المالكي الألبيري المتوفى سنة 238هـ في كتاب الطب النبوي أثراً لمالك بن أنس رحمه الله قال: (لا يحل لأحد أن يداوي دبر الدواب بالخمر، فكيف بمداواة المريض بها، وكان ابن عمر إذا دعا طبيباً يداوي أهله اشترط عليه ألا يداوي بشيء مما حرم الله) .

وروي أن عمر بن الخطاب سأل الحارث بن كلدة الثقفي عن دواء الخاصرة، قال: الحلبة تطبخ ويجعل فيها سمن البقر، قال الحارث: وأما إذا كنا على غير الإسلام فالخمر وسمن البقر، قال عمر: لا نسمع منك ذكر الخمر، فإني لا آمن إن طالت مدة من لا ورع له أن يتداوى بالخمر.

التداوي بالخمر:

رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوضح في أحاديثه الكثيرة الصحيحة أن الخمر داء وليست دواء، إلا أن البشرية ظلت سادرة في غيها وضلالها تتداوى بالخمر، وقد كان الأطباء يزعمون في الأزمنة الغابرة وعلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده وحتى عهد قريب أن للخمر بعض المنافع الطبية، ثم تقدمت الاكتشافات العلمية وبطلت تلك المزاعم والأوهام، ومن تلك المنافع المزعومة ما قاله بولس محرف دين المسيح: إن قليلاً من الخمر يصلح المعدة، وبناء على هذا الوهم، فإن الخمر تشرب منذ أقدم الأزمنة كفاتح للشهية (أبرتيف APeretif) وقد ثبت أن استخدام هذا القليل بانتظام يؤدي إلى التهاب المعدة الضموري، والتهاب المريء، كما يؤدي إلى إصابة الكبد والبنكرياس، وقد شرحت مضار الخمر في كتابي (الخمر بين الطب والفقه) ، وهو في طبعته السابعة (أكثر من 400 صفحة) ، وأضفت ما جد من أضرارها في كتابي (الأضرار الصحية للمسكرات والمخدرات والمنبهات) . وخلاصة الأمر هو كما قال الأستاذ الدكتور أوبري لويس في أكبر وأشهر مرجع طبي بريطاني (مرجع برايس الطبي) Price Textbook of Medicine (إن الكحول هو السم الوحيد المرخص بتناوله على نطاق واسع في العالم كله، ويجده تحت يده كل من يريد أن يهرب من مشاكله، ولذا يتناوله بكثرة كل مضطربي الشخصية، ويؤدي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها، إن جرعة واحدة من الكحول قد تسبب التسمم وتؤدي إما إلى الهيجان أو الخمود، وقد تؤدي إلى الغيبوبة، أما شاربو الخمر المدمنون فيتعرضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون) .

ص: 1358

ومن المنافع الموهومة في الخمر أنها تدفئ الجسم في الجو البارد القارس، فقد روى أبو داود في سننه أن ديلم الحميري جاء في وفد اليمن، فقال:((يا رسول الله، إنا بأرض باردة نعالج فيها عملاً شديداً، وإنا نتخذ شراباً من هذا القمح فنتقوى به على أعمالنا وبرد بلادنا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل يسكر؟ قال: نعم، قال: فاجتنبوه، قال: إن الناس غير تاركيه، قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم)) .

وجاء الطب بعد هذه الحادثة بألف وأربعمائة عام ليقول لنا: إن ذلك الدفء ليس إلا من قبيل الوهم، فالخمر توسع الأوعية الدموية، وخاصة تلك التي تحت الجلد، فيشعر المرء بالدفء ويفقد حرارة جسمه في الجو القارس، وما يزيد الطين بلة أن الإنسان المخمور يفقد قدرته على توليد الطاقة من الارتعاش الذي يحدث عند الشعور بالبرد، فالإنسان السليم عندما يشعر بالبرد تنقبض أوعيته الدموية السطحية على الجلد حتى لا يفقد الحرارة، ثم يرتجف من البرد، وهذا الارتجاف يطلق الأدرينالين والكوريتزول ويحول سكر العضلات إلى جلوكوز ينطلق ليعطي الطاقة والدفء، وذلك كله مفقود لدى شارب الخمر، ولذا يتوفى كل عام بضع مئات في الحدائق العامة والمتنزهات في أعياد رأس السنة وأعياد الميلاد في الغرب بسبب شرب الخمر وفقدان الحرارة، ويموتون وهم ينعمون بالدفء الكاذب.. ويتعرض الأطفال بصورة خاصة عند شربهم للخمر لهذه الظاهرة، ويتوفون بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم وانخفاض السكر، وذلك بسبب تأثير الخمر على منطقة في الدماغ تعرف باسم تحت المهاد (Hy pothclamus) ، وهي التي تتحكم في درجة حرارة الجسم وفي السكر، مع ما تقدم من اضطراب هرمونات الجسم وتوسع الأوعية الدموية تحت الجلد.

ومن الأوهام المنتشرة حول الخمر أنها دواء للقلب وأنها توسع الشرايين التاجية، وقد كانت تستخدم إلى الستينات من القرن العشرين لمداواة الذبحة الصدرية وجلطات القلب، ثم تبين زيف ذلك الوهم، وأن الخمر لا توسع شرايين القلب على الإطلاق، وأنها أخطر السموم على القلب العضلي وتؤدي إلى إصابة عضلة القلب واعتلالها (Cardiomyopathy) ، ولاشك أن الكحول الميتيلي أشد سمية في هذا الصدد من الكحول الإيتيلي، فالأول يقتل على الفور، والثاني سم بطيء يقتل على مدى الأزمنة المتطاولة.

ومن أوهام الخمر أنها تثير الرغبة الجنسية وتقوي الباءة، وقد شربت ولا تزال تشرب لهذا السبب.. وبما أن الخمر تزيل العقل فإنها تدفع الإنسان إلى الجرائم الجنسية، فمعظم جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على المحرمات من الأخوات والبنات ناتجة عن شرب الخمر، وفي الولايات المتحدة كما تقول التايم الأمريكية (1990) فإن 20 بالمائة من العائلات الأمريكية تمارس ما يسمى نكاح المحارم (Incest) ، وذلك نتيجة لانتشار الخمور على نطاق واسع ونتيجة لتحطم القيم وانحلال الأسرة.

ص: 1359

ولكن ما أن يستمر الإنسان في شرب الخمور حتى يفقد القدرة على التنفيذ، وهي كما قال الشاعر الإنجليزي الملهم شكسبير في رواية (ماكبث) : إنها تحفز على الرغبة ولكنها تفقد القدرة على التنفيذ.

It provokes The desire، but takes away the per Frmance

وهي تفعل ذلك بسبب تأثيرها على المنطقة الدماغية (تحت المهاد)(Hy Pothclamus) والغدة النخامية (Pituitary glana) والخصية (Testes) بالإضافة إلى أنها تحطم الكبد، وبما أن الكبد السليمة تقوم بتحطيم ما تفرزه الغدة الكظرية (فوق الكلية) من هرمونات الأنوثة القليلة في الرجل، فإن هذه الهرمونات الأنثوية تزداد لدى شارب الخمر فتتضخم أثداؤه ويسقط شعر لحيته وشاربه ويصاب بالعنة.

ليس ذلك فحسب، وإنما قد يضاف إليه إصابة للجهاز العصبي غير الإرادي الذي يتحكم في عملية الانتشار والإنعاط والإنزال، فإذا أصيب هذا الجهاز العصبي بسبب الخمر، فكيف يستطيع المرء أن يجامع؟!

وتصاب المرأة بمثل ما يصاب به الرجل بالإضافة إلى إصابة الأجنة إذا حملت وهي تشرب الخمر.

والباب بعد هذا واسع واسع، ومن أراد المزيد فليرجع إلى الكتب الطبية في هذا الباب أو إلى كتاب (الخمر بين الطب والفقه) لكاتب هذه السطور.

حكم التداوي بالخمر:

اتفق جمهور الفقهاء على حرمة التداوي بالخمر الصرفة، ودليلهم ما تقدم من الأحاديث الصحيحة التي تنهى عن التداوي بالخمر، وقد شذ عن هؤلاء الظاهرية، قال أبو محمد علي بن حزم في كتاب المحلى:(1) (الخمر مباحة لمن اضطر إليها، فمن اضطر لشرب الخمر لعطش أو علاج أو لدفع خنق فشربها، فلا حد عليه

) ويقول: (إن التداوي بمنزلة الضرورة وقد قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] ، فما اضطر المرء إليه فهو غير محرم عليه من المآكل والمشارب) .

وذكر الإمام النووي في المجموع (2) أربعة أقوال في شربها للتداوي والعطش المهلك:

الأول: وهو الصحيح عند الجمهور وهو لا يجوز فيهما.

والثاني: يجوز فيهما معاً.

والثالث: يجوز للتداوي ولا يجوز للعطش.

والرابع: يجوز للعطش المهلك دون التداوي، وهذا الرأي الأخير قال به إمام الحرمين والإمام الغزالي.

(1) المحلى لابن حزم 7/404

(2)

النووي: المجموع شرح المهذب تكملة المطيعي 4/ 42- 43

ص: 1360

وإن اضطر إلى شرب الخمر أو البول؛ شرب البول؛ لأن شرب الخمر أغلظ، وإن اضطر إلى شرب الخمر ففيه ثلاثة أوجه:

الأول: أنه لا يجوز، والثاني: يجوز لأنه يدفع به الضرر عن نفسه، والثالث: أنه إن اضطر لشربها للعطش لم يجز؛ لأنها تزيد في الإلهاب والعطش، وقد رد هذا الوجه الأخير الإمام الجويني والإمام الغزالي لأنها تزيل العطش، والصحيح ما قالاه لأنه قد يبلغ الماء فيها 90 أو 95 بالمئة كما في البيرة والأنبذة الخفيفة، وفي الوجه الثالث أنه يجوز استعمالها للدواء.

قال النووي: (وأما التداوي بالنجاسات غير الخمر فهو جائز في جميع النجاسات غير المسكر، ومنهم من قال: يجوز بأبوال الإبل خاصة لورود النص بحديث عرينة الذين اجتووا المدينة وسقموا، فأمرهم الرسول بشرب ألبان الإبل وأبوالها فصحوا، ثم قاموا بقتل الراعي وسرقة الإبل)(سيأتي الحديث عن التداوي بالنجاسات غير الخمر) .

ولم يسمح جمهور الفقهاء باستخدام الخمر كدواء إلا عند الضرورة القصوى، مثل أن يغص امرؤ بلقمة ولا يجد أمامه إلا الخمر، فعندئذ يجوز شربها، يقول صاحب كتاب فقه السنة:(1)(ومثل الفقهاء لذلك بمن غص بلقمة فكاد يختنق ولم يجد ما يسيغها به سوى الخمر)، وقد أخطأ غفر الله لنا وله حين قال:(أو من أشرف على الهلاك من البرد ولم يجد ما يدفع به هذا الهلاك غير كوب أو جرعة خمر أو من أصابته أزمة قلبية وكاد يموت فعلم أو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين من الخمر) ، وذلك من الأوهام التي كانت سائدة عن الخمر ثم أبان الطب الحديث زيف ذلك، وأن الخمر لا توسع الشرايين التاجية، ولا تقي من جلطة القلب، بل ربما زادتها سوءاً.. وهي كما أوضحنا ليست دواء للبرد، بل تؤدي إلى الوفاة من هذا البرد القارس والمرء ينعم بالدفء الكاذب.

حكم الخمر غير الصرف المعجونة بالدواء: بطل في الطب الحديث استخدام الخمر الصرفة في الدواء واعتبرت داء لا دواء، ولكنها لا تزال تستخدم في الدواء معجونة به كترياق، حيث تستخدم لإذابة المواد الطبية التي لا يذوب بعضها في الماء، وقد بحث الفقهاء الأجلاء هذه النقطة، يقول الخطيب الشربيني في مغني المحتاج (2) :

(1) الشيخ سيد سابق: فقه السنة، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة 1981: 2/ 340

(2)

مغني المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني: 4/ 188

ص: 1361

(إن التداوي بالخمر حرام إذا كانت صرفاً غير ممزوجة بشيء آخر تستهلك فيه، أما الترياق المعجون بها ونحوه مما تستهلك فيه فيجوز التداوي به عند فقد ما يقوم به التداوي من الطاهرات، فعندئذ يتبع حكم التداوي بنجس كلحم حية وبول، وكذا يجوز التداوي بذلك لتعجيل الشفاء بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك، أو معرفته للتداوي به، وبشرط أن يكون القدر المستعمل قليلاً لا يسكر) .

وهكذا شرط الشربيني ثلاثة شروط لإباحة استخدام الخمر (الغول، الكحول) في الدواء كترياق معجونة به:

1-

أن لا يكون هناك دواء آخر خال من الكحول (الغول) ينفع لتلك الحالة.

2-

أن يدل على ذلك طبيب مسلم عدل.

3-

أن يكون القدر المستعمل قليلاً لا يسكر.

وإذا نظرنا إلى الأدوية الموجودة بها شيء من الكحول نجدها على ضربين:

الأول: مواد قلوية أو دهنية تستعمل كأدوية، وتحتاج لإذابتها إلى استعمال الغول.

الثاني: مواد يضاف إليها شيء يسير من الكحول (الغول) لا لضرورة وإنما لإعطاء الشراب نكهة خاصة ومذاقاً خاصاً تعود عليه أهل أوربا وأمريكا من حيث يأتينا الدواء جاهزاً، وهذا الصنف الثاني لا شك في حرمته ويجب منعه، وقد استطاعت الصناعة الدوائية أن تستبدل النوع الأول بمذيبات أخرى غير الكحول، وقد قدمت أبحاث كثيرة في مؤتمرات الطب الإسلامي توضح إمكانية ذلك.. وقد نادى وزراء الصحة العرب أيضاً باستبعاد الكحول من الأدوية جميعها.

ويحتاج الأمر إلى وقفة حازمة من الحكومات لكي تقوم الصناعة الدوائية باستبدال الكحول بمذيبات أخرى، وعلى سبيل المثال كان (ماء غريب) الذي يعطى للأطفال يحتوي على نسبة من الكحول (4- 5 بالمئة) ، كما كان دواء للربو يدعى (كويبرون) Quibron يحتوي على الكحول، فلما طلبت الحكومة الأمريكية من شركات الأدوية استبعاد الكحول استبعدته واستبدلته بمذيب آخر، وذلك أن الأطفال المصابين بالربو يستخدمونه لفترة طويلة تبلغ سنين طوالاً، وقد أدى ذلك إلى إصابة الكبد لدى بعضهم من جراء استخدام الكحول ولو بكمية قليلة، ولذا أمرت الدولة الأمريكية باستبعاد الكحول من جميع أدوية الأطفال، وقد فعلوا ذلك بيسر.. ولكنهم أبقوها للكبار لأن الخمر بذاتها مباحة عندهم.

ص: 1362

وهكذا يتضح أن الحكومات الإسلامية تستطيع أن تفرض الدواء الخالي من الكحول بسهولة، خاصة وأن الأدوية التي تحتاج إلى إذابتها للكحول قليلة، ويمكن استبدالها بغيرها، بالإضافة إلى أن المذيبات الأخرى قد توافرت، وأمكن للصناعة الدوائية تقديم الدواء الخالي من الكحول، ويستطيع المجمع الفقهي الموقر أن يوصي الحكومات الإسلامية بذلك.

الخمر المستهلكة:

يستخدم الكحول لإذابة الكولا المستخدمة في المشروبات الغازية مثل البيبسي كولا والكوكاكولا.. إلخ، وتوضع هذه الكمية القليلة من المواد المذابة في الكحول في كميات كبيرة جداً من المياه، بحيث إن الشخص لو شرب الكثير لما سكر، وبهذا انتفت علة التحريم وهي الإسكار؛ إذ إن كثر هذه المادة لم يعد مسكراً، والرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول:((ما أسكر كثيره فقليله حرام)) ، ((وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام)) ، وهذا الشراب لا يسكر حتى لو شرب المرء منه فرقاً، فما دام كذلك فإن علة التحريم قد انتفت، وقد شبه الفقهاء ذلك بالنجاسة القليلة المستهلكة في الماء الكثير، ومن المعلوم أن الماء أكثر من القلتين لا يحمل الخبث؛ وهذا مثله، وقد أشار إلى هذا الحكم كتاب الأطعمة من الموسوعة الفقهية، إصدار الكويت، وقد ذكر ابن حجر الهيثمي في التحفة على المنهاج ((: وجبن شامي اشتهر عمله بإنفحة الخنزير، وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جبن من عندهم فأكل ولم يسأل عن ذلك)) .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك من عمل النصارى، فدعا بسكين فسمى وقطع وأكل)) (أخرجه أبو داود ورزين) .

وأخرج الإمام أحمد والبزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في غزاة، فقال: أين صنعت هذه؟ فقالوا: بفارس، ونحن نرى أنه تجعل فيها ميتة، فقال: اصنعوا فيها بالسكين واذكروا اسم الله وكلوا)) .

وقد جاء في كتاب الأطعمة من الموسوعة الفقهية تحت عنوان الغازوزة ما يلي: (الغازوزة شراب حلو فيه قليل من الزيوت العطرية مشبع بغاز ثاني أوكسيد الكربون تحت ضغط أعلى من الضغط الجوي، وقد تضاف إليه مواد أخرى تكسبه لوناً أو طعماً خاصاً..) .

(.

والزيوت العطرية الداخلة في صناعتها لا تمتزج بباقي موادها إلا إذا حلت بإضافة جزء من الغول إليها.. والغول مسكر، بل هو روح المسكرات كلها، فهو نجس عند الجمهور، وبه يتنجس الزيت والغازوزة فيحرم شربها) .

(هذا ما يبدو، ولأول وهلة، ولكن إذا أمعنا النظر أمكننا أن نقول: إن إضافة الغول إنما هي للإصلاح، فشأنها شأن إضافة الإنفحة النجسة إلى اللبن ليصير جبناً، وقد قالوا: إن الإنفحة لا تنجس اللبن، بل يعفى عنها، هذا إذا قلنا: إن الغول نجس، فإن قلنا: إنه طاهر كما قال الشوكاني وكما اختارته لجنة الفتوى في الأزهر فلا إشكال، والله أعلم) .

ص: 1363

الاستعمال الظاهري للغول:

تستخدم الغول (الكحول) كمطهر خارجي، كما تستعمل في بعض الحالات النادرة لإماتة عصب من الأعصاب المسبب للألم المبرح، وتستخدم أيضاً بكثافة في العطور وما يسمى البارفان والكولونيا.. وتصل نسبة الكحول في الكولونيا إلى 90 بالمئة.. وبما أن هذه الكولونيا قد تشرب، وخاصة في الأماكن التي يمنع فيها تعاطي الخمور فإن الشركات المصنعة تضيف إليها مادة أخرى شديدة السمية من أنواع الغول (الكحول) وهي الكحول المتيلي.. وقد حدثت حوادث كثيرة في قطر والسعودية ودول الخليج الأخرى وفي الهند أدت إلى وفاة العشرات، وأحياناً المئات من الأفراد نتيجة شرب هذه المواد السامة، فالكحول المتيلي مادة سامة، بل شديدة السمية، وتؤدي إلى هبوط (احتشاء أو فشل) عضلة القلب نتيجة الاعتلال السمي لعضلة القلب Toxic Cardiomyo pathy، كما أنها تؤدي إلى إصابة عصب الإبصار مسببة العمى للأشخاص الذي أمكن إنقاذهم من براثن الموت..

والغريب حقاً أن مداواة حالات التسمم بالكحول المتيلي تستدعي الديلزة (الغسيل الكلوي) ، ويستخدم الأطباء في هذه الحالة الكحول الإتيلي (وهو الخمر بعينها) الأقل سمية ليحل محل الكحول المتيلي في الكبد، وبالتالي يتم طرده بواسطة الغسيل الكلوي.. وهي الحالة الوحيدة التي يتم فيها استخدام الكحول الإتيلي فيحقن ضمن السوائل ويسرب إلى الدم. أما الاستعمال الشائع فهو الاستعمال الظاهري كمطهر للجلد أو مع العطور والكولونيا. والاستعمال الظاهري يمكن الاستغناء عنه فالمطهرات الجلدية كثيرة وتعتبر أفضل من الكحول الإتيلي.. والعطور والروائح يمكن أن تركب بالطريقة القديمة وهي استخدام الزيوت بدلاً من الكحول.

ومع هذا فقد أفتت لجنة الفتوى بالأزهر والسيد مظهر الغرباني والإمام الشوكاني من قبل بأن الخمر ليست نجسة العين.. وبالتالي فإن الكحول وهو مادة مطهرة، لا يمكن أن تكون نجسة؛ لأن ذلك مناقض لاسم المطهر، وأما قوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]، فمعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة العين.. وأن المشرك الذي قال الله عنه: إنه نجس {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] ، ليس نجساً نجاسة حسية، بل نجاسة معنوية، ولا يمكن جعل الخمر نجسة العين وإفرادها عن الميسر والأنصاب والأزلام؛ لأن الآية قد سردت هذه الأربعة في سياق واحد، وبما أنها جميعاً ليست نجسة، فكذلك الخمر، وقد أجمع الفقهاء على عدم نجاسة المسكر الجامد مثل جوزة الطيب والحشيش والأفيون. إلخ.. ولا فرق بين مائع وجامد عند من يقول بعدم النجاسة.

ص: 1364

ولذا يجوز الاستعمال الظاهري للكحول عند من يقول بعدم نجاستها. وقد أحسنت المملكة العربية السعودية بمنع استيراد الكولونيا إلا تلك التي تستخدم بواسطة البخاخ حتى لا تشرب.

الخلاصة في موضوع التداوي بالخمر:

يرى جمهور الفقهاء أنه لا يجوز التداوي بالخمر (والمسكر خمر) متى كانت صرفة، فإن كانت مستهلكة في الدواء أو غيره بحيث لا يسكر الكثير منها فإنها تخرج من دائرة المسكرات والمحرمات إلى دائرة المباحات.

وأما الترياق المعجون بقليل من الخمر (الغول) فلا يجوز استخدامه إلا بشروط، وهي أن لا يكون هناك دواء آخر خال من الغول يقوم مقامه، وأن يدل على ذلك طبيب مسلم عدل، وأن يكون القدر المستعمل غير مسكر.

وأما استخدام الكحول ظاهرياً على الجلد فأمر قد أجازه أغلب الفقهاء المعاصرين، ومنه العطور والكولونيا التي تستخدم بكثرة في كافة أرجاء العالم.

وهل يجوز استعمال الكحول لإماتة عصب كما يحدث نادراً في عالم الطب؟

وهل يجوز استعمال الكحول الإتيلي في حالات التسمم بالكحول المتيلي الأشد سمية؟ فأمران لم أجد فيهما فتوى جاهزة. وهي مطروحة بين يدي سادتي العلماء الأجلاء للإفتاء فيها.

2-

التداوي بالمخدرات:

تعريف المخدر:

المسكر هو ما غطى العقل، والمفتر (المخدر) كما يقول الخطابي هو:(كل شراب يورث الفتور والخدر، وهو مقدمة السكر)، وقال ابن رجب الحنبلي:(المفتر هو كل مخدر للجسد وإن لم ينته إلى حد الإسكار) .

وقد جاء في بحث إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوى والإرشاد بالمملكة العربية السعودية إلى المؤتمر الإقليمي السادس للمخدرات (الرياض 25- 30 شوال 1394) تعريف المخدر بما يلي: (المفتر مأخوذ من التفتير والإفتار، وهو ما يورث ضعفاً بعد قوة، وسكوناً بعد حركة، واسترخاء بعد صلابة، وقصوراً بعد نشاط، يقال: فتره الأفيون إذا أصابه بما ذكر من الضعف والقصور والاسترخاء) ، وهو تعريف دقيق كل الدقة حتى من الناحية الأقرباذينية؛ إذ إن الأفيون ومشتقاته مثل البورفين والهروين هي الوحيدة التي يطلق عليها اسم المخدر Narcotic من الناحية الدوائية (الأقرباذينية) .

ص: 1365

وقد جاء في المصباح المنير: خدر العضو إذا استرخى فلا يطيق الحركة، وفي القاموس المحيط:(الخدر: امذلال يغشى الأعضاء، وفتور العين أو ثقل فيهما) .. وكل ما يغطي الأشياء يعتبر مخدراً، ومنها خدر المرأة وهو سترها، قال امرؤ القيس:

وبيضة خدر لا يرام خباؤها

تمتعت من لهوها غير معجل

ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة

فقالت: لك الويلات إنك مرجلي

وكل ما يختفي في الأجمة والغابة يعتبر خادراً، قال كعب بن زهير في قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتذر فيها عما فعل:

من خادر من ليوث الأسد مسكنه

في بطن عثر غيل دونه غيل

وهكذا تدور معاني كلمة الخدر حول الستر، والخدر: ستر يمد للجارية في ناحية البيت، والجمع خدور، والخدر (بالفتح) الكسل وظلمة الليل والمكان المظلم، واشتداد الحر، واشتداد البرد، وفي لسان العرب: الخدر من الشراب والدواء: فتور يعتري الشارب وضعف، والخدر: الكسل والفتور.

وتدور معاني لفظ Narcotic في اللغات الأوربية، على نفس معاني كلمة المخدر والخدر في اللغة العربية تقريباً، وهي تطلق بصورة خاصة على الأفيون ومشتقاته، وما يحدثه من خدر وفتور في الأعضاء وستر للألم، وتغطية على بعض أنشطة الجهاز العصبي، وشعور بالنوم، وثقل في الأعضاء (قاموس دبستر وقاموس اكسفورد) .

وإذا قررنا هذا التعريف اللغوي والطبي والفقهي للمخدرات فإننا نجد أن التعريف القانوني والإعلامي يختلف تماماً عن هذا التعريف.

ص: 1366

تعريف المخدرات في القوانين الوضعية:

لا يوجد أي تعريف للمخدرات في القوانين الوضعية، ولهذا اتجهت القوانين الوضعية لإصدار قوائم بالمواد المحرم استعمالها وحيازتها وتداولها وجلبها وبيعها وزرعها.. إلخ، وعادة ما ينص القانون الوضعي على هذه العبارة:

(تعتبر جواهر مخدرة في تطبيق أحكام هذا القانون، المواد المبينة بالجدول رقم 1، ويستثنى منها المواد الموجودة بالجدول رقم 2) .

ولا تختلف هذه القوائم بأسماء المواد المخدرة التي يحرمها القانون من بلد إلى آخر فحسب، بل تختلف في نفس البلد من زمن إلى آخر.

وعلى سبيل المثال كان الأفيون ومشتقاته مثل المورفين، ومادة الكوكايين وهما من أشد المواد المسببة للاعتماد من المواد المباح تعاطيها في أوربا والولايات المتحدة، وقد استخدم المورفين على نطاق واسع أثناء الحرب الأهلية الأمريكية (1816- 1865) ، وأثناء الحرب الفرنسية الألمانية عام 1870.

وكان الكوكايين يباح في أوربا والولايات المتحدة كمادة مقوية ومشهية وباعثة للسعادة والصحة.. واشتهر في أوربا إكسير مارياني وشاي مارياني وحبوب مارياني، وكلها كانت تحتوي على الكوكايين، وقد نال مارياني بسببها شهرة واسعة وثروة طائلة مع أرفع الأوسمة من ملوك ورؤساء أوربا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى بركات الباباوات الذين كانوا يستخدمون منتجاته المحتوية على الكوكايين.

بل إن مشروب الكوكاكولا كان يحتوي على كمية من الكوكايين عندما بدأ تسويقه في الولايات المتحدة في بداية هذا القرن، ولم يمنع ذلك إلا في العشرينات من القرن العشرين، واستمر بيع الأفيون والمورفين والهروين والكوكايين علناً في الأسواق، وبدون أي وصفة طبية، ولم يمنع ذلك إلا عام 1920.

ورغم أن الجامعة العربية وضعت القات ضمن قائمة المخدرات، إلا أن الأمم المتحدة واليمن والصومال والحبشة تعتبره من المواد المباحة.

والموقف بالنسبة لنبات الكوكا مشابه لنبات القات في دول أمريكا اللاتينية التي تسمح بزراعته رغم الضغوط الشديدة المكثفة التي تواجهها من الولايات المتحدة.

ص: 1367

وقد قام المشرع المصري بتغيير قوائم المخدرات الموجودة في القانون رقم 162 لعام 1960 واستبدلها بمواد جديدة وألغى أخرى قديمة في القانون رقم 295 لعام 1976 ثم حدثت تغييرات أخر في القانون رقم 760 لعام 1984.

وقد أباحت هولندا الاستعمال الشخصي للحشيش (الماريوانا، القنب) ، كما أباحت أربع ولايات من الولايات المتحدة الأمريكية استخدام وحيازة الحشيش في النطاق الشخصي.. وهناك حملة قوية لإباحة الحشيش في الولايات المتحدة رسمياً؛ لأنه أقل ضرراً من الخمور المباحة (1)

والموقف المضحك للقوانين الوضعية هي أنها تبيح بدون استثناء صناعة وحيازة وتجارة الخمور، بينما هي تعاقب عقوبات شديدة تصل إلى حد الإعدام على الحيازة وتهريب القات والحشيش والحبوب المنبهة.. وهي مواد أقل ضرراً بكثير من الخمر.. ولا يوجد هناك منطق لإباحة الخمر ومنع الحشيش مثلاً.. فالخمر دون جدال أشد ضرراً وفتكاً من الحشيش، بل إن الخمر أشد ضرراً وفتكاً من جميع المخدرات مجتمعة كما تقرر ذلك منظمة الصحة العالمية في قرارها رقم 650 لعام 1980 (2) الذي جاء فيه:

(إن شرب الخمور يؤثر على الصحة، ويؤدي إلى مشاكل تفوق المشاكل الناتجة عن الأفيون ومشتقاته، والحشيش، والكوكايين والأمفيتامين والباربتورات، وجميع ما يسمى مخدرات مجتمعة، وأن الأضرار الصحية والاجتماعية لتعاطي الكحول تفوق الحصر) .

(1) انظر صحيفة الهيرالد تربيون (الأمريكية والتي تصدر من باريس إلى مختلف بقاع العالم) عدد 16 مايو 1988 الصفحة الأولى والخامسة وعدد 27 مايو 1988 (ص 6)

(2)

Report of a Wtto Expert Committee: Problems Yelated to Alcohol Consumption. Wotto Technical Reoprt Sences bso، Geneva، Wtto، 1980: 13

ص: 1368

ويكفي لمعرفة الفروق في مخاطر الخمور والمخدرات ما جاء في مجلة التايم الأمريكية نقلاً عن تقرير كبير الأطباء الأمريكيين (وزير الصحة)(1) أن الذين يتوفون سنوياً في الولايات المتحدة نتيجة الخمور هم 125000 (مائة وخمسة وعشرون ألفاً) بينما عدد الذين يلاقون حتفهم بسبب المخدرات وما يتبعها من جرائم ومطاردات مع البوليس وبين العصابات المختلفة هم ستة آلاف فقط.

أما في بريطانيا فتقرر الكلية الملكية للأطباء العموميين في تقريرها الصادر عن الكحول لعام 1986 أن الذين يتوفون نتيجة الخمور في بريطانيا هم 40000 شخص (2) بينما تقرر الكلية الملكية للأطباء النفسيين أن عدد الذين يتوفون سنوياً نتيجة المخدرات هم 88 شخصاً، بالإضافة إلى 77 طفلاً توفوا نتيجة شم الغراء والتولوين والمستنشقات الأخرى (3)

وهكذا يبدو بوضوح أن وفيات الخمور لا يمكن مقارنتها بما تفعله المخدرات الأخرى مجتمعة، ونحن نعلم أن ثلث نزلاء المستشفيات العقلية هم من مدمني الخمور، وأن ما بين ربع وثلث جميع المرضى الذين يدخلون عن طريق الطوارئ يدخلونها بسبب شرب الخمور في الولايات المتحدة واسكوتلنده وروسيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا.. إلخ، وأن ربع الحالات الموجودة في أقسام الأمراض الباطنية في جميع مستشفيات أوربا والولايات المتحدة.. إلخ، إنما دخلوا بسبب أمراض ناتجة عن الخمور.

وتقع القوانين الوضعية في مأزق عندما تسمي المواد المنبهة مخدرات، وهي بدون ريب أو شك ليست من المواد المخدرة، بل هي مواد منبهة شديدة التنبيه، ومن أهم أمثلتها حبوب الأمفيتامين والفنتلين ومشتقاتها والقات والكوكايين.. وكلها تندرج في قائمة المواد المسببة للاعتماد النفسي والمحطمة للصحة على اختلاف بينها في الدرجة، ولكنها جميعاً ليست مخدرة، بل منبهة.

ونجد جميع القوانين لا تدرج المستنشقات ضمن ما تسميه مخدرات، رغم أنها مخدرة فعلاً أو مسكرة، كما أنها لا تضع في قوائمها جوزة الطيب ولا الشيكران ولا العنبر ولا الزعفران، ولا فطر البيوت المخدر ولا نبات ست الحسن (البلادونا) وفطر البسيلوسيبي وفطر أمانيتا وهي مواد مهلوسة ومخدرة فعلاً.

(1) التايم في 30 مايو 1988

(2)

Report of Royal College of General Practitioners: Alcohol- Abatunled View 1986: 45-53

(3)

Report of Royal College of Psyaiatristis; Alcohol our favousite druy، 1986

ص: 1369

ولا يوجد أي ضابط في هذه القوانين الوضعية لتعريف المخدر، فهي تسمح بكثير من المخدرات وكل المسكرات وتمنع مواد منبهة شديدة التنبيه وتسميها مخدرات، وما هي بمخدرات.. ونحن لا نختلف حول ضررها وأنها تسبب الإدمان، فهي مواد ضارة بالصحة، وتسبب الإدمان، وكذلك النيكوتين في التبغ فهو مادة مسببة للإدمان، وضارة بالصحة، بل إن إدمان النيكوتين أشد من إدمان القات، وفي أحيان كثيرة أشد من إدمان الحشيش، وعندي مجموعة من المرضى استطاعوا أن يتركوا الحشيش ولم يستطيعوا أن يتركوا النيكوتين وآخرين استطاعوا أن يتركوا الأمفيتامين ولم يستطيعوا أن يتركوا النيكوتين.. وأما القات فآلاف اليمنيين يتركونه بسهولة عند سفرهم ومغادرتهم بلادهم، ويعودون إليه عند عودتهم لبلادهم.

والخلاصة أن القوانين لا ضابط لها من عقل ولا شرع ولا طب ولا منطق.. وهي تقرر ما تشاء حسبما تشاء بدون مناقشة واعية.. وأما من يناقشها في بلاد المسلمين فمصيره في كثير من الأحيان السجن والتعذيب!!

تعريف المخدرات في علم العقاقير (الأقرباذين) :

يستخدم لفظ المخدرات Narcotics في العلوم الطبية ليدل على مادة الأفيون ومشتقاتها مثل الهروين والكودايين.

وتستخدم منظمة الصحة العالمية لفظ الاعتماد على العقاقير Drug Dependence أو تعبير سوء استعمال العقاقير Drug Abuse والمقصود من ذلك: الاستعمال خارج النطاق الطبي والذي يؤدي إلى الاعتماد النفسي أو كليهما معاً.

وبما أن هناك عقاقير كثيرة يعتمد عليها كثير من المرضى مثل الأنسولين لمرضى السكر والثيروكسين للمرضى الذين يعانون من قصور وظيفة الغدة الدرقية (قصور الدرق Hypothyruidism) ، أو المرضى الذين يعانون من أمراض القلب أو الضغط أو الربو والذين يحتاجون لاستخدام عقاقير معينة باستمرار.

والمقصود هاهنا بالاعتماد على العقاقير المغيرة للحالة المزاجية للإنسان، والتي تؤثر على الجهاز العصبي، والتي يؤدي تناولها إلى اعتماد الشخص عليها بسبب خاصية العقار ذاته، لا بسبب خاصية المرض الذي يوجب تكرار الجرعة الدوائية.

ص: 1370

وتقسم العقاقير المسببة للاعتماد النفسي أو الاعتماد الجسدي أو كليهما معاً إلى عدة تقسيمات:

1-

العقاقير ذات الأصول الطبيعية (النباتية) : مثل الأفيون الذي يستخرج من نبات الخشخاش، والحشيشة المستخرجة من نبات القنب الهندي، وشجرة القات التي تمضغ أوراقها ثم يمص مستحلبها، وشجرة الكوكا التي تستخدم بطريقة مشابهة للقات، وشجرة التبغ (التنباك) التي تستخدم مضغاً وسعوطاً وتدخيناً.. وهي أكثر المواد المسببة للاعتماد انتشاراً في العالم حيث تصنع شركات التبغ ما يوازي سيجارتين لكل إنسان على وجه الأرض يومياً؛ أي عشرة آلاف مليون سيجارة يومياً. ويؤدي ذلك كما تقول منظمة الصحة العالمية إلى قتل مليونين وخمسمائة ألف من سكان الأرض سنوياً.. وهو عشرة أضعاف العدد الذي قتلته القنابل الذرية التي ألقيت على نجازاكي وهيروشيما في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية 1946، وعشرة أضعاف العدد الرسمي المسجل لضحايا الإيدز في خلال سنوات (1981- 1991) ..

ويدخل في ذلك الكافيين الموجود في الشاي والقهوة.. وهو مادة منبهة تسبب اعتماداً نفسياً خفيفاً لدى بعض الناس.. والكافيين موجود أيضاً في الكاكاو والكولا.. ويدخل في هذه القائمة النباتات المهلوسة، التي بها قلويدات Alkaloids مهلوسة مثل نبات السكران (الشيكران) والداتورة والبلادونا والفطور المهلوسة مثل فطر أمانيتا وفطر البسيلوسيبي، كما يدخل فيها نبات جوزة الطيب والزعفران بالإضافة إلى العنبر وهو إفراز من أمعاء الحوت Whale.

2-

العقاقير نصف الطبيعية أو نصف المخلقة: وهذه مواد تستخرج من النباتات ولها تأثير قوي جداً على الحالة المزاجية، وعادة ما يكون تأثيرها أضعاف تأثير المواد الخام المستخرجة من النبات مباشرة، فالمورفين المستخرج من الأفيون أقوى بعشرة أضعاف في تأثيره على الجهاز العصبي من الأفيون، وأما الهروين فهو أقوى بثلاثين ضعف الأفيون الخام.

وكذلك تأثير الكوكايين والكراك المستخرج منه فإنه يبلغ أربعين إلى خمسين ضعف قوة تأثير نبات الكوكا.

ص: 1371

3-

العقاقير المخلقة: وهذه عقاقير مصنعة بالكامل من مواد كيماوية وليس لها أصل نباتي وأمكن تصنيع عقاقير لها قوة تبلغ ألف ضعف قوة الأفيون الخام، ولكنها بفضل الله لم تستخدم في تجارة المخدرات.. وأهم العقاقير في هذه المجموعة هي العقاقير المنومة مثل الباربيتورات والعقاقير المهدئة مثل الدايزيبام (الفاليوم) ومشتقاته، والعقاقير المنبهة مثل الأمفيتامين والفنتلين ومشتقاتهما العديدة.

وعادة ما يستخدم هذا التقسيم رجال مكافحة المخدرات ورجال القانون. أما الأطباء والصيادلة فيستخدمون تقسيماً آخر يختلف من مرجع إلى مرجع في التفاصيل، ولكنه يحتفظ بالإطار العام، والتقسيم التالي هو من الكتاب المرجع في علم العقاقير (الأقرباذين) جودمان وجلمان الطبعة السادسة لعام 1985 وهو كالتالي:

1-

مجموعة الأفيون ومشتقاته: وهي الوحيدة التي يطلق عليها لفظ مخدرات Narcotics.

2-

مثبطات الجهاز العصبي وتشمل الكحول والباربيتورات والبينزودايزبين

إلخ.

3-

منبهات الجهاز العصبي وتشمل الكوكايين والقات والأمفيتامين والفنتلين

إلخ.

4-

التبغ وما يحويه من مادة النيكوتين.

5-

المهلوسات: ويمثلها عقار L.S.D المستخرج من فطر الأرجوت ومادة الميسكالين والزايلوسايبين الموجودة في بعض الفطور في أمريكا اللاتينية ونبات الشيكران وجوزة الطيب والحشيش (بعض التقسيمات لا تدخل الحشيش في المهلوسات بل تجعله في قائمة مستقلة) .

6-

الغازات والمواد المستنشقة مثل غاز أول أوكسيد النتروز (الغاز المضحك) ، والغراء، ومذيب البويه، والتولوين، والأسيتون، والبنزين.

ص: 1372

التخدير في العمليات:

ويطلق اليوم لفظ التخدير في اللغة العربية والعامية على إجراء العمليات الجراحية ويسمى أحياناً البنج (بفتح الباء) ، وهو ما يعرف في الطب بفقد الإحساس aansthesia، وهو أنواع؛ حيث يقسم إلى تخدير كلي: يفقد فيه المريض وعيه وإحساسه بالألم، أو تخدير نصفي، أو تخدير موضعي بحيث لا يفقد المريض وعيه وإدراكه، بل يفقد الإحساس بالألم في المنطقة المخدرة، سواء كانت النصف السفلي من الجسم، أو موضعاً معيناً منه.

وأما اسم البنج فيرجع إلى لفظة هندية (بانجو) تعني الحشيش (نبات القنب) ، وقد أطلق هذا الاسم أيضاً على نبات الشيكران (السكران)(Hyoscyamous) ، وما فيه من مادة السكوبالامين التي تحدث نوعاً من الهلوسة، وقد استخدمها الأطباء المسلمون لإجراء العمليات الجراحية وكانوا يخلطون نبات الشيكران والحشيش والأفيون، ثم تطوروا إلى إيجاد مواد للشم تسبب نوعاً من فقدان الوعي مع عدم الإحساس بالألم.

وفي العمليات الجراحية الكبرى تستخدم مجموعة من الغازات مثل الهالوثين التي تؤدي إلى إفقاد الوعي بصورة كاملة مع إفقاد الإحساس وتوقف التنفس الطبيعي مما يستدعي إجراء التنفس بواسطة المنفسة.

وتستخدم الباربيتورات السريعة المفعول جداً في العمليات الجراحية القصيرة أو كمادة بادئة ومساعدة لإفقاد الوعي، ومن أمثلتها أثلايوبنتال (Thiopental) وميثوهيكسيتال (methohexital) .

ويستخدم التخدير الموضعي بحقن العصب أو الأعصاب المعينة بمادة من مشتقات الكوكايين مثل الليدوكايين والنوناكايين والبيرولوكايين والتتراكايين.. إلخ، ويمكن أن تستخدم أيضاً قطرات في العين، أو مرهم، أو حقنة موضعية في الجلد، أو النخاع الشوكي، أو مجموعة معينة من الأعصاب لإحداث الخدر ثم فقدان الإحساس بالكلية لمدة مؤقتة من الزمان، يعود بعدها الإحساس إلى سابق عهده.

ولا يدخل موضوع التخدير من أجل العمليات الجراحية الموضعية والعامة في موضوع الاعتماد على العقاقير إلا نادراً عندما يصبح الطبيب أو الممرضة مدمنين لشم هذه الغازات.. أما متعاطيها من المرضى فيكاد يكون من المستحيل أن يصبح مدمناً لها.

ص: 1373

ولابد قبل إنهاء التعريف الأقرباذيني من توضيح الاعتماد على العقاقير وهو نوعان:

الاعتماد النفسي: يسبب العقار لدى المتعاطي رغبة قوية في تكرار الجرعة وتعاطي العقار المعين، وقد تصل هذه الرغبة إلى درجة القهر بحيث تفرض على المتعاطي البحث عن العقار قبل البحث عن الطعام أو أي مطلب آخر.

وهذا الاعتماد النفسي قد لا يكون مصحوباً بأي اعتماد جسدي، بحيث إن الشخص لو ترك هذا العقار لا تظهر عليه أي أعراض بدنية حادة مثل الإسهال والقيء، كما يحدث لدى سحب الأفيون ومشتقاته، أو الصرع والهذيان كما يحدث في سحب الغول (الخمور) والباربيتورات والتي تسبب اعتماداً نفسياً وجسدياً.

وأشد أنواع العقاقير المسببة للاعتماد النفسي هو الكوكايين والكراك المشتق منه يليه النيكوتين الموجود في التبغ وحبوب الأمفيتامين المنبهة وجوزة الطيب والحشيش (الماريوانا، القنب الهندي، الكيف) .. يليهم القات، وفي آخر القائمة الكافيين الموجود في الشاي، والقهوة والكولا والكاكاو الموجود في الشيكولاتة.

الاعتماد الجسدي: يعتبر الاعتماد الجسدي على العقاقير ظاهرة خطيرة جداً.. وعندما يتوقف الشخص فجأة عن تعاطي العقار المسبب للاعتماد الجسدي قد يؤدي ذلك إلى أضرار صحية خطيرة، وإن لم يتم معالجتها بدقة قد يلاقي الشخص حتفه بسببها.

ص: 1374

وأهم العقاقير التي تسبب الاعتماد الجسدي بالإضافة إلى الاعتماد النفسي هي مجموعتان:

1-

الأفيون ومشتقاته: مثل الهروين والمورفين؛ وتأتي خطورة الهروين في سرعة تسبيبه للاعتماد (الإدمان) إذ تكفي ثلاث جرعات لتسبب الإدمان، على عكس المواد الأخرى التي تحتاج لتكرار الجرعة في وقت متقارب لإحداث الإدمان.. وإذا توقف شخص ما فجأة عن تعاطي الهروين أو المورفين لأي سبب كان فإن علامات سحب العقار Withdrawl Symptoms أو الامتناع Abstinence تظهر عليه.. حيث تبدأ الأعراض بالتثاؤب الشديد وانصباب اللعاب من الفم وانسكاب الدموع من المآقي، وزيادة إفرازات الأنف يصحبها عرق غزير بارد، ولا يلبث المصاب أن يدخل في مرحلة من النوم القلق المتوتر، ويصحو بشعور مرعب، ويتملكه الخوف من نوبات من الإحساس بالبرد يتناوبها إحساس بالحرارة.. وتتسع حدقة العين، وتحدث آلام شديدة في الساقين والقدمين.. ويتبع ذلك نوبات شديدة من الإسهال والقيء المتواصل حتى يفقد كثيراً من سوائل جسمه، فلا يستطيع الحراك، ويتبول ويتغوط ويقيء وهو في مكانه لا يستطيع الحركة ولا الذهاب إلى دورة المياه، فإذا لم تتم معالجته فإن نسبة من هؤلاء تلاقي حتفها في هذه الحالة الكريهة، إلا إذا حصل على حقنة أو جرعة من الهروين أو المورفين.

2-

الغول (الخمور) والباربيتورات: وتحتاج إلى فترة طويلة لإحداث الاعتماد (الإدمان) ، ولكن متى حدث الاعتماد فإن التوقف الفجائي عن العقار يؤدي إلى نوبات صرع وارتفاع في درجة الحرارة وهلوسات سمعية وبصرية وعنف، وقد يقتل المصاب من يجده بجانبه؛ لأنه يتوهم أنه يهاجمه فيدافع عن نفسه، وقد يقتل أطفاله وزوجته.. وتشتد الحالة حتى يزداد الصرع والتشنجات فيفقد وعيه وترتفع درجة حرارته جداً، ويتوفى في مثل هذه الحالة ما لم يتم علاجه أو يتناول العقار المسبب للإدمان.

ابن حجر الهيتمي يوضح مشكلة الاعتماد على العقاقير وكيفية حلها:

قال ابن عابدين في الحاشية (1) : (وقد سئل ابن حجر المكي الهيتمي عمن ابتلي بأكل نحو الأفيون وصار إن لم يأكل منه هلك؟ فأجاب: إن علم ذلك قطعاً حل له، بل وجب لاضطراره إلى بقاء روحه كالميتة للمضطر، ويجب عليه التدريج في تنقيصه شيئاً فشيئاً حتى يزول تولع المعدة به من غير أن تشعر (نتيجة لما يتركه التوقف المفاجئ للأفيون من أعراض خطيرة كالقيء والإسهال) ، فإن ترك ذلك فهو آثم فاسق، وقد وافقه على ذلك الرملي) .

(1) حاشية ابن عابدين 5/ 304- 305

ص: 1375

موقف الفقهاء القدماء من المخدرات والمفترات:

إن المرء ليعجب أشد العجب من قدرة الفقهاء القدماء على فهم خصائص العقاقير المختلفة المسببة للاعتماد والتخدير والتفتير، وبالتالي إصدار الأحكام الدقيقة، وهم في ذلك قد فاقوا الفقهاء المعاصرين، رغم أن العلوم الطبية قد توسعت وتيسرت في العصر الحاضر بما لا يقاس عليه في العصور الخوالي.

وقد جاء في فتح القدير أن عبد العزيز الترمذي قال: (سألت أبا حنيفة (النعمان) وسفيان الثوري) عن رجل شرب البنج فارتفع إلى رأسه فطلق امرأته، هل يقع؟) وقد أفتى الإمامان الجليلان بوقوع الطلاق إذا شربه عامداً.

وقال الإمام السرخسي في كتابه المبسوط (وهو من أوسع كتب الفقه الحنفي) : (البنج لا بأس أن يتداوى به الإنسان، فإذا كان يذهب عقله منه فلا ينبغي أن يفعل ذلك)(1)

وجاء في المغني لابن قدامة الحنبلي: (2)(فأما إن شرب البنج ونحوه مما يزيل عقله عالماً به متلاعباً فحكمه حكم السكران في طلاقه)

وقد نص ابن عابدين وغيره من الفقهاء على جواز استخدام نحو البنج والأفيون للأغراض الطبية، ويحرم السكر منها لأي غرض حتى ولو كان في الطبابة، كما يحرم تناولها للهو، ولو بكميات قليلة لا تغيب العقل، قال ابن عابدين:(وأما القليل فإن كان للهو فهو حرام)(3)

(1) المبسوط للسرخسي 24/ 9

(2)

المغني لابن قدامة 8/ 254

(3)

حاشية ابن عابدين 5/ 402- 405

ص: 1376

والبنح (بالفتح) نبات يسمى بالعربية الشيكران (السكران) يصدع ويسبت ويخلط العقل، وقد جاء في كتاب النباتات الطبية للدكتور فوزي طه قطب ما يلي:(السكران المصري: نبات السكران المصري الذي يطلق عليه أسماء محلية مختلفة، منها البنج المصري أو البنج الأبيض أو السكران، أو سم الفراخ، ويطلق عليه في ليبيا اسم القنقيط، والاسم العلمي لهذا النبات هو: هايوسايمس Hyoscyamous، ويتبع الفصيلة الباذنجانية Fam. Solanacae، ويستخرج منه القلويدات (Alkaloids) التالية: هيوسيامين Hyoscyamine وسكوبالامين Scopalamine وكلاهما يستخدم في الطب.. ويستخدم الهايوسيامين بصورة خاصة في أدوية المغص وأوجاع البطن وتعسر الطمث.. إلخ، ومنه الدواء المشهور بسكوبان، كما أن مادة السكوبالامين كانت تستخدم لإحداث ما يسمى نوم الشفق Twilight Sleer قبل إجراء العمليات ولإنقاص جرعة التخدير.

وهناك نباتات مشابهة جداً لنبات السكران ومن فصيلته ومنها الداتورلا Datura (يطلق عليها أحياناً اسم الطاطورة) ، والبلادونا (ست الحسن) Belladona وكلاهما يستخدم في الطب على نطاق واسع جداً.

وقد ذكر الفقهاء هذه النباتات ووصفوها وسموها بأسماء مختلفة مثل الداتورة والقبيسي (نسبة إلى جبل أبي قبيس في مكة المكرمة) ، والعريط، والجليجلة، حسب ما تعرف به في المنطقة التي تنبت فيها.

ومما يزيد الأمور تعقيداً أن لفظ البنج يطلق (كما أشرنا من قبل) أيضاً على الحشيش ولفظة البنج bhang أو bhanga لفظة هندية قديمة، وهي تعني الغبار أو حبوب اللقاح، ولا يزال اسم بانجو يطلق على الحشيشة في السودان حتى اليوم، والحشيشة هي القنب الهندي ولها عشرات الأسماء مثل الكيف والماريوانا والبانجو والجانجا، والتكروري والحشيش والجنزفوري والحقبك والدقة والجريفا والجومبا واليامبا

إلخ.

وبصورة عامة فقد أباح الفقهاء استخدام البنج (السكران، الشيكران وأمثاله) في التداوي ومنعوا استخدامه للهو، وهو موقف حكيم ومتوازن وعليم بآثار هذه العقاقير.)

ص: 1377

وقد حرم الفقهاء الأجلاء استخدام هذه العقاقير والنباتات لغير الأغراض الطبية قال الخطابي: (المفتر: كل شراب يورث الفتور والخدر، وهو مقدمة السكر، وقد ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شربه لئلا يكون ذريعة إلى السكر)) ، وذكر الحشيشة في المفتر، وقد قالت أم سلمة رضي الله عنها:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر)) ، أخرجه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده.)

وقال ابن رجب الحنبلي: (المفتر: هو كل مخدر للجسد، وإن لم ينته إلى حد الإسكار كالبنج ونحوه) .

وقد حاول الإمام القرافي في كتابه الفروق وكتابه أنوار البروق (1) أن يفرق بين المواد المختلفة التي تؤثر على العقل فقسمها إلى ثلاثة أنواع: المسكرات والمفسدات والمرقدات.

فالمسكر: ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح، وأهم أمثلتها الخمر.

والمفسد: ما غيب العقل دون الحواس؛ لا مع نشوة، كعسل البلاذر.

والمرقد: ما غيب العقل والحواس كالشيكران.

ثم قال: (وتنفرد المسكرات عن المرقدات والمفسدات بثلاثة أحكام: الحد والتنجيس، وتحريم اليسير، والمرقدات والمفسدات لا حد فيها ولا نجاسة، وإنما فيها التعزير) .

وقد تابع الحطاب في كتابه مواهب الجليل (شرح الحطاب على متن خليل) تقسيمات الإمام القرافي إلا أنه اعتبر المسكرات أربعة: (الخمر والبنج والأفيون والجوزة (أي جوزة الطيب) بينما اعتبر القرافي الحشيشة من المفسدات.

(1) أنوار البروق للقرافي 1/ 217- 218

ص: 1378

أما الإمام ابن تيمية وتابعة في ذلك الذهبي فقد اعتبر الحشيشة خمراً من ناحية الحد والنجاسة واعتبار القليل والكثير منها سواء، وكذلك اعتبرها ابن القيم والأمير الصنعاني ومن تابعهم من الفقهاء.)

قال ابن تيمية في الفتاوى: (هذه الحشيشة الصلبة حرام، سواء سكر منها أم لم يسكر، والسكر منها حرام باتفاق المسلمين، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً، لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين) .

وقال في موضع آخر من الفتاوى: (فهذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها مما تورثه هذه الملعونة من قلة الغيرة وزوال الحمية، حتى يصير آكلها إما ديوثاً، وإما مأبوناً، وإما كلاهما) .. وقال عنها في كتابه (السياسة الشرعية) : (إن الحشيشة حرام، يحد متناولها كما يحد شارب الخمر.. وهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله في الخمر المسكر لفظاً ومعنى) .

وهكذا يتضح الموقف بالنسبة للحشيشة فمن الفقهاء من أدخلها في المسكرات في جميع الأحكام (كالحد والنجاسة وحرمة قليلها وكثيرها) ، ومنهم من جعلها كالمفسد والمرقد والمفتر والمخدر وليس فيها الحد، بل التعزير، وهي طاهرة العين كالأفيون وغيره من المواد الصلبة غير المائعة.

الأفيون:

يستخرج الأفيون من ثمرة شجرة الخشخاش، وقد استخدم منذ أقدم العصور في الصين والهند ومصر القديمة واليونان.. واستخدمه الأطباء العرب والمسلمون، وقد أباح أغلب الفقهاء المسلمين استخدام الأفيون في الأغراض الطبية، ومنعوا استعماله لمجرد اللهو، واعتبروا ذلك حراماً موجباً للتعزير في الدنيا ويأثم متناوله عند الله.

وكانت بذور الخشخاش تستخدم في أرجاء العالم الإسلامي لترقيد الأطفال ولإزالة المغص، كما كان يستخدم مع الحبة السوداء في العيش (الخبز) إلى عهد قريب جداً في كثير من البلدان، ومنها مكة المكرمة، كما استخدم في أنواع المعجنات وغيرها من الكعك، ورغم ذلك فقد صنف بعض الفقهاء الأفيون وجعلوه ضمن المسكرات، ومنهم الحطاب كما قد مر معنا حيث قال في كتابه مواهب الجليل بشرح الحطاب على متن خليل:(المسكرات أربعة: الخمر والبنج والأفيون والجوزة (يقصد جوزة الطيب) ولا يقصدون بلفظ المسكر هاهنا الذي له اللذة المطربة كالخمر، بل المقصود غياب العقل.

ص: 1379

وقد تحدث ابن عابدين في الحاشية عن الأفيون ونقل ما ذكره داود الأنطاكي في تذكرته فقال: (1)

(الأفيون: هو عصارة الخشخاش يكرب ويسقط الشهوتين (أي شهوة الجماع وشهوة الطعام وهو حق) إذا تمودي عليه، ويقتل إلى درهمين (الدرهم وحدة وزن تساوي 3.2 جم) ، ومتى زاد أكله على أربعة أيام ولاءً (أي متتالية) اعتاده (أي صار مدمناً له) ، بحيث يفضي تركه إلى موته (قد يؤدي سحب الأفيون فجأة إلى الوفاة، وهو أمر نادر بالنسبة للأفيون ولكنه غير نادر بالنسبة للهيروين والمورفين المشتقة منه والأقوى منه بعشرات المرات) ؛ لأنه يخرق الأغشية خروقاً لا يسدها غيره (هكذا توهم الأقدمون بسبب ما يحدثه تركه من قيء وإسهال شديدين)

وقد سئل ابن حجر المكي الهيتمي عمن ابتلي بأكل نحو الأفيون وصار إن لم يأكل منه هلك، فأجاب بالإباحة بل بالوجوب كما تقدم معنا، ولكن لابد له من تنقيصه شيئاً فشيئاً، وهي نظرة عميقة صحيحة حيث إن مداواة المدمن تكون بتقليل الجرعة واستخدام دواء أقل تسبيباً في الإدمان.

وقد أباح أغلب الفقهاء استعمال الأفيون في التداوي بالقدر الذي لا يذهب العقل، وحرموا استخدامه للهو وجعلوا فيه التعزير.

وعدد ابن حجر الهيتمي المكي في كتابه الزواجر مضار الأفيون بعد أن ذكر مضار الحشيشة، وقد أصاب عندما قال: إن الأفيون أشد ضرراً منها. (2)

(1) حاشية ابن عابدين، 5/ 304- 305

(2)

الزواجر لابن حجر المكي الهيتمي 1/ 214- 215

ص: 1380

استخدام الأفيون ومشتقاته في الطب الحديث:

يحتوي الأفيون المستخرج من ثمرة نبات الخشخاش على مجموعة كبيرة من القلويدات Alkaloids وتشكل 25 بالمئة من وزن الأفيون، ويبلغ عددها 25 قلويداً ويستخدم بعضها في الطب، ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين:

أ- مجموعة الفينانثرين Phenanthrene:

وتحتوي على المواد التالية:

1-

المورفين: ويشكل 10 بالمئة تقريباً من وزن الأفيون الخام.. ويعتبر المورفين المادة الأساسية الفعالة في الأفيون.. ويعتبر أقوى مسكن للألم عرفه الإنسان في تاريخه الطويل مع العقاقير، ورغم اكتشاف عدة مواد كيماوية قد يكون لبعضها أضعاف آثار المورفين إلا أن المورفين لا يزال يشكل حجر الزاوية في علاج الآلام الشديدة، وتقاس فاعلية المواد الأخرى المصنعة عادة من مشتقات المورفين، بفاعلية المورفين.

2-

الكودايين: ويشكل ما بين نصف وواحد بالمئة من وزن الأفيون.. ويستخدم هذا العقار على نطاق واسع في الأدوية المسكنة المنتشرة، والتي تستخدم بدون وصفة طبية، فعلى سبيل المثال تحتوي أقراص الفيجانين على 8 مليجرامات من الكودايين في كل قرص، ويحتوي قرص الريفاكود على 10 مليجرامات وتحتوي أدوية السعال والكحة على 7 إلى 10 مليجرامات في كل ملعقة شاي من الدواء.

وكذلك يحتوي قرص ABC المسكن على 8 مليجرامات من الكودايين، ومثلها أقراص كوديس.. إلخ.

3-

الثيبايين: ويشكل نسبة ضئيلة من وزن الأفيون، ويستخرج من مواد أخرى تستخدم منه في الطب.

ب- مجموعة ايزوبنزيل كونيولين Isobenzyl Quinoline:

وهذه المجموعة لا تسبب إدماناً ولا تسكيناً للألم، وتستخرج منها بعض المواد المستخدمة في الطب وأهمها مادتان: البابافرين Papaverine الذي يستخدم لمنع تقلصات العضلات ولتوسيع الأوعية الدموية، والثاني: النوسكابين Nuscapine الذي يستخدم في أدوية السعال، وهو يعتبر أفضل من الكودايين لأنه لا يسبب الاعتماد عليه.

ص: 1381

وقد كاد الأفيون والمورفين يستخدمان على نطاق واسع جداً في المجال الطبي فعلى سبيل المثال نجد القانون المصري رقم 182 لعام 1960 يسمح باستخدام قائمة طويلة جداً من العقاقير المحتوية على الأفيون والمورفين، والتي لم يعد الطب اليوم يستعملها فيها لعدم الحاجة الحقيقية لها ولاستبدالها بعقاقير بعيدة عن تسبيب الاعتماد (الإدمان) وعلى سبيل المثال نذكر منها لبوس يودفورم مع المورفين، لصقة الأفيون، مروخ الأفيون، عجائن كاوية تحتوي على أملاح المورفين والكوكايين والزرنيخ، حبوب مضادة للإسهال تحتوي على مسحوق الأفيون وخلات الرصاص والبزموت، حبوب لأمراض القلب مكونة من مسحوق الأفيون ومسحوق أوراق الديجيتالا، حبوب الزئبق مع الأفيون، حبوب عرق الذهب مع بصل العنصل والأفيون، حبوب الرصاص مع الأفيون.. أقراص مضادة للزكام مكونة من مسحوق الأفيون وكبريتات الكينين والكافور والنشادر، أقراص مضادة للإسهال؛ مسحوق الأفيون، مسحوق عرق الذهب، كافور وخلات الرصاص.. إلخ، وتمضي القائمة الطويلة لتذكر 35 عقاراً مركباً يحتوي كل واحد منها على الأفيون أو المورفين.

وقامت الصناعة الدوائية بتصنيع الهروين (ثنائي خلات المورفين) من المورفين الذي تبلغ قوته 30- 40 ضعف قوة الأفيون الخام.. واكتشف الأطباء بعد فترة، خطورة هذه المادة في تسبيب الإدمان، وأخيراً ألغتها منظمة الصحة العالمية وكتب علم الأدوية والعقاقير من الاستخدام لخطورتها.. ولم تعد الصناعة الدوائية تصنعها وإنما تحولت صناعتها وترويجها إلى عصابات المخدرات.

ولا يزال المورفين يستخدم في الطب لمعالجة الآلام الشديدة الناتجة عن الكسور والجروح والحروق في الحوادث والحروب ولآلام جلطات القلب ولمداواة الآلام الناتجة عن السرطان، ويتحدث الكتاب المرجع في المعالجة الطبية لألستيد (1) عن استخدام المورفين في الطب الحديث فيقول:

(إذا لم يكن هناك مانع طبي مثل وجود فشل في الرئتين، أو فشل في وظائف الكبد، فإن على الطبيب أن لا يخاف من إعطاء المريض الذي يعاني من آلام مبرحة الكمية الكافية والمطلوبة لتسكين الألم من المورفين، إن التردد وعدم إعطاء الجرعات الكافية من المورفين لمريض يعاني من آلام مبرحة هو خطأ فادح يرتكبه الطبيب المعالج)

(1) Alstead and Thomson: Analgesics and Hypnotics in Alstead S: Textbook of Medical Treatment، Churchill and Livingstone، 12 edition 1971 pp440-443

ص: 1382

ويعتبر المورفين من أفضل، بل أفضل العقاقير المستخدمة لإسكات الألم، ومما يمتاز به المورفين عن غيره أنه يسكت الإحساس بالألم دون أن يؤثر على الوعي والأحاسيس الأخرى الجلدية، ولا على السمع والبصر والشم والذوق، بشرط أن يكون ذلك في حدود الجرعة الطبية، أما إذا زادت الجرعة فإن التأثير يمتد ليشمل هذه الأحاسيس المختلفة كما يشمل أيضاً درجة الوعي.

وهناك مجموعة من العقاقير المخدرة (المسكنة للألم) Narcotic مصنعة من المورفين أو الكودايين بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى ومثالها الجدول الآتي: (1)

اسم المادة قوة تسكين الألم مدة التأثير بالساعات

المورفين 100 3-4 ساعات

ليثورفان 330-500 4-5 ساعات

بنتازوسين 500 4-5 ساعات

الميثادون 100-130 3-4 ساعات

ميبريدين (بيثوين) 10 1-2 ساعة

فينوبيريدين 700-1500 1-2 ساعة

فينتانيل Fentanyl 5000-10000 1-5 ساعات

ايتورفين Etorphine 40000 سريع المفعول جداً

وتعمل هذه المواد المصنعة مثل المورفين من حيث إسكات الألم ولها نفس الأعراض الجانبية، وتسبب الإدمان إذا تعاطاها الإنسان بجرعات متتالية.

وهناك عقاقير عدة من مشتقات الكودايين وتستخدم أساساً في المسكنات الخفيفة وفي أدوية الكحة، وتختلف خصائصها الأقرباذينية التفصيلية لتلائم الحاجات المرضية والدوائية (2)

(1) Goodman and Gliman: The Pharmacological Basis of Therapeutics، Newyork، Macmillan Publishing co، 1980 pp50q.

(2)

يراجع كتاب (المخدرات الخطر الداهم) الأفيون ومشتقاته؛ للدكتور محمد علي البار، دار القلم ودار العلوم 1988 (ص 247- 264) لمزيد من التفصيل حول هذه النقاط

ص: 1383

البرش:

قال ابن عابدين في الحاشية: (1)(البرش هو شيء مركب من البنج (الشيكران) والأفيون وغيرهما، وفي تذكرة داود أنه يفسد البدن والعقل، ويسقط الشهوتين (أي الطعام والجماع) ، ويفسد اللون، وينقص القوى، وينهك البدن) .

ولذا يحرم تناوله لمجرد اللهو وفيه التعزير، ويجوز استخدامه بقدر لا يسكر في الطب لتسكين الألم أو لإجراء العملية الجراحية.

جوزة الطيب:

تنبه الفقهاء الأجلاء الأقدمون إلى الخصائص الأقرباذينية لجوزة الطيب (الجوزة، الجوزاء، جوزة بابل) Nutmeg واسمها العلمي Myristica Fragrans وتتبع الفصيلة البسباسة Fam. Myristicacae وتعتبر من نباتات المناطق الحارة، وموطنها الأصلي ماليزيا وإندونيسيا وسيلان.

وقد عرف العرب هذا النبات واستعملوا بذوره في إصلاح الطعام، وفي الأغراض الطبية، ولزيادة الرغبة والنشاط الجنسي، وهم الذين أدخلوه إلى أوربا في القرن الثاني عشر الميلادي.

ويحتوي الزيت الطيار الموجود في البذرة على مادة الميريستسين Myristicin وهي مادة مفترة وتزيد من النشاط الجنسي، أما إذا زادت الجرعة فقد تكون سماً قاتلاً بسبب تأثيرها على الكبد، وتسبب الاعتماد عليها (الإدمان) إذا تكرر استخدامها، وذكر سيدني سميث (2) عام 1965 أن جوزة الطيب بكميات كبيرة نسبياً تؤدي إلى أعراض مماثلة لتأثير الحشيش! ويقول المرجع الطبي جودمان وجلمان في علم العقاقير:(3)(إنه إذا تم استخدام جوزتي طيب دفعة واحدة فإن ذلك يؤدي إلى خدر الأطراف ونوع من الهلوسة أو عدم الشعور بحقيقة الأشياء، وكثيراً ما تحدث نوبات هياج وخوف يصحبها خفقان في القلب، مع جفاف الجلد وهي أعراض مشابهة لأعراض التسمم بالبلادونا) .

(1) حاشية ابن عابدين 5/ 304

(2)

نقلاً عن د. صادق أحمد وزملائه: بعض التأثيرات الأقرباذينية لجوزة الطيب، أبحاث المؤتمر الإقليمي السادس للمخدرات، الرياض 25-30 شوال 1394/ 9-14 نوفمبر 1974

(3)

Goodman and Gilman: The Pharmacological Basis of Therapeutics، 1980 pp 56q

ص: 1384

وقد جعلها بعض الفقهاء في المسكرات كما تقدم معنا من كلام الحطاب في كتابه مواهب الجليل بشرح الحطاب على متن خليل حيث قال: (المسكرات أربعة: الخمر والبنج والأفيون والجوزة)(1) وقال عنها: إنها مال غير متقوم.

ونص ابن عابدين في الحاشية على تحريم أكل الكثير من جوزة الطيب والعنبر والزعفران؛ لأن هذه الأشياء مسكرة، والمراد بالإسكار تغطية العقل لا مع الشدة المطربة.

وقال ابن حجر المكي الهيتمي في كتابه فتح الجواد بشرح الإرشاد: (خرج بالمسكر مزيل العقل من غير الأشربة، كالبنج (الشيكران) ، والحشيشة، والأفيون، وجوزة الطيب، فإنه وإن حرم لكن فيه التعزير فقط إذ ليس فيه شدة مطربة) . وقال ابن حجر في كتابه الزواجر:(إن ما ذكرته في الجوزة من حرمة تعاطيها هو ما أفتيت به قديماً، وأفتى ابن دقيق العيد بأن الجوزة مسكرة) .

ورغم اتفاق الفقهاء على حرمة تناول الكثير منها المسبب للإسكار أو التخدير إلا أنهم لم يتفقوا على حرمة القليل منها الذي يستخدم لإصلاح الطعام.. وقد كانت تستخدم في معظم البيوت في العالم الإسلامي لهذا الغرض، وأباح ذلك بعض الفقهاء ومنع آخرون.

(1) ليس من المقصود بلفظ المسكرات ها هنا الإسكار مع الشدة المطربة فهي من خصائص الخمر، ولكن المقصود تأثيرها على العقل وإحداث تشوش في الذهن والقدرات العقلية كالمسكر.

ص: 1385

الزعفران:

الزعفران Saffron مادة ذهبية اللون تستخرج من ميسم زهرة نبات الزعفران الحمراء المعروفة علمياً باسم Cyrocws Sativus وهي تستخدم في إصلاح الطعام، وفي الطب الشعبي، (الطب القديم) وكمادة ملونة، كما تستخدم كمخدر كما تذكره دائرة المعارف البريطانية (1)

وقد ذكر الملك المظفر يوسف بن عمر الرسولي (ملك اليمن) في كتابه (المعتمد في الأدوية المفردة) خصائص الزعفران وأنه: (يهيج الباءة، ويساعد على الهضم، ويذهب بالغازات، ويساعد على الولادة وتعسر نزول المشيمة. والزائد على الدرهم (2.3 جم) سم قاتل، وثلاثة مثاقيل تقتل بالتفريح (تسبب ما يعرف في الطب حالة جذل مرضي Euphoria) ، وهو يسكر سكراً شديداً إذا جعل في الشراب، ويفرح حتى إنه يأخذ منه مثل الجنون) .

وقد صدق في وصفه ذلك، وتؤكده المصادر الطبية الحديثة، مثل مرجع جلمان وجولدمان، ودائرة المعارف البريطانية، ودائرة المعارف المخدرات (الأمريكية) .

والعجيب أن ابن حجر المكي الهيتمي أدرك خصائصه في كتابه (الزواجر) وجعله ضمن الكبائر (الكبيرة السبعون بعد المئة) ، بعد أن ذكر الحشيشة والبنج والجوزة، ومثله العنبر، واعتبر استعمالها للهو حرام.

والغريب حقاً أن بحث رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية في بحثهم المقدم إلى المؤتمر السادس للمخدرات بالرياض (2) أنكر على ابن حجر إيراده الزعفران والعنبر ضمن المخدرات. قال: (ولكنه (أي ابن حجر) لم يوفق كل التوفيق في إيراد الزعفران بينها (أي بين المخدرات) لأن الزعفران لا يخدر) والواقع أن ابن حجر كان مصيباً ومدركاً لخصائص هذه العقاقير.

(1) دائرة المعارف البريطانية الميكروبيديا 8/764، الطبعة 15 لعام 1982.

(2)

المؤتمر السادس للمخدرات – الرياض (25 – 30 شوال 1394/9 – 14 نوفمبر 1974) : 3/171 - 230

ص: 1386

العنبر Ambergris:

وهو من أفخر أنواع الطيب كما يقول ابن القيم في الطب النبوي.. وذكر اختلاف الناس في أصله فقال طائفة: إنه نبات ينبت في قعر البحر فيبتلعه بعض دوابه، فإذا ثملت منه قذفته، وقيل: روث دابة بحرية، وقيل: ينبع من عين في البحر، وهو ما مال إليه ابن سينا في القانون.

والصحيح أنه مادة تفرزها أمعاء الحوت Whale (وهو المعروف بالعنبر، والذي وجده أبو عبيدة وأصحابه في غزاة كما ذكر البخاري في صحيحه) .. وتذكر دائرة المعارف البريطانية ودائرة معارف المخدرات العنبر Ambergris، وأنه مادة يفرزها الحوت من أمعائه فتوجد طافية على البحر في المناطق الاستوائية.. ويوجد منه في سواحل سقطرى من حين لآخر (سقطرى جزيرة جنوب المهرة وحضرموت وتتبع محافظة عدن من اليمن) .

وقد ذكر الملك المظفر الرسولي ملك اليمن العنبر في كتابه (المعتمد في الأدوية المفردة) وعرف خصائصه الأقرباذينية، وفوائده الطبية العديدة، وأنه نافع من أوجاع المعدة ومن الرياح الغليظة، ومن السدد، ومن الشقيقة والصداع والفالج (الشلل) واللقوة (شلل العصب الوجهي Facial palsy) والكزاز (التتانوس) ، فينتفعون بشمه.. (و) إن طرح منه شيء في قدح وشربه إنسان سكر سريعاً (.

وتؤكد دائرة المعارف البريطانية أن العنبر بكميات كبيرة نسبياً يسبب نوعاً من السكر وفقدان القدرات العقلية الدقيقة، ويحدث نشوة وتفريحاً (1) Euphoria.

الخلاصة:

وخلاصة القول أن أكثر الفقهاء الأقدمين قد اتفقوا على الآتي:

1-

حرمة استخدام المواد الصلبة والنباتات المؤدية إلى اختلاط العقل وتشوش الذهن، وقد أباحها كثير من الفقهاء في الدواء بالقدر الذي لا يسكر، وأن يصف ذلك طبيب مسلم، عدل، وأن لا يوجد بديل لها من العقاقير الأخرى.

(1) دائرة المعارف البريطانية الميكروبيديا: 1/295، الطبعة 15 لعام 1982.

ص: 1387

2-

أن المواد الصلبة والنباتات طاهرة العين، على خلاف السائلة فهي نجسة العين وإن اشتركا جميعاً في صفة الإسكار، ولا تبطل الصلاة بحملها.

3-

أن تناول القليل من هذه المواد المسببة لاختلاط العقل من أجل اللهو حرام وإن لم يسكر ذلك القليل.

4-

يجوز استعمال الزعفران والعنبر وجوزة الطيب بكميات ضئيلة لإصلاح الطعام.

5-

يجوز استخدام هذه المواد كلها في التداوي إذا كان القدر المستخدم غير مسكر ووصف ذلك طبيب مسلم ثقة عدل ولم يكن ثمة دواء آخر يقوم مقامها.

6-

لا يجب الحد في تناول هذه المواد للهو وإنما يجب التعزير.

7-

تعتبر مالاً متقوماً.

8-

يجوز تناول ما يزيل العقل من غير الأشربة لقطع عضو. أما الأشربة فلا يجوز إلا إن لم يجد غيرها فيجوز.

وقد مال ابن تيمية رحمه الله وتبعه آخرون إلى إفراد الحشيشة بأحكام الخمر كلها من حيث النجاسة، والحد، وحرمة القليل الذي لا يسكر، ولا يجوز استخدامها للدواء، بينما قال آخرون: إن الحشيشة طاهرة العين وفيها التعزير ولا الحد، واتفقوا على حرمة تعاطيها.

موقف الفقهاء المحدثين:

تتابعت فتاوى الفقهاء الأجلاء في العصر الحديث في تحريم المخدرات وزراعتها وتسويقها وتعاطيها. وقد جاء في فتوى مفتي الديار المصرية الشيخ جاد الحق علي جاد الحق (شيخ الأزهر حالياً) أنه لا يحل التداوي بالمحرمات إلا عند تعينها دواء وعدم وجود مباح سواها، وتستخدم بقدر الضرورة.. وهو موقف سليم. وقد مال فضيلة المفتي إلى اعتبار جميع المخدرات الجامدة وغيرها مسكرة وأعطاها حكم الخمر.. (1)

وهو حكم مختلف فيه كما سبق الإشارة إليه.. والغريب أن القوانين في البلاد الإسلامية عربية وأعجمية تبيح الخمر وتعاقب على المخدرات عقوبات تصل إلى الإعدام. وهو موقف غريب وشاذ ومصادم للعلم والطب والدين والعقل.

(1) الفتوى رقم س 105/ م248 بتاريخ 5/4/1399 الموافق 4/3/1979. الفتاوى الإسلامية، دار الإفتاء المصرية، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة 1403هـ / 1983 (ص3507) وما بعدها.

ص: 1388

وفي مسألة التداوي بالمخدرات قال فضيلة المفتي:

(وقد اختلف الفقهاء في جواز التداوي بالمحرم، والصحيح من آرائهم هو ما يلتقي مع قول الله تعالى في الآيات البينات، بملاحظة أن إباحة المحرم للضرورة مقصورة على القدر الذي يزول به الضرر، وتعود به الصحة ويتم به العلاج. وللتثبت من توافر هذه الضوابط اشترط الفقهاء الذين أباحوا التداوي بالمحرم شرطين:

أحدهما: أن يتعين التداوي بالمحرم بمعرفة طبيب مسلم خبير بمهنة الطب، معروف بالصدق والأمانة والتدين. والآخر أن لا يوجد دواء من غير المحرم ليكون التداوي بالمحرم متعيناً، ولا يكون القصد من تناوله التحايل لتعاطي المحرم، وألا يتجاوز به قدر الضرورة..) .

وفي موضع آخر من كتاب الفتاوى المسألة 1307، (1) يقول فضيلته:

1-

كل شراب من شأنه الإسكار بتعاطيه يكون خمراً محرماً بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، ولو كان تعاطيه عن طريق الحقن.

2-

يجوز للضرورة التداوي بالمحرم إذا تعين دواء بقول طبيب حاذق مسلم أمين. وانتهى إلى القول: (فإذا كان الدواء المخدر الذي تتعاطاه السيدة المسؤول عنها لا بديل له من الأدوية التي تخلو من المخدرات أو المحرمات عموماً، جاز لها أن تتناوله ما دام قد نصح الطبيب المسلم الموثوق بدينه وعلمه بنفعه لها وانعدام بديله، فقد قال سبحانه في ختام آية المحرمات: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] والله سبحانه وتعالى أعلم) .

وقد جاء في بحث رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية بعنوان (نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات) : (2) إن المخدرات حكمها حكم الخمر من حيث حرمة التعاطي قليلاً أو كثيراً، ومن وجوب الحد، والنجاسة، وعدم جواز تعاطيها للدواء!!.

(1) الفتاوى الإسلامية المسألة 1307 ج 10 ص 3581 الفتوى برقم س 115/ م128 في 22/6/1981

(2)

المؤتمر الإقليمي السادس للمخدرات، الرياض 25 – 30 شوال 1394 هـ

ص: 1389

والغريب حقاً أن كثيراً من الفقهاء يستعمل أدوية المغص وأوجاع البطن مع أنها مستخرجة من الشيكران (البنج) ، ويستخدمون الأدوية المسكنة حتى بدون وصفة طبية مثل الريفوكود والـ APC والفيجانين وغيرها، وكلها تحتوي على الكودايين وهو من مشتقات الأفيون، ويستخدمون الأدوية المهدئة وغيرها وهي تدخل في قوائم المخدرات الرسمية.. ويستخدمون في طعامهم الزعفران، وبعضهم يستخدم جوزة الطيب أو العنبر وهو من أفخر الطيب ويدخل في تركيبها مع المسك. والزعفران والعنبر وجوزة الطيب كلها تدخل ضمن المواد المخدرة والمغيرة للحالة العقلية.. وتحريمها على الإطلاق أمر ينافي العقل وأغراض الطب والشرع.

ولا شك أنها تحرم عندما تستخدم بالقدر المسكر ولأغراض اللهو. أما إذا استخدمت للتداوي أو لإصلاح الطعام أو في الطيب فإنها لا تحرم، وهي ليست نجسة العين، بل هي من الجامدات الطاهرة.. وهل يتصور إنسان أن يقول: إن العنبر والزعفران وجوزة الطيب، ومئات الأنواع من العقاقير المستخرجة من الشيكران والبلادونا والداتورة ومن الأفيون وغيره من المواد المصنعة أنها جميعاً نجسة العين!! ولا شك أنها جميعاً طاهرة العين، وإن استخدامها في الأغراض الطبية أو في الطيب أو في إصلاح الطعام لا حرمة فيه.. وإنما يحرم منها ما يسكر، وإذا استخدمت لأغراض اللهو.

وهذه المواد ليست سواء؛ فمنها ما هو مسبب للاعتماد (الإدمان) بسرعة، مثل الهيروين والمورفين والكوكايين.. واستخدامها في المجال الطبي محدود بالمورفين في حالات خاصة، ولهذا توجد رقابة شديدة في استخدامه، وما عدا ذلك فيمنع استعمالها في المجال الطبي أو غيره.

وهناك مواد لا تسبب الاعتماد إلا نادراً، ولا تسبب الإسكار إلا بجرعات كبيرة تفوق بكثير المقدار الطبي، وهي تستخدم يومياً في العقاقير الطبية، وهذه لا شك في حرمة القدر المسكر منها.. أما غير المسكر والمأمون العاقبة فلا يبدو ما يبرر تحريمه ولا الحكم عليه بالنجاسة، وهو من المواد الصلبة غير السائلة.

ص: 1390

حكم التداوي بالدم وما شابهه من النجاسات

لا جدال في نجاسة الدم المسفوح وحرمة استخدامه، قال تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 115] . وقال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145] .

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة الدم من الثوب قبل أن يصلى فيه، وهو دليل على نجاسته. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المحرم هو الدم المسفوح، ويستثنى من ذلك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو طاهر لخصوصيته صلى الله عليه وسلم. وقد شرب عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما دمه عندما أعطاه إياه بعد أن احتجم ليدفنه، وقد فعل ذلك تبركاً وتيمناً، وقد أخبر النبي أنه لا يمسه النار لدخول دم النبي صلى الله عليه وسلم جوفه.

وذهب ابن حزم إلى أن الدم نجس ومحرم مطلقاً، سواء كان مسفوحاً أو غير مسفوح. (1) وقال القرطبي:(اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس لا يؤكل ولا ينتفع به) . (2)

وقد أباح الفقهاء المعاصرون نقل الدم في فتاواهم العديدة، الفردية والجماعية، وهي عشرات بل مئات الفتاوى منذ الخمسينات من القرن العشرين باعتبار ذلك ضرورة وإنقاذاً للأنفس من الهلاك. وقد أباح الله سبحانه وتعالى للمضطر أكل الميتة في المخمصة. وتنزل الحاجة منزلة الضرورة لشفاء مرض لا يؤدي حتماً إلى الهلاك والموت، فيباح من أجل ذلك.

(1) المحلى لابن حزم: 1/129، 130، 182، 183

(2)

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 2/222

ص: 1391

دواعي نقل الدم:

يعتبر الدم بكل المقاييس عضواً من أعضاء الجسم، وإن كان عضواً سائلاً دائم الدوران في الجسم الحي. وقد جعله بعض الفقهاء القدماء موازياً للروح والنفس، حيث قالوا عن الحشرات: إنها لا تنجس الماء أو غيره، وعبروا عن ذلك بقولهم:(ما لا نفس له سائلة) أي ما ليس له دم.

والأغراض التي يتم من أجلها نقل الدم هي:

1-

حالات النزف الداخلي أو الخارجي أو كليهما معاً.

2-

حالات الحروق حيث يفقد الجسم البلازما من الجلد المحروق.

3-

العمليات الجراحية.

4-

أنواع فقر الدم المختلفة وبالأخص الأنيمياء الانحلالية.

5-

نقص صفائح الدم وعناصر التجلط الأخرى: وفي هذه الحالات يتم نقل الصفائح فقط أو العناصر المفقودة من الدم مثل عامل 8 (مرض الناعور أو الهيموفيليا) .

6-

حالات الفشل الكلوي التي تستدعي الديلزة (الغسيل الكلوي) حيث يتم وضع كمية من الدم في الآلة أولاً.

وهناك شروط طبية عديدة لنقل الدم، أهمها خلو الدم المنقول من الفيروسات والبكتريا والطفيليات الممرضة، وأن يكون مطابقاً لفصيلة دم الشخص المتلقي الدم. كما أن هناك شروطاً طبية عديدة للمتبرع وللمتلقي لا مجال لسردها هاهنا.

ويمكن نقل الدم كاملاً، أو جزء منه مثل البلازما، أو خلايا الدم الحمراء، أو خلايا الدم البيضاء، أو الصفائح، أو بعض عناصر الدم مثل عامل ثمانية، أو نقل الدم المتبادل، ويستخدم هذا الأخير في المواليد أو الأجنة أو حالات التسمم. كما يمكن استخدام الأمصال المستخرجة من الدم لمداواة بعض الأمراض الفيروسية أو البكتيرية المعدية، مثل الدفتريا والكزاز (التتانوس) والحصبة

إلخ.

وقد أباح الفقهاء الأجلاء منذ زمن قديم شرب البول والدم للتداوي من مرض مخوف، ولا إشكال في إباحة شرب البول، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم من عكل وعرينة بشرب أبوال الإبل وألبانها عندما اجتووا المدينة وكبرت بطونهم وامتلأت بالاستسقاء، فصحوا، ثم قتلوا الراعي واستاقوا الإبل، فعاقبهم الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قبض عليهم أشد عقوبة، فقطع أيديهم وأرجلهم وتركهم يموتون صبراً.

ص: 1392

جاء في الكفاية شرح الهداية: (يجوز للعليل شرب البول والدم والميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن فيه شفاء، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه، وإن قال الطبيب: يتعجل شفاؤك؛ فيه وجهان (1) أي الإباحة وعدمها. وقد جاء في حاشية ابن عابدين مثله. (2)

وقد جاء في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (مفتي المملكة العربية السعودية السابق) ما يلي: (وجه الدلالة من هذه الآيات (آيات الضرورة) أنها أفادت إذا توقف شفاء المريض أو الجريح وإنقاذ حياته على نقل الدم إليه من آخر بأن لا يوجد من المباح ما يقوم مقامه في شفائه وإنقاذ حياته، جاز نقل هذا الدم إليه) . (3)

وعملية نقل الدم تدخل من باب الضرورة وإغاثة الملهوف وشفاء المريض. ثم إن الدم لا يعتبر مسفوحاً؛ لأنه يحفظ ويعاد إلى الجسم ليجول في العروق كما يجول الدم الطبيعي.. وعلى هذا فلا يعتبر مسفوحاً ولا نجساً؛ وحتى لو قيل بنجاسته، فإن الفقهاء قد أباحوا استخدام النجاسات في التداوي متى تعين ذلك.

(ولا فرق بين دم المسلم ودم الكافر في أصل مشروعية الانتفاع وإباحة النقل عند الحاجة؛ لأنه إذا أبيح زواج المسلم بالكتابية وتكون الأولاد من هذا الزواج بدمائها، فإباحة نقل الدم من باب الأولى حيث إنه مجرد إسعاف لا يتكون منه أصل الجسد)(4)

وقد أباح كل من تعرض للفتوى في هذه القضية نقل الدم حتى أولئك المعارضين لنقل الأعضاء، ومن هؤلاء السيد أبو الأعلى المودودي الذي قال:(يجوز –عندي- نقل الدم للمريض إنقاذاً لحياته ولا وجه لتحريمه ومنعه)(5) .. وكذلك أفتى مجلس البحث العلمي والإفتاء للقضايا المعاصرة بباكستان بجواز نقل الدم مع معارضتهم لنقل الأعضاء. وكذلك فعل الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي أباح نقل الدم ومنع نقل الأعضاء.!!

(1) الكفاية شرح الهداية على هامش فتح القدير 8/501

(2)

الحاشية لابن عابدين 5/228

(3)

فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 3/174، 175

(4)

الانتفاع بأجزاء الآدمي في الفقه الإسلامي، للشيخ عصمت الله عناية الله، رسالة ماجستير من كلية الشريعة، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1408 (ص 188)

(5)

ترجمان القرآن (يناير 1962) ورسائل ومسائل: 3/292 – 295، الطبعة الثامنة 1979

ص: 1393

ومن الفتاوى العديدة التي صدرت بإباحة نقل الدم فتوى الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية، وهي من أوائل الفتاوى في هذا الباب حيث صدرت سنة 1950م.

وفتوى الشيخ حسن مأمون (مفتي الديار المصرية) برقم 1065 وتاريخ 2/12/1378 هـ الموافق 9 يوليه 1959، وفتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية برقم 65 وتاريخ 7/2/1399هـ، وفتوى لجنة الإفتاء بالمملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 20/5/1397هـ وفتوى لجنة الإفتاء الجزائرية بتاريخ 6/3/1392هـ وفتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي. وقد جاء في الفتوى الصادرة في 13/7/1409 تحريم بيع الدم، وأن نقل الدم من امرأة إلى طفل دون الحولين لا يأخذه حكم الرضاع المحرم.. وهو أمر اتفقت عليه الفتاوى الصادرة في هذا الشأن.. وصدرت عشرات، بل مئات الفتاوى الجماعية والفردية والكتب والمقالات التي تبيح نقل الدم إذا تعين ذلك لإنقاذ حياة أو لشفاء مرض. وأن ذلك يجب أن يكون من قبيل التبرع لا المعاوضة والبيع.. وأن المضطر للشراء لا لوم عليه ولا تثريب إن لم يجد وسيلة أخرى لذلك. وأن تتبع الشروط الطبية لنقل الدم للتوقي من نقل الأمراض، ومن حدوث تفاعلات خطيرة. وقد جاء في فتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة (13 – 20 رجب 1409هـ) ما يلي:

(أما حكم أخذ العوض عن الدم، وبعبارة أخرى: بيع الدم؛ فقد رأى المجلس أنه لا يجوز لأنه من المحرمات المنصوص عليها في القرآن الكريم مع الميتة ولحم الخنزير، فلا يجوز بيعه وأخذ عوض عنه. وقد صح في الحديث: ((إن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه)) ، كما صح أنه نهى عن بيع الدم. ويستثنى من ذلك حالات الضرورة إليه للأغراض الطبية، ولا يوجد من يتبرع إلا بعوض، فإن الضرورات تبيح المحظورات، بقدر ما ترفع الضرورة. وعندئذ يحل للمشتري دفع العوض، ويكون الإثم على الآخذ. ولا مانع من إعطاء المال على سبيل الهبة أو المكافأة تشجيعاً على القيام بهذا العمل الإنساني الخيري لأنه يكون من باب التبرعات، لا من باب المعاوضات) .

ص: 1394

زرع الأعضاء:

إن زرع (غرس) الأعضاء قد أثار اهتمام الجمهور والفقهاء في العصر الحديث ودرسوه دراسة واسعة، وأصدروا فيه الفتاوى العديدة، الفردية والجماعية، واستقر رأي الغالبية منهم على إباحته بشروط. وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الموقر فيه عدة قرارات. وبدأها بموضوع أجهزة الإنعاش وموت الدماغ (القرار رقم 5د/3/07/86) في دورته الثالثة المنعقدة بعمان – الأردن (8 – 13 صفر 1407 هـ / - 16 أكتوبر 1986) حيث اعتبر موت الدماغ موازياً لموت القلب وتوقف الدورة الدموية، وفتح بذلك الباب لنقل الأعضاء من المتوفين دماغياً، وذلك ما يَسَّرَ أخذ الأعضاء مثل الكلى والقلب والرئتين والبنكرياس والكبد من المتوفين دماغياً، بعد أخذ موافقة أوليائهم أو موافقتهم أثناء حياتهم على ذلك.. وبما أن هذه الأعضاء والأحشاء الداخلية لا تبقى حية إلا دقائق معدودة بعد توقف القلب والدورة الدموية، فإنه لا يمكن الاستفادة منها بعد توقف القلب وزرعها في إنسان آخر محتاج إليها.. ولذا كان لا بد من أن تؤخذ من شخص توفي دماغياً. وأما الأعضاء الأخرى مثل العظام والجلد والقرنية فإنها يمكن أن تبقى حية بعد توقف القلب والدورة الدموية لمدة 12 – 24 ساعة، وبالتالي يمكن أن تؤخذ من شخص توفي بسبب توقف قلبه ودورته الدموية.

ثم بحث المجمع الفقهي الموقر موضوع زرع الأعضاء في دورته الرابعة وأصدر فيه القرار رقم (1) د4/08/88 (18 – 23 جمادى الآخرة 1408هـ / 6 – 11 فبراير 1988 بجدة) ، وأباح فيه نقل الأعضاء الذاتي أي من الشخص ذاته من مكان إلى موضع آخر في جسده، ونقل الأعضاء من الأحياء المتبرعين وشروطه، ونقل الأعضاء من الموتى وشروطه.. وأجل بحث النقل من الأجنة.. ومنع بيع الأعضاء بأي شكل من الأشكال.

ص: 1395

وفي الدورة السادسة للمجمع الفقهي الموقر بحث مواضيع أخرى متعلقة بزرع الأعضاء والتي لم تبحث في الدورات السابقة؛ مثل زراعة خلايا بالمخ والجهاز العصبي والبيضات الملقحة الزائدة عن الحاجة واستخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء وزراعة الأعضاء التناسلية وزراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص، وأصدر فيه قراراته رقم 56/5/6 و57/5/6 و58/5/6 و59/5/6 و60/5/6 الصادرة في الدورة السادسة المنعقدة في جدة (17 – 23 شعبان 1410 هـ / 14 – 20 مارس 1990م) ، وكذلك قام المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بدراسة موضوع زراعة الأعضاء في دورته الثامنة المنعقدة في مكة المكرمة (28 ربيع الآخر – 7 جمادى الأولى 1405هـ / 19 – 28 يناير 1985م) وأصدر فيه قراره الذي أباح فيه زرع الأعضاء بفروعه المختلفة بشروطه المعتبرة، كما أباح بطريق الأولوية أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقاً، أو غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه.

وقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية أيضاً فتوى بإباحة زرع الأعضاء بشروطها في القرار رقم 99 بتاريخ 16/11/1402هـ.

وقد أصدر عدد كبير من الذين تولوا منصب مفتي الديار المصرية فتاوى متعددة في زرع القرنية، وزرع الجلد وزرع الأعضاء ابتداء من الشيخ حسنين مخلوف (1950) إلى فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق (5 ديسمبر 1979) الفتوى رقم س13/م274 في 15 محرم 1400هـ مروراً بفتوى الشيخ حسن مأمون (زرع قرنية العين ونقل الدم) الفتوى رقم 88/ م 249 في 3/12/1378هـ الموافق 9/6/1959 وفتوى الشيخ محمد خاطر رقم س 105/م173 في 3/12/1392هـ الموافق 3/2/1973.

وأصدرت لجنة الإفتاء التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر فتوى بإباحة نقل الدم وزرع الأعضاء بتاريخ 6 ربيع الأول 1392 الموافق 20 أبريل 1972.

وكذلك أباحها المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد بماليزيا في أبريل 1969. ومثلها لجنة الإفتاء بالمملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 20/5/1397هـ الموافق 18/5/1977. والفتاوى في هذا الباب كثيرة جداً.

ص: 1396

وقد أباح الفقهاء الأجلاء منذ أزمنة متطاولة أن يصل الإنسان العظم المكسور الذي لا ينجبر إلا بنجس لفقد طاهر. قال الإمام النووي في منهاج الطالبين: (ولو وصل عظمه بنجس لفقد طاهر فمعذور، وإلا وجب نزعه إن لم يخف ضرراً ظاهراً، قيل: وإن خاف، فإن مات لم ينزع على الصحيح)(1) وقال الخطيب الشربيني في شرحه لكلام النووي: (وظاهر هذا أنه لا فرق بين الآدمي المحترم وغيره، وهو كذلك. (ولو وصل عظمه) لانكساره مثلاً واحتياجه إلى الوصل (بنجس لفقد طاهر) الصالح للوصل، أو وجده وقال أهل الخبرة: إنه لا ينفع، ووصله بنجس (فمعذور) في ذلك تصح صلاته معه للضرورة.

وقال عبد الحميد الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج شرح المنهاج: (يجوز للذكر الوصل بعظم الأنثى وعكسه

وينبغي أن لا ينقض وضوءه ووضوء غيره به، وإن كان طاهراً ولم تحله الحياة؛ لأن العضو المبان لا ينقض الوضوء بمسه إلا إذا كان من الفرج أو أطلق عليه اسمه) . (2) وقد أورد كلاماً قريباً منه الإمام النووي في المجموع (3) وكذلك في الفتاوى الهندية. (4)

ولا شك أن الفقهاء لم يبيحوا أخذ العظام من أجسام الأحياء لوصلها فيمن كسر عظمه ولم ينجبر إلا بوصله بعظم آخر؛ لأن الضرر لا يزال بمثله، ولا بما هو أشد منه، فتبين من ذلك أنهم أباحوا الوصل بعظام الحيوانات المذكاة، فإن لم يجد فبعظام الميتة من الحيوان والإنسان. وإن تعين عظم الخنزير لقول خبير جاز ذلك. قال القاضي القزويني في عجائب المخلوقات:(إن من خواص عظم الخنزير أنه يوصل بعظم الإنسان، ويلتئم سريعاً من غير اعوجاج)(5)

(1) مغني المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني 1/190 - 192

(2)

تحفة المحتاج لألفاظ المنهاج 2/125 - 128

(3)

المجموع للنووي 3/138

(4)

الفتاوى الهندية 5/254

(5)

عجائب المخلوقات للقزويني، الطبعة الثالثة (ص422)

ص: 1397

وهكذا أباح الفقهاء الأجلاء منذ قرون متطاولة بعض أنواع زرع الأعضاء من الموتى أو من الحيوانات المذكاة أو من غيرها إذا تعين ولو كان من خنزير.

ولن ندخل هاهنا في مناقشة تفصيلية لموضوع زرع الأعضاء فقد تكفلت به المجامع الفقهية.. ولا شك أنه من المحرمات التي أبيحت للضرورة، وقد تنزل الحاجة بمنزلة الضرورة.. ولا داعي للخوض في ميتة الإنسان وهل هي نجسة أم طاهرة والخلاف بين الفقهاء فيها معروف.. ولا شك في حرمة الإنسان حياً وميتاً.. واستخدام أعضائه لا يجوز إلا بشروط كثيرة أوضحتها الفتاوى العديدة الصادرة من المجامع الفقهية ومن دور الإفتاء ولا حاجة لإعادتها هاهنا.. كما أن الفقهاء الأجلاء أباحوا الأخذ من الحيوانات مذكاة أو غير مذكاة إن تعين، من باب الأولى، ولو كانت من نجس نجاسة مغلظة مثل الخنزير..

وهذا كله يوضح مدى اتساع الفقه الإسلامي وشموله ليحل مشكلات كل زمان ومكان. وهو فضل من الله كبير بهذه الشريعة الغراء التي لا مندوحة للمسلم إلا بالالتزام بها في الصغير والكبير، والأخذ بما يفتي به أهل العلم والفتوى وأجرهم على الله.

التداوي بالخنزير:

لقد نزلت أربع آيات كريمات في كتاب الله سبحانه وتعالى تحرم الخنزير وأنواعاً من المطاعم الأخرى، قال تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] .

وقال سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] .

وقال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145] .

وقال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 115] .

ص: 1398

قال الإمام القرطبي: (1)(قوله تعالى: {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} خص الله تعالى ذكر اللحم من الخنزير ليدل على تحريم عينه ذكي أم لم يذك، وليعم الشحم وما هنالك من الغضاريف وغيرها. وقد أجمعت الأمة على تحريم شحم الخنزير لأن اللحم مع الشحم يقع عليه اسم اللحم.. وقد حرم الله تعالى لحم الخنزير فناب ذكر لحمه عن شحمه لأنه دخل تحت اسم اللحم) .

(ولا خلاف أن جملة الخنزير محرمة إلا الشعر فإنه يجوز الخرازة به، وقد روي أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخرازة بشعر الخنزير فقال: لا بأس بذلك، ذكره ابن خويز منداد

وما أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كابتداء الشرع) .

وجاء في تفسير الخازن: (2)(وأما الخنزير فإنه أراد بلحمه جميع أجزائه، وإنما خص اللحم بالذكر؛ لأنه المقصود لذاته بالأكل، وقد أجمعت الأمة على أن الخنزير بجميع أجزائه محرم، وإنما ذكر الله تعالى لحمه لأن معظم الانتفاع متعلق به، ثم اختلفوا في نجاسته فقال جمهور العلماء: إنه نجس، وقال مالك: إنه طاهر، وكذا كل حيوان عنده لأن علة الطهارة هي الحياة فإذا مات صار نجساً) .

(وللشافعي قولان في ولوغ الخنزير: الجديد أنه كالكلب (أي يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب) والقديم يكفي في ولوغه غسلة واحدة) .

وقد أباح الإمام مالك وأبو حنيفة ومحمد والأوزاعي أن يخاط بشعر الخنزير، ومنعه الإمام الشافعي وابن حزم (3)

واختلف الفقهاء في جلد الخنزير، وذهب الشافعي إلى أن الدباغ يطهر جميع أنواع الجلود ما يؤكل منه وما لا يؤكل ما عدا الكلب والخنزير، ومذهب أبي حنيفة استثناء الخنزير فقط، ويرى الإمام أحمد أن جلود الميتة كلها لا تطهر بالدباغ وكذا الخنزير.. ومذهب داود الظاهري وابن حزم طهارة جميع الجلود بالدباغ بما في ذلك الكلب والخنزير.

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 2/233 تفسير سورة البقرة آية (173)

(2)

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن تفسير سورة البقرة آية (173)

(3)

الذبائح في الشريعة الإسلامية للعبادي (ص 153)

ص: 1399

قال ابن حزم في المحلى: (1)(وأما الخنزير فإن الله تعالى قال: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} والضمير في لغة العرب التي نزل بها القرآن راجع إلى أقرب مذكور (أي الخنزير) ، فصح بالقرآن أن الخنزير بعينه رجس، فهو كله رجس، وبعض الرجس رجس، والرجس حرام واجب اجتنابه، كله حرام لا يخرج من ذلك شعره ولا غيره حاشا ما أخرجه النص من الجلد إذا دبغ فحل استعماله)

وقال في موضع آخر: (لا يحل أكل شيء من الخنزير لا لحمه ولا شحمه ولا جلده ولا عصبه ولا غضروفه ولا حشوته ولا مخه ولا عظامه ولا رأسه ولا أطرافه ولا لبنه ولا شعره. الذكر والأنثى، والكبير والصغير سواء، ولا يحل الانتفاع بشعره لا في خرز ولا في غيره)(2)

وقد وهم من قال: إن الظاهرية لا يحرمون شحم الخنزير ومنه الألوسي في تفسيره، والدكتور عبد الله العبادي في كتابه الذبائح في الشريعة الإسلامية. وها هو ابن حزم ينفي ذلك بقوة وحزم.

أحكام المضطر:

قد أباح الله تعالى في الآيات الأربع السالفة أكل لحم الخنزير والميتة والدم لمن اضطر لذلك، قال تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] .

واختلف العلماء في وجوب الأكل؟ وهل يجوز له أن يشبع؟ وحد الضرورة والتزود من الميتة أو الخنزير.. إلخ، وليس هذا موضع تحرير هذا الخلاف.. ونكتفي هاهنا باختصار ما جاء في المجموع للإمام النووي (3) حيث قال:

1-

أجمعت الأمة على أن المضطر إذا لم يجد طاهراً يجوز له أكل النجاسات كالميتة والدم ولحم الخنزير، وفي وجوب هذا الأكل وجهان ذكرهما المصنف (أي الشيرازي في المهذب) بدليلهما، في أصحهما يجب.

(1) المحلى لابن حزم: 7/ 390

(2)

المحلى لابن حزم 7/388 طبعة دار الفكر، بيروت.

(3)

المجموع للنووي 9/32 وما بعدها.

ص: 1400

2-

في حد الضرورة: لا خلاف أن الجوع القوي لا يكفي لتناول الميتة ونحوها، قالوا: ولا خلاف أنه لا يجب الامتناع إلى الإشراف على الهلاك.. واتفقوا على جواز الأكل إذا خاف على نفسه لو لم يأكل من جوع أو ضعف عن المشي أو عن الركوب، وينقطع عن رفقته ويضيع، ونحو ذلك

فلو خاف من حدوث مرض مخوف في جسمه فهو كخوف الموت. وإن خاف طول المرض فكذلك في أصح الوجهين (أي يجوز) .

وهذه النقطة هامة في موضوعنا؛ لأنها تبيح استخدام الخنزير في التداوي إذا تعين ذلك بوصف طبيب ثقة عدل. كما يجوز لتعجيل الشفاء.

3-

يباح للمضطر أن يأكل من الميتة ما يسد الرمق بلا خلاف، ولا يباح له الزيادة على الشبع بلا خلاف.. وفي حل الشبع قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما.

4-

يجوز له التزود من الميتة إن لم يرج الوصول إلى طاهر، فإن رجاه فوجهان: أحدهما يجوز وبه قطع البغوي وغيره، والثاني لا يجوز، وأصحهما يجوز وبه قطع القفال وغيره. وزاد القفال: يجوز حمل الميتة من غير ضرورة ما لم يتلوث بها.

5-

المحرم الذي يحتاج المضطر إلى تناوله ضربان: مسكر وغيره.. (قد تقدم ذكر المسكر) . وأما غير المسكر فيباح جميعه ما لم يكن فيه إتلاف معصوم، فيجوز للمضطر أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب البول وغير ذلك من النجاسات.

التداوي بالنجاسات:

قال الإمام النووي في المجموع: (1)

(مذهبنا جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر. وقال أحمد: لا يجوز لحديث: ((إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) وحديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أنزل الداء وأنزل الدواء. وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام)) رواه أبو داود. وحديث أبي هريرة قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث)) رواه أبو داود.

(1) المجموع للنووي 9/44 - 45

ص: 1401

(ودليلنا (أي الشافعية) حديث العرنيين (الذين أمرهم الرسول بشرب ألبان الإبل وأبوالها وقد أصابهم الجوى وهو نوع من استسقاء البطن) وهو في الصحيحين، وهو محمول على شربهم الأبوال للتداوي كما هو ظاهر الحديث) . (1)

وحديث: ((لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) محمول على عدم الحاجة بأن يكون هناك ما يغني عنه ويقوم مقامه من الأدوية الطاهرة. وكذا الجواب عن الحديثين الآخرين.

وقال البيهقي: هذان الحديثان إن صحا حملا على النهي من التداوي بالمسكر، وعلى التداوي بالحرام من غير ضرورة للجمع بينهما وبين حديث العرنيين والله تعالى أعلم. وقال البيهقي: قال الشافعي: لا يجوز أكل الترياق (وهو الدواء المعجون به مادة أخرى سامة) المعمول بلحم الحيات إلا أن يكون في حال الضرورة حيث تجوز الميتة) . هذا لفظه.

(واحتج البيهقي بحديث ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((: ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقاً أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي)) رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف. ومعناه أن هذه الثلاثة سواء في كونها مذمومة.

وقال النووي في موضع آخر من المجموع: (2)

(وأما التداوي بالنجاسات غير الخمر فهو جائز في جميع النجاسات غير المسكر. هذا هو المذهب، والمنصوص به، وقطع به الجمهور. قال أصحابنا: إنما يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها، فإن وجد حرمت النجاسات بلا خلاف وعليه يحمل حديث: ((إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) ، فهو حرام عند وجود غيره، وليس حراماً إذا لم يجد غيره. قال أصحابنا: وإنما يجوز ذلك إذا كان المتداوي عارفاً بالطب يعرف أنه لا يقوم غير هذا مقامه، أو أخبره بذلك طبيب مسلم عدل، ويكفي طبيب واحد، صرح به البغوي وغيره. فلو قال الطبيب: يتعجل لك به الشفاء، وإن تركته تأخر، ففي إباحته وجهان: حكاهما البغوي، ولم يرجح واحداً منهما) .

(1) ما بين القوسين من تعليقي لا من كلام النووي

(2)

المجموع للنووي 9/42

ص: 1402

وواضح أنه لا بد لإباحة التداوي بالنجاسات (ما عدا الخمر) من توفر الشروط التالية:

1-

أن لا يوجد دواء آخر بديل يقوم مقامه.

2-

أن يصفه طبيب مسلم عدل.

3-

أن يتعين ذلك دواء. فإن كان يعجل الشفاء ففيه وجهان: أحدهما جواز ذلك والآخر منعه.

التداوي بالخنزير في الطب القديم:

من الغريب حقاً أن نجد أن القدماء من الأطباء أسرفوا في استخدام الخنزير في التداوي، وقد جاء في عجائب المخلوقات للقزويني (1)(وهو رجل قد تولى القضاء في واسط والحلة أيام المستعصم بالله العباسي، وينتسب إلى الصحابي الجليل أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه استخدامات غريبة وكثيرة باطلة للخنزير ولا يصح منها إلا أقل القليل. ومما جاء فيه: (إن استصحاب ناب الخنزير يبقي الإنسان مكرماً عند الناس ويأمن العين.. ويترك الناب في الدهن أسبوعاً، ثم يدهن به الرأس فإنه يطول الشعر ويؤخر الشيب) !!

(مرارة الخنزير: تجفف وتجعل على البواسير. ويسقى منها صاحب الصرع مع شيء من البول العتيق فيزول صرعه) !!

(لحم الخنزير: أطيب لحم الحيوان نافع من لسع الهوام) !!

(شحم الخنزير: ينضج الدماميل الصلبة ويخرج وسخها، ويطلى بشحمه الطري البواسير فينفعها نفعاً بيناً!! وأما عظمه فيوصل بعظم الإنسان في الكسور فيلتئم ويستقيم من غير اعوجاج وليس لشيء من عظام الحيوان هذه الخاصية. ويسحق العظم ويحشى به الناصور فيبرأ. وأما جلد الخنزير فيترك في البيت فتهرب منه البق. وأما كعب الخنزير فيحرق ويسحق رماده ويسقى للقولنج والمغص المزمن فيزيلهما. ونقل ذلك عن ابن سينا وقال نقلاً عنه: إذا طلي به البرص نفعه) !!

(1) عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات لزكريا القزويني، دار الآفاق الجديدة، بيروت ص 421 - 423

ص: 1403

(وأما بول الخنزير فيخلط بالنبيذ ويفتت حجر المثانة!! وأما زبله فيسمد به شجر التفاح، وإذا حملت المرأة زبالة الخنزير وروثه فإن ذلك يدفع عنها أذى النفاس!!)

وهو كلام مليء بالأوهام والخرافات التي نقلها عن الأطباء السريان وغيرهم.

استخدام الخنزير في الطب الحديث:

يستخدم الأوربيون وغيرهم الخنزير في أغراض التداوي لرخص الخنزير وتوفر شحمه ولحمه. وتذكر دائرة المعارف البريطانية (1) أن زيت اللارد (دهن الخنزير) يستخدم في تغذية المضادات الحيوية Antibiotics التي تستخرج من أنواع من الفطور fungi وفي الكبسولات التي تحتوي على المضادات حيث يستخدم الجيلاتين من جلد وعظام وغضاريف الخنزير.

وكان الأنسولين يستخرج من الخنزير ومن الأبقار ولا يزال. وهناك بعض الأشخاص الذين لا يتحملون الأنسولين البقري ويحدث لهم حساسية.. وفي هذه الحالة كانوا يحولون إلى الأنسولين الخنزيري. أما الآن فقد تم تصنيع أنسولين إنساني كيميائيا، وبواسطة هندسة الجينات، وبالتالي لم تعد هناك حاجة للأنسولين الخنزيري، واختفى نتيجة ذلك من الأسواق. وإن كان الأنسولين الإنساني أغلى ثمناً من مثيله الحيواني.

وكان الأطباء يستبدلون الصمامات التالفة بصمامات معدنية أو حيوانية..

والحيوانية كانت تعتبر أفضل من المعدنية. ولذا استخدمت صمامات القلب من الأبقار والخنازير، ولكن مع التقدم السريع في جراحة القلب أمكن إصلاح العطب لهذه الصمامات بدون الحاجة إلى الاستبدال إلا فيما ندر. وما ندر يمكن استبداله بالصمامات المصنوعة من المواد الصناعية دون الحاجة للحيوانات.

(1) دائرة المعارف البريطانية الميكروبيديا 6/48 الطبعة 15 لعام 1982

ص: 1404

ولا تزال شركات الأدوية تستخدم الخنزير في تصنيع المواد الهاضمة وفي استخراج بعض الهرمونات، وفي تنمية المضادات الحيوية، وفي تصنيع الكبسولات.. وهي أمور يمكن تفاديها إذا قامت صناعة دوائية في البلاد الإسلامية لإمكان استخدام البديل من الأبقار أو غيرها من المباحات.

ويستخدم الأطباء جلد الخنزير في بعض الأحيان لمعالجة الحروق المتسعة، وعندما لا يتم توفر جلد إنساني (من ميت أو حي متبرع) .. ولكن التقدم الطبي السريع سيجعل الحاجة لذلك نادرة جداً حيث أمكن تصنيع جلود بحيث تؤخذ كمية قليلة من جلد المصاب ذاته، ثم تنمى وتوسع بحيث تكفي للمريض دون الحاجة لأخذ الجلد من إنسان أو حيوان.

وخلاصة الأمر أن الحاجة الحقيقية لاستخدام الخنزير في التداوي نادرة جداً، ولكن بما أن الدواء يأتينا في كثير من الأحيان مصنعاً، فإنه في أحيان كثيرة يحتوي على مشتقات خنزيرية مثل الكبسولات التي تصنع من جيلاتين مختلط نباتي وحيواني.. والحيواني يحتوي على جيلاتين من الخنزير (من الغضاريف والجلد) .. وكما أسلفنا تتم تنمية بعض المضادات الحيوية في مشتقات خنزيرية.. وتستخدم بعض المواد الهاضمة من بنكرياس الخنزير وكذلك بعض الهرمونات الأخرى.

والحل الحقيقي هو إقامة صناعة دوائية في بلاد المسلمين تتجنب استخدام الخنزير ومشتقاته. وهو نفس الحل لقضية الغول في الدواء.. وقضية الأطعمة التي تأتي من الخارج حيث إن بعض الأطعمة تحتوي على دهن خنزير كما تذكر ذلك دائرة المعارف البريطانية (1) حيث جاء فيها أن أنواعاً من البسكويت والشيكولاته والآيس كريم والأجبان تحتوي على دهون الخنزير، وكذلك يتم استخدام دهن الخنزير في بعض أنواع الصابون وفي مستحضرات التجميل وفي معجون الأسنان. ويستخدم اللارد (دهن الخنزير) في الطبخ كما يستخدم زيت اللارد Lard oil، Lard Stearine في تركيب السمن والزيوت الحيوانية Animal Shortening وأما الذين يعيشون في الغرب فيواجهون مشاكل عديدة؛ إذ إن دهن الخنزير يستخدم في العديد من الأطعمة والأشربة.. وقد ذكر الدكتور أحمد حسين صقر في مقاله (الدهون في الأطعمة)(2) أسماء لبعض الشركات التي تستخدم الخنزير، فمثلاً شركة أطعمة المطبخ العامة General Foods Kitchen تحتوي منتوجاتها الجيلاتينية على الجيلاتين المستخرج من جلود وغضاريف الخنزير والبقر والغنم، ومعظم الشركات التي تنتج الهامبرجر والفرانكفورتر يحتوي لحمها على نسبة من لحم الخنزير إلا إذا ذكر أنه مصنوع من لحم البقر فقط مثل Au beef hambergur أو Au beef Frank furter وهكذا الشركات التي تنتج أغذية بها زيوت حيوانية أو حتى نباتية ولكنها مخلوطة بشيء من الزيت الحيواني فإنها تحتوي على مشتقات دهون الخنزير ما لم يكتب صراحة أنها مصنوعة من الزيت النباتي النقي الصافي Pure Vegetable Oil.

(1) دائرة المعارف البريطانية الميكروبيديا 5/940 و6/48 الطبعة 15 لعام 1982 و (10/760)

(2)

د. أحمد حسين صقر (الدهون في الأطعمة) مجلة المسلم المعاصر العدد 29 لشهر صفر 1402 (ص 135 – 138)

ص: 1405

ولا شك أن هذه مشكلة عويصة وخاصة لمن يعيشون في الغرب.. وللعالم الإسلامي الذي يستورد الأطعمة والصابون وأدوات الزينة والأدوية من الغرب حيث تدخل منتجات الخنزير بشكل أو آخر في كثير من هذه القوائم. وكذلك الجلود الفاخرة، فكثير منها مصنوع من جلد الخنزير، وجلد الخنزير لا يطهر بالدباغ عند الشافعية والأحناف والحنابلة.

وعلى الحكومات الإسلامية أن تراقب هذه الأطعمة وأدوات الزينة والأدوية التي تحتوي على مواد خنزيرية وتمنعها. أما بالنسبة للفرد المسلم فإن علم أن هذه المادة تحتوي مواد خنزيرية فعليه أن يتوقاها ويمتنع عن تناولها واستعمالها. وليس عليه أن يبحث، بل ليس في مقدوره، في أغلب الأحيان، أن يعرف ذلك؛ لأنه مما يحتاج إلى مختبرات متخصصة. ولا يكتب أهل الغرب في بضائعهم أنها مصنعة من الخنزير ومشتقاته، فتكون الجهالة في ذلك عذراً.

وقد ذكر الإمام النووي في المجموع (1) أحاديث كثيرة في ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل جبناً أحضرت له في تبوك)) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة رأى جبنة، فقال: ما هذا؟ فقالوا: طعام يصنع بأرض العجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوا فيه السكين واذكروا اسم الله وكلوا)) رواه أحمد والبيهقي بإسناد فيه ضعف. وعن علي رضي الله عنه قال: (إذا أردت أن تأكل الجبن فضع الشفرة فيه واذكر اسم الله عز وجل عليه وكل) .

(1) المجموع للنووي: 9/59

ص: 1406

ومعلوم أن الجبن الذي صنع بأرض العجم كانت فيه إنفحه، والمجوس يأكلون الميتة، وذبائحهم لا تحل والإنفحة على ذلك نجسة. وقد اختلف العلماء في أكل الجبن من بلاد المجوس فقال بعضهم: كل ولا تسأل وسم الله. لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] ولما روي عن بعض الصحابة مثل أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال: ((كنا نأكل الجبن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك لا نسأل عنه)) رواه البيهقي وقال عنه الإمام النووي في المجموع: ضعيف. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن السمن والجبن فقال: (سم وكل. فقيل له: إن فيه ميتة. فقال: إن علمت فيه ميتة فلا تأكله) .

وقد روي عن ابن عمر ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بجبن في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع)) رواه أبو داود ورزين بإسناد ضعيف. (1)

وذكر ابن حجر الهيتمي المكي في التحفة على المنهاج (2)(وجبن شامي اشتهر عمله بإنفحة خنزير. ((وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جبن من عندهم فأكل منها ولم يسأل عن ذلك)) .

وقد جاء في مغني المحتاج للخطيب الشربيني (3) والإنفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء وتخفيف الحاء لبن في جوف نحو سخلة في جلده تسمى إنفخة أيضاً. إن أخذت من حيوان مأكول بعد ذبحه لم يطعم غير اللبن طاهرة للحاجة إليها في عمل الجبن، بخلاف ما إذا أخذت من ميت أو مذبوح أكل غير اللبن (.

(1) المجموع للنووي 9/59

(2)

تحفة المحتاج شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي 1/308 باب النجاسات، مطبوع مع حواشي ابن قاسم وعبد الحميد – دار الفكر، بيروت

(3)

مغني المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني 1/80

ص: 1407

ومعلوم أن الإنفحة تؤخذ من العجول الصغيرة وغيرها التي لا تزال تعيش على اللبن؛ لأن فيها خميرة (أنزيما) يحول البروتين الموجود في اللبن إلى جبن:

أنزيم

كازينوجين كازين

الرنين

فإذا تحول إلى كازين فقد تجبن وصار جبناً.

وقد اختلف العلماء فيما سبق ذكره. فمنهم من أكل وسمى الله، ومنهم من احتاط وقال: اتق الشبهات ولم يأكل الجبن إلا من أرض المسلمين وأهل الكتاب فقد روي ذلك عن ابن مسعود وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهم أجمعين. (1)

الخلاصة:

إن على المسلمين أن يوفروا الغذاء والدواء ولا يعتمدوا على الكفرة في غذائهم ودوائهم، وذلك ممكن لاتساع رقعة بلاد المسلمين وكثرة خيراتها.. ولا بد لهم من التعاون والتعاضد وتنمية التجارة بين بلاد المسلمين بدل الاعتماد على الكفار اعتماداً كاملاً في كل شؤونهم.. وذلك يحقق مكاسب عظيمة من الأمن الغذائي والدوائي ويبتعد بالمسلمين عن المحرمات والشبهات، ويحقق مبادئ التكافل بين أقطار المسلمين، ويرفع عن كاهلهم الأوزار التي أثقلتهم وجعلتهم في الحضيض وفي أسفل سافلين.. والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.

التداوي بالذهب:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم)) (2) وروى أنس رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق (فضة) ونقش فيه: محمد رسول الله، وقال: إني اتخذت خاتماً من ورق ونقشت فيه محمد رسول الله، فلا ينقش أحد على نقشه)) . (3)

ويكاد الإجماع أن ينعقد على حرمة لبس الرجال للذهب وحله للنساء. (4)

(1) المجموع للنووي 9/59

(2)

أخرجه أحمد في مسنده والنسائي والترمذي في سننيهما. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. المسند 17/270. سنن النسائي 8/161، سنن الترمذي 6/43 كلهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه

(4)

المجموع للنووي 4/332

ص: 1408

وقد أصيب أنف عرفجة بن أسعد يوم كلاب، وهو يوم معروف من أيام الجاهلية كانت لهم، فهي وقعة مشهورة، وكلاب اسم لماء من مياه العرب كانت عنده الوقعة. ويقال: إنهما وقعتان مشهورتان باسم الكلاب، ولذا يقال: كلاب الأول وكلاب الثاني.. وقام عرفجة باتخاذ أنف له من الورق فأنتن عليه ((فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب فلم ينتن)) . قال النووي في المجموع: (1)(وأما حديث عرفجة فحديث حسن رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بإسناد جيد، وقال الترمذي: هو حديث حسن) .

ولا خلاف بين الفقهاء في حل اتخاذ الرجل الأنف من الذهب أو الفضة إذا احتاج لذلك.

ولا خلاف بين الفقهاء أيضاً في اتخاذ السن أو الأنملة أو الأذن من الفضة ولكنهم اختلفوا في الذهب على قولين: الإباحة وبه قال محمد بن الحسن، ورواية عن أبي يوسف، وإليه ذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية.

والثاني: لا يحل شد الأسنان بالذهب أو اتخاذها أو الأنملة أو الأذن منه. وهو قول لأبي حنيفة ورواية أخرى عن أبي يوسف (2)

ويستعمل الذهب اليوم في طب الأسنان، وإن كان الاستعمال قد ندر لاستخدام البدائل، ولكلفة الذهب العالية. كما يستخدم مركب كيماوي معقد في علاج المرض شبيه الرثياني المفصلي Rheumatoid artheritis.. ولا يستخدم هذا المركب إلا عند فشل العقاقير الأخرى مثل الأسبرين ومشتقات الكورتيزون والأدوية المسكنة الأخرى مثل الفولتارين والبروفين.. إلخ.

(1) المجموع للنووي 1/293

(2)

د. عبد الفتاح محمود إدريس في بحث أخلاقيات الطبيب مقدم إلى الدورة الثامنة للمجمع الفقهي ص 28 وقد عزا ذلك إلى المصادر والأمهات في كتب الفقه.

ص: 1409

ومما يؤيد استخدام الذهب في الطب ما روي عن ابن عمر أن أباه سقطت ثنيته فأمره أن يشدها بالذهب (أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث هشام بن عروة عن ابن عمر، وفي سنده أبو الربيع بن السمان وهو متروك) . كما روي عن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول قال: ((اندقت ثنيتي يوم أحد، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ ثنية من ذهب)) (أخرجه الهيتمي في مجمع الوائد وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح) .

وقد روي أن جماعة من الصحابة شدوا أسنانهم بالذهب منهم عثمان بن عفان وموسى بن طلحة وأنس بن مالك رضي الله عنهم. (1)

حكم التداوي بالحرير:

((قال أنس رضي الله عنه: إن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما)) . وفي رواية أخرى: ((رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في القمص الحرير في السفر من حكة كانت بهما أو وجع)) (2)

وقد اختلف الفقهاء في إباحة لبس الحرير للتداوي فقال بالإباحة أبو يوسف والشافعية، وهو رواية عن مالك وأصح الروايتين عن أحمد وإليه ذهب الظاهرية. (3)

والقول الثاني بعدم الإباحة، وهو مروي عن أبي حنيفة ورواية أخرى عن مالك، ورواية أخرى عن أحمد (4) .

ولا أعرف في الطب الحديث استخدام الحرير سوى في خيوط الحرير وتستخدم في الجراحة لربط الأوعية الدموية.

الدكتور محمد علي البار

(1) مجمع الزوائد 5/150، والفتح الرباني 17/172

(2)

أخرجه البخاري 4/32، ومسلم 2/234.

(3)

د. عبد الفتاح محمود إدريس: أخلاقيات الطبيب (ص 29- 30)

(4)

د. عبد الفتاح محمود إدريس: أخلاقيات الطبيب (ص 29- 30)

ص: 1410

المناقشة

بسم الله الرحمن الرحيم

أخلاقيات الطبيب

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في موضوع هذه الجلسة (أخلاقيات الطبيب) بوحداته الموضوعية الجامعة وهي:

سر المهنة، الإيدز، مسؤولية الطبيب، مبادئ العلاج والتطبيب، وسيعرض الطبيب أحمد رجائي الجندي ما يتعلق بسر المهنة، والطبيب أبو لسان ما يتعلق بالإيدز، والعرض العام للشيخ علي الجفال، تفضل يا شيخ علي.

الشيخ علي الجفال:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الهداة الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، أما بعد:

فإن البحث في المسائل الطبية المعاصرة وموقف الفقه الإسلامي منها، هو من قضايا الوقت الحاضر التي تحتاج إلى دراسة فقهية دقيقة تكشف عن موقف الشريعة الإسلامية من هذه المسائل التي جدت وشاعت وذاعت وتسرعت وتنوعت، وإني من أجل هذا رأيت أن أدلي في هذا الموضوع الذي يحتاج إلى دراسة تفصيلية تقوم على حقائق من الواقع وهدى من نصوص الشريعة السمحة وقواعدها، وموقف الفقه الإسلامي منها، وأسأل الله تعالى الهداية والتوفيق، إنه نعم المولى ونعم النصير.

مسؤولية الطبيب: هذا وقد ورد بحثان قيمان لكل من فضيلة الدكتور محمد عطا السيد، وفضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة في موضوع مسؤولية الطبيب، ولقد اتفقت معهما في النتائج، واختلفت في التفاصيل

معنى المسؤولية، لعل كلمة مأخوذية الواردة في كلام الإمام الشافعي في كتاب الأم H قرب ما تؤدي إلى المعنى المراد من كلمة مسؤولية في التعبير القانوني الحديث؛ ذلك أن سؤال المرء قد يكون فيما لا تبعة فيه، فأما المأخوذية فإنما تكون فيه مؤاخذة، على أن الناظر في كتب الفقه الإسلامي لا يجد لكلمة مسؤولية مكاناً فيها؛ لأنها لفظة محدثة، يجد أن الفقهاء قد عبروا عنها بلفظ الضمان ومع ذلك فإننا مضطرون إلى استعمال كلمة مسؤولية مجاراة لأهل العصر، هذا ولعل من الواضح أن تضمين الإنسان هو الحكم عليه بتعويض الضرر الذي أصاب غيره من جهته، والضرر نوعان:

ص: 1411

أولاً: ما يصيب الإنسان في نفسه.

ثانياً: ما يصيبه في ماله.

كما أن المسؤولية لابد في تحققها من ضرر ترتب على إخلال بحق ثابت للغير، فلا مسؤولية حيث لا إخلال بحق الغير ولا مسؤولية حيث لا ضرر، هذا وقد أوجبت السنة النبوية المطهرة مبدأ المسؤولية على الطبيب الذي يعالج الناس وهو ليس أهلاً للعلاج، وذلك ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن)) قال الإمام الخطابي في معالم السنن: لا أعلم خلافاً في المعالِج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعد، فإذا تولد من فعله تلف ضمن الدية وسقط عنه القود؛ لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض وجناية الطبيب في قول عامة الفقهاء على عاقلته، كما أن في قوله صلى الله عليه وسلم:((لا ضرر ولا ضرار)) فإنه قاعدة كلية يرجع إليها في تطبيق جزئيات المسؤولية والمؤاخذة بها.

أسباب الإباحة: الأصل في الشريعة الإسلامية أن الأفعال المحرمة محظورة على الكافة بصفة عامة، لكن الشرع رأى استثناء من هذا الأصل أن يبيح بعض الأفعال المحرمة لمن توفرت فيهم صفات خاصة؛ لأن ظروف الأفراد أو ظروف الجماعة تقتضي هذه الإباحة، ولأن هؤلاء الذين تباح لهم الأفعال المحرمة يأتونها في الواقع لتحقيق غرض أو أكثر من أغراض الشارع، فالجرح محرم على الكافة، ولكن لما كانت حياة الإنسان أو راحته قد تتوقف على عملية جراحية لإنقاذه من آلامه لإنقاذ حياته؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات ولأن الشريعة تحض على التداوي من الأمراض، وتوجب على المرء أن لا يلقي بنفسه إلى التهلكة، وإذا كان الفعل المحرم قد أبيح لتحقيق مصلحة معينة، فقد وجب منطقياً ألا يؤتى الفعل المحرم إلا بتحقيق المصلحة التي أبيح من أجلها، فإذا ارتكب الفعل بغرض آخر فهو جريمة، فالطبيب الذي يجرح مريضاً بقصد علاجه يؤدي واجباً كلف به فعمله مباح، ولكنه إذا جرح المريض بقصد قتله فهو قاتل وعمله جريمة.

ص: 1412

تنوع أسباب المسؤولية:

معلوم في الاصطلاح الفقهي أن الأضرار قد تكون مباشرة أو تسبباً، ومن القواعد المقررة في هذه المسألة أيضاً أنه إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر، والمهم هنا هو أن الفقهاء قد اتفقوا على أن من أتلف مالاً أو نفساً أو عضواً من نفس بغير حق شرعي، فعليه مسؤولية ما أتلف، وأن من فروع مسؤولية الإتلاف، مسؤولية الطبيب إذا أخطأ وجاوز الحد المعتاد، أو أهمل في العلاج، أو لم يكن من أهل الطب، وفي تقرير هذه المسؤولية حفظ للأرواح البشرية من تلاعب بعض الأطباء بها، وحفز لهم على التنبه إلى واجبهم واتخاذ الحيطة اللازمة في صناعتهم المتعلقة بحياة الناس.

طريق رفع المسؤولية:

قد يحصل الضرر بفعل أو تسبب، ولكن ترتفع المسؤولية عن الفاعل أو المتسبب فلا يحكم عليه بضمان التلف، فإذا لم يحكم عليه بالضمان فذلك هو المقصود من رفع المسؤولية، ونستطيع أخذاً من الفروع الفقهية أن نعد من طريق رفع المسؤولية التلف الحاصل بسريان العملية الجراحية التي وقعت معتادة ولم يهمل الطبيب علاجها، كذلك نستطيع أن نعد من طرق رفع المسؤولية، رضاء المجني عليه أو وليه إن كان قاصراً، ذلك أن الصلة بين الطبيب والمريض تحكمها أحكام عقد الإيجار، ومعلوم أن قيام العقد يستلزم توافق إرادتين؛ إرادة الطبيب وإرادة المريض أو وليه.

هذا مع التنبيه إلى أن الفقهاء لم يقصروا عدم المسؤولية على الرضا فحسب بأن نصوا على أن عدم المسؤولية منوط بالإذن إذ كان العمل معتاداً ولم يجاوز الطبيب الرسم المتبع في أعماله، أي أن تكون أعماله موافقة للقواعد الطبية التي تتبع في كل حادثة على حدتها.

مسؤولية الطبيب:

إن الطب ذلك العمل الإنساني الخطير قد ينتحله بعض من لا يحسنه، وقد يقوم به من لا يرقب في الله خشية ولا ذمة، من لا خلاق له من دين أو خلق، ومن أجل ذلك بين الفقه الإسلامي الأحكام الصارمة الرادعة لمن يزاوله ولا يتقنه، ومن لا يرعى فيه الحقوق الإنسانية حق رعايتها.

تضمين الطبيب الجاهل بالطب:

روى أبو داود والنسائي وابن ماجه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن)) ، وهذا محل اتفاق بين العلماء، وجناية المتطبب على عاقلته في قول عامة الفقهاء.

ص: 1413

مسؤولية الطبيب الحاذق:

هناك ضوابط وضعها الفقهاء فيمن يباح لهم مباشرة الطب، ونوجزها فيما يلي:

1-

أن يكون المعالج من ذوي الحذق في صناعتهم ولهم بها بصارة أو معرفة.

2-

أن يكون الباعث على عمله، علاج المريض وشفاءه.

3-

يحب أن تكون أعماله على وفق الرسم المعتاد، أي موافقة للقواعد الطبية التي تتبع في كل حادثة على حدتها.

4-

إذن المريض، فإنه يشترط أن تكون المعالجة بناء على إذن المريض أو وليه.

هذا وقد أوردت في البحث الحالات العاجلة التي لا يمكن فيها انتظار الحصول على إذن المريض، ولا يتسع المقام لذكرها، وفضلاً عن أن من حق المريض أن يختار الطبيب الذي يعالجه لأن الثقة بين المريض والطبيب لها تأثيرها في الشفاء، ذلك إذا كان المريض في حالة صحية تسمح له بذلك.

تقييد الإذن بالسلامة:

من القواعد الفقهية المقررة في الفقه الإسلامي أن المتولد من فعل مأذون فيه لا يكون مضموناً، ويستثنى من ذلك ما كان مشروطاً بسلامة العاقبة، وقد قسم السادة الحنفية الحقوق التي تثبت للمأذون إلى قسمين:

أ- حقوق واجبة: ولا فرق بين أن تكون بإيجاب الشارع كحق الإمام في إقامة الحدود وفي القصاص والتعزير وبين أن تكون واجبة بإيجاب العقد لعمل الفصاد، الحجام، والختان وغيرها، وهذه الحقوق جميعها لا يشترط فيها سلامة العاقبة؛ لأنه لا ضمان فيها إلا بالتجاوز عن الموضع المعتاد.

ب- حقوق مباحة: كحق الولي في التأديب، عند أبي حنيفة، وحق الزوج في التعزير فيما يباح له، وهذه الحقوق تتقيد بوصف السلامة، وبالنظر في ذلك عند بقية المذاهب يتبين أنها كالحنفية في هذا المعنى، مع شيء من الخلاف الطفيف في تحديد الحقوق التي تتقيد لوصف السلامة.

والخلاصة أن الطبيب إذا راعى حقه في عمله ثم نتج عن فعله ضرر لحق المريض، ولا يمكن الاحتراز عنه، فلا ضمان عليه؛ لأن الطبيب إذا كان يستعمل حقه في حدوده المشروعة، فهو يقوم بواجبه في الوقت نفسه، والأصل أن الواجب لا يتقيد بوصف السلامة أو عدمه، وعلله بعض الفقهاء بما عرف في الفقه أن شرط الضمان على الأمين باطل.

هذا وقد جمعت في خاتمة بحثي بعض ما ورد في تعاليم الإسلام وآدابه المتعلقة بالطب، كما أوردت نفس قسَم الطبيب المسلم الذي يعكس فلسفته المتمثلين في الدستور الإسلامي لآداب مهنة الطب، راجياً أن تكون تلك الخاتمة مسكاً مسلسلاً لكل من يتوفر فيها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1414

الدكتور أحمد رجائي الجندي:

شكراً سعادة الرئيس، بما أني لأول مرة سأتحدث، اسمحوا لي أن أتقدم بخالص وجزيل الامتنان لتفضلكم بتغيير ميعاد الجزء الخاص بالطب حتى نعطي فرصة للأخذ بالتوصيات.

ثانياً: أتقدم أيضا بخالص الشكر للأمانة العامة متمثلة في الأخ الفاضل الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة على العلاقات الوطيدة بين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وبين المجمع، وكانت إحدى ثمراته هي الندوة التي نوقشت فيها الرؤية الإسلامية لبعض المؤسسات الطبية، ومنها موضوع سر المهنة الطبية، الموضوع الذي سوف نناقشه، شارك في الإعداد له حوالي اثنين وعشرين من الفقهاء وعدد كبير من الأطباء تخيرنا فيهم الوظائف المختلفة، ابتداء من وكيل الوزارة إلى الطبيب العادي إلى مدير الإدارة إلى الأستاذ الباحث إلى عميد الكلية وإلى طبيب التأمينات وإلى طبيب العمل، وذلك بهدفين أساسيين:

الهدف الأول: تعليمي وتثقيفي لهم حتى يعلموا تماماً ما هو موضوع سر المهنة، رغم بساطته إلا أنه من أخطر المواضيع التي تقابل الجسم الطبي، والتي سببت الكثير من المشاكل داخل العمل اليومي لكثير من الأطباء والهيئة الطبية.

الهدف الثاني: حتى نرى جميعاً كيف أن موضوعاً كهذا رغم بساطته إلا أن الجميع يجهلون أبعاده تماماً، رغم أن القانون واضح، ورغم أن النصوص واضحة بأن السر أمانة، وهنالك موضوع استثناءات لهذا الموضوع ومنصوص عليها في القانون، إلا أن الجميع نسوها تماماً أو تناسوها ووقعوا في المحظور.

أهمية موضوع سر المهنة:

أولاً: ثقة المريض بالطبيب للوصول إلى تشخيص صحيح، فإن الطبيب من وسائل رحمة الله بالعباد، ولن يكون هناك تشخيص صحيح بدون ثقة كاملة، وقد عرفه الإسلام بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((السر أمانة، ومن أساء الأمانة فقد خان)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من ستر عورة أخيه ستره الله في الدنيا والآخرة)) . و ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) .

ثانياً: أن كثيراً من الأحداث تحدث أثناء الممارسات اليومية نتيجة الجهل الكامل بمفهوم معنى سر المهنة، سواء على المستوى الطبي والإداري، وأدى ذلك إلى وقوف الكثير من الأعضاء في الجسم الطبي أمام الهيئات الطبية القضائية بسبب عدم إلمامهم بهذا الموضوع.

ص: 1415

ثالثاً: في أهمية هذه الندوة، يرجع ذلك إلى عدم اهتمام كليات الطب أثناء إعداد الطبيب لممارسة الحياة اليومية، وكذلك النقابات المهنية ووزارات الصحة بهذا الموضوع، ولا تصحو إلا بعد أن يقع الطبيب أو المسؤول في المحظور.

رابعاً: بسبب عدم فهم أبعاد هذا الموضوع لدى الهيئات الطبية فإن الطبيب أو المسؤول يقع في حيرة من أمره إذا ما رأى أمراً ما يخالف ضميره، فهل يفشي السر أم لا؟ ظناً منه أن في الأمر اجتهاداً أو بواعث.

خامساً: جهل الإدارة الطبية أيضاً بأبعاد الموضوع مما يسبب حرجاً كبيراً للأطباء والهيئة الطبية بسبب هذا الموضوع.

تنوع مهنة الطب:

طبيب ممارس، طبيب استشاري، وطبيب عمل أو قمسيون طبي، وطبيب شركة تأمين، طبيب يعمل في البحث العلمي، أيضاً دخل موضوع حديث وهو موضوع الهندسة الوراثية التي تقوم المنظمة فيه بمؤتمر حول أخلاقيات هذا الموضوع، الأبحاث التي في هذا الموضوع تقدم بها كل من: فضيلة الشيخ مختار السلامي، وكذلك الدكتور حسن الشاذلي، والشيخ توفيق الراعي، فالشيخ مختار السلامي ذكر بأن الطبيب بطبيعة عمله يمكنه من الاطلاع على ما لا يطلع عليه غيره فتنكشف له عورات من يتولى فحصهم بدنياً ونفسياً ما لا ينكشف لغيره، ويطلع على أسرار مدفونة في خبايا النفوس أو تحت الثياب الساترة، وهذا يشمل مجالات عديدة وصوراً مختلفة، ثم تطرق إلى غريزة حب الاطلاع، وفي الطب تتاح للإنسان فرص كثيرة يكتشف فيها المجهول؛ إما بواسطة الحس أو بواسطة الفكر، وتقوم التربية المدنية والتبصير الديني على تنظيم هذه الغريزة إلى ما يعود على الإنسان بالخير، وذكر فضيلته بأن المعيار الديني يختلف تماماً عن المعيار المدني؛ لأن المعيار المدني لا يرجع الأسرار إلا لرضا صاحب السر، فإذا هو تنازل عن حقه كانت جوارح الطرف المطلع في حل من اكتشاف ما يراه في معرفته سواء أكان من ذخائر النفس أم من عورات البدن، أما حسب المعيار الإسلامي فإن صاحب السر حقوقه في التنازل محصورة داخل إطار ما أباحه له الشرع، ومن هنا فإن الطبيب المسلم لا يحل له أن يتجاوز محل الحاجة إلى ما وراءها إشباعاً لرغبة خاصة لا يبررها حقاً لوازم الكشف لتشخيص المرض ووقف العلاج.

ص: 1416

ثم انتقل بعد ذلك إلى أهمية ووضع القواعد الكلية التي هي عبارة عن موازين دقيقة بين الحاجة العلمية لتشخيص الداء وبين المواطن أو الدوائر التي يطلع عليها أو الأسرار الذاتية، وكل ما زاد على ذلك لا يجوز للطبيب أن يكشفه، واعتبر ذلك تجسساً كما جاء في الآية الكريمة:{وَلَا تَجَسَّسُوا} ، وعرف التجسس المنهي عنه بأنه هو البحث عما يكتم عنه، ثم استشهد بقصة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب التي رواها عبد الرحمن بن عوف عن ربيعة بن أمية بن خلف في شربه للخمر، ثم تطرق إلى العلاقة بين المريض والطبيب وضرورة أن يبذل الأخير قصارى جهده ليتقي الشبهات ويستبرئ لدينه وعرضه، ثم ناقش القضايا المعروضة على الندوة واحدة تلو الأخرى والتي سوف أذكرها فيما بعد.

القانون الفرنسي عرف سر المهنة بأنه الالتزام المفروض على جميع أعضاء الهيئة الطبية بألا يفشوا ما اطلعوا عليه وما علموه أثناء ممارسة مهنتهم. إلا أن الشراح اختلفوا في تحديد نطاق السر، إلا أن ابن أبي أصيبعة حدد نطاقه بأنه كل ما يسمع أو يرى ولا ينطق به خارجه، وبهذا فقد قلع كل قول في تحديد نطاق السر.

أما القانون المصري ومعظم الدول العربية وفيها الكويتي حدد نطاق السرية أنه كل ما وصل إلى علم الطبيب عن طريق مهنته، سواء أكان هذا العمل مما عهد به إليه المريض وائتمنه عليه، شاهده الطبيب بنفسه أو سمع به، الأشخاص الملتزمون بحفظ السر هم جميع الأشخاص الملتزمون بالنسبة للمريض ابتداء من العلاقات العامة إلى السكرتارية إلى الممرضة إلى الطبيب في جميع تخصصاتهم إلى الصيدلة.

ص: 1417

القانون الكويتي مثلاً نص على أنه لا يجوز للطبيب أن يفشي سراً خاصاً وصل إلى علمه عن طريق مهنته، سواء أكان هذا السر مما عهد به إليه المريض وائتمنه عليه أم كشفه الطبيب بنفسه أم سمع به إلا بأمر من المحكمة لتحقيق سير العدالة، وقد حرص القانون على أن يذكر الحالات التي يجوز فيها الإبلاغ على سبيل الحصر لا المثال، والحالات التي يجوز فيها الإبلاغ هي أربع حالات: إفشاء السر بطلب من المريض، إفشاء السر لأحد الزوجين أو لكليهما معاً بناء على طلبهما، إفشاء السر منعاً لوقوع جريمة، إفشاء السر في حالة التأمين على الحياة. وفي الطبيب في التأمين، إفشاء السر في حالة التأمين من الطبيب إلى الإدارة لا يعتبر إفشاء؛ لأن العميل جاء بمحض إرادته وهو يعلم أن الكشف يجري بطلب من إدارة التأمين لإطلاعها على كل ما يتعلق بصحة العميل لتحديد شروط العقد، أما من يتلقى تقرير الطبيب فعليه الكتمان وعدم البوح به، أما الحالات الإجبارية التي يجب على الطبيب الإبلاغ فيها هي التبليغ عن الأمراض السارية، وقد عددها الشارع في القانون ولم تترك لتقدير أي من السلطات الإدارية ولا الطبيب.

البند الثاني من الحالات الإجبارية: التبليغ عن المواليد والوفيات، والقانون يجبر الطبيب أن يبلغ إذا قام بالكشف على متوف أو قيامه بإسعاف مصاب أن يخبر السلطات المختصة إذا وجد علامات تشعر باحتمال أن تكون وفاة المتوفى أو إصابة المصاب من جريمة، ومما يؤيد وجوب كتمان السر ولا يجوز إفشاؤه إلا بنص قانوني أن الإجهاض ممنوع في فرنسا بموجب القانون الصادر سنة 1920، ومع ذلك كان على الطبيب أن يمتنع عن الإبلاغ عنه أو الشهادة عليه إذا اطلع عليه أثناء ممارسة عمله، ولكن كثرة حالات الإجهاض دعت المشرِّع الفرنسي أن يعدل المادة 378 من قانون العقوبات والقانون الصادر في سنة 1939 م، والقانون الصادر سنة 1975 م، بموجب هذين القانونين أعفى الطبيب من العقوبة المنصوص عليها بالمادة 678 إذا هو أبلغ أو شهد على إجهاض اطلع عليه أثناء ممارسة المهنة، وأيضاً أجاز له أن يبلغ السلطات ويشهد أمام القضاء إذا شاهد أثناء ممارسته لمهنته من عنف وقع على قاصر، ومن هذا يتبين أنه استثنى من الكتمان حالتين وجعل التبليغ عنهما والشهادة عليهما جوازياً يعود لتقدير الطبيب.

مثال آخر على عدم الدراية بالقانون من جهة الإدارة أتت حالة حاملة السفاح واضطرت المريضة إلى الاعتراف للطبيب بأن حالتها كانت تحتاج إلى الإجهاض وعند عرض المسألة على الإدارة طلبت الإدارة بإبلاغ مكتب التحقيق عن الحمل السفاح بخطاب رسمي وسري إلى المكتب المذكور مع نسخة منه إلى مدير إدارة الخدمات الوقائي، وقد رفض الأطباء الانصياع لهذا القرار واستفتت الوزارة إدارة الفتوى التي قالت: إن التبليغ عن حالات الحمل غير المشروع التي يتم إجهاضها بشأن الدواعي الطبية يجب أن يدور أساساً في ضوء القوانين التي تحكم هذا الموضوع والمسائل المتعلقة به؛ أي: يجب عدم الإفشاء ويجب السرية الكاملة.

ص: 1418

نأتي إلى نقطة خطيرة حصلت أمام بعض الأطباء، شهادة الأطباء أمام القضاء، القاعدة العامة أن كل من يدعى للشهادة أمام القضاء عليه أن يستجيب وأن يشهد بالحق الذي يقسم عليه، وإذا امتنع فامتناعه جرم يعاقب عليه، أما بالنسبة للأطباء فالأمر يختلف بين أن يكون طبيباً مداوياً أو طبيباً خبيراً.

موقف الطبيب المداوي من الشهادة:

امرأة طلبت من طبيب أن يفحص زوجها عقلياً ثم رفعت الدعوى على زوجها إما بطلب الطلاق أو عدم الأهلية بسبب اختلال عقله، وطلبت شهادة الطبيب المداوي، فهل يشهد أم لا أمام المحكمة؟ فإذا شهد أمام المحكمة فهل شهادته صحيحة أم باطلة؟ وهل يجوز للطبيب أن يعطي شهادة أو يشهد في دعوى بطلب فسخ وصية أو تصرف آخر إذا كان هو الذي داوى؟ بالنسبة للقانون المدني فإن شهادة الطبيب باطلة، وحكمت المحكمة بقبولها وعدم الأخذ بها.

إذا حدث تزوير في شهادة صادرة من طبيب إلى مريض مثلاً إلى شركة تأمين هل للطبيب الحق في الدفاع عن نفسه وإفشاء سره؟ نعم، للطبيب الحق في الدفاع عن نفسه، أما الطبيب الخبير فشهادته أمام القضاء ضرورية، الوضع مختلف بالنسبة للأطباء والخبراء الذين تنتدبهم المحكمة لفحص مريض، فهو ملزم أن يقول الحقيقة أمام المحكمة، وهنا أيضاً الطبيب الشرعي يقع تحت هذا البند، ولا يجوز إفشاء السر لغير السلطة القضائية.

طبيب عمل:

وهو الذي يقرر صلاحية الموظف من عدمه، فهل يجوز لهذا الطبيب أن يعلل عدم الصلاحية بذكره نوع المرض الذي بنى عليه رأيه؟ السؤال طرح في إحدى المؤتمرات الطبية العالمية، وكانت الإجابة بأنه لا يجوز أن تكون الشهادة معللة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، للسبب الطبي الذي بنى عليه الطبيب رأيه في الأهلية أو عدم الأهلية، لكنه المفروض أن يكتب أنه لائق أو غير لائق، وبالمناسبة فإن إحدى المحاكم الفرنسية حكمت على طبيب لشركة طيران سنة 1965 م قام بالكشف على طيار وأوضح في تقريره بأنه مصاب بمرض عصبي ولا يجوز تحميله مسؤولية الطيران، وقد اعتبرت المحكمة أن الطبيب قد أفشى سراً بذكره العلة المرضية حيث كان يجب عليه أن يقصر رأيه بعدم الأهلية دون ذكر السبب، وهناك صور كثيرة من الإفشاء، ومن عدم الإفشاء لا داعي لها. تحدثت عن الشيخ مختار السلامي والآن الحديث عن الدكتور محمد الأشقر.

ص: 1419

الدكتور محمد الأشقر عرف السر من الآية الكريمة: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] وقال: السر ما حدث به الإنسان غيره وأسره إليه، والأخفى من السر ما حدث به المرء نفسه وأخفاه بباله من غير أن يخبر به أحداً، وهذا من السر أيضاً، إلا أنه أشد الأسرار خفاءً، والإفشاء وهو إفشاء السر، ثم ضرب صوراً من الكتمان والإفشاء من الكتاب والسنة وآثار الصالحين، قصة الرسول مع عائشة وحفصة من أنه حرم على نفسه العسل وقيل: إنه حرم على نفسه جاريته مارية، وأفشت السر كل منهما فنزلت الآية الكريمة، قصة زواج حفصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ الصديق رضي الله عنه هذا الخبر عن عمر عندما عرضها عليه، قصة تعيين عبد الله بن عباس في مجلس سيدنا عمر بن الخطاب وكان صغير السن فأوصاه أبوه عباس: يا بني، احفظ عني ثلاثاً: لا تفشين له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا يجربن عليك كذبا. وصور أخرى، ثم أصدر فضيلته حفظ الأسرار وستر العورة بدعاء النبي:((اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا)) وحديثه: ((من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة)) ثم بين فضل كتمان السر وذكر قصة ماعز وهذيل وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى عورة فسترها فكأنما أحيا ميتاً)) .

ثم تطرق إلى نقطة هامة تحت عنوان من يستحق الستر عليه ومن لا يستحق، واستشهد بقول الحليمي: الستر هو في الفواحش التي لا تخرج من الموتب، فأما إذا سمع مسلماً يتكلم بكلام الكفر فعرف به أنه من المنافقين فلا ينبغي أن يستر عليه حتى لا يترتب على ذلك الكثير من الارتباطات.

ثم بين أهمية حفظ الأسرار والأضرار التي يمكن أن تنتج على ذلك، وهي أضرار نفسية وبدنية ومهنية ومالية، ثم اعتبر أيضاً أن إفشاء السر خيانة، خاصة إذا كانت بين المرء وزوجه أو بين أخ وأخيه أو في مجلس استؤمن عليه.

وفي النهاية حدد أن هذا الموضوع للإنسان المسلم العادي وشدد أن يكون الأطباء والعاملون في هذا المجال أكثر التزاماً في هذا الموضوع، ثالثاً لأن الإباحة بالسر فيه غالباً اتباع لهوى النفس ممن يفعله وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26] فإن الصاحب إذا حل من خليله محل الفؤاد فاطمأن كل منهما إلى الآخر وركن إليه فائتمنه على أدق أسراره، وبث إليه أشياء مما في نفسه وأخبره عن أشياء يفعلها فحق حامل الأمانة أن يكون كفءا له، فلا يفشي بشيء من ذلك لأحد، واستشهد بقول الغزالي:(منشأ التقصير في ستر العورة أو السعي في كشفها الداء الدفين في الباطن وهو الحقد والحسد) ثم انتقل إلى الحالات –وهذا هو المهم- التي يجوز فيها الإفشاء:

ص: 1420

1-

انقضاء حالة كتمان السر، واستشهد بذلك بالآية الكريمة:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] .

2-

انقضاء الأضرار والمشاكل.

3-

أن يأخذ صاحب السر في إفشائه أن يكون كتمان السر إلى أجل، أن ينتقل حال المكتوم منه، من يشرع كتم سره إلى من يشرع كشف ستره وفضح أمره، كأن ينتقل من حال الإيمان إلى النفاق والكفر أو من حال التستر بالفواحش إلى البوح بها، أن يؤدي الكتمان إلى ضرر أبلغ من ضرر الإفشاء.

4-

دفع الخطر لإنقاذ مسلم أو مسلمة.

ص: 1421

الدكتور حسن الشاذلي تعرض مباشرة إلى المواضيع التي كانت معروضة، فمثلاً اعتبر أن القاعدة الأساسية هي قاعدة السرية، وهي عدم إفشاء الأسرار، بل إنه اعتبر الطبيب إذا أباح سر زوجة أسرت إليه بأنها حامل من سفاح بأن هذا قاذف للزوجة بالزنا، ومن ثم يطالبه الشرع بإثبات ذلك ويسبب ذلك مشاكل لا حصر لها إذا عدلت الزوجة عن هذا الاعتراف، إلى آخر ما يتطلبه من ذلك الإثبات، والتي على أثرها قد يجلد ثمانين جلدة، وقد توسع في ذلك وذكر رأي الحنفية والمالكية والحنابلة، واتفق معه كل من الشيخ مختار السلامي والدكتور محمد الأشقر والدكتور توفيق الواعي واستشهدوا جميعاً بحديث:((الولد للفراش وللعاهر الحجر)) .

والسؤال الثاني كان عن إذا أتى طبيب عملاً مخلاً بآداب المهنة واكتشف زميل له هذا الإخلال، هل يبلغ عنه أم لا؟ الشيخ المختار أفاد بوجوب عدم الإفشاء. الدكتور الأشقر فصل في الموضوع وقال: إذا كان هذا العمل مخلاً بالآداب وكان المجني عليها قاصرة مستغلاً طبيعة عمله، فهنا ليس الستر على المعتدي أولى من تمكين المعتدى عليه من الوصول إلى حقه، أما إذا كان بموافقة الطرف الثاني وهو تام التكليف فإن كان زلة وحصلت توبة فينبغي الكتمان، أما إذا كان مستمراً في غوايته واستغلال مركزه فيجب إيقافه عند حده.

الدكتور حسن الشاذلي تطرق إلى رأي الشرع في من رأى منكراً كما وردت في الكتاب والسنة، ثم تطرق أيضاً إلى حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستنتج في النهاية أنه يجب أن نأخذ على يد هذا الطبيب الذي يقوم بأعمال مخلة بآداب المهنة ووضع الاقتراحات الآتية:

- أن يتم نصح هذا الطبيب، إما عن طريق صديق له ونكرر هذا النصح، وإن لم يستجب يرفع الأمر إلى الجهات المسؤولة.

- واستند في ذلك إلى ما جاء في الأحكام السلطانية لأبي يعلى استناداً إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم حد الله عليه)) .

الدكتور توفيق الواعي اختلف وطالب بإبلاغ الجهات واعتبره خائناً للأمانة.

السؤال الثالث: كان إذا تبين للطبيب أن رب الأسرة أصيب بمرض جنسي، ما هو موقفه هل يبلغ الأسرة أم لا؟

فضيلة الشيخ مختار أجمل كل المسائل الجنسية تحت بند واحد وطلب بعدم الإفشاء حرصاً على كيان الأسرة.

ص: 1422

الدكتور محمد الأشقر أفاد بأنه إذا كان المرض معدياً ويخشى أن ينتقل إلى زوجته أو سائر أفراد أسرته، فإن الضرر المتوقع بإصابة الأبرياء أعظم من الضرر الذي يناله المريض نفسه في بيان حاله، ولهذا ينبغي للطبيب البيان إذا سئل عن ذلك أو اقتضته الحالة.

الدكتور حسن الشاذلي تطرق إلى موقف الشريعة من الأمراض المعدية وطبعاً ذكر حديث الطاعون وغيره من الأحاديث في هذا المجال، واستنتج بضرورة الإبلاغ عن مثل هذه الأمراض المعدية لحفظ المجتمع وتجنيبه خطر الانتشار بين أفراده.

الدكتور توفيق الواعي طلب بعدم الإفشاء.

هذه كل المواضيع التي عرضت وانتهت الندوة إلى بعض الأشياء، وقد توصلت الندوة في نهاية أعمالها إلى الآتي:

أ- السر هو ما يفضي به إنسان إلى آخر مستكتماً إياه من قبل أو من بعد، ويشمل ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان أو كان العرف يقضي بكتمانه كما يشمل خصوصيات الإنسان وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس.

ب- الأسرار أمانات وعلى من استودعها حفظها، التزاماً بما جاءت به الشريعة الإسلامية وهو ما تقتضي به المروءة وآداب التعامل.

ج- إفشاء السر في الأصل محظور ومستوجب المؤاخذة عليه شرعاً ومهنياً وقانونياً.

د- يتأكد واجب حفظ السر على من يعمل في المهن التي يعود الإفشاء فيها على أصل المهنة بالخلل كالمهن الصحية؛ إذ يركن إلى هؤلاء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقديم العون، فيفضون إليهم بكل ما يساعد على حسن أداء هذه المهام الحيوية، ومنها أسرار لا يكشفها المرء لغيره حتى إلى الأقربين إليه.

يستثنى من وجوب كتمان السر حالات يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه بالنسبة لصاحبه، أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح علة مضرة كتمانه وهذا على أمرين:

- حالات يجب فيها إفشاء السر بناء على قاعدة ارتكاب أهون الضررين، وقاعدة تحقيق المصلحة العامة التي تقتضي تحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام إذا تعين ذلك لدرئه، وهذه الحالات نوعان:

1-

ما فيه درء مفسدة عن المجتمع.

2-

ما فيه درء مفسدة عن فرد.

ص: 1423

- حالات يجوز فيها إفشاء السر؛ لما فيه من جلب مصلحة للمجتمع، أو درء مفسدة عامة، وهذه ينبغي الالتزام فيها بمقاصد الشريعة وأولوياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل. يضاف إلى ذلك حالات يكون فيها رضى صاحب السر بإفشائه ويكون ذلك في حدود الإذن لأن لصاحب الحق إسقاطه.

الاستثناءات بشأن مواطن وجوب الإفشاء أو جوازه ينبغي أن ينص عليها قانون مزاولة المهن الطبية موضحة ومنصوص عليها على سبيل الحصر لا المثال، مع تفصيل كيفية الإفشاء ولمن يكون، وتقوم الجهات المسؤولة بتوعية الكافة بهذه المواقف.

الطبيب المسلم الذي يحمل قسطاً من المسؤولية العامة كمصلح ومرشد وعنصر وقائي لتفادي الضرر قبل وقوعه ينبغي أن يحاول قبل الإقدام على استخدام الاستثناءات الجوازية لإفشاء سر المهنة، الاستغناء عن ذلك بممارسة دوره الإصلاحي لوقاية من يتعرضون للخطر من المرضى أو غيرهم مما يرسم الطريق السوية للمريض للنهوض من غفوته ولغيره، لاتقاء ما نجم عن مرضه من أخطار وذلك لإرادة إصلاح النفس وصلاح ذات البين، ولن تعوزه الخبرة مع استخدام المعاريض التي لا تهدر بها الحقوق ولا تزيف بها الحقائق.

وشكراً على حسن استماعكم

الرئيس:

إذا رأيتم أن ندخل في المناقشات والتداول وأن يكون عرض الإيدز بعد صلاة المغرب أو بعد أن ينهى الموضوع بعد صلاة المغرب إن شاء الله تعالى.

ص: 1424

الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:

شكراً سيادة الرئيس، بالنسبة إلى خطأ الطبيب، الذي أراه والله أعلم أن الطبيب إذا أخطأ في عمله خطأ يمكن وقوعه ممن يفعلون مثل فعله إن كان من أفعالهم صلاح للمفعول به، وكان فيه حق وإتقان وعدم مخالفة لقواعد مزاولة هذه المهنة فإنه لا يسأل عن الخطأ الذي يقع منه في هذه الحالة؛ لأنه خطأ اعتيادي تعم به البلوى ويعسر التحرز عنه، والراجح من الآراء أن الطبيب الحاذق لا يسأل عن نتيجة طبه طالما قام بواجبه على الوجه الأكمل، ويستوي في الحكم إذا شفي المريض أو مات أو قام معلولاً بعلة، وكذلك لا يسأل عن الخطأ الفاحش مسؤولية عمدية وتعتبر الجناية جناية خطأ يجب فيها الأرش أو الدية يقضى بها وتكون مخصصة على العاقلة، أما بالنسبة ما يباح لطبيب من النظر إلى المريضة لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار الشروط التي اشترطها الفقهاء رحمهم الله تعالى لذلك، وأن لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة، ومن واجب المسلمين تعليم المرأة تلك الاختصاصات الطبية التي تحتاج إليها المرأة والاستغناء عن الرجل؛ لأن هذه الأمور من فروض الكفاية الواجب على المسلمين مراعاتها، كما أنها من التدابير الاحترازية الواجب اتخاذها خوفاً من الفتنة، وما يخص التداوي عند طبيب غير مسلم لا مانع من ذلك بالنسبة للرجل، لا سيما إذا كان أمهر من ذلك، لكن لا يقبل قوله فيما يتعلق بالأمور العبادية وبالتداوي بالمحرم، استناداً إلى الآثار التي وردت من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأتيه الوفود من العرب والعجم فتصف له الأدوية وكان يقبل صلى الله عليه وسلم ما وصفوه منها، ولم يكن هؤلاء الأطباء جميعاً من المسلمين. هذا ما أردت بيانه في هذه النقطة. وشكراً والسلام عليكم.

الشيخ عبد الله محمد:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

في الواقع أن العارضين قد عرضا البحثين بكل توضيح، وفيما يتعلق بالموضوع الأول مسؤولية الطبيب، لا أريد أن أدخل في الموضوعات نفسها؛ لأن الموضوعات وافية والبحوث قيمة، والعرض كان مقنعاً، إنما ورد على لسان العارض في مسؤولية الطبيب قاعدة إذا اجتمع المباشر والمتسبب كانت المسؤولية على المباشر، هذه القاعدة ليست على إطلاقها، قد يكون المتسبب أقوى والفعل يضاف إليه، يكون هو المسؤول دون المباشر، ثم حكاية كنت أتمنى أن لو وضح هذه القاعدة في تطبيقها تطبيقياً على الطبيب متى يكون مباشراً ومتى يكون متسبباً، هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني: بالنسبة أيضاً لمسؤولية الطبيب، وهناك أمر وقفت عليه ولم يتعرض له في الماضي، أحياناً يكون خطأ الطبيب ليس في أصل المهنة وهو يزاول مهنة الطب، إنما يأتي الخطأ بعمل آخر خارجي، مثلاً يكتب الوصفة في ورقة ولكن خطه خصوصاً الأطباء معظمهم يتقيدوا باللغة الإنجليزية، واللغة الإنجليزية إذا أخطأ في حرف يتغير معنى الكلام، فأذكر أن أحد الأطباء كتب وصفة لأحد المرضى من الرجال وذهب إلى الصيدلية ليصرف الدواء، فصرف له دواء منع الحمل، وتعاطى منه لمدة يوم أو يومين ثم راجع الطبيب فقال له: هذا خطأ، فكتب له الدواء الصحيح، فإذا ترتب على هذا قطع النسل مثلاً، كيف يكون الحال؟ هذا بالنسبة للأمر الأول.

ص: 1425

أما بالنسبة لسر المهنة، بالنسبة فيما يتعلق بالموضوع الأول، أنا سمعت الناس في بريطانيا مثلاً يشددون على كتابة الوصفة يجب أن تكون واضحة جلية وبخط جميل، وإلا يسأل الطبيب عنها، بالنسبة لسر المهنة الدكتور أحمد في الواقع تكلم كفقيه وليس كطبيب، فكان عرضه جميلاً شيقاً وافياً، ولكن هناك أريد أن أفرق أيضاً بين أمرين، هناك قاعدة فقهية يمكن تطبيقها على سر المهنة، وهي قاعدة تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، ومن أمثلة هذه القاعدة طبياً عندما يقف الطبيب على مريض يحمل مرضاً معدياً، وهو يعمل مثلاً في مطعم، ويعلم أن عمله في هذا المطعم قد يؤثر في سريان هذه العدوى إلى الآخرين أو إلى رواد هذا المطعم مثلاً، ففي هذه الحالة عندنا ضرر خاص وهو إفشاء السر، وضرر عام وهو العديد من الناس الذين يتعاملون مع هذا المطعم، فهنا لا بد أن يتعين الإخبار عنه ومنعه من البقاء في هذا المكان، ومن تطبيقات هذه القاعدة قال الفقهاء: جميع العقوبات الشرعية فإنها تلحق ضرراً بالفرد ولكن من تطبيقات هذه العقوبات حماية المجتمع، حماية الكافة، فإذن يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، قد يكون الضرر مساوياً مثلاً في حالة الزوج الذي ذكره الدكتور أحمد، لو كان الزوج يحمل مرضاً معدياً يسري إلى الزوجة مثلاً فهنا الإخبار وعدمه سيان، ولكن إذا تعين أن يكون ذلك أمام القضاء أو بطلب من القضاء فهنا أيضاً يترجح عندي لا تكون للسرية تلك القدسية. وشكراً لكم.

الدكتور علي الجفال:

هذه الملاحظات موجودة في المذكرة بالكامل، معالجة الرجل للمرأة، واستطباب غير المسلم واجب، ولكن هناك ملاحظة، أقول: ما هي العقوبات التي تقع على الطبيب الذي يكشف سر مريضه؟ إن الكلام في هذه القضية متشعب وطويل ومعقد؛ ذلك لأن مسؤولية إفشاء الأسرار عموماً الطبية وغير الطبية مسؤولية أدبية قد تخطاها فقهاء الإسلام إلى غيرها من العقوبات النصية المحددة، والذي حملهم على إقفال الكلام عليها صراحة هو أنها تدخل في دائرة الآداب العامة والأخلاق، فهي بها أشبه وأقرب، ولكنهم لم يقبلوا الإشارة إليها فيما قعدوا من قواعد وفرعوا من فروع، والإشارة في بعض الأحيان تكون أبلغ من العبارة، والحر تكفيه الإشارة، فالباحث في كتب الفقه لا يعدم وجود حكم لها، وقد سماها الإمام الشيخ محمود شلتوت رحمه الله بـ " العقوبات التفويضية "؛ وذلك أن الشريعة الإسلامية قد عنيت أشد العناية بحماية الآداب والأخلاق الكريمة، وأوجبت التعزير على جميع الأعمال الموجهة ضد الأخلاق والآداب العامة، ومنها إفشاء السر المصون والحديث المكتوم، وخصوصاً الصلة بين الطبيب المعالج وبين مرضاه، فلا يجوز للطبيب إفشاؤه ولا إذاعة أي شيء من هذه المعلومات التي يحصل عليها من المريض.

ومن هذا نستطيع أن نخلص ونبدي إلى أن الطبيب الذي يذيع أسرار مرضاه، ولا سيما الأسرار الخاصة بينه وبينهم بحكم مهنته الطبية يعتبر من الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ويلحق الضرر بهم وبأسرهم، ويشين سمعتهم، فيجب تعزيره وتأديبه والتنكيل به ومنعه من معاودة هذا الخلق الذميم الممقوت. وشكراً.

ص: 1426

الشيخ محمد الشيباني:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أنا فقط أسأل عن عرض القوانين الفرنسية في شأن الإجهاض، هل للاستفادة منها في شرعنا الإسلامي من حيث أخلاق المهنة، وهل للمجمع قرار سابق في عملية الإجهاض التي أصبحت منتشرة في البلاد الإسلامية مع عدم جوازها في الشرع الإسلامي، حتى إنني سمعت مؤخراً في إذاعة لندن بالسؤال عن النساء اللاتي اغتصبن في البوسنة والهرسك أن هناك فتوى إسلامية أباحت لهن الإجهاض ولو كان الحمل مضى عليه أكثر من أربعين يوماً، وأن البعض أفتى بعدم جواز الإجهاض، إنني أرجو إذا لم يكن مجلس المجمع الموقر أصدر قراراً في هذا الموضوع أن يبحثه في الدورة المقبلة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور محمد علي البار:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيراً يا فضيلة الشيخ، تعليق في نقطة بسيطة على موضوع ضمان الطبيب، وهو قد ذكره الإمام ابن القيم في كتابه الطب النبوي، وزاد المعاد، وقسمه خمسة أقسام واضحة تقسيماً جميلاً:

القسم الأول: قال: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده، فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع، ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس أو ذهاب صفته، فهذا لا ضمان عليه اتفاقاً؛ فإنها سراية مأذون فيه.

الثاني: متطبب جاهل، باشرت يده من يطبه فتلف به، فهذا جعله مسؤولاً مسؤولية كاملة؛ لأنه غر المريض الذي لا يعلم أنه جاهل ويظنه أنه طبيب فجعل كل الدية تكون على هذا الطبيب الجاهل، وتقع عليه أيضاً عقوبة تعزيرية من الشارع، وأوضحهما أيضاً بصورة واضحة عبد الملك بن حبيب الأندلسي توفي سنة 230، قال: إن من لم يكن معروفاً بالطب يكون ضامناً، وإذا لم يكن معروفاً بالطب فهو ضامن لذلك في ماله ولا تحمل ذلك العاقلة، ولا قود عليه؛ لأنه لم يتعمد قتله، وإنما أخطأ الذي طلب من مداواته بجهله.

الثالث: طبيب حاذق، وأذن له وأعطى الصنعة حقها، ولكنه أخطأ، فهذا تقع عليه الدية إذا كانت أقل من ثلث الدية الكاملة، وإذا زادت عن ذلك كانت على العاقلة، ثم ذكر تفصيلاً على ذلك إذا لم تكن هناك عاقلة هل تعود إلى بيت المال بيت مال المسلمين، وإذا كان الطبيب نصرانياً هل هي في ماله أو في بيت مال المسلمين على أقوال اختلف فيها، وهو موقف في الحقيقة دقيق كل الدقة؛ لأن الدكتور العارض قال: جناية المتطبب الجاهل على عاقلته، وما وجدت أحدا قال: إن جناية المتطبب الجاهل على عاقلته، أبداً، كل الذين كتبوا حسب ما وجدته أن جناية المتطبب الجاهل في ماله هو لأنه هو متعد، وتكون في ماله ولا تكون في مال العاقلة قط في هذا الباب.

ص: 1427

رابعاً: الإمام ابن القيم ذكر الرابع في هذا الباب، الرابع والخامس قال: الخامس طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها فقطع علة من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه، أو إذن وليه، أو ختن صبي بغير إذن وليه فتلفه، فقال بعض أصحابنا: يضمن لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه، وأما إن أذن له البالغ لم يضمن.

هذه الأقسام واضحة وذكرها الفقهاء تفصيلاً وتحتاج للنظر فيها؛ لأنها توضح هذه الاختلافات الكبيرة في الشخص إذا كان عمل عملاً واضحاً ليس متجنياً مأذوناً له من جهة الشارع، ومأذونا ًله من جهة المريض أو ولي المريض، والخطأ الذي حدث هو مما تقرره المهنة أنه ليس خطأ منه؛ لأنه لم يتعد حدود المهنة، فهذا لا شيء عليه مطلقاً في هذا، أما إن كان جاهلاً ففي ماله هو فيعاقب عقوبة تعزيرية؛ لأنه أخل بشرط آخر وهو موافقة الشارع في هذه القضية. وشكراً.

الشيخ المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شكراً للعارضين الكريمين على العرضين اللذين سعدنا بالاستماع إليهما، وأريد أن أعقب على ذلك:

أولاً: ما جاء في بحث سعادة الدكتور الذي ابتدأ بالبحث عن كلمة المسؤولية وأنها غير موجودة لا في الفقه الإسلامي ولا في النصوص الإسلامية، أما المسؤولية كمصدر صناعي يعبر عنه مصدر صناعي، فعلاً إني ما وقفت عليها ولكن المسؤولية كمفهوم هو موجود في القرآن وموجود في الكتب القديمة، ومن ذلك في قوله تعالى:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] هو تحقيق للمسؤولية التي هي إلى مصدر صناعي، والمصدر الصناعي إذا وجدت مادته فهو موجود معنى لا شك في ذلك.

الأمر الثاني: وما جاء من أن الخطأ الذي يعذر التحرز عنه متى قام الطبيب بعمله على الوجه الأكمل، أعتقد أن في هذا الكلام نوع من التناقض؛ نظراً إلى أنه إذا قام بعمله على الوجه الأكمل فليس هناك خطأ؛ لأن الخطأ إنما يحدث إذا لم يتم العمل على الوجه الأكمل، لكن بدون قصد؛ لأن ما يقع ما يتم من انحراف عن الوجه الأكمل تارة يكون بقصد فذلك هو العمد، وتارة يكون بدون قصد فذلك هو الخطأ، وأما إذا قام به على الوجه الأكمل كان تماماً فإنه لا يكون هناك خطأ أصلاً. فلذلك أردت التدقيق في هذه القضية، هو أنه لا يقال: الخطأ الذي يعذر التحرز عنه متى قام الطبيب بعمله على الوجه الأكمل، وهذا يؤدي بي إلى الحديث عن العقوبة التي تقع على الطبيب الذي أخل بالمهنة وبأدائها على أصولها التي يجب أن تؤدى عليها، فما ذكره فضيلة الدكتور البار، هو رجل يشهد الله أني أحبه وأقدره وأرى فيه الطبيب المسلم الذي جمع الله له بين تخصصه الطبي وبين عمقه في بحثه في الشريعة وفي وصفه الشريعة بالتفصيل، لا أريد أن أقصم ظهره ولكن هي كلمة حق، لا بد أن أنوه بهذا الرجل الذي أفادني كثيراً في ما اطلعت عليه من آثاره وكتبه ومحاضراته.

ص: 1428

فبالرجوع إلى ما قاله ابن قيم الجوزية في الحقيقة هي ما يعبر عنه في التشريع الإسلامي بتحقيق المناط بمعنى أن الشريعة قررت للخطأ حكماً وقررت للعمد حكماً، ما هو الخطأ وما هو العمد؟ فما قام به ابن قيم الجوزية رحمة الله عليه إنما هو تحقيق المناط، ما يعتبر خطأ وما يعتبر عمداً، فالطبيب الجاهل في إقدامه على التطبيب هو قد تعمد ضرر الناس ولذلك هو يتحمل، والطبيب العالم الذي أتقن صناعته هو إن أدى وظيفته على أتم وجه ولم يقع أي شيء، وإنما حدث شيء من تفاعلات أخرى لا مدخل له فيها، ولكن الشفاء والمرض هو بيد الله سبحانه، فهذا قطعاً لا يسأل عنه؛ لأنه ليس هناك أي خطأ وليس هناك أي شيء إنما هو كما يحدث المرض من ذاته، يحدث المرض من تولد عن مرض آخر بقدرة الله سبحانه وتعالى وبإرادته ولا مدخل للإنسان فيه.

أما الطبيب الحاذق إذا أخطأ فهو من باب الخطأ الحقيقي، فكل ما ذكره ابن قيم الجوزية إنما هو من باب تحقيق مناط الخطأ، وتحقيق مناط العمد، وما يترتب عليهما، وإذا كان عامداً فهو الذي يتحمل قطعاً الدية؛ لأن الدية إنما تقع في العمد على من قام بالعمل والتجاوز، وبينما في الخطأ هي على تفصيل بين الفقهاء متى تكون على الإنسان ومتى تكون على عاقلته؟

أثني على ما تفضل به فضيلة الشيخ عبد الله محمد من التفصيل بين المباشر والمتسبب بأن العبرة هي بقوة التأثير ومتى كانت قوة التأثير إلى المتسبب نسبت إليه، وإذا كانت قوة التأثير إلى المباشر نسبت إليه وهو كلام فقهي جيد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان:

أشارك الأساتذة الذين سبقوني في شكر الأستاذين العارضين، ولكن وقع عندي إبهام أو إشكال في عنوان سر المهنة، هو السر في المهنة أم سر المهنة؟ إضافة السر إلى المهنة، المعروف اصطلاحاً دقائق المهنة وخصائصها، هذا ما نعرفه وهذا هو الشائع، فأظن أن العنوان المفروض أن يكون (الأسرار في المهنة) أو أسرار المعالجة في الطب، وليس سر المهنة.

ص: 1429

ثانياً: تعرضت البحوث المقدمة لدينا إلى موضوعات شرعية عديدة، أظن أنها مجال لاختلاف الرأي، من بعض هذه البحوث التي تعرضت إلى سراية المرض بيد طبيب ماهر هل يضمن أو لا يضمن؟ فبعض الإخوة رجح رأي الحنفية بعدم ضمان الطبيب الماهر، أعتقد أنه لا مجال لهذه المقولة في الوقت الحاضر؛ ذلك أن الأدوات والتقدم الطبي من القدرة بحيث يستطيع أن يثبت إذا كان هذا المرض سيسري أو هذه العملية ستؤدي إلى شيء أفظع وأكبر، ولذلك يسبق العمليات التحاليل وأشياء كثيرة جداً، فأظن هذه المقولة على أن الطبيب الماهر لا يضمن السراية لا يمكن أن نأخذ هذا الحكم على علاته في الوقت الحاضر، فلا يمكن أن يقدم الطبيب اليوم حتى يتأكد على الأقل 90 % بسبب ما هيئ له من آلات وأدوات ومختبرات إلى غير ذلك، فأظن هذه لا تؤخذ على علاتها.

الشيء الثاني، بعض الأبحاث تعرض إلى موضوع التجميل، عمليات التجميل، وأجازها دون تفريق في هذه العمليات، من عمليات التجميل ما هو ضروري إذا كان عبارة عن إعاقة، ولكن هناك تجميلاً تنكرياً تغييراً للخلق أكون أبيض فأريد أن أكون أسود، أو أسود فأكون أبيض، أكون قبيحاً فأريد أن أكون جميلاً، وليست هناك إعاقة كما هو معروف الآن بين طبقات الفنانين مثلاً، فإذن لا يمكن أن تطلق مثل هذه الأمور ولا تؤخذ على إطلاقها، بل لا بد فيها من التفصيل، وشكراً.

الشيخ عبد الله البسام:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ملاحظتي في نقطتين، الأولى منهما، هو ضمان الطبيب، والفقهاء رحمهم الله جعلوا قواعد للطبيب ولغير الطبيب، ولكل من تعدى على حق غيره، فأرى أن الأفضل أن يكون الحد في الضمان أو في عدم الضمان هو أنه إن لم يحصل من الطبيب تعد ولا تفريط، تكون هذه هي القاعدة إذا لم يحصل من الطبيب تعد ولا تفريط، فهو غير ضامن لا في السراية ولا في غير السراية؛ لأن العمل المأذون غير مضمون، وهذا مأذون، وطبعاً يدخل تحت هذه القاعدة جميع الجزئيات التي ذكرها الأساتذة المحاضرون والمعلقون جزاهم الله جميعاً خيرا، فكل هذه الأشياء وغيرها وسيحدث غيرها فتدخل تحت هذه القاعدة إذا كان متعدياً أو مفرطاً فهو ضامن، وإن لم يتعد في عمله ولم يفرط في عمله فهو غير ضامن، وهذه القاعدة هي التي من الأفضل أن يرتكز عليها القرار وتكون الجزئيات كتوضيح وأمثلة لذلك.

ص: 1430

أما النقطة الثانية من حيث إفشاء السر، إفشاء السر الأفضل أن يكون ممنوعاً منعاً باتاً، ولا يجوز إفشاؤه إلا لمصلحة، إذا تحققت المصلحة جاز إفشاء السر، ومن المصلحة مثلاً إذا كان المرض معديا، وكان يخشى عدواه، وهذا ربما يتحتم إفشاؤه بقدر والضرورة تقدر بقدرها، وليس من الضرورة وليس من جواز الإفشاء أن يكون المريض راضياً بذلك، هذا ليس من حقه أن يأذن فيه، ولهذا لا يجوز له أن يكشف عورته ولو وحده، لا يجوز له ذلك، يتأصل القرار على هذا أن إفشاء السر هذا ممنوع، ولا يجوز إلا إذا كان هناك حاجة أو كان هناك ضرورة إلى ذلك ومصلحة متحققة جاز ذلك، وما عداه فهو ممنوع، وشكراً.

الأستاذ صباح زنكنه:

بسم الله الرحمن الرحيم

في الواقع سأطرح بعض القضايا التي أتصور أنها تحتاج إلى إجابات شرعية في الدرجة الأولى في بحث أخلاقيات الطب والطبيب كما تفضل بعض الأساتذة، طرحوا أن علينا أن نسير في اتجاه أن تتخصص النساء في طب النساء، وأن يتخصص الرجال في تطبيب الرجال، وهذا يعني أن تكون الدراسة أيضاً من الأساس دراسة مستقلة، النساء يدرسن طب النساء، والرجال يدرسون طب الرجال، وهذا يعني أن تمهد المقدمات للدراسات الأساسية والمبدئية كعلم التشريح والأنسجة وغيرها، وعلى هذا الأساس من التقسيم، وهناك أمور تعتري هذا الطرح لا بد من النظر فيها، فهناك الحالات الطارئة التي قد تحدث لجنس معين للمرأة ولا تجد إلا طبيباً رجلاً، وهذه كثيراً ما تحدث أو بالعكس، ونسبة الأطباء إلى نسبة السكان في أكثر بقاع العالم الإسلامي، نسبة الأطباء ليست هي النسبة المناسبة التي تعمل بها كثير من الدول المتقدمة، وهذا يؤدي للحاجة إلى مزيد من الأطباء، والتقاليد والعادات ودراسة الرجال والعمل النسوي للمرأة في بيتها وحياتها المنزلية يمنعها من الاستمرار في الدراسة عادة، وقضايا كثيرة تؤدي إلى ارتفاع نسبة الأطباء من الرجال بشكل عادي وطبيعي، وقضية الهرمونات التي تشترك في الرجل والمرأة وبتغيير نسبتها تؤدي إلى تغييرات جنسية، وإذا كانت الطبيبة أو الطبيب لا يدري ما يدور في جسد الجنس الآخر فسيعقد له عمله وقضايا أخرى، وثم قضية الاختصاصات التي يرتفع بها بعض الأطباء إلى مستويات معينة ولا تستطيع الطبيبة أو لا يستطيع الطبيب في مستشفى معين أن يلحق بتلك الاختصاصات، وهنالك حالات ماسة في هذه الحالات، لهذه الحالات أتساءل: ما حكم هذه القضايا من ناحية اختصاص الرجال بالرجال، واختصاص النساء بالنساء، ومقدمات هذا العمل من دراسة وتشريح وأمور أخرى؟

ص: 1431

القضية الأخرى في مسؤولية الطبيب، هنالك بعض القضايا قد تكون واضحة، لكن هناك قضايا علمية تحتاج إلى دراسة أو سوامة فمثلاً يعرف الأساتذة الأطباء ويعرف الكثير من الناس أن استعمال بعض الأدوية يؤدي بالتدريج وعلى مر الزمن إلى إيجاد نوع من المقاومة لأنواع من الجراثيم والأمراض، وهذا لا يتأتى بعمل طبيب واحد وإنما بعمل أطباء متعددين في أزمان متعددة، ولكنه في النهاية يأتي بنتيجة أن المرض الفلاني لا يستطيع أن يؤثر عليه الدواء الفلاني، فهنالك مسؤولية لنقل جماعية تدريجية، ما الحكم الشرعي في هذه المسألة؟ ليست هنالك قضايا واضحة ومحددة، الطبيب الفلاني قام بالعمل الفلاني وأخطأ أو لم يخطئ وحدث حادث، في هذه المسألة هنالك أعداد كبيرة من الأطباء لديهم مسؤولية جزئية لكنهم في المجموع يشتركون بأن يصبح المرض الفلاني مقاوماً للأدوية الفلانية، وخاصة المضادات الحيوية المعروفة Antibiotics.

هنالك بحث آخر أشارت إليه بعض الدراسات من الأساتذة الأفاضل، وهي التضامن بين الأطباء، وهذا شيء محبب لكثير من الحالات وشيء مستحسن، ولكن هنالك حالات قد تكون من الاستثناءات، إذا أخطأ طبيب وطلبت استشارة أطباء آخرين، فإن هذا التضامن سيدخل كعنصر متحيز إلى فئة، ويستدل بأن الطبيب الفلاني أعمل اجتهاده واستقصى جهده من أجل الحصول على العلاج المناسب، ولكنه أخطأ، ويستدل ببعض القواعد الشرعية، حتى إن المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر، فما هي أحكام هذا النوع من التضامن؟ هل تسري أخطاء طبيب واحد على المجموعة المتضامنة معه؟ وهل يشتركون أو يتحملون جزءاً من العقاب والمؤاخذة أو لا؟ هذا ما أردت بيانه وشكراً.

ص: 1432

الشيخ محمد علي عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً: أود أن أقدم شكري للمجمع المكرم بأني أول مرة آخذ الكلمة، ولضيافتكم الكريمة، ولدولة بروناي التي تقدمت بجمع هذا الاجتماع ومكنتنا من التعارف وتبادل الآراء.

سيادة الرئيس، أشكر الأشخاص الذين قاموا بتقديم هذا العرض خاصة العارض، هو مكنا من معرفة بعض القضايا الطبية التي لا شك في أنها من القضايا العصرية، القضايا التي تهم ليس فقط الطبيب بل القضاة أيضاً، بصفتي قاضياً سأتدخل فيما يخص المسؤولية وفيما يخص خطأ الطبيب،، وفيما يخص مسؤولية سر المهنة، أما فيما يخص مسؤولية الطبيب فتدخلي قد يكون غير تدخل البعض، بحيث إن سؤالي سيكون حول مسؤولية الطبيب فيما يخص تجربات تتعلق بما يخص حقوق الله، قد تعرضنا في السنوات الماضية في بعض ندواتنا إلى أطفال الأنابيب، ولا شك أنكم سمعتم بالتجربات التي قامت في أنحاء العالم في أمريكا وغيرها من قصد إيجاد نوع من الأطفال بلا أب وبلا أم كما يقال، فالطبيب الذي يشارك في مثل هذه العمليات ما تكون مسؤوليته أمام الله وأمام المجتمع الإسلامي؟

ثم ثانياً سؤال فيما يخص مسؤولية الطبيب، مسؤولية تتعلق بالآية التي تقول:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] ، عملاً بهذه الآية فالطبيب الذي في حالة مثلاً يكون عنده مريض في حالة خطر، ونظرنا للقضية هذه من ناحية أجهزة الإنعاش ترفأ بالمريض الذي يعرفونه أو الشيخ أو أحد أبنائه

تنزع الآلة التي تجعل هذا المريض.. ماذا تكون مسؤولية هذا الطبيب أمام القضاء وأمام المجتمع؟

ثم ثانياً: سؤال قد طرحه بعض الإخوان الآن، وكان حقيقة سؤال لأني وجدت قضية من القضايا أن الطبيب أخطأ في الكتابة أو أخطأ في الورقة التي أعطاها إلى المريض اقتناء للدواء عوضاً أن يعطيه الدواء الصالح أعطاه الدواء الذي يمنع من الحمل، فالمسؤولية لا شك مسؤولية مدنية ليست جنائية؛ لأنه لم يتعمد القضاء على هذا العنصر بإعطائه الدواء الذي يمنع الحمل، ولكنه خطأ دون قصد ويدخل المسؤول في مسؤولية مدنية لا جنائية.

ثم ثانياً: فيما يخص سر المهنة، ننتقل إلى عنصر ثان وهو سر المهنة، في الحقيقة في القضايا نحن نطلب من الطبيب إفشاء السر في حالات معينة كوكيل جمهوري أطلب من الطبيب أن يفشيَ سر المهنة بطلب أحد المتقاضين أولاً ثم للضرورة، ولكن في حد معين ليس للإفشاء؛ لأن الإفشاء هذا لا يعني أنه يبيح بكل الأسرار التي يكون البوح بها ضررا.. فقط إمكان إرشاد القضاء فقط، ولهذا إذا أقام كما وقع الحكم على الطبيب الذي أفشى سر الطيار الذي كان مصاباً بمرض العروق بحيث إنه أفشى بالسر تمادى في إفشاء السر إلى حد ما هو مسموح له.

هذه حالة أيضاً فالقضاء لا يطالبه، يطالبه بالإرشاد فقط من الناحية الثانية، فيما يخص أيضاً إفشاء السر أن هناك موضوعاً سيقع عرضه إن شاء الله بعد الجلسة الثانية، فيما يخص بمرض الإيدز، هذا أظن من واقع من مسؤولية المجتمع أن نطلب من الطبيب طبعاً على الأقل إبلاغ الأسرة أو إبلاغ الزوجة الثانية.. الطريقة التي يتحصل بها الزوج أو الزوجة في هذا الأمر؛ لأن عدم الإرشاد في هذه الحالة قد يؤدي ولاشك إلى امتداد هذا المرض إلى أشخاص آخرين، وأيضاً أن تكون المصيبة في شخص واحد تكون المصيبة في المجتمع، أعوذ بالله، وهذا ما لا نرجوه، وشكراً.

ص: 1433

الدكتور محمد عطا السيد:

الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك.

باختصار سيدي الرئيس، أريد أن أبين النقاط الرئيسية في مبدأ المسؤولية، والتي أرى أن تدور حولها التوصيات من المجمع في هذا المجال.

أولاً: في الأدلة الشرعية دلالة واضحة إلى إرساء قواعد التخصص والمسؤولية في مهنة الطب، وأن الشرع الإسلامي لا يؤيد فقط بل يوجب إصدار مثل هذه اللوائح التي تنظم كيفية ممارسة الطب وقصرها على المؤهلين المقتدرين ممن درسوا وتمرنوا؛ حتى يسلم أفراد الأمة من الوقوع في الهلكة، وأن الذي يمارس الطب بغير إذن يكون مسؤولاً جنائياً ومدنياً.

ثانياً: إن المبدأ العام هو عدم مسؤولية الطبيب جنائياً إذا أذن المريض أو ولي أمره للطبيب بالتدخل، وهو ما ذهب إليه الجمهور، إلا إذا كان بعد الإذن تقصير جنائي، وقد بين المجمع في قراره في الدورة الماضية مبدأ الإذن ومتى يمكن العلاج بدون إذن المريض أو وليه، وهذا فيما يختص بمسؤوليته جنائياً، وكذلك لا بد من توضيح الحالات التي يجب فيها الضمان على الطبيب المعالج وهي:

أولاً: حالة ما إذا أخطأ خطأ واضحاً فادحاً لقلعه للسن الصحيحة دون المريضة، أو أزال جميع الحشفة في الختان مثلاً، ومن الواضح أن نوعية الخطأ في هذا المجال تحتاج إلى قرار من المختصين.

ثانياً: أؤيد ما ذهب إليه كثير من الفقهاء وما ركز عليه فقهاء الحنفية إلى أن الطبيب لا يسأل متى لم يتجاوز الموضع المعتاد وقام بواجبه على الوجه الأكمل، ويعللون ذلك بأن الهلاك ليس بمقارن للعمل، وإنما هو بالسراية والتحرز منها غير الممكن؛ لأن السراية تعتمد على قوة الطباع وضعفها في تحمل الآلام والصدمات النفسية، وهذا مبدأ هام؛ إذ إنه يضمن لنا تقدم وازدهار الطب، وذلك بارتياد مجالات يفهمها الأطباء فيقدمون عليها من غير خوف أو مسؤولية معطلة.

ص: 1434

ثالثاً: أرى أن يبين المجمع رأي الفقه في الاتجاهات الحديثة، فمعالجة بعض العيوب الخلقية بإجراء عمليات جراحية لإزالتها لتفادي الهم والغم الذي يحس به المشوه من نقص عمن سواه من البشر، وكذلك تفادي سخرية الناس أو اشمئزازهم في بعض الحالات، وهو ما يسمى بعمليات التجميل، ولا أرى أن الشريعة تمانع في إجراء مثل هذه العمليات إذا اتضحت الضرورة ولم يكن خطر محقق، وذكرت في بحثي الأدلة الشرعية على جواز مثل هذه العمليات وراء عدم مسؤولية الطبيب المعالج متى ما أذن المريض، وكان الطبيب مختصاً بإجراء مثل هذه العمليات.

النقطة الأخيرة هي موضوع سئلنا عنه في الأسئلة الموجهة وأظن الأخ العارض لم يتعرض له، والسؤال هو: هل يمكن أن تقوم نقابة الأطباء وشركات التأمين بدور العاقلة؟ وباختصار مما يشرح الصدر أن هذا الأمر تعرض له سلفنا الصالح، ناقشنا قبل أيام بتفصيل موضوع العاقلة، الذي يهمني هنا أن بعضهم قال: إن عاقلة الجاني هم أهل حرفته ومهنته إذا لم يكن له عاقلة من الديوان أو العشيرة؛ لأنهم أهل نصرته وأهل سمعته، وعليه أرى كما بينت في بحثي أن من أعظم أوجه التعاون أن يكون للأطباء لجنة خاصة لحرفتهم يختارون أعضاء من أهل إعانة منهم لمن يجب عليه الضمان نتيجة خطئه هو أن يتخذوا جميع أسباب الرقابة الشرعية والحيطة المالية، حتى إذا أصيب أحدهم بضمان يدفعه –لا قدر الله- عوضوه من مال هذا الصندوق، ويكون في ذلك مثوبة لكل من ساهم في هذا العمل الذي يحول التأمين من مقامرة يحرمها الدين إلى تعاون على البر ينال به صاحبه رضا الرحمن الرحيم، وشكراً.

ص: 1435

الدكتور مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فضيلة الرئيس أصحاب السعادة الإخوة العلماء والخبراء والضيوف، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه يشرفني أن أعرض على سعادتكم موضوعاً طبياً في منتهى الخطورة يشغل بال الدنيا ويهدد البشرية والأمة الإسلامية بعواقب وخيمة، لا يعرف مداها إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يختصر الخوف من مرض الإيدز حالياً على الإصابة بنقص المناعة المكتسب فحسب، بل يتعداه للخوف من أن يتسبب هذا المرض في انتشار أوبئة اعتقدنا أنها انقرضت وتم احتواؤها، مثل وباء السل ووباء الملاريا التي عاودت الظهور في القارة الإفريقية والقارة الآسيوية، وفي الدول الأجنبية؛ نتيجة للجوئها إلى أجساد مرضى الإيدز المنهارة مناعياً وانتقالها منهم إلى الأصحاء، دون الحاجة إلى ممارسة الاتصال الجنسي أو نقل الدم والوسائل الأخرى، بل عن طريق المعايشة العادية التي لا تنقل عدوى الإيدز عادة، لكنها تساهم في نقل العدوى بتلك الأوبئة.

تقدم خمسة من الإخوة العلماء والخبراء بأبحاث في هذا الموضوع وهم: الدكتور محمد علي البار، الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد، الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي، والأستاذ تجاني صابون محمد، وكانت أربعة منها متشابهة في عرضها لنقاط البحث، ماعدا واحداً للدكتور محمد علي البار اختلف في بعض وجهات النظر، والتي سأتطرق إليها أثناء العرض، سيكون العرض علمياً وتحليلياً في طرحه، أما دعم الأحكام المطروحة بالأحاديث الشريفة وآيات الذكر الحكيم فيمكن الرجوع إليها فيما ورد في بحثي الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي والدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد.

ص: 1436

مرض الإيدز طاعون فتاك ووباء قاتل، لا يمكن مقارنته بالأمراض المستعصية الأخرى، فهو ينتقل بالدرجة الأولى من مريض لآخر عن طريق الاتصال الجنسي القائم على الممارسات الشاذة؛ كاللواط أو الممارسات الفاحشة كالزنا والدعارة أو الممارسات العادية بين الأزواج إذا كان أحدهما مصاباً بالمرض، كما ينتقل مرض الإيدز عن طريق الحقن الوريدي بين مدمني المخدرات وبين مرضى الهيموفيليا أو الناعور الذين يقعون ضحية نقل دم ملوث إليهم، ويمكن انتقاله أيضاً إلى المواليد والأطفال عن طريق أم تحمل فيروس المرض أثناء الحمل أو الولادة أو الرضاعة، كما يمكن انتقاله عن طريق الإبر الملوثة وشفرات الحلاقة إذا سبق أن استخدمها شخص مصاب بالإيدز، من هنا لابد لنا من التمييز بين المريض الذي يكتسب العدوى عن طريق الممارسات المخالفة لشرع الله والمريض الذي يكتسبها عن طريق الخطأ دون ذنب له أو إثم، إن توفير الرعاية الصحية للمرضى حق أساسي من حقوق المواطن بغض النظر عن الأسباب المؤدية للإصابة بالمرض، ومنها أن مرض الإيدز هو من الأمراض التي لا يمكن علاجها أو الشفاء منها حتى الآن وهو من الأمراض الخطيرة القاتلة والمعدية، فإنه لابد من عزل المريض مع تقديم الرعاية الصحية اللازمة له في منتجعات أو مراكز متخصصة تتوفر فيها وسائل الراحة وعناصر الحياة الطبيعية التي تسمح للمريض بالمساهمة بأعمال يتقنها أو حرفة يتعلمها تمكنه من كسب قوته وتغطية نفقات علاجه وإعانة أسرته وخدمة مجتمعه، ويستحسن بقاء المريض في تلك المراكز حتى وفاته أو لحين ظهور دواء أو لقاح يشفيه بإذن الله تعالى.

إن إقامة مراكز متخصصة ومجهزة للاهتمام بالمصابين بمرض الإيدز وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية والمادية لهم أمر في غاية الأهمية، تتحمل مسؤوليته الدول المعنية؛ لأنه يوفر حاجزاً منيعاً يحمي مجتمعاتها من أخطار المصابين وحاملي الفيروس الذين يتم كشفهم والتعرف عليهم، كما أن فصل هذه المراكز وتقسيمها إلى شطرين يتيح المجال أمام المسؤولين للتعامل مع المصابين الذين التقطوا العدوى بطريق الخطأ بأسلوب إنساني وحضاري يختلف عن الأسلوب الواجب اتباعه مع المصابين من مرتكبي الفاحشة وممارسي الدعارة والشذوذ والزنا، وعلى المجتمع أن يراعي سرية أسماء المصابين بعد عزلهم حرصاً على مشاعر أفراد عائلاتهم وحماية لمصالحهم وتفادياً لإحراجهم أمام الآخرين ووصمهم بعار لا ذنب لهم فيه، فالإشاعات والافتراضات الخاطئة قد تؤذي أفراد هذه الأسر وتحرمهم نعمة العيش الكريم، وتهدد مستقبلهم المهني ومركزهم الاجتماعي، كما يستحسن السماح لعائلات المرضى وأقاربهم وأصدقائهم بزيارتهم في تلك المراكز وبالاختلاط معهم إذا كان المرضى من الفئة التي اكتسبت المرض عن طريق الخطأ، أما عائلات المرضى الذين اكتسبوا المرض عن طريق الممارسات الشاذة أو غير المشروعة فإن لقاءهم بمرضاهم يجب أن يتم من وراء حاجز عازل.

ص: 1437

وفي هذه النقطة هناك وجه اختلاف مع الدكتور محمد علي البار، من واجبات المرضى والمصابين نحو المجتمع أن يعلموا أزواجهم وزوجاتهم وأرباب عملهم بالمرض، وأن يزودوا السلطات الصحية بأسماء كافة الأشخاص الذين كان لهم اتصال جسدي معهم قبل الإصابة وبعدها، مع الامتناع عن ممارسة العلاقات الزوجية لتفادي نقل العدوى إلى الزوجة وإلى جنينها إن حملت.

في البند الثاني المتعلق بواجبات حامل المرض الذي لم تظهر عليه الأعراض والذي يتم كشفه بعد تحليل الدم، نظراً لكون مرض الإيدز من الأمراض القاتلة التي لا يوجد لها علاج حتى الآن والتي تمتد مرحلة حضانة المرض فيها لعشر سنوات أو أكثر يكون خلالها حامل الفيروس إنساناً معدياً، فإنه يتوجب على حامل الفيروس الذي يتم اكتشافه دون ظهور الأعراض المرضية أن يقوم بإبلاغ زوجته وأفراد أسرته وأرباب عمله والمسؤولين الصحيين عن طريقة التقاطه لفيروس المرض وأن يكشف لهؤلاء المسؤولين عن أسماء الأشخاص المتورطين معه جنسياً؛ حرصاً على السلامة العامة ومنعاً لانتشار العدوى، كما يفترض به الامتناع عن ممارسة الجنس مع زوجته مع إعطائها الحرية في طلب فسخ النكاح إذا كان في ذلك فائدة لها ولأطفالها، ويتوجب على الأطباء والمسؤولين الصحيين وبحكم القانون إبلاغ زوجة الشخص المصاب أو زوج المرأة المصابة عن حقيقة مرضهم حتى يتسنى لهم اتخاذ الاحتياطات اللازمة والكفيلة بحمايتهم وحماية أطفالهم، كما تتحمل السلطات الصحية والجهات الرسمية المختصة مسؤولية عزل الشخص المصاب لحماية المجتمع منه ومن فيروس المرض الذي يحمله، ولقد أصدرت دولة الكويت قانوناً يلزم وزارة الصحة بإبلاغ الزوج أو الزوجة إذا ثبت إصابة أحدهما بالمرض. وفي هذا البند أيضاً خلاف مع الدكتور محمد علي البار.

ص: 1438

ثالثاً: في البند المتعلق في عقوبة مريض الإيدز الذي يتسبب في إصابة شخص آخر، وفي هذا اتفاق من جميع الباحثين. سبق وذكرت أن مرض الإيدز وباء قاتل لا يوجد له علاج، ولا يمكن الشفاء منه حتى الآن، وهذا يعني أن أي إنسان يتسبب في نقل هذا المرض إلى غيره من الناس يستحق العقاب والمحاسبة؛ نظراً لارتكابه جريمة خطيرة أشبه ما تكون بجريمة القتل العمد، وقد تختلف الآراء في حجم وكيفية العقاب، إلا أنه إجراء ضروري جداً؛ لأنه يلقن المذنب وكل من تراوده نفسه القيام بمثل تلك الأفعال الإجرامية المشينة درساً في الحفاظ على سلامة الآخرين، وإذا كان عقاب تجار المخدرات ومتعاطيها ومروجيها يصل أحياناً إلى السجن سنين عديدة ويؤدي إلى الإعدام في بعض الدول، فإن ناقل مرض الإيدز وهو الأخطر بين الأمراض، يستحق عقاباً صارماً ورادعاً يتناسب وخطورته.

البند الرابع: عن جواز فسخ النكاح للمرأة إذا تبين لها إصابة زوجها بمرض الإيدز.

على الرغم من أن فيروس الإيدز لا ينتقل عن طريق اللمس والتنفس والطعام والشراب، أو عن طريق استخدام المناشف والأغطية والمراحيض وحمامات السباحة، إلا أنه ينتقل مباشرة عن طريق المعاشرة الجنسية، وهذا يهدد سلامة الزوجة وسلامة الجنين إذا تحقق الحمل، ونظراً لحرصنا على حماية الزوجة من الضرر الكبير الذي يمكن أن يلحقه زوجها بها وبأطفالها، فإننا نؤيد حقها في طلب فسخ النكاح، خاصة وأن مرض الإيدز يعتبر من الأمراض المعدية والمنفرة الأشد خطراً من أمراض الجذام والبرص التي تمنع الجماع شرعاً، والتي يمكن انتقالها إلى الجنين، كما نؤيد حقها في طلب التعويض المالي الذي يقره الشرع والقانون مع معاقبة الزوج إذا كانت إصابته بمرض الإيدز ناتجة عن ارتكابه الزنا أو عن طريق تعاطيه المخدرات بالحقن الوريدي.

البند الخامس: حول إجهاض المرأة المصابة إذا حملت:

إن احتمال انتقال عدوى الإيدز من المرأة الحامل المصابة بفيروس المرض إلى جنينها عبر المشيمة أمر وارد وموثق علمياً، كما أن احتمال انتقال العدوى إلى الطفل أثناء عملية الولادة من خلال الإفرازات المهبلية للأم، أو أثناء الرضاعة بسبب تلوث حليبها أمور ممكنة أيضاً، وهذا يعني أن الطفل المولود من امرأة مصابة بالمرض قد يبلى بهذا الوباء منذ نعومة أظافره وأنه سيشوه بأعراضه ويعاني منها حتى مماته، وخلال تلك الفترة ستكون السلطات الصحية مسؤولة عن رعايته وإعاشته وتربيته وتعليمه وعزله عن المجتمع عند بلوغه، وبما أن إجهاض المرأة المحتمل أن تنقل أمراضاً وراثية خطيرة إلى جنينها كان موضع بحث مستفيض في السابق من قبل السلطات الصحية والسلطات الشرعية والدينية في جمهورية مصر العربية، فإن إجهاض المرأة المصابة بمرض الإيدز إذا حملت ولم يمض على حملها سوى أسابيع معدودة، أي قبل نفخ الروح في الجنين أمر قابل للبحث والاعتبار.

ص: 1439

البند السادس: حول منع الطفل المصاب بفيروس الإيدز من الالتحاق بالمدرسة إذا كانت صحته جيدة:

إن مرض الإيدز لا ينتقل عن طريق المصافحة والملامسة أو عن طريق التنفس والاختلاط الاجتماعي البريء بين الأطفال في المدارس أو المنازل أو أماكن اللعب والتسلية، وبما أن إصابة الطفل بفيروس الإيدز تكون عادة ناجمة عن عدوى لا ذنب له فيها، فإنني لا أرى مبرراً يمنعه من الالتحاق بالمدرسة شريطة إبلاغ المسؤولين والمعلمين عن هذه الإصابة حتى يتسنى لهم اتخاذ الإجراءات والاحتياطات الضرورية التي تكفل عدم انتقال دم الطفل إلى زملائه في المدرسة في حالة تعرضه إلى حادث معين أو إصابته بجروح دامية أو بأمراض خطيرة معدية كالسل، كما يستحسن توعية الأطفال في المدارس على طرق انتقال العدوى وأهمية تفادي لمس دم زميلهم المصاب أو التسبب في جرحه وإيذائه، وعلى مسؤولي وزارة الصحة أن يقوموا بعزل الطفل عن المجتمع عند بلوغه حرصاً على سلامة الغير.

البند السابع: حول حقوق الجنين المولود الحامل للمرض تجاه أسرته ومجتمعه:

إن حقوق الجنين المولود الحامل لمرض الإيدز تجاه أسرته ومجتمعه لا تختلف عن حقوق أي طفل آخر، فهو يستحق الرعاية والاهتمام والعيش بأمان واطمئنان مع متابعة تحصيله العلمي حتى البلوغ، بعدها يجب عزله في مراكز تتوفر فيها وسائل الراحة والثقافة والعلاج، كما يحق له رؤية أسرته والاختلاط معها بين الحين والآخر ضمن حدود المركز الذي يتم عزله فيه، هذا بالإضافة إلى حقه في العمل وكسب رزقه الحلال من خلال أعمال ومهام يقوم بها داخل ذلك المركز.

البند الثامن: عن طلب إجراء فحص الدم على الحجيج القادمين من المناطق الموبوءة للتأكد من عدم إصابتهم بمرض الإيدز:

ص: 1440

إن الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة وفريضة أساسية واجبة على كل مسلم قادر صحياً ومادياً وعقلياً وجسدياً، ولا أجد مانعاً يحول دون طلب إجراء فحص للدم على الحجيج القادمين من المناطق الموبوءة؛ للتأكد من عدم إصابتهم بمرض الإيدز، أما قرار منع المصابين وحاملي فيروس المرض من أداء شعائر الحج فإنه يحتاج إلى دراسة فقهية عميقة تطرح الأسباب الموجبة للمنع، وإذا كانت دولاً عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية، التي تتغنى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تمنع حاملي المرض من دخول أراضيها لمجرد حضورهم مؤتمر لا يتعدى الأسبوع الواحد؛ خوفاً على زيادة انتشار المرض في أراضيها وبين مواطنيها، فإن للمملكة العربية السعودية الحق أيضاً في حماية بيت الله وكافة الحجيج الذين يزورون أراضيها، وذلك بمنع دخول من يثبت أنه حامل للمرض أو مصاب فيه، وإذا كان الإسلام قد نهانا عن دخول الأراضي التي يتفشى فيها الطاعون وعدم مغادرتها إذا كنا فيها، فإنه بلا شك سينهانا عن السماح للطاعون وحامليه بدخول أراضينا إذا كانت لدينا القدرة والوسيلة على تحقيق ذلك.

البند التاسع: حول الوقاية التي ينبغي الأخذ بها عند الحلق بالجمرات لاتقاء الإصابة بنقل فيروس الإيدز أو فيروس التهاب الكبد:

إن عملية الحلق بالجمرات تحتاج إلى تنظيم وإشراف وحزم ومراقبة مستمرة؛ نظراً لما تشكله من خطر كبير على الحجيج الذين يسلمون أنفسهم للبارئ عز وجل، غير آبهين بالأخطار التي تتهددهم؛ لاعتقادهم أن هذه العملية مجرد مسألة روتينية بسيطة، لا مجال للشك بها أو الخوف منها، وبما أن مرض الإيدز ومرض الالتهاب الكبدي ينتقلان عن طريق التلوث بدم أحد المصابين، فإن هناك احتمالا كبيرا في أن يكون في الحجيج من يقوم برحلته الأخيرة متضرعاً لله عز وجل، راجياً الصفح والغفران؛ لأنه يعلم أن نهايته قريبة؛ نظراً لإصابته بمرض الإيدز وحمله لفيروسه القاتل.

ص: 1441

وهذا يعني أن أية جروح تظهر نتيجة الحلق بالجمرات عند مريض مصاب ستنقل فيروس المرض إلى الشخص الذي يليه في عملية الحلق، خاصة وأن معظم الحلاقين لا يُعقمون أدواتهم تعقيماً صحيحاً ولا يستخدمون الشفرات التي يمكن تغييرها واستبدالها مباشرة بعد كل حلاقة، أضف إلى ذلك وجود عدد كبير من الحلاقين الغير مرخصين والغير مؤهلين الذين لا هَمَّ لهم سوى الكسب المادي الرخيص الذي يمكن أن يكلف عدداً كبيراً من الحجيج أرواحهم.

لذا فإنه من الضروري جداً أن تقوم السلطات المختصة بتنظيم هذه العملية، وتوفير أدوات الحلاقة التي يمكن استخدامها أو استخدام شفراتها لمرة واحدة فقط، وعدم السماح لغير الحلاقين المؤهلين والمرخصين بالقيام بمثل هذا العمل؛ حرصاً على سلامة الحجيج، والله من وراء القصد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور عبد الستار أبو غدة:

بسم الله الرحمن الرحيم

أريد أن أتكلم عن مسؤولية الطبيب وضمانه، مسؤولية الطبيب تنقسم إلى قسمين، هناك مسؤولية تعاقدية ومسؤولية جنائية، المسؤولية التعاقدية حينما يزاول مهنته فإنه يعمل كما يعمل غيره تحت عقد الإجارة، وقد تكون الإجارة عامة أو خاصة بحسب الاتفاق بأن يعمل للجمهور والعموم، أو أن لا يعمل لغير من تَعَاقَدَ معه، ولا تثور مشكلة في هذا، ولكن هناك صورتان عرض لهما الفقهاء في مجال الطبيب فقط، أريد أن أنوه بهما، وقد ذكرتهما في ورقتي، إحداهما: المشارطة على البرء، إذا اتفق الطبيب والمريض على أن الطبيب يقوم بمعالجة المريض إلى أن يبرأ ويستحق الأجر عند البرء فقط، طبعاً هنا قد يقوم بعمل كبير ولكنه لا يبرأ هذا المريض فلا يستحق الأجر، والفقهاء أجازوا هذه الصورة رغم ما فيها بأنها جاءت في حديث أبي سعيد الخدري حينما عالج رجلاً وشارطه على البرء، وعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر تصرفه، والفقهاء خرجوا هذه الصورة من باب الجعالة التي يكون فيها الأجر مرتبطاً بإحداث النتيجة والأثر، وقد يكون العمل قليلاً أو كثيراً فيغتفر.

ص: 1442

الصورة الثانية: هي حالة اشتراط السلامة، هذه الصورة عرض لها بعض الإخوان، والحنفية اهتموا بها، ومنعوا الاتفاق على أن العلاج مشروط بالسلامة؛ لأن هذا أمر ليس في وسع الطبيب؛ لأنه إذا اتخذ الإجراءات المعهودة فنياً، وأخذ الاحتياطات الكافية، هناك عناصر خارجية تدخل في الموضوع، وهي تحمل المريض وظروفه التي قد تخفى مهما أجريت من فحوص واحتياطات، فهذه السراية أو المضاعفات كما تسمى الآن لا تدخل في الضمان وإنما يعفى عنها إذا كان الطبيب قد راعى الأصول الفنية.

أما المسؤولية الجنائية فالأصل أن الطبيب يمارس مهنة واجبة عليه وجوباً كفائياً، والواجب كما جاء في القاعدة: لا يتقيد بشرط السلامة، لكن بما أنه يقوم بأعمال فيها ما يشبه الجناية، وقد يدخل فيها قصد سيئ أو مغرض أو خطأ أو جهالة، لذلك كان لابد من مراعاة الشروط لإعفائه من المسؤولية، وهذه الشروط هي أن يكون طبيباً عن معرفة ودراية، لا عن زعم وادعاء، ولا يكفي الشهرة، ولابد أن تكون هناك خبرة حقيقية.

ثانياً: أن يأتي الفعلة بقصد العلاج وبحسن نية، أو بقصد تنفيذ الواجب الشرعي إذا كان الطبيب قد كلف بإقامة حد أو قصاص.

ثالثاً: أن يعمل طبقاً للأصول الفنية التي يقررها فن الطب وأهل العلم، فيما لم يكن كذلك فهو خطأ جسيم يستوجب المسؤولية.

رابعاً: أن يأذن له المريض أو من يقوم مقامه كالولي.

النقطة الثانية: أخلاقيات الطبيب، وقد تم التوسع في أهمها، وهو عدم إفشاء أسرار المرضى، ولكن إلى جانب هذا هناك أمور أخرى نبه إليها من كتبوا في علم الحسبة، وأوسع من كتب في ذلك تقي الدين السبكي العالم المعروف في كتابه (معيد النعم ومبيد النقم)، فقد بين في كلمات قصيرة معدودة ما ينبغي للطبيب أن يراعيه فقال: من حق المريض على الطبيب أن يبذل له النصح، وأن يرفق به، وإذا رأى علامات الموت لم يكره أن ينبه على الوصية بلطيف من القول، وله النظر إلى العورة عند الحاجة بقدر الحاجة، وأكثر ما يؤتى الطبيب من عدم فهمه حقيقة المرض، واستعجاله في ذكر ما يصفه، وعدم فهمه مزاج المريض، وجلوسه لطب الناس قبل استكماله الأهلية، وعليه أن يعتقد أن طبه لا يرد قضاء ولا قدراً، وأنه إنما يفعل ذلك امتثالاً لأمر الشرع، وأن الله تعالى أنزل الداء والدواء.

ص: 1443

هناك آداب كثيرة تم حصرها بمعرفة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، وخرجت في صورة ما أطلق عليه الدستور الإسلامي للمهنة الطبية، وقد وزعت على المشاركين في هذه الدورة في اليوم الأول، وهذه الأخلاقيات أو الآداب تناولت صفة الطبيب وعلاقته بزميله من الأطباء، وعلاقة الطبيب بالمريض، وواجب الطبيب في الحرب، ورعايته لحرمة الحياة الإنسانية، ومسؤولية الطبيب، والطبيب والمجتمع، والطبيب إزاء البحث العلمي، والمعطيات الحديثة، والتعليم الطبي، وأخيراً قَسَم الطبيب، وهذه المادة كتبت في إطار شرعي وفني؛ لأنه شارك وأسهم فيها عدد من المتعاونين مع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، ولعلها تكون في محل عناية في توصيات هذا الموضوع، والله أعلم.

الشيخ عبد الله بن منيع:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

في الواقع، أشكر المجمع ممثلاً في رئاسته وأمانته على عرض مثل هذه المواضيع التي في الواقع تدل على إيجابية هذا المجمع، وعلى أنه حريص كل الحرص على بحث كل ما يهم المسلمين من مستجداتهم، وهذا في الواقع على كل حال يعتبر إيفاء وقياماً بالواجب عليه، فجزى الله المسؤولين عن هذا المجمع كل خير.

ما يتعلق بالمسؤولية، في الواقع إن المسؤولية معتبرة شرعاً، من ذلك قوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، وقوله تعالى:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] .

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)) ، في الواقع إن كل إنسان مسؤول عن تصرفه، سواء كان تصرفاً في نفسه أو في ماله أو في حقوق الآخرين، هذه المسؤولية لاشك أنها قائمة، ويتعين الأخذ بأحكامها وبمقتضياتها.

ما يتعلق بإفشاء السر، فعندنا في الواقع آثار صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإفشاء السر تقتضيه المصلحة، فإذا كانت المصلحة في إفشائه راجحة تعين إفشاؤه، وإذا كانت المصلحة في كتمانه واضحة تعين كتمانه، من إفشاء السر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه عندما كان راكباً معه على حماره صلى الله عليه وسلم:((أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ فقال رضي الله عنه وأرضاه: الله ورسوله أعلم، فقال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به، فقال معاذ رضي الله عنه: أفلا أبشر الناس، قال: لا تبشرهم فيتكلوا)) فمعاذ رضي الله عنه وأرضاه ذكر ذلك عند قرب وفاته تحرجاً من كتمان العلم بعد أن تأكد أن الإيمان استقر في نفوس المسلمين، فأصبحوا لا يخشى عليهم من الاتكال، بل هم يعرفون أن الإيمان قول وعمل، فالإيمان قول وعقيدة وعمل، وقد استقر هذا في نفوسهم.

ص: 1444

الأمر الثاني: كذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه كان عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم كجزء من خدمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءته زينب زوجة عبد الله بن مسعود فقالت: اسأل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها لزوجها؟ فدخل رضي الله عنه وأرضاه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن امرأة بالباب تسأل، فقال: من هي؟ قال: زينب، قال: أي الزيانب؟ فأخبر رضي الله عنه وأرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ بسرية ما ألزمته هذه المرأة؛ وذلك لأنه رأى أن المصلحة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر.

جانب آخر وهو السرية التي ينبغي أن تلاحظ، رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما بعث حذيفة بن اليمان في غزوة الأحزاب ليأتي بخبر القوم، قال له: إياك أن تحدث شيئاً، فذهب رضي الله عنه وأرضاه وكان منه ما كان، وكان قد تهيأت له فرصة أن يفتك بأبي سفيان ولكنه ذكر ما أوصاه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وألا يحدث شيئاً، فكان هذا منه كتماناً للسر وكتماناً لمغزى القضية التي أرسله صلى الله عليه وسلم فيها، فالحاصل أن السر ينبغي أن لا يكون على إبلاغه، بل إذا كان الاجتهاد يقتضي أن المصلحة الغالبة تقتضي إفشاء السر فيتعين، وإذا كان غير ذلك فيتعين كتمانه؛ امتثالاً للأصل العام في أنه ينبغي ستر أمور المسلمين وألا تفشى عيوبهم.

ما يتعلق بقاعدة المباشر والمتسبب، في الواقع هي قاعدة شرعية، لكنها لا تعين المسؤولية على المباشر مطلقاً، ولا على المتسبب مطلقاً، وإنما هناك نظر اجتهادي، فقد يكون على المتسبب منه مسؤولية الشيء الكثير، وقد يكون المباشر سليماً من المسؤولية، وهذه المسألة بحثها ابن رجب رحمه الله في قواعده بحثاً جيداً، فلعل من يريد الاستزادة الرجوع إليها.

ما يتعلق بخطأ الطبيب، فالواقع أن الطبيب ينبغي أن يكون ذا أهلية بارقة، وألا يكون مقصراً، متعدياً أو مفرطاً، فإذا كانت هذه الشروط مستكملة في حقه، ولم يكن منه إلا سراية هذا العلاج، فالواقع كذلك ليس مسؤولاً عن هذه السراية ولا يعتبر مخطئاً، أما إذا كان مؤهلاً للطب لكن وجد منه التساهل، التقصير، التعدي، ولو كان في قمة الخبرة والأهلية فهو في الواقع مسؤول مسؤولية توجب عليه ضمان ما نتج من تصرفه الخاطئ.

ص: 1445

كذلك في الواقع أتمنى من المجمع أن يصدر توصية إلى منظمة المؤتمر بأن يوجد نظام موحد لمسؤولية الأطباء أنفسهم، وفي نفس الأمر يعرف الطبيب كيف يكون مسؤولاً لا فيما يتعلق بأهليته للطب، ولا بما يتعلق بممارسة أعماله الطبية، ولا فيما يتعلق بالأمور التي يسأل عنها في تقصيره أو تعديه أو تساهله، فهذا في الواقع يعتبر خدمة جيدة للمسلمين؛ لأنه حينما تتولى كل دولة إصدار أنظمة قد تكون هذه الأنظمة بعضها يعارض بعضاً أو بعضها أقصر أو بعضها لا يفي بمتطلبات الآخرين.. قد يكون هذا فيه شيء من التقصير في حقوق المسلمين لكن طالما أنها وجدت هذه المنظمة ووجد من فروعها هذا المجمع المبارك، فلو صدر نظام موحد لكان في هذا الشيء الكثير، كذلك ما يتعلق بما ذكره الباحث المحترم أخيراً، في الواقع كل الباحثين –جزاهم الله خيراً- كلهم محترمون وكلهم قدموا بحثاً شيقاً، جزاهم الله خيراً نعتز باقتنائه وبالاستفادة منه.

في الواقع ما يتعلق بالحج، وأن الحج في الواقع فيه اختلاط بين مجموعة كبيرة من الأقطار الإسلامية من ذكور وإناث، وقد يكون هذا الاختلاط، أو في الواقع ليس قد يكون، وإنما هو محقق في الطواف وفي السعي وفي رمي الجمار، وقد يكون كذلك فيما يتعلق فيما بين الحجاج عند مطوفيهم، فلاشك أن هذه في الواقع على كل حال لفتة كريمة ينبغي العناية بها، وأتمنى لو أصدر المجمع توصية للحكومة السعودية بضرورة العناية بهذه الناحية والنظر فيما يمكن أن يكون حماية للمسلمين، فحينما يأتي رجل مصاب ويريد أن يحج لكنه في الواقع قد يترتب على حجه مضرة كبيرة للمسلمين.

هذه في الواقع بعض أمور أحببت أن أدلي بها وشكراً.

ص: 1446

الشيخ خليل الميس:

بسم الله الرحمن الرحيم

في الحقيقة عندي تساؤلات للسادة الأطباء:

الأول منها: لم يبين لنا الفرق بين خطأ الطبيب في نطاق تخصصه، وبين خطئه في خارج تخصصه، إذا أخطأ في تخصصه أو عالج خارج تخصصه كان مخطئاً، هذا واحد.

ثانياً: هل يعتبر إجراء العملية بآلات تعتبر قديمة وهنالك آلات متطورة يحدث معها الخطأ، هل هنا يكون مسؤولية تقصيرية أم لا؟ وتعرفون أن الآلات متطورة دائماً، آلات الجراحة، الآلات التي تجرى بها العمليات الجراحية، يعني يستعمل آلات قديمة وهنالك آلات حديثة، فيتوفر معها ربما النجاح أكثر.

ثالثاً: أخلاقية الطبيب في الارتزاق، وسأضرب مثلاً في عملية الولادة، الطبيب إذا أجرى عملية قيصرية يأخذ أجراً كبيراً، وإذا انتظر حتى تلد المرأة يكون أجره أقل، فهو ربما لا يراعي هذه الناحية الأخلاقية وينظر إلى الربح المادي فقط، ولا يخفى من إجراء العملية هذه من آثار تترتب على الحمل المتباعد، هذه ثالثة.

رابعاً: طبعاً في الأحكام لابد من ذكر كل شيء، ما الحكم عندكم في قضية المهنة، في الطبيب الذي يفجر بالمرأة التي يكشف عليها، هل يحرم من الطب أم لا؟ هذا أمر، أما الآخر كنا نتمنى على السادة مع أن بحوثهم قيمة واضحة جداً بحيث أنا استفدنا جميعاً منها، كنا نتمنى أن نتنزل من العصر الحديث إلى القديم، لا أن نتصعد من القديم إلى الحديث، ما هي أقوال الجهات المتخصصة في العالم في الطبيب المخطئ في آخر ما توصلت إليه القوانين الدولية، من هنا نبدأ، وبعد ذلك نقول: ماذا عند المسلمين، رغم أن القول في الطب عند المسلمين كما تعلمون في قضية فيها شيء من البداءة والبساطة.

أمر، بالنسبة الإيدز، الحقيقة خطر في البال أمس، واضح، كلنا يعلم أن من أكل البصل أو الثوم صار ممنوعاً أو معذوراً من حضور الجماعة، إذا كان آكل البصل أو الثوم حيل دون حضوره الجماعة حتى لا يؤذي المسلمين في المسجد، فكيف بالمصاب من الإيدز؟ أظن ينبغي أن يحرم من هذا حتى لا يبتلى العالم الإسلامي.. وشكراً.

ص: 1447

الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإني أشكر الأطباء والعلماء الباحثين الذين قدموا هذه البحوث في أخلاقيات الطبيب، شكراً جزيلاً، وما أحوج المجتمع إلى أطباء يتمسكون بالأخلاقيات الناجمة عن الإسلام الحنيف دين الله الحق، فيؤدوا مهنتهم في إطار التعاليم الإسلامية السمحة، وإنما هنا بعض الأشياء التي أردت أن أطرحها:

أولاً: حول مرض فقدان المناعة المعروف بالإيدز، هذا الطاعون الوبائي الذي انتشر في هذا العصر علينا قبل كل شيء ونحن نسمع من الأطباء التوصيات بالتوقي حتى في الحج، خشية انتشار هذا الداء الخطير، علينا أن نسعى إلى قطع دابر هذه العلة، والكل يعلم أن هذه العلة نجمت ونشأت عن انتشار الفاحشة وليس ذلك بغريب؛ فإن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر قوم لوط وما أصابهم من العذاب قال:{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83]، وعندما ذكر الله تبارك وتعالى أهل القرى وما أصابهم من العذاب ومن بينهم قوم لوط قال:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] ، وقد روج للفاحشة في هذا العصر بمختلف الوسائل، ومن بينها وسائل الإعلام على اختلافها، سواء المسموعة أو المقروءة أو المرئية، فانتشار الأفلام الهدامة والمسلسلات الخليعة التي تغري على الفاحشة وتشجع عليها، واستيراد هذه الأفلام والمسلسلات من مختلف البلاد الكفرية، بل وإنتاج هذه المسلسلات أو بعضها في البلاد الإسلامية لمما يشجع على انتشار الرذيلة وانتشار الفاحشة في البلاد الإسلامية، والدين الإسلامي ليس دين تناقضات ومفارقات، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى عندما أدب الرجال في كتابه العزيز بما أدبهم به من وجوب غض الأبصار وحفظ الفروج، أدب بمثل ذلك النساء؛ إذ من التناقض الفاضح والمفارقات المتباينة أن يرى المسلم أمام عينيه الأجسام العارية تتراقص وهي تغري على الفساد، وبجانب ذلك تنتشر الدعوة إلى التمسك بآداب الفضيلة، والإسلام عندما جاء بالحدود الشرعية إنما جاء بهذه الحدود ليرد الشارد وليوجه الشاب بعد ما جاء بالأخلاق الفاضلة، إذ الحدود على الزنا وعلى غير ذلك مما فرضت فيه الحدود عندما جاءت بعد ما انتشرت الأخلاق الفاضلة وانتشرت الفضيلة في الأمة الإسلامية، من جراء رسوخ العقيدة وتمسك الناس بالعبادات، وانغراس خشية الله تبارك وتعالى في نفوسهم، لذلك كان من الواجب أن تحارب هذه العلة المتفشية ويقطع دابرها بالتمسك بأهداب الإسلام وفضائل الإسلام بجانب تطبيق الأحكام الشرعية، وهذا لا يتم إلا بتطهير وسائل الإعلام من كل ما يغري على الفساد حتى تكون هذه الوسائل بناءة.

ص: 1448

ثم إنني رأيت الكاتبين الباحثين اهتما بأخلاقيات الطبيب، وأرى من أخلاقيات الطبيب ألا يكون هنالك تناقض بين قوله وفعله، فالطبيب قدوة للمريض، كما أن الفقيه قدوة للعابد العامي، فإذا كان الطبيب يوصي بشيء وهو يخالفه فإن ذلك بطبيعة الحال يؤدي إلى التشكيك في كلامه.

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

وإنك إذ ما تأتي ما أنت آمر به

تلفى من إياه تأمر آت

نحن نقرأ للأطباء دائماً عن الأمراض التي تنشأ عن التدخين، وقد قرأنا للدكتور البار –جزاه الله خيراً- كتاباً ذكر فيه أنواعاً كثيرة من أمراض السرطان ومن أمراض الجلطات ومن أمراض الشرايين وغيرها من الأمراض القاتلة التي تنشأ عن التدخين، بجانب ذلك في هذا اليوم وجدت في صحيفة عن الأطباء في بلاد عربية ما، بأن نسبة المدخنين منهم بلغت 63 %، وعن بلد عربي آخر بأن نسبة المدخنين فيه من الأطباء بلغت 60 %، وعن بلد إسلامي آخر أن نسبة المدخنين فيه وصلت إلى 29 %، فإذ كان الطبيب يحذر المريض من التدخين ويقول له بأنه سم قاتل، وعندما يأتي إلى الطبيب لعلاجه يأتي والسيجارة بين أنامله يمتصها بشفتيه، ماذا عسى أن يكون اقتناع المريض بمقالة هذا الطبيب؟

وقد كنت في العام الماضي تمنيت وقدمت اقتراحاً أن يخرج المجمع هذا بقرار حاسم في حكم التدخين؛ لأن مضار التدخين أصبحت أمراً لا جدل فيه، والله تبارك وتعالى يحذر من كل ما يؤدي إلى الإضرار بالنفس، وخصوصاً الذي يؤدي إلى إهلاك النفس:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء: 30] ، أو طعن نفسه بحديدة، فلماذا لا يصدر عن هذا المجمع قرار حاسم في أمر التدخين؟

ص: 1449

أما بقية القضايا التي كانت تخطر ببالي أن أتحدث فيها، تحدث فيها المشائخ الفضلاء، وأرى في قضية نشر سر وإفشاء السر وعدم إفشائه أن ينظر في مقاصد الشرع فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

والله ولي التوفيق، وشكراً لكم، والسلام عليكم.

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لعل من المناسب أن تتألف اللجنة من كل من: الشيخ تقي العثماني، الشيخ عبد الله بن منيع، الأطباء: رجائي، البار، مصطفى أبو لسان، الشيخ الجفال.

وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 1450

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم: 83/ 10/ د8

بشأن

السر في المهن الطبية

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سير باجوان، بروناي دار السلام من 1 إلى 7 محرم 1414هـ، الموافق 21- 27 يونيو 1993م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (السر في المهن الطبية) .

وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،

قرر ما يلي:

1-

أ- السر هو ما يفضي به الإنسان إلى آخر مستكتماً إياه من قبل أو من بعد، ويشمل ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان إذا كان العرف يقضي بكتمانه، كما يشمل خصوصيات الإنسان وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس.

ب- السر أمانة لدى من استودع حفظه، التزاماً بما جاءت به الشريعة الإسلامية، وهو ما تقضي به المروءة وآداب التعامل.

ج- الأصل حظر إفشاء السر، وإفشاؤه بدون مقتضٍ معتبر موجب للمؤاخذة شرعاً.

د- يتأكد واجب حفظ السر على من يعمل في المهن التي يعود الإفشاء فيها على أصل المهنة بالخلل، كالمهن الطبية؛ إذ يركن إلى هؤلاء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقديم العون، فيفضون إليهم بكل ما يساعد على حسن أداء هذه المهام الحيوية، ومنها أسرار لا يكشفها المرء لغيرهم حتى الأقربين إليه.

ص: 1451

2-

تستثنى من وجوب كتمان السر حالات يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه بالنسبة لصاحبه، أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه، وهذه الحالات على ضربين:

أ- حالات يجب فيها إفشاء السر بناء على قاعدة ارتكاب أهون الضررين لتفويت أشدهما، وقاعدة تحقيق المصلحة العامة التي تقضي بتحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام إذا تعين ذلك لدرئه.

وهذه الحالات نوعان:

- ما فيه درء مفسدة عن المجتمع.

- وما فيه درء مفسدة عن الفرد.

ب- حالات يجوز فيها إفشاء السر لما فيه:

- جلب مصلحة للمجتمع.

- أو درء مفسدة عامة.

وهذه الحالات يجب الالتزام فيها بمقاصد الشريعة وأولوياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل.

ج- الاستثناءات بشأن مواطن وجوب الإفشاء أو جوازه ينبغي أن ينص عليها في نظام مزاولة المهن الطبية وغيره من الأنظمة، موضحة ومنصوصاً عليها على سبيل الحصر، مع تفصيل كيفية الإفشاء، ولمن يكون، وتقوم الجهات المسؤولة بتوعية الكافة بهذه المواطن.

3-

يوصي المجمع نقابات المهن الطبية ووزارات الصحة وكليات العلوم الصحية بإدراج هذا الموضوع ضمن برامج الكليات والاهتمام به وتوعية العاملين في هذا المجال بهذا الموضوع، ووضع المقررات المتعلقة به، مع الاستفادة من الأبحاث المقدمة في هذا الموضوع.

والله أعلم.

ص: 1452

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم: 84 / 11 / د8

بشأن

أخلاقيات الطبيب: مسؤوليته وضمانه

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري باجوان، بروناي دار السلام من 1 إلى 7 محرم 1414هـ الموافق 21- 27 يونيو 1993م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (أخلاقيات الطبيب: مسؤوليته وضمانه) .

وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،

قرر ما يلي:

تأجيل إصدار قرار في موضوع أخلاقيات الطبيب: مسؤوليته وضمانه وموضوع التداوي بالمحرمات، والنظر في دستور المهنة الطبية المعد من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت والطلب إلى الأمانة العامة لاستكتاب المزيد من الأبحاث في تلك الموضوعات لعرضها في دورة قادمة للمجمع.

والله أعلم

ص: 1453

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم: 85 /12 / د8

بشأن

مداواة الرجل للمرأة

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري باجوان، بروناي دار السلام من 1 إلى 7 محرم 1414هـ الموافق 21- 27 يونيو 1993م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (مداواة الرجل للمرأة) .

وبعد استماعه إلى المناقشات التي دار حوله،

قرر ما يلي:

1-

الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة.

2-

يوصي المجمع أن تولي السلطات الصحية جل جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية، والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء.

والله أعلم.

ص: 1454

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم: 86 /13/ د8

بشأن

مرض نقص المناعة المكتسب: (الإيدز)

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري باجوان، بروناي دار السلام من 1 إلى 7 محرم 1414هـ الموافق 21- 27 يونيو 1993م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)) .

وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله:

قرر ما يلي:

1-

بما أن ارتكاب فاحشتي الزنا واللواط أهم سبب للأمراض الجنسية التي أخطرها الإيدز (متلازمة العوز المناعي المكتسب) ، فإن محاربة الرذيلة وتوجيه الإعلام والسياحة وجهة صالحة تعتبر عوامل هامة في الوقاية منها، ولا شك أن الالتزام بتعاليم الإسلام الحنيف ومحاربة الرذيلة وإصلاح أجهزة الإعلام ومنع الأفلام والمسلسلات الخليعة ومراقبة السياحة تعتبر من العوامل الأساسية للوقاية من هذه الأمراض.

ويوصي مجلس المجمع الجهات المختصة في الدول الإسلامية باتخاذ كافة التدابير للوقاية من الإيدز ومعاقبة من يقوم بنقل الإيدز إلى غيره متعمداً، كما يوصي حكومة المملكة العربية السعودية بمواصلة تكثيف الجهود لحماية ضيوف الرحمن واتخاذ ما تراه من إجراءات كفيلة بوقايتهم من احتمال الإصابة بمرض الإيدز.

ص: 1455

2-

في حالة إصابة أحد الزوجين بهذا المرض، فإن عليه أن يخبر الآخر، وأن يتعاون معه في إجراءات الوقاية كافة.

ويوصي المجمع بتوفير الرعاية للمصابين بهذا المرض، ويجب على المصاب أو حامل الفيروس أن يتجنب كل وسيلة يعدي بها غيره، كما ينبغي توفير التعليم للأطفال الذين يحملون فيروس الإيدز بالطرق المناسبة.

3-

يوصي مجلس المجمع الأمانة العامة باستكتاب الأطباء والفقهاء في الموضوعات التالية، لاستكمال البحث فيها وعرضها في دورات قادمة:

أ- عزل حامل فيروس الإيدز ومريضه.

ب- موقف جهات العمل من المصابين بالإيدز.

ج- إجهاض المرأة الحامل المصابة بفيروس الإيدز.

د- إعطاء حق الفسخ لامرأة المصاب بفيروس الإيدز.

هـ- هل تعتبر الإصابة بمرض الإيدز من قبيل مرض الموت من حيث تصرفات المصاب؟

و أثر إصابة الأم بالإيدز على حقها في الحضانة.

ز- ما الحكم الشرعي فيمن تعمد نقل مرض الإيدز إلى غيره.

ح- تعويض المصابين بفيروس الإيدز عن طريق نقل الدم أو محتوياته أو نقل الأعضاء.

ط- إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج لتجنب مخاطر الأمراض المعدية وأهمها الإيدز.

والله أعلم.

ص: 1456