المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابينإعدادأ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثامن

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادالدكتور: وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌موضوع: " الأخذ بالرخص الشرعية وحكمه

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌الرخصة (التلفيق)إعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌التلفيق والأخذ بالرخصة وحكمهماإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادمحمد رفيع العثماني

- ‌حكمالرخصة وتتبع الرخصفي الفقه الإسلامي

- ‌الأخذ بالرخصةإعدادأ. د. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادأ. د. عبد العزيز عزت الخياط

- ‌الرخصةإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهتتبع الرخص – التلفيق ورأي الفقهاء فيهإعدادفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالشيخ الطيب سلامة

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌بيع العربُونإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بيع العربُونإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌بيع العربونإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌بيع المزايدةإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار

- ‌عقد المزايدةبين الشريعة الإسلامية والقانوندراسة مقابلةمع التركيز على بعض القضايا المعاصرةإعدادعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌قواعد ومسائلفيحوادث السيرإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌ موضوع "حوادث السير

- ‌حوادث السيرإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌حوادث السيرإعدادالشيخ عبد القادر محمد العماري

- ‌حوادث السيرإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالأستاذ الدكتور / علي السالوس

- ‌الائتمان المولد على شكل بطاقةمع صيغة مقترحة لبطاقة ائتمانية خالية من المحظورات الشرعيةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌بطاقات الائتمانإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌سر المهنة الطبية بين الكتمان والعلانيةإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌مسؤولية الطبيبإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌مداواة الرجل للمرأةوالمرأة للرجلإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابينإعدادأ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

- ‌بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعيةالناتجة عن مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)إعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌التداوي بالمحرماتإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌بحوث مجمعية

- ‌حُسن وفاء الديونوعلاقته بالربط بتغير المستوى العام للأسعارإعدادالدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعارفي ضوء الأدلة الشرعيةإعدادد. حمزة بن حسين الفعر

- ‌الربط القياسي للأجور بالمستوى العام للأسعارتحليل من منظور إسلامي لمشكلة الأجورفي ظل التضخم والعلاج المقترحإعدادد. عبد الرحمن يسري أحمد

- ‌التضخم والربط القياسيدراسة مقارنة بين الاقتصاد الوضعيوالاقتصاد الإسلاميإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعاربين الفقه والاقتصادإعدادد. محمد أنس الزرقا

- ‌ندوة قضايا العملةالربط القياسي للديون بعملة اعتباريةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌ملاحظات أساسيةفي مسألة ربط الأجور والمستحقاتإعدادالدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادمجموعة دلة البركة

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادبيت التمويل الكويتي

- ‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلاميةوتصورات لكيفية مواجهتهاإعدادأ. د. إسماعيل حسن محمد

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةعقد السلم ودوره في المصرف الإسلاميإعدادالشيخ صالح الحصين

- ‌مشكلات البنوك الإسلامية في الوقت الحاضرإعدادد. محمد نجاة الله صديقي

- ‌في مشكلات المصارف الإسلاميةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمةالمتعاملة بالرباتجربة مجموعة دلة في أسلمة الشركاتعن طريق شراء أسهمهاإعدادالشيخ صالح عبد الله كامل

- ‌المشاركة في شركات تتعامل بالحرامإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

الفصل: ‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابينإعدادأ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)

الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابين

إعداد

أ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

مستشار علوم المختبرات الطبية – لندن

نائب رئيس الاتحاد العربي للبيولوجيا السريرية

أمين عام الاتحاد العربي للكيمياء السريرية – سابقاً

بسم الله الرحمن الرحيم

خلق الله تعالى الغرائز وشرع الطرق الحلال لإشباعها، لكن إنسان القرن العشرين تمرد على شرع الله ومارس الفحشاء دون حياء، بل وجاهر بها علناً معتبراً إياها حقوقاً شخصية لا مجال للمساس بها، فأقام مؤسسات للشواذ تدافع عما يسمونه حقوقا إنسانية، وهي في الواقع مجون وفساد. وما ظهور مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في هذه الظروف وفي هذا العصر بالذات إلا مصداق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الحاكم وابن ماجه حين قال:((لم تظهر الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم)) .

ومرض الإيدز لم يكن في أسلافنا من قبل، كما أنه باعتراف منظمة الصحة العالمية، طاعون فتاك ووباء قاتل، لا يوجد علاج له حتى الآن. وهو مرض يؤلم البدن ويعذب النفس ويشوه المنظر ويلحق بصاحبه وصمة عار اجتماعية وأخلاقية بالغة ترافقه حتى وفاته.

وجدير بنا في بيئتنا الإسلامية أن نلزم حدود الله ونلتزم شرعه، وأن نبتعد عما يغضبه؛ حفاظاً على سلامتنا وسلامة أطفالنا وأجيالنا الحاضرة واللاحقة في الدنيا ونجاتنا في الآخرة. وصدق الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال:(رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً) .

ص: 1288

حقائق عن مرض الإيدز:

أعلن مسؤولون في منظمة الصحة العالمية خلال انعقاد المؤتمر الدولي التاسع للإيدز في برلين في الفترة ما بين 17 و21 ذي القعدة 1413 هـ، أن عدد حاملي فيروس الإيدز الذين تم تشخيصهم والإبلاغ عنهم حتى الآن قد وصل إلى 14 مليون شخص، بينهم أكثر من مليونين ممن ظهرت عليهم أعراض المرض. وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يرتفع هذا العدد إلى ثلاثة أضعافه بنهاية القرن العشرين. واليوم وبعد مرور 12 سنة على ظهور هذا المرض وفشل كافة المحاولات العلمية في إيجاد لقاح أو علاج شاف له لا بد لنا من التساؤل عما إذا كان الحل لهذه المشكلة الصحية الخطيرة تقتصر على العلم والطب فحسب. فالواضح أن لله حكمة في كل هذا، وأن الحل أو قسم كبير منه يكمن في اتباع صراط الله المستقيم والخلود إلى العفة والطهارة والتزام الحشمة والأدب ومحاسن الأخلاق التي تعتبر أفضل وسائل الوقاية ضد هذا الوباء القاتل. وصدق من قال (الوقاية خير من العلاج) .

كلمة الإيدز أو السيدا هي تعبير أجنبي مختصر لمصطلح طبي معناه: (متلازمة العوز المناعي المكتسب) ، أي أنه عبارة عن مجموعة من الأعراض المرضية التي تصيب أجهزة الجسم المختلفة نتيجة للنقص الشديد في المناعة الناجم عن عوامل مكتسبة في البيئة وليس نتيجة لمرض موروث أو عارض تلقائي.

تعود أسباب الإصابة بمرض الإيدز للعدوى بفيروس عوز المناعة البشرية (إتش. آي. في) ، المختص بمهاجمة خلايا الإنسان اللمفاوية المسؤولة عن نظام المناعة. ويتكون هذا الفيروس من مادة من الحمض النووي يحيط بها غلاف من البروتين. وباستطاعة هذا الفيروس تغيير غلافه البروتيني بطريقة تساعده على الهروب من مقاومة الجسم له. كما يوجد فيه إنزيم خاص يمكنه من السيطرة على محتويات نواة الخلية البشرية وتحويل مادتها الوراثية إلى كتلة من الفيروسات المعدية التي تتكاثر وتتوالد فتفجر غلاف الخلية اللمفاوية المصابة وتخرج منه على شكل فيروسات جديدة للإيدز تهاجم الخلايا اللمفاوية أو الخلايا المساعدة الأخرى، وتحولها إلى مزارع للفيروس تتزايد بسرعة خارقة، تحرم الجسم من خلاياه المناعية وتحطم نظامه الدفاعي وجهازه المناعي. ولما كانت الخلايا المناعية تقوم بدور الرقيب على بروز الخلايا السرطانية في الجسم، حيث تباشر في قتلها بالمهد، فإن تدميرها أو اختفاءها يتيح المجال لنمو الأورام السرطانية في أنسجة الجسم المختلفة كالجلد والدم والغشاء المخاطي للجهاز الهضمي. ومع انهيار جهاز المناعة يصبح الجسم فريسة للأمراض الانتهازية التي تنقلها الطفيليات والفطريات وبعض أنواع الجراثيم والفيروسات الأخرى، كالسل والتهاب الأمعاء والتهاب الدماغ والأمراض الجلدية والتناسلية. كما يعجز الجسم عن توليد أجسام مضادة قادرة على مقاومة الفيروس ووقف انتشاره، إلا أنه يولد بعض الأجسام المضادة الكافية للكشف عن الفيروس.

ص: 1289

كيفية انتقال العدوى:

تنتقل عدوى الإيدز الأولى عن طريق الاتصال الجنسي مع شخص مصاب، سواء كانت العلاقة بين رجلين، أو بين رجل وامرأة. كما تؤدي عملية نقل الدم المخموج بفيروس الإيدز، أو حقن أحد مكونات الدم المصاب كالبلازما والعامل المساعد لتجلط الدم رقم 8، إلى نقل العدوى أيضاً. وكذلك الحال بالنسبة لاستخدام الحقن الغير معقمة التي سبق استخدامها من قبل شخص مصاب بفيروس الإيدز، ووخز الإبر الملوثة بدم مخموج بمرض الإيدز، وملامسة دم المريض وإفرازاته لأي خدش أو جرح في جلد شخص سليم، واستعمال فرشاة الأسنان التي سبق أن استخدمها شخص مصاب نظراً لاحتمال خدش اللثة أثناء الاستعمال. كما أن هنالك خطورة في أن ينقل لعاب المريض العدوى أثناء التقبيل الحار في الفم، إذا كانت لثة حامل الفيروس مريضة ينزف منها الدم.

الفئات المهددة:

فيروس الإيدز والمرض الناجم عنه لا يعرفان حدوداً جغرافية أو عرقية أو جنسية، فكل إنسان ينجرف وراء شهواته وملذاته وشذوذه ويمارس الفحشاء واللواط، ويرتكب الزنا ولا يلزم حدود الله وقواعد الصحة والسلامة مهدد بالإصابة بالمرض. ويمكن تصنيف الفئات الأكثر تعرضاً للإصابة على النحو الآتي:

أولاً- الشواذ الذين يمارسون اللواط والذين تدفعهم شراهتهم الجنسية للاختلاط بأعداد كبيرة من الرجال، مما يضاعف احتمال التقائهم بشخص مصاب بالإيدز.

ثانياً- العاهرات ومن يخالطونهن والفئات التي تمارس الجنس بشراهة وتسيب، مما يزيد من فرصة التقائهم بشخص مصاب.

ثالثاً- مرضى الهيموفيليا أو الناعور وغيرهم ممن ينقل إليهم دم مخموج بالفيروس أو أحد مشتقاته المستخدمة لوقف النزيف.

رابعاً- متعاطو المخدرات عن طريق الحقن الوريدي، وخاصة أولئك الذين يستعملون حقناً مشتركة قابلة للتلوث بدم أحد المصابين.

خامساً- مرضى البلدان الفقيرة التي تفتقد للحقن المعقمة، والتي تستخدم حقناً زجاجية لعدة أشخاص دون تعقيم كاف.

ص: 1290

مراحل الإصابة بالمرض:

يمر مريض الإيدز بثلاث مراحل أساسية يمكن اختصارها بالآتي:

أولاً- مرحلة التقاط العدوى: وهي المرحلة التي يدخل فيها فيروس الإيدز الجسم دون ظهور أية أعراض مباشرة، ولكن تحدث في الجسم عمليتان هامتان: يبدأ الجسم بتكوين الأجسام المضادة بعد فترة تمتد من أسبوعين إلى ستة أشهر، ولا تكفي هذه الأجسام المضادة لوقف نشاط الفيروس، لكنها تساعد في عملية تشخيص الإصابة بالعدوى. وتتجلى خطورة هذه المرحلة في الفترة الممتدة ما بين التقاط الإنسان للعدوى وظهور الأجسام المضادة في دمه تتفاوت بين شخص وآخر بحيث يكون المصاب معدياً لغيره رغم كون نتائج التحليل المبكر لدمه سلبية، وفي بعض الحالات تكون بداية العدوى مصحوبة بالحمى وبأعراض عصبية تظهر خلال أسبوعين أو خمسة أسابيع من تاريخ التقاط الفيروس. وتشمل هذه الأعراض نوبات صرع أو شلل مؤقت، نظراً لأن الجهاز العصبي للإنسان يتأثر بالفيروس في مرحلة مبكرة جداً.

ثانياً- مرحلة الحضانة وحمل المرض: وهي المرحلة التي لا تظهر فيها أية أعراض مرضية، والتي يمارس خلالها الفيروس غزوه للغدد اللمفاوية المساعدة ويستقر فيها. وقد تمتد هذه المرحلة من عام ونصف إلى خمسة أعوام أو أكثر، يكون الشخص خلالها معديا وتحليل دمه إيجابي. ويرى الأخصائيون أن هذه المرحلة قد تستمر عند بعض المرضى دون تطورها لأعراض مرضية كما هو الحال في بعض الدول الإفريقية. وحتى الآن لم تكتشف العوامل أو الأسباب التي تنقل المصاب من مرحلة الحضانة إلى مرحلة ظهور الأعراض.

ثالثاً- مرحلة الأعراض الجسدية: وتعرف بمرحلة التضخم الشامل والمستمر للغدد الليمفاوية، والتي تصحبها أعراض أخرى مثل الحمى والتعرق الليلي والإسهال المزمن ونقصان الوزن والإعياء العام والإصابة بالأمراض الانتهازية كالسلاق أو القلاع الذي تسببه فطريات الكانديدا والحلأ المنطقي الذي تسببه الفيروسات وغيرها من الأعراض. وتستمر هذه المرحلة من شهور إلى سنوات قبل أن تتطور إلى مرحلة الإيدز النهائية المميتة في معظم الأحيان.

ص: 1291

أعراض المرض:

من الأعراض الصحية البارزة لمرضى الإيدز مجموعة من الأمراض الانتهازية التي تسببها كائنات ضعيفة تعجز عن إصابة الإنسان عادة، إلا أنها تستغل فرصة انهيار جهاز المناعة فتسبب السعال المزمن الناتج عن الإصابة بأحد أنواع السل الرئوي الذي يصيب الطيور عادة، والإسهال المزمن الناتج عن الإصابة بنوع من الطفيليات التي تصيب البقر، والتهاب المخ الذي يسببه نوع من الطفيليات يصيب القطط عادة، وفطريات تصيب سحايا المخ وتسبب العفن في الجلد والجهاز الهضمي. هذا بالإضافة إلى الإصابة بفيروس الهربس والالتهاب الرئوي الناتج عن البروتوزوا والذي يؤدي إلى الاختناق والوفاة أحياناً. وقد يصاب مرضى الإيدز بسرطان كابوسي، وهو سرطان جلد يصيب كبار السن عادة، إلا أنه يظهر على شكل بقع بنفسجية فوق جلد الشباب وينتشر بسرعة داخل الأحشاء مؤدياً للوفاة. كما يتعرض أولئك المرضى لاحتمال الإصابة بأنواع من السرطان تهاجم الغدد الليمفاوية وأغشية الجهاز الهضمي كالفم والمريء والمستقيم. ويهدد فيروس الإيدز الجهاز العصبي نظراً لإمكانية وصوله إلى المخ مباشرة مما يؤدي إلى أعراض نفسية مختلفة وإلى فقدان الذاكرة والبله والتهاب الدماغ والصرع والشلل.

وسائل الوقاية من المرض:

بما أن مرض الإيدز ينتقل أساساً عن طريق الاتصال الجنسي، فإن أهم وسيلة للوقاية هي العفة وتجنب الفاحشة والالتزام بما أحله الله تعالى. قال سبحانه وتعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)) .

أما وسائل الوقاية الأخرى فهي التأكد من خلو وحدات الدم المحفوظة في بنوك الدم من فيروس الإيدز، والامتناع عن استيراد الدم من الخارج، والاعتماد على الحقن البلاستيكية والإبر التي تستخدم لمرة واحدة فقط، وإضافة فحص الإيدز إلى لائحة الفحوصات التي تجرى للراغبين في الزواج. مع فحص الوافدين للعمل للتأكد من خلوهم من مرض الإيدز وفيروسه، والتركيز على القيام بحملات إعلامية واسعة النطاق وبمختلف الوسائل لتوعية المواطنين وللتعريف بالمرض وطرق انتقاله ووسائل الوقاية منه، ومتابعة الأبحاث والتجارب العلمية لإيجاد لقاح أو عقار يوفر الحماية والحصانة من هذا المرض القاتل.

ص: 1292

وما أحوجنا نحن العلماء المسلمين لأن نكون من السباقين في اكتشاف الدواء الشافي والعلاج الفعال لهذا الوباء الخطير. وهذا لن يتحقق إلا بتضافر الجهود ومتابعة الدراسات والأبحاث ودعم البرامج القائمة في بعض بلداننا الإسلامية، وإقامة مراكز جديدة متطورة تضم كبار الأخصائيين والفنيين المسلمين، مع بذل المال بسخاء وبحكمة لتسهيل هذه المهمة ومكافأة القائمين عليها. ولنهتدي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((تداووا أيها الناس؛ فإن الله لم يخلق داء إلا خلق له دواء)) . إن فشل دول الغرب في إيجاد دواء أو لقاح لمرض الإيدز يجب ألا يثبط عزائمنا، بل علينا أن نجعله دافعاً ومهمازاً لرفع شأن الإسلام وعلمائه في مجال الأبحاث الطبية التي كان أسلافنا رواداً لها في الماضي.

إن خطر فيروس الإيدز لم يعد مقصوراً على تسببه في الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب، بل تعداه ليصبح خطراً يهدد بعودة أمراض وبائية خطيرة كنا نعتقد أنها انقرضت وتم احتواؤها، مثل وباء السل ووباء الملاريا، فأجساد مرضى الإيدز المنهارة مناعياً تصبح حقلاً خصبا لهذه الأمراض التي يمكن أن تنتقل وتنتشر كالنار في الهشيم عن طريق المعايشة العادية دون حاجة للاتصال الجنسي.

ص: 1293

الأحكام المتعلقة بمرض نقص المناعة المكتسبة

(الإيدز)

1-

حقوق المريض ذي الأعراض الظاهرة وواجباته نحو المجتمع:

مرض الإيدز طاعون فتاك ووباء قاتل، لا يمكن مقارنته بالأمراض المستعصية الأخرى، فهو ينتقل بالدرجة الأولى من مريض لآخر عن طريق الاتصال الجنسي القائم على الممارسات الشاذة كاللواط أو الممارسات الفاحشة كالزنا والدعارة، أو الممارسات العادية بين الأزواج إذا كان أحدهما مصابا بالمرض، كما ينتقل مرض الإيدز عن طريق الحقن الوريدي بين مدمني المخدرات وبين مرضى الهيموفيليا الذين يقعون ضحية نقل دم ملوث إليهم، ويمكن انتقاله أيضاً إلى المواليد والأطفال عن طريق أم تحمل فيروس المرض أثناء الحمل أو الولادة أو الرضاعة. كما يمكن انتقاله عن طريق الإبر الملوثة وشفرات الحلاقة إذا سبق أن استخدمها شخص مصاب بالإيدز.

من هنا لا بد لنا من التمييز بين المريض الذي يكتسب العدوى عن طريق الممارسات المخالفة لشرع الله، والمريض الذي يكتسبها عن طريق الخطأ دون ذنب له أو إثم.

إن توفير الرعاية الصحية للمرضى حق أساسي من حقوق المواطن، بغض النظر عن الأسباب المؤدية للإصابة بالمرض. وبما أن مرض الإيدز هو من الأمراض التي لا يمكن علاجها أو الشفاء منها حتى الآن، وهو من الأمراض الخطيرة القاتلة والمعدية، فإنه لا بد من عزل المريض مع تقديم الرعاية الصحية اللازمة له في منتجعات أو مراكز متخصصة تتوفر فيها وسائل الراحة وعناصر الحياة الطبيعية التي تسمح للمريض بالمساهمة بأعمال يتقنها أو حرفة يتعلمها تمكنه من كسب قوته وتغطية نفقات علاجه وإعانة أسرته وخدمة مجتمعه، ويستحسن بقاء المريض في تلك المراكز حتى وفاته أو لحين ظهور دواء أو لقاح يشفيه بإذن الله تعالى.

ص: 1294

إن إقامة مراكز متخصصة ومجهزة للاهتمام بالمصابين بمرض الإيدز وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية والمادية لهم أمر في غاية الأهمية، تتحمل مسؤوليته الدول المعنية؛ لأنه يوفر حاجزاً منيعاً يحمي مجتمعاتها من أخطار المصابين وحاملي الفيروس الذين يتم كشفهم والتعرف عليهم. كما أن فصل هذه المراكز وتقسيمها إلى شطرين يتيح المجال أمام المسؤولين للتعامل مع المصابين الذين التقطوا العدوى بطريق الخطأ بأسلوب إنساني وحضاري يختلف عن الأسلوب الواجب اتباعه مع المصابين من مرتكبي الفاحشة وممارسي الدعارة والشذوذ والزنا. وعلى المجتمع أن يراعي سرية أسماء المصابين بعد عزلهم؛ حرصاً على مشاعر أفراد عائلاتهم وحماية لمصالحهم، وتفادياً لإحراجهم أمام الآخرين ووصمهم بعار لا ذنب لهم فيه. فالإشاعات والافتراضات الخاطئة قد تؤذي أفراد هذه الأسر وتحرمهم نعمة العيش الكريم، وتهدد مستقبلهم المهني ومركزهم الاجتماعي. ويستحسن السماح لعائلات المرضى وأقاربهم وأصدقائهم بزيارتهم في تلك المراكز وبالاختلاط معهم إذا كان المرضى من الفئة التي اكتسبت المرض عن طريق الخطأ، أما عائلات المرضى الذين اكتسبوا المرض عن طريق الممارسات الشاذة أو غير المشروعة فإن لقاءهم بمرضاهم يجب أن يتم من وراء حاجز عازل.

من واجبات المرضى والمصابين نحو المجتمع أن يعلموا أزواجهم وزوجاتهم وأرباب أعمالهم بالمرض، وأن يزودوا السلطات الصحية بأسماء كافة الأشخاص الذين كان لهم اتصال جسدي معهم قبل الإصابة وبعدها، مع الامتناع عن ممارسة العلاقات الزوجية لتفادي نقل العدوى إلى الزوجة وإلى جنينها إن حملت.

2-

واجبات حامل المرض الذي لم تظهر عليه الأعراض والذي يكتشف أمره بعد تحليل الدم، نحو أسرته ونحو المجتمع:

نظراً لكون مرض الإيدز من الأمراض القاتلة التي لا يوجد لها علاج حتى الآن، والتي تمتد مرحلة حضانة المرض فيها لعشر سنوات أو أكثر يكون خلالها حامل الفيروس إنساناً معدياً، فإنه يتوجب على حامل الفيروس الذي يتم اكتشافه دون ظهور الأعراض المرضية أن يقوم بإبلاغ زوجته وأفراد أسرته وأرباب عمله والمسؤولين الصحيين عن طريقة التقاطه لفيروس المرض، وأن يكشف لهؤلاء المسؤولين عن أسماء الأشخاص المتورطين معه جنسياً، حرصاً على السلامة العامة ومنعاً لانتشار العدوى. كما يفترض منه الامتناع عن ممارسة الجنس مع زوجته مع إعطائها الحرية في طلب فسخ النكاح إذا كان في ذلك فائدة لها ولأطفالها. ويتوجب على الأطباء والمسؤولين الصحيين وبحكم القانون إبلاغ زوجة الشخص المصاب أو زوج المرأة المصابة عن حقيقة مرضهم؛ حتى يتسنى لهم اتخاذ الاحتياطات اللازمة والكفيلة بحمايتهم وحماية أطفالهم. وكما تتحمل السلطات الصحية والجهات الرسمية المختصة مسؤولية عزل الشخص المصاب لحماية المجتمع منه ومن فيروس المرض الذي يحمله. ولقد أصدرت دولة الكويت قانوناً يلزم وزارة الصحة بإبلاغ الزوج أو الزوجة إذا ثبت إصابة أحدهما بالمرض.

ص: 1295

3 -

هل تقع على مريض الإيدز عقوبة إذا تسبب في إصابة شخص آخر؟

سبق وذكرت أن مرض الإيدز وباء قاتل ولا يوجد له علاج، ولا يمكن الشفاء منه حتى الآن، وهذا يعني أن أي إنسان يتسبب في نقل هذا المرض إلى غيره من الناس يستحق العقاب والمحاسبة؛ نظراً لارتكابه جريمة خطيرة أشبه ما تكون بجريمة القتل العمد، وقد تختلف الآراء في حجم وكيفية العقاب، إلا أنه إجراء ضروري جداً؛ لأنه يلقن المذنب وكل من تراوده نفسه القيام بمثل تلك الأفعال الإجرامية المشينة درساً في الحفاظ على سلامة الآخرين.

قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179] .

وتجدر الإشارة إلى أن مرسوماً أميرياً قد صدر في دولة الكويت منذ عشرة أشهر يجعل النقل المتعمد لفيروس مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة تصل إلى سبعة أعوام، مع دفع غرامة مالية تصل قيمتها إلى سبعة آلاف دينار كويتي (حوالي 24 ألف دولار أمريكي) .

وإذا كان عقاب تجار المخدرات ومروجيها يصل أحياناً إلى السجن لسنين عديدة أو يؤدي إلى الإعدام في بعض الدول، فإن ناقل مرض الإيدز وهو الأخطر بين الأمراض، يستحق عقاباً صارماً ورادعاً يتناسب وخطورته.

4-

هل يجوز للمرأة طلب فسخ النكاح عندما تتبين إصابة زوجها بمرض الإيدز؟

على الرغم من أن فيروس الإيدز لا ينتقل عن طريق اللمس والتنفس والطعام والشراب، أو عن طريق استخدام المناشف والأغطية والمراحيض وحمامات السباحة، إلا أنه ينتقل مباشرة عن طريق المعاشرة الجنسية، وهذا يهدد سلامة الزوجة وسلامة الجنين إذا تحقق الحمل. وإذا ما التزمنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((لا ضرر ولا ضرار)) فإننا نؤيد حماية الزوجة من الضرر الكبير الذي يمكن أن يلحقه زوجها بها وبأطفالها، ونؤيد حقها في طلب فسخ النكاح، خاصة وأن مرض الإيدز يعتبر من الأمراض المعدية والمنفرة الأشد خطراً من أمراض الجذام والبرص التي تمنع الجماع شرعاً، والتي يمكن انتقالها إلى الجنين. كما نؤيد حقها في طلب التعويض المالي الذي يقره الشرع والقانون، مع معاقبة الزوج إذا كانت إصابته بمرض الإيدز ناتجة عن ارتكابه الزنا أو عن طريق تعاطيه المخدرات بالحقن الوريدي.

ويمكن الاستعانة بقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، وذلك لتبرير تسريح الزوجة المهددة بواحدة من أشنع الأمراض المعدية التي لا علاج لها حالياً والتي تهدد الحياة والنسل أيضاً.

ص: 1296

5-

ما حكم إجهاض المرأة المصابة إذا حملت؟

إن احتمال انتقال عدوى الإيدز من المرأة الحامل المصابة بفيروس المرض إلى جنينها عبر المشيمة أمر وارد وموثق علمياً. كما أن احتمال انتقال العدوى إلى الطفل أثناء عملية الولادة من خلال الإفرازات المهبلية للأم، أو أثناء الرضاعة بسبب تلوث حليبها أمور ممكنة أيضاً، وهذا يعني أن الطفل المولود من امرأة مصابة بالمرض قد يبلى بهذا الوباء القاتل منذ نعومة أظفاره، وأنه سيشوه بأعراضه ويعاني منها حتى مماته. وخلال تلك الفترة ستكون السلطات الصحية مسؤولة عن رعايته وإعاشته وتربيته وتعليمه وعزله عن المجتمع عند بلوغه. وبما أن إجهاض المرأة المحتمل أن تنقل أمراضاً وراثية خطيرة إلى جنينها كان موضع بحث مستفيض في السابق من قبل السلطات الصحية والسلطات الشرعية والدينية في جمهورية مصر العربية، فإن إجهاض المرأة المصابة بمرض الإيدز إذا حملت ولم يمض على حملها سوى أسابيع معدودة، أي قبل نفخ الروح في الجنين، أمر قابل للبحث والاعتبار. ومن المفيد معرفة القرار النهائي الذي توصلت إليه السلطات المعنية في مصر بخصوص إجهاض المرأة الحامل التي يتبين احتمال إصابة جنينها بالتشوه الوراثي.

6-

هل يمنع الطفل المصاب بفيروس الإيدز من الالتحاق بالمدرسة إذا كانت صحته جيدة؟

أثارت حادثة منع بعض الأطفال المصابين بفيروس الإيدز من الالتحاق بالمدارس في الولايات المتحدة الأمريكية عاصفة من الاحتجاج؛ لأن هذا المرض لا ينتقل عن طريق المصافحة والملامسة أو عن طريق التنفس والاختلاط الاجتماعي البريء بين الأطفال في المدارس أو المنازل أو أماكن اللعب والتسلية. وبما أن إصابة الطفل بفيروس الإيدز تكون عادة ناجمة عن عدوى لا ذنب له فيها، فإنني لا أرى مبرراً يمنعه من الالتحاق بالمدرسة، شريطة إبلاغ المسؤولين والمعلمين عن هذه الإصابة حتى يتسنى لهم اتخاذ الإجراءات والاحتياطات الضرورية التي تكفل عدم انتقال دم الطفل إلى زملائه في المدرسة في حالة تعرضه إلى حادث معين أو إصابته بجروح دامية أو أمراض خطيرة معدية كالسل. كما يستحسن توعية الأطفال في المدارس على طرق انتقال العدوى وأهمية تفادي لمس دم زميلهم المصاب أو التسبب في جرحه وإيذائه، وعلى مسؤولي وزارة الصحة أن يقوموا بعزل الطفل عن المجتمع عند بلوغه حرصاً على سلامة الغير.

ص: 1297

7-

ما هي حقوق الجنين المولود الحامل للمرض تجاه أسرته ومجتمعه؟

حقوق الجنين المولود الحامل لمرض الإيدز تجاه أسرته ومجتمعه لا تختلف عن حقوق أي طفل آخر. فهو يستحق الرعاية والاهتمام والعيش بأمان واطمئنان مع متابعة تحصيله العلمي حتى سن البلوغ. بعدها يجب عزله في مراكز تتوفر فيها وسائل الراحة والثقافة والعلاج. كما يحق له رؤية أسرته والاختلاط معها بين الحين والآخر ضمن حدود المركز الذي يتم عزله فيه. هذا بالإضافة إلى حقه في العمل وكسب رزقه الحلال من خلال أعمال ومهام يقوم بها داخل ذلك المركز.

8-

هل يطلب إجراء فحص الدم على الحجيج القادمين من المناطق الموبوءة للتأكد من عدم إصابتهم بمرض الإيدز؟

الحج ركن من أركان الإسلام الخمس وفريضة أساسية واجبة على كل مسلم قادر صحياً ومادياً وعقلياً وجسدياً. ولا أجد مانعاً يحول دون طلب إجراء فحص للدم على الحجيج القادمين من المناطق الموبوءة للتأكد من عدم إصابتهم بمرض الإيدز. أما قرار منع المصابين وحاملي فيروس المرض من أداء شعائر الحج فإنه يحتاج إلى دراسة فقهية عميقة تطرح الأسباب الموجبة للمنع. وإذا كانت دول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية، التي تتغنى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تمنع حاملي المرض من دخول أراضيها لمجرد حضورهم مؤتمراً لا تتعدى مدته الأسبوع الواحد؛ خوفاً على زيادة انتشار المرض في أراضيها وبين مواطنيها، فإن للمملكة العربية السعودية الحق أيضاً في حماية بيت الله وكافة الحجيج الذين يزورون أراضيها وذلك بمنع دخول من يثبت أنه حامل للمرض أو مصاب به. وإذا كان الإسلام قد نهانا عن دخول الأراضي التي يتفشى فيها الطاعون وعدم مغادرتها إذا كنا فيها، فإنه بلا شك سينهانا عن السماح للطاعون وحامليه بدخول أراضينا إذا كانت لدينا القدرة والوسيلة على تحقيق ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها)) .

ص: 1298

9-

ما هي الوقاية التي ينبغي الأخذ بها عند الحلق بالجمرات لاتقاء الإصابة بنقل فيروس الإيدز أو فيروس التهاب الكبد؟

إن عملية الحلق بالجمرات تحتاج إلى تنظيم وإشراف وحزم ومراقبة مستمرة نظراً لما تشكله من خطر كبير على الحجيج الذين يسلمون أنفسهم للباري عز وجل غير آبهين بالأخطار التي تتهددهم لاعتقادهم أن هذه العملية مجرد مسألة روتينية بسيطة، لا مجال للشك بها أو الخوف منها. وبما أن مرض الإيدز ومرض التهاب الكبد ينتقلان عن طريق التلوث بدم أحد المصابين، فإن هنالك احتمالاً كبيراً في أن يكون بين الحجيج من يقوم برحلته الأخيرة متضرعاً لله عز وجل طالباً الصفح والغفران لأنه يعلم أن نهايته قريبة نظراً لإصابته بمرض الإيدز وحمله لفيروسه القاتل.

وهذا يعني أن أية جروح تظهر نتيجة الحلق بالجمرات عند مريض مصاب ستنقل فيروس المرض إلى الشخص الذي يليه في عملية الحلق. خاصة وأن معظم الحلاقين لا يعقمون أدواتهم تعقيماً صحيحاً ولا يستخدمون الشفرات التي يمكن تغييرها واستبدالها مباشرة بعد كل حلاقة. أضف إلى ذلك وجود عدد كبير من الحلاقين الغير مرخصين والغير مؤهلين الذين لا هم لهم سوى الكسب المادي الرخيص الذي يمكن أن يكلف عدداً كبيراً من الحجيج أرواحهم.

لذا فإنه من الضروري جداً أن تقوم السلطات المختصة بتنظيم هذه العملية وتوفير أدوات الحلاقة التي يمكن استخدامها أو استخدام شفراتها لمرة واحدة فقط، وعدم السماح لغير الحلاقين المؤهلين والمرخصين بالقيام بمثل هذا العمل؛ حرصاً على سلامة الحجيج، والله من وراء القصد.

أ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

ص: 1299