المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلاميةوتصورات لكيفية مواجهتهاإعدادأ. د. إسماعيل حسن محمد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثامن

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادالدكتور: وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌موضوع: " الأخذ بالرخص الشرعية وحكمه

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌الرخصة (التلفيق)إعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌التلفيق والأخذ بالرخصة وحكمهماإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادمحمد رفيع العثماني

- ‌حكمالرخصة وتتبع الرخصفي الفقه الإسلامي

- ‌الأخذ بالرخصةإعدادأ. د. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادأ. د. عبد العزيز عزت الخياط

- ‌الرخصةإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهتتبع الرخص – التلفيق ورأي الفقهاء فيهإعدادفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالشيخ الطيب سلامة

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌بيع العربُونإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بيع العربُونإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌بيع العربونإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌بيع المزايدةإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار

- ‌عقد المزايدةبين الشريعة الإسلامية والقانوندراسة مقابلةمع التركيز على بعض القضايا المعاصرةإعدادعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌قواعد ومسائلفيحوادث السيرإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌ موضوع "حوادث السير

- ‌حوادث السيرإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌حوادث السيرإعدادالشيخ عبد القادر محمد العماري

- ‌حوادث السيرإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالأستاذ الدكتور / علي السالوس

- ‌الائتمان المولد على شكل بطاقةمع صيغة مقترحة لبطاقة ائتمانية خالية من المحظورات الشرعيةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌بطاقات الائتمانإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌سر المهنة الطبية بين الكتمان والعلانيةإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌مسؤولية الطبيبإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌مداواة الرجل للمرأةوالمرأة للرجلإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابينإعدادأ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

- ‌بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعيةالناتجة عن مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)إعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌التداوي بالمحرماتإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌بحوث مجمعية

- ‌حُسن وفاء الديونوعلاقته بالربط بتغير المستوى العام للأسعارإعدادالدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعارفي ضوء الأدلة الشرعيةإعدادد. حمزة بن حسين الفعر

- ‌الربط القياسي للأجور بالمستوى العام للأسعارتحليل من منظور إسلامي لمشكلة الأجورفي ظل التضخم والعلاج المقترحإعدادد. عبد الرحمن يسري أحمد

- ‌التضخم والربط القياسيدراسة مقارنة بين الاقتصاد الوضعيوالاقتصاد الإسلاميإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعاربين الفقه والاقتصادإعدادد. محمد أنس الزرقا

- ‌ندوة قضايا العملةالربط القياسي للديون بعملة اعتباريةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌ملاحظات أساسيةفي مسألة ربط الأجور والمستحقاتإعدادالدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادمجموعة دلة البركة

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادبيت التمويل الكويتي

- ‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلاميةوتصورات لكيفية مواجهتهاإعدادأ. د. إسماعيل حسن محمد

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةعقد السلم ودوره في المصرف الإسلاميإعدادالشيخ صالح الحصين

- ‌مشكلات البنوك الإسلامية في الوقت الحاضرإعدادد. محمد نجاة الله صديقي

- ‌في مشكلات المصارف الإسلاميةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمةالمتعاملة بالرباتجربة مجموعة دلة في أسلمة الشركاتعن طريق شراء أسهمهاإعدادالشيخ صالح عبد الله كامل

- ‌المشاركة في شركات تتعامل بالحرامإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

الفصل: ‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلاميةوتصورات لكيفية مواجهتهاإعدادأ. د. إسماعيل حسن محمد

‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلامية

وتصورات لكيفية مواجهتها

إعداد

أ. د. إسماعيل حسن محمد

رئيس مجلس إدارة بنك الإسكندرية (مصر)

بسم الله الرحمن الرحيم

الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلامية

وتصورات لكيفية مواجهتها

مقدمة:

ونحن نتحدث اليوم في عام 1993 عن البنوك الإسلامية فإنه يجدر بنا القول: إن الأمر يختلف عما لو كنا نتحدث عن هذه البنوك منذ 20 عاماً مثلاً عندما كان الجدل يثور حول جدوى إقامة هذه البنوك وعلى أي أسس تقام. أما الآن وقد أصبحت البنوك الإسلامية حقيقة واقعة وانتشرت في العديد من الدول الإسلامية والعربية، بل وفي دول غير إسلامية في أوربا وغيرها، فإن الجدل الدائر حول كيفية استمرار هذه البنوك بنجاح، وما يواجه هذه البنوك من صعاب، وكيفية التغلب عليها بما يضمن تواصل المسيرة على النحو المبتغى.

ويصعب الحديث عن الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلامية وكيفية مواجهتها دون أن نعي جيداً ما هو المقصود بالضبط بالبنوك الإسلامية، وما هو الاختلاف بين هذه البنوك والبنوك التقليدية. وربما يبادر الكثيرون بالقول بأن هذه أمور أصبحت واضحة تماماً في أذهان القائمين على البنوك الإسلامية، ولا مبرر لإضاعة الوقت في الحديث عنها، ولا يتصور إقامة المؤتمرات أو حتى تخصيص جلسات في المؤتمرات المقامة لمناقشة مثل هذه الأمور التي يتصور البعض أنها أصبحت معروفة جيداً.

ولكني، ومع كل التقدير والاحترام لمثل هذه الآراء، أؤكد على أننا جميعاً في حاجة إلى ترسيخ المفاهيم المتعلقة بدور البنوك الإسلامية ووظائفها واختلافها عن البنوك التقليدية، وتذكير أنفسنا دائماً بذلك حتى لا تنفلت منا الأمور وتضيع هذه المفاهيم وسط زحمة وتدابير العمل التنفيذي اليومي في البنوك الإسلامية. ولا أبالغ إذا قلت: إن مقياس النجاح الفعلي للبنوك الإسلامية هو مدى التزامها بالمفاهيم ومنهجية العمل أولاً وقبل كل شيء، وليس مجرد قياس النجاح بحجم النشاط، وعدد الوحدات، ونسبة الربح التي تعود على المتعاملين مع البنوك الإسلامية والمساهمين فيها، وإلا فما كنا بحاجة إلى إقامة البنوك الإسلامية، وكان يكفينا ما لدينا من بنوك تقليدية.

ص: 1696

البنوك الإسلامية بنوك تنمية:

لا تكتسب البنوك الإسلامية أهميتها من شرعية الصلة بينها وبين مبادئ الإسلام وأصوله، عندما تلتزم بذلك تماماً، فحسب، وإنما أيضاً بدرجة كبيرة من كونها تمثل أفضل النماذج للمؤسسات المالية التي تستطيع أن تحقق تنمية حقيقية شاملة في المجتمعات التي تزاول نشاطها فيها، فهي قادرة على أن تقدم أشكالاً وصيغاً للتمويل متنوعة ومتعددة تتناسب مع مختلف الظروف والمواقف، وتسهم بدرجة كبيرة في تقليل بل ومعالجة التضخم؛ لارتباط هذه الأشكال والصيغ التمويلية تماماً بالجانب السلعي. فصيغة المشاركة أو المضاربة التي تطرحها البنوك الإسلامية وتلتزم بها تؤكد وتجسد العدل الذي يغري بالتعامل معها والإقبال عليها، ويحقق مصلحة الجميع، بالإضافة إلى أنه يسرع في تحقيق التنمية.

وإذا نحن درسنا وحللنا جيداً نظرة الإسلام إلى المال ورؤيته لمسؤولية الإنسان في عمارة الكون، فإن ذلك يؤكد لنا أن المشروع الاقتصادي الإسلامي هو أساساً مشروع تنموي قائم بالضرورة وبأمر الشارع في قلب العملية الإنتاجية، وأن أي تجاوز للحدود التي رسمها الشارع الإسلامي يمثل انتهاكاً صريحاً لوظيفة المال الأصلية المقررة في الإسلام ولمسؤولية الناس في عمارة الكون؛ ومن هنا فإن وصف البنوك الإسلامية بأنها بنوك لا تتعامل بالفائدة يعبر عن قصور بالغ في فهم دور المال في الإسلام، وقصور بالغ في فهم معنى الالتزام بعمارة الكون.

السمات المميزة للبنوك الإسلامية:

إذا تناولنا بالتحليل البنوك الإسلامية من حيث طبيعة نشاطها، وممارساتها، والسمات المميزة لها والتي تنعكس في تعدد الوظائف وهياكل مواردها واستخداماتها، نجد أن البنوك الإسلامية تجمع بين أكثر من نوعية من البنوك ومن ثم يمكننا القول باطمئنان: إنها بنوك ذات طابع خاص تعمل جنباً إلى جنب مع البنوك التقليدية في المجتمعات التي تزاول أنشطتها فيها ضمن أسرة الجهاز المصرفي محلياً ودولياً وتلتزم بالتشريعات المصرفية السائدة المطبقة على غيرها، وإن كانت بعض الدول قد قطعت شوطاً أبعد في هذا المجال فأصدرت تشريعات خاصة بالبنوك الإسلامية تتفق مع طبيعتها ومنهج عملها.

ص: 1697

وتنفرد البنوك الإسلامية ببعض السمات والملامح الأساسية؛ لما لها من أثر مباشر على الممارسات الفعلية، سواء من ناحية التوظيف ونوعياته أو من ناحية الموارد ونوعياتها أو التزامات البنك قبل المتعاملين معه، ويمكن إيجاز هذه السمات فيما يلي:

1-

البنوك الإسلامية بنوك متعددة الوظائف؛ حيث تؤدي دور البنوك التجارية، وبنوك الأعمال، وبنوك الاستثمار، وبنوك التنمية؛ ومن هنا فعملها لا يقتصر على الأجل القصير كالبنوك التجارية، ولا على الأجل المتوسط والطويل كالبنوك غير التجارية؛ بل يشمل الآجال القصيرة والمتوسطة والطويلة، الأمر الذي ينعكس على هيكل استخداماتها ومواردها.

2-

البنوك الإسلامية لا تتعامل بالفائدة أخذاً أو عطاء سواء كانت هذه الفائدة ظاهرة أو مختفية، مباشرة أو غير مباشرة، محددة مقدماً أو مؤخراً، ثابتة أو معومة.

3-

البنوك الإسلامية لا تقدم قروضاً نقدية بل تقدم تمويلاً عينياً، بمعنى أنها بصدد توظيفها للأموال لا توجهها في صورتها النقدية، وبمعنى آخر فهي بنوك لا تتاجر في الائتمان.

4-

البنوك الإسلامية ترتبط مع عملائها سواء كانوا أصحاب حسابات استثمار وادخار أو مستخدمين لهذه الموارد بعلاقة مشاركة ومتاجرة قائمة على مبدأ تحمل المخاطرة والمشاركة في النتائج ربحاً كانت أو خسارة وليس علاقة دائنية ومديونية كالوضع بالنسبة للبنوك التقليدية.

وهذه السمات والمبادئ التي تحكم عمل البنوك الإسلامية لها أثرها المباشر على علاقة البنك الإسلامي، والتزاماته، وأسلوبه في استقطاب المدخرات، وتوظيفه للأموال المتاحة.

ص: 1698

الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلامية:

تجدر الإشارة بادئ ذي بدء إلى أننا نستعرض الصعوبات التي تواجهها البنوك الإسلامية التي تعمل في البلاد التي يقوم فيها بنك إسلامي أو أكثر إلى جوار البنوك التقليدية الأخرى، وليست تلك التي تقوم في بلاد حولت أو هي في سبيل تحويل النظام المصرفي فيها بأكمله (وعلى قمته البنك المركزي) إلى النظام الإسلامي.

والصعوبات التي تواجهها البنوك الإسلامية عديدة، والحديث عنها طويل، إلا أننا سنقتصر هنا على الإشارة إلى أهم هذه الصعوبات دون إسهاب أو إطالة.

الصعوبة الأولى – نقص الكوادر البشرية اللازمة للعمل في البنوك الإسلامية:

وتكاد تمثل هذه الصعوبة المشكلة الأم لحركة البنوك الإسلامية، فالبنوك الإسلامية تمثل نظاماً مصرفياً جديداً له طبيعة خاصة، ومن ثم فإنه يتطلب مواصفات خاصة، كذلك في المهارات والسمات والقدرات التي يلزم أن تتوفر في العاملين في هذا المجال. والنظم التعليمية الحالية بمستوياتها المختلفة لا تقوم بتفريخ النوعية اللازمة للعمل في البنوك الإسلامية، وفي نفس الوقت لم تتمكن البنوك الإسلامية خلال السنوات الأولى من مباشرتها للنشاط من سد هذه الثغرة بإنشاء معهد خاص بها أو مراكز للتدريب تتوفر على إعدادها بالعناصر البشرية المؤهلة تأهيلاً كافياً للعمل فيها وفق طبيعتها لتغطية احتياجاتها، أخذاً في الاعتبار ما انتهت إليه تجربة المعهد الدولي للبنوك الإسلامية بقبرص التركية من توقف المعهد بعد سنوات محدودة من بداية نشاطه. ذلك كله بالإضافة إلى أن حداثة نشأة هذه البنوك حالت حتى الآن دون تمكنها من تنشئة جيل يستطيع أن ينقل بأسلوب المزاملة المهنية الخبرات والمهارات التخصصية اللازمة للعمل في البنوك الإسلامية لجيل يليه. ويكاد يتفرع من صعوبة عدم توفر الكوادر البشرية اللازمة للعمل في البنوك الإسلامية معظم الصعوبات الأخرى.

الصعوبة الثانية – الإعلام المحدود عن البنوك الإسلامية:

تمثل البنوك الإسلامية فكرة جديدة، والناس عادة أعداء لما يجهلون –كما يقول ابن خلدون- ومن ثم فإن الحاجة ملحة إلى توضيح هذه الفكرة وشرحها للناس وإفهامهم إياها، والبنوك الإسلامية في مناطق عملها ينشغل كل بنك منها بقضاياه، ولا يوجه الاهتمام أو الاعتمادات المناسبة للإعلام عن أنشطة وممارسات البنوك الإسلامية بصفة عامة والبنك ذاته بصفة خاصة. وفي هذا الصدد، فإننا نأمل أن يحقق المركز الإعلامي للبنوك الإسلامية التي اتفقت البنوك الإسلامية على إقامته مؤخراً أهدافه.

ص: 1699

الصعوبة الثالثة- موقف البنوك المركزية من البنوك الإسلامية:

لقد ظلت البنوك المركزية في معظم الدول إلى وقت قريب جداً غير مستعدة للاعتراف بإمكان قيام نظام مصرفي بعيداً عن الفائدة، وما زالت قوانين البنوك والائتمان التي تقوم البنوك المركزية بالإشراف على تطبيقها لا تدخل الطبيعة الخاصة للبنوك الإسلامية في اعتبارها، وفي غالبية البلاد التي نشأت فيها بنوك إسلامية اقتضى الأمر أن يتضمن قانون أو مرسوم إنشاء البنك الإسلامي وجود نص خاص يستثنى البنك الإسلامي من قوانين الرقابة على البنوك أو بعض أحكامها لعدم تلاؤمها مع طبيعة أنشطة البنك الإسلامي، ومن المتوقع أن تسفر الجهود التي بذلها ويبذلها الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية مع محافظي البنوك المركزية بالبلاد الإسلامية عن تذليل هذه الصعوبة، ويبشر بذلك ما انتهت إليه اللقاءات المشتركة للجنة خبراء البنوك الإسلامية والبنوك المركزية بصدد الرقابة والإشراف على البنوك الإسلامية من تفهم واضح لطبيعة أعمال البنوك الإسلامية والسعي نحو استنباط طرق ووسائل الرقابة عليها بما يتفق مع منهجية عملها.

الصعوبة الرابعة- وجود فائض سيولة لدى البنوك الإسلامية:

ونقصد بهذا أن تكون الموارد المتاحة لدى البنوك الإسلامية أكبر من إمكانيات توظيفها في المجتمعات التي تزاول نشاطها فيها وفقاً لصيغ التمويل الخاصة بها من مشاركات ومضاربات ومرابحات

إلخ، وترتد هذه الصعوبة أو المشكلة في حقيقتها إلى عدد من الأمور تمثل كل منها صعوبة ومشكلة:

أ- طبيعة مصادر الأموال حيث تتمثل غالبيتها في موارد قصيرة الأجل، الأمر الذي يتعين على البنوك توظيفها في أوجه محددة الآجال مما يتولد عنه وجود فائض في السيولة.

ب- الحماس العاطفي الذي يقود الناس إلى الإقبال على البنوك الإسلامية –لأنها لا تتعامل بالفائدة -، لا يقابله لدى البنك الإسلامي النشاط المكافئ لدراسة وطرح مشروعات لامتصاص الحجم المتدفق من الودائع.

جـ- المناخ العام في بعض الدول التي تعمل فيها البنوك الإسلامية يمثل بدرجة أو بأخرى اتجاهاً انكماشياً قد يمنع أو يعطل الموافقات المطلوبة للتوظيف.

د- عدم توفر القاعدة العريضة من البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي بما يسهل توظيف فائض السيولة محلياً لدى بنك أو مؤسسة إسلامية شقيقة، بدلاً من التجاء البنك الإسلامي مضطراً إلى تصدير هذا الفائض إلى العالم الخارجي مع ما يحيط ذلك التصرف من شبهات.

هـ – يترتب بطيعة الحال على فائض السيولة مشكلة تأثر العائد الذي يقوم البنك الإسلامي بتوزيعه، ذلك أن ما يتم توزيعه هو ناتج الأموال الموظفة فعلاً.

ص: 1700

الصعوبة الخامسة- تقهقر نسبة العائد الذي يوزعه البنك الإسلامي كلما توسع في التوظيف طويل الأجل:

ذلك أن مدة تفريخ الاستثمار تتصف بطبيعتها بانعدام العائد،، ويبدأ تولد العائد تدريجياً، ومعنى هذا أن تتأثر نسبة العائد الموزع على المستثمرين خلال فترة التفريخ. هذا الأمر يجعل البنك الإسلامي في موقف غير تنافسي مع البنوك التقليدية التي تمنح المودعين فائدة دائنة محددة النسبة مقدماً.

الصعوبة السادسة- القدرات الهائلة للأجهزة المالية العالمية على الإعلام المضاد لفكرة وحركة البنوك الإسلامية:

فلا جدال في أن هناك مؤسسات عالمية تتحسب للمستقبل البعيد –في ضوء النتائج التي حققتها البنوك الإسلامية في الأمد القريب- باعتبار أن حركة البنوك الإسلامية بمعدلات تزايدها الحالي يمكن أن تؤثر على المؤسسات المالية العالمية التي لديها مليارات الدولارات ودائع من البلاد الإسلامية. وإزاء ما اكتسبته هذه الكيانات العالمية من قدرة على التأثير وصياغة وتوجيه الرأي العام بإمكاناتها المادية الهائلة وخبرات واتصالات القائمين عليها فقد استطاعت أن تحدث تياراً فكرياً في حده الأدنى غير متعاطف مع مسيرة البنوك الإسلامية.

الصعوبة السابعة- ضعف التنسيق بين مجموعة البنوك الإسلامية الأمر الذي يؤثر عليها تأثيراً حيوياً في كافة المجالات:

بالرغم من الاجتماعات التي تعقد للبنوك الإسلامية تحت مظلة البنك الإسلامي للتنمية، أو من خلال الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية الذي يضم مجموعة بنوك فيصل في الدول المختلفة وعدداً لا بأس به من البنوك الإسلامية الأخرى، أو من خلال البنوك التي تضمها مجموعة دلة البركة، إلا أني أرى أن التنسيق بين البنوك الإسلامية غير كاف، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الجهد نحو توحيد الصف. والأهم من ذلك هو إيجاد تعاون فعال وتبادل للمعاملات بينها، بل والعمل بقدر الإمكان على تركيز التعامل مع البنوك الإسلامية في الدول التي توجد فيها هذه البنوك.

وهذه الصعوبات أو المشكلات مهما تنوعت وتعددت، فإنه من المقدور عليه تماماً معالجتها وتطويقها إذا توفر القصد وخلصت النوايا، وأن طريق المعالجة والتطويق يقوم على ثلاثة محاور، هي:

1-

توضيح وتعميق الفكرة من حيث مهمتها ووظيفتها الاقتصادية والتنويه لتحقيق مقاصد الشريعة، وتوعية جماهير المتعاملين.

2-

الاهتمام بانتقاء العاملين وإعداد الكوادر التي تقوم بالعمل والتنفيذ.

3-

توسيع دوائر الحوار مع مختلف الأجهزة الرقابية والمسؤولة والتطوير المستمر بما يتواءم مع ما يستجد من متغيرات ومستحدثات العصر.

ص: 1701

مواجهة الصعوبات هو الطريق إلى الانطلاق- نظرة مستقبلية:

إن الوضع الذي صارت إليه البنوك الإسلامية سواء من حيث عددها وانتشارها في أقطار شتى، ونمو حجم أعمالها؛ حتى إن عدداً منها فاق مجموع ميزانيته ثلاثة بلايين دولار أمريكي هو أمر يتصف بالنجاح بلا شك، خاصة وأنه تم خلال فترة قصيرة نسبياً، حيث لم تصل إلى حقبتين من الزمان، ولم يكن أكثر الناس تفاؤلاً يمكنه أن يتصور الوصول إلى ما وصلت إليه البنوك الإسلامية.

ومع ذلك، يجب أن نسارع إلى القول بأن جانباً هاماً من هذا النجاح يعود بالدرجة الأولى إلى الرغبة الجارفة لدى قطاع عريض من المتعاملين إلى إيداع أموالهم لدى البنوك مع تجنب الفوائد، ومن ناحية أخرى فإن مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، أي تحمل المخاطر، من المتوقع أن يقابله أرباح بمعدلات أعلى من الفوائد على الإيداعات الثابتة لدى البنوك التقليدية حيث تكاد تنعدم المخاطرة، وهذا أمر يغري عدداً كبيراً من المدخرين.

ويتوقف استمرار البنوك الإسلامية ونجاحها، أو –لا قدر الله- تراجعها على مدى قدرتها على مواجهة ما يقابلها من صعوبات، بل واتخاذ الإجراءات التي تحول دون وقوعها في الصعوبات والمشاكل. وفي هذا الصدد فإننا نطرح النقاط التالية:

1-

الفهم الواضح لدور البنوك الإسلامية كبنوك تنمية لدى القائمين على هذه البنوك، وعدم الاكتفاء بالعمليات قصيرة الأجل لتحقيق أرباح عاجلة؛ وذلك حتى يشعر المتعاملون مع البنوك الإسلامية بدورها في خدمة التنمية، ومن ثم يقبلون على التعامل معها ويتقبلون في ذات الوقت ما قد ينتج عن إيداعاتهم من أرباح بمعدلات أقل من الفوائد من منطلق إسهامهم بأموالهم في التنمية.

2-

فهم طبيعة عمل البنوك الإسلامية من حيث كونها تعمل في أعلى درجات المخاطر؛ ذلك أنها تواجه نوعين من المخاطر هما:

- مخاطر النشاط الذي تموله.

- مخاطر استرجاع الأموال المستثمرة من المتعاملين معها.

ص: 1702

ومن شأن فهم هذه الطبيعة وضع النظم الملائمة واستخدام أدوات التحليل المناسبة عند القيام بعمليات التوظيف، ومن ثم تتحول المخاطر إلى مخاطر محسوبة جيداً وبالتالي تقل آثارها غير المواتية.

3-

عدم التركيز على عمليات المرابحة في التمويل قصير الأجل، وتحقيق أرباح تكون في معظم الحالات قريبة من أسعار الفائدة والاتجاه نحو عمليات المشاركة والمضاربة والمتاجرة، حيث يظهر بوضوح مبدأ تحمل البنوك الإسلامية المخاطر مع المتعاملين، وتظهر الفروق الواضحة بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية في أسس التمويل.

4-

العمل نحو إيجاد نظم لحماية البنوك الإسلامية من الهزات في موقف السيولة لديها، ويمكن أن يتأتى ذلك عن طريق تكوين مجموعات من البنوك الإسلامية تشترك في صناديق لهذا الغرض، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى إقليمي.

5-

إيجاد فرص مناسبة لتوظيف فوائض السيولة لدى البنوك الإسلامية، خاصة بالنسبة للعملات القابلة للتحويل، وعدم الاكتفاء بتوظيف هذه الفوائض في الأسواق العالمية بنظام الاستثمار السلعي الذي يثير حوله كثيراً من التساؤلات، حيث يكاد يكون العائد على هذه الاستثمارات السلعية هو ذاته معدل الفائدة في الأسواق المالية، وذلك في الوقت الذي تتزايد فيه حاجة كثير من البلدان الإسلامية إلى رؤوس أموال لإحداث عملية التنمية الاقتصادية، وفي هذا الصدد فلعله آن الأوان لتكاتف البنوك الإسلامية معاً وإقامة شركة تجارة عالمية تقوم بعمليات الاتجار السلعي مباشرة، دون توسيط البنوك والمؤسسات المالية العالمية فيما يسمى عمليات الاستثمار السلعي، وهو ما تقوم به البنوك الإسلامية حالياً، وحتى نطمئن إلى أن عمليات الاتجار في السلع عمليات حقيقية، وبحيث يعود الربح من عمليات الاتجار إلى البنوك، وأهم من ذلك أن توجه العمليات التجارية لصالح المجتمعات الإسلامية وبما يحقق لها التقدم.

ص: 1703

6-

من خلال العوامل السابقة ينبثق عامل هام هو توفير الكوادر الفنية المناسبة للبنوك الإسلامية على مختلف المستويات، ثم تهيئة هذه الكوادر واستمرار إعدادها حتى تمارس عملها عن فهم واضح، وتستخدم في ممارساتها أدوات التحليل الكفأة. ويستطيع المرء أن يقول باطمئنان: إن هناك حاجة كبيرة إلى هذا العامل الذي يعتبر في حقيقة الأمر حجر الزاوية في نجاح البنوك الإسلامية، ويمكن القول أيضاً باطمئنان: إن البنوك الإسلامية في حاجة إلى أكفأ العناصر المصرفية حتى تواجه الدرجات الأعلى من المخاطر التي تعمل فيها.

7-

إقامة علاقات طيبة مع الأجهزة الرقابية وتفهم دور هذه الأجهزة ومسؤولياتها. ولا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا: إن البنوك الإسلامية في حاجة إلى رقابة الأجهزة الرقابية بدرجة أكبر من غيرها، حيث يتأثر المتعاملون معها مباشرة بأداء البنك؛ إذ لا يوجد عائد محدد كما هو الحال في البنوك التقليدية، ومن ثم يكون من شأن رقابة الأجهزة الإشرافية الاطمئنان إلى حسن الأداء، وكلما أمكن فهم طبيعة عمل البنوك الإسلامية من جانب الأجهزة الإشرافية أمكن التوصل إلى الصيغ الملائمة والمناسبة للرقابة على البنوك الإسلامية، وفقاً لنظمها ومنهجية عملها، ولا شك أن من شأن ذلك أن يدفع عجلة العمل في هذه البنوك وأن يزيل ما يصادفها من عقبات بالتعاون مع الأجهزة الرقابية.

8-

تنمية سوق مالي إسلامي متكامل بمرتكزاته الثلاثة: المؤسسات، والأدوات، والسياسات؛ سواء ذات الأجل القصير أو المتوسط أو الطويل، بحيث تعمل من خلاله البنوك الإسلامية مع باقي مكونات السوق. وتنعكس تنمية سوق المال الإسلامي على نشاط البنوك وعلى زيادة كفاءتها، حيث تتسع قاعدة المتعاملين معها المتبعين لذات منهجيتها.

والله سبحانه وتعالى من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل

أ. د. إسماعيل حسن محمد

ص: 1704