المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيع العربونإعدادالدكتور رفيق يونس المصري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثامن

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادالدكتور: وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌موضوع: " الأخذ بالرخص الشرعية وحكمه

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌الرخصة (التلفيق)إعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌التلفيق والأخذ بالرخصة وحكمهماإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادمحمد رفيع العثماني

- ‌حكمالرخصة وتتبع الرخصفي الفقه الإسلامي

- ‌الأخذ بالرخصةإعدادأ. د. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادأ. د. عبد العزيز عزت الخياط

- ‌الرخصةإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهتتبع الرخص – التلفيق ورأي الفقهاء فيهإعدادفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالشيخ الطيب سلامة

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌بيع العربُونإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بيع العربُونإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌بيع العربونإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌بيع المزايدةإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار

- ‌عقد المزايدةبين الشريعة الإسلامية والقانوندراسة مقابلةمع التركيز على بعض القضايا المعاصرةإعدادعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌قواعد ومسائلفيحوادث السيرإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌ موضوع "حوادث السير

- ‌حوادث السيرإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌حوادث السيرإعدادالشيخ عبد القادر محمد العماري

- ‌حوادث السيرإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالأستاذ الدكتور / علي السالوس

- ‌الائتمان المولد على شكل بطاقةمع صيغة مقترحة لبطاقة ائتمانية خالية من المحظورات الشرعيةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌بطاقات الائتمانإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌سر المهنة الطبية بين الكتمان والعلانيةإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌مسؤولية الطبيبإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌مداواة الرجل للمرأةوالمرأة للرجلإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابينإعدادأ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

- ‌بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعيةالناتجة عن مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)إعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌التداوي بالمحرماتإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌بحوث مجمعية

- ‌حُسن وفاء الديونوعلاقته بالربط بتغير المستوى العام للأسعارإعدادالدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعارفي ضوء الأدلة الشرعيةإعدادد. حمزة بن حسين الفعر

- ‌الربط القياسي للأجور بالمستوى العام للأسعارتحليل من منظور إسلامي لمشكلة الأجورفي ظل التضخم والعلاج المقترحإعدادد. عبد الرحمن يسري أحمد

- ‌التضخم والربط القياسيدراسة مقارنة بين الاقتصاد الوضعيوالاقتصاد الإسلاميإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعاربين الفقه والاقتصادإعدادد. محمد أنس الزرقا

- ‌ندوة قضايا العملةالربط القياسي للديون بعملة اعتباريةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌ملاحظات أساسيةفي مسألة ربط الأجور والمستحقاتإعدادالدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادمجموعة دلة البركة

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادبيت التمويل الكويتي

- ‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلاميةوتصورات لكيفية مواجهتهاإعدادأ. د. إسماعيل حسن محمد

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةعقد السلم ودوره في المصرف الإسلاميإعدادالشيخ صالح الحصين

- ‌مشكلات البنوك الإسلامية في الوقت الحاضرإعدادد. محمد نجاة الله صديقي

- ‌في مشكلات المصارف الإسلاميةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمةالمتعاملة بالرباتجربة مجموعة دلة في أسلمة الشركاتعن طريق شراء أسهمهاإعدادالشيخ صالح عبد الله كامل

- ‌المشاركة في شركات تتعامل بالحرامإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

الفصل: ‌بيع العربونإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

‌بيع العربون

إعداد

الدكتور رفيق يونس المصري

مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي - جدة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

فهذا بحث في بيع العربون، لم يقصد به فقط إعادة كتابة ما كتبه فقهاؤنا العظام، وإنما قصد به أيضا تمييزه عن معاملات أخرى قد تبدو، في بعض حالاتها، قريبة منه، كما قصد به كذلك التعرض لبعض المسائل الخاصة، وبعض المسائل الحديثة، مما طرحه مجمع الفقع الإسلامي (بجدة) الموقر.

أرجو أن يكون في هذا البحث ما يعين على اتخاذ القرار المجمعي، ولا سيما في المسائل المطلوبة.

والله ولي التوفيق.

تعريف بيع العربون:

العربون والعربون والعربان كله صحيح اللفظ، وفيه لغات أخرى (1) .

والعربون: لحن لم تتكلم به العرب (2) وذكر صاحب الصحاح (3) أنه عند العامة بلفظ " ربون " وهو عند العامة في بلاد الشام: " رعبون "، بتقديم الراء على العين، ودون حذفها يقال: أعرب في بيعه، وعرب، وعربن: إذا أعطى العربون.

قيل: سمي كذلك لأن فيه إعرابا لعقد البيع، أي إصلاحًا وإزالة فساد، لئلا يشتري غيره ما اشتراه هو (4) .

وقال بعض العلماء: وأصله التقديم والتسليف (5) وحقًّا فإن العربون ليس إلا تسليفا (= تقديمًا تعجيلاً) لجزء من الثمن، إذا ما أمضي البيع فالعربون بهذا المعنى هو الدفعة المقدمة (= المعجلة) يقال: اشترى دارًا بأربعة آلاف، وأعرب فيها أربعمئة، أي: أسلف.

والعربون في الاصطلاح: أن يشتري (أو يستأجر) الشيء، ويدفع للبائع (أو للمؤجر) مبلغا من المال، على أنه إذا تم البيع (أو الإجارة) فما دفعه كان جزءًا من الثمن (أو الأجرة)، وإن لم يتم البيع (أو الإجارة) كان ما دفعه ملكًا للبائع (أو للمؤجر) وفي تعريف بعض العلماء: كان ما دفعه " هبة "(6) وسيأتي مناقشة لفظ الهبة، وما في معناه في مبحث حقيقة العربون.

وقد عرفه بعض العلماء بعبارة مركزة، فقال:" الإعراب في البيع أن يقول الرجل للرجل: إن لم آخذ هذا البيع بكذا فلك كذا وكذا من مالي "(7) ففي هذا التعريف تركيز على الجزء المهم من العربون، وهو دفع المشتري مالاً للبائع إن لم يقع البيع أما إذا دفعه على أنه جزء من الثمن إذا وقع البيع، وقابل للاسترداد إذا لم يقع، فهذا ليس من العربون الذي اختلف فيه الفقهاء، إنما هو متفق عليه بينهم جميعًا (8) ، ولا يعدو كونه دفعة على الحساب.

(1) المجموع للنووي 9/ 407، وتهذيب الأسماء واللغات له أيضا 2 /6، مادة: أرب.

(2)

حاشية قليوبي 2 /186.

(3)

الصحاح للجوهري 6/ 2164، مادة: عربن.

(4)

النهاية لابن الأثير 3 /202، ولسان العرب 1 /592، وعون المعبود 9 /398.

(5)

نهاية المحتاج 3 /459.

(6)

مغني المحتاج 2 /39.

(7)

لسان العرب 1 /592.

(8)

تفسير القرطبي 5 /150، والقوانين الفقهية ص 284، والخرشي على خليل 5/ 78، وعون المعبود 9/ 400

ص: 479

الآثار الواردة في بيع العربون:

1-

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان)) ، الموطأ 2 /609، المنتقى 4 /157، مسند أحمد 11 /13، سنن أبي داود 3 /384، سنن ابن ماجه 2 /738، سنن البيهقي 5 /342.

قال الشوكاني (1) : " الحديث منقطع، لأنه من رواية مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب، ولم يدركه، فبينهما راو لم يسم ".

2-

أخرج عبد الرزاق في مصنفه (2) " عن زيد بن أسلم ((أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العربان في البيع فأحله)) .

قال الشوكاني: " وهو مرسل، وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيف ".

3-

روي عن نافع بن عبد الحارق أنه اشترى لعمر دار السجن بـ (400) من صفوان بن أمية فإن رضي عمر وإلا فله (أي لصفوان) كذا وكذا (400) قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه (3) .

4-

عن ابن سيرين قال: قال رجل لكريه (= مكاريه، مؤجره، صاحب الدابة) : أرحل (= شد رحال، والرحال ما يوضع على ظهر الدابة) ركابك (= دوابك)، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مئة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه (صحيح البخاري، باب ما يجوز من الاشتراط 3 /259، ومصنف عبد الرزاق، باب الشرط في الكراء 8 /59)(4) .

5-

عن ابن سيرين وسعيد بن المسيب: لا باس إذا كره السلعة أن يردها، ويرد معها شيئا وقال أحمد: هذا (أي العربون) في معناه (5) .

(1) نيل الأوطار 5 /173 وانظر عون المعبود 9 /399 و401، المجموع للنووي 9 /406، وتفسير القرطبي 5 /150.

(2)

نقلته عن نيل الأوطار 5 /173، ولم أجده في مصنف عبد الرزاق، وانظر عون المعبود 9 /401، وتفسير القرطبي 5 /150.

(3)

المجموع للنووي 9 /408، والمغني 4 /59 و 289، وأعلام الموقعين 3 /389 و 401

(4)

وانظر فتح الباري 5 /354، وإعلام الموقعين 3 /400.

(5)

المغني 4 /58 و 289، ومطالب أولي النهى 3 /77.

ص: 480

آراء الفقهاء في مشروعية العربون:

منع العربون جمهور العلماء، وأجازه من الصحابة: عمر وابنه عبد الله، ومن التابعين: مجاهد، وابن سيرين، وابن المسيب، ونافع بن عبد الحارث، وزيد بن أسلم، ومن الأئمة: الإمام أحمد بن حنبل ومن المعاصرين: مصطفى الزرقاء (1) ، ووهبة الزحيلي (2) ، ويوسف القرضاوي (3) ، والسنهوري (4) ، وأبو رخية (5) .

ومن المعاصرين الذين لم يجيزوا العربون: الصديق الضرير (6) ولكن يبدو منعه منصب على بيع العربون الذي لم تحدد فيه مدة الخيار ولا أدري هل يستمر في المنع إذا حددت المدة؟

بيع العربون مفسوخ عند المالكية:

(وهم من المانعين) .

قال القرطبي (7) : " وبيع العربون مفسوخ إذا وقع على هذا الوجه، قبل القبض وبعده، وترد السلعة إن كانت قائمة، فإن فاتت رد قيمتها يوم قبضها ".

حجة المانعين:

1-

حديث عمرو بن شعيب، في النهي عن بيع العربون قال الشوكاني (8) :" حديث عمرو بن شعيب قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضًا ".

2-

تقديم الحظر على الإباحة، عند التعارض قال الشوكاني (9) :" ولأنه (حديث عمرو بن شعيب) يتضمن الحظر، وهو أرجح من الإباحة، كما تقرر في الأصول ".

3-

حديث نافع بن الحارث يمكن حمله، جمعًا بين الآثار، على أن شراء دار السجن لعمر قد تم بعد الشرط، بعقد مبتدأ، احتسب فيه الدرهم من الثمن، فخلا البيع عن الشرط المفسد.

(1) المدخل الفقهي 1 /495.

(2)

الفقه الإسلامي وأدلته 4 /450.

(3)

شريعة الإسلام ص 114.

(4)

مصادر الحق 2 /96.

(5)

حكم العربون ص 23.

(6)

الغرر وأثره في العقود ص 105.

(7)

تفسير القرطبي 5 /150، والمنتقى 4 /157.

(8)

نيل الأوطار 5 /173.

(9)

نيل الأوطار 5/ 173.

ص: 481

4-

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] وأخذ العربون هو أكل لأموال الناس بالباطل (1) .

5-

فيه شرط شيء للبائع بغير عوض، فلم يصح (2) .

6-

لا يصح جعل العربون عوضًا عن انتظار البائع، وتأخير بيع السلعة من أجل المشتري، لأنه لو كان عوضًا عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء، لأن الانتظار بالبيع لا تجوز المعارضة عنه، ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار، كما في الإجارة (3) .

7-

فيه غرر (= خطر) لأنه إذا اشترى كسب العربون (باحتسابه من الثمن) ، وإذا ترك خسر العربون (4) .

8-

لا يصح بيع العربون لأن فيه شرطين فاسدين: أحدهما: شرط الهبة، والثاني: شرط الرد على تقدير أن لا يرضى (5) .

9-

هو بمنزلة الخيار المجهول، فإنه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة، فلم يصح، كما لو قال: ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهم (6) .

حجة المجيزين:

1-

عدم ثبوت النهي عن بيع العربون (7) .

2-

الأ ثر الوارد عن عمر وابنه عبد الله، في شراء دار السجن، وقد تقدم ذكره.

3-

الآثار الواردة عن ابن سيرين وابن المسيب ومجاهد ونافع بن عبد الحارث وزيد بن أسلم (8) .

كان زيد يقول: أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أهل الحديث: ذلك غير معروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (9) .

4-

ما أخرج البخاري في باب ما يجوز من الاشتراط عن ابن سيرين، وقد تقدم في مبحث الآثار (10) .

(1) مقدمات ابن رشد 2 /222، والخرشي على خليل 5 /78، وتفسير القرطبي 5 /150، والمنتقى 4 /157، والمجموع 9 /408، وعون المعبود 9 /400.

(2)

المغني 4 /58.

(3)

المغني 4 /59 و 289، وكشاف القناع 3 /195.

(4)

مقدمات ابن رشد 2 /222، والخرشي على خليل 5 /87، والمنتقى 4 /157، وتفسير القرطبي 5 /150، والمجموع 9 /408، وعون المعبود 9 /399.

(5)

مغني المحتاج 2 /39، والجمل على المنهج 3 /73، وعون المعبود 9 /400-401، ونيل الأوطار 5 /173، والفقه الإسلامي للزحيلي 4 /449.

(6)

المغني 4 /58 – 59، والفقه الإسلامي للزحيلي 4 /449.

(7)

قليوبي وعميرة 2 /186، والمجموع 9/ 406، وعون المعبود 9 /399، ونيل الأوطار 5 /173.

(8)

المغني 4 /58 و 289، وغيره.

(9)

بداية المجتهد 2 /122.

(10)

صحيح البخاري 3 /259، ومصنف عبد الرزاق 8/ 59، وإعلام الموقعين 3/ 359.

ص: 482

موقف الحنابلة من الشروط:

سبق أن ذكرنا أن الحنابلة، من دون سائر المذاهب الأخرى، قد أجازوا بيع العربون، والحقيقة أن مذهبهم في الشروط أوسع من المذاهب الأخرى ففي إعلام الموقعين:((المسلمون عند شروطهم، إلا شرطًا أحل حرامًا، أو حرم حلالاً)) ، " وتعليق العقود والفسوخ والتبرعات والالتزامات وغيرها بالشروط أمر قد تدعو إليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة، فلا يستغني عنه المكلف، وذكر البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: مقاطع الحقوق عند الشروط، ولك ما شرطت. وقال في كتاب الحرث: وعامل عمر الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فلهم الشطر، وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا.

وهذا صريح في جواز: " إن أخذته اليوم فلك كذا، وإن أخذته غدًا فلك كذا "، وفي جواز:" بعتكه بعشرة نقدًا أو بعشرين نسيئة "، فالصواب جواز ذلك كله، للنص والآثار والقياس.

والمقصود أن للشروط عند الشارع شأنًا ليس عند كثير من الفقهاء، فإنهم يلغون شروطًا لم يلغها الشارع، ويفسدون بها العقد من غير مفسدة تقتضي فساده، وهم متناقضون فيما يقبل التعليق بالشروط من العقود وما لا يقبله، فليس لهم ضابط مطرد منعكس يقوم عليه، فالصواب الضابط الشرعي الذي دل عليه النص أن كل شرط خالف حكم الله وكتابه فهو باطل، وما لم يخالف حكمه فهو لازم " (1) .

مقصد العربون في الفقه:

1-

إعطاء المشتري أو المستأجر حق النكول (= العدول) إذا بدا له أن الشراء في غير صالحه.

2-

جبر ضرر البائع أو المؤجر، في حدود مبلغ العربون، نتيجة نكول المشتري أو المستأجر.

فالعربون هو الجزاء أو الثمن الذي يتكبده أحد المتعاقدين، نتيجة نكوله.

(1) إعلام الموقعين لابن القيم 3/ 399 – 402.

ص: 483

شيء من التفصيل في مقاصد (= حكم) العربون:

1-

قد يرغب أحد المستهلكين في شراء سلعة، ولا يملك ثمنها كاملاً، فيدفع جزءًا من الثمن للبائع، ويقول له: لا تبع هذه السلعة لغيري، فإن عدت إلى يوم كذا فما دفعته يكون جزءًا من الثمن، وإلا فلك.

2-

قد يجد أحد المشترين سلعة لدى أحد الباعة، ويتردد في شرائها، خشية عدم ملاءمتها جودة أو ثمنًا أو غير ذلك، فإن لم يشترها فربما عاد فلم يجدها، وإن اشتراها على البت فربما لم تعجبه بعد ذلك، أو لم تعجب من اشتراها له، كزوجه أو ولده أو موكله.

فمن أجل الخروج من هذا التردد، يلجأ إلى شرائها بشرط الخيار لنفسه، فإن وافق البائع على الخيار فبها ونعمت، ولكن البائع قد لا يوافق على هذا الخيار بالمجان للمشتري، ولا سيما أن ضررًا قد يصيبه من جراء عدول المشتري عن الشراء، مثل تفويت فرصة بيعها لآخر.

وقد تكون السلعة غير جاهزة، بل سلعة يطلب المشتري تصنيعها أو خياطتها أو غير ذلك، وقد لا يسهل على البائع تصريفها، إذا عدل عنها مشتريها، كأن تكون سلعة خاصة من حيث أوصافها: قياسها، لونها

إلخ.

ففي مثل هذه الحالات يكون العربون بمثابة تعويض مقطوع للبائع عن العطل والضرر، يتفق عليه المتبايعان، ويقدرانه منذ العقد، ولا يؤخرانه لحين وقوع الضرر الفعلي، فالعربون هو ثمن الخيار، أو ثمن (أو جزاء) حق النكول.

3-

والسلعة إما أن تبقى عند البائع محجوزة لحين عودة المشتري وعزمه على الأخذ أو الترك، أو أن يأخذها المشتري معه، لكي يتفحصها أو يختبرها بنفسه أو بالاستعانة بغيره، أو لكي يعرضها على زوجه أو ولده أو موكله، فيتحقق له بذلك التروي أو المشورة أو التجريب (= الاختبار، القياس) .

وهذا كله بافتراض أن المشتري، إذا أخذ السلعة، ثم ردها، لم تتغير عنده، نتيجة استعمال أو استهلاك أو تلف، فمثل هذا إذا وقع فهو دليل على أن المشتري قد عزم على إمضاء الشراء، ولم يعد له خيار فيه (1) .

حقيقة العربون: هل العربون (عند عدم إمضاء العقد) يعد هبة أم جزاء أم تعويضًا أم ثمن خيار؟

1-

في بعض كتب الفقه جاء أن العربون إذا ترك المشتري السلعة فهو هبة ففي مغني المحتاج (2) هو " أن يشتري ويعطيه دراهم، لتكون من الثمن، إن رضي السلعة، وإلا فهبة ".

وفي روضة الطالبين (3) : " هو أن يشتري سلعة من غيره، ويدفع إليه دراهم على أنه إن أخذ السلعة فهي من الثمن، وإلا فهي للمدفوع إليه مجانا".

وفي مصنف عبد الرزاق (4) : " للمالك بغير شيء".

وفي موطأ مالك (5) : " للمالك بغير شيء".

وفي نيل الأوطار (6) : " ما دفعه إليه يكون مجانًا ".

وفي المغني (7) .

2-

وفي بعض الكتب جاء أن العربون " عوض عن انتظار البائع "(8) .

3-

إذا قيل: إنه هبة فهذا ينطبق في الحالات التي لا يتضرر فيها الطرف الآخر من الطرف الناكل.

وإذا قيل: إنه تعويض عن الضرر فيجب أن يفهم أن الضرر قد يقع وقد لا يقع، وقد يكون مبلغه مساويا لمبلغ العربون أقل أو أكثر وعندئذ يفهم أن التعويض مقدر تقديرًا حكميا لا فعليا. وإذا قيل: إنه تعويض عن الانتظار فهذا قد يكون صحيحًا إذا كان الأمر مجرد انتظار فقط، أي لم يقترن بضرر.

(1) مقالي في مجلة الوعي الإسلامي بعنوان: " بيع العربون: تحليل فقهي "، العدد 301 لعام 1410هـ = 1989م، ص 52 – 53.

(2)

مغني المحتاج 2/ 39، الجمل على المنهج 3 /72.

(3)

روضة الطالبين 3/ 397.

(4)

مصنف عبد الرزاق 8/ 18.

(5)

موطأ مالك 2/ 609.

(6)

نيل الأوطار 5/ 173 وانظر روضة الطالبين 3 /399.

(7)

المغني 4 /58 وانظر تفسير القرطبي 5 /150، والمنتقى 4 /157.

(8)

المغني 4 /59 و 289، وكشاف القناع 3 /195.

ص: 484

وإذا قيل: إنه جزاء (= غرامة) أو عقوبة، فربما وجب إثبات الضرر، وتحديد الجزاء في حدود هذا الضرر، أو أعلى منه، لأن مفهوم الجزاء مختلف عن مفهوم التعويض.

ويرى رجال القانون أن العربون هو جزاء النكول.

ولعل العربون هو أقرب إلى الجابر (= التعويض) منه إلى الزاجر (= العقوبة، الغرامة) .

وربما يكون للعربون طبيعة خاصة تجعله مختلفا عن كل ما سبق، فليس هو هبة، ولا جزاء، ولا غير ذلك، وإن كان أقرب إلى بعض هذا من بعض فالعربون جزء من الثمن إذا أمضيت الصفقة وثمن خيار إذا كان هذا الخيار بالعدول عن الصفقة فالعربون لا ينظر إليه فقط عند العدول، مع ما لهذا النظر من أهمية خاصة، بل ينظر إليه أيضا عند الإمضاء، وهذا ما يجعل له طبيعة خاصة متميزة، والله أعلم.

العربون في البيع والإجارة:

قال في كشاف القناع (1) : " أو يستأجر، ويعطي المشتري البائع أو المؤجر درهما، أو أكثر من الدرهم، أو أقل منه، ويقول له: إن أخذته، أي المبيع أو المؤجر، وسواء عين وقتا لأخذه أو أطلق، صححه في الإنصاف، فهو، أي الدرهم، من الثمن أو الأجرة، وإلا أي: وإن لم آخذه فالدرهم لك أيها البائع أو المؤجر، فإن تم العقد فالدرهم من الثمن أو الأجرة وإلا بأن لم يتم العقد فالدرهم لبائع ومؤجر، كما شرطا، لما تقدم.

وإن دفع من يريد الشراء أو الإجارة إليه، أي: إلى رب السلعة، الدرهم أو نحوه، قبل عقد البيع أو الإجارة، وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري، أو لا تؤجرها لغيري، وإن لم أشترها أو أستأجرها فالدرهم أو نحوه لك، ثم اشتراها أو استأجرها منه، وحسب الدرهم من الثمن أو الأجرة، صح ذلك وإن لم يشترها أو يستأجرها فلصاحب الدرهم الرجوع فيه، لأن رب السلعة لو أخذه لأخذه بغير عوض ولا يجوز جعله عوضًا عن إنظاره، لأن الإنظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه ولو جازت لوجب أن يكون معلوم القدر، كالإجارة ".

ليس من العربون:

إذا أعطى المشتري العربون على أنه إن كره البيع استرد المال، وإن أمضى البيع حسب المال من الثمن، فهذا جائز عند الجميع، ولكنه ليس من العربون المختلف في جوازه بين العلماء (2) .

مدة الخيار في بيع العربون:

قال الزحيلي (3) : " فهو (أي العربون) بيع يثبت فيه الخيار للمشتري: إن أمضى البيع كان العربون جزءًا من الثمن، وإن رد البيع فقد العربون، ومدة الخيار غير محددة بزمن، وأما البائع فإن البيع لازم له ".

وقال بعض الحنابلة (4) : " لابد أن تقيد فترة الانتظار بزمن محدد، وإلا فإلى متى ينتظر البائع؟! ".

وسيأتي معنا أن القوانين الوضعية تقيد الخيار بمدة معلومة.

(1) كشاف القناع 3 /195، وانظر الإنصاف 4 /358، وعون المعبود 9 /400، والموطأ 2 /609، والمنتقى 4 /157- 158، وحاشية الدسوقي 3 /63، والخرشي 5 /87 وتفسير القرطبي 5 /150.

(2)

الشرح الكبير 3 /63 والقوانين الفقهية ص 684، القرطبي 5 /150، وعون المعبود 9 /400.

(3)

الفقه الإسلامي وأدلته 4 /448.

(4)

غاية المنتهى 2/ 26، والفقه الإسلامي للزحيلي 4 /448، وانظر المغني 4 /58، وكشاف القناع 3 /195.

ص: 485

العربون في القوانين الوضعية:

قال السنهوري (1) : " يتفق أحيانا أن يدفع أحد المتعاقدين للآخر، عند إبرام العقد، مبلغا من المال، يكون عادة من النقد، يسمى: العربون وأكثر ما يكون ذلك في عقد البيع، وفي عقد الإيجار فيدفع المشتري للبائع، أو المستأجر للمؤجر، جزءًا من الثمن أو من الأجرة ويكون غرض المتعاقدين من ذلك إما حفظ الحق لكل منهما في العدول عن العقد، بأن يدفع من يريد العدول قدر هذا العربون للطرف الآخر، وإما تأكيد العقد والبت فيه، عن طريق البدء في تنفيذه بدفع العربون ".

وقال أيضا (2) : " إذا دفع عربون وقت إبرام العقد ـ ولم يتفق المتعاقدان، صراحة أو ضمنا، على أنه إنما دفع لتأكيد البتات في التعاقد، كان دفعه دليلاً على أن المتعاقدين أراد أن يكون منهما الحق في العدول عن العقد، يستوي في ذلك البيع والإيجار وأي عقد آخر.

فإذا لم يعدل أحد منهما عن العقد، خلال المدة التي يجوز له فيها العدول، أصبح العقد باتًّا، واعتبر العربون تنفيذًا جزئيا له، ووجب استكمال التنفيذ.

أما إذا عدل أحد المتعاقدين عنه، في المدة التي يجوز له فيها ذلك، وجب على من عدل أن يدفع للطرف الآخر قدر العربون، جزاء العدول.

فإذا كان هو الذي دفع العربون فإنه يفقده، ويصبح العربون حقًّا لمن قبضه.

أما إذا كان الطرف الذي عدل هو الذي قبض العربون، فإنه يرده ويرد مثله، أي يرد ضعفيه للطرف الآخر، حتى يكون بذلك قد دفع قيمة العربون، جزاء عدوله عن العقد ".

ويلاحظ هنا ما يلي:

1-

التصريح في القانون بإعطاء حق العدول لكل من طرفي العقد، البائع والمشتري، أو المؤجر ولمستأجر.

2-

قابض العربون قد يكون البائع أو المشتري، المؤجر أو المستأجر.

3-

حق العدول عن العقد قيد بمدة معلومة، يصبح بعدها العقد باتًّا، والعربون جزءًا من الثمن أو الأجرة.

4-

لا يشترط لاستحقاق العربون وقوع الضرر فعلاً، أو إثبات وقوعه.

5-

الغرض من العربون أحد أمرين:

1-

تأكيد العقد والبت فيه، واعتبار العربون بدءًا لتنفيذ العقد، وجزءًا من الثمن أو الأجرة (3) .

2-

حق العدول لأحد الطرفين، خلال المدة المحددة، فإذا عدل الدافع فقد العربون، وإذا عدل القابض رده ومثله معه.

(1) الوسيط 1 /259.

(2)

الوسيط 1 /262.

(3)

مر معنا فقهًا أن هذه الصورة لا تعد من العربون الذي اختلف فيه الفقهاء، وأنها جائزة عند الجميع، لأن المبلغ المدفوع يعتبر دفعة على الحساب.

ص: 486

العربون في بعض القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية

نصت المادة 47 من قانون المعاملات المدنية السوداني لعام 1984 م (1) على أنه: " لا يجوز دفع العربون ولا استلامه، ومع ذلك إذا قضت المحكمة بنشوء العقد يعتبر كل مبلغ مدفوع جزءًا من المقابل، ولها أن تقضي بأي تعويض تراه عادلاً، نظير أي إخلال بالعقد ".

يبدو أن المذهب المختار للقانون في العربون مطابق للمذهب المختار للدكتور الصديق الضرير، السوداني الجنسية.

تمييز بيع العربون عن معاملات أخرى قريبة:

سنتعرض تحت هذا العنوان إلى أربع معاملات: الإقالة، والتعزير المالي، والبيوع الشرطية الآجلة في المصافق (= البورصات) ، والشرط الجزائي.

1-

الإقالة:

الإقالة في اللغة: الرفع والإزالة يقال: أقال الله عثرته: أي رفعه من سقوطه والاستقالة: طلب الإقالة وقد بين بعض العلماء أن الإقالة من القول، والهمزة للسلب، أي: أقال بمعنى: أزال القول، والقول هنا هو القول الأول، أي البيع، كقولنا: أشكاه: أزال شكايته (2) .

والإقالة في الفقه: رفع (= فسخ) العقد، أي: إلغاء حكمه وآثاره، بتراضي الطرفين يقال: تقايلا البيع: أي فسخاه أو تراداه، فعاد المبيع إلى البائع، والثمن إلى المشتري، إذا ندم أحدهما أو كلاهما.

والإقالة عند بعض العلماء فسخ، وعند آخرين بيع جديد وهي كذلك عند الجميع إذا تمت بثمن جديد أو أجل جديد.

وهي في الشرع مندوبة (= مستحبة) ، إذ قد يندم أحد المتبايعين على العقد، فيستحب للآخر إقالته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أقال مسلمًا (وفي رواية: نادمًا) أقال الله عثرته)) (سنن أبي داود 3 /372، وسنن ابن ماجه 2/ 741، وسنن البيهقي 6 /27، والمستدرك للحاكم 2 /45 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) وفي بعض الروايات: ((من أقال أخاه المسلم صفقة كرهها أقال الله عثرته يوم القيامة)) (شرح السنة للبغوي 8 /161) .

فصورة الإقالة أن يرد المشتري المبيع، أو المستأجر المأجور، ويرد البائع الثمن، أو المؤجر الأجرة، على أن هناك روايات جاءت بلفظ الإقالة، بحيث تقترب من العربون في النهاية، وإن اختلفت عنه في البداية.

فعن ابن سيرين وسعيد بن المسيب: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها، ويرد معها شيئًا قال الإمام أحمد: هذا (أي العربون) في معناه وقد مر هذا في مبحث الآثار.

(1) قانون المعاملات المدنية السوداني لعام 1984م.

(2)

شرح فتح القدير 5 /246، وحاشية ابن عابدين 5/ 119.

ص: 487

وفي مصنف ابن أبي شيبة (1) : في الرجل يشتري من الرجل الشيء فيستغليه فيرده ويرد معه درهما:

وفي مصنف عبد الرزاق (2) : باب الرجل يشتري السلعة، فيقول: أقلني ولك كذا.

هذه الصورة أجازها البعض (جابر بن زيد، وسعيد بن المسيب، وشريح، وإبراهيم النخعي في رواية، وسعيد بن جبير، وطاوس، وابن عمر) .

وكرهها آخرون (ابن عباس، وعامر، وإبراهيم في رواية، وعلقمة، والأسود، والشعبي، وحماد، والحكم بن عتيبة، وعطاء) .

قلنا: إن هذه الصورة من الإقالة تقترب من العربون، لأن الإقالة لم تتم إلا بقبض مال وتختلف عن العربون، لأن العربون يتفق عليه منذ العقد الأول، أما هذه الإقالة فيتم الاتفاق عليها عند العقد الثاني.

ومع ذلك ربما يكون الحكم الشرعي في العربون، وفي صورة الإقالة هذه، واحدًا، كما ذهب الإمام أحمد، وربما يكون حكم الإقالة هنا أقرب جوازًا، لأن الضرر يكون قد علم على أنه ربما يتمسك بالمال، ولو لم يقع أدنى ضرر، ففي هذه الحالة تعود هذه الإقالة إلى التشابه مع العربون، وربما تزيد عليه، لأن العربون كان الضرر وقت دفعه محتملاً، أما ههنا في هذه الإقالة، فليس هناك أي ضرر.

ويبدو أن بعض السلف كانوا يخشون أن يكون في هذه الصورة من الإقالة ربًا.

عن أسامة بن زيد قال: سمعت سعيد بن المسيب، وسئل عن رجل اشترى بعيرًا، فندم المبتاع، فأراد أن يرده ويرد معه ثمانية دراهم، فقال سعيد: لا بأس به، إنما الربا فيما يكال ويوزن، مما يؤكل ويشرب (3) .

ربما رأى هؤلاء العلماء أن هذه العملية حيلة ربوية (=عينة) ، والعينة هي أن يبيع بعيرًا بـ 100 نقدًا، ثم يبيع المشتري البعير نفسه إلى بائعه بـ 108 لسنة مثلا، فيكون كأنه أقرضه 100 بربًا مقداره (8) .

وإني أرى أنه لا مدخل للربا هنا، ولا للعينة، لأن العملية بيع بعير بدراهم، والذي قبض الثمانية الدراهم الإضافية هو الذي قبض ثمن البعير، ولو كانت الدراهم الثمانية مدفوعة ممن قبض الثمن لربما كانت هناك فعلا شبهة ربا، أو حيلة ربا، ثم إنه يمكن اعتبار هذه الدراهم الثمانية بمثابة أجرة البعير خلال المدة الفائتة كما أنه ليست هناك نية القرض، وإنما يكون الربا في قرض، أو في بيع مشبوه يراد منه التوصل إلى القرض.

وبهذا نتفق مع سعيد بن المسيب في الجواز، ولكن بحجة مختلفة.

(1) .مصنف ابن أبي شيبة 6/ 108

(2)

.مصنف عبد الرزاق 8/ 18

(3)

مصنف ابن أبي شيبة 6 /110.

ص: 488

فهذه الصورة من الإقالة أراها جائزة، سواء كان البيع الأول معجلاً أو مؤجلاً إذ لا يخشى فيها ما يخشى في بيوع الآجال (=العينة) فإذا كان البيع بعيرًا معجلاً بدراهم مؤجلة، فإن المشتري قبض بعيرًا، ثم رد بعيرًا ومبلغًا من الدراهم، والبائع لم يقبض شيئًا (لأن الثمن مؤجل) ، بل دفع بعيرًا، ثم استرجع البعير، ومبلغًا نقديًّا، فأين الربا أو شبهته أو ذريعته؟!

ومما يقوي جواز هذه الصورة من الإقالة، واستغراب منعها عند من منعها، أنها ترجع في النهاية إلى أنها بيع جديد فمن باع سلعة بـ 100، ثم طلب من المشتري الإقالة لقاء 8 مثلاً، فكأن الإقالة هنا بيع جديد بثمن أقل: 100- 8=92.

لكن تخريج هذه الصورة، من الإقالة على أنها بيع جديد، يقضي بنا إلى تخريج بيع العربون على أنه بيعتان في بيعة، أو بيع وشرط، فكأن البائع يتفق مع المشتري، أو يتشارطان، على بيع السلعة بـ 100، مع إمكان إعادة شرائها بـ 92.

غير أن المشتري ليس ملزمًا بإعادة بيع السلعة إلى البائع، أما البائع فهو ملزم بإعادة الشراء، إذا اختار المشتري ذلك، وما ذلك إلا لأن الخيار معطى هنا للمشترى دون البائع.

فإذا كان العربون للطرفين، فإن كلا منهما يكون ملزمًا بإعادة البيع إذا اختار الطرف الآخر ذلك، بشرط دفع العربون.

ومع ذلك يبقى بيع العربون مختلفًا عن بيعتين في بيعة، لأن فيه خيارًا لأحد الطرفين أو لكليهما، في حين أن في بيعتين في بيعة لا يوجد مثل هذا الخيار ولهذا لا نسلم بما جاء في مقدمات ابن رشد (1) ، من اعتبار كل من " بيعتين في بيعة " و " بيع العربون " على مستوى واحد، وأنهما من الغرر.

2-

التعزير المالي:

التعزير في اللغة معناه: الرد والمنع، والتأديب، ومعناه في الاصطلاح العقوبة غير المقدرة شرعًا (عكس الحد) ، الواجبة حقا لله تعالى، أو لآدمي، في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبا.

أما التعزير بالمال فهو جائز عند بعض العلماء (كأبي يوسف من الحنفية، والشافعي في القديم، والمالكية، وابن تيمية وابن القيم من الحنابلة) ، وغير جائز عند آخرين (كأبي حنيفة، ومحمد، والشافعي في الجديد، والحنابلة) .

وللتعزير المالي أنواع، منها: حبس المال، إتلافه، تغيير صورته، وتمليكه للغير (2) .

وقد يعتبر العربون، أو الشرط الجزائي (وسيأتي الكلام عنه) ، نوعًا من التعزير المالي، إلا أنهما قد يكونان من الإمام أو من الرعية، أما التعزير فلا يكون إلا من الإمام، أي هما عقوبة مالية، فإذا صدرت من الإمام جاز أن تسمى تعزيرًا.

(1) مقدمات ابن رشد ص 548.

(2)

الموسوعة الفقهية الكويتية 12 /254 و 270.

ص: 489

3-

البيوع الشرطية الآجلة في المصافق (= البورصات)

وهذه البيوع متعددة الأنواع، منها بيع يسمى: " البيع بشرط التعويض يعطى فيه الخيار للمشتري، أو للبائع، بأن يمضي العقد أو يفسخه، مقابل تعويض متفق عليه، يدفع للطرف الآخر.

وهذا البيع غير جائز لعدة أسباب، منها أن القصد منه هو المراهنة على الأسعار، صعودها وهبوطها.

ولا نقول: إنه غير جائز، لأن التعويض هنا هو العربون، والعربون غير جائز فالمختار عندنا أن العربون جائز، والمراهنة على الأسعار غير جائزة (1) .

4-

الشرط الجزائي:

قال السنهوري (2) : " يقع أن يتفق الدائن مع المدين على قدر التعويض الذي يستحقه الدائن، إذا لم يقم المدين بالتزامه، أو إذا تأخر في القيام به فهذا الاتفاق هو ما يسمى بالشرط الجزائي، أي الشرط الذي يشترطه الدائن على المدين جزاء على الإخلال بالالتزام.

وتشير المادتان 123 و 181 (من قانون المصري) إلى الشرط الجزائي، عندما تقضيان بأنه إذا كان مقدار التضمين في حالة عدم الوفاء مصرحًا به في العقد أو في القانون، فلا يجوز الحكم بأقل منه ولا بأكثر.

وأمثلة الشرط الجزائي كثيرة متنوعة فشروط المقاولة Cahier des Charges (دفتر الشروط) قد تتضمن شرطًا جزائيا يلزم المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم، أو عن كل أسبوع، أو عن كل فترة من الزمن يتأخر فيها المقاول عن تسليم العمل المعهود إليه إتمامه ولائحة المصنع Reglement d' atelier قد تتضمن شروطا جزائية، تقضي بخصم مبالغ معينة من أجرة العامل، جزاء له على خرق التزاماته المختلفة وتعرفه مصلحة السكة الحديد، أو مصلحة البريد، قد تتضمن تحديد مبلغ معين، هو الذي تدفعه المصلحة للمتعاقد معها، في حالة فقد " طرد " أو " رسالة " والعربون الذي يدفعه المشتري للبائع، أو المستأجر للمؤجر، قد يكون شرطًا جزائيا، يتفق عليه الطرفان تعويضًا ممن يأبى المضي في إبرام العقد للطرف الآخر، واشتراط حلول جميع أقساط الدين، إذا تأخر المدين في دفع قسط منها هو أيضا شرط جزائي " (3) .

(1) قارن رأي التشريع الإسلامي في مسائل البورصة لأحمد يوسف سليمان، ص 395 و 421، وعمل شركات الاستثمار الإسلامية لأحمد محيي الدين، ص 266.

(2)

الموجز في النظرية العامة للالتزامات ص 442.

(3)

في قرار مجمع الفقه الإسلامي، في الدورة السابعة بجدة، رقم 65/ 2 /7 بشان البيع بالتقسيط، الفقرة:(5)" يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط، عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه، ما لم يكن معسرًا ".

ص: 490

التفرقة بين العربون والشرط الجزائي:

في " نظرية الالتزام "، كما تقدم، أدخل السنهوري العربون في الشرط الجزائي، وجعله واحدا من أمثلته وفي " الوسيط "(1) ، " ومصادر الحق "(2)، فرق السنهوري بين العربون والشرط الجزائي:

1-

فالشرط الجزائي لا يملك المدين أن يؤديه بدلاً من تنفيذ التزامه الأصلي، إذا كان هذا التنفيذ ممكنًا، وطالب به الدائن.

أما العربون فيملك أحد الطرفين أن يؤديه دون أن يطالبه الطرف الآخر بتنفيذ الالتزام الأصلي، كما يملك أن يؤديه حتى ولو كان ممكنًا له تنفيذ الالتزام الأصلي.

ففي الشرط الجزائي ليس المدين مخيرًا بين الالتزام والشرط، أما في العربون فهو مخير بين الالتزام والعربون.

2-

في الشرط الجزائي يشترط لتطبيقه على المدين وقوع ضرر ناجم عن عدم تنفيذ العقد، أو عن التأخر في تنفيذه، أما العربون فلا يشترط للمطالبة به عند العدول وقوع الضرر فعلاً.

3-

ينتج عن هذا أن الشرط الجزائي يجوز فيه للقاضي تخفيض مبلغه، إذا قام المدين بتنفيذ التزامه جزئيا وبنسبة ما نفذه فعلاً، وكذلك يجوز للقاضي زيادة مبلغ الشرط الجزائي، إذا أخل المدين بالتزامه، بسوء نية أو بخطأ جسيم، فيزاد المبلغ إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر الواقع فعلا ويجوز للقاضي كذلك أن لا يحكم بالشرط الجزائي أصلاً، إذا لم يلحق الدائن أي ضرر.

على أن بعض النظم القانونية والقضائية ترى جواز الشرط الجزائي، بدون تعديل بزيادة أو نقصان من القاضي، ودون نظر إلى الضرر وقع أو لم يقع، أثبته الدائن أو لم يثبته وعندئذ فإن الشرط الجزائي يصير مشابها للعربون من هذه النواحي، ولكنه يبقى مختلفا عنه من حيث إن المتعاقد مخير في العربون، وغير مخير في الشرط الجزائي فله في العربون أن يمضي العقد، ويكون العربون جزءًا من الثمن، أو أن لا يمضيه ويدفع العربون جزاء نكوله أما في الشرط الجزائي فالعقد بات، ولا يصار إلى الشرط الجزائي إلا عند عدم إمكان التنفيذ، أو عند التأخر فيه.

هل الشرط الجزائي جائز؟

ذهبت هيئة كبار العلماء، في المملكة العربية السعودية، إلى جواز الشرط الجزائي، في دورتها الخامسة المنعقدة في الفترة 5-22 /8 /1394 هـ (3) كما ذهب إلى جوازه الشيخ مصطفى الزرقاء (4) .

واستدلوا بحديث ابن سيرين: قال رجل لكريه: أرحل ركابك

وقد ذكرناه في مبحث الآثار الواردة في بيع العربون.

(1) الوسيط 1/ 263.

(2)

مصادر الحق 2 /89.

(3)

راجع مجلة البحوث الإسلامية، شوال 1395هـ - 1396 هـ، ص 59-139، ونظام المناقصات المزايدات السعودي الذي نص على الشرط الجزائي (= الغرامة) .

(4)

المدخل الفقهي ص 720، ف 391.

ص: 491

كما استدلوا أيضا بما رواه ابن سيرين نفسه، من أن رجلا باع طعامًا، وقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجئ فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت، فقضى عليه (صحيح البخاري، باب ما يجوز من الاشتراط 3/ 259)(1) .

كما استدلوا بحديث: ((المسلمون على شروطهم، إلا شرطًا حرم حلالا، أو أحل حرامًا)) (سنن الترمذي، كتاب الأحكام، 3/ 626، وقال: هذا حديث حسن صحيح) .

وأن الأصل في الشروط الصحة، وأن الشرط الجزائي شرط من مصلحة العقد، إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له، وحافز للوفاء بالعقود.

جواز العربون والشرط الجزائي:

إن إجازة الشرط الجزائي تقتضي إجازة العربون، نظرًا للتشابه الكبير بينهما، لا سيما في القوانين التي تجيز الشرط الجزائي بدون أي حق للقاضي في تعديل مبلغه، بالزيادة أو النقصان أو الإلغاء، لكي يتناسب المبلغ مع مقدار الضرر الفعلي.

وما سبق إثباته من فروق بين العربون والشرط الجزائي لا يستحق تفريقًا في الحكم الشرعي بينهما وإني أختار جوازهما بلا تفريق، وفي المبحث التالي سأبين أسباب جواز العربون.

رأينا في بيع العربون:

إني أميل في بيع العربون إلى اختيار مذهب الحنابلة المجيزين، بشرط أن تكون مدة الخيار معلومة فلعل أهم حجة للمانعين هي أن بيع العربون يتضمن خيارًا غير معلوم المدة وهذه حجة قوية، لذلك قيدنا جواز العربون بمعلومية المدة.

(1) وانظر فتح الباري 5/ 354، ومصنف عبد الرزاق، باب الشرط في الكراء، 8 /59، وإعلام الموقعين 3/ 400.

ص: 492

أما القول بمنع العربون، باعتباره عوضًا عن انتظار البائع، فهذا يجاب عنه بما يلي:

1-

ليس مسلمًا أن العربون هو مجرد تعويض عن الانتظار، فقد يلحق بالبائع ضرر، نتيجة الخيار الممنوح للمشتري.

2-

على فرض أن العربون تعويض انتظار، أو عوض للزمن، فإن هذا العوض ليس مسلمًا أنه حرام نعم هو حرام في القرض، ولكنه جائز في البيع المؤجل، فقد نص الفقهاء على أن للزمن قيمة، ونحن في العربون أمام بيع، لا أمام قرض.

3-

أما أن يكون الانتظار معلوم المقدار (1) ، فهذا مطلب حق ولذلك أجزنا العربون مع تحديد المدة.

أما جعل العربون جزءًا من الثمن، في حال إمضاء العقد، فهذا من باب التسامح، لاسيما وأن مدة الانتظار تكون في الغالب قصيرة: ساعات، أو يوما، أو يومين.

أما الادعاء بأن العربون من باب أكل المال بالباطل فهذا غير مسلم، وذلك لأن المشتري ليس مستعدًّا لدفع مال في مقابل لا شيء، إلا إذا كان غبيًّا، والفرض أنه رشيد.

أما القول بأن في العربون غررًا، فهذا أيضا غير مسلم، وعلى فرض وجوده فهو غرر يسير مغتفر، فالمشتري أمام خيارين: إما أن يمضي الصفقة، ويكون العربون جزءًا من الثمن، وإما أن يجد مصلحته في عدم إمضائها، ولو دفع العربون، إذا يرى أن خسارة العربون أقل من خسارة إمضاء الصفقة.

ومما يقوي مذهب الجواز ثلاثة عوامل أخرى.

1-

وجود مذهب فقهي معتبر يجيز العربون، وهو مذهب الإمام أحمد، وقد كان معروفًا بشدة الورع.

2-

احتمال أن المانعين قد منعوه لعدم تقييد الخيار بمدة معلومة، فهذا فيه غرر غير مقبول وربما لو قيد بمدة لأجازه الجميع أو الأكثرون، والله أعلم.

3-

عموم البلوى، فبيع العربون منتشر في القوانين والأعراف التجارية الحديثة ولا أرى جواز بيع العربون كما هو عند الفقهاء فحسب، بل أرى جوازه أيضا كما هو عند رجال القانون أيضا، إذ لا مانع من أن يكون الخيار للطرفين فربما يكون هذا أعدل من أن يكون لطرف واحد وقد تكون عدالته في الحالين واحدة، لأنه خيار بثمن أما لو كان بلا ثمن فنعم يكون لطرفين أعدل منه لطرف واحد.

لكن يجب أن يتنبه أخيرًا إلى أن يكون مبلغ العربون في حدود المعقول، وأن لا تبلغ قيمته حدًّا فاحشًا.

(1) المغني 4 /59 و 289، وكشاف القناع 3/ 195.

ص: 493

هل يجوز العربون في بيع النقد بجنسه، وفي الصرف؟

1-

بيع النقد بجنسه مرده في الشرع إلى الصورتين التاليتين:

أ - بيع الذهب بالذهب (دنانير ذهبية بدنانير ذهبية) .

ب - بيع الفضة بالفضة (دراهم فضية بدراهم فضية) .

وفي كلتا الحالتين لا يكون هذا إلا إذا اختلفت جهة الإصدار.

2-

الصرف يحتمل المعنيين التاليين:

أ - بيع الذهب بالفضة (دنانير ذهبية بدراهم فضية) .

ب - بيع نقد ورقي بنقد ورقي (ريالات سعودية بدولارات أمريكية) .

في (1) و (2) يجب التقابض في المجلس وفي (1) يجب أيضا التساوي.

والتواعد على بيع النقد بجنسه، أو على الصرف، جائز بشرط أن يكون غير ملزم.

وبما أن التقابض مطلوب، والتواعد غير ملزم، فلا مجال للعربون في بيع النقد بجنسه، وفي الصرف إنما يلجأ إلى العربون في الحالات التي يجوز فيها الخيار، وهو غير جائز في الحالتين المذكورتين.

فإذا اقترن التواعد غير الملزم بالعربون صار فيه شوب الإلزام، وإذا كان المقصود أن يدفع المتصارف جزءًا من الثمن، ثم بعد مدة يعقد الصرف ويستكمل الثمن، أو يعدل عن الصرف ويفقد العربون، فهذا غير جائز. إنما يستطيع أن يصطرف بسعر، ثم إذا شاء أعاد الصرف بالسعر نفسه أو بسعر آخر، بعقد صرف جديد.

الخلاصة أن العربون غير وارد في الصرف، ولا في المواعدة عليه، والله أعلم.

ولو جاز العربون في بيع العملات لكان فيه ربوان: ربا نساء ينشأ من قبض أحد البدلين وعدم قبض البدل الآخر في المجلس، وربا فضل إذا كان قابض البدل هو نفسه دافع العربون، فعندئذ يصير العربون فضلاً في مقابل النساء، واجتماع الفضل والنساء هو ما يسمى ((ربا النسيئة)) .

هل يجوز أن يكون العربون مبلغًا مستقلا عن سعر السلعة؟

العربون في الفقه والقانون إذا أمضي العقد كان جزءًا من الثمن، فلا يمكن اعتباره هنا مبلغًا مستقلا عن ثمن السلعة.

وإذا عدل المشتري، أو المستأجر، عن العقد، فقد العربون، في الفقه والقانون. وكذلك في القانون، إذا عدل البائع، أو المؤجر، رد العربون مضاعفًا، أي وقع عليه العربون، فهنا يمكن اعتبار العربون أنه صار مستقلا عن الثمن أو الأجرة فمن كان في الفقه مذهبه جواز العربون لم يقصد به إلا هذا. وكذلك هو المقصود في القانون.

أما إذا كان العربون جزءًا من الثمن أو الأجرة، غير مستقل عنهما، بحيث إذا أمضي العقد استكمل الباقي من الثمن أو الأجرة، وإذا لم يمض العقد رد البائع أو المؤجر العربون، فهذا جائز عند الجميع، كما سبق أن قلنا، وليس هو من العربون في شيء.

هل يجوز العربون في الخدمات كما في السلع؟

الذين أجازوا العربون من الفقهاء إنما أجازوه صراحة في البيع وفي الإجارة. والبيع عبارة عن بيع مال (أو سلعة) ، منقول أو غير منقول (دار مثلاً) ، أما الإجارة فهي عبارة عن بيع منفعة، وهذه المنفعة قد تكون منفعة مال (إجارة أشياء أو أموال) أو منفعة شخص (إجارة أشخاص) . وهذه الإجارة (إجارة الأشخاص) هي الخدمات المقصودة بعنوان هذا المبحث.

أما إجارة الأموال أو الأشياء فلا شك أن الذين أجازوا العربون في الإجارة إنما أرادوا بهذه الإجارة إجارة الأموال، كالدابة، بلا تردد.

وهنا نتساءل: هل تلحق إجارة الأشخاص بإجارة الأموال في العربون؟

يفرق الفقهاء بين الأجير الخاص والأجير المشترك.

وصورة العربون في الأجير الخاص أن يتفق رب عمل مع عامل على استخدامه لديه، خلال مدة محددة، بحيث إذا انقضت المدة ولم يعقد عقد العمل من جانب رب العمل كان عليه أن يدفع للعامل مبلغًا معلومًا، وإذا كان النكول من جانب العامل كان عليه أن يدفع لرب العمل مبلغًا مماثلاً.

ص: 494

هذه الصورة أراها تلحق بالعربون في البيع والإجارة، فهي جائزة.

أما صورة العربون في الأجير المشترك فهي أن يتفق أحدهم مع محام مثلاً على توكيله بقضية معلومة، خلال مدة معلومة، بحيث إذا انقضت المدة ونكل الموكل فقد العربون، وإذا نكل الوكيل كان العربون عليه.

هذه الصورة وأمثالها يمكن أن تلحق بالعربون في البيع والإجارة، فهي جائزة، ويلحظ فيها أن نكول أحد الطرفين يسبب ضررًا للآخر. فإذا لم يتصور ضرر، في بعض الصور، كان العربون غير جائز، لأنه يصبح أكلاً للمال بالباطل. وفقًا للفقهاء الذين لم يجيزوا العربون.

هل يجوز العربون عند شراء الأوراق المالية، كالأسهم؟

الأوراق المالية في القانون هي الأسهم والسندات. أما السندات، سندات القرض، فهي إذا كانت بفائدة ربوية غير جائزة، ومن ثم لا يجوز العربون فيها.

أما الأسهم فإنها إذا كانت تمثل حصصًا في شركات تمارس أعمالاً مشروعة: زراعية أو صناعية أو تجارية، فإن شراء أسهمها جائز. وإذا كانت تمارس أعمالاً غير مشروعة، كالربا والقمار والخمر والمخدرات والهوائيات التلفزيونية التي تستقبل محطات تلفزيونية داعرة (وهذه الهوائيات تأخذ اليوم شكل صحون أو أطباق كبيرة على أسطحة المنازل) ، فإن شراء أسهمها لا يجوز.

ص: 495

ومع ذلك فإن شراء أسهم الشركات، ولو كانت أعمالها مشروعة، مقيد ببعض القيود. فالسهم عبارة عن حصة في صافي موجودات (= أصول) الشركة، وصافي الموجودات هو الفرق بين الموجودات والديون المترتبة على الشركة، فإذا كانت الشركة لا تتعامل بالديون، أو كانت نسبة الديون فيها قليلة بالنسبة لمجموع الميزانية (1) ، فإن السهم يجوز شراؤه، ولو كان بعض الثمن مؤجلاً أو مقسطًا، وعندئذ يجوز العربون، أما إذا كان السهم يمثل حصة في موجودات الشركة وكانت هذه الموجودات نقودًا كلها أو معظمها، فإن شراء السهم يأخذ حينئذ حكم الصرف، ولا يجوز العربون، لما سبق بيانه في مبحث العربون في الصرف.

المهم هنا أنه في الحالات التي يجوز فيها شرعًا شراء السهم لأجل، أو بالخيار، يجوز العربون، وإلا فلا.

هل يجوز العربون في بيع المرابحة؟

1-

بيع المرابحة، في الفقه القديم، عبارة تطلق على أحد أنواع بيوع الأمانة؛ وهذه الأنواع هي: المرابحة، والتولية، والوضيعة. والمرابحة هي بيع الشيء بمثل ثمنه الأول مضافًا إليه ربح معلوم، إما بمقدار محدد: 5 ريالات مثلاً ربح على رأس المال، وإما بنسبة معلومة من رأس المال يسهل حسابها على المشتري، لكي يصير الثمن الكلي معلومًا له، مثلاً نسبة 5 % من الثمن الأول. فإذا كان الثمن الأول 100 فيكون الربح: 100 × 5 % = 05 ويكون ثمن المرابحة: 100 + 5 = 105 ريالات.

أما التولية فهي البيع بثمن مساو للثمن الأول. وأما الوضيعة فهي البيع بثمن أقل من الثمن الأول بوضيعة معلومة، كما في المرابحة.

وسميت هذه البيوع بيوع أمانة (خلاف بيوع المساومة) لأنها مبنية على ائتمان المشتري للبائع وثقته به، من حيث الثمن الذي قامت عليه السلعة به، ويمكن أن تدخل في هذا الثمن مصاريف الشراء.

ففي صورة المرابحة هذه إذا تمت على أساس العربون فإنها جائزة عند من يجيز العربون، لا فرق في الجواز وعدمه بين بيع مرابحة وبيع مساومة.

2-

وبيع المرابحة، في حياتنا المعاصرة، عبارة تطلق اختصارًا على بيع المرابحة للآمر (أو للواعد) بالشراء كما يجري في المصارف الإسلامية الحديثة، بأن يطلب أحد العملاء إلى المصرف شراء سلعة موصوفة، فيعد المصرف العميل بشرائها، ويعد العميل المصرف بشرائها منه إذا ما اشتراها المصرف فإذا ما اشتراها المصرف دفع ثمنها نقدًا، وباعها إلى العميل بثمن مقسط أعلى.

وهذه المواعدة بين المصرف والعميل قد تكون ملزمة للطرفين، أو غير ملزمة لهما، أو ملزمة للمصرف دون العميل.

(1) انظر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة، رقم 5 لعام 1408 هـ (= 1988 م) ، بشأن سندات المقارضة وسندات الاستثمار، مع ملاحظة أن الأسهم في حكمها.

ص: 496

والعربون يجوز في المرابحة عند من يجيز العربون، ويجيز الإلزام في المرابحة. من الفقهاء المعاصرين، فإذا كان الإلزام للطرفين جاز العربون لهما، وإذا كان الإلزام للمصرف جاز دفع العربون من المصرف دون العميل.

أما أنا فلا أرى جواز الإلزام في المرابحة (1) ، ومن ثم لا يجوز العربون فيها، ذلك لأن العربون لا محل له إذا كان الطرفان في المرابحة بالخيار، إذا شاءا أمضيا العقد، وإذا شاءا تركا فلا يوجد العربون إلا حيث يوجد الإلزام، ويكون العربون تأكيدًا لهذا الإلزام، ومن نكل دفع ثمن نكوله.

هل يلزم في بيع العربون أن تكون السلعة حاضرة للمعاينة، أم يجوز عند المواعدة على الشراء؟

من يرى من الفقهاء المعاصرين جواز الإلزام بالمواعدة في بيع المرابحة في المصارف الإسلامية، فإنه لابد وأن يرى جواز العربون مؤيدًا لهذا الإلزام، إذا كان أيضا ممن يرى جواز العربون أصلاً، وأعتقد أنه سيكون كذلك، لأن استجازة العربون أسهل في الفقه من استجازة الإلزام بالمواعدة في المرابحة المصرفية المعاصرة، وقد بينا ذلك في مواضع أخرى.

أما من لا يرى جواز الإلزام بالمواعدة، ويرى جواز العربون، فإن العربون لا يجوز عنده إلا عند المعاقدة، أي بعد حضور السلعة، ولا يجوز عنده هذا وقت المواعدة.

وإني أرى المواعدة جائزة بغير إلزام، والعربون جائزًا عند المعاقدة، بعد وصول السلعة ودخولها في ملك المصرف، ولا يجوز عند المواعدة على الشراء.

ويجب الانتباه هنا إلى أن بيع السلم، وهو جائز بالنص والإجماع، لا تكون فيه السلعة حاضرة للمعاينة، بل السلعة فيه موصوفة، والعربون في بيع السلم جائز كما في بيع التقسيط، وسنفصل هذا في المبحث التالي، والسلم معاقدة لا مواعدة ولهذا فإن المقصود من المسألة المبحوثة تحت العنوان أعلاه هو بيع المرابحة في المصارف الإسلامية، حيث فيه مواعدة، وليس المقصود بيع السلم.

هل يجوز العربون في بيع السلم؟

(1) لم يجز مجمع الفقه الإسلامي بجدة الإلزام في المرابحة للطرفين، بل اشترط الخيار لهما أو لأحدهما، انظر القرار 2و3 لعام 1409هـ (= 1988م) بشأن الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء، في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الثاني، 1409هـ (=1988م) ، ص 1599.

ص: 497

بيع السلم هو البيع الذي يكون فيه الثمن معجلاً (= مسلفا) والمبيع مؤجلاً، مثل بيع طن من قمح موصوف يسلم بعد سنة، ويدفع ثمنه الآن.

فها هنا إذا عدل المشتري دفع العربون إلى البائع الذي قبض الثمن، ولم يكن هناك ربا ولا شبهة الربا.

أما إذا عدل البائع ودفع العربون إلى المشتري، كان هناك شبهة ربًا فالبائع الذي قبض ثمن المبيع معجلاً 1000 ريال مثلاً، يعدل عن المبيع ويدفع إلى المشتري، بعد ثلاثة أيام مثلاً 100 ريال، فكأنه استلف 1000 ريال، لمدة ثلاثة أيام، بربًا قدره 100 ريال.

إذا وقعت هذه الصورة بدون اتفاق أو تواطؤ مسبق على العدول فلا يجيزها إلا الشافعية، وتمنعها المذاهب الثلاثة الأخرى، سدًّا لذريعة الربا فحكم هذه الصورة هو حكم العينة.

أما إذا وقعت باتفاق مسبق على العدول فلا يجيزها أحد (1) .

ويأثم البائع وحده، ديانة عند الشافعية، إذا كان عدوله بنية مبيتة منه.

الخلاصة:

1-

صورة العربون في البيع، عند العلماء، أن يشتري الشيء، ويدفع إلى البائع مبلغًا من المال، على أنه إذا تم البيع كان ما دفعه جزءًا من الثمن، وإذا لم يتم البيع كان ما دفعه ملكًا للبائع.

2-

صورة العربون في الإجارة، عند العلماء، أن يستأجر الشيء، ويدفع إلى المؤجر مبلغا من المال، على أنه إذا تمت الإجارة كان ما دفعه جزءًا من الأجرة، وإذا لم تتم الإجارة كان ما دفعه ملكًا للمؤجر.

3-

نرى الأخذ بمذهب الحنابلة وبعض السلف من الصحابة والتابعين في جواز العربون في البيع والإجارة، على أن يكون الخيار في الإمضاء والنكول مقيدًا بمدة معلومة، إذا لم يثبت نص في النهي عنه، والأصل في المعاملات المالية الإباحة، وهو عام البلوى في الأعراف الحديثة، والمصلحة داعية إليه.

وتقييد الخيار بمدة معلومة هو ما ذهب إليه بعض الحنابلة، وبعض العلماء المعاصرين، وهو ما عليه أيضا القوانين الوضعية الحديثة.

4-

إذا دفع العربون على أنه إذا تم البيع أو الإجارة كان جزءًا من الثمن أو الأجرة، وإذا لم يتم استرده الدافع، فهذا ليس من العربون المختلف فيه بين العلماء إنما هو جائز عند الجميع، والعربون المختلف فيه بين العلماء إنما هو المال المدفوع مستقلا عن ثمن السلعة، أو عن الأجرة في حال النكول، بحيث إذا نكل المتعاقد خسر العربون المدفوع.

5-

والعربون جائز سواء أكان الخيار في الإمضاء والنكول لأحد الطرفين أم لكليهما معا، فإذا نكل دافع العربون فقد هذا العربون، وإذا نكل القابض رده إلى الدافع ومثله معه.

6-

لا يشترط لاستحقاق العربون وقوع الضرر فعلاً، أو إثبات وقوعه.

7-

البيع بشرط التعويض في المصافق (= البورصات) الحديثة عبارة عن بيع يعطى فيه الخيار للمشتري أو للبائع، بأن يمضي العقد أو يفسخه لقاء تعويض يدفع إلى الطرف الآخر هذا التعويض يشبه العربون، ومع ذلك فإن البيع المذكور غير جائز، لا لأن العربون غير جائز، كما ذهب إليه البعض، بل لأن هذا البيع قائم على المراهنة على الأسعار، صعودها وهبوطها، وهذه المراهنة غير جائزة.

(1) قارن ما ذكرناه عن الربا في مبحث " الإقالة " في هذه الورقة.

ص: 498

8-

الشرط الجزائي هو أن يتفق الدائن مع المدين على التعويض الذي يستحقه الدائن، إذا لم يف المدين بالتزامه، أو إذا تأخر فيه وتذهب بعض النظم القانونية والقضائية إلى جواز الشرط الجزائي دون أن يكون للقاضي الحق في تعديله بالزيادة أو النقصان أو الإلغاء، لكي يتناسب مع مقدار الضرر الفعلي، وعندئذ يزداد التشابه بين الشرط الجزائي والعربون وقد أجازت هيئة كبار العلماء في الملكة العربية السعودية الشرط الجزائي عام 1394م، كما أجاز مجمع الفقه الإسلامي بجدة، عام 1412 هـ، إحدى صور الشرط الجزائي، وهي اشتراط حلول سائر أقساط الدين إذا تأخر المدين في دفع أحدها.

أمام هذا نرى من المناسب تقرير جواز العربون أيضا، لكي لا يكون هناك أي تناقض بين قرار وآخر.

9-

لا يجوز العربون في بيع النقد بجنسه، ولا في الصرف، لوجوب التقابض في المجلس المأمور به شرعًا في هذه الحالات، وامتناع الخيار.

10-

يجوز العربون في الخدمات كما يجوز في السلع، بشرط أن ينشأ في الغالب ضرر عن نكول الناكل، فإذا لم يكن من شأن هذا النكول في العرف أن يترتب أي ضرر، فلا يجوز العربون، لأنه يكون عندئذ من باب أكل المال بالباطل.

11-

الأوراق المالية هي السندات والأسهم أما السندات فلا يجوز العربون فيها، لأنها ربوية غير جائزة أصلا أما الأسهم فيجوز فيها العربون في الحالات التي تكون فيها الأسهم جائزة، سواء من حيث نشاط الشركة أو من حيث طبيعة موجوداتها.

12-

يجوز العربون في بيع المرابحة وسائر بيوع الأمانة، كما يجوز في بيوع المساومة ولا فرق، أما في بيوع المرابحة كما هي مطبقة في المصارف الإسلامية الحديثة فلا يجوز فيها العربون، لأنها قائمة على المواعدة، والمواعدة فيها لا يجوز أن تكون ملزمة، لما بيناه في بحوث مستقلة غير أن مجمع الفقه الإسلامي بجدة، في عام 1409 هـ، أجاز الإلزام لأحد الطرفين، ولم يجزه لهما معًا.

13-

يجوز العربون في بيع السلم إذا كان دافع العربون هو المشتري، أما إذا كان دافعه هو البائع فإن فيه شبهة الربا، ولا يختلف على الحكم قضاء فيه بالربا أحد إذا كان عدول البائع باتفاق مسبق، ولا على الحكم فيه ديانة إذا كان عدوله بنية مبيتة منه، والله أعلم بالصواب.

الدكتور رفيق يونس المصري

ص: 499

المراجع

أولا – المراجع القديمة

- إعلام الموقعين لابن القيم (- 751هـ) ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت، دار الفكر، ط2، 1379هـ (=1977م) .

- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد للمرداوي (- 885هـ) ، بتحقيق محمد حامد الفقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1400 هـ (-1980م) .

- بداية المجتهد لابن رشد (-595هـ) ، بيروت، دار الفكر، د. ت.

- تفسير القرطبي (-671هـ) الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405هـ (=1985م)

- تهذيب الأسماء واللغات للنووي (-676هـ) ، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت.

- حاشية ابن عابدين (-1252هـ) ، بيروت، دار الفكر، ط2، 1399هـ (= 1979م) .

- حاشية الجمل (-1204هـ) على المنهج لزكريا الأنصاري (=925هـ) ، القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى، د. ت.

- حاشية الخرشي (- 1101هـ) على خليل (-676هـ) ، بيروت، دار صادر، د. ت.

- حاشية الدسوقي (-1230هـ) على الشرح الكبير للدردير (1201هـ) ، القاهرة، مكتبة البابي الحلبي، د. ت.

- حاشية قليوبي (-1069هـ) وعميرة (957هـ) ، بيروت، دار الفكر، ط4، د. ت.

- روضة الطالبين للنووي (-676هـ) ، دمشق، المكتب الإسلامي، ط3، 1412هـ.

- سنن ابن ماجه (-275 هـ) ، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، مكتبة البابي الحلبي، د. ت.

- سنن أبي داود (-275 هـ) ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى، ط2، 1369 هـ (= 1950م) .

- سنن البيهقي (-458 هـ) ، بيروت، دار الفكر، د. ت.

- سنن الترمذي (-279 هـ) ، الجامع الصحيح، بتحقيق أحمد محمد شاكر، القاهرة، مكتبة البابي الحلبي، ط2، 1398 هـ (= 1978 م) .

- شرح السنة للبغوي (- 516 هـ) ، بتحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد زهير الشاويش، بيروت، المكتب الإسلامي، 1390 هـ (= 1971 م) .

- شرح فتح القدير لابن الهمام (681 هـ) ، القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى، د. ت.

- الصحاح للجوهري (393 هـ) ، بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1399 هـ (1979 م) .

- صحيح البخاري (-256 هـ) ، القاهرة، دار الحديث، د. ت.

- عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي (- 1323 هـ) مع شرح ابن القيم (-751 هـ) ، بتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، بيروت، دار الفكر، ط3، 1399 هـ (= 1979 م) .

ص: 500

- غاية المنتهى للمقدسي (- 1033 هـ) ، دمشق، المكتب الإسلامي، 1380 هـ (= 1961 م) .

- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر (-852 هـ) ، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب، بيروت، دار المعرفة، د. ت.

- القوانين الفقهية لابن جزي (- 741 هـ) ، بيروت، دار العلم للملايين، 1979 م.

- كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي (- 1051 هـ) ، بتحقيق هلال مصيلحي، الرياض، مكتبة النصر الحديثة، د. ت.

- لسان العرب لابن منظور (- 711 هـ) ، بيروت دار صادر د. ت.

- المجموع للنووي (- 676 هـ) ، بتحقيق محمد نجيب المطيعي، جدة، مكتبة الإرشاد، د. ت.

- المستدرك على الصحيحين في الحديث للحاكم النيسابوري (- 405 هـ) ، بيروت، دار الفكر، 1398 هـ (= 1978 م) .

- مسند الإمام أحمد (- 241 هـ) ، بيروت، دار الفكر، ط 2، 1398 هـ (= 1978 م) .

- مسند الإمام أحمد (- 241 هـ) ، بعناية أحمد شاكر، القاهرة، دار المعارف، 1373 هـ (= 1954 م) .

- مصنف ابن أبي شيبة (- 235 هـ) ، بتحقيق عبد الخالق الأفغاني، بومباي، الدار السلفية، ط2، 1399 هـ (= 1979 م) .

- مصنف عبد الرزاق (-221 هـ) ، بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت، المكتب الإسلامي، ط2، 1403 هـ (= 1983 م) .

- مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى للرحيباني (- 1243 هـ) ، دمشق، المكتب الإسلامي، 1380 هـ (= 1961 م) .

- مغني المحتاج للخطيب الشربيني (- من علماء القرن العاشر الهجري) ، القاهرة، مكتبة البابي الحلبي، 1377 هـ (= 1958 م) .

- المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة (- 620 هـ) ، بيروت، دار الكتاب العربي، 1392 هـ (= 1972 م) .

- المنتقى شرح الموطأ للباجي (- 494 هـ) ، بيروت، دار الكتاب العربي، 1332 هـ.

- موطأ الإمام مالك (- 179 هـ) ، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، مكتبة البابي الحلبي، د. ت.

- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (- 606 هـ) ، بتحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، بدون مكان نشر، المكتبة الإسلامية، د. ت.

- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي (- 1004 هـ) ، القاهرة، مكتبة البابي الحلبي، 1357 هـ (= 1938 م) .

- نيل الأوطار للشوكاني (-1250 هـ) ، القاهرة، مكتبة البابي الحلبي، د. ت.

ص: 501

ثانيا – المراجع الحديثة

- بيع العربون، تحليل فقهي، لرفيق يونس المصري، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 301 لعام 1410هـ (=1989م) .

- حكم العربون في الإسلام لماجد أبو رخية، عمان، مكتبة الأقصى، 1407هـ (1986م) .

- رأي التشريع الإسلامي في مسائل البورصة لأحمد يوسف سليمان، ضمن الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية، الجزء الخامس (الشرعي) ، القاهرة، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، 1402هـ (=1982 م) .

- شريعة الإسلام للقرضاوي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1398هـ.

- عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية لأحمد محيي الدين أحمد حسن، البحرين، بنك البركة الإسلامي للاستثمار، 1407هـ (=1986م) .

- الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي للصديق محمد الأمين الضرير، بدون مكان نشر ولا ناشر، ط1، 1386ـ (=1967م)

- الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلى، دمشق، دار الفكر، ط2، 1405م (=1985م) .

- قانون المعاملات المدنية السوداني لعام 1984م.

- قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، القرار 65 / 2 /7 لعام 1410هـ، بشأن البيع بالتقسيط.

- قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي بجدة خلال الأعوام 1406هـ - 1409هـ.

- مجلة البحوث الإسلامية، الرياض، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شوال 1395هـ.

- مجلة مجمع الفقه الإسلامي، جدة، العدد الخامس، الجزء الثاني، 1409هـ (=1988م) .

- المدخل الفقهي العام لمصطفى أحمد الزرقاء، دمشق، بدون ناشر، 1387 هـ (= 1968م) .

- مصادر الحق في الفقه الإسلامي لعبد الرزاق السنهوري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت.

- الموسوعة الفقهية الكويتية، ج12، الكويت، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، ط1، 1408هـ (=1987م) .

- الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1964م.

ص: 502

المناقشة

بسم الله الرحمن الرحيم

بيع العربون

الرئيس:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في هذه الجلسة الصباحية: بيع العربون.

والعارض هو: فضيلة الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير.

والمقرر هو: فضيلة الشيخ عبد الله سلميان بن منيع.

الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وبعد.

فقد كتب في هذا الموضوع أربعة باحثين والباحثون هم:

- الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي.

- الدكتور رفيق يونس المصري.

وسأجعل بحثي أساسًا في العرض وأتعرض عند كل مسألة لما ورد في البحوث الأخرى، موافقة أو مخالفة أو زيادة، والله أسأل التوفيق.

المسألة الأولى- تعريف بيع العربون:

العربون أو العربان الوارد في الحديث، والذي يتحدث عنه الفقهاء هو أن يشتري الرجل السلعة ويدفع للبائع مبلغًا من المال، على أنه إن أخذ السلعة يكون ذلك المبلغ محسوبًا من الثمن، وإن تركها فالمبلغ للبائع. هذا التفسير اتفق عليه جميع الفقهاء، وقد نقلت في بحثي ما يؤيد هذا من أقوال الفقهاء، فنقلت نص الإمام مالك ونص ابن قدامة، ونص المرتضى ونصًّا للرملي، وكلها متفقة في هذا المعنى، غير أن بعضها يذكر في إحالة الرد. يقول الإمام مالك:" مثلا وإن تركت ابتياع السلعة فما أعطيتك لك باطل بدون شيء " وعبر بعبارة: " باطل بدون شيء"، ابن قدامة عبر بعبارة " فذلك للبائع" أي إن لم يأخذ السلعة، المرتضى عبر بعبارة " وإلا فهبة "، وكذلك الرملي. وهذا المعنى في العربون اتفق عليه أيضا جميع الباحثين، غير أن بعضهم أضاف تعريفًا آخر.

الشيخ عبد الله بن منيع، في بداية بحثه ذكر تعريفًا للسنهوري، وعرفه بعضهم بقوله:" العربون هو ثمن استعمال الحق في العدول عن عقد شراء أو إجارة يجري الاتفاق بين طرفيه على تعيين هذا الثمن، ويلتزم بمقتضاه من يستعمل هذا الحق أن يدفع هذا الثمن ليحق له العدول عن الالتزام بذلك العقد ".

هذا في رأيي تعريف للقانونيين وليس تعريفًا للعربون عند الفقهاء.

الدكتور رفيق أيضا ذكر التعريف الذي أوردته وذكر تعريفا آخر، ولم ينسبه إلى أحد وأشار إلى لسان العرب فقال: وقد عرفه بضع العلماء بعبارة مركزة فقال:

" الإعراب في البيع أن يقول الرجل لرجل: " إن لم آخذ هذا البيع بكذا فلك كذا وكذا من مالي"". وهذا أيضا لا ينطبق في رأيي على بيع العربون الذي ذكره الفقهاء؛ بيع العربون لابد أن يكون فيه بيع، أولاً بيع مستوف لجميع شروطه، ثم يأتي بعد ذلك الشرط، أما أن يقول الرجل للرجل: إن لم آخذ هذا البيع، هذا ليس من بيع العربون، فهذا توسع منه في هذا المعنى.

ص: 503

التكييف الفقهي لبيع العربون:

وأعود إلى كلامي، يتبين من تعريف العربون أنه بيع مستوف لجميع شروطه، يثبت فيه الخيار للمشترى فإذا أمضى البيع - وهذا الخيار يثبت بالشرط ولا يثبت تلقائيًّا، إذا لم ينص فيه لا يثبت – فإذا أمضى المشتري البيع مكان العربون جزءًا من الثمن، وإذا رد البيع فقد العربون؛ فهو خيار شرط يقابله مال في حال الرد، وهذا الخيار للمشتري وحده، أما البائع فإن البيع لازم بالنسبة له، لا يستطيع رده، كما تبين أيضا أنه خيار غير محدد بزمن، هذا التكييف وافقني عليه الزحيلي، الدكتور عبد الله بن منيع ذكر تكييفًا لا أستطيع أن أكيفه ولذلك سأتركه له يكفيه لنا ويشرحه. الدكتور رفيق المصري أطال في ذكر التكييف إلى مسائل طبيعتها قد تكون في غير الموضوع، وسماها مقاصد العربون. فبدأ بقوله:

مقصد العربون في الفقه:

أولاً: إعطاء المشتري أو المستأجر حق النكول إذا بدا له أن الشراء في غير صالحه.

ثانيًا: جبر ضرر البائع أو المؤجر في حدود مبلغ العربون نتيجة نكول المشتري أو المستأجر، فالعربون هو الجزاء أو الثمن الذي يتكبده أحد المتعاقدين نتيجة نكوله، يلاحظ أن الدكتور رفيق يجعل العربون من حق العاقدين: البائع والمشتري، وهذا لا يقول به فقيه من الذين تحدثوا عن بيع العربون، فبيع العربون هو خاص بالمشتري هذا هو رأي القانون، وليس رأي الفقه، ثم أخذ يفصل في هذا الكلام تفصيلاً لا أرى داعيًا لقراءته، وقال في آخره: ولعل العربون هو أقرب إلى الجابر (التعويض) منه إلى الزاجر.

وربما يكون للعربون طبيعة خاصة تجعله مختلفًا عن كل ما سبق، وذكر احتمالات كثيرة، هو هبة ولا جزاء ولا غير ذلك، وإن كان أقرب إلى بعض هذا من بعض، فالعربون جزء من الثمن إذا أمضيت الصفقة، وثمن خيار إذا كان هذا الخيار بالعدول عن الصفقة. فالعربون لا ينظر إليه فقط عند العدول، مع ما لهذا النظر من أهمية خاصة، بل ينظر إليه أيضًا، نحرص على قراءة ما يكتبه الدكتور رفيق لأنه غير موجود معنا. هذا ما يتعلق بالتكييف.

نأتي إلى المشروعية: ورد في حكم بيع العربان حديثان، أحدهما ينهى عنه والآخر يحله، الحديث الذي ينهى عنه هو: عن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان)) . هذا الحديث ضعفه جماعة من رجال الحديث منهم الإمام أحمد، وقال النووي عنه:" مثل هذا لا يحتج به عند أصحابنا، ولا عند جماهير العلماء " والضعف يدخل هذا الحديث من وجهين:

الأول: إبهام الثقة الذي روى عنه مالك.

الثاني: رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

فقد ذهب قوم إلى ترك الاحتجاج بها، بهذه الرواية مطلقًا حيثما ورد؛ منهم: أبو داود، وابن حبان، وابن عدي، وابن معين في رواية عنه، قال ابن حبان:" إن أراد جده عبد الله، فشعيب لم يلقه، فيكون منقطعًا، وإن أراد محمدًا، فلا صحبة له، فيكون مرسلاً ". وعمرو بن شعيب هذا هو عمرو بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. وقال ابن معين عن رواية عمرو بن شعيب: هي كتاب ووجادة، فمن هنا جاء ضعفه لأن التصحيف يدخل على الراوي من الصحف: ولذا تجنبها أصحاب الحديث.

هؤلاء هم الذين ضعفوا هذا الحديث وهذه حجتهم.

ص: 504

وصحح هذا الحديث جماعة وقالوا عن المطعن الأول: (رواية إبهام الثقة) قالوا: إن سند الحديث وإن كان ضعيفا لإبهام الثقة الذي رواه عنه مالك إلا أن الحديث في ذاته صحيح؛ لمعرفة هذه الثقة؛ فقد قال ابن عبد البر: إنه ابن لهيعة. وقالوا عن المطعن الثانى _ رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده _ قالوا: إن المراد بجده عبد الله الصحابى؛ لا

محمد التابعى وسماع شعيب عن عبد الله ثابت وهو الذي رباه لما مات أبوه محمد قال في

تدريب الراوى: وذهب آخرون إلى الاحتجاج بها وهم أكثر المحدثين وهو الصحيح المختار. الذي عليه المحققون من أهل الحديث

وقد روي حديث النهى عن بيع العربان من طرق أخرى ذكرها الشيخ أحمد محمد شاكر في شرحه لمسند الإمام أحمد، وصحح الحديث.

أطلت في ذكر هذه المسألة لأن هذا الدليل الذي اعتمدت عليه في رأيي وفي ترجيحي لرأي الجمهور، والحديث كما رأيتم صحيح عند أكثر المحدثين، والإخوة الذين كتبوا في هذا الموضوع ذكروا الحديث أيضا ولكنهم لم ينقلوا لنا إلا روايات التضعيف. ولم يذهبوا إلى أكثر من هذا. فكلهم _ فيما أعتقد_ اعتمدوا على ما في نيل الأوطار.

الحديث الذي يحل بيع العربون هو ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن أسلم: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العربان، فأحله)) . هذا الحديث مرسل، وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيف، وقال ابن رشد: قال أهل الحديث: ذلك غير معروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البر: لا يصح ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إجازته. ولم أر من صححه، وذكر الإخوة الثلاثة أيضا هذا الحديث، وذكر الدكتور رفيق المصري أنه لم يجد هذا الحديث في مصنف عبد الرزاق، الحديث ورد في نيل الأوطار، واضح من هذا أن حديث زيد لا يجوز العمل به، ولهذا لم يحتج به حتى الإمام أحمد كما سنرى، لأن حديث زيد بن أسلم فيه ما رأينا، وحديث عمرو بن شعيب ورد من طرق أخرى – حتى من غير طريق عمرو – يقوي بعضها بعضا، وقد رجحه وصححه من يعتد به من أهل الحديث. وفي الشوكاني رجح هذا الحديث أيضا ورجحه من جانب آخر فقال: لأنه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة، هذا كلام الشوكاني. وكما قلت لكم: الإخوة ذكروا هذا ولا داعى لقراءة أقوالهم لأنها لا تختلف عما قلته لكم. بعد هذا نأتي إلى رأي الفقهاء.

ص: 505

آراء الفقهاء في حكم بيع العربون:

اختلف الفقهاء في حكم بيع العربون فمنعه الحنفية والمالكية والشافعية والشيعة الزيدية وأبو الخطاب من الحنابلة، وروي المنع عن ابن عباس والحسن وقال ابن رشد والشوكاني:المنع قول الجمهور. وأجازه الإمام أحمد وروي الجواز عن عمر وابنه عن جماعة من التابعين منهم مجاهد وابن سيرين ونافع بن الحارث – أو ابن عبد الحارث كما في رواية أخرى – وزيد بن أسلم. واستدل كل من الفريقين بأدلة، ما يتعلق بآراء الفقهاء هذا أيضا لا خلاف فيه بين الباحثين، الدكتور رفيق المصرى أضاف إلى آراء المتقدمين رأي المعاصرين فذكر المانعين والمجيزين فقال: من المعاصرين الذين أجازوا العربون مصطفى الزرقا ووهبة الزحيلى ويوسف القرضاوي والسنهوري وأبو رخيمة. ومن المعاصرين الذين لم يجيزوا العربون، الصديق الضرير، ولكن يبدوا – هذا من رفيق المصرى – أن منعه منصب على بيع العربون الذي لم تتحدد فيه مدة الخيار، ولا أدري هل يستمر في المنع إذا حددت المدة؟. صحيح هذا هو رأي الصديق الضرير، ولكن موضوع المدة وتحديد بيع العربون المعروف في الفقه الإسلامى والذى تحدث عنه الفقهاء وورد فيه الحديث، المدة فيه غير محددة، فالذين يرون هذا - ذهب إليه الإخوة الثلاثة الذين كتبوا في هذا الموضوع – أن المدة محددة، إذا كانت المدة هذا ليس رأي الإمام أحمد، الإمام أحمد يجيز العربون من غير تعرض للمدة، وهذا واضح من عباراته، وحتى في الدليل الذي اعتمد عليه أساسا وهو فعل عمر لم يذكر فيه أن المدة محددة، ولذلك في التكييف، أنا ذكرت هذا، أن المدة غير محددة، وهؤلاء الإخوة أيضا رفيق المصرى ذكر هذا في تكييفه لبيع العربون وأن المدة غير محددة، فالرأي الذي يتحدث عن بيع العربون المدة فيه محددة لا يتحدث عن بيع العربون في الفقه الإسلامى، هذا رأي من عنده، سنعود إليه في آخر الكلام.

الأدلة: سأذكر أولا أدلة المانعين ثم أدلة المجوزين.

ص: 506

استدل المانعون لبيع العربون، أولا بحديث النهي عن بيع العربون وهذا دليل – كما قلت لكم – دليل قوي لما بيناه من صحة هذا الحديث، وإذا صح الحديث فلا معدل عنه.

الدليل الثانى: في بيع العربون غرر، قال ابن رشد الجد: ومن ذلك أن من الغرر، أي من الغرر المنهي عنه، نهى رسول الله صلى عليه وسلم عن بيع العربون، وقال أيضا: الغرر الكثير المانع من صحة العقد يكون في ثلاثة أشياء أحدهما العقد والثانى أخذ العوضين، والثالث الأجل فيهما أو في أحدهما، فأما الغرر في العقد فهو مثل ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة وعن بيع العربان)) . هذا الغرر فيه يرجع إلى صيغة العقد، لأنه لا يدري هل سيتم هذا البيع أو لا يتم، وقال ابن رشد الحفيد: وإنما صار الجمهور إلى منعه لأنه من باب الغرر والمخاطرة وأكل المال بغير عوض، وقد ورد التعليل بالغرر: وأكل المال بالباطل في كثير من كتب المالكية، وبالغ القرطبي في هذا فقال: إنه من باب بيع القمار، والغرر، والمخاطرة، وأكل المال بالباطل، بغير عوض ولا هبة، وذلك باطل بإجماع. هذا كلام القرطبي.

والغرر متحقق في بيع العربون لأنه بيع مستور العاقبة، وهذا هو ذلك الغرر، لا يدري كل من البائع والمشتري، هل يتم البيع أم لا؟ ومتى يتم إذا تم؟، لأن المدة مجهولة – كما قلت لكم – أما أكل المال بالباطل فمتحقق فيه بصورة واضحة، إذا عدل المشتري لعذر ما، وباع البائع سلعته بالثمن الذي اتفق به مع المشتري، أو أكثر منه، فبأي حق يأخذ هذا العربون الزائد، لا أظن أن هناك خلافا في أن هذه الصورة من أكل المال بالباطل، ولا أعتقد أن الإمام أحمد يجوز مثل هذه الصورة.

وذكر أيضا بعض الفقهاء أدلة أخرى، وأنا يكفيني هذين الدليلين، فقالوا: إن فيه شرطين فاسدين، أحدهما: شرط كون ما دفعه المشتري للبائع يكون مجانا إن اختار ترك السلعة، والثاني: شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع. هذه المسألة تتعلق بالشروط، والرابع: أن بيع العربون بمنزلة الخيار المجهول، وهذا أيضا مهم لأن المشتري اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح، كما لو قال: ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهما، في شرط الخيار العادي، وهذا فيما يبدو، الإخوة الثلاثة الذين بحثوا هذا الموضوع اعتبروا هذا مانعا من بيع العربون، ولهذا جاءت آراؤهم الثلاثة تشترط في بيع العربون ذكر المدة.

ص: 507

وبهذا يعتبر منافذ الاختلاف بيني وبينهم أن بيع العربون المعروف في الفقه الإسلامي لا يجوز، لأن المدة فيه غير محددة، ومن الأدلة التي ذكرها تقريبا كل الإخوة الثلاثة الذين بحثوا الموضوع وإن كان بعضهم ذكرها مجزأة في أماكن مختلفة، والدكتور رفيق المصري كعادته أسهب فيها، وذكر أدلة أخرى، هي في رأيي من قبيل الردود وليست من الأدلة، هو ذكر هذه الأدلة الأربعة وزاد عليها أدلة أخرى، مثلا، ذكر حديث نافع بن الحارث يمكن حمله جمعا بين الآثار على أن شراء دار السجن لعمر قد تم بعد الشرط بعقد مبتدئ، احتسب فيه الدرهم من الثمن، وهذا رد في الواقع وليس من الأدلة، ويقول أيضا: لا يصح من أدلة جعل العربون عوضا عن انتظار البائع، وتأخير بيع السلعة من أجل المشتري، لأنه لو كان عوضا عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء. لأن الانتظار بالبيع لا تجوز المعاوضة فيه، ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار، هذا كلام ابن قدامة في أثناء استدلاله بالأدلة.

ننتقل إلى أدلة المجوزين: استدل المجوزون لبيع العربون أولا بحديث زيد بن أسلم وهذا لم أجده في غير نيل الأوطار، ابن قدامة لم يذكره، وصاحب المقنع أيضا لم يذكره، ولا الإمام أحمد احتج به، احتج بأمر آخر هو الذي سيأتى في الدليل الثانى، مع أن في هذا الحديث المقال الذي ذكرناه مما يدل على أن كل هؤلاء لا يأخذون بهذا الحديث، فلا يجوز الاستدلال به. والدليل الثانى ما روي عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية، فإن رضي عمر، وإلا فله كذا وكذا.

وأحب أن أشير إلى حقيقة هذه العبارة كذلك، ليس فيها تحديد لمدة. قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضى الله عنه، هذا هو كل الدليل من هذا الأثر المروي عن عمر. قال ابن قدامة معلقا على هذا الكلام: وإنما صار أحمد فيه إلى ما روي فيه عن نافع بن عبد الحارث

وذكر هذا الخبر ثم قال: فأما إن دفع إليه من قبل البيع درهما، وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم أشترها منك، فهذا الدرهم لك، ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدأ وحسب الدرهم من الثمن صح، لأن البيع خلا عن الشرط المفسد، ويحتمل أن الشراء الذي اشتري لعمر كان على هذا الوجه. هذا كلام ابن قدامة، فكأنه يشكك في ما روي، فيحمل عليه جمعا بين فعله وبين الخبر، ويقصد بالخبر الحديث الذي ينهى، وموافقة القياس.

ص: 508

فكأن ابن قدامة يرى أن القياس هو المنع، ولأدلة القائلين بفساد العربون، فهذا يستفاد منه صراحة من كلام ابن قدامة، هذا أنه يرى العمل بحديث النهي عن بيع العربون ويرى أن المنع هو القياس ولذلك يؤول فعل عمر بما يتفق مع الحديث والقياس وهذا اتجاه سليم ففي كلام ابن قدامة هذا رد على هذا الدليل الذي استدل به المجوزون، والدليل الثالث للمجوزين: القياس على ما قاله سعيد وابن سيرين من أنه لا بأس إذا كره المشتري السلعة أن يردها ويرد معها شيئا، فقد قال الإمام أحمد: هذا في معناه، هذا أيضا منسوب للإمام أحمد، قياس بيع العربون على هذه الصورة، وسنتحدث عنها فيما بعد. وابن قدامة عندما ذكر هذا الدليل ولم يعلق عليه، سأتناوله بشيء من التفصيل فيما بعد، وبناء على هذا فإني أرجح المنع لقوة دليله، فإن حديث النهي أكثر رجال الحديث يصححونه، وحديث الجواز أكثرهم إن لم يكن كلهم يردونه. والغرر في بيع العربون متحقق، وأكل المال بالباطل في بعض صوره، وما اعتمد عليه المجوزون من أقوال بعض الصحابة والتابعين حتى ولو صحت عنهم لا يقوى على معارضة أدلة المانعين، أولها الحديث الذي صححه الإخوة الباحثون أيضا ذكروا هذه الأدلة، وحاولوا الرد على أدلة المانعين، وهم ثلاثتهم يجوزون بيع العربون، وإن كان في رأي بعضهم وهو رفيق المصرى لم يقل عبارة صريحة وإنما قال: أميل إلى المنع، مع أنه أكثر مَن أورد الأدلة في هذا الموضوع، ولهذا سأقرأ لكم ما اعترض به على أدلة المانعين مكتفيا به عن غيره، لأنه تضمنها وزيادة. " رأينا في بيع العربون: إنى أميل في العربون إلى اختيار مذهب الحنابلة المجيزين " أولا هو لم يختر مذهب الحنابلة، لأنه أصر على أن بيع العربون الجائز هو ما حددت فيه المدة، وهذا ليس رأي الإمام أحمد، لأنه قال بعد ذلك في أول كلامه قال: أختار مذهب الحنابلة بشرط أن تكون مدة الخيار معلومة، فخرج منهم، فهذا رأي مستقل، ثم يقول بعد ذلك: فلعل أهم حجة للمانعين هي أن بيع العربون يتضمن خيارا غير معلوم المدم، وهذه حجة قوية لذلك قيدنا جواز العربون بمعلومية المدة.

أما القول بمنع العربون باعتباره عوضا عن انتظار البائع فهذا يجاب عنه بما يلى:

ليس مسلما أن العربون هو مجرد تعويض عن الانتظار، يعني هذا ليس من الأدلة الرئيسية التي اعتمد عليها المانعون، فقد يلحق بالبائع ضرر نتيجة الخيار الممنوع للمشتري فكأنه يريد أن يجعله هو مقابلا للضرر، وقد رأينا أن هناك صورا لا يكون فيها ضرر بل يكون فيها نفع للبائع، ومع ذلك يحكم له بالعربون الذي أخذه، فكيف يتأتى هذا؟ ثم يمضي ليشعر بأن في هذا ضعفا فيقول: على فرض أن العربون تعويض الانتظار أو عوض للزمن فإن هذا العوض ليس مسلما أنه حرام، نعم هو حرام في القرض ولكنه جائز في البيع المؤجل فقد نص الفقهاء على أن للزمن قيمة ونحن في العربون أمام بيع لا أمام قرض. تشبيه العربون بالبيع المؤجل في غير محله، البيع المؤجل، المشتري يشتري السلعة ويأخذها ودخل الثمن فيها، أما هنا فالمشترى إذا ترك السلعة يترك السلعة ويدفع الثمن، فلا يمكن القياس على هذا.

ص: 509

أما جعل العربون جزءا من الثمن في حال إمضاء العقد فهذا من باب التسامح لا سيما وأن مدة الانتظار تكون في الغالب قصيرة ساعات أو غير ذلك، لم أفهم هذا الكلام. أما الادعاء بأن العربون من باب أكل المال بالباطل فهذا غير مسلم، ذلك لأن المشتري ليس مستعدا لدفع مال في مقابل لا شيء، من قال هذا؟ كثيرون الذين يدفعون المال في مقابل لا شيء، وخيار الشرط معمول به في كل العصور، هو يقول: من يدفع مالا في مقابل لا شيء إلا إذا كان غبيا، والفرض أنه رشيد وقد بينا الصورة التي يتحقق فيها أكل المال بالباطل بما لا مزيد عليه.

أما القول " بأن في العربون غررا فهذا أيضا غير مسلم، وعند فرض وجوده فهو غرر يسير مغتفر " الفقهاء قالوا: إنه غرر غير مغتفر، فالمشتري أمام خيارين إما أن يمضي الصفقة ويكون العربون جزءا من الثمن وإما أن يجد مصلحته في عدم إمضائها ولو دفع العربون، إذ يرى أن خسارة العربون أقل من خسارة إمضاء الصفقة. وهذا الدليل يحمل في ذاته المنع لأن هذا شبيه بما عرض على المجمع في بعض صوره، وتعرض إليه الدكتور رفيق هنا أيضا، يشبه بيع الاختيار وهو أن يشتري الشخص الخيار نفسه يدفع مبلغا مقابل الخيار من غير أن يشتري سلعة، وقد أصدر المجمع فيه قرارا بالمنع فيما أذكر.

فلو أردنا بيع العربون بهذه الصفة قد يتخذ بعض المضاربين في الأسواق العالمية للوصول إلى هذا الغرض، هو يشتري السلعة ويدفع عربونا وهو يريد المضاربة ولا يريد الشراء، وينتظر، قد يأخذ مدة يحدد مدة بشهر فإذا انتهى الشهر يرى أن من مصلحته أن يمضي البيع أمضاه، وإذا رأى أن السلعة انخفضت بحيث لو ترك العربون لا يخسر ولو أخذها يخسر أكثر مما لو ترك العربون يترك العربون؛ فهذه هي المضاربات المعمول بها الآن في الأسواق المالية.

ص: 510

ثم يقول الدكتور رفيق: مما يقوي مذهب الجواز ثلاثة عوامل أخرى:

1 – وجود مذهب فقهي معتبر يجيز العربون، وهو مذهب الإمام أحمد.

ونقول له: ويوجد بجانبه ثلاثة مذاهب لا تجيزه. يضيف إلى هذا: وقد كان معروفا بشدة الورع. وكأن غيره ليس معروفا بهذا.

2 – احتمال أن المانعين قد منعوه لعدم تقييد الخيار بمدة معلومة، فهذا فيه غرر غير مقبول وربما لو قيد بمدة لأجازه الجميع أو الأكثرون. والله أعلم.

ثم يضيف أيضا دليلا ثالثا وهو عموم البلوى، فبيع العربون منتشر في القوانين والأعراف التجارية، صحيح أن بيع العربون منتشر، وسنتعرض لهذا فيما بعد وقد أخذت به – تقريبا – كل قوانين البلاد العربية والبلاد الإسلامية بالصورة غير المشروعة، واعتمدوا في هذا على القوانين الغربية كما سأبين فيما بعد.

بعد هذا انتهينا إلى مسألة الترجيح: هنا مسائل أخرى جانبية تعرضت إليها في بحثي وتعرض إليها أيضا الدكتور رفيق المصري، ولم يتعرض لها الأخوان الفاضلان الدكتور عبد الله والدكتور وهبة وهي أن هناك صورا تشتمل على بيع العربون ولكنها ليست منه، ذكرها الفقهاء ويذكرونها دائما وخصوصا فقهاء المالكية عند حديثهم عن بيع العربون، لا حاجة للتعرض لهذه لئلا نطيل الحديث، لكن لا بد من التعرض لصورة منها هي التي اعتمد عليها الإمام أحمد وشبه بيع العربون بها، وهي: قد يشترى شخص سلعة ثم يتفق مع البائع على أن يردها ومعها شيء من المال، يشتري شخص سلعة انتهى البيع وتم الشراء وتسلم السلعة، ثم يتفق مع البائع على أن يردها ومعها شيء من المال. هذه هي الصورة التي قاس عليها الإمام أحمد صورة بيع العربون الممنوع عند الجمهور.

قال سعيد وابن سيرين – أيضا – (لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا) . ولا خلاف بين الفقهاء في جواز هذه الصورة، إذا كان البيع الأول نقدا، هذه الصورة جائزة عند جميع الفقهاء. المالكية هم الذين استثنوا بعض الحالات وهي ما إذا كان البيع الأول إلى أجل، لا داعي للخوض فيها ولكن غيرهم جوزها في جميع الحالات. وهذه الصورة إقالة للبيع الأول وهي شراء مستأنف بين المشتري والبائع، المشتري أصبح هو البائع والبائع أصبح المشتري، ولا مانع من أن يشتري شخص سلعة بمائة نقدا، نأتي إلى الصورة المتفق عليها – ثم يبيعها لمن اشتراها منه يبيعها فباعها بتسعين نقدا، المانع قد يأتي إذا اشتراها بأجل لكن إذا اشتراها نقدا بمائة وأراد أن يبيعها فباعها بتسعين نقدا أيضا، لا شيء في هذا. وقياس بيع العربون على هذا لا أرى له وجها.

ص: 511

الصور الأخرى والتى لا داعي لذكرها، فلقد أطال الكلام فيها، تكلم عن هذه الصور وتكلم عن البيوع الشرطية الآجلة التي أشرت إليها، وتكلم عن التعزير المالى وعن الشرط الجزائي في عدد من الصفحات. يقول في آخر الكلام عن الشرط الجزائي: والعربون الذي يدفعه المشتري للبائع أو للمستأجر في المؤجر قد يكون شرطا جزائيا يتفق عليه الطرفان تعويضا ممن يأبى المضي في إبرام العقد. فهو مصر على أن بيع العربون يثبت للطرفين، واشتراطه لجميع أقساط الدين إذا تأخر المدين في دفع قسط منها هو أيضا شرط جزاء والواقع أنه ما فيه

ثم أخذ يتكلم عن التفرقة بين العربون والشرط الجزائي في أكثر من صفحتين، وانتهى إلى عنوان جواز العربون والشرط الجزائي. يقول: إن إجازة الشرط الجزائي تقتضي إجازة العربون نظرا للتشابه الكبير بينهما لا سيما في القوانين التي تجيز الشرط الجزائي بدون أي حق للتقاضي في تعديل مبلغه بالزيادة أو النقصان أو الإلغاء، لكن يتناسب المبلغ مع مقدار الضرر الفعلي، ومما سبق إثباته من فروق بين العربون والشرط الجزائي لا يستحق تفريقا في الحكم الشرعي بينهما وإني أختار جوازهما بلا تفريق، وفي المبحث الثاني سأبين أسباب جواز العربون وهو ما قرأته لكم من قبل.

النقطة التي بعد هذا وإن كانت نقطة جانبية لكنها مهمة وهي العربون في قوانين البلاد العربية، وهذه جزئية تعرضت إليها أيضا وتعرض إليها – أيضا – الدكتور رفيق المصري وإن كان بأقل مما ذكرته. تنص المادة (130) من القانون المدني المصري على ما يأتي:

1 – دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه إلا إذا اقتضى الاتفاق غير ذلك، فإذا عدل من دفع العربون فقده، وإذا عدل من قبضه رد ضعفه، هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر. هذا هو رأي القانون المصري، فاعتبر دفع العربون في حالة عدم الا تفاق، لاحظوا أنه هنا لا يوجد اتفاق، أعتبره دليلا على ثبوت حق العربون لكل من المتعاقدين ويترتب عليه ما ذكرناه. وتبع القانون المصري عدد من قوانين البلاد العربية، وخالفه في هذا القانون العراقي، أخذ بالعكس. القانون العراقي يقول:

" يعتبر دفع العربون دليلا على أن العقد أصبح باتا لا يجوز العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك – عكس ما ذكره القانون المصري – فإذا اتفق المتعاقدان على أن العربون جزاء للعدول عن العقد كان لكل منهما حق العدول، فإن عدل من دفع العربون وجب عليه تركه، وإن عدل من قبضه رده مضاعفا " النتيجة واحدة كل ما هنالك القانون العراقي يرى أن العربون في حالة عدم الاتفاق يكون جزءا من الثمن، ودفعه دليل على أن العقد أصبح باتا لا خيار فيه القانون المصري يقول: لا، (العكس) .

الفرق بين القانون المصري والقانون العراقي هو أن القانون المصري يجعل دفع العربون في حالة عدم الاتفاق دليلا على أن لكل من المتعاقدين حق العدول، أما القانون العراقي يجعل دفع العربون في حالة عدم الاتفاق دليلا على أن العقد أصبح باتا لا يجوز العدول عته إلا باتفاق بين الطرفين.

ص: 512

وكل من القانون المصري والقانون العراقي متأثر بالقوانين الغربية. يقول الدكتور السنهوري في هذا: " وقد انقسمت القوانين الأجنبية بين هاتين الدلالتين فالقوانين اللاتينية بوجه عام تأخذ بدلالة العدول، أما القوانين الجرمانية فتأخذ بدلالة البت. وغني عن البيان أن تلك الدلالتين قابلة لإثبات العكس ". هذا ما يتعلق بالقوانين، فهي إذن قوانين أصلها القوانين الغربية ولا تمت للشريعة الإسلامية بصلة.

القانون المدني الأردني مع أن أحكامه مستمدة من الفقه الإسلامي فقد تبع في هذه المسألة القانون المصري ونصوصه جاءت متقاربة أو متطابقة مع القانون المصري. وقد حاول كل من الدكتور السنهوري وواضع المذكرة الإيضاحية للقانون الأردني حاولا تأصيل المادة هذه في الفقه الإسلامي، لأنهما التزما فيه أن تؤصل من الفقه الإسلامي، ولكن لم يوفقا في هذا.

مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد، وهذا قانون فرغ من صياغته ووزع على الدول فيما أعلم، وقد كنت شاركت في تأصيل بعض مواده، هذا القانون يستمد أحكامه من الفقه الإسلامي.

في الحقيقة أنا تمهلت في القراءة وفي العرض لأن المكتوب في البرنامج أن الزمن ساعتان من الساعة الثامنة والنصف إلى العاشرة والنصف، ومع ذلك سأحاول أن أنتهي في النصف الساعة الباقية.

أختم هذا بأن كل هذه القوانين أخذت بالقوانين الغربية. القانون الوحيد الذي أخذ برأي الجمهور هو القانون السوداني الذي صدر عام 1984 م جاء فيه: " لا يجوز دفع العربون ولا استلامه " فقطع الخط من أول مرة، ومع ذلك إذا قضت المحكمة بنشوء العقد يعتبر كل مبلغ مدفوع جزء من المقابل ولها أن تقضي بأي تعويض تراه عادلاً نظير أي إخلال بالعقد، هذا يخضع للقواعد العامة. بعد ذلك توجد بعض المسائل من ضمن التي عرضت منها: حاجة الناس إلى العربون، هل هناك حاجة أو لا؟ بطبيعة الحال الإخوة الثلاثة قالوا: إن هناك حاجة، وقلت: ليس هناك حاجة، لا حاجة عامة ولا حاجة خاصة تجعل التعامل به جائزًا مع ما ورد فيه من المنع لأن هذه الحاجة إما أن تكون غير متعينة وإما أن تكون غير معتبرة، فهي غير متعينة لأن في خيار الشرط المعروف في الفقه الإسلامي غنى عن هذا. لماذا نطالب بدفع مقابل؟! وهي غير معتبرة وهذا هو الأهم لأنه ورد النص بالمنع.

ص: 513

ننتقل بعد ذلك إلى المسائل التي عرضت وطلب الإجابة عنها وهي ست مسائل:

المسألة الأولى: هل يجوز العربون في بيع النقد بجنسه وفي الصرف؟ الجواب: قلنا في تكييف بيع العربون: إنه يتضمن خيار شرط للمشتري بمقابل في حالة رد المبيع، وبيع النقد بجنسه والصرف لا يجوز فيهما خيار الشرط ولو كان بغير مقابل. هذا عند الأئمة الأربعة لا خلاف فيه، وتوجد نقول تدل على هذا سأتركها. وإذا كان الصرف لا يجوز فيه خيار الشرط فإنه لا يجوز فيه العربون من باب أولى، هذا خيار شرط وزيادة، ولا يجوز فيه لا على رأي من يمنع العربون ولا على رأي من يجيزه. أما على رأي من يمنعه فالأمر واضح: اجتمع مانعان؛ لأن الصرف بيع والبيع لا يجوز فيه العربون ولو لم يكن مما يشترط فيه التقابض، وأما على رأي من يجيز بيع العربون فلأن بيع العربون فيه خيار شرط، وخيار الشرط لا يجوز في العقد الذي يشترط فيه التقابض والصرف يشترط فيه التقابض فلا يجوز فيه خيار الشرط ولا العربون. وقلت قبل هذا الجواب ووافقني عليه الإخوة الثلاثة ولا اختلاف إلا في طريقة العرض والصياغة.

المسألة الثانية: هل يجوز أن يكون العربون مبلغا مستقلا عن سعر السلعة؟.

هذه المعاملة المسؤول عنها لا تدخل في بيع العربون المعروف في الفقه الإسلامي والذي اختلف الفقهاء في حكمه كما قلنا، لأن بيع العربون الذي أجازه الإمام أحمد يكون العربون فيه محسوبا من الثمن إذا أخذ المشتري السلعة، والمعاملة المسؤول عن حكمها يكون فيها العربون مستقلا عن الثمن، لا يدخل في الثمن. وصورة هذه المعاملة – فيما يظهر لي – هي أن يشترى شخص من آخر سلعة بألف ريال على أن يكون له الخيار في مدة معلومة مقابل مئة ريال يدفعها للبائع سواء أخذ السلعة بالألف أم ترك البيع. إذا كان هذا التصوير للمعاملة هو الجواب من السؤال فإنها تكون من قبيل بيع الاختيار الذي تحدثت عنه فيما قبل والذي أصدر المجمع فيه قرارا بعدم الجواز.

وقد وجدت في الدسوقي عبارة في الكلام عن بيع العربون تنطبق على هذه الصورة تماما، ذكر الدسوقي لصور بيع العربون الممنوعة قول البائع للمشترى: لا أبيعك السلعة إلا إذا أعطيتني دينارا آخذه مطلقا سواء أخذت السلعة أو كرهت أخذها. هذه مسألة حصل فيها اختلاف بين الأخوة، والزحيلي متفق معي مع اختلاف في التعليل، أما الدكتور عبد الله يقول: يجوز، وأترك له بيان رأيه، أما الدكتور رفيق فهو غير موجود لذلك سأتولى عنه الحديث. قال: وإن كان مجموع كلامه متفق معنا فهو يقول: لا يجوز في حالة ويجوز في حالة أخرى، لكن الذي فهمته من قوله أنه يرى المنع، وبذلك سأوفر قراءة ما كتبه.

ص: 514

المسألة الثالثة: هل يجوز العربون في الخدمات كما في السلع؟. العربون لا يجوز في جميع العقود عند من يمنعه في البيع وهم الأئمة الثلاثة. وعندنا دليل نقل عن بعض الفقهاء؛ أما في مذهب الحنابلة المجوزين لبيع العربون فقد قال محشي المقنع: وحكم الإجارة كالبيع _ أنا لم أجد في المغني نصا في هذا الموضوع لكن هذا في المحشي _ ذكره في الوجيز والفروع ولم يذكر ابن قدامة الإجارة؛ وقال بعدما أورد رأي المانعين لبيع العربون: وهذا هو القياس وإنما صار فيه أحمد إلى ما روي عن نافع بن عبد الحارث

إلخ. ولهذا قلت إني أرى قصر جواز العربون في مذهب الحنابلة حتى عند من يجيزه على ما نص عليه فقهاؤهم ولا يتوسع فيه وهو البيع والإجارة فقط.

في هذه المسألة الدكتور الزحيلي يقول: يجوز في جميع الخدمات إجارة وغيرها، وكذلك الدكتور عبد الله يقول: يجوز، ولكن لاحظت عليه أنه قال يجوز واستشهد بكلام المالكية فهذا لا يستقيم، أما الدكتور رفيق فيقول بالجواز وتوسع في هذا الموضوع كثيرا وتطرق للكلام عن الأجير الخاص والأجير العام وفرق بين الاثنين، وسأقرأ لكم العبارة الأخيرة لأن فيها زيادة شرط اشترطه الدكتور رفيق لجواز العربون: " يمكن أن تلحق بالعربون في البيع والإجارة فهي جائزة. ويلحظ فيها أن نكول أحد الطرفين يسبب ضررا للآخر فإذا لم يتصور ضرر في بعض الصور كان العربون غير جائز لأنه يصبح أكلا للمال بالباطل؛ رجع فقال: _ احتج بما حاول أن يرد به عن المانعين لأنه يصبح أكلا للمال بالباطل _ وفقا للفقهاء الذين لم يجيزوا العربون.

المسألة الرابعة: هل يجوز العربون عند شراء الأوراق المالية كالأسهم؟. الجواب قصير على هذا، لا يجوز – على رأي الجمهور – العربون في شراء الأوراق المالية كالأسهم لأنها لا تخرج عن كونها بيعا وبيع العربون لا يجوز عندهم، والدليل على رأي الحنابلة إذا كانت الأوراق مما يجوز شراؤه، لا توجد خصوصية لها إلا أنها في بعض الحالات قد لا تجوز.

وفي هذه المسألة قال الزحيلي: يجوز، والشيخ عبد الله قال أيضا: يجوز والدكتور رفيق وسع بعض الشيء وقيد فقال بالجواز في الحالات التي يجوز فيها شراء الأسهم وعدد تلك الحالات، ولعل الذين قالوا بالجواز يقصدون هذا أيضا.

ص: 515

المسألة الخامسة: هل يجوز العربون في بيع المرابحة؟. الجواب: لا يختلف حكم العربون في بيع المرابحة عنه في بيع المساومة فكلاهما بيع، فمن يمنع العربون في بيع المساومة يمنعه في بيع المرابحة ومن يجوزه في بيع المساومة يجوزه في بيع المرابحة، ولا خصوصية لبيع المرابحة في منع العربون أو جوازه. هذا بالنسبة لبيع المرابحة المعروف، وليس بيع المرابحة للآمر بالشراء لأنني سأتكلم عنه فيما بعد. في المسألة الخامسة أيضا الدكتور الزحيلي قال: يجوز؛ وتعرض فيها لشروط بيع المرابحة؛ والشيخ عبد الله _ أيضا _ قال: يجوز؛ والدكتور رفيق تكلم بإسهاب عن بيع المرابحة وبيع الأمانة وانتهى إلى أنه يجوز عند من يجوز العربون؛ حتى أنه تطرق في هذه الجزئية إلى بيع المرابحة للآمر بالشراء وقرر أنه يجوز عند من يجيز العربون ويجيز الإلزام في بيع المرابحة للآمر بالشراء، وعن رأيه هو قال: إنه لا يجيزه لأنه لا يجيز الإلزام في بيع المرابحة.

المسألة السادسة والأخيرة: هل يلزم في بيع العربون أن تكون السلعة حاضرة للمعاينة أم يجوز عند المواعدة على الشراء؟. هذا الاستفسار ورد فيه شيء من الغموض ولذلك اختلفت الآراء فيه بحسب فهم كل أستاذ له. أما أنا فقلت: يبدو لي أن المقصود بهذا السؤال هو معرفة حكم العربون في بيع المرابحة للآمر بالشراء وليس المقصود منه معرفة حكمه في بيع العين الغائبة المملوكة للبائع كما يتبادر إلى الذهن من عبارة أن تكون السلعة حاضرة للمعاينة؛ لأن بيع العين الغائبة ليس فيه مواعدة، والسؤال يقول: هل يجوز عند المواعدة على الشراء؟. إنما المواعدة في بيع المرابحة للآمر بالشراء ولهذا أجبت عن هذا السؤال على أنه يسأل عن العربون في بيع المرابحة للآمر بالشراء. فقلت: إذا كان هذا الذي بدا لي هو المقصود فإن حكم العربون يختلف باختلاف المرحلة التي يدفع فيها في بيع المرابحة للآمر بالشراء لأن هذا البيع يتم على مرحلتين: الأولى، المواعدة، والثانية مرحلة إبرام العقد، فإن كان دفع العربون في المرحلة الثانية، أي مشروطا في عقد البيع، فإن حكمه هو ما بيناه في مشروعية العربون لا يختلف، المنع عند الأئمة الثلاثة والجواز عند الإمام أحمد، وإذا كان دفع العربون في المرحلة الأولى – مرحلة المواعدة – فإن أخذنا برأي القائلين بالإلزام في المواعدة، فإن الحكم لا يختلف عنه أيضا في مرحلة البيع لأن هذا كأنه بيع، وإن أخذنا برأي القائلين بعدم إلزام المواعدة وهو ما قرره مجمع الفقه فإن العربون بمعناه الفقهي الذي بيناه لا يمكن تصوره فيها لأن العربون لا يكون إلا في عقد لازم كالبيع والإجارة، والمواعدة غير اللازمة ليست بيعا ولا عقدا وإنما هي وعد من الآمر بالشراء غير ملزم له؛ فهو بالخيار، إن شاء اشترى وإن شاء ترك من غير أن يدفع عربونا، فإذا شرط البائع على الآمر بالشراء أن يدفع له عربون ويفقد هذا العربون إذا ترك الشراء فإن هذا يكون تناقضا مع كون الوعد غير ملزم.

وتنتهى بهذا الإجابة عن الاستفسارات الستة.

ص: 516

بعد ذلك المطلوب من كل باحث أن يقدم اقتراحات، وقد استجاب – أعتقد – اثنان فقط لهذا. والدكتور عبد الله والدكتور رفيق لم يقدما شيئا. أقرأ لكم أولا ما قدمه الدكتور الزحيلي، لأنه قصير.

التوصية المقترحة في بيع العربون:

يقول: عقد العربون جائز للحاجة في البيع والإجارة بشرط تحديد زمن معين للانتظار، وكذا في بيع وشراء الأوراق المالية كالأسهم، وفي بيع المرابحة إلا في حال الوقوع في الربا، وفي حال تقديم العربون مقابل الخدمات كما في السلع ولا يصح في الصرف ولا في المواعدة على الشراء، ويعد العربون جزءا من الثمن أو الأجرة بعد عقد لا قبله في حالات إباحة، وعند إتمام العقد، فإن لم يتم العقد كان حقا للبائع بسبب إضراره وانتظاره وتعطله وقبول الناكل عن العقد خسارته حال دخوله. (هذا ما قدمه الدكتور الزحيلي) .

أما أنا فقدمت ثلاثة اقتراحات بالنسبة للجواز وعدمه:

الاقتراح الأول: مبني على رأي الجمهور القائلين بعدم الجواز، وهو: لا يجوز بيع العربون ويفسخ إن وقع ويرد للمشتري عربونه إذا لم يتم البيع ويفسخ أيضا إذا تم البيع وكان المبيع قائما فإن فات مضى بقيمته ويحسب العربون من القيمة. هذا مأخوذ من مذهب المالكية.

الاقتراح الثاني: وهو مبني على رأي الإمام أحمد، يجوز بيع العربون ويحتسب العربون من الثمن إذا تم الشراء ويكون من حق البائع إذا لم يتم. هذا واضح.

الاقتراح الثالث: هو في الواقع توفيق بين الرأيين أو هو رأي ثالث، وهو: يجوز بيع العربون إذا حددت مدة الانتظار – وأود أن تضاف هذه للذين يتابعونني في القراءة – ويحتسب العربون من الثمن إذا تم الشراء، أما إذا عدل المشتري عن الشراء، فلا يجوز للبائع أن يأخذ من العربون إلا مقدار الخسارة التي لحقته بسبب عدول المشتري ويرد الباقى.

الغرض من هذا تفادي حالتين وهما: إما أنه يترتب على الجواز أكل المال بالباطل، والحالة الثانية: ألا تكون المدة محددة؛ لا بد من تحديد المدة.

ما يتعلق بالاقتراحات الأخرى في المسائل المعروضة تركتها لأنها مذكورة في الخلاصة ويمكن أخذها من الخلاصة ولا داعي لقراءتها مرة أخرى.

وأكتفي بهذا، وشكرا لكم على استماعكم.

ص: 517

الشيخ عبد الله البسام:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فنشكر فضيلة الدكتور الصديق على بحثه القيم وعلى عرضه الجيد. وأحب أن أعرض بعض الملاحظات على بحثه وعلى تعليقه:

علمنا أن اعتماد المانعين لبيع العربون هو هذا الحديث – حديث عمرو بن شعيب – وعمرو بن شعيب يروي عن أبيه عن جده ويروي عن غيرهم، فإن ما رواه عمرو بن شعيب عن غير أبيه وبعضه عن جده فهذا قبله كثير من المحدثين إذا روي عن غير أبيه عن جده. أما إذا روى عن أبيه وأبوه رواه عن جده فهذا سند مطعون فيه وقد قال فيه الإمام أحمد: إنه يروي عن مناكير، وقال المحدثون: إنه لا يروي عن أبيه ولا عن جده وإنما يروي عن صحيفة وجدها فكان ينقل عنها، وبناء عليه فالحديث هذا مطعون فيه في هذا السند، فلا يصح الاعتماد عليه ولا يصح أبدا أنه ينقض أصلا متفقا عليه بين علماء المسلمين، وهذا أن الأصل في المعاملات والعادات الإباحة. فهذا أصل كبير لا يعدل عنه إلا حينما نجد نصا صحيحا صريحا في الموضوع، أما ما دام مثل هذا الحديث فهذا حديث لا يقاوم هذا الأصل. هذا من ناحية.

من ناحية أخرى إن لهذا الحديث مقابلا، أي حديث: وهو حديث (وبيع العربون حلال) ، الحديث هذا وإن طعن فيه بعض العلماء كما طعنوا في حديث عمرو بن شعيب ولكن صححه ابن حبان، وابن حجر قال: إنه – مقبول قاله في التلخيص – وابن حجر هو أمير المؤمنين في الحديث، وقد تأخر واطلع اطلاعا واسعا وتتبع الأحاديث وتتبع الرجال وترجم لهم وعرف الرجال المقبولين من المجروحين، وقال: إن هذا الحديث مقبول. وأن الطعن فيه هو عن عبد الرحمن العدوي، وأن عبد الرحمن العدوي رجل ثقة؛ هكذا قال ابن حجر. بناء عليه فأقل الحالين أن الحديثين تقابلا، وأن كلا منهما قيل فيه بالصحة والصحة تعني القبول، وقيل فيه بالطعن.

ص: 518

نرجع إلى الأصل وهو أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة والتوسعة، فلا نعدل عن هذا الأصل إلا حينما يأتينا نص لا نستطيع رده ونفوض الأمر إلى الله ورسوله، أما ما دامت الأحاديث أو أقوال مطعون فيها فهذا لا يعتمد عليه مقابل هذا الأصل. أيضا قال المانعون: إنه يوجد في بيع العربون محظور وهو محمول على الجهالة – جهالة النهاية - وهذا غير مسلم به، فالذين أجازوا بيع العربون – وهم الحنابلة – حددوه بمدة. في (غاية المنتهى) قالوا: إذا كان في أجل معلوم، وفقهاء الحنابلة عندهم كل أجل لا يكون معلوما ألغوه سواء في بيع الناجز أو في بيع خيار الشرط، إذا لم يكن الأجل معلوما فإن الأجل عندهم باطل والعقد عندهم صحيح. وبناء عليه بيع العربون هذا عندهم لا بد أن يكون مؤجلا وهذا ما صرح به مرعي في غايته. فلو أبطلنا هذا البيع – على فرض – للتخوف من جهالة العاقبة لأبطلنا أيضا خيار الشرط. خيار الشرط هذا مجهول العاقبة، وأنه إذا بعت هذا البيع بخيار لمدة معلومة ففيه احتمال إمضاء البيع وفيه احتمال فسخ البيع إذا نقول: خيار الشرط الذي أجازه أكثر الأئمة يكون باطلا ويكون غير جائز بناء على إبطال بيع العربون على جهالة العاقبة. أيضا من الأدلة على جواز هذا البيع فعل عمر – رضي الله عنه – حيث إنه اشترى الدار من صفوان بن أمية بن خلف، اشتراها له وكيله على رضا عمر وأجل الشراء برضا عمر، فإن لم يشتر فما دفعه من مبلغ وهو أربعمئة درهم فهي له، ومع هذا أجازه عمر – رضي الله عنه – والحديث في البخاري، والأثر في البخاري معلق وعلقه البخاري بدون تضعيف. والجزم بالصحة، لأن البخاري إذا أراد أن يضعف حديثا معلقا أشار إليه بلفظ التورية (قيل) ، وأما إذا ذكر الحديث فقال فلان، فمراده أنه ارتضاه، والبخاري من هو عندكم وعند غيركم.

هناك حديث (إن المسلمين على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) هذا الشرط لا يوجد فيه لا تحريم حلال ولا تحليل حرام لا نجد فيه شيئا من هذا، أما كون أن هذا أكل للمال بالباطل فهذا أمر غير مسلم لأنه ليس أكلا للمال بالباطل لأن الطرفين متراضيان على هذا، لا يوجد إكراه لأحد على ذلك. نعم التراضي على العقود المحرمة غير مسوغ لها ولكن هذا في مقابل الانتظار إلى مدة وفى مقابل رد اعتبار السلعة بعد أن تعاد من البائع، ولا يرى فيها تنقص معنويا وماديا، وهذا كأنه تعويض لها.

ص: 519

بيع العربون الآن سد فسادا كبيرا وهو بيع النجش، بيع النجش الذي يتعاطى في كثير من المقاولات وكثير من المعاملات، بيع العربون هذا سد هذا الباب الفاسد ومنعه وصارت المقاولات الآن إذا أريدت يجعلونها فتح مظاريف، وهذا الظرف يقدم فيه شيء نسبة من ثمن المقاولة أو ثمن المبيع، بناء عليه فإن أي إنسان لا يقدم على المزايدة في هذه المقاولة أو في هذا البيع أو في هذا الشراء لا يقدم عليه إلا إنسان متأكد من نفسه أنه سيدخل في هذه المقاولة أو سيشتري هذه السلعة، فتقديم هذا المبلغ الذي إن دخل في المقاولة أو دخل في الشراء صار جزءا من الثمن وإن لم يدخل ذهب عليه، هذا منع باب أن هناك أناسا يتلاعبون بالمقاولات، ويتلاعبون بالمقاولات إما إغرارا بالمشتري والمقاول وإما إرادة لمنع صاحب المشروع أو صاحب السلعة التي ستباع، يريدون هذا أو يريدون هذا، بيع العربون منع وقطع دابر هذا العمل المفسد، والآن أصبح بيع العربون إجماعا عمليا بين المسلمين وبين غير المسلمين ولا أظن الآن أنه حتى لو أصدر المجلس قرارا بمنع هذه المعاملة ويقول بما قاله الأئمة وأتباعهم السابقون وأتباعهم الآن في الوقت الحاضر أنهم لا يقولون بهذا، بمعنى أنه لو أصدر قرارا بهذا فالقرار ليس له صدى، ولن يعمل به لأن الآن المعاملات جارية على هذا والأصل في ذلك الإباحة وليس فيه غرر ولا جهالة، وأنا أعجب من فضيلة الشيخ الصديق أنه يرى هذا الأي ويرى أنه من باب الغرر ومن باب الجهالة وهو مالكي المذهب والإمام مالك – رحمه الله – معروف مذهبه بسعة هذه المسألة وسعة هذا الباب أنه يجيز كثيرا من الأمور وكثيرا من المعاملات التي فيها شيء من الغرر، وقوله من المرتضى، وهو الذي أخذ به كثير من أهل العلم وقد ارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وقالوا: إن هذا هو الذي لا يسع الناس العمل إلا به هو مذهب الإمام مالك في هذه المسألة. وشكرا.

الشيخ يوسف القرضاوى:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

ص: 520

جزى الله أخانا الشيخ عبد الله البسام خيرا فقد كفانا الكثير مما يقال، وجزى الله – أيضا – الشيخ الصديق خيرا ورأيه هذا قديم ومعروف وهو متشدد في هذا الأمر، واعتماده الأساسي – في الحقيقة – على حديث عمرو بن شعيب، وصحح هو الحديث أو نقل تصحيحه وقال: إن الحديث صححه أكثر علماء الحديث، وهذه العبارة موهمة في الحقيقة، يعني الحديث نفسه (حديث النهي عن العربان) لم أر من صححه أو نص على تصحيح هذا الحديث، إنما الكلام في تصحيح عمرو بن شعيب نفسه. الذي في تدريب الراوي الكلام عن حديث عمرو بن شعيب وحديث عمرو بن شعيب هذا مختلف فيه كثيرا جدا ومعظم المتقدمين على تضعيف حديثه، ومن أخذه منهم وقبله قال: إذا روى عنه الثقات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قال الحافظ ابن حجر: إن ترجمة عمرو بن شعيب قوية على المختار إذا لم تعارض. ونجد هذين الأمرين – أن يروي عنه الثقة من الناحية، وألا تعارض من ناحية أخرى – مفقودا في مسألتنا، أولا: لم يرو عنه الثقة، ولا أدرى كيف غفل أو أغفل فضيلة الدكتور الصديق – حفظه الله – مسألة الذي روى عن عمرو بن شعيب هو عبد الله بن لهيعة. الثقة، الذي قال عنه الإمام مالك: أخبرني الثقة، عرف وسمى الثقة بأنه عبد الله بن لهيعة. هل عبد الله بن لهيعة موثق حتى يكون حديث عمرو بن شعيب صحيحا؛ بل اشترطوا لكي يقبل حديث عمرو بن شعيب أن يروي عنه الثقة. عبد الله بن لهيعة مضعف، هناك من ضعفه بإطلاق وهناك من قبله في بعض الحالات، قالوا: من روى عنه قبل احتراق كتبه، وذلك مثل العبادلة الأربعة (عبد الله بن مبارك وعبد الله بن وهب وعبد الله بن مقري) وليس أحد من هؤلاء ممن روى عن ابن لهيعة هنا. اعتمد الشيخ الصديق على أستاذنا الجليل الشيخ محمد شاكر وهو على جلالة قدره في علم الحديث وسمو مكانته كان يتساهل أحيانا في التصحيح، يأخذ بتوثيق ابن حبان بإطلاقه إذا انفرد ابن حبان بالتوثيق، ووثق كثيرا من المضعفين عند العلماء أو المختلف فيهم على الأقل وثقهم بإطلاق، مثل ابن حوشب وليث بن أبي سليل وعبد الله بن محمد بن عقيل وكذلك عبد الله بن لهيعة، فالشيخ شاكر يوثق ابن لهيعة ولذلك صحح حديثه هنا. فالحديث أولا عن ابن لهيعة وهذا معروف، والشيء الآخر إنه كما قال ابن حجر إن ترجمة عمرو بن شعيب تقبل حيث لا تعارض، وهنا عورضت، عورضت بفعل عمر ورأي ابنه عبد الله، اثنان من الصحابة. فالإمام أحمد – فعلا – اعتمد في هذا الأمر على فعل الصحابة عمر وابنه، ومعه أربعة من التابعين، ونحن نقول: نأخذ برأي إمام واحد ولو انفرد به في مثل هذه الأمور، فكيف بإمام مثل أحمد على ورعه وتحريه طبعا؟ فعلا كلهم ورعون ومتحرون، ولكن الإمام أحمد – فعلا – ربما زاد في هذا ومعه أربعة من التابعين، واثنان من الصحابة. القول بأن التحريم يؤخذ به لأنه أحوط ويقدم على الإباحة هذا قول ليس على إطلاقه، ربما في الأشياء التي الأصل فيها التحريم مثل الأبضاع، إنما أشار أخي الشيخ البسام أن الأصل في المعاملات الإذن على خلاف العبادات، والأصل في البيوع الحل كما أكد ذلك الإمام ابن رشد في المقدمات أن الآية {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] تدل على أن الأصل كل بيع حلال إلا ما ورد نص بمنعه. ومذهب الحنابلة في مسألة أن العقود والشروط الأصل فيها الإباحة، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام ابن القيم في هذا معروف ولا يحتاج إلى أن نكرره.

ص: 521

الشيخ الصديق يقول: لا حاجة إلى هذا الأمر، كيف لا حاجة إليه والناس جميعا متعاملون به؟ الحاجة ماسة ولولا هذا ما انتشر هذا الانتشار وتعامل الناس به فالمسلمون تعاملوا به من قديم حتى في البلاد التي ليست على مذهب الإمام أحمد قلدوا الإمام أحمد.

مسألة المدة المرجع فيها إلى العرف. يعني ليس معقولا أن الأمر مفتوح إلى الأبد، لكن يحكمها العرف ومع هذا لو أخذنا باقتراح إضافة تحديد المدة لا أرى في ذلك بأسا تقريبا لشقة الخلاف.

وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ عبد الستار أبو غدة:

بسم الله الرحمن الرحيم

أريد أن أعلق على ثلاث نقاط فقط:

الأولى: بشأن عدم تحديد المدة في بيع العربون: أنا أرى عدم التحديد ليس مؤثرا لأن هناك خيارات شرعية ليس لها مدة ولم يؤثر عدم تحديد المدة فيها، مثال ذلك خيار العيب فإنه تقدر مدة تكفي للعيبة على البائع والمراجعة له، وكذلك خيار الشرط عند المالكية فإن لهم مددا متفاوتة بحسب الأشياء وتقديرها فيه مدخل كبير للاجتهاد. كذلك خيار المجلس فإنه ليس محددا لأنه ما داما في المجلس. ولذلك هناك في خيار المجلس أمر يمكن أن يستأنس به في هذا الموضوع وهو بيع العربون، فإن خيار المجلس ينتهى بأحد أمرين، إما بالتفرق وإما بالتخاير، أما التفرق فهو مغادرة أحدهما للآخر – تفرقا بالأبدان – وأما التخاير فهو أن يقول أحدهما للآخر – أو يقول البائع للمشتري -: اختر، فيطالبه بحسم الأمر. وهذا ينفعنا في بيع العربون، فإذا لم تحدد فيه مدة أمكن للبائع أن يخاطب المشتري ويقول له: اختر فإما أن تمضي البيع ويكون هذا العربون جزءا من الثمن، وإما ألا تمضيه فحينئذ ينتهي الأمر. فتحديد المدة ليس من أحكام العربون الذاتية، ولذلك نجد أن أصل الفقه الحنبلي لم يتعرض له وإنما تعرض له بعض المتأخرين.

المسألة الثانية: تشبيه بيع العربون بالاختيارات، كما أشار فضيلة الشيخ الصديق، هذا التشبيه ليس سليما، وأن الاختيارات ليس فيها مبيع، إنما هو إرادة ومشيئة محضة يتم التعاود عليها بين ارتباط بسلعة معينة، وأما في بيع العربون فهناك سلعة معروضة للبيع ومعينة فهي من مقدمات البيع الفعلي وليس البيع الوهمي.

ص: 522

المسألة الثالثة: مسألة التعويض عند النكول عن البيع فإن هناك ثلاثة اتجاهات:

الأول: أن يدع البائع العربون ولا يأخذه وهذه لم يتعرض لها بشكل مفصل، وقد يقول قائل: ما فائدة العربون ههنا؟ العربون ههنا لتأكيد الجدية، وهذه – يعني – قضية يلجأ إليها كثير من التجار، يأخذ عربونا وليس في نيته أن يأخذ هذا العربون إذا نكل المشتري ولكن يريد أن يؤكد جدية هذا الشراء، فيأخذه كأنه يأخذ مقدما من الثمن على عزم تمام البيع. فهذا أيضا يشكل لنا ثلاثة آراء. إذن الرأي الأول: أخذ العربون كله، والرأي الثاني: أن يعيد العربون كله للمشتري حتى لو نكل. والرأي الثالث: أن يأخذ بمقدار الضرر الفعلي، وهذا أعدل الأقوال وهذا كما ذكرنا بعض الإخوان يتناسب مع قرار المجمع في مسألة المرابحة للآمر بالشراء والوعد حيث أن نص القرار على أنه يؤخذ تعويض بمقدار الضرر الفعلى

الشيخ علي محيي الدين القره داغي:

بسم الله الرحمن الرحيم

أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور الصديق الضرير على بحثه القيم وعلى عرضه القيم الأمين الذي لخص جميع البحوث بدقة وأمانة وإن كان قد أطال، فهذا الصنيع أي الأمانة والدقة ينبغي الاقتداء به؛ بعد ذلك لي بعض الملاحظات البسيطة بعدما ناقش الأساتذة الكرام فضيلة الدكتور مناقشات جادة، هذه الملاحظات تتلخص فيما يأتي:

أولا: في حديث النهي لم يحرر أستاذنا الفاضل بيان قوة الحديث تحريرا وافيا من الناحية الحديثية، فكما أشار أستاذنا القرضاوى في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كلام كثير، وقضية إيهام الثقة أيضا فيه كلام كثير في هذه المسألة، حتى في قضية الثقة الذي أراد به الإمام مالك فيه اختلاف فابن عبد البر قال: وابن لهيعة، وهو ضعيف جدا كما قال العلماء. وقال غيره: المراد بالثقة هنا هو عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف لا يحتج به، ولذلك يقول الصنعاني: وفيه راو لم يسم، وسمي في رواية. فإذا هو ضعيف وله طرق لا تخلو عن مقال.

ثانيا: لم يحرر لنا أستاذنا الفاضل دلالة النهي هنا، هل يقتضي الفساد أم البطلان أم غير ذلك كما هو معروف.

ص: 523

ثالثا: القول بعدم صحة الحديث أو عدم حمل النهي على الفساد ما فعله عمر – رضي الله عنه – ولذلك لما قيل للإمام أحمد: هل تذهب إلى بيع العربان؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر- رضي الله عنه. وكذلك قال به ابن عمر، إضافة إلى الأدلة الطيبة التي ذكرها فضيلة الشيخ عبد الله، وكذلك ما ذكره الإمام البخاري وما رواه عن شريح في جواز الشرط الجزائي أنه قال: قال إنسان لكريه: إذا لم آت كذا فلك مئة درهم، فقال: هو كما قال، فقد أخذ بذلك. وذكر ذلك عن شريح وذكر روايتين في صحيح البخاري عن الإمام شريح في هذه المسألة.

رابعا: أصر فضيلة الدكتور على أن مذهب الإمام أحمد لا يشمل بيع العربون في حالة تحديد المدة، وقد أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ عبد الله في أن بعض الحنابلة ذكروا تحديد المدة، ولكن حينما نظرت إلى نصوص كتب الحنابلة وجدت أن هذه النصوص مطلقة، مثلا في المغني وكذلك في المقنع، في كثير من الكتب وجدت أن هذه النصوص مطلقة، فتشمل تحديد المدة وتشمل غير تحديد المدة، فليس في النصوص التي ذكرها القدماء أي تقييد، فإذا كان مطلقا فيشمل الصورتين تحديد المدة وعدم تحديد المدة، ولذلك تحديد المدة في اعتقادي حتى لو لم يكن هناك نص كما ذكر فضيلة الشيخ عبد الله من صاحب المرتضى كان هذا يعني النصوص المطلقة كافية في أن يدخل في هذه النصوص تحديد المدة وعدم تحديدها.

والخلاصة أنني أرى وأضم صوتي إلى صوت الإخوة الثلاثة، والحمد لله أن ثلاثة من الباحثين قد ذهبوا إلى جواز بيع العربان أو العربون، وإن كانوا هم حددوا شرطا واحدا وهو تحديد المدة يمكن أن يضاف إلى هذا الشرط شرط وهو مراعاة العدل، الذي أشار إليه فضيلة أخي الدكتور عبد الستار أبو غدة، وحينئذ قضية العدل بحيث لا يكون العربون كبيرا أو تكون هذه النسبة التي يأخذها البائع تكون بقدر الضرر المادي أو المعنوي الذي أصابه، وفي اعتقادي أن أصل النكول كما تفضل الشيخ عبد الله أصل العدول ينقص قيمة البضاعة وقد يفوت عليه فرصة ولا سيما في وقتنا الحاضر، حتى قضية لم يفوت عليه فرصة ولكن يبيع والثمن قد نزل، فالمسألة من كان في أي بلد من بلادنا في الأردن كان سعر الدينار حوالى عشرة ريالات غدا صدر قرار وأصبح خمسة ريالات أي بنسبة 50 % وقضايا التضخم مسألة خطيرة حتى ليست هذه في العملة العادية حتى في العملة الدولية. الدولار خلال فترة وجيزة أو دقائق معدودة 40 % نقصت قيمة الدولار أمام الين الياباني وبقية العملات، والعام الماضى الجنيه الاسترليني بنسبة 30 – 35 % نقصت. هذه الاعتبارات كلها لا بد أن تكون ملحوظة، فأي ضرر مادي أو معنوي فهو معتبر، ولهذين الشرطين نجيز أو نرجح رأي بيع العربان أو جواز بيع العربان.

ص: 524

خامسا: أرجو أن يذكر في القرار الصور التي ذكرها فضيلة الشيخ الصديق حيث في الحقيقة ذكر صورا بل هي بدائل جيدة يستفاد منها من الناحية العملية..

هذا ما أردت أن أذكره. وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله.

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بيع العربون وقد تفضل فضيلة الشيخ الصديق الضرير مشكورا بتحليل كل جوانبه وبتحليل آراء من يرجح جوازه ومن يرجح منعه، بل الذي وصلت إلى الاقتناع به هو أنه لا يمكن أن يعتمد لا على حديث الإجازة ولا على حديث المنع وكلاهما لم يصل إلى درجة يحصل معها الاطمئنان إلى الاستناد إلى هذا الحديث أو إلى الحديث الآخر. وهنا لا بد أن يعود المؤمن لا إلى قاعدة واحدة من القواعد ولكن إلى أن ينظر إلى مجموعة التشريع الإسلامي ليطمئن على المنهج الذي يتخذه لبيان حكم الله. فالاعتماد فقط على قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] هكذا على عمومه هو أضعف ما يستند إليه، نظرا إلى أن هذا العموم قد وقع تخصيصه بمخصصات لا حد لها. فإذا رجعنا إلى النصوص الشرعية في هذه القضية فإنا نجد بجانب قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون عند شروطهم)) نجد أيضا الآية الناهية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] والباطل هو أخذ المال بغير حق وبغير وجه. فإن شأن الإنسان ألا يأخذ المال إما تبرعا وإما لأنه قد لحقه نقص يأخذ بمقدار ما نقصه، فأنا أبيع السلعة وأقبض الثمن فمعنى ذلك أنه ما لحقني من فوات السلعة من يدي آخذ بدله ثمنا، وكذلك إذا تعدى أحد على أحد في ماله فإنه يأخذ تعويضا عما ذهب من ماله، ويكون التعويض بالقيمة الحقيقية لا أكثر من ذلك.

في قضية بيع العربون فسد البيع الأول، قد يتضرر البائع لأنه لا يحصل على نفس الثمن، وفوت عليه المشتري وقد يربح وقد يبيع بنفس الثمن ونعلم أن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – لما أجريت عليه اليمين فأبى من اليمين وقد باع العبد بثمانمائة درهم وقد باعه على البراءة فطلب منه عثمان أن يحلف وأن يقسم بأنه لا يعرف به عيبا فامتنع من ذلك ثم باعه بألف وخمسمئة، فهنا نجد أن البيع الثاني ليس ضروريا أن يكون أقل من قيمة البيع الأول فقد يكون مساويا وقد يكون أكثر. ولهذا لا وجه إلى جعل وضع حالة من الحالات وهي حالة الخسارة هي الحالة العامة فيكون فيها ظلم المشتري. فنحن لا نظلم المشتري ولا نظلم البائع ولكن الحل الأعدل الذي ذكره فضيلة الدكتور الضرير هو الحل الذي يتناسب في نظري مع القواعد الشرعية.

ص: 525

بعد هذا عندي بعض التعليقات البسيطة ولا أريد أن أطيل فيها:

أولا: فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع – أكرمه الله – أراد أن يخرج بيع العربون فقال: إن تخريج بيع العربون على أن المتبايعين اتفقا على الثمن وأن العربون جزء من الثمن وإذا رغب المشتري في العدول فإنه يبيع السلعة على مالكها الأول بسعرها الذي اشتراه به ناقصا قدر العربون، وهذا غريب فهو يتعقب على هذا من عدة وجوه، الأول: أن القبض لم يتم، قد لا يتم، ولا يجوز بيع ما لم يقبض عند الحنابلة باتفاق. الثاني: بيع العربون عقد واحد لا عقدان. فهذا التخريج هو تخريج مكيف تكييفا يدويا وليس هو تعبير عن الواقع.

ثانيا: ما سمعته اليوم من أن قضية التضخم واعتبارها، انتهينا من هذه القضية منذ سنوات وكان القرار واضحا، وأن قضية التضخم لم تعتبر لا في الإسلام ولا في القرار الذي وصل إليه المجمع وهى غير معتبرة في كافة أنحاء العالم فلا يمكن أن تكون ههنا عاملا من العوامل التي ينظر إليها لأنه عامل مبهم.

ثالثا: الأمر الآخر الذي أريد أن أذكره هو أنه لا زالت لدي تعقيبات كثيرة وكثيرة جدا على ورقة الدكتور رفيق المصرى لكن وبكل أسف لم يحضر معنا، لكن هناك ناحية: ورد في أثناء كلامه ولا بد من التنبيه إليه هو أنه وهو يتحدث عن العربون في البيوع التي هي غير جائزة ويذكر من ذلك شركات الهوائيات ويقول عن شركات الهوائيات هي شركات محرمة ولا يجوز للإنسان أن يشترك فيها وأن نصب الهوائي فوق الدار هو حرام. التحريم والتحليل هما حكمان وليس من هو متورع ولا يعتبر متورعا من حرم ما أحله الله كما لا يعتبر متورعا من أحل ما حرمه الله. فهوائي التلفاز وهوائي وكالة الطباعة والهوائي هو كالسيف والبندقية فقد يستعملها الإنسان في الخير وقد يستعملها في الشر، فهذه مما عبر عنه الفقهاء وخاصة في مذهب مالك الذي قال هو أكثر من غيره بقاعدة سد الذرائع هو كذلك ألغاها الشارع بهذا الاعتبار كزراعة العنب، فكون بعض الناس يستعمل الهوائي للنظر لبعض الأفلام الخليعة فالأفلام الخليعة توجد إما بالهوائي وإما بغير الهوائي فلا يصح أن نقول شركات الهوائيات أو الشركات التي تبيع التلفزة أن نقول يمنع على المسلم أن يشترك فيها.

ص: 526

فهذا الذي أردت قوله في هذه القضية وهي لا بد أن ننبه عليها.

وأنتهي إلى أن بيع العربون جرى به العمل في جميع البلدان الإسلامية وأن الأخذ بقول الجمهور من أنه ممنوع هو عبارة عن تحريف الشريعة والابتعاد عنها، ولذلك كلما وجدنا من طريق إلى ربط الإنسان بدينه مع أن له أصل ومع أنه قول محترم وأن له وجهة نظر، هذا ما يجعلني أؤكد على هذا الحل الوسط الذي هو أنه يستحق من العربون بمقدار ما وقعت له من الخسارة ولا يزيد على ذلك. الشيخ صديق الضرير في بحثه قال: إن قدم العربون على أنه إن تم البيع احتسبه من الثمن وإن لم يتم البيع استرجع ما أخذه، هذا جائز بشرط تحديد مدة الخيار، زيادة على ما تحدث عليه فضيلة الدكتور من أن قضية الخيار لا تشترط فيه المدة وأنه أمر مختلف فيه لكن بهذه الناحية لا بد أيضا أن يشترط الخصم على العربون حتى لا يكون العربون مترددا بين السلفية وبين الثمنية، وأنه لا يجوز في الفقه أن يكون الثمن جزءا من المقدم مترددا بين السلفية والثمنية، وخروجا من هذا لا بد من القضاء عليه.

هذا ما أردت أن أقوله وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ وهبة مصطفي الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم وبعد.

فإنه يعز علي أن أخرج عن مسلكي واتجاهي في الترجيحات بين الآراء الفقهية علي ما انتهجته في كتابي (منفعة الفقه) لأن الغالب أن ألتزم ترجيح ما عليه كافة الفقهاء أو جمهورهم، إلا أنني في هذا الجانب رجحت في كتابي من مدة طويلة مذهب الحنابلة وارتأيت أن هذا هو المتعين. الشيء الآخر، يعز علي أيضا أن زميلي في الدراسة الدكتور الصديق وقد زاملته سنوات في الدراسات العليا أن أعارضه في هذا الموضوع، فهو لا شك متمكن في علمه واستدلاله واتجاهاته سواء فيما يتعلق بمراعاة ما عليه الفقهاء وما تقتضيه الظروف المعاصرة، لكن في هذا الرأي يظهر أنه جنح إلى الالتزام وكونه في هذا الموضوع من المحافظين،واستند في قضية الترجيح والمنع على رأي الجمهور باعتبار أن هذا الحديث صححه الشيخ أحمد شاكر. وهذا إذا قيس تصحيح أحمد شاكر بما عليه أئمة الحديث كما ذكرنا وهو الإمام ابن حجر والإمام النووي وابن حبان وغيرهم لا يقاس تصحيح أحمد شاكر بتصحيح هؤلاء أو تضعيفهم فلذلك لا أرى وجها للأخذ بالتصحيح، وأؤكد أن كلا الحديثين في المنع والجواز لا يصح الاعتماد عليهما. وإذا خرجنا من دائرة الاعتماد على دليل نصي في هذا الموضوع حينئذ نلجأ إلى أمور أخرى. فالأمر الأول الواضح وهو فعل سيدنا عمر – رضي الله عنه – وعلى إجماع السكوت من قبل بقية الصحابة على ما ارتآه عمر في شراء دار السجن من صفوان بن أمية، والحادثة كما هي مذكورة في أدلة الحنابلة ومذكورة في البحوث كلها. فإذا عندنا أولا: إجماع سكوت. ثانيا: هناك أيضا ما ذكره الإخوة الكرام بأن البخاري سكت عن تضعيف هذه الرواية، وكذلك أيضا موضوع القاضي شريح ورأيه في أن من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه.

ص: 527

فلذلك أول شيء يفاجئنا في هذا الموضوع قضية أكل أموال الناس بالباطل. الحقيقة هذه ليست من قبيل أكل أموال الناس بالباطل.

أولا: أصبح العرف الشائع بين الناس في المعاملات أن المشتري حينما يقدم جزءا من الثمن على سبيل العربون يفهم بالتأكيد أنه إذا نكل يخسر العربون، فإذًا هو رضا منه بتنازله عن هذا الجزء من الثمن، ولا أربطه بما يقوله الإخوة الكرام في قضية العدل ومعادلة الضرر وعدم الضرر فهي هبة ضمنية من هذا المشتري وقبول بالتنازل عن المبلغ عن طواعية واختيار ولا اعتراض لأحد عليه فهو رضي بذلك. فهذا متمش مع الشرط الجزائي الذي ارتآه شريح وسار عليه الناس. فإذا القضية ليست أكل أموال الناس بالباطل، فهي إما هبة من هذا المشتري أو تنازل ورضا مسبق في الموضوع.

أما قضية الغرر، فالحقيقة أيضا لا غرر في هذا الموضوع لأن المشتري والبائع اتفقا على العقد فالعقد قائم، ولا غرر فيه إشكالا، لأن الغرر إما أن يكون في المبيع أو في الثمن أو في الشروط التوثيقية أو في أمور أخرى، والحقيقة أنه لا يوجد أي غرر في هذا الموضوع.

أما قضية المدة وكونها مفتوحة للنكول عن العقد فهذا نجده فيما قرره الحنفية كما ذكر الدكتور عبد الستار، هناك مجموعة من الخيارات لا يحددون فيها أجلا بالإضافة إلى ما ذكره خيار العيب أيضا خيار الرؤية لا يذكرون فيه أجلا. كذلك خيار الفسخ في كثير من العقود لا يحددون له أجلا في فسخ العقد، فإذن أين الغرر؟ القضية لا غرر فيها على الإطلاق. أما قضية: أنه ينبغي أن ننظر إلى هذا العقد، الله تعالى يأمرنا بإيفاء العقود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فينبغي أن نلاحظ مدى الالتزام بالعقد والمشتري التزم والعقد قائم ولا اعتراض عليه، وإذا اعتبر دفع جزء من الثمن توثيقا للصفقة، فإذن قضية التوثيق قضية الالتزام بالعقود المأمور بها شرعا يتفق كل ذلك مع العمل بمبدأ البيع بالعربون وهو عرف عام وكما ذكرت، ونحن إذا أردنا أن نخرج عن هذا فالحقيقة فيه استهجان كبير، وعمل المسلمين على خلافه، في كل البلاد العربية والإسلامية عمل المسلمين على خلاف هذا الأمر.

ص: 528

أما ما يتعلق بالقضايا الأخرى وهي مسألة الحجر مقدم على الإباحة، فهذا عند تساوي الدليلين وهنا لم يتساو الدليلان، بل على العكس هذه القضية وإن ذكرها الشوكاني أنه فيه حجر وإباحة وإذا تعارض الحجر والإباحة يقدم الحجر على الإباحة، هذا كله عند تساوي الدليلين، ولكن هنا لم يتساو الدليلان بل على العكس هناك مرجح وهو عمل الصحابة، وهذا كما ذكر العلماء من قبيل الإجماع السكوتي، وهو حجة عند الحنفية وحجة أيضا عند الحنابلة. فإذن هذه القضية تخرج من نطاق التساوي، أو من قاعدة، الحظر مقدم على الإباحة.

هذه أمور بالإضافة إلى ما تفضل به الشيخ عبد الله البسام وأيده الدكتور القرضاوي، أنا أؤيد كل قضية تكلما فيها في الأخذ بالنقاط المختلفة، وهي نقاط معمقة ومؤصلة فقهيا ولا اعتراض لي عليها إطلاقا، فأؤيد ما تكلم به هذان الأخوان الكريمان، وشكرا لكم.

الشيخ إبراهيم بشير الغويل:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

عندي ملاحظة مبدئية بسيطة وهي تتعلق بما ورد في البحث القيم للدكتور الضرير حينما أشار إلى القانون الوحيد في قوانين البلاد العربية الذي أخذ برأي الجمهور في منع العربون هو قانون المعاملات المدني السوداني. أود أن أوضح أنه في سنة 1970 م حينما قمنا بمراجعة القوانين ومنها القانون المدني في ليبيا وكنت عضوا باللجنة العليا التي أشرفت على هذا العمل كنا قد ألغينا النصوص المتعلقة ببيع العربون والشرط الجزائي في القانون المدني الليبي ضمن المراجعات لأنه تمت مراجعة القوانين المدينة والتجارية لتنقيحها وتنقيتها مما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وفى ذلك الوقت كانت قد أصدرت قوانين الحدود – أيضا – في الجانب الجنائي. الملاحظة الأخرى التي وددت أن ألاحظها – أيضا – نحن ذهبنا إلى ما ذهب إليه الدكتور رفيق لا على أساس أن جواز العربون هو كالشرط الجزائي، فحينما منعنا العربون منعنا الشرط الجزائي أيضا وألغيناه من القانون المدني الليبي. هذه هي الملاحظة التي وددت أن أبرزها والإبقاء ضمنيا على الاقتراح الذي قاله فضيلة الشيخ السلامي باعتبار أن التعويض في حالة وقوع الضرر تنظمه نصوص التعويض عن وقوع الضرر، فكلما كان نتيجة أي فعل من التصرفات مترتبا عليه ضرر، ففي القانون المدني هناك التعويض عن الضرر وبقدره حتى لا يكون هناك أكل لأموال الناس بالباطل.

ص: 529

الملاحظة الأخيرة هي ما قيل عن قضية التضخم، هذه ليست حجة، وأنا طبعا رأيى في هذا المجمع سبق وأن أبديته بأن ثبات النقود وثبات المقياس النقدي أمر أساسي في الفقه الاقتصادي الإسلامي وهو يعتمد على النقدين (الذهب والفضة) وأعتبر أن مما تشيع به الأمة ويجب أن تكشف عن هذه الأمة أن يعاد إلى ثبات النقدين. وشكرا.

الشيخ عبد العزيز الخياط:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أخي الرئيس، أفاد الإخوة العلماء الأجلاء في بحث حل العربون وعدم حله وناقشوا الأدلة في ذلك مما يجعلني أكتفي بما أوردوه، غير أني أؤيد أن العربون حلال اعتمادا على الإباحة الوسطية وخلوصا من تعارض الأدلة في ذلك والأصل في الأشياء الإباحة وفي المعاملات الإذن وما أوردوه قائم على التعليل والترجيح من حيث الغاية، ولذلك أذهب إلى الأمر وأقول في بعض ملاحظات بسيطة وأضيف معنى جديدا فيما يتعلق بالعربون، أولا: ما ذكره الأستاذ الكريم الشيخ الضرير في أنه لا حاجة إلى العربون، الواقع أن الحاجة إليه اليوم أكثر منها في أي يوم مضى، أولًا: لاضطراب الأسعار، واضطراب الأسعار كما هو معلوم صعودا ونزولا، ثانيا: فساد الناس وعدم الثقة فيما بينهم وكذلك قلة التقوى، ثالثا: لا بد من التوسع في البيع لأن العربون في الأصل هو لتوثيق البيع ودفع الضرر. والقانون المدني الأردني نص على جواز العربون، ومعروف أن القانون المدني الأردني مستمد كله من الفقه الإسلامي، ولم يبحث في القوانين الأخرى لإزالة التعارض فيما بين القوانين وبين الإسلام، وإنما ألغى قوانين المعاملات المدنية كلها ثم وضع في لجنة استمرت أكثر من ثلاث سنوات مع مشاركة العلماء والخبراء في وضع القانون المدني الأردنىيونوقش موضوع العربون نقاشا طويلا وانتهى إلى الأخذ به لاسيما لحاجة الناس إليه، وأيضا العرف انتشر في التعامل به، والعرف يؤخذ به ومعتبر ما لم يرد نص صريح في منعه، وليس هناك نص صريح في منع العربون في الأدلة التي وردت، وما اعترض بها على الأحاديث.

ص: 530

وهناك نقطة أريد أن أذكرها وهي أني أرى جواز العربون في المنافع أيضا، أي في الخدمات، وإذا كان الإمام مالك أضاف الإجارة في داخل البيع فهو في الخدمات كلها لأن الخدمات منافع، فإذا جاز في الإجارة يجوز في غيرها، ونحن نرى أن هناك معاملات جديدة هذه المعاملات ليست في موضوع البيع أو الإجارة حتى في موضوع التوظيف، بعض الناس عندما يريدون أن يتوظفوا أو يعقد معهم عقود في الوظائف يطلبون من المتعاقد أن يدفع عربونا إما بكفالة، وإما أن يدفع هذا العربون في حالة ما إذا ترك العمل يؤخذ منه هذا المبلغ فهو عربون على استمراره في العمل. وهذا أمر ضروري جدا الآن في التعامل فلا بد من إباحة العربون في هذا، ثم إني أرى أن العربون كما قال الإخوان لدفع الضرر، هذا الضرر حقيقة يحصل فيما إذا ارتفعت الأسعار. وكثيرا ما يحصل، وأصل موضوع العربون إنما يدفع غالبا عند اضطرب الأسعار وارتفاعها وقد يحصل من وراء ذلك ضرر كبير وقد حدثت معي عدة حوادث، جاء بعض الإخوان في موضوع شراء أرض معينة فقال لي: أنا أشتريها – وهو من العلماء الأفاضل – بالثمن الذي قاله ذلك ثم بعدئذ لم يشتريها؟ ! ففوت علي فرصة في وقت كنت فيه في أمس الحاجة إلى بيع هذه الأرض. فأقول هنا: هو في مقابل الضرر والضرر يحصل ولا مانع من أن تقدر قيمة الضرر حتى يؤخذ من العربون بقيمته.

هذا ما أردت أن أبينه وأؤيد الاقتراح الثاني في التوصية التي قدمها الشيخ الضرير وهو إباحة العربون. وشكرا.

الدكتور درويش جستنية:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله.

انتهت البحوث التي أمامنا وتفضل لإعدادها مشايخنا الأفاضل إلى عدم جواز العربون في بيع النقد بجنسه وفى الصرف. كما تطرق بعضهم إلى المواعدة في الصرف، واعتبروها جائزة إذا كانت غير ملزمة.

ص: 531

وأتوقف هنا أمام نقطتين:

الأولى: تتعلق بالعربون في الصرف، والثانية: تتعلق بالمواعدة في الصرف بدون عربون، وكلتاهما تعالجان قضية واحدة هي محاولة تغطية مخاطر التذبذب في أسعار صرف العملات الدولية بالنسبة للعملة الوطنية. ورغم أن هذه القضية هامة من الناحية الاقتصادية إلا أنه يجب أن نقرر هنا أن أهميتها لا تبلغ أبدا درجة الضرورة الشرعية، فالعمل التجاري جميعه هو في الحقيقة موازنة بين الأرباح والمخاطر المتوقعة وليس تذبذب أسعار الصرف إلا أحد هذه المخاطر، وما دامت هناك قيود شرعية تمنع جواز العربون في الصرف فلم يبق أمامنا سوى المواعدة في الصرف بدون عربون، لعل فيها حكما شرعيا يمكن المتعاقدين في الدول والمؤسسات الاقتصادية والبنوك الإسلامية من تغطية مخاطر الصرف في معاملاتهم التجارية. ولقد قرأت رأي ابن حزم حول التواعد في الصرف والذي ورد في بحث الشيخ الدكتور علي السالوس، لكننى فهمت من كلام ابن حزم – وهو واضح – أن التواعد ليس بيعا وهو جائز سواء تبايعا بعد ذلك أم لم يتبايعا، لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك. أما الدكتور السالوس فقد اعتبر أن المواعدة في الصرف تأخذ حكم العقد اللازم ولذلك اعتبرها حراما عند ابن حزم نفسه، وابن حزم لم يصرح بذلك بل إن عبارته:(كل ما حرم علينا فقد فصل باسمه) تؤكد أنه لا يريد المعنى الذي ذهب إليه الدكتور السالوس، وعلى كل حال هذه مسألة شرعية أتركها لرجال الاختصاص وهم أنتم، لذلك أتوقع أن يدقق علماؤنا الأفاضل في آراء ابن حزم وإمكانية الاستفادة منها في إجازة التواعد على الصرف في حالة كونه ملزما أو غير ملزم، وفي حالة الإلزام هل يلزم طرفا واحدًا أم طرفين؟ إن المواعدة ليست أكثر من مذكرة تفاهم واحدة تتم على أساسها عقود كثيرة لنقود الصرف، أي تبادل العملات، وبناء على ذلك فمذكرة التفاهم في رأيي لا تعد عقدا في حد ذاتها وإنما هي إطار ينظم العلاقة بين الطرفين بسعر محدد مسبقا، ومذكرة التفاهم هذه يترتب عليها استقرار الأمور الاقتصادية وعلاقات الاستثمار بين المستثمرين (المؤسسات والأفراد) أو بين الدول ذاتها والمستثمرين، فإذا رأى السادة العلماء أن مذكرة التفاهم ليست عقدا وإنما هي إطار عام تتم على أساسه عقود الصرف لاحقا وبدون عربون فإن ذلك سوف يؤدي إلى تيسير كبير خاصة إذا أخذنا بقاعدة (أن الأصل في المعاملات الإباحة، ما لم يرد نص في ذلك) .

وفي الختام أود أن أشير إلى أن بيع الخيارات المعمول به في السوق المالية العالمية المقصود منه المضاربة في سوق المال وليست الرغبة في شراء العملة للحاجة إليها. كما أنه يتضمن تقديم مبلغ العربون، وهذا يعني أن البيع قد تم ولم يتم التقابض، ولذلك فقد قرر المجمع في الدورة الماضية عدم إجازة بيع الخيارات، والصورة التي ذكرتها وهي التواعد على الصرف بدون عربون تختلف عن صورة بيع الخيارات.

والله أعلم وهو الموفق إلى الصواب. وشكرًا.

ص: 532

الشيخ مجاهد الإسلام القاسمى:

بسم الله الرحمن الرحيم.

رئيس المجمع وأصحاب الفضيلة العلماء ، نشكركم جزيلا على ما استفدت منه ومنكم في هذه الحفلة المباركة. وأنا في هذه القضية قضية بيع العربون أؤيد فضيلة الشيخ الصديق الضرير، وأرى ترجيح الجمهور في منع العربون وعدم إباحته. أولا: أنا لا أسلم أن العرف العام في جميع البلاد إباحة العربون، وهذا يمكن أن يكون في بلد ولكن ليس هذا في البلاد كلها لأن العرف ليس بعام شائع في جميع البلاد، كما نلاحظ في بلادنا الهند، الهند القديم الذي يشتمل على باكستان وبنجلاديش، والهند الذي كان فيه علماء وكان بلدا إسلاميا قرابة الثمانمئة سنة، المسلمون يتحرزون من هذا أبدا، أما الكفرة فيقبلون بهذا، هذا هو الفرق، هذا هو معيارنا؛ يعني إذا أخذ المسلم شيئا باسم العربون فهذا محض للتلصق، فإذا تم البيع فيحسم من الثمن وإذا لم يتم البيع فيبيع البائع لرجل آخر ثم يرد العربون إلى المشتري الأول. فهذا هو المعروف عندنا هناك نحن المسلمين. أما الكفرة فيأخذونه، هذا هو المعروف في بلادنا. والمهم في هذا أن الحديث قد بحثه العلماء كثيرًا ولا أستطيع أن أتكلم في هذا الموضوع شيئا لأنه والحمد لله المحدثون موجودون. ولكن حديث الإباحة الذي روي عن زيد بن أسلم فكما صرح فضيلة الشيخ الصديق الضرير أنه غير معروف عند المحدثين كما قال ذلك العلماء، وأيضا يعني لو فرضنا أن أي حديث لم يرد في هذا لا حديث إباحة ولا حديث تحريم فماذا نفعل في هذا؟ الأصل العام أن الله تعالى أحل البيع؟ فكما قال الشيخ السلامي إن فيها استثناءات كثيرة فعلينا أن نرى ما هو حقيقة هذا البيع؟ هل هو بيع أو فيه غرر أو فيه شائبة من الربا؟ فحينما رأينا أن هذا العربون الذي قدمه المشتري للبائع – هذا إذا لم يتم البيع – فيكون هذا شيئا زائدا يحصله البائع مجانا كما قال البعض، ومعنى مجانا أي بدون عوض، وهذا شيء مشروط في العقد، فهذا زيادة مشروطة في العقد بدون عوض، وتعرفون أيها السادة ما هو حكمه. هذا فيه شائبة من الربا.

وأيضا في هذا العصر التجارة والاقتصاد وجميع النشاطات الأجنبية الأوربية ينبني على الربا، وإذا تحققنا وتعمقنا في هذه القضية فتنبني كل نشاطاته على إباحة الربا أصلا فلذلك إنهم جعلوها ذريعة لأكل المال بالباطل، لماذا؟ لأنهم في هذه الأسواق المالية في العالم كله لا يريدون البيع ولا يريدون الشراء حقيقة، ولكنهم يستفيدون من زيادة الثمن أو نقصه. قضية التضخم، فالتضخم لا ريب تزيد فيه قيمة العملة أو تنقص ومعروف ومسلم بهذا، ولكن حينما يكون التضخم كبيرًا ستزيد قيمة الشيء وتنقص قيمة العملة فإذا نقص الدولار فيزيد ثمن هذا الشيء (هذا القرطاس) ، فالأشياء التي تباع تزاد قيمتها فالبائع يريد الثراء، ورأينا في بلادنا أن البائع يماطل في إتمام البيع لأنه يريد أكل العربون. فلذلك فأنا أؤيد فضيلة الشيخ الصديق الضرير على ترجيح رأى الجمهور في منع بيع العربون. وشكرًا.

ص: 533

الشيخ عبد الله محمد:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أنا من وجهة نظري الخاصة لا أرى مانعا من الأخذ بالقول بجواز بيع العربون لأن معظم القوانين أخذت به، فطالما كانت هذه القوانين تتفق مع رأي فقهي فالمسألة بسيطة. إنما الذي أريد أن أتحدث فيه أن بيع العربون بالنسبة لمذهب الإمام أحمد من قراءتي وبحثي فترة في هذا الموضوع فوجدت في مذهب الإمام أحمد أن هناك رأيين: رأي يقول بجواز بيع العربون ورأي يقول بعدم الجواز. ولعل الخلاف بين مذهب الجمهور وبين مذهب الإمام أحمد يرجع إلى نظرية الشرط (اشتمال العقد على شرط) ، فمن لا يجيز الشرط في العقد يقول ببطلان بيع العربون ابتداء بصرف النظر عن المبلغ المدفوع هل يستحقه البائع أو لا؟ فإذا قلنا مثلا إن العقد باطل لأنه اشتمل على شرط باطل فهذا العقد باطل عندهم بصرف النظر عن ما سيؤول إليه أمر العربون أو المبلغ المدفوع، أما من يجيز الشرط (اشتمال العقد على شرط) فيبقى النظر في مسألة المبلغ المدفوع في هذا البيع، هل يستحقه البائع أو لا يستحقه؟. الذي أتذكره الآن أن مذهب الإمام أحمد يجيز اشتمال العقد على شرط، ولكن لا يجيز للبائع أن يستحوذ على المال المدفوع، حتى قيل للإمام أحمد أو سئل في هذا، فقال: بأي شيء يستحقه؟ ! فهو يجيز العقد بمعنى إنه لا يبطل العقد ابتداء لأنه اشتمل على شرط، ولكن لا يجيز للبائع أن – في حالة عدم إتمام العقد – يستحوذ على المبلغ أو يقبضه.

الرأي الآخر، وهو رأي ورد في بعض كتب الحنابلة أجازوا هذا. وأعتقد ربما اختاروا رأيا مرجوحا أو رأيا ليس هو المشهور في المذهب.

الحالة الأخرى: إذا اشتمل العقد على شرط أنه إن امتنع المشتري عن إتمام البيع لا يستحق هذا المبلغ المدفوع، هذه صورة. الصورة الثانية، أن يخلو العقد من هذا الشرط. هذه صورة أخرى.

الصورة الثالثة: ذكرها الدكتور رفيق المصرى وكل القوانين الآن تأخذ بها، أن يكون هناك تعادل من المتعاقدين إذا رغب المشترى عن إتمام العقد لن يستحق المبلغ المدفوع، وإذا كان عدم إتمام العقد من البائع رد مثل العربون إلى المشترى، هذا المبحث لم يبحثه السادة الباحثون ما عدا الدكتور رفيق المصرى، ولم يعطونا رأيا صريحا فيه، أحب أن يكون هناك تعادل كما تأخذ به القوانين الوضعية. وشكرا لكم.

ص: 534

الشيخ ناجي عجم:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أكثر النقاط تفضل بعض الأخوة مشكورين بإبدائها، مع ذلك ألخصها، فإذا تقابل حديثا المانعين والمجوزين من حيث الكلام فيهما يبقى للمجيزين أدلة أخرى ترجح قولهم، هذه الأدلة متنوعة من المنقول والقياس والمعقول. فحديث نافع بن عبد الحارث لشرائه الدار وكالة عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يعتبر هذا فتوى صحابي وفتوى الصحابي أكثر العلماء قالوا بحجيتها وهي من النصوص، بالإضافة إلى الدليل الآخر يعني أكثر الصحابة ما أنكروا على فعل سيدنا عمر – رضى الله عنه – في دفعه للعربون. وأما الدليل الآخر من القياس فيمكن قياس العربون على الإقالة لأن العربون يكون بعد انعقاد العقد، والإقالة جائزة بأقل من الثمن بلا خلاف بين العلماء، وأما المعقول فواضح فيه تفويت مصلحة على البائع، وإذا لم يفت بالعربون فقد تكون فيها محاباة للمشتري، ثم تعارف كثير من الناس على العربون فإذا لم يكن في بلاد الهند ففي غير بلاد الهند تعارف الناس على دفع العربون وأنه من حق البائع، والعرف معتبر إذا لم يعارضه نص، كما تعتبر هناك نصوص ثابتة على فرض التكلم في حديث المانعين فلا يبقى هناك نص، والعرف إذا لم يعارضه نص فيكون معتبرًا عند الحنفية خاصة أنهم أخذوا بالعرف وكذلك عند الحنابلة.

أمر آخر أريد أن أوضحه أنه ينبغى تحديد مدة بيع العربون وإلا صار في الأمر جهالة وهذه فيها غرر. وإذا أجاز بعض العلماء الشرط الجزائي – بعض العلماء كما هو فتوى في هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أجازوا الشرط الجزائي – فمن باب أولى أن يجوز العربون. أرى جواز العربون في كل عقود المعاوضات طبعا إلا في الصرف فيشترط فيه التقابض وكذلك في المرابحة للآمر بالشراء، فالمرابحة للآمر بالشراء هذه ليست بعقد سواء يكون العربون بعد انعقاد العقد.

وأكتفى بهذا وشكرًا.

الشيخ محمد الشيباني:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أشكر الدكتور الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير على بحثه القيم كما أشكر إخوانه الذين شاركوه في البحث حول هذا الموضوع.

ص: 535

وقبل أن أبدي ملاحظتي أقول: إنى لست متعصبا لمذهب معين وإن كنت مالكيًّا، لأن جميع الأئمة نجلهم ونعترف لهم بجزيل الفضل فجزاهم الله أحسن الجزاء، فكما لا نفرق بين أحد من رسله لا نفرق بين أحد من الأئمة – رحمهم الله – فكلهم على الحق لا خلاف في ذلك. والذي أقول به هو ترجيح ما ذهب إليه الجمهور لمنع بيع العربون، أرجحه لا لأنه رأي الجمهور؛ بل لقوة دليله. وحديث عمرو بن شعيب وإن كان لم يصححه أهل الحديث فإن حديث زيد بن أسلم كذلك ضعف أيضا؛ ذكر ذلك ابن عبد البر في التمهيد والشوكاني في نيل الأوطار وغيرهما. بل إن الشوكاني ذكر أن حديث عمرو بن شعيب ورد من طرق يقوي بعضها بعضا. فعلى أن الحديثين ضعيفان فإن المنع يؤيده الحديث الصحيح، الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر)) وأخرجه مالك مرسلاً عن سعيد بن المسيب، ومعلوم أن مراسيل سعيد بن المسيب صحيحة أخرجه مالك بلفظ ((نهى رسول الله صلى الله عليه عن بيع الغرر)) . ما هو بيع الغرر؟ بيع الغرر هو ما جهلت عاقبته، وما كان مستور العاقبة هو تردد بين السلامة، وقال المازري: وعلة المنع في بيع الغرر أنه من أكل أموال الناس بالباطل على تقدير ألا يأخذ المبيع وهذا طبعا واقع في بيع العربون. وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذه العلة في بيع الثمار فقال: ((أرأيت إن منع الله ثمرة فيم يأكل أحدكم مال أخيه)) ولا خلاف بين الأئمة في منع بيع الغرر إذا كان الغرر فيه ظاهرا يمكن الاحتراز عنه، ذكر ذلك الباجي وابن قدامة في المغني والنووي في المجموع، وقال ابن رشد في المقدمات: ومن ذلك – يعني الغرر المنهي عنه – بيع العربان. وقال الحبيب: ومن الغرر المنهي عنه ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان)) . قال الحبيب: إنما صار الجمهور إلى منعه لأنه من باب الغرر والمخاطرة وأكل المال بالباطل. ذكر ذلك ابن عبد البر في (التمهيد) فقال: إنه من المخاطرة وأكل أموال الناس بالباطل. وقال: إن جميع ما روي في جوازه لم يصح حتى الأثر الذي روي عن عمر – رضي الله عنه – ثم أيضا نحن لا نمانع في قول الإمام أحمد في شيء عمت فيه البلوى لكن الذي عمت به البلوى لا يمت لبيع العربون بصلة إنما هي مواعدة فقط، فالعربون أو العربان الآن الذي يتطلبه أهل الشركات وأهل المؤسسات التي تعرض سلعها للبيع إنما تأخذ من هذا المبلغ لا لبيعه إنما ليكون من جملة الذين لهم الشراء في المستقبل، هذه حقيقة في هذه المسألة لو كان هذا الذي ذكره الإمام أحمد هو الجاري نقول: نعم وأهلا وسهلا، إمام جليل ونحن نتبعه ولا سيما في شيء عمت به البلوى ولكن الذي عمت به البلوى ليس بيع العربون.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الشيخ عبد القادر العماري:

بسم الله الرحمن الرحيم.

لا أريد أن أطيل عليكم. أقول: إن الشيخ الضرير هو أستاذي وهو من هو في العلم إلا أني أختلف معه هنا وأختلف مع من حرموا بيع العربون وأجد نفسي مضطرا أن أبين أن تصحيح عقود المسلمين واجب ما وجدنا إلى ذلك سبيلا، وهو عرف عام في كل البلاد الإسلامية، ونحن هنا أفترض أن القضية أمامي في المحكمة وأنا أعرف أن من قواعد القضاء إذا جاء الخصمان أحدهما يدعي الصحة وأحدهما يدعي البطلان في العقد، ولم تقطع البينتان فالحكم لمدعي الصحة. أرى هنا أن الأدلة متوازنة ولكن مدعو الصحة هم الأولى بالترجيح لأنهم يريدون أن يقروا عقود المسلمين، لذلك أرى أن يرجح جواز بيع العربون، فإذا أجازوا بيع العربون معنى ذلك أنهم اتفقوا مع واقعهم، أما إذا منعوا فهم عزلوا أنفسهم عن مجتمعاتهم وأصبحوا يفتون فتاوى لا تنطبق أبدا مع الواقع. نحن ننظر إلى الأشياء المحرمة تحريما صريحا واضحا فنحرمها، أما الأمور التي اختلف فيها العلماء والتي فيها مجال للأخذ والرد فلا بد على العلماء أن ينحوا نحو الصحة وإلا دفعوا الناس للأخذ بالقوانين الوضعية وتركوا الشريعة كلها.

وأنا أريد من إخواني العلماء أن يتنبهوا لهذه الأمور وأن يأخذوا الأمر بجدية في أنهم ينظرون إلى واقع الناس، ولا أريد أن أطيل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 536

الشيخ علي التسخيري:

بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا السيد الرئيس بعد أن أشكر جميع الذين تقدموني.

أعتقد أن المنهج يقتضي منا أولًا أن نناقش هذا العقد على ضوء الإطلاقات والعمومات الشرعية فإذا تم انسجامه معها نظرنا إلى النصوص الخاصة الواردة في مورده، وهل تنسجم مع العمومات أو أنها تخصص هذه العمومات وتمنع؟. وبعد ذلك إن لم يتم لدينا دليل اجتهادي نرجع إلى هذه الأصول العملية تقديم الإباحة وأصالة الصحة كما جاء في مقابل مسألة الحظر. الحقيقة العمومات كلها منجسمة مع هذا العقد: شرط في عقد الخيار والثمن في مقابل خيار، يعني الشيء في مقابل حق الخيار، هذا الشرط لا يحلل حراما ولا يحرم حلالاً ومشمول لعموم ((المؤمنون عند شروطهم)) والعقد داخل تحت عموم {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] كل هذه العمومات تشمل مثل هذا العقد من حيث العموم العام، أما إذا نظرنا إلى النصوص الخاصة فهي متعارضة كما رأيناها ومتناقضة وضعيفة كلها كما رأينا، فهي لا تصلح، مخصصة أو مانعة؛ لانطباق الأصول على هذا العقد فهو عقد تنطبق عليه هذه العمومات. والأصول العملية التي ذكرت – تقديم الحاظر أو تقديم أصالة الصحة – هذه أمور تأتي بعد أن تبطل لدينا العمومات والنصوص الخاصة، وقد رأينا العمومات شاملة، والنصوص الخاصة لا تستطيع أن تخصص هذه العمومات. على هذا الضوء – على ضوء الاشتراط – لا مانع من أن ينظر الخيار للبائع والمشتري والذي أصر أستاذنا الشيخ الضرير عى أن يكون لخصوص المشتري؛ لا مانع من أن ينظر الاثنان، لا مانع من أن يشمل الأمر كل العقود ما عدا بعض العقود الخاصة كالصرف لشروطها. وحينئذ فالعقد بنفسه عقد تام منسجم. عدم تحديد المدة ربما لا يشكل غررًا بعد وضوح كل جوانب الموضوع، وبعد وجود خيارات أيضا غير محددة بالمدة كما سمعنا، ومع ذلك أنا أرى أن نضيف في الفتوى عبارة (تحديد المدة) للاحتياط أو للجمع بين الأقوال وما إلى ذلك.

أود أن أشير إلى شيء من أدلة المنع والتى لم يذكرها المانعون، بعضهم استدل بمسألة قياس العربون على مسألة الإقالة بوضيعة، وخلافا لما تفضل به الأخ الذي قال: بوضيعة، مرفوضة باعتبار لا كعقد جديد يتفق المشتري مع البائع على أن يبيعه وإنما الإقالة فسخ والفسخ معناه أن يعود كل شيء إلى وضعه السابق فقاسوا مسألة العربون على مسألة منع الوضيعة في الإقالة، وهناك أيضا روايات تمنع هذا المعنى، لكني أعتقد أن القياس أيضا غير صحيح، هما بابان مستقلان، ذاك عقد مطلق وهذا عقد اشترط فيه من الأول هذا المعنى، فهذا الدليل أيضا وإن كنت ذكرته تقوية للمانعين؛ هذا الدليل أيضا لا يتم. ومن هنا فأرى أننا ننسجم مع الموجود لا أننا نخضع للواقع وإنما نجد له طريقا شرعيا كاملا مع العمومات، وأيضا نجنى الفوائد المترتبة على مثل هذا العقد، وهى فوائد تثبيت برمجة المشتري والبائع والاطمئنان بالعقود، ولذلك أنا مع الإخوة الذين أباحوا هذا العقد هذا الشرط شرط تحديد المدة. وشكرا.

ص: 537

الشيخ علي السالوس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

شكرا للجميع. موضوع المواعدة في الصرف هذا غدا إن شاء الله وليست المناقشة اليوم بالنسبة للدكتور درويش. بالنسبة لتصحيح الحديث ليس تصحيح الشيخ أحمد شاكر فقط لأننا تجاهلنا توثيق الإمام مالك لمن روى عنه، فتوثيق الإمام مالك لا يستهان به. نحن هنا لسنا أمام أصل واحد وإنما نحن أمام أصلين، الأصل في الأشياء الإباحة، والأصل في أكل أموال الناس بالباطل التحريم، فنحن أمام أصلين ولسنا أمام أصل واحد، عدم تحديد المدة كما هو واضح في بيع العربون فيه جهالة واضحة، والإخوة الذين أباحوا اشترطوا المدة؛ أي إنهم جميعا خالفوا الإمام أحمد – رضي الله تعالى عنه – عمل سيدنا عمر لم يأخذ العربون ويفسخ العقد، أو لم ينفذ وإنما أصبح جزءا من الثمن، ولذلك كلام ابن قدامة في المغني يبين كأنه يخرجه إلى مخرج آخر يتفق مع القائلين بالمنع، ولهذا لا يجوز أن نقول بأن رأي الحنابلة كذا، لأن من الحنابلة من يمنع ومنهم من نراه كأنه يمنع مثل ابن قدامة. الاختيارات ليس فيها مبيع، الاختيارات فيها مبيع مثل العربون أيضا. كون العربون هبة هذا لا يأتي في عقود المعاوضات، الهبة عن طيب نفس. من دفع العربون دخل في عقد معاوضة فلا يجوز أن نجعل عقود المعاوضات أن نخرجها على عقود التبرعات، هو ليس واهبا وليس متنازلا. المجمع عندنا يصدر قرارا بإباحة بيع العربون باعتبار أن هذا شيء سائد ماذا سنقول للمسلمين في السودان؟ وماذا سنقول للمسلمين في ليبيا؟ ثم ماذا سنقول للمسلمين في الهند الذين امتنعوا عن هذا بفطرتهم السليمة وليس بالقانون، ماذا سنقول لهم؟ القانون المدني الأردني جعل العربون لكل من المتعاقدين فلا أدري كيف أنه مأخوذ من الشريعة الإسلامية؟ ! مَنْ مِنَ الفقهاء قال بهذا؟ لا أعلم. القول بأن في كل مسألة خلافية لا ضير من الأخذ بأي رأي وعلى الأخص إذا صدر قانون من ولي الأمر هذا كلام يحتاج إلى وقفة طويلة لأنه هنا القوانين الوضعية التي تصدر من ولي الأمر في عصرنا لا ترجح رأيا، هي تلزم نعم إنما لا ترجح رأيا من الناحية الشرعية، وإنما المسائل الخلافية يرجع فيها إلى الأدلة وترجيح الأدلة. ولذلك لعل الرأي الذي يمكن أن يؤخذ به ليس هو بيع العربون وإنما قرار المجمع السابق الذي أشرت إليه، وأشار إليه وقلته للأخ الدكتور عبد الستار، والحمد لله أنه اقتنع بهذا وهو القرار السابق في المواعدة، وأن الوعد إذا تسبب الواعد في ضرر بالنسبة للموعود فإن الوعد يكون هنا ملزما، ويكون الإلزام – كما قال المجمع الموقر – إما بالتعاقد أو بتحمل الضرر. وهنا لا يكون أخذا بالعربون، وإنما أخذ بالوعد الذي أقره المجمع السابق.

ص: 538

فهذه أعتقد أنها فتوى دقيقة ويمكن أن تحسم الخلاف، والله أعلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرئيس:

شكرا. بقي عدد من المتكلمين إلا أن الوقت انتهى فننهي – إن شاء الله تعالى – الجلسة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

كما سمعتم فإن الاتجاهات التي حصلت من المناقشات هي ثلاثة:

- المنع.

- الجواز بقدر.

- الجواز المطلق.

وأكثر المداولات التي حصلت أو الآراء التي حصلت من الذين أخذوا الكلمة هي الجواز، ومع ذلك فقد رأيت تأليف اللجنة من العارض، والمقرر، ومن الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ عبد الستار أبو غدة، والشيخ عبد الله البسام، والشيخ وهبة الزحيلي.

وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 539

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على

سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه

قرار رقم: 76/ 3/ د8

بشأن

بيع العربون

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري باجوان، بروناي دار السلام من 1 إلى 7 محرم 1414هـ الموافق 21 – 27 يونيو 1993 م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: " بيع العربون ".

وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،

قرر ما يلي:

1 – المراد ببيع العربون بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغا من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع.

ويجري مجرى البيع الإجارة، لأنها بيع المنافع. ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السلم) أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية والصرف) ولا يجري في المرابحة للآمر بالشراء في مرحلة المواعدة ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة.

2 – يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود. ويحتسب العربون جزءا من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء.

ص: 540