المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في مشكلات المصارف الإسلاميةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثامن

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادالدكتور: وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌موضوع: " الأخذ بالرخص الشرعية وحكمه

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌الرخصة (التلفيق)إعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌التلفيق والأخذ بالرخصة وحكمهماإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادمحمد رفيع العثماني

- ‌حكمالرخصة وتتبع الرخصفي الفقه الإسلامي

- ‌الأخذ بالرخصةإعدادأ. د. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادأ. د. عبد العزيز عزت الخياط

- ‌الرخصةإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهتتبع الرخص – التلفيق ورأي الفقهاء فيهإعدادفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالشيخ الطيب سلامة

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌بيع العربُونإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بيع العربُونإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌بيع العربونإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌بيع المزايدةإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار

- ‌عقد المزايدةبين الشريعة الإسلامية والقانوندراسة مقابلةمع التركيز على بعض القضايا المعاصرةإعدادعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌قواعد ومسائلفيحوادث السيرإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌ موضوع "حوادث السير

- ‌حوادث السيرإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌حوادث السيرإعدادالشيخ عبد القادر محمد العماري

- ‌حوادث السيرإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالأستاذ الدكتور / علي السالوس

- ‌الائتمان المولد على شكل بطاقةمع صيغة مقترحة لبطاقة ائتمانية خالية من المحظورات الشرعيةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌بطاقات الائتمانإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌سر المهنة الطبية بين الكتمان والعلانيةإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌مسؤولية الطبيبإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌مداواة الرجل للمرأةوالمرأة للرجلإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابينإعدادأ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

- ‌بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعيةالناتجة عن مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)إعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌التداوي بالمحرماتإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌بحوث مجمعية

- ‌حُسن وفاء الديونوعلاقته بالربط بتغير المستوى العام للأسعارإعدادالدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعارفي ضوء الأدلة الشرعيةإعدادد. حمزة بن حسين الفعر

- ‌الربط القياسي للأجور بالمستوى العام للأسعارتحليل من منظور إسلامي لمشكلة الأجورفي ظل التضخم والعلاج المقترحإعدادد. عبد الرحمن يسري أحمد

- ‌التضخم والربط القياسيدراسة مقارنة بين الاقتصاد الوضعيوالاقتصاد الإسلاميإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعاربين الفقه والاقتصادإعدادد. محمد أنس الزرقا

- ‌ندوة قضايا العملةالربط القياسي للديون بعملة اعتباريةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌ملاحظات أساسيةفي مسألة ربط الأجور والمستحقاتإعدادالدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادمجموعة دلة البركة

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادبيت التمويل الكويتي

- ‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلاميةوتصورات لكيفية مواجهتهاإعدادأ. د. إسماعيل حسن محمد

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةعقد السلم ودوره في المصرف الإسلاميإعدادالشيخ صالح الحصين

- ‌مشكلات البنوك الإسلامية في الوقت الحاضرإعدادد. محمد نجاة الله صديقي

- ‌في مشكلات المصارف الإسلاميةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمةالمتعاملة بالرباتجربة مجموعة دلة في أسلمة الشركاتعن طريق شراء أسهمهاإعدادالشيخ صالح عبد الله كامل

- ‌المشاركة في شركات تتعامل بالحرامإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

الفصل: ‌في مشكلات المصارف الإسلاميةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

‌في مشكلات المصارف الإسلامية

إعداد

الدكتور رفيق يونس المصري

مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي

بسم الله الرحمان الرحيم

مقدمة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛ فقد قامت المصارف الإسلامية انطلاقاً من مسلمتين:

1-

الأولى أن الربا المصرفي حرام.

2-

والثانية أن المصارف حاجة عامة، لعلها نازلة منزلة الضرورة الخاصة، بالنسبة للنشاط الاقتصادي الحديث.

وقد كانت الطريقة العملية للتوفيق بين هاتين المسلمتين أن يتم تفحص الأعمال المصرفية بمعيار شرعي، فكان من نتيجة هذا الفحص أن صنفت هذه الأعمال المصرفية صنفين:

1-

صنفاً مشروعاً كالأعمال القائمة على الإجارة، سواء كانت إجارة أشخاص أو إجارة أعمال، من ذلك ودائع الأمانة = (تأجير الصناديق الحديدية) ، أو تحصيل الأوراق التجارية (السفاتج، السندات، الشيكات) ، أو تلقي الاكتتابات بأسهم الشركات، أو دفع قسائم الأرباح (= الكوبونات) ، أو تقديم المشورة في المجالات المباحة.

2-

صنفاً ممنوعاً كالأعمال القائمة على الربا، كالاقتراض = (تلقي الودائع) ، والإقراض = (التمويل) والحطيطة = (خصم الأوراق التجارية) ، والصرف المؤجل. وكذلك الأعمال القائمة على الضمان المأجور، والأعمال القائمة على القمار، كجوائز شهادات الاستثمار، والمراهنات في مصافق = (بورصات) السلع والأوراق المالية على صعود الأسعار وهبوطها، وسائر الأعمال التي تحرمها الشريعة، كتلقي الاكتتابات بالسندات المالية التي تصدرها الدولة أو الشركات، وكتقديم المعونة أو المشورة لأنشطة اقتصادية محرمة، كأندية القمار، ومصانع ومتاجر الخمور، وملاهي الخلاعة والفجور.

ص: 1722

والصنف الممنوع تدخل فيه الأنشطة الأساسية للمصرف، وهو الذي يميز وظيفة الوساطة المالية المصرفية. أما الصنف المشروع فيتعلق بأنشطة مصرفية ثانوية في الغالب.

ومن أجل إحلال المشروع محل الممنوع، قامت محاولات لاستبدال المضاربة = (المقارضة، القراض) ، والشركة؛ بالربا. ثم استشعرت المصارف الإسلامية صعوبات في التطبيق العملي للمضاربة والشركة، فاتجهت من المقارضات والمشاركات إلى المبايعات والمؤجرات. من ذلك بيع المرابحة، والإجارة التمويلية (بالإنكليزية Leasing وبالفرنسية Credit – bail) ، والإجارة البيعية (بالإنكليزية Hire – Purchase وبالفرنسية Location Vente) .

وهذا التحول من المقارضات والمشاركات إلى المبايعات والمؤاجرات تم في جانب الموجودات = (أوجه استخدام الأموال، أو الأصول) من ميزانية المصرف الإسلامي، ولم يتم في جانب المطالب = (مصادر أموال المصرف، أو الخصوم) ، بل بقيت الودائع قائمة على أساس مشاركة المودع، وتحمله المخاطرة.

في هذه الورقة، سنبحث بعض المشكلات التي تواجهها المصارف الإسلامية، موزعة على الفصول الخمسة التالية:

- الفصل الأول: المصارف الإسلامية والأحكام الشرعية الدقيقة.

- الفصل الثاني: المصارف الإسلامية والقيود الشرعية.

- الفصل الثالث: المصارف الإسلامية ومعدلات العوائد المدينة والدائنة.

- الفصل الرابع: المصارف الإسلامية: المساهمون والمودعون.

- الفصل الخامس: المصارف الإسلامية والوساطة المالية.

وهذه المشكلات الخمس بعضها يخص الجمهور (المشكلة الأولى) ، وبعضها يخص المصرف (المشكلة الثانية) ، وبعضها يخص المتعاملين (المشكلة الثالثة) ، وبعضها يخص الرقابة الشرعية (المشكلة الخامسة خصوصاً، وسائر المشكلات عموماً) .

ص: 1723

الفصل الأول

المصارف الإسلامية والأحكام الشرعية الدقيقة

من أهم وأدق الأحكام الشرعية التي تفصل بين المصارف الإسلامية وغيرها من المصارف: حكم الربا.

ومذهب الإسلام في الربا مذهب دقيق:

1-

فالزيادة (المشروطة) في مقابل الزمن في القرض تدخل في ريا النسيئة المحرم.

2-

والزيادة (المشروطة) في مقابل الزمن في البيع (المؤجل) لا تدخل في ربا النسيئة المحرم.

ويرى البعض أن هاتين الزيادتين يجب أن تأخذا حكماً واحداً، إما التحريم وإما الإباحة، أما أن تحرم إحداها وتباح الأخرى، فهذا فيه إشكال.

وبما أن المصارف الإسلامية ذهبت إلى تحريم الأولى وإباحة الثانية، فقد اتهمها البعض بأنها عندما تتعامل ببيع التقسيط فإنها تتعامل بالربا.

والحق أن هذا الاتهام غير صحيح، وإن كانت مسألة التفرقة بينهما مسألة دقيقة، تحتاج إلى نعومة = (دقة) فكرية.

وهذه التفرقة تعتمد على حجتين: إحداهما نقلية، والأخرى عقلية.

1-

فالحجة النقلية حديث الأصناف الستة: ((الذهب بالذهب، والفِضة بالفضة، والبُرّ بالبر، والشَّعير بالشعير، والتمر بالتمر، والمِلح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد)) (صحيح مسلم بشرح النووي 4/98) .

ص: 1724

هذا الحديث يفيد:

1-

أن الذهب بالذهب يمتنع فيه الفضل والنساء.

2-

أن الذهب بالفضة يجوز فيه الفضل، ويمتنع النساء.

3-

أن الذهب بالبر يجوز فيه الفضل والنساء.

ففي (1) لو جاز الفضل والنساء لجاز القرض الربوي، وهو غير جائز.

وفي (2) جاز الفضل لاختلاف الصنفين، وامتنع النساء سداً لذريعة الفضل لاختلاف الزمنين، أي سداً لذريعة القرض الربوي: قرض يمنح بالذهب ويسترد بالفضة.

وفي (3) جاز الفضل لاختلاف الصنفين، وجاز الفضل أيضاً لاختلاف الزمنين، فكما أن العدل في (1) يمنع النساء لامتناع الفضل، فإن العدل في (3) يجيز الفضل لأجل النساء. ولهذا جاز بيع التقسيط الذي هو بر (معجل) بذهب (مؤجل) .

ولهذا نص العلماء على أن للزمن حصة من الثمن، فوضعوا بذلك مبدأ كان لهم فيه سبق تاريخي كبير في مجال العلوم، وهو مبدأ قيمة الزمن، وهو المبدأ المستمد من مفهوم ربا النساء = (فضل الحلول على الأجل) الذي أرساه الشارع بحديث الأصناف الستة، ولم تكن تعرفه العرب في الجاهلية. (1)

2-

والحجة العقلية هي أن القرض في الإسلام أصل والبيع أصل آخر مختلف عنه فأساس القرض الإحسان (= معاوضة ناقصة) وأساس البيع العدل (= معاوضة كاملة) .

والأصل في الإسلام أن للزمن قيمة، تظهر في القرض ثواباً، وفي البيع زيادة، حكمة ذلك أن الزيادة في البيع تابعة لنشاط البيع التجاري المعتبر، أما الزيادة في القرض فهي زيادة مستقلة غير مقترنة ببيع. وقد يجوز الشيء تبعاً ولا يجوز انفراداً، وبهذا يبقى القرض مخصصاً للإحسان، والبيع مخصصاً للتجارة، فلا بأس بالتجارة والاسترباح من البيع، ولو ربحاً إضافياً في مقابل الزمن، أما التجارة بالقروض والاسترباح منها فغير جائز.

(1) أحكام القرآن للجصاص 1/ 464

ص: 1725

ولهذا لا مجال للعالم، ولا لغيره، أن يعترض شرعاً ولا عقلاً على بيع التقسيط الذي تمارسه المصارف الإسلامية، (1) فالاعتراض مرده عدم الإحاطة الدقيقة بالعقود وأسسها الشرعية، أو عدم القدرة على بلوغ مرتبة التمكن من دقائق الفقه ولطائف التحليل.

وقد كان مجمع الفقه الإسلامي بجدة على حق عندما أقر الزيادة للتأجيل في البيع (الدورة السادسة للمجمع 1410 هـ) ، والحطيطة للتعجيل (الدورة السابعة 1412 هـ) التي لا يدخل فيها بالطبع خصم الأوراق التجارية.

كذلك للزمن تأثير في توزيع الأرباح على الودائع الاستثمارية، في المصارف الإسلامية، حيث يتم التوزيع وفق طريقة الأعداد = (النمر) : المبلغ × عدد الأيام، ولهذه الطريقة تطبيق في المصارف التقليدية، وتطبيق آخر مختلف في المصارف الإسلامية، وقد بينت هذا في موضع آخر (2)

(1) راجع، إن شئت، مقالي بعنوان:(البيع الآجل في الفقه الإسلامي) ، في مجلة الوعي الإسلامي، الكويت، العدد 294، لعام 1409 هـ (ص 45- 51)

(2)

راجع مقالي بعنوان: (أهمية الزمن في توزيع الأرباح على الودائع في المصارف الإسلامية) ، في مجلة النور، الصادرة عن بيت التمويل الكويتي، الكويت، العدد: 54 لعام 1408 هـ (ص 22- 27) ، والعدد 57 لعام 1408 هـ (ص 19)

ص: 1726

الفصل الثاني

المصارف الإسلامية والقيود الشرعية

في حين يرى البعض أن بيع التقسيط والوضيعة للتأجيل من باب التوسعة، فإن بعضاً آخر قد يرى أن أحكاماً شرعية أخرى هي من باب التضييق على حرية المصارف الإسلامية في العمل، وفق ما تقتضيه المصالح المتطورة في مجال المهنة.

فالربا ممنوع، والقمار محظور، والمراهنة غير مشروعة، والرشوة ملعونة، وهذا فيه جهالة، وهذا فيه غرر، وهذا حرام، وهذا مكروه، وهذا فيه شبهة

إلخ.

جواب هذا:

1-

إن ما يميز المصارف الإسلامية عن غيرها هو التزامها بأوامر الشريعة ونواهيها. فإذا تحررت وانسلخت من هذا الالتزام فكيف تكون إسلامية؟!

2-

قد يتبرم بعض المديرين بالفتاوى الشرعية المصرفية، وربما يعود ذلك لعدم معرفتهم بالشريعة والتزامهم بها، أو يعود لأن خبراتهم المصرفية المكتسبة قد تشكلت في نطاق المصارف التقليدية.

3-

قد يشتد ظهور هذا التبرم من بعض المصارف التي دخلت أخيراً في ساحة العمل المصرفي الإسلامي لغرض تجاري محض، فتتنافس مع غيرها في اجتذاب أموال المسلمين الملتزمين، ومضاعفة طاقاتها المالية، وترى في الأحكام الشرعية قيوداً وأغلالاً، وتتظاهر في أنها تطبق العقود الشرعية، ولا يكون تطبيقها إلا من باب الصور والشكليات، فتجهض العمل المصرفي الإسلامي في روحه ومقاصده وجديته.

ص: 1727

الفصل الثالث

المصارف الإسلامية ومعدلات العائد

المصارف الإسلامية، في معظم بلدان العالم الإسلامي وغير الإسلامي، تعمل جنباً إلى جنب مع المصارف التقليدية، وبعض المتعاملين معها، من مودعين ممولين أو تجار متمولين، ينظرون إلى المصارف الإسلامية من منطلق المصلحة المادية فقط، فيودع المودع فيها إذا كان عائدها أكبر، ويتمول المتمول منها إذا كان سعرها أقل، وقد يتمول منها باعتبارها مصادر إضافية للتمويل، ولو كان سعرها أعلى.

وهناك متعاملون آخرون ينظرون إلى المصارف الإسلامية من منطلق الالتزام أولاً، فيتمول منها حتى لو كان سعرها أعلى، ولا يتمول إلا منها، وقد يودع فيها حتى ولو كان عائدها أقل. وكثير من المودعين قد تكون ودائعهم فيها ثابتة راكدة بالفعل، ولو كانت جارية بالاسم، ومن المودعين من هم أيتام أو أرامل، أي من هم شركاء نائمون Sleeping (Dormant) Partners. حتى إنهم لا يقارنون العائد بين مصرف وآخر.

على المصارف الإسلامية أن تسعى للوصول إلى عائد مناسب للمودعين، فيكون لهم عائد أعلى من عائد المودعين في المصارف الأخرى، إذا استوت العناصر الأخرى المؤثرة في العائد؛ ذلك لأن المودع في المصرف الإسلامي مودع مخاطر (شريك في الربح والخسارة) ، أما المودع في المصرف التقليدي فهو مودع مضمون له الأصل والعائد (مقرض بفائدة مضمونة) . فيجب أن يكون عائد المودع في المصرف الإسلامي أعلى بما يتناسب مع المخاطرة التي تنطوي عليها الشركة في المصرف الإسلامي، ولا ينطوي عليها القرض الربوي في المصرف التقليدي.

ثم إن حصوله على عائد أعلى يطمئنه أيضاً إلى كفاءة الإدارة، بالإضافة إلى اطمئنانه إلى أن المصرف لا يلجأ إلى توظيف الودائع في مصارف أخرى بفائدة، يقتسمها مع المودع.

أما في علاقة المصارف الإسلامية مع المتمولين، فإنها إذا كانت قائمة على الشركة، فلا اعتراض إذا زاد معدل العائد المتوقع زيادة تتناسب مع درجة المخاطرة التي ينطوي عليها عقد شركة لا يقترن بضمان أو رهن.

أما إذا كانت العلاقة بين الطرفين قائمة على المداينة (مبايعة أو مؤاجرة) ، فيجب أن يكون معدل العائد قريباً من المعدلات السائدة في المصارف التقليدية.

وعلى المصارف الإسلامية، لا سيما في الحالات التي لا تكون فيها من الكثرة بحيث يتحقق فيها شرط المنافسة، أن لا تتقاضى من المسلم، ممولاً أو متمولاً، ثمن التزامه بالإسلام.

ص: 1728

الفصل الرابع

المصارف الإسلامية: المساهمون والمودعون

المصارف الإسلامية إذا كانت شركة مساهمة ففيها مساهمون، وإذا كانت شركة تضامنية أو شركة توصية (بسيطة) أو شركة مسؤولية محدودة ففيها شركاء هم أصحاب رأس المال، وفي كلتا الحالتين، تلجأ المصارف إلى اجتذاب ودائع من المودعين، يبلغ حجمها أضعاف حجم رأس مالها، فالمصارف منشآت تعمل بأموال الغير، إلى حد كبير. ومنه فالمودعون من حيث مجموع أموالهم لهم أهمية كبيرة في المصارف.

وهؤلاء المودعون هم في الغالب مودعون شركاء، فهم كالمساهمين في ذلك، يشتركون في الأرباح والخسائر، وهم المساهمون أصحاب حقوق متعارضة، عند اقتطاع الاحتياطات والمخصصات والمؤونات، وعند تحميل المصاريف، وعند توزيع الإيرادات والأرباح والخسائر. (1)

وفي حين أن المساهمين لهم تنظيمات إدارية تحمي حقوقهم، كمجلس الإدارة أو الهيئة = (الجمعية) العامة، فإن المودعين مشتتون، فمع أنهم شركاء إلا أنهم في التنظيم يعاملون كالمقرضين. حسبهم النظر إلى العائد، فإما أن يروه مقبولاً فيستمروا، أو غير مقبول فيبحثوا عن فرص بديلة، أو ينتقلوا من مصرف إسلامي إلى آخر.

(1) راجع مقالي بعنوان: (أصول توزيع الأرباح واقتطاع الاحتياطات في البنوك الإسلامية) ، في مجلة الأمان، بيروت (العدد 12 لعام 1399هـ، و) المساهمون والمودعون في البنوك الإسلامية صنفان من الشركاء بالمال في شركة أموال واحدة (، في مجلة الأمان، بيروت، العدد 19 لعام 1399هـ، و) توزيع الأرباح بين المساهمين والمودعين في المصارف الإسلامية، (في مجلة الوعي الإسلامي، الكويت، العدد 270 لعام 1407 هـ (ص 38 – 45) .

ص: 1729

الفصل الخامس

المصارف الإسلامية والوساطة المالية

المصارف التقليدية مصارف وسيطة، فهي تقترض من طرف (المودعين) ، وتقرض إلى طرف آخر (المقترضين) ، فهي وسيطة بالمعنى الاقتصادي، بمعنى أن المقرضين لا يقرضون المقترضين مباشرة، بل يتم ذلك بوساطة المصارف. وليست وسيطة بالمعنى الحقوقي، فعلاقتها بكل من الطرفين علاقة مستقلة، فهي ليست وكيلة عن الطرف الأول أمام الطرف الآخر. (1)

والمصارف الإسلامية أول ما قامت على أساس استبدال القراض بالقرض، على أساس المقارض يقارض = (المضارب يضارب) ، فلما برزت صعوبات القراض تم التحول من المشاركات إلى المداينات، في صورة بيوع مؤجلة وإجارات. ولكن مع هذا التحول برزت مشكلات في الفتوى، فإذا قامت المصارف الإسلامية بالبيوع المؤجلة مثلاً، فيجب شرعاً أن تكون بائعة حقيقة، أي تمول المشتري تمويلاً مندمجاً بالبيع (تمويلاً مباشراً) ، فإذا فعلت ذلك لم يكن هناك أي شبهة شرعية. أما إذا قامت بهذه البيوع المؤجلة بائعة في المظهر، ممولة في المخبر، فهذا أقرب للعمل المصرفي السائد، ولمفهوم الوساطة المصرفية أو المالية، ولكنه يثير شبهات شرعية؛ لأن فيه فصلاً للتمويل عن البيع.

وفي كثير من الحالات، على المفتي أن يضع نصب عينيه هذه القاعدة الكبرى التي تنيره في الفتوى، فلا يفتي لعملية بالحل، يكون ظاهرها البيع وحقيقتها وساطة مالية مجردة.

على أن الوساطة المالية إذا ثبت بالدراسة الشرعية أن لا مجال لها في الإسلام فإن معنى ذلك أن المصرف الإسلامي سيكون تاجر سلع وخدمات، لا تاجر نقود وديون. (2) وهذا ما يجعل المصرف لفظاً بلا معنى؛ لأن حقيقته إلغاء المصرف بالمعنى الاصطلاحي له. وهذا ما يتناقض مع المسلمة الثانية التي قام عليها المصرف الإسلامي، وذكرناها في مقدمة هذه الورقة.

الدكتور رفيق يونس المصري

(1) كتابي: الجامع في أصول الربا (ص 427) .

(2)

كتابي: مصرف التنمية الإسلامي، ط 3 (ص 418)، وبحثي: النظام المصرفي الإسلامي خصائصه ومشكلاته (ص 189) .

ص: 1730

المراجع

- صحيح مسلم بشرح النووي، بتحقيق عبد الله أحمد أبو زينة، القاهرة، طبعة الشعب، د. ت.

- أحكام القرآن للجصاص، بيروت، دار الفكر، د. ت.

- البنوك الإسلامية للدكتور جمال الدين عطية، كتاب الأمة، الدوحة، رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، 1407 هـ.

مراجع أخرى (للكاتب)

- الجامع في أصول الربا، جدة، دار البشير، دمشق، دار القلم، بيروت، الدار الشامية، 1412هـ = 1991م.

- مصرف التنمية الإسلامي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 3، 1407هـ = 1987م.

- بيع التقسيط، جدة، دار البشير، دمشق، دار القلم، بيروت، الدار الشامية، 1410 هـ = 1990م.

- بيع التقسيط، الجزء الثاني: الحطيطة والحلول، ورقة مقدمة إلى مجمع الفقه الإسلامي، جدة، 1411هـ = 1990م.

- بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، جدة، العدد الخامس، الجزء الثاني، 1409هـ = 1988م.

- النظام المصرفي الإسلامي: خصائصه ومشكلاته، ضمن) دراسات في الاقتصاد الإسلامي، بحوث مختارة من المؤتمر الدولي الثاني للاقتصاد الإسلامي، (جدة، جامعة الملك عبد العزيز، مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، 1405هـ = 1985م.

- البيع الآجل في الفقه الإسلامي، مجلة الوعي الإسلامي، الكويت، العدد 294 لعام 1409هـ.

- توزيع الأرباح بين المساهمين والمودعين في المصارف الإسلامية، مجلة الوعي الإسلامي، الكويت، العدد 270 لعام 1407هـ.

- أصول توزيع الأرباح واقتطاع الاحتياطات في البنوك الإسلامية، مجلة الأمان، بيروت، العدد 12 لعام 1399هـ.

- المساهمون والمودعون في البنوك الإسلامية صنفان من الشركاء بالمال في شركة أموال واحدة، مجلة الأمان، بيروت، العدد 19 لعام 1399هـ.

- أهمية الزمن في توزيع الأرباح على الودائع في المصارف الإسلامية، مجلة النور، الكويت، بيت التمويل الكويتي، العدد 54 و57 لعام 1408هـ

ص: 1731