الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاحظات أساسية
في مسألة ربط الأجور والمستحقات
إعداد
الدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
مذكرة: ملاحظات أساسية في مسألة ربط الأجور والمستحقات
أ- إن النظر إلى مسألة ربط المستحقات النقدية (سواء كانت أجور عمل أو ديون) من الناحية الشرعية، ينبغي أن يستند على تفهم قويم لطبيعة الظروف المعاصرة والتي اقتضت تطبيق أسلوب الربط في الواقع العملي، وفي هذا المنحى أود عرض الملاحظات التالية على أصحاب الفضيلة العلماء والأساتذة المجتمعين في هذا المنتدى المبارك إن شاء الله.
أولاً- إن الدافع الأساسي لفكرة ربط النقود نشأ عن ضغوط نقابات العمال في العالم الصناعي المعاصر رغبة في حماية مستويات معيشة الطبقة العاملة المعتمدة على أجور العمل، وقد تبنت الدول الصناعية صيغاً مختلفة لمفهوم ربط الأجور خلال السبعينات من هذا القرن، ولكن أكثر الدول الصناعية تخلت منذ منتصف الثمانينات عن سياسة الربط وذلك بسبب ظاهرة التضخم الركودي (Stagtlation) : أي تصاعد معدلات البطالة والتضخم في آن واحد.
ثانياً- إن النظام المصرفي الحديث، رغم ضلوعه في الربا المحرم شرعاً، غير أنه لم يضطر إلى محاولة ربط الديون للحفاظ على أصل الديون في مواجهة المعدلات التضخمية المتصاعدة، خاصة وأن هذه المعدلات قد فاقت معدلات الفائدة خلال السبعينات من هذا القرن
…
وهذا ما أشار إليه بعض اقتصاديي البنك الدولي في الدعوى بأن معدل الفائدة الحقيقي حدث وأن حقق مستويات سالبة في تلك الفترة (1) مما يعني أن رؤوس الأموال نفسها تضررت.
(1) ندوة البنك الدولي (1989م) : أزمة المديونية
ب- وفي ضوء النقطتين السابقتين أشير إلى ما يلي:
1-
إن ربط الأجور هو من الأمور المستحسنة شرعاً؛ لأن الإسلام حريص كل الحرص على حماية الكسب من عمل اليد والحث على ذلك باعتباره المصدر الأساسي للعيش الكريم، غير أن هذا الربط يجب أن يتحقق بمعايير مقبولة (لا ضرر ولا ضرار) وغير مؤدية للجهالة والغرر، بما يفضي إلى النزاع وتوتر علاقات الإنتاج والعمل، في المنشأة الإنتاجية الواحدة.
2-
ومن ناحية أخرى، فإن ربط الديون (حتى على فرض إمكانية تخريجه شرعاً) فهو ليس من الأمور ذات الأولوية؛ لأن التنظيم الإنتاجي والاستثماري في الإسلام يعتمد إلى درجة أكبر على صيغ المضاربة والمشاركة ولا تمثل المديونية (كقروض حسنة) نسبة تذكر من هذا النشاط، وربط الديون سيزيد من الضغط على ربحية المنظم خاصة وأن المنظم يستفيد من رفع الأسعار لتحقيق المزيد من الأرباح وفي هذا تحفيز للإنتاج.
3-
إن مراعاة مصلحة (طبقة المنظمين) تقتضي عدم تحميلهم أكثر من مسؤولية ربط الأجور، وأكبر ضرر اقتصادي يمكن أن يحدث بسبب عدم ربط الديون هو تحول المستثمرين عن الصيغ الاستثمارية المبنية على الديون إلى صيغ المشاركة والمضاربة، وهذه في حد ذاتها نتيجة مستحسنة.
4-
والأكثر خطورة من ذلك أن ربط الديون – وهو أمر لم تضطر له حتى المؤسسات الربوية - قد يتطور إلى صيغة استثمارية ربوية مستترة، ولا شك أن بعض البنوك الربوية ستفضل وضع ودائعها على أساس (معامل الربط) بدلاً من (معدل الفائدة) في حالات التضخم الجامح!!
5-
لذا، فإن التركيز الأساسي يجب أن يكون لإيجاد (معامل ربط) للأجور مقبول شرعاً من حيث منافاته لمصادر الجهالة والغرر، المفضيان للنزاع، وأهم معيار لهذا الربط هو أن يصمم ليكون ربطاً مسبقاً وليس ربطاً لاحقاً حسب تعريفنا الآتي لهذين المفهومين:
6-
يكون الربط للأجور مسبقاً إذا تم الاتفاق بين صاحب العمل والعامل على زيادة الأجر (للشهر القادم مثلاً) بمعدل 2 % مثلاً، باعتبارها نسبة ارتفاع أسعار السلع الغذائية المتوقعة خلال الشهر القادم، ولا تثريب على صاحب العمل إذا ثبت فيما بعد أن أسعار السلع الغذائية زادت بـ (3 %) بدلاً من النسبة المتوقعة (2 %) .
7-
ويكون الربط للأجور لاحقاً إذا اتفق الطرفان على الانتظار حتى نهاية الشهر لمعرفة النسبة الفعلية لزيادة الأسعار، وهذا لا شك من الأمور المحظورة؛ لأن الأجر هنا يكون مجهولاً في ساعة التعاقد، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((من استأجر أجيراً فليعلمه أجره)) .
8-
يتضح من ذلك أن الاتفاق بين صاحب العمل والعامل على ربط الأجر مقبول شرعاً حتى المعيشة.. أمر غير مقبول شرعاً حتى إذا تم تحديد القانون الرياضي الذي يقوم عليه هذا القانون، مثلاً: رقم لاسبيرس (Laspyres) وسلة السلع الداخلة فيه، ذلك لأن القيمة الحسابية الفعلية لرقم لاسبيرس –أو غيره- تعتمد على معرفة أسعار فترة الأساس وأسعار الفترة اللاحقة، وقد يحدث خلاف حول صحة بيانات الأسعار المستخدمة في الرقم القياسي.
الخلاصة
9-
لذا، فإن الذي نميل إليه هنا أن يتم التعاقد على زيادة الأجر بنسبة محسوبة ومعروفة في ساعة العقد مهما كانت طريقة الحساب، وهذا ما نقصده بعبارة (الربط المسبق) .
والله ولي التوفيق
الدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين