الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعية
الناتجة عن مرض الإيدز
(نقص المناعة المكتسبة)
إعداد
الدكتور محمد علي البار
مستشار الطب الإسلامي بمركز الملك فهد
للبحوث الطبية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والقائل في محكم التنزيل:{وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] . والقائل عز من قائل: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] .
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه أجمعين، والقائل:((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) . (1) والقائل: ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) . (2)
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أن شاعت الفاحشة في بلاد الغرب ومنه إلى مختلف بلاد العالم إلا أصابهم الله بآفة الأمراض الجنسية، وأخطرها متلازمة نقص المناعة المكتسب المعروف باسم الإيدز (أو سيدا في الجهات الناطقة بالفرنسية) .
تعريف الإيدز:
هو مرض سببه فيروس من الفصيلة المنعكسة (Retrovirus) ينتقل أساساً عبر الاتصال الجنسي، سواء كان بين ذكر وذكر، أو ذكر وأنثى، كما ينتقل أيضاً عبر الدم ومحتويات الدم. ويؤدي إلى فقدان المناعة؛ لأن الفيروس يهاجم الخلايا اللمفاوية المسؤولة عن المناعة،، وبالذات الخلايا اللمفاوية T4، فإذا ضعف جهاز المناعة تناوشت الجسم الميكروبات الانتهازية (Opportunistic infections) ، وهي ميكروبات وطفيليات لا صولة لها ولا جولة عند وجود جهاز المناعة السوي، ولكنها تستغل ضعف جهاز المناعة فتهجم على الجسم الضعيف المقاومة فتصرعه وتقضي عليه. وأهم هذه الميكروبات والطفيليات:
(1) أخرجه البخاري في صحيحه
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك، وابن ماجه في سننه، والبزار.
1-
الطفيلي المتموصل في الرئتين (Rneumo cystis carini) ويؤدي إلى وفاة نصف حالات الإيدز في أوروبا والولايات المتحدة
2-
ميكروب الدرن (بأنواع غير معتادة) وأكثر انتشاره في إفريقية.
3-
طفيليات البوغيات المختفية (Cryptospordium) ويسبب الإسهال الشديد، وأكثر انتشاره في إفريقية، ويؤدي إلى وفاة نسبة غير قليلة من مرضى الإيدز.
ويؤدي إضعاف جهاز المناعة أيضا إلى انتشار الأورام الخبيثة، وأهمها دون ريب ورم (غرنه) كابوسي الذي يؤدي إلى وفاة ما لا يقل عن 25 % من حالات الإيدز.
كيفية انتشار الإيدز:
رغم أن المصاب بالإيدز تخرج فيروسات الإيدز في إفرازاته كلها، بما فيها الدموع والبول واللبن من المرضع، إلا أن وسائل العدوى تتركز في العوامل الآتية فقط.
1-
الشذوذ الجنسي (اللواط)
2-
الزنا
ويشكل هذان العاملان اليوم ما يوازي 90 % من حالات انتشار الإيدز، ويعتبر الشذوذ الجنسي (اللواط) العامل الأساسي في حدوث الإيدز وانتشاره في الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبا الغربية بصورة خاصة، حيث الشاذون جنسيا ما بين 70 و80 % من جميع حالات الإيدز في هذه البلاد.
ويعتبر الزنا العامل الأساسي في إفريقية الاستوائية، وفي الوباء الذي انتشر مؤخرا في الهند وبانجوك (تايلند) ، حيث بلغت نسبة المصابات بفيروس الإيدز من البغايا في بومباي (الهند) وبانجوك أكثر من 70 %. وبلغت نسبة البغايا الحاملات لفيروس الإيدز في نيروبي (كينيا) وبيوتار (رواندا) وزائير وزامبيا وأوغندا وأنجولا ما بين 80 و90 %.
3-
الدم ومحتويات الدم: وهذا العامل كان مهما في الماضي حتى عام 1986 عندما ظهر فحص إليزا (Elisa) الذي يمكن بواسطته معرفة الدم الملوث. وبالتالي لم يعد هذا العامل مهما في تسبيب الإيدز اليوم. وإن كان قد أصاب آلاف الأشخاص في مختلف أنحاء العالم بالإيدز، وجعل عشرات الآلاف يحملون الفيروس. وبما أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى كانت تستورد الدم الملوث بفيروس الإيدز من بريطانيا والولايات المتحدة حتى عام 1986، فإن كثيرين ممن تلقوا هذا الدم الملوث أصيبوا بالإيدز أو يحملون فيروس الإيدز في المملكة ودول الخليج.
وبما أن هؤلاء المصابين بالإيدز أو الحاملين لفيروس الإيدز يطلبون تعويضا في الولايات المتحدة وأوربا، وتقوم المحاكم هناك بإعطاء المصاب بالإيدز نتيجة نقل الدم تعويضا يبلغ مليون دولار أو أكثر، فإن من حق من أصيبوا بالإيدز في المملكة ودول الخليج نتيجة الدم الملوث أن يطالبوا المستشفيات بهذه المبالغ. كمما أن من حق المستشفيات أن تطلب هذه المبالغ من المصادر التي مولتها بهذا الدم الملوث!! وهي مبالغ تصل إلى آلاف الملايين من الدولارات والتي ينبغي أن نطالب بها الولايات المتحدة وبريطانيا.
ونحن نعرف يقيناً أنه لو أصيب بريطاني أو أمريكي بالإيدز نتيجة دم ملوث من البلاد العربية لحجزوا الأموال العربية الموجودة لديهم حتى يتم دفع التعويض المطلوب الذي قد يبلغ عشرات الملايين من الدولارات!!
4-
انتقال فيروس الإيدز عن طريق الحقن والإبر الملوثة. وأكثر ما يكون ذلك لدى مدمني المخدرات الذين يتعاطونها بواسطة الحقن بالوريد. ولذا فإن الدول الغربية ومنظمة الصحة العالمية تقدم نصائحها لهؤلاء على الوجه التالي: ينبغي أن تتحول من الحقن إلى الشم أو البلع!! إذا لم تستطع ذلك فعليك باستخدام حقن معقمة ولا تشارك أحداً في حقنتك!! ويعتبر استخدام المخدرات بطريق الحقن الملوثة مسؤولاً عن 20 – 25 % من حالات الإيدز في أوربا والولايات المتحدة.
5-
انتقال فيروس الإيدز من الأم المصابة إلى جنينها. وتقول منظمة الصحة العالمية: إن هناك ما يقارب مليون طفل حاملين فيروس الإيدز بهذه الطريقة حتى نهاية عام 1992، 75 % منهم في إفريقية. وتقرر منظمة الصحة العالمية أن 25 – 30 % من الحوامل المصابات بفيروس الإيدز سينقلن هذا الفيروس إلى أجنتهن. ثم إن نسبة أخرى ستصاب بالفيروس بعد الولادة نتيجة الرضاعة والاتصال الحميم بين الأم ووليدها.
6-
ينتقل فيروس الإيدز أيضاً بواسطة التلقيح الاصطناعي وزرع الأعضاء، وهي حالات محدودة، وفي منطقة الخليج والمملكة هناك 14 شخصاً يحملون فيروس الإيدز نتيجة زرع الكلى.
7-
ينتقل فيروس الإيدز أيضاً عن طريق العمليات الجراحية أو الإصابة بإبرة أثناء سحب الدم من المريض أو أثناء استخدام الآلات مثل أدوات طبيب الأسنان عندما تستخدم لأكثر من مريض. وهذه الحالات جميعاً نادرة الحدوث جداً.
ومثلها الحالات التي يمكن أن تحدث نتيجة الحجامة أو الحلاقة بموس واحد لأكثر من شخص، أو عمليات الوشم التي تمارس في بعض المناطق الريفية وعند غير المسلمين، وهذه كلها تعتبر من المخاطر المحتملة، وإن كانت نادرة الحدوث إلى وقتنا هذا.
وبما أن بعض القادمين للحج يأتون من مناطق ينتشر فيها فيروس الإيدز فإن عملية الحلق التي تتم عند الجمرات ينبغي أن يتم الإشراف عليها حتى لا يستخدم الموس لأكثر من شخص واحد.
معلومات هامة عن الإيدز:
في نهاية عام 1992 وإطلالة 1993 كانت تقديرات منظمة الصحة العالمية عن الإيدز كالتالي:
1-
عدد الذين يحملون الفيروس يقدرون بعشرة إلى اثني عشر مليوناً من البالغين ومليوناً من الأطفال. ويقدر أن نصف البالغين وثلاثة أرباع الأطفال من إفريقية الاستوائية.
2-
عدد الحالات الجديدة التي تصاب بفيروس الإيدز سنوياً (حاملة للمرض) تقدر بنصف مليون حالة، 300000 للذكور و200000 للإناث.
3-
عدد الوفيات المتوقعة بسبب مرض الإيدز منذ ظهوره عام 1981 حتى نهاية عام 1992 هي 1.7 مليون.
4-
عدد حالات الإصابة بفيروس الإيدز في العالم العربي حتى نهاية عام 1992 يقدرون بـ 75000.
5-
العدد الفعلي المسجل لحالات الإيدز في العام نصف مليون بينما تقدره منظمة الصحة العالمية بمليونين.
6-
العدد الفعلي المسجل للوفيات من الإيدز في العالم حتى عام 1992 هو ربع مليون فقط.
7-
العدد الفعلي المسجل لحالات الإيدز في البلاد العربية والمبلغ عنها إلى منظمة الصحة العالمية حتى نهاية عام 1992 هو 1296 شخصاً فقط.
ولا شك، كما تقول منظمة الصحة العالمية، أن هناك فرقاً كبيراً بين تقديرات منظمة الصحة العالمية وما هو مسجل بالفعل. وتعتقد المنظمة أنه لا يتم التبليغ في كثير من بلاد العالم عن حالات الإيدز.
8-
ليس كل من دخل فيروس الإيدز إلى جسمه سيصاب حتماً بمرض الإيدز.
9-
حامل فيروس الإيدز قد يكون صحيح الجسم ولا يشكو من أي مرض، ومع هذا ينقل الفيروس إلى غيره.
10-
مدة الحضانة في فيروس الإيدز قد تصل إلى عشر سنوات، أي أن الشخص قد يحمل فيروس الإيدز لمدة عشر سنوات قبل أن يظهر عليه المرض.
11-
مرض الإيدز حتى الآن لا علاج له يقضي عليه، ولكن هناك عقاقير كثيرة تخفف من المرض وتداوي الأمراض الناتجة عن الميكروبات الانتهازية والأورام الناتجة عن نقص المناعة.
ولذا فإن بعض مرضى الإيدز يعيشون لفترات طويلة، وقد شاهدت أحد مرضى الإيدز الذين لا يزالون على قيد الحياة رغم ظهور الإيدز لديه منذ عشر سنوات، ولكن من المعلوم أن معدل الحياة بعد ظهور الأعراض هو ما بين عامين إلى ثلاثة فقط.
بعض المشاكل الناتجة عن الإيدز:
مريض الإيدز حقوقه وواجباته نحو المجتمع وهل يتم عزله؟
إن الشخص المصاب بالإيدز يسبب الهلع للمجتمع نتيجة لما اعتور هذا المرض من حملات تخويف مرعبة، ولذا فإن المصاب بالإيدز، في كثير من الأحيان، ينبذ ويعامل بقسوة. والمشكلة تختلف من بلد لآخر، وهي أشد ما تكون في إفريقية الاستوائية حيث نسبة الإصابة بفيروس الإيدز عالية.
ولا بد من إفراد مستشفيات أو أجزاء من مستشفيات لمداواة مرضى الإيدز، واتخاذ الاحتياطات اللازمة، وخاصة عند أخذ التحاليل الطبية، وإزالة إفرازات المريض، وكذلك عند غسل الميت المصاب بالإيدز للتوقي من إفرازاته التي تحمل فيروس الإيدز والتي يمكن أن تدخل إلى جسم الإنسان عبر شقوق صغيرة غير مرئية في جلده.
وبما أن مريض الإيدز قد تطول به حياة لعدة سنوات، فإنه من المتعذر إبقاؤه طوال هذه المدة في المستشفى. ولذا ينبغي أن يعود إلى بيته في الحالات والأوقات التي لا تستدعي حالته دخول المستشفى. وأن يقدم لأهله وذويه المعلومات الكافية في كيفية رعايته دون أن يتعرضوا للعدوى.
وبما أن العدوى لا تحدث (في الغالب الأعم) إلا عن طريق الممارسة الجنسية (الجماع) أو الدم، فإن تجنب الوقاع والدم أمر متيسر. وغالباً ما يكون المريض بالإيدز في حالة صحية لا تسمح له بطلب الوقاع.
ينبغي أن يعامل المجتمع مريض الإيدز بما يجب نحوه من الشفقة والرحمة، وخاصة أن كثيراً ممن أصيبوا بهذا المرض الخبيث في بلادنا كان ناتجاً عن نقل الدم في الأساس، وهو بالتالي ضحية من الضحايا دون ذنب اقترفه. وقد يكون اتصل بزوجته قبل أن يعلم بإصابته ونقل إليها المرض، وكذا الأطفال، وهؤلاء كلهم أبرياء.
ثم على فرض أن الشخص قد ألم بخطيئة، ثم تاب، فإن في المرض كفارة له، وواجب المجتمع معاملته بالشفقة والرحمة، والله يتولانا جميعاً برحمته، والراحمون يرحمهم الرحمن.
وواجب من أصيب بفيروس الإيدز عند معرفته ذلك أن يستسلم أولاً لقضاء الله وقدره، ويبادر بالتوبة، ويستعد لما لا بد له منه وهو ملاقاة ربه. ولا يفعل مثلما يفعل الكفرة الذين يبادرون إلى الانتحار والعياذ بالله، فينهي بذلك حياته أسوأ نهاية، وينتقل من عذاب الدنيا إلى عذاب الآخرة.
ثم إن واجبه بعد ذلك أن يعرف كيفية انتقال المرض إلى الآخرين، وأن يحرص كل الحرص على عدم إصابتهم، وعلى النصح لهم، وأن لا يغش إخوانه المسلمين.
ومن فضل الله أن طرق العدوى محصورة أساساً في الاتصال الجنسي (الوقاع) والدم. وعليه أن يمتنع عن الوقاع مع زوجته. وفي الغالب سيكون المريض عازفاً عن ذلك بسبب مرضه وحالته النفسية، ولزوجته الحق في الامتناع عن ذلك إذا طلبها حتى مع استخدام الرفال (الكبوت الواقي) ، فإنه وإن كان يقي إلى حد كبير إلا أنه غير مضمون، وبالتالي لا تزال الخطورة من العدوى موجودة حتى مع استعماله. أما إذا كانت الزوجة قد أصيبت بالفيروس بسبب اتصالها بزوجها قبل أن يعلم بمرضه، فإنه في هذه الحال تستطيع معاشرته جنسياً إذا رغب في ذلك.
وفي كثير من الدول تقوم الحكومة ممثلة بهيئاتها الطبية بتوفير رعاية صحية دورية للمصاب بالإيدز في منزله، أو في مستوصفات خاصة أعدت لذلك، حتى يتم خفض كلفة المستشفيات العالية، ولا يدخل المريض المستشفى إلا عند الحاجة أو الضرورة.
كما أن كثيراً من المجتمعات تقدم خدمات اجتماعية لمرضى الإيدز بواسطة جمعيات ترعى شؤونهم، وخاصة أن مريض الإيدز قد يفقد أهله أو زوجته أو أن يترك الزوج زوجته المصابة بالإيدز ويتزوج غيرها، وقد لا تجد رعاية من أهلها خوفاً من المرض.
ونشر الوعي ووسائل انتقال الإيدز كفيلة بتخفيف هذه المشاكل والمعاناة.
حامل فيروس الإيدز.. حقوقه وواجباته:
يجب على حامل المرض أن يعرف زوجته (والعكس كذلك) بأنه حامل لهذا الفيروس، وبالتالي يتم إجراء فحص لها، فإذا كانت لم تصب بعد بالفيروس، فينبغي إعادة الفحص بعد شهرين أو ثلاثة لاحتمال كونها في الفترة الأولى من الحضانة التي يكون التحليل فيها سلبياً، فإذا ما تكرر وتأكد أنها لا تحمل الفيروس فإن عليها أن تتخذ كافة الإجراءات الوقائية لعدم حصول العدوى من زوجها منذ اللحظة التي تعلم فيها بأنه حامل للفيروس.
يمكن للرجل أن يعاشر زوجته دون حدوث وقاع؛ إذ إن العدوى متعلقة أساساً بالوقاع. كما يمكن استخدام الرفال (الكبوت. الواقي. الكوندم) . ولكن ينبغي معرفة أن الرفال قد ينخرم أو يسقط أثناء الجماع، وبالتالي قد تحدث العدوى.
هل يجوز للمرأة فسخ النكاح عندما تتبين أن زوجها يحمل فيروس هذا المرض؟ أو أنه بالفعل مصاب بهذا المرض؟
لا بد أولاً من إجراء فحوصات لها؛ لأنها قد تكون بالفعل قد أصيبت بالفيروس قبل أن يعرف زوجها بالحقيقة، وبالتالي لا لوم عليه ولا تتريب؛ حيث إنه لم يتعمد إخفاء الحقيقة عنها؛ إذ إنه بمجرد معرفته أخبرها بذلك، فإذا كانت الزوجة أيضاً تحمل الفيروس فأي فائدة ترجى من فسخ النكاح؟ أما إذا كانت الزوجة سليمة فإنها يمكن أن تعاشر زوجها دون حدوث جماع فعلي إذا رغبا في ذلك. وليس من حق الزوج أن يجبرها على أن تواقعه؛ لأن في ذلك خطراً عليها حتى مع استعمال الرفال الواقي، فإذا رضي الزوج بذلك فلماذا تطلب فسخ عقد النكاح؟
وليس من حق الزوج، إذا كان مصاباً بفيروس الإيدز (حاملاً أو مريضاً) أن يجبر زوجته على الجماع؛ بل ينبغي أن يتجنب ذلك حتى مع استعمال الرفال الواقي.
هل يتم عزل المريض عن المجتمع؟
أجمعت الهيئات الطبية ومنظمات الصحة العالمية على عدم الحاجة لعزل المريض بالإيدز أو حامل فيروس الإيدز عن المجتمع؛ لأن العدوى لا تتم إلا بطريقين أساسيين هما الاتصال الجنسي (الجماع) والدم.. وكلاهما لا يمنع الاتصال العادي بمريض الإيدز أو حامله. ويمكن لحامل المرض بل والمصاب بالإيدز إذا سمحت صحته بذلك، أن يمارس عمله العادي؛ لأنه غير معدٍ لغيره من الأشخاص بطريق التنفس أو المصافحة، ومع هذا ينبغي الحذر من استخدام أدوات المريض –أو حامل الإيدز- الشخصية مثل فرشاة الأسنان أو موس الحلاقة. وينبغي الحذر الشديد عند فحص دمه أو إفرازاته. كما ينبغي أن يتجنب حامل الفيروس الرياضة العنيفة؛ لاحتمال إصابته وخروج دم منه، فإذا جاء المسعفون له تعرضوا بسبب دمه للعدوى. ويمنع حامل الفيروس أيضاً من التبرع بالدم أو أي من أعضائه حياً أو ميتاً.
ويجب على المريض بالإيدز أو حامل الفيروس أن يخبر الطبيب وطبيب الأسنان والمختبر بالحقيقة إذا كانوا لا يعلمونها عند إجراء فحوص له؛ ليأخذوا حذرهم، وإن كان المفترض في الهيئة الطبية أن يأخذوا حذرهم في جميع الأحوال وعند فحص كل مريض.
هل يتم إبلاغ جهة العمل؟
بالنسبة لحامل الفيروس الصحيح الجسم لا يبدو هناك أي داع لإبلاغ جهة العمل، وخاصة أن جهات العمل عادة ما تقوم بفصل حامل الفيروس وطرده من عمله.. وللأسف فإن هذا الإجراء شائع جداً في كثير من بلاد العالم بما فيها منطقة الخليج. أما في حالة المرض فإن المصاب بالإيدز سيتكرر تغيبه ثم سيطول غيابه بعد ذلك، وبالتالي ستقوم جهة العمل بفصله، وهو أمر منطقي سواء عرفت جهة العمل بمرضه الحقيقي أم لا!! ولهذا فلا أرى أي مبرر لمعرفة جهة العمل بمرضه الحقيقي، وخاصة أن مرضه غير معد لغيره من الناس سوى بالاتصال الجنسي والدم كما أسلفنا، وكلاهما مستبعد جداً جداً في مجال العمل.
من المسؤول عن رعاية وإعاشة مريض الإيدز؟
لا شك أن الدولة مسؤولة عن توفير الرعاية الصحية لمواطنيها، وبالتالي تقوم الدولة برعاية مريض الإيدز. ولا يعني ذلك إبقاء المصاب بالإيدز فترات طويلة في المستشفى؛ إذ لا توجد الحاجة الحقيقية للمستشفى إلا في أوقات اشتداد المرض، وما عدا ذك يمكن أن يبقى المريض في بيته مع أهله مع توجيههم لكيفية رعايته وتوقي العدوى.. ولا بد من مرور ممرض كفء (أو ممرضة) بانتظام عليه.. وكذلك لا بد من زيارة الطبيب له من حين لآخر، أو يقوم المريض بصفة دورية بزيارة طبيبه المعالج، سواء كان ذلك في مستشفى أو في مستوصف أو عيادة.
وهناك تأمين صحي في كثير من البلدان، وذلك يخفف العبء إلى حد كبير على الدولة؛ حيث يشترك الشخص في أثناء صحته في هذا التأمين حيث يضمن العلاج والتداوي عند مرضه، أما إعاشة المريض بالإيدز فينبغي أن تتم حسب الإجراءات المتبعة في سائر الأمراض؛ حيث يصرف المعاش للمتقاعد والمريض. وإذا لم يكن ذلك كافياً تدخلت الدولة في شغل الضمان الاجتماعي للإنفاق عليه. أما إذا كان المصاب بالإيدز مقتدراً وله دخل أو ثروة فلا حاجة آنذاك للدولة أو الضمان الاجتماعي أو غيره.
وللأسرة دور هام في رعاية مريض الإيدز.. وإذا تم توضيح الحقائق للأسرة فإن الأسرة لن تتخلى عن فرد منها بسبب مرضه وحين حاجته لرعايتها.. ولا خوف على الأسرة من عدوى المرض إذا اتخذت الاحتياطات، وهي يسيرة معروفة وسهلة التطبيق.
هل على المصاب بالإيدز عقوبة إذا تسبب في إصابة شخص آخر؟
إذا قام حامل الفيروس أو مريض الإيدز بنقل المرض إلى غيره عامداً، سواء كان بالاتصال الجنسي (ولو كان بين الزوجين) أو بواسطة إبرة ملوثة بالدم، فلا شك أن هذا الشخص ينبغي أن يعاقب.
وفي الوقت الحاضر تتم محاكمة مسؤولين كبار في وزارة الصحة الفرنسية لأنهم أهملوا إجراءات فحص الدم (بعد ظهور فحص إليزا) ، وسمحوا بإعطاء دماء ملوثة بفيروس الإيدز إلى مجموعة كبيرة من الأطفال في فرنسا مصابين بمرض الهيموفيليا (الناعور) ، وأدى ذلك إلى إصابة المئات من هؤلاء الأطفال بمرض الإيدز. وقد حكمت المحكمة على المسؤولين بالسجن، وتم تعويض أهالي المصابين بآلاف الملايين من الدولارات.
وقد حكمت المحاكم أيضاً في الولايات المتحدة لكل طفل مصاب بالإيدز نتيجة نقل الدم الملوث أو محتويات الدم بمليون دولار؛ رغم أن هذه الحالات قد أصيبت قبل ظهور فحص الدم الخاص بمعرفة فيروس الإيدز (فحص إليزا) الذي لم يعرف ويعمم إلا في عام 1986م.
والموقف في دول الخليج والسعودية مشابه لذلك، فهناك مئات الأشخاص الذين أصيبوا بمرض الإيدز نتيجة نقل دم ملوث تم استيراده من نيويورك ولندن، وعليه فينبغي المطالبة بالتعويض من هذه الجهات التي باعت هذا الدم الملوث.. وللأسف رغم أنني قد طالبت بذلك مراراً وكتبته في الصحف إلا أن أحداً لم يلتفت بعد لهذا الأمر.
وهناك إجراء آخر هام، وهو أن تقوم الدولة بمراجعة الملفات في المستشفيات الحكومية والخاصة لمعرفة الأشخاص الذين تلقوا دماء مستوردة من الخارج حتى عام 1986م. وتقوم بالتالي بفحص دمائهم ومعرفة من منهم يحمل فيروس الإيدز حتى يتم أخذ الاحتياطات اللازمة.. وإذا ثبت أن الشخص يحمل فيروس الإيدز فينبغي آنذاك فحص زوجته (أو زوجه) وأطفاله؛ إذ ربما نقل لهم فيروس هذا المرض.
وبهذه الطريقة يمكن معرفة حالات الحاملين للفيروس.. وكان المفروض أن يتم ذلك الأمر منذ اكتشاف وسيلة فحص الدم وتعميمها في أكتوبر 1986م في المملكة ودول الخليج.
وللأسف الشديد فإن الدول العربية وكثير من الدول الأخرى اتخذت سياسة الإنكار (وليس لدينا حالات إيدز) .. ثم و (الحالات التي لدينا قليلة جداً) ، وما يتم إبلاغه لمنظمة الصحة العالمية هو جزء يسير من واقع الحال. وعملية الإنكار والكذب والمغالطة لا تفيد، بل على العكس تجعل المشكلة تتفاقم، وهو نفس الموقف الذي كنا نقفه قبل عشر سنوات من مشكلة المخدرات، حيث كان الاتجاه هو نفي وجود المشكلة من أساسها، حتى فاحت الرائحة الكريهة واستعلنت وعمت الأرجاء، وآنذاك فقط بدأت الحملة ضد المخدرات والاعتراف بوجود المشكلة، والبحث عن حلول لها.
ما حكم إجهاض المرأة المصابة بالمرض إذا حملت؟ وحقوق هذا الجنين؟
يقول الخبراء في منظمة الصحة العالمية وغيرهم من خبراء الإيدز في العالم: إن احتمال إصابة الجنين بفيروس الإيدز من أمه المصابة بهذا الفيروس هو 25 – 30 %. وبالتالي فإن ما لا يقل عن 70 % ممن ولدوا لأمهات يحملن فيروس الإيدز لن يصابوا به.. وهناك احتمال ضئيل بإصابة المولود أثناء عملية الولادة واحتمال ضئيل آخر بإصابته أثناء الرضاع أو الرعاية والالتصاق الشديد بالطفل.
لهذا كله يبدو أن إجراء الإجهاض من أجل هذا السبب يصعب تبريره طبياً. وأما إذا جاوز الحمل مئة وعشرين يوماً فإن إسقاطه يعتبر جريمة قتل إذا ما تم التأكد من حياة الجنين، والشريعة الغراء تحرم قتل مثل هذا الجنين.
والخلاصة: أن إسقاط مثل هذا الجنين في الأشهر الأولى من الحمل ليس له ما يبرره طبياً إذا كانت الحامل لا تعاني من أمراض أخرى ستزداد بالحمل. وأما إذا كان المرض متقدماً وسيزداد شراسة بالحمل فإن إجهاضه قبل نفخ الروح أمر قد أباحه كثير من الفقهاء الأجلاء والمجامع الفقهية.
ولا يجوز الإجهاض بعد نفخ الروح إلا إذا كان استمرار الحمل سيؤدي إلى قتل المرأة الحامل، وآنذاك تقدم حياتها على حياته. وهو ما قررته الفتاوى المجمعية والفردية لكثير من أجلة الفقهاء في العصر الحديث.. وهذا الأمر مستبعد كل البعد في حالة الإصابة بالإيدز.
وما هو أكثر احتمالاً هو إصابة الجنين بالتشوهات عند تعاطي العقاقير لمعالجة الأمراض الانتهازية الشديدة أو ورم كابوسي التي تصيب مرضى الإيدز.. وإذا حدث مثل ذلك وتأكد فإنه يجوز إسقاط الجنين متى ما كان ذلك قبل نفخ الروح كما قرره المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة (15 –22 رجب 1410 هـ / 10 – 17 فبراير 1990م) بمكة المكرمة.
وللأسف فإن الأطباء حتى الآن لا يستطيعون أن يقرروا هل الجنين مصاب بفيروس الإيدز أم لا، وخاصة في الأشهر الأولى من الحمل، ويمكنهم معرفة ذلك في أواخر الحمل بأخذ دم الجنين وتحليله، ولكن الجنين يكون قد جاوز 120 يوماً بيقين، فلا فائدة من إجراء مثل ذلك الفحص؛ لأن الإجهاض بعد نفخ الروح يحرم قولاً واحداً عند الفقهاء (ما عدا حالة تعرض الحامل لخطر الموت بسبب استمرار الحمل) .
لهذا كله أرى المحافظة على هذا الجنين، وأن تجتنب أمه رضاعه إذا ثبت بالتحليل أنه لا يحمل فيروس الإيدز.. والألبان المجففة متوفرة بكثرة، وكثير من الأمهات يلقمن أولادهن القارورة بدلاً من الثدي حتى في الحالات العادية، فما بالك في هذه الحالة.
وعلى المجتمع أن يرعى هذا الطفل بتوفير احتياجاته إذا كانت الأسرة فقيرة، أو إذا ماتت الأم بسبب المرض.. وهو أمر عام غير خاص بالإيدز، بل يتجاوزه إلى كل أسرة فقيرة وإلى كل طفل يتيم.
هل يمنع الطفل المصاب بفيروس الإيدز من الالتحاق بالمدرسة؟
لقد قرر المختصون بالإيدز في منظمة الصحة العالمية وغيرهم أن الطفل الحامل لفيروس الإيدز والذي يتمتع بصحة جيدة ينبغي أن لا يمنع من الدراسة والالتحاق بالمدرسة. ومع هذا فينبغي الاعتراف بأن هناك خطراً محتملاً بعيداً، وهو أن يصاب مثل هذا الطفل أثناء اللعب مع أقرانه وزملائه، فإذا حاول زملاؤه إسعافه فإن دمه الملوث قد يقع على أيديهم وأجسامهم.. وذلك قد يسبب العدوى إذا كانت هناك شقوق أو سحجات ولو غير مرئية لدى الشخص المنقذ. لذا ينبغي الاحتراز حول هذه النقطة، وينبغي أن تعرف إدارة المدرسة أن هذا الطفل مصاب بفيروس الإيدز وبالتالي قد يكون مصدر خطر عند إصابته فيمنع من الرياضات العنيفة، وينبه الطلبة على عدم معاركته ومشاكسته بطريقة لا تثير الرعب.
كذلك ينبغي التنبيه بالنسبة للأطفال الذين يضعون الأقلام في أفواههم، ويستعيرون الأقلام من بعضهم، ذلك أن اللعاب فيه فيروسات الإيدز ولو بكمية ضئيلة، وبالتالي يمكن أن يكون مصدر خطر، وإن كان بعيد الاحتمال، ولم يتأكد حتى الآن حدوث المرض وانتقاله بهذه الوسيلة.
وقد أوردت هذه النقاط في اجتماع في لاهاي ضم نخبة من المختصين بشؤون الإيدز، وقد رد على هذه النقاط الرئيس السابق لمنظمة الصحة العالمية الدكتور مان (الذي يعمل حالياً في جامعة هارفارد الشهيرة) بأن هذه الأخطار بعيدة الاحتمال، وأنه لم يسجل حتى الآن أي حالة من حالات الإيدز أو العدوى به نتيجة اختلاط الطلبة بحامل فيروس الإيدز أو مريض الإيدز.
على أية حال إذا أمكن أن يتم تدريس هذا الطفل في بيئة شبه منعزلة فذلك أدعى للاطمئنان، وإذا لم يمكن ذلك فيسمح له بالدراسة مع وجوب معرفة إدارة المدرسة والمدرسين والهيئة الطبية فيها لحقيقة وضعه حتى تتخذ الإجراءات الاحتياطية المناسبة لمنع أي عدوى محتملة.
ما هي الإجراءات التي ينبغي أن تتخذ للوقاية من الإيدز عند قدوم أشخاص من مناطق موبوءة للحج أو السياحة أو العمل؟
تتخذ الحكومات في كثير من بلدان العالم ومنها المملكة العربية السعودية ودول الخليج احتياطات جيدة لمنع دخول الأشخاص الذين يحملون فيروس الإيدز. ولذا تشترط هذه الدول لمن يريد الإقامة للعمل أن يثبت خلوه من فيروس الإيدز، ولا تعطى له تأشيرة إلا بوجود فحص من بلده يؤكد ذلك، ثم يعاد الفحص مرة أخرى بعد قدومه لاستصدار أمر الإقامة.
لم يتم حتى الآن اتخاذ إجراء بالنسبة للحجاج أو المعتمرين.. ولا يبدو أن هناك حاجة ماسة لمثل ذلك الإجراء، وخاصة أن فترة بقاء الحجاج والمعتمرين قصيرة، ولكن لا بد من اتخاذ احتياطات وقائية عند إسعاف هؤلاء الحجاج أو إدخالهم إلى المستشفيات واعتبار أن الاحتمال بإصابتهم بفيروس الإيدز وارد. ولذا لا بد من فحص تلك الحالات الخاصة.
وتعتبر السياحة من أهم المصادر لانتقال فيروس الإيدز، فبعض البلاد العربية مثل مصر والمغرب وتونس وبعض البلاد الإسلامية مثل تركيا تعتبر بلاداً سياحية، وتعتمد إلى حد كبير في مدخولاتها من العملات الصعبة عليها، ولهذا فهي تشجع السياحة، وتوفر للسياح ما يبتغون!! وبالتالي ينقلون لهم الإيدز. وقد حدثت حوادث متعددة من نقل متعمد من يهود بجنسيات أمريكية وإسرائيلية للإيدز في مصر.. وعندما اكتشف أمرهم لم تقم الدولة بأمر سوى تسفيرهم.
ولا شك أن السياح مصدر هام جداً لنشر الإيدز في البلاد الإسلامية، بل هو أخطر هذه المصادر على الإطلاق اليوم، ويذهب شباب من دول الخليج إلى شرق آسيا وغيرها من البلاد السياحية، وبالتالي يأتون بأمراض خطيرة، أهمها الإيدز والمخدرات.
إن خطر السياحة في نقل الأمراض الجنسية والإيدز والمخدرات خطر عظيم، وإن ما تكسبه الدولة من دخل بسبب السياحة ستفقده، وأكثر منه نتيجة الأمراض المرعبة الناتجة من السياحة، ومن قدوم أشخاص مجرمين يتعمدون نشر الإيدز، وخاصة في مصر، مع علمهم وتأكدهم بأنهم لن يعاقبوا إذا ما تم اكتشاف أمرهم؛ إذ أقصى ما يمكن أن يفعل بشأنهم هو طردهم من البلد!! مع أن الواجب يقتضي محاكمتهم وإنزال أقسى العقوبات بهم.. ولكن من يستطيع ذلك؟!!.
وسائل الوقاية عند حلق الحجاج في منى:
بما أن الإيدز يمكن أن ينتقل بواسطة الدم، وبما أن الحلاقة يمكن أن تسبب خدشاً بسيطاً يكفي لخروج عشر مليلتر من الدم، فإن تلك الكمية تعتبر كافية لنقل فيروس الإيدز إذا استخدم الموس مرة أخرى لشخص آخر.
ولهذا فإن الوقاية تتركز في عدم استخدام الموس لأكثر من شخص.. ولا بد من استخدام موس جديد لكل حاج، وهو أمر ميسر، ويمكن التأكد منه بوضع مجموعة من المراقبين عند الحلاقين عند الجمرات وغيرها في منى، وعليهم أن يراقبوا ذلك بدقة ويمنعوا أي حلاق من استخدام الموس لأكثر من حاج. وهو أمر يسير ولا حرج في تنفيذه.
الدكتور محمد علي البار