المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عقد المزايدةبين الشريعة الإسلامية والقانوندراسة مقابلةمع التركيز على بعض القضايا المعاصرةإعدادعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثامن

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادالدكتور: وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌موضوع: " الأخذ بالرخص الشرعية وحكمه

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌الرخصة (التلفيق)إعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌التلفيق والأخذ بالرخصة وحكمهماإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الأخذ بالرخص الشرعية وحكمهإعدادمحمد رفيع العثماني

- ‌حكمالرخصة وتتبع الرخصفي الفقه الإسلامي

- ‌الأخذ بالرخصةإعدادأ. د. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادأ. د. عبد العزيز عزت الخياط

- ‌الرخصةإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهتتبع الرخص – التلفيق ورأي الفقهاء فيهإعدادفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالشيخ الطيب سلامة

- ‌الأخذ بالرخصة وحكمهإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌الأخذ بالرخص وحكمهإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌بيع العربُونإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌بيع العربُونإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌بيع العربونإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌بيع المزايدةإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار

- ‌عقد المزايدةبين الشريعة الإسلامية والقانوندراسة مقابلةمع التركيز على بعض القضايا المعاصرةإعدادعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌قواعد ومسائلفيحوادث السيرإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌ موضوع "حوادث السير

- ‌حوادث السيرإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌حوادث السيرإعدادالشيخ عبد القادر محمد العماري

- ‌حوادث السيرإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌التطبيقات الشرعيةلإقامة السوق الإسلاميةإعدادالأستاذ الدكتور / علي السالوس

- ‌الائتمان المولد على شكل بطاقةمع صيغة مقترحة لبطاقة ائتمانية خالية من المحظورات الشرعيةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌بطاقات الائتمانإعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌سر المهنة الطبية بين الكتمان والعلانيةإعدادالدكتور أحمد رجائي الجندي

- ‌مسؤولية الطبيبإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌مداواة الرجل للمرأةوالمرأة للرجلإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)الأحكام المتعلقة بالمرضى والمصابينإعدادأ. د. مصطفى عبد الرؤوف أبو لسان

- ‌بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعيةالناتجة عن مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)إعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌مرض الإيدز(نقص المناعة المكتسبة)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌التداوي بالمحرماتإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌بحوث مجمعية

- ‌حُسن وفاء الديونوعلاقته بالربط بتغير المستوى العام للأسعارإعدادالدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعارفي ضوء الأدلة الشرعيةإعدادد. حمزة بن حسين الفعر

- ‌الربط القياسي للأجور بالمستوى العام للأسعارتحليل من منظور إسلامي لمشكلة الأجورفي ظل التضخم والعلاج المقترحإعدادد. عبد الرحمن يسري أحمد

- ‌التضخم والربط القياسيدراسة مقارنة بين الاقتصاد الوضعيوالاقتصاد الإسلاميإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعاربين الفقه والاقتصادإعدادد. محمد أنس الزرقا

- ‌ندوة قضايا العملةالربط القياسي للديون بعملة اعتباريةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌ملاحظات أساسيةفي مسألة ربط الأجور والمستحقاتإعدادالدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادمجموعة دلة البركة

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةمحاورإعدادبيت التمويل الكويتي

- ‌الصعوبات التي تواجه البنوك الإسلاميةوتصورات لكيفية مواجهتهاإعدادأ. د. إسماعيل حسن محمد

- ‌مشاكل البنوك الإسلاميةعقد السلم ودوره في المصرف الإسلاميإعدادالشيخ صالح الحصين

- ‌مشكلات البنوك الإسلامية في الوقت الحاضرإعدادد. محمد نجاة الله صديقي

- ‌في مشكلات المصارف الإسلاميةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمةالمتعاملة بالرباتجربة مجموعة دلة في أسلمة الشركاتعن طريق شراء أسهمهاإعدادالشيخ صالح عبد الله كامل

- ‌المشاركة في شركات تتعامل بالحرامإعدادالشيخ عبد الله بن بيه

الفصل: ‌عقد المزايدةبين الشريعة الإسلامية والقانوندراسة مقابلةمع التركيز على بعض القضايا المعاصرةإعدادعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

‌عقد المزايدة

بين الشريعة الإسلامية والقانون

دراسة مقابلة

مع التركيز على بعض القضايا المعاصرة

إعداد

عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

مكة المكرمة – المملكة العربية السعودية

فهرس البحث

الباب الأول

الدراسة الشرعية الفقهية للمزايدة

ويشتمل على ثلاث فصول، ومباحث

الفصل الأول

التعريف والمشروعية

وفيه أربعة مباحث

المبحث الأول: تعريف (المزايدة) في اللغة والشرع.

المبحث الثاني: دليل مشروعية (المزايدة) .

المبحث الثالث: الأحاديث والآثار المعارضة.

المبحث الرابع: بيوع محرمة تلتبس بـ (بيع المزايدة) .

الفصل الثاني

فقه المذاهب الأربعة في (المزايدة)

تمهيد:

المبحث الأول: مذهب الحنفية.

المبحث الثاني: مذهب المالكية.

المبحث الثالث: مذهب الشافعية.

المبحث الرابع: مذهب الحنابلة.

الفصل الثالث

الجامع في أحكام المزايدة

المبحث الأول: أحكام المزايدة.

المبحث الثاني: الدلال: سلوك وتصرفات، وأحكام.

المبحث الثالث: أحكام الدلال وأجرته.

المبحث الرابع: ضمان الدلال.

ص: 567

الباب الثاني

المزايدة في العصر الحديث

الفصل الأول

الدراسة القانونية

ويشتمل على تمهيد، وأربعة مباحث

تمهيد:

المبحث الأول: تعريف المزايدة.

المبحث الثاني: الإجراءات المتبعة في عقد المزايدة.

المبحث الثالث: ركنا الإيجاب والقبول في المزايدة.

المبحث الرابع: دعوى الغبن في المزايدة.

الفصل الثاني

الدراسة التنظيمية

المبحث الأول: نموذج تطبيقي من النظام السعودي.

المبحث الثاني: أهم الشروط والمتطلبات في المزايدات في العصر الحديث.

المبحث الثالث: استعمالات اقتصادية حديثة لعقد المزايدة.

الفصل الثالث

الدراسة الفقهية المقابلة

المبحث الأول: الشكل.

المبحث الثاني: المضمون.

خاتمة البحث.

النتائج والخلاصة.

قائمة مصادر البحث.

ص: 568

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة البحث

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين

أما بعد.

فإن (المزايدة) من أساليب المعاملات المشروعة، في الفقه الإسلامي، وجرى بها التعامل في تجارات المسلمين وأسواقهم قرونا طويلة.

دَوَّنَ الفقهاء المسلمون رحمهم الله تعالى أحكامها، وبسطوا مسائلها في ضوء الكتاب والسنة، وقواعد الشريعة، وجاء العصر الحديث بتطوراته فشمل أنواع المعاملات، وأساليب التجارة، وكان للمزايدة من هذا التطور الحظ الأوفر؛ إذ أنها الأسلوب الشائع في المداولات التجارية المحلية، والعالمية.

لم يقتصر التغيير على الشكل والأسلوب بل تجاوزه إلى الأسس والمضمون.

أخذت الأمة الإسلامية بأساليب المزايدة ومضمونها في تنظيمها الحديث، وبدت بعض المسائل والمشاكل تطرح نفسها على الساحة الفقهية الإسلامية؛ من تلك الموضوعات على سبيل المثال لا الحصر:

1-

الإجراءات المتبعة في المزايدة في الوقت الحاضر، هل هي مقبولة شرعا؟.

2-

مدى صحة اشتراط الضمان البنكي من كل من يريد الدخول في المزايدة.

3-

هل من الصحيح شرعا إجراء عمليات الاستثمار مزايدة؟

4-

معرفة الصور الحديثة للنجش المنهي عنه في بيع المزايدة.

هذه الموضوعات ونظائرها مما لا عهد للفقه الإسلامي بها، جديرة بأن تكون موضع البحث والتأمل لمعرفة موقف الشرع الشريف تجاهها.

ليس من الفقه في شيء أن تدرس هذه الموضوعات، وأمثالها مستقلة عن إطارها الفقهي في صورته الكاملة، أو بمعزل عن أهدافها، ومقاصدها.

فمن ثم استوجب البحث عرضا كاملا لفقه المزايدة في الشريعة الإسلامية في الباب الأول: تعريفا، ومشروعية، واختيارًا لأهم القضايا، والمسائل، والأحكام التي يمكن الاسترشاد بها في مشاكل (المزايدة) في العصر الحاضر، في ثلاثة فصول، وخصص الباب الثاني للمزايدة في العصر الحديث في ثلاثة فصول رئيسة أيضا.

استقلت فصول الباب الثاني بالدراسة القانونية، تعريفا، والإجراءات المتبعة فيها، والأحكام المتعلقة بها، وأهم الشروط والمتطلبات، منتهية بعرض بعض الاستعمالات الاقتصادية، عرض الفصل الثاني منه نموذجا تطبيقيًّا من النظام السعودي.

انتهى هذا الباب في فصله الثالث بالدراسة الفقهية المقابلة بين الشريعة والقانون.

أخيرًا: أختتم البحث بتلخيص لأهم ما ورد في تلك الدراسة من نتائج وأحكام.

والله أسأل التوفيق، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، إنه سميع قريب مجيب الدعوات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 569

الباب الأول

الدراسة الشرعية الفقهية لعقد المزايدة

ويشتمل على ثلاثة فصول، ومباحث.

الفصل الأول

التعريف والمشروعية

ويشتمل على أربعة مباحث:

المبحث الأول: تعريف المزايدة في اللغة والشرع

(المزايدة) من الأساليب التي يتم بها إنجاز بعض عقود المعاملات، وهي من الأشكال الشائعة المعهودة التي تقع على عقد البيع، والإجارة.

اشتقاقها يدل على وصفيتها (مزايدة) ، ووزنها (مفاعلة) ، إذ فيها مشاركة بالزيادة من أطراف متعددين، والزيادة هنا برفع ثمن السلعة المعروضة في المزاد (الحراج) .

ورد التفسير للمزايدة ومشتقاتها لغويا كالآتي:

"زيد: الزاء، والياء، والدال؛ أصل يدل على الفضل، يقولون: زاد الشيء يزيد، فهو زائد......."(1) .

"وتزايد السعر، وتزيد، وتزايدوا في ثمن السلعة حتى بلغ منتهاه، وزايد أحد المتبايعين الآخر مزايدة (2) .

"زايده: نافسه في الزيادة، وفي ثمن السلعة: زاد فيه على آخر.... المزاد:

موضع الزيادة. و (بيع المزاد) : البيع الذي يتم بطريق الدعوة إلى شراء الشيء المعروض ليرسو على من يعرض أعلى ثمن. و (ثمن المزاد) : الثمن الذي رسا به المزاد" (3) .

فمن ثم جاءت تعريفات الفقهاء لـ (المزايدة) متطابقة مع المعنى اللغوي، ووصفا للواقع، والمشاهد، وفيما يلى عرض لبعض تعريفات مختارة منها:

ورد للمزايدة عدة تعريفات عند المالكية، وفي جميعها وصف لأسلوب البيع بها، وطريقته:

فمن هذه التعريفات تعريف العلامة أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي القرطبي:

"وأما المزايدة: فهي أن ينادي على السلعة، ويزيد الناس فيها بعضهم على بعض، حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها"(4) .

وعرف العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة (بيع المزايدة) بقوله: "بيع لم يتوقف ثمن مبيعه، المعلوم قدره على اعتبار ثمنه في بيع قبله، إن التزم مشتريه ثمنه على قبول الزيادة"(5) .

(1) ابن فارس، أبو الحسن أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، (مصر: دار الفكر) ، مادة (زيد) ، 3 / 40

(2)

الزمخشري، جار الله أبو القاسم محمود بن عمر، أساس البلاغة، الطبعة الأولى، تحقيق عبد الرحيم محمود (مصر: مطبعة أولاد أوقاند، عام 1372 هـ/ 1953م) ، مادة (زيد) ، ص 198.

(3)

أنيس، إبراهيم – وزملاؤه، المعجم الوسيط، (معلومات النشر: بدون) ، مادة (زيد) ، (1 / 409)

(4)

القوانين الفقهية، (ليبيا – تونس: الدار العربية للكتاب، عام 1982) ، ص 269)

(5)

حدود ابن عرفة مع شرحها، الطبعة الأولى، تحقيق محمد أبو الأجفان، والطاهر المعموري (بيروت: دار الغرب الإسلامي) ، عام 1993 م، (2 / 383)

ص: 570

وعرفها من المالكية أيضا محمد عرفة الدسوقي بالوصف قائلا: "المزايدة: أن تعطي السلعة للدلال ينادي عليها في السوق فيعطي زيد فيها عشرة، فيزيد عليه عمرو، وهكذا إلى أن تقف على حد فيأخذها به المشتري"(1) .

هذه التعريفات في جملتها وصف للجانب الشكلي لهيئة إنجاز المزايدة، وكيفيتها، وخص البيع فيها بالذكر والتمثيل في التعريفات والعناوين، لأنه الغالب والشائع، ولا يمنع ممارستها في غير البيع؛ ذلك أن المزايدة في حقيقتها لا تعدو أن تكون شكلا وهيئة تتناسب وتنسجم مع كل عقد تكون المماكسة فيه زيادة أو نقصانًا جائزة، ومشروعة، كالإيجارات، وعقود العمل، وأرباح الاستثمار في الشركات، وغير ذلك.

المبحث الثاني: دليل مشروعية المزايدة

تستمد (المزايدة) عمومًا، و (بيع المزايدة) خصوصًا مشروعيتها من أحاديث نبوية صحيحة مرفوعة، وآثار مروية عن الصحابة والتابعين وردت في دواوين السنة المطهرة بعناوين مختلفة:

في صحيح الإمام البخاري بعنوان (بيع المزايدة) وذكر تحته الآتي:

"وقال عطاء: أدركت الناس لا يرون بأسًا ببيع المغانم فيمن يزيد"، ثم أردف هذا الأثر بحديث رواه بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر (2) ، فاحتاج، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا" (3) .

ففي نداء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الرقيق بقوله: (من يشتريه مني) ليبلغ به قدرًا يقضي به حاجة صاحبه دليل على صحة بيع المزايدة؛ إذ أن في هذه الصورة يتحقق معنى المزايدة، وذلك أن يعطي به واحد ثمنًا، ثم يعطي به غيره زيادة عليه (4) .

(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع) ، 3/ 159

(2)

أي بعد وفاته، ويقال للرقيق يعتقه سيده بعد وفاته:(مدبر)

(3)

البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق محمود النواوي وزملاؤه (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، عام 1376 هـ) (3 / 61)

(4)

العيني، بدر الدين أبو محمد محمود، عمدة القاري في شرح البخاري، (بيروت: دار التراث العربي) مصورة عن الطباعة المنيرية، (11 / 261)، وانظر: ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، قسم أبوابه محمد فؤاد عبد الباقي، وصححه محب الدين الخطيب، (مصر: المطبعة السلفية، ومكتبتها) (4 / 355)

ص: 571

وعقد الإمام الترمذي بابا بعنوان (باب ما جاء في بيع من يزيد) وعرض تحته حديثًا يرويه عن حميد بن مسعدة، حدثنا عبيد الله بن شميط بن عجلان، حدثنا الأخضر بن عجلان، عن عبد الله الحنفي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقدحًا، وقال:((من يشتري هذا الحلس والقدح)) ؟ فقال رجل: أخذتهما بدرهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: ((من يزيد على درهم؟ من يزيد على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه)) .

قال الإمام الترمذي: "هذا الحديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الأخضر ابن عجلان، وعبد الله الحنفي الذي روى عن أنس هو أبو بكر الحنفي، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم؛ لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث، وقد روى هذا الحديث المعمر بن سليمان، وغير واحد من أهل الحديث عن الأخضر بن عجلان"(1) .

قال الإمام جمال الدين الزيلعي: "وإنما حسن حديثه (أبي بكر الحنفي) على عادته في قبول المشاهير...."(2) .

دلالة الحديث واضحة في "جواز الزيادة على الثمن إذا لم يرض البائع بما عين الطالب"(3) .

ويعلق العلامة أبو بكر ابن العربي على ما حكاه الإمام الترمذي عن بعض أهل العلم تخصيصهم جواز (بيع من يزيد) بأموال الغنائم والمواريث قائلا:

"لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث، فإن الباب واحد، والمعنى واحد، والمعنى مشترك"(4) .

وقد خرج العلماء هذا التخصيص على الغالب فيما يعتاد فيه البيع مزايدة في ذلك الوقت، حيث كان الجهاد الإسلامي على أشده، وكانت معظم الأموال من الغنائم والتركات، ولا يعني هذا منع بيع المزايدة فيما عداهما. بل يلتحق بهما غيرهما للاشتراك في الحكم، خصوصًا وأنه قد ثبت وقوع البيع في غيرهما مزايدة (5) .

(1) سنن الترمذي، بشرح تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، مراجعة وتصحيح عبد الرحمن بن عثمان، (مصر: مؤسسة قرطبة) ، (4 / 409)

(2)

نصب الراية لأحاديث الهداية، الطبعة الأولى، (مصر: مطبعة دار المأمون) عام (1357 / 1938 م) ، (4 / 23)

(3)

المباركفوري، محمد بن عبد الرحمن، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، مراجعة وتصحيح عبد الرحمن محمد عثمان، مصر: مؤسسة قرطبة) ، 4 / 409)

(4)

عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي، الطبعة الأولى، (مصر: المطبعة الأزهرية، عام 1350 / 1931 م)

(5)

انظر: ابن حجر، فتح الباري، (4 / 354) : المباركفوري، تحفة الأحوذي، (4 / 410 – 411)

ص: 572

وعرض الإمام أبو داود سليمان الأشعث السجستاني حديثا كاملا صريحًا في بيع المزايدة تحت عنوان: (باب ما تجوز فيه المسألة) "1641 – حدثنا عبد الله بن مسلمة، أخبرنا عيسى بن يونس، عن الأخضر بن عجلان، عن أبي بكر الحنفي، عن أنس بن مالك: أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء. قال: ائتني بهما. فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال:((من يشتري هذين)) ، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: ((من يزيد على درهم)) ؟ مرتين، أو ثلاثا. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما للأنصاري، وقال:((اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فأتني به)) ، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له:((اذهب فاحتطب، وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما)) . فذهب الرجل يحتطب، ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، أن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع)) (1) .

يذكر العلامة أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي في معرض الأحكام المستنبطة من هذا الحديث قوله فيما يتصل ببيع المزايدة ومقارنًا ببيع الرجل على بيع أخيه:

"وفي الحديث من الفقه جواز بيع المزايدة، وأنه ليس بمخالف لنهيه أن يبيع الرجل على بيع أخيه؛ لأن ذلك إنما هو بعد وقوع العقد، ووجوب الصفقة، وقبل التفرق من المجلس، وهذا إنما هو في حال المراودة والمساومة، وقبل تمام المبايعة"(2) .

(1) سنن أبي داود، ضبط وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، (بيروت: دار إحياء التراث العربي) ، (2 / 120) ؛ وقد ورد ذكر هذا الحديث بطوله وبنصه مع اختلاف بسيط في الألفاظ في سنن ابن ماجه، الطبعة الأولى، تحقيق محمد مصطفي الأعظمي:(الرياض: شركة الطباعة العربية السعودية عام 1403 هـ / 1983 م)

(2)

معالم السنن، الطبعة الأولى، (حلب: المطبعة العلمية، عام 1352 هـ / 1933 م) (2/ 69)

ص: 573

الآثار المروية في مشروعية بيع المزايدة:

"أخرج عبد الرزاق من طريق عمر بن عبد العزيز أن عاملا له باع سبيًا، فقال له: لولا أني كنت أزيد فأنفقه لكان كاسدًا، فقال له عمر: هذا نجش لا يحل، فبعث مناديًا ينادي: أن البيع مردود، وأن البيع لا يحل"(1) .

وهذا يدل على أن التعامل ببيع المزايدة شائع، وإن مشروعيته محل اتفاق في المجتمع الإسلامي في عصوره المبكرة، والذي أنكره الخليفة الراشد في هذا البيع هو النجش لا غير.

ومن الآثار ما جاء في الموطأ عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه قال: "ولا بأس بالسوم بالسلعة توقف للبيع فيسوم بها غير واحد. قال: ولو ترك الناس السوم عند أول من يسوم السلعة أخذت بشبه الباطل من الثمن، ودخل على الباعة في سلعهم المكروه والضرر، قال: ولم يزل الأمر عندنا على هذا"(2) .

يذكر الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر تعليقا على هذا الأثر قوله: " قال أبو عمر: أقوال الفقهاء كلهم في هذا الباب متقاربة المعنى، وكلهم قد أجمعوا على جواز البيع فيمن يزيد، وهو يفسر لك ذلك"(3) .

المبحث الثالث: الأحاديث والآثار المعارضة

وقد عورضت الأحاديث والآثار السابقة بالأحاديث التالية:

أولا: ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن أسلم قال: "سمعت رجلا سأل عبد الله بن عمر عن بيع المزايدة، فقال ابن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على بيع أخيه إلا الغنائم والمواريث"(4) . والحديث يدل ظاهره أن بيع المزايدة لا يجوز إلا في الغنائم والمواريث.... وقد أخذ بظاهره الأوزاعي، وإسحاق، فخصا الجواز ببيع المغانم والمواريث، وعن إبراهيم النخعي أنه كره بيع من يزيد" (5) .

(1) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، (4 / 355)

(2)

موطأ الإمام مالك بشرح تنوير الحوالك (مصر: عبد الحميد أحمد حنفي) ، (2 / 170)

(3)

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، الطبعة الأولى، تحقيق أحمد أعراب، (المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، عام 1407 هـ / 1987 م) ، (18 / 191)

(4)

الساعاتي، أحمد عبد الرحمن البنا، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد مع مختصر شرحه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، الطبعة الأولى، (مصر: طبع على نفقة المؤلف، عام 1370 هـ) (14 / 52)

(5)

الساعاتي، أحمد عبد الرحمن البنا، بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، 14 / 52 – 53

ص: 574

ثانيا: ما أخرجه البزار من حديث سفيان بن وهب: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة ".

وقد أجاب المحدثون عن الحديثين السابقين بما يلي:

1-

أن الاستثناء في حديث ابن عمر استثناء منقطع، إذ أن بيع الرجل على بيع أخيه نوع، والمزايدة نوع آخر؛ إذ الأول كما فسره الإمام مالك رحمه الله:" تفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يبع بعضكم على بعض)) . فيما نرى – والله أعلم – أنه إنما نهى عن أن يسوم الرجل على سوم أخيه إذا ركن البائع إلى السائم، وجعل يشترط وزن الذهب، ويتبرأ من العيوب، وما أشبه مما يعرف به البائع؛ أراد مبايعة السائم فذلك الذي نهى عنه. والله أعلم"(1) .

فالنهي في الحديث محله عند الموافقة من البائع، والركون إلى المشتري، فأما البيع والشراء فيمن يزيد فإن الثمن لم يرض به صاحب السلعة، ولم يركن إلى المساوم، وحينئذ يجوز لغيره طلب شرائها قطعا، ولا يقول أحد: إنه يحرم السوم بعد ذلك قطعًا (2) .

وبالنسبة للحديث الذي رواه البزار من حديث سفيان بن وهب، يقول العلامة ابن حجر في شرحه لأحاديث الباب الذي عقده الإمام البخاري لبيع المزايدة قائلا:" وكأن المصنف أشار بالترجمة إلى تضعيف ما أخرجه البزار من حديث سفيان بن وهب: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة، فإن في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف"(3) .

ولما لم يبلغ هذا الحديث في الصحة الدرجة التي وصلت إليها الأحاديث الدالة على جواز بيع المزايدة ومشروعيته فإنه لا يرقى إلى أن يكون معارضا لها؛ إذ من شروط التعارض المساواة في درجة الصحة، وهي منتفية في هذا الحديث.

(1) ابن عبد البر، التمهيد، (18 / 191)

(2)

انظر العيني، بدر الدين، عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري (11 / 260)

(3)

فتح الباري، (4 / 354)

ص: 575

المبحث الرابع: بيوع محرمة تلتبس بـ (بيع المزايدة)

لشدة المشابهة بين بيع المزايدة المشروع مع بعض أنواع من البيع ورد النهي عنها، ولصعوبة التفرقة بينها أحيانا – نتج عن هذا لبس لدى بعض العلماء فذهبوا إلى عدم مشروعية بيع المزايدة، أو كراهته كما سبق عرضه سابقا، فمن ثم استوجب البحث عرض هذه الأنواع بتفسيراتها، وتعليلاتها، والمقارنة بينها وبين (بيع المزايدة) المشروع ليتضح عنصر التحريم فيها، ويميز (ببيع المزايدة) منها.

أولا: بيع الرجل على بيع أخيه.

ثانيا: سوم الرجل على سوم أخيه.

ترجم الإمام البخاري في صحيحه بابًا بعنوان: "باب لا يبيع الرجل على بيع أخيه حتى يأذن، أو يترك " وأورد تحته حديثين بسنده:

الأول: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يبيع بعضكم على بيع أخيه)) (1) .

والآخر: " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها"(2) .

يقول العلامة ابن حجر: " أشار (في العنوان) بالتقييد إلى ما ورد في بعض طرقه"(3) .

وقد روى هذا الحديث أيضا مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: "لا يبع بعضكم على بيع بعض"، وعنه أيضا:"لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته إلا أن يأذن له ".

وفي التفسير (البيع على البيع) يقول العلامة أبو عبد الله محمد بن خلفة الوشتاني الأبي المالكي: "البيع على البيع حقيقة إنما هو إذا انعقد الأول، ولما تعذرت الحقيقة حمل على أقرب المجاز إليها، وهي المراكنة، وإذا كانت العلة ما يؤدي إليه من الضرر فلا فرق بين السوم على السوم، والبيع على البيع في الصور التي ذكر، وهو أن يعرض بائع سلعته على مشتر راكن للأول، وكثيرا ما يفعله أهل الأسواق اليوم، يراكن صاحب الحانوت المشتري فينشر جاره بحانوته سلعة نظيرها بحيث يراها المشتري"(4) .

ويوضح العلامة بدر الدين العيني صورة البيعين كالتالي:

"

لا يبيع على بيع أخيه: وهو أن يقول في زمن الخيار: افسخ بيعك وأنا أبيعك مثله بأقل منه".

ويحرم أيضا الشراء: بأن يقول للبائع افسخ، وأنا أشتري بأكثر منه.

(قوله: ولا يسوم على سوم أخيه) هو السوم على السوم، وهو أن ينفق صاحب السلعة والراغب فيها على البيع، ولم يعقداه، فيقول آخر لصاحبها: أنا أشتريها بأكثر، أو للراغب: أنا أبيعك خيرا منها بأرخص، وهذا حرام بعد استقرار الثمن (5) .

(1)(1 –2) صحيح البخاري بشرح فتح الباري (4 / 352 – 353) ، باب 58، حديث رقم 2139 - 2140

(2)

(1 –2) صحيح البخاري بشرح فتح الباري (4 / 352 – 353) ، باب 58، حديث رقم 2139 - 2140

(3)

فتح الباري، (4 / 353)

(4)

إكمال إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، (بيروت: دار الكتب العلمية) ، (4 / 178)

(5)

عمدة القاري، (11 / 257)

ص: 576

ويذكر العلامة أبو عمر بن عبد البر موقف مالك وأصحابه المتفق مع تفسيرات جمهور العلماء لهذه الأنواع من البيوع قائلا:

"قال أبو عمر: ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وغيره: لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا بيع الرجل على بيع أخيه، ولا يسم على سومه، عند مالك وأصحابه، معنى واحد وهو:

أن يستحسن المشتري السلعة ويهواها، ويركن إلى البائع ويميل إليه، ويتذاكران الثمن، ولم يبق إلا العقد والرضى الذي يتم به البيع، فإذا كان البائع والمشتري على مثل هذه الحالة لم يجز أحد أن يعترضه، فيعرض على أحدهما ما به يفسد به ما هما عليه من التبايع، فإن فعل أحد فقد أساء، وبئسما فعل.

فإن كان عالما بالنهي عن ذلك فهو عاص لله، ولا أقول من فعل هذا حرم بيع الثاني، ولا أعلم أحدا من أهل العلم قاله إلا رواية عن مالك بذلك قال: لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ومن فعل ذلك فسخ البيع ما لم يفت، وفسخ النكاح قبل الدخول

، وقال الثوري في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا يبع بعضكم على بيع بعض)) : أن يقول عندي ما هو خير منه.

وأما الشافعي فقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبع بعضكم على بعض)) معناه عنده: أن يبتاع الرجل السلعة فيقبضها، ولم يفترقا وهو مغتبط بها غير نادم عليها، فيأتيه قبل الافتراق من يعرض عليه مثل سلعته، أو خيرا منها بأقل من ذلك الثمن فيفسخ بيع صاحبه؛ لأنه له الخيار قبل التفرق فيكون هذا فسادا

، ولا خلاف عند الشافعي وأبي حنفية أن هذا العقد صحيح، وإن كره له ما فعل، وعليه جمهور العلماء.

ولا خلاف بينهم في كراهة بيع الرجل على بيع أخيه المسلم، وسومه على سوم أخيه المسلم، ولم أعلم أحدا منهم فسخ بيع من فعل ذلك إلا ما ذكرت عن بعض أصحاب مالك بن أنس، ورواه أيضا عن مالك، وأما غيره فلا يفسخ البيع عنده، لأنه أمر لم يتم أولا، وقد كان لصاحبه أن لا يتمه إن شاء .... (1) .

وهذه جميعها وإن اختلفت تصويرًا، ولكنها تندرج معنى تحت مسماها.

والحكم فيها جميعا عدم الجواز، ذلك لأن البيع الثاني أو السوم الثاني ورد بعد استقرار الثمن، واتفاق المتبايعين، ولم يتبق إلا أن يأخذ العقد شكله الأخير، أما بيع المزايدة فالمشتري الثاني يزيد في السعر، ولما يرتض صاحب السلعة الثمن علانية، أو يركن إليه، فمن ثم اكتسبت المنافسة بالزيادة في العطاء الجواز والصحة (2) .

(1) التمهيد: (14 / 317 – 318)

(2)

انظر: العيني، عمدة القاري، (11 / 257)

ص: 577

ومن الصور الحديثة الشائعة لبيع الرجل على بيع أخيه، ويمثل ظاهرة اجتماعية سيئة بين التجار: عندما يظفر البعض بوكالة بيع البضائع ذات الماركات الناجحة الرائجة في الأسواق المحلية أو العالمية، وتوزيعها، فيثير هذا منافسة غير شريفة من بعض التجار، تدفعه إلى مفاوضة مصدر تلك البضاعة، لإغرائه بسحب وكالة البيع والتوزيع عن التاجر الأول، في مقابل عمولة أقل، وتوزيع أعلى، وهو بهذا التصرف ينطبق عليه النهي في الحديث (لا يبيع الرجل على بيع أخيه) ، الأمر الذي يتنافى ومبادئ الشريعة الإسلامية وأخلاقياتها المستقيمة.

ثالثا: النجش: حالة طارئة، وظاهرة من مظاهر أسواق المزاد، حيث يعتمد هذا النوع من البيع على الناجش الذي يمارس أسلوبا لإثارة رغبات المزايدين للسلعة المعروضة في المزاد، متظاهرًا بالحرص على اقتنائها، وهو ليس راغبا فيها. فهو لا يفتأ يحمدها، ويزيد من ثمنها، ليستثير رغبات الآخرين، فيندفعوا في المزايدة، ومضاعفة السعر، ثم ينسحب الناجش في مرحلة من مراحل المزايدة فيرسو العطاء على أحد المزايدين المغرورين، هذا هو المعنى لغة من كلمة (النجش) ففي الزاهر: أصل النجش مدح الشيء، وإطراؤه..، وفي الجامع: أصله من الختل، يقال نجش الرجل: إذا اختل، ويقال: أصل النجش: الإثارة، وسمي الناجش ناجشًا؛ لأنه يثير الرغبة في السلعة، ويرفع ثمنها" (1) .

وقد ثبت تحريم هذا بالأحاديث الصحيحة:

روى البخاري بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه ((قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها)) (2) .

كما خصه الإمام البخاري بعنوان مستقل (باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع: وقال ابن أبي أوفي: ((الناجش آكل ربا خائن، وهو خداع باطل لا يحل

)) (3) .

وجرى شرعا تعريفه بأنه:

"الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، سمي بذلك لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة، ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الإثم، ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش، وقد يختص به البائع: كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك

".

(1) العيني، عمدة القاري، (11 / 259)

(2)

ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (4 / 353، 355)

(3)

ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، (4 / 353 – 355)

ص: 578

الآثار الشرعية المترتبة على النجش:

"قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله، واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك، ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع، وهو قول أهل الظاهر، ورواية عن مالك، وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطأة البائع، أو صنعه، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار، وهو وجه للشافعية قياسًا على المصراة، والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم، وهو قول الحنفية...."(1) .

والناجش: " في ظاهر قول الإمام المازري وغيره: هو الذي يزيد في سلعة ليقتدي به غيره، وهو خلاف قول مالك رضي الله عنه في الموطأ: والنجش أن تعطيه في سلعة اكثر من ثمنها وليس في نفسك اشتراؤها، ليقتدي بك غيرك.

قال ابن عرفة: قول المازري وغيره أعم من قول مالك رضي الله عنه، وقال ابن العربي: الذي عندي أنه إن بلغها الناجش قيمتها، ورفع الغبن عن صاحبها فهو مأجور، ولا خيار لمبتاعها". (2) .

(1) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، (4 / 355) .

(2)

الآبي الأزهري: صالح عبد السميع، جواهر الإكليل شرح مختصر العلامة الشيخ خليل، (مصر: دار إحياء الكتب العربية) ، (2 / 26)

ص: 579

الفصل الثاني

فقه المذاهب الأربعة في (المزايدة)

المبحث الأول: المذهب الحنفي.

المبحث الثاني: المذهب المالكي.

المبحث الثالث: المذهب الشافعي.

المبحث الرابع: المذهب الحنبلي.

الفصل الثاني

فقه المذاهب الأربعة في (المزايدة)

تمهيد:

استمد فقهاء المذاهب الأربعة مشروعية (المزايدة) وأحكامها في العقود المختلفة من الأحاديث والآثار الصحيحة المروية السابقة، متوخين في استنباط أحكامها مقاصد الشريعة وحكمتها، المبنية على مصالح العباد، سواء في حالات المشروعية والجواز، أو حالات المنع والحظر.

والإباحة تعتمد بشكل رئيسي على استمرار رغبة البائع في زيادة الثمن للحصول على ما هو أوفق له، وأرضى لنفسه، واحترام هذه الرغبة شرعا من إعلان رفضه الصريح، وعدم قبوله للثمن المعروض من أحد من المتزايدين، حتى يبلغ المزاد (الحراج) ما يحقق رغبته في الثمن، فيركن إليه، ويعلن رضاه به.

المبحث الأول: مذهب الحنفية

يذهب فقهاء الحنفية إلى جواز (المزايدة) ومشروعيتها في العقود. يقول العلامة أبو الحسن علي بن أبي بكر المرغياني: " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش، وعن السوم على سوم غيره، وعن تلقي الجلب، وعن بيع الحاضر للبادي، وكل ذلك يكره، ولا يفسد به البيع، ولا بأس ببيع من يزيد...."(1) .

يذكر العلامة كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام في تحليل هذه العبارة ما يأتي:

"وعن السوم على سوم غيره، قال عليه الصلاة والسلام:((لا يستام الرجل على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه)) ، ولأن في ذلك إيحاشا وإضرارا، وهذا إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ ثمن في المساومة، فأما إذا لم يركن أحدهما إلى الآخر فهو بيع من يزيد، ولا بأس به على ما نذكره

قال: ولا بأس ببيع من يزيد، وتفسيره ما ذكرنا، وقد صح (أن النبي صلى الله عليه وسلم باع قدحًا وحلسا ببيع من يزيد) ، ولأنه بيع الفقراء والحاجة ماسة إليه (2) .

(1) الهداية شرح بداية المبتدي، الطبعة الأخيرة، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي) ، (3 / 53 – 54)

(2)

فتح القدير على الهداية شرح البداية، الطبعة الأولى (مصر: شركة مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، عام 1389 هـ / 1970 م) ، (6 / 477 – 479)

ص: 580

ويعلق العلامة أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي على قول صاحب الهداية (ولا بأس ببيع من يزيد) قائلا:

"وهو صفة البيع الذي في أسواق مصر المسمى بالبيع في الدلالة"(1) .

ويتجه هذا الاتجاه أحكاما وتعليلا العلامة فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي في شرحه لمتن كنز الدقائق عند قوله: (وكره النجش، والسوم على سوم غيره) والاستدلال لكراهتها قائلا:

"...... وإنما يكره النجش فيما إذا كان الراغب في السلعة يطلبها بثمن مثلها، وأما إذا طلبها بدون ثمنها فلا بأس بأن يزيد إلى أن تبلغ قيمتها، وكذا السوم إنما يكره فيما إذا جنح قلب البائع إلى البيع بالثمن الذي سماه المشتري، أما إذا لم يجنح قلبه ولم يرضه فلا باس لغيره أن يشتريه بأزيد؛ لأن هذا بيع من يزيد، وقد قال أنس: إنه عليه السلام باع قدحًا وحلسا فيمن يزيد، رواه أحمد والترمذي، ولأنه بيع الفقراء، والحاجة ماسة إليه"(2) .

وقد أضاف الإمام محمود العيني إلى التعليل السابق قوله: " وتوارثها الناس في الأسواق"(3) .

ويذهب نفس المذهب جمهور فقهاء الحنفية، وتتفق الآراء احكاما وتعليلا، يقول الإمام علاء الدين الكاساني في المقارنة بين بيع المستلم على سوم أخيه، وبيع من يزيد قائلا في معرض حديثه عن البيوع المكروهة:

"ومنها بيع المستام على سوم أخيه، وهو أن يساوم الرجلان: فطلب البائع بسلعته ثمنًا ورضي المشتري بذلك الثمن، فجاء مشتر آخر، ودخل على سوم الأول فاشتراه بزيادة، أو بذلك الثمن، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يستام الرجل على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه

)) والنهي لمعنى في غير البيع، وهو الإيذاء، فكان نفس البيع مشروعا، فيجوز شراؤه، ولكنه يكره، وهذا إذا جنح البائع بالثمن الذي يطلبه المشتري الأول، فإن كان لم يجنح فلا بأس للثاني أن يشتريه؛ لأن هذا ليس استيامًا على سوم أخيه، فلا يدخل تحت النهي، ولانعدام معنى الإيذاء أيضا، بل هو بيع من يزيد، وإنه ليس بمكروه لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا له ببيع من يزيد، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيع بيعا مكروها" (4) .

(1) شرح العناية على الهداية، الطبعة الأولى مع شرح فتح القدير، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، عام 1389 هـ / 1970 م) ، (6 / 479)

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الطبعة الثانية بالأوفست، مصورة عن الطبعة الأولى، (بيروت: دار المعرفة) ، (4 / 67)

(3)

البناية في شرح الهداية، الطبعة الأولى، تصحيح المولوي محمد بن عمر الشهير بناصر الإسلام الرامفوري، (بيروت: دار الفكر، عام 1401 / 1981 م) ، (6 / 469)

(4)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الطبعة الثانية، (بيروت: دار الكتب العلمية، عام 1394 / 1974) ، (5 / 232)

ص: 581

المبحث الثاني: المذهب المالكي

قد أفسح المالكية مجالا واسعا لعقد المزايدة تعريفا، وأحكاما، ودراسة تفصيلية، ويقضي البحث بعرض نخبة من نصوصهم، واستخراج أحكامه من مدوناتهم المعتمدة.

وقد خصص له العلامة أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي فصلا مستقلا في كتابه المقدمات المهمدات ذاكرا فيه وصف هذا النوع من أساليب البيع، متضمنا لبعض الأمور التي تلابسه، وبيان أحكامها قائلا:

"وأما بيع المزايدة فيها أن يطلق الرجل سلعة في النداء، ويطلب الزيادة عليها فمن أعطى فيها شيئا لزمه، إلا أن يزاد عليه، فيبيع البائع من الذي عليه أولًا، يمضيها له حتى يطول الأمد، وتمضي أيام الصياح...."(1) .

وقد تعرض لحكمها في البيع، ودليل مشروعيتها وبعضا من أحكامها بقوله:((قال محمد بن رشد: البيع على المزايدة جائز، خارج عما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسوم الرجل على سوم أخيه، والأصل في جوازه ما روي أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الفاقة، ثم عاد فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد جئت من عند أهل بيت ما أرى أن أرجع إليهم حتى يموت بعضهم. قال: ((انطلق هل تجد من شيء)) )) ؟ فانطلق فجاء بحلس وقدح، فقال: يا رسول الله، هذا الحلس كانوا يفترشون بعضه، ويلتفون ببعضه، وهذا القدح كانوا يشربون فيه.

فقال: (( ((من يأخذها مني بدرهم؟)) فقال رجل: أنا، فقال: من يزيد على درهم؟ فقال رجل آخر: أنا آخذهما بدرهمين، فقال: هما لك، فدعا بالرجل، فقال: اشتر بدرهم طعاما لك ولأهلك، وبدرهم فأسا، ثم إيتني، ففعل، ثم جاء فقال: انطلق إلى الوادي فلا تدعن فيه شوكا، ولا حطبا، ولا تأتي إلا بعد عشر. ففعل، ثم أتاه فقال: بورك فيما أمرتني به. فقال: هذا خير لك من أن تأتي يوم القيامة في وجهك نكت من المسألة، أو خموش من المسألة (الشك من بعض الرواة) .

والحكم فيه أن كل من زاد في السلعة لزمته بما زاد فيها إن أراد صاحبها أن يمضيها له بما أعطى فيها، ما لم يسترد سلعته فيبيع بعدها أخرى، أو يمسكها حتى ينقضي مجلس المناداة، وهو مخير في أن يمضيها لمن شاء ممن أعطى فيها ثمنًا، وإن كان غيره قد زاد عليه)) .

وعلل هذا بقوله:

"لأن حق صاحب السلعة أن يقول للذي أراد أن يلزمها إياه إن أبى من التزامها، وقال له: بع سلعتك من الذي زاد علي فيها؛ لأنك إنما طلبت الزيادة، وقد وجدتها: أنا لا أحب معاملة الذي زاد في السلعة عليك، وليس طلبي الزيادة فيها وإن وجدتها إبراء مني لك فيها.

فمعنى قول ابن القاسم: أرى البيع لهما لازما، وأراهما شريكين فيها إذا أسلم البائع السلعة لهما، ولم يكن له اختيار في أن يلزمها أحدهما دون صاحبه.

وكذلك قال أصبغ: إنها للأول. معناه: إذا قال: قد أمضيتها لمن هو أحق بها.

وقول ابن القاسم هو القياس؛ لأن الأول لا يستوجب السلعة بما أعطى فيها إلا أن يمضيها له صاحبها، وكذلك الثاني فلا مزية فيها لأحدهما على الآخر.

وقول أصبغ استحسان، والوجه فيما ذكره من أنه طلب الزيادة، لا ما قد أعطي فيها، فالاختيار له لا يقبل الزيادة، فإذا قبل من الثاني ما أعطاه الأول كانا في وجه القياس سواء

" (2) .

(1) المقدمات الممهدات، الطبعة الأولى، تحقيق سعيد أحمد عرابي وعبد الله بن إبراهيم الأنصاري، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، عام 1408 / 1988) ، (2 / 138)

(2)

البيان والتحصيل، الطبعة الأولى، تحقيق أحمد الشرقاوي إقبال، ومحمد حجي، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، عام 1404 / 1984) ، (8 / 457)

ص: 582

يذكر العلامة أبو عبد الله محمد الحطاب مذهب جمهور فقهاء المالكية حكم إلزام المزايد بما زاد، والأحوال التي ينقض فيها ذلك الالتزام بقوله:

" فتحصل من كلام ابن رشد، والمازري، وابن عرفة في بيع المزايدة: أن كل من زاد في السلعة فلربها أن يلزمه إياها بما زاد، إلا أن يسترد البائع سلعته، ويبيع بعدها أخرى، أو يمسكها حتى ينقطع مجلس المناداة، إلا أن يكون العرف اللزوم بعد الافتراق، أو يشترط ذلك البائع فيلزم المشتري البيع بعد الافتراق في مسألة العرف بمقدار ما جرى به العرف، وفي مسألة الشرط في الأيام المشروطة، وبعدها بقرب ذلك على مذهب المرونة، فإن شرط المشتري أنه لا يلزم البيع إلا ما دام في المجلس فله شرطه، ولو كان العرف بخلافه

" (1) .

المبحث الثالث: مذهب الشافعية

ذهب الشافعية إلى ما ذهب إليه الحنفية والمالكية من مشروعية بيع المزايدة

وهو المدون في كتب المذهب المعتمدة. ويأتي التعرض له في المقارنة بينه وبين بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سوم أخيه لبيان أسباب النهي في هذين النوعين، ومخالفة بيع المزايدة لهما في سبب النهي. فمن سياق ما يستفاد من حديث النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه يقول الإمام الشافعي رحمه الله:"وهذا يدل على أنه إنما ينهى عن البيع على بيع الرجل إذا تبايع الرجلان، وقبل أن يتفرقا، فأما في غير ذلك الحال فلا"(2) .

وقد وفى الإمام الماوردي المقارنة حقها في وضوح تام إذ خصها بفصل مستقل في كتابه (الحاوي الكبير) فقال:

"فصل: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه، وصورة سوم الرجل على سوم أخيه أن ينزل الرجل في السلعة ثمنا فيأتي آخر فيزيد عليه في ذلك الثمن قبل أن يتواجبا البيع، فإن كان هذا في بيع المزايدة جاز؛ لأن بيع المزايدة موضوع لطلب الزيادة، وأن السوم لا يمنع الناس من الطلب، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا فيمن يزيد، وابتاع ثوبا مزايدة.

فأما إن لم يكن بيع مزايدة، وكان بيع المناجزة فلا يخلو حال بائع السلعة حين بذل له الطالب الأول ذلك الثمن من ثلاثة أحوال:

إما أن يقول: قد رضيت بهذا الثمن، أو يقول: لست أرضي به، أو يمسك. فإن قال: قد رضيت بهذا الثمن، حرم على غيره من الناس أن يسوم عليه، وإن لم ينعقد البيع بينهما؛ لما في ذلك من الفساد، وإيقاع العداوة والبغضاء، مع النهي الوارد عنه نصا.

وخالف بيع المزايدة؛ لأن المساوم فيه لا يتعين، ولذلك قال أصحابنا: لو أن رجلا وكل في بيع عبده في مكان، فباعه الوكيل في غير ذلك المكان؛ صح البيع، ولو وكل في بيعه من رجل فباعه من غير ذلك الرجل لم يصح البيع، لأنه قد يريد بيعه على ذلك الرجل مسامحته فيه، أو تلميكه إياه فلم يكن للوكيل تمليك غيره، وليس كذلك إذا أذن له في بيعه في مكان فباعه في غيره؛ لأنه لا غرض له فيه غير وفور ثمنه، فإذا حصل له غيره صح البيع.

كذلك في السوم إن كان في المزايدة لم يحرم؛ لأن الغرض وفور الثمن دون تعيين الملاك، وفي بيع المناجزة قد يكون له غرض في تعيين الملاك" (3) .

(1) مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل، الطبعة الأولى، (مصر: مطبعة السعادة، عام 1329) ، 4 / 239، وانظر أيضا، حاشية الإمام الرهوني، (مصر: دار الفكر) ، 5 / 19

(2)

الأم، تحقيق محمد زهري النجار، (مصر: مكتبات الكليات الأزهرية) ، 3 / 92

(3)

كتاب البيوع من الحاوي الكبير، دراسة وتحقيق محمد مفضل مصلح الدين، رسالة مقدمة إلى قسم الدراسات العليا الشرعية لنيل درجة الدكتوراة في الفقه – جامعة أم القرى عام 1408 / 1988، المجلد الثاني، ص 1186 – 1188

ص: 583

وقد صرح بجوازه ومشروعيته كبار أئمة المذهب الشافعي، قال الإمام أبو إسحاق إبراهيم الشيرازي رحمه الله:

"

وأما إذا عرضت السلعة في النداء جاز لمن شاء أن يطلبها، ويزيد في ثمنها ...." (1) ثم ذكر حديث الأنصاري عن أنس رضي الله عنهما.

اعتمد هذا فقهاء الشافعية المتأخرون، وأصبح المعروف مذهبا.

يقول العلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي في معرض البيوع المنهي عنها:

"والسوم على سوم غيره، ولو ذميًّا، للنهي الصحيح عنه، ولما فيه من الإيذاء.. (إنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن) بأن يصرحا بالتوافق على شيء معين، وإن نقص عن قيمته"(2) .

واستثنى من حالة النهي السابقة بيع المزايدة بقوله: "بخلاف ما لو انتفى ذلك، أو كان يطاف به فتجوز الزيادة فيه لا بقصد إضرار أحد"(3) .

ويقرر العلامة شمس الدين الرملي نفس الرأي في معرض (السوم على سوم غيره)، وأنه (إنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن) بتصريحهما بالتوافق على شيء معين فيقول:

" بخلاف ما لو انتفى ذلك، أو كان يطاف به رغبة في الزيادة فتجوز الزيادة فيه، لا بقصد إضرار أحد، لكن يكره فيما لو عرض له بالإجابة"(4) .

(1) المهذب مع شرحه المجموع بقلم محمد بخيت المطيعي، الطبعة الأولى، (جدة: مكتبة الإرشاد) ، (12 / 34)

(2)

تحفة المحتاج بشرح المنهاج (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع) ، (4 / 313 – 314)

(3)

تحفة المحتاج بشرح المنهاج (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع) ، (4 / 313 – 314)

(4)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده) ، (3 / 468)، وانظر: الشربيني، محمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (بيروت: دار الفكر، عام (1398 / 1978) ، (2 / 37)

ص: 584

المبحث الرابع: مذهب الحنابلة

يتفق الحنابلة المتقدمون والمتوسطون والمتأخرون على مشروعية البيع مزايدة، كما يتضح من النصوص التالية:

حكى العلامة موفق الدين ابن قدامة الإجماع على جوازه، وقد ذكر هذا في معرض تحليل حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يسم الرجل على سوم أخيه)) ، وأنه يعرض لهذا حالات قسمها إلى أربعة أقسام:

أحدها: أن يوجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع فهذا يحرم السوم على غير ذلك المشتري، وهو الذي تناوله النهي.

الثاني: أن يظهر منه ما يدل على عدم الرضا فلا يحرم السوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم باع فيمن يزيد

(وذكر حديث الأنصاري الذي شكا الشدة والجهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ، وهذا أيضا إجماع المسلمين يبيعون في أسواقهم بالمزايدة.

الثالث: أن لا يوجد منه ما يدل على الرضا، ولا على عدمه، فلا يجوز له السوم أيضا، ولا الزيادة، استدلالا بحديث فاطمة بنت قيس حين ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم:(أن معاوية وأبا جهم خطباها، فأمرها أن تنكح أسامة) وقد نهى عن الخطبة على خطبة أخيه، كما نهى عن السوم على سوم أخيه فما أبيح في أحدهما أبيح في الآخر.

الرابع: أن يظهر منه الرضا من غير التصريح، فقال القاضي: لا تحرم المساومة، وذكر أن أحمد نص عليه في الخطبة، استدلالا بحديث فاطمة؛ ولأن الأصل إباحة السوم والخطبة، فحرم ما وجد فيه التصريح بالرضا، وما عداه يبقى على الأصل، ولو قيل بالتحريم ههنا لكان وجها حسنا

(2) .

وقد ذكر البهوتي في شرح منتهى الإرادات جواز البيع مزايدة إذا لم يكن ثمت تصريح من صاحب السلعة لدى بحثه سوم الرجل على أخيه، واستدلالا له بحديث:

((لا يسم الرجل على سوم أخيه)) قائلا: " فإن لم يصرح بالرضا لم يحرم؛ لأن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة"(3) .

واتفق معه في هذا العلامة موسى الحجاوي قائلا: "فأما المزايدة في المناداة فجائزة "(4) .

علق العلامة منصور البهوتي على هذه الجملة قائلا: "إجماعا، فإن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة"(5) .

(1) وهو أصل مشروعية هذا الأسلوب في البيع

(2)

المغني، الطبعة الثالثة، تعليق وتصحيح السيد محمد رشيد رضا، (مصر: دار المنار، عام 1367) ، ج 4 / ص 213 – 214

(3)

شرح منتهى الإرادات للبهوتي: (2 / 156)

(4)

الإقناع، تصحيح وتعليق عبد اللطيف محمد موسى السبكي، (مصر: المطبعة المصرية) ، (2 / 75)

(5)

كشاف القناع عن متن الإقناع، راجعه هلال مصيلحي مصطفى هلال، (الرياض: مكتبة النصر الحديثة) ، (2 / 183)

ص: 585

الفصل الثالث

الجامع في أحكام المزايدة

المبحث الأول: أحكام المزايدة.

المبحث الثاني: (الدلال) سلوك، وتصرفات، وأحكام.

المبحث الثالث: أجرة الدلال.

المبحث الرابع: ضمان الدلال.

المبحث الأول: أحكام المزايدة

تختص (المزايدة) باجراءات وشكليات في الفقه الإسلامي يترتب عليها أحكام شرعية تضم إلى الأركان والشروط في العقود التي تمثلها بيعًا، أو إجارة، أو مشاركة استثمارية، أو غير ذلك، وفيما يلي عرض للأحكام الخاصة بها.

الأصل في المزايدة في العقود بشروطها الشرعية الإباحة، وقد توجد أسباب فتكون مستحبة، وذلك مثل بيع الحاكم مال المدين لسداد دينه، والمفلس لرفع الحجر عنه، والميت في بيع تركته؛ استدلالا بفعله صلى الله عليه وسلم لما حجر على معاذ رضي الله عنه حين باع ماله في دينه، وقسم ثمنه بين غرمائه، لما في البيع بالمزاد من توقع زيادة الثمن وتطييب لنفوس الغرماء.

فإنه "يستحب للحاكم أيضا أن (يحضر الغرماء) ؛ لأنه لهم، وربما رغبوا في شيء فزادوا في ثمنه، وأطيب قلوبهم، وأبعد للتهمة، وربما يجد أحدهم عين ماله فيأخذها، (وإن باعه) الحاكم (من غير حضورهم كلهم) أي المفلس، والغرماء (جاز) لما تقدم، (ويأمرهم) أي المفلس والغرماء (الحاكم أن يقيموا مناديًا ينادي على المتاع) ؛ لأنه مصلحة، (فإن تراضوا بثقة أمضاه) الحاكم، وإن تراضوا بغير ثقة رده

(وإن اختار المفلس رجلا) ينادي، (واختار الغرماء آخر أقر) الحاكم (الثقة) من الرجلين، (فإن كانا ثقتين) قدم الحاكم (المتطوع) منهما. (وإن كانا بجعل قدم أوثقهما، وأعرفهما) ، لأنه لا مرجح لأحدهما على الآخر.

ص: 586

(فإن زاد في السلعة أحد في مدة الخيار لزم الأمين) ، أي أمين الحاكم (الفسخ) ؛ لأنه أمكنه بيعه بثمن فلم يجز إمضاؤه بدونه، كما لو زيد فيه قبل العقد، (وإن كان) زاد في السلعة (بعد لزومه) أي البيع (استحب له) أي الأمين الحاكم سؤال المشتري الإقالة، واستحب للمشتري الإجابة إلى الإقالة، لأنه معاونة على قضاء دين المفلس، فهذه الصورة إما مستثناة للحاجة، أو محمولة على ما إذا زاد غير عالم بعقد البيع" (1) .

* " بيع المزايدة يلزم كل من زاد في السلعة، ولو زاد غيره عليه خلافا للأبياني، وقد جرى العرف في مكة وكثير من البلاد على ما قاله الأبياني.

وظاهر ما تقدم عن ابن رشد أن لربها (السلعة) أن يلزم كل من زاد، ولو كان العرف بخلافه، وجرت العادة أيضا بمكة أن من رجع بعد الزيادة لا يلزمه شيء ما دام في المجلس، وهذا والله أعلم مبني على القول بخيار المجلس كما هو مذهب الشافعي والله أعلم" (2) .

* "قال ابن رشد في المذهب: إذا وقع النداء على السلعة، وأعطى فيها ثمنا لزمه، والخيار للبائع، فإن زاد عليه غيره انتقل اللزوم للثاني، وإن لم يزد عليه أحد فللبائع أخذه بذلك ما لم تطل غيبته، ورأيت للأبياني: أن الشراء لا يلزمه إذا زاد عليه غيره...... وظاهر كلام ابن رشد أن المذهب ما قاله ابن رشد......"(3) .

* "كل ما زاد في السلعة فلربها أن يلزمه إياها بما زاد، إلا أن يسترد البائع سلعته، ويبيع بعدها أخرى، أو يمسكها حتى ينقطع مجلس المناداة، إلا أن يكون العرف اللزوم بعد الافتراق، أو يشترط ذلك البائع فيلزم المشتري البيع بعد الافتراق في مسألة العرف بمقدار ما جرى به العرف، وفي مسألة الشرط في الأيام المشروطة، وبعدها بقرب ذلك على مذهب المدونة، فإن شرط المشتري أنه لا يلزم البيع إلا ما دام في المجلس فله شرطه، ولو كان العرف بخلافه"(4) .

* "إن تراخى القبول على الإيجاب حتى انقضى المجلس لم يلزم البيع قطعا، وكذا لو حصل فاصل يقتضي الإعراض عما كان المتبايعان منه حتى لا يكون كلامه جوابًا للكلام السابق في العرف فلا ينعقد البيع

إلا بيع المزايدة فللبائع أن يلزم السلع لمن زاد حيث اشترط البائع ذلك، أو جرى به عرف إمساكها حتى انقضى مجلس النداء، أو ردها وباع بعدها أخرى فإن لم يشترط ذلك، ولا جرى به عرف لم يكن له ذلك" (5) .

واستشهد العلامة الزرقاني على ما تقدم بما ذهب إليه بعض فقهاء المالكية مما جرى به العمل في بلادهم قائلا:

" قال المازري: وإنما نبهت على ذلك؛ لأن بعض القضاة ألزم بعض أهل الأسواق في بيع المزايدة بعد الافتراق، مع أن عادتهم الافتراق على غير إيجاب؛ اغترارًا بظاهر ابن حبيب، وحكاية غيره فنهيته عن هذا لأجل مقتضى عوائدهم.

ابن عرفة: والعادة عندنا أي بتونس، وكذا عندنا بمصر عدم اللزوم، وهو واضح إن بَعُدَ، ولم تكن السلعة بيد المبتاع، فإن كانت بيده فالأقرب اللزوم، كبيع الخيار بعد زمنه يلزم فيه البيع من البيع بيده.

(1) البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، (3 / 432 – 433)

(2)

الحطاب، مواهب الجليل (4 / 239)

(3)

الحطاب، أبو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل، (4 / 238)

(4)

الحطاب، مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل، (4 / 239)

(5)

الزرقاني، سيدي عبد الباقي، شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل، (بيروت: دار الفكر، عام 1398 / 1978) ، (5 / 6)

ص: 587

وعلى كلام المازري لو لم تكن عادة فالأقرب أن للبائع إلزام من زاد بعد التفرق ما لم يسترد السلعة، ويشتغل ببيع أخرى، أو يمسكها حتى ينقضي مجلس النداء" (1) .

* "إن اشتراط المشتري أن لا يلتزم البيع إلا ما دام في المجلس فله شرطه، ولو كان العرف بخلافه لتقدم الشرط عليه "(2) .

* "قال ابن رشد في المذهب: ولو أوقف المنادي السلعة بثمن على التاجر، وشاور صاحبها فأمره بالبيع، ثم زاد غيره عليه فهي للأول. قاله الأبياني

وسواء ترك السمسار الثوب عند التاجر، أو كان في يده، وجاء به إلى ربه فقال له ربه: بعه، ثم زاد فيه تاجر آخر، أنه للأول.

وأما لو قال له رب الثوب لما شاوره: اعمل فيه برأيك، فرجع السمسار، ونوى أن يبيعه من التاجر فزاد فيه تاجر آخر؛ فإنه يعمل فيه برأيه، ويقبل الزيادة إن شاء ولا يلزم البيع بالنية ".

ويذكر العلامة الحطاب إيضاحًا وتفصيلا لهذه المسألة قائلا:

" قلت: وهذا إذا لم تحصل الزيادة إلا بعد مشاورة ربه، وأمره السمسار بالبيع وأما لو زاده فيه شخص قبل مشاورة رب السلعة فقد تقدم في التنبيه السابع عن مالك من رواية ابن القاسم: أنه يخبر رب السلعة بالزيادة، ولم ير ذلك من السوم على سوم أخيه؛ لأن النهي عن ذلك إنما هو الركون، وصاحب السلعة هنا غائب لا يعلم إن كان يميل إلى البيع بذلك الثمن أم لا

" (3) .

* " وسئل ابن القاسم عن قوم يحضرون بيع الميراث فيمن يزيد، فيزيد الرجل في الثوب، فيقول المنادي، بدينار ودرهم، فينادي عليه بذلك ولا يصفق. ويطلب الزيادة، ثم يبدو للذي زاده؟

قال: البيع يلزمه" (4) .

* " قيل له: فالرجلان يزيدان في الثوب، فيقول هذا: بدينار. وهذا: بدينار، يقع عليهما بشيء واحد، فيطلب الصائح الزيادة فلا يزاد، فوجب لهما، فيبدو لهما؟

قال: أرى البيع لهما لازما وأراهما فيه شريكين.

وقال عيسى: لا يعجبني هذا من قوله، وأراه للأول، ولا أرى للصائح أن يقبل من أحد مثل الثمن الذي قد أعطاه غيره، وإنما يقبل الزيادة، ولهما ينادي حتى يزاد، إلا أن يكونا جميعا قد أعطياه دينارا معا هما فيه شريكان" (5) .

* لا يلزم الشراء من استقر عليه السعر في المزاد إذا انقلب صاحبها مما العرف فيه أن يمضي، أو يرد في المجلس، ولم يشترط أن يصيح عليه أيامًا.

"وقد روي ذلك عن ابن القاسم أنه سئل عن الرجل يحضر المزايدة فيزيد، ثم يصاح عليه، فينقلب بها أهلها، ثم يأتونه من الغد فيقولون له: خذها بما زادت، فهل يلزمه ذلك؟ فقال ابن القاسم: أما مزايدة أهل الميراث، أو متاع الناس فلا يلزم إذا انقلبوا بالسلعة، أو تركوها في المجلس، أو باعوا بعدها أخرى، وإنما يلزم هذا في بيع السلطان الذي يباع على أن يستشار السلطان فيلزمه إمضاؤه إذا أمضاه السلطان.... ومعنى قوله: يلزمه إذا أمضاه السلطان. يريد ما لم يتباعد ذلك......"(6) .

* تجوز الزيادة في الثمن بأكثر مما استقر عليه البيع في المزاد بعد إخبار الدلال صاحب السلعة بما استقر عليه الثمن إذا لم تحدث مواجهة بين البائع والمشتري، وإنما تمت الموافقة بطريق مواجهة البائع الدلال وواسطته.

(1) الزرقاني، سيدي عبد الباقي على مختصر سيدي خليل، (بيروت: دار الفكر، عام 1398 / 1978) ، (5/ 6)

(2)

الزرقاني، سيدي عبد الباقي على مختصر سيدي خليل، (بيروت: دار الفكر، عام 1398 / 1978) ، (5/ 6)

(3)

الحطاب، مواهب الجليل، 4 / 239

(4)

البيان والتحصيل، 8 / 475

(5)

البيان والتحصيل، 8 / 475

(6)

الحطاب، مواهب الجليل، 4 / 238

ص: 588

قال العلامة عبد الحميد الشرواني:

" وقع السؤال في الدرس عما يقع كثيرا بأسواق مصر من أن مريد البيع يدفع متاعه للدلال فيطوف به، ثم يرجع إليه ويقول له: استقر متاعك على كذا، فيأذن له في البيع بذلك القدر هل يحرم على غيره شراؤه بذلك السعر، أو بأزيد، أم لا؟ فيه نظر.

والجواب عنه: بأن الظاهر الثاني: لأنه لم يتحقق قصد الضرر حيث لم يعين المشتري، بل لا يبعد عدم التحريم، وإن عينه؛ لأن مثل ذلك ليس تصريحا بالموافقة على البيع لعدم المخاطبة من البائع، والواسطة للمشتري" (1) .

* "من له حق في البيع المشترك الذي لا ينقسم إذا نودي على بيعه حتى وقف على ثمن، هل يباع له بما وقف عليه من الثمن، أو لا بد من زيادته عليه؟

فيه ثلاثة أقوال:

الأول: يأخذه مطلقا سواء كان هو طالب البيع أو لا.

الثاني: لا يأخذه إلا بزيادة على ما وقف به إن كان هو الطالب للبيع، لا إن كان آبيا فله أخذه بما وقف فقط.

الثالث: يأخذه الآبي والطالب للبيع أيضا بما وقف به إن لم يقصد إخراج الآبي، وإلا فلا يأخذه إلا بزيادة" (2) .

"بهذا القول الأخير عمل القضاة بما قاله عياض "(3) .

* " إذا باع القاضي على الميت، أو المفلس، وفارق المشتري البائع من مقامهما الذي تبايعا فيه، ثم زيد، لم يكن له رد ذلك البيع إلا بطيب نفس، وأحب للمشتري لو رده، أو زاد، وليس ذلك بواجب عليه، وللقاضي طلب ذلك إليه، فإن لم يفعل لم يظلمه وأنفذه له

" (4) .

(1) حاشية الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، مع شرح التحفة، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع) ، 4 / 313

(2)

الوزاني، أبو عبد الله محمد المهدي، تحفة الحذاق بنشر ما تضمنته لامية الزقاق، الطبعة الخامسة، (فاس: مطبعة المكينة المخزنية الفاسية، 1341) ، ص 147

(3)

ابن سودة التاودي شرح لامية الزقاق، بهامش تحفة الحذاق، الطبعة الخامسة، (فاس: مطبعة المكينة المخزنية الفاسية، عام 1341) ، ص 147

(4)

الشافعي، محمد بن إدريس، الأم، أشرف على طبعه محمد زهري النجار، (مصر: مطبعة الكليات الأزهرية) ، 3 / 210

ص: 589

* "إن أكرى ناظر الحبس (الأوقاف) على يد القاضي ربع الحبس بعد النداء عليه، والاستقصاء، ثم وجدت زيادة، لم يكن له نقض الكراء، ولا قبول الزيادة إلا أن يثبت بالبينة أن في الكراء غبنا على الحبس فتقبل الزيادة ولو ممن كان حاضرا"(1) .

* يعد مالك السلعة ناجشا إذا زايد فيها في سوق المزايدة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

" المالك إذا زاد في السلعة كان ظالما ناجشا، وهو شر من التاجر الذي ليس بمالك، وهو الذي يزيد في السلعة، ولا يقصد شراءها، ولهذا لو نجش أجنبي لم يبطل البيع، وأما البائع إذا ناجش، أو واطأ من ينجش ففي بطلان البيع قولان في مذهب أحمد وغيره، ومثل هذا ينبغي تعزيره"(2) .

* "جاز لمن أراد شراء سلعة في المزاد (سؤال البعض) من الحاضرين لسومها (ليكف عن الزيادة فيها ليشتريها السائل) .

قال ابن رشد: ولو في نظير شيء يجعله لمن كف عن الزيادة، نحو كف عن الزيادة ولك درهم.

(لا) سؤال (الجميع) ليكفوا عن الزيادة، فلا يجوز لما فيه من الضرر على البائع، مثل الجميع من في حكمهم الشيخ السوق، فإن وقع خير البائع في الرد والإمضاء، فإن فات فله الأكثر من الثمن والقيمة......" (3) .

وقد قرر مثل هذا من الأحكام شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنه يصح أن يطلب أحد التجار من آخر أن لا يزايد في السلعة المعروضة مزايدة، ويتفقا أن يكونا شريكين فيها بقصد أن لا يزيد عليه في ثمنها، ويدفعا ثمنها بالسوية، وذلك لأن "باب المزايدة مفتوح، وإنما ترك أحدهما مزايدة الآخر"(4) .

بخلاف ما إذا اتفق أهل السوق "على أن لا يزيدوا في سلع هم محتاجون لها ليبيعها صاحبها بدون قيمتها، ويتقاسمونها بينهم، فإن هذا قد يضر صاحبها أكثر مما يضر تلقي السلع إذا باعها مساومة؛ فإن ذلك فيه من بخس الناس ما لا يخفي"(5) .

(1) الوزاني، أبو عبد الله محمد المهدي، تحفة الحذاق بنشر ما تضمنت لامية الزقاق، ص 303

(2)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، الطبعة الثانية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، (الرياض: طبع الملك خالد، عام 1401 / 1981) ، ج 29، ص 358

(3)

الدردير، أبو البركات أحمد بن محمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب مالك، أخرجه ونسقه مصطفى كمال وصفي، (مصر: دار المعارف) ، ج 3، ص 106

(4)

ابن تيمية، مجموع فتاوي شيح الإسلام، 29 / 304

(5)

ابن تيمية، مجموع فتاوي شيح الإسلام، 29 / 304

ص: 590

وقال العلامة أحمد سعيد المجليدي:

" ولا بأس بسؤال بعض الحاضرين ليكف عن الزيادة، ولا يقول ذلك للكل"(1) .

* دعوى الغبن في عقد المزايدة:

تقبل دعوى الغبن في عقد المزايدة. "قال ابن عرفة: قال ابن عات عن المشاور: إن أكرى ناظر الحبس (الوقف) على يد القاضي ربع الحبس بعد النداء عليه والاستقصاء، ثم جاءت زيادة لم يكن له نقض الكراء، ولا قبول الزيادة إلا أن يثبت بالبينة أن في الكراء غبنا على الحبس، فتقبل الزيادة، ولو ممن كان حاضرا....، وزعم التسولي: أن بيع المزايدة لا يقام فيه بالغبن اتفاقًا

" (2) . غير أن ما قاله التسولي رفضه بعض الفقهاء ونقضوه بأدلة عديدة.

قال العلامة المهدي بن عمر بن محمد بن الخضر الوزاني الحسني العمراني: "إن الاعتماد على كلام التسولي في هذه القضية غير صواب، وأنه من الخطأ بلا شك ولا ارتياب"(3) .

المبحث الثاني: (الدلال) سلوك وتصرفات وأحكام

الدلال: "محترف الدلالة، وهي المناداة على البضائع في الأسواق"(4) .

يتميز عقد المزايدة عن عقد البيع من الناحية الشكلية بوجود ما يسمى بـ (الدلال) ، أو السمسار (5) ، وهو عنصر رئيس في شكل هذا البيع، وهو وكيل عن صاحب السلعة عرضا، ومزايدة، وإيجابًا للبيع وكالة عن صاحب السلعة، وهذا يفرض عليه خصائص وصفات أخلاقية سلوكية يتوجب أن تتوافر فيه: كالديانة، والأمانة، والصدق؛ لتتماشي سلوكياته مع ما هو مطلوب شرعا في المعاملات، وتتأكد في هذا العقد لما لها من تأثير إيجابا وسلبا على المتبايعين، وعلى سلامة السوق، كما تتعلق به وبعمله أحكام شرعية لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها، لأنها تؤثر على العقد صحة وبطلانا: كأن لا يزيد في السلعة من نفسه، وأن لا يزيد فيها لحسابه، أو مشاركة مع غيره، وغير ذلك مما ورد في مدونات الحسبة، وقد أتي على تعداد قسم منها العلامة محمد بن محمد بن أحمد القرشي المعروف بـ (ابن الأخوة) قائلا:

" ينبغي أن لا يتصرف أحد من الدلالين حتي يثبت في مجلس المحتسب ممن يقبل شهادته من الثقاة العدول من أهل الخبرة أنهم أخيار ثقاة من أهل الدين، والأمانة، والصدق في النداء؛ فإنهم يتسلمون بضائع الناس ويقلدونهم الأمانة في بيعها.

ولا ينبغي لأحد منهم أن يزيد في السلعة من نفسه، إلا أن يزيد فيها التاجر. ولا يكون شريكا للبزاز، ولا يقبض ثمن السلعة من غير أن يوكله صاحبها في القبض.

(1) كتاب التيسير في أحكام التسعير، تقديم وتحقيق موسى لقبال، (الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع) ، ص 87

(2)

انظر: الونشريسي، المعيار المغرب، 5 / 38

(3)

تحفة الحذاق بنشر ما تضمنته لامية الزقاق، ص 303، 304

(4)

المجيلدي، أحمد سعيد، كتاب التيسير في أحكام التسعير، ص93

(5)

وهو في العرف العام مرادف الدلال ويذكر في تعريفه: "السمسار: محترف السمسرة، وهي الوساطة بين المتعاقدين، والسمسار من يسعى إلى التقريب بين الاثنين، وتعرف أجرته التي يتقاضاها على عمله بالسمسرة أيضا" المجيلدي، أحمد سعيد، كتاب التيسير في أحكام التسعير، ص 94

ص: 591

ومنهم من يعمد إلى صناع الحاكة والتجار، ويعطيهم دراهم على سبيل القرض ويشترط عليهم أن لا يبيع لهم شيئا من متاعهم إلا هو، وهذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة (1) .

ومنهم من يشتري السلعة لنفسه ويوهم صاحبها أن بعض الناس اشتراها منه، ويواطئ غيره على شرائها منه.

ومنهم من تكون السلعة له فينادي عليها ويزيد في ثمنها من قبله، ويوهم الناس أن هذا الثمن دفعه لها فيها بعض التجار وأنها ليست ملكه، وهذا غش وتدليس.

ومنهم من يكون بينه وبين البزاز شرط، ومواطأة على شيء معلوم من دلالته فإذا قدم على البزاز تاجر ومعه متاع يقول ها هنا سمسار، وهو رجل ناصح في السلعة فيستدعي ذلك المنادي بعينه ويسلم له المتاع، فإذا فرغ البيع وأخذ الأجرة أعطى البزاز ما كان شرطه له وواطأه عليه، وهذا حرام على البزاز فعله.

ومتى علم المنادي عيبا في السلعة وجب عليه أن يعلم المشتري بذلك العيب ويوقفه عليهِ.

وعلى المحتسب أن يعتبر عليهم جميع ذلك، ويأخذ عليهم أن لا يتسلم جعالته إلا من يد البائعِ، ولا يسقط عند المشتري شيئا فإن فيهم من يواطئ المشتري على جعالته فوق ما جرت به العادة من غير أن يعلم البائع شيء من ذلكِ، وهذا كله حرام (2) .

(1) الحديث: عن علي رضي الله عنه بغير لفظه، رواه الحارث بن أبي أسامة ورواه البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبى بن كعب، وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفًا عليهم. سبل السلام شرح بلوغ المرام 3 / 5

(2)

كتاب معالم القربة في أحكام الحسبة، تحقيق محمد محمود شعبان، وصديق أحمد عيسى المطيعي، (مصر: الهيئة المصرية للكتاب) ، ص 216 - 217

ص: 592

وقد تكلم العلامة الإمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي بالتفصيل على ما يجب على فئات الدلالين: دلالي الكتب والرقيق والأملاك، التحفظ عليه، والابتعاد عنه لدى مزاولة هذا العمل مع توضيح الأحكام الشرعية المترتبة على ممارستهم المنحرفة (1) .

المبحث الثالث: أحكام الدلال (2) وأجرته

1-

أحكام الدلال:

* استفتاح الدلال أو شيخ السوق السلعة بثمن معين في بداية النداء عليها مشروع، ولا يعد من قبيل النجش، ذلك أنه يعد القاعدة الأساس في سعرها التي ينطلق منها المزاد، وتفاديًا لأن يأخذ المبادرة في فتح المزاد من لا يعرف قيمتها.

قال العلامة الزرقاني في احترازاته لبيع النجش، وإخراج المسائل التي لا تعد منه:

" وخرج بها استفتاح نحو شيخ سوق ليبني عليه غيره، فإنه جائز لئلا يستفتح من يجهل قيمتها. كما لابن عرفة"(3) .

* لا يجوز للدلال أن يبيع السلعة إلا بإذن صاحبها إلا أن يكون فوض إليه ذلك" (4) .

* "لا يجوز للدلال الذي هو وكيل البائع – في المناداة – أن يكون شريكا لمن يزيد بغير علم البائع؛ فإن هذا يكون هو الذي يزيد، ويشتري في المعني وهذا خيانة للبائع، ومن عمل مثل هذا لم يجب أن يزيد أحد عليه، ولم ينصح البائع في طلب الزيادة، وإنهاء المناداة.

* وإذا تواطأ جماعة على ذلك فإنهم يستحقون التعزير البليغ الذي يردعهم وأمثالهم عن مثل هذه الخيانة، ومن تعزيرهم أن يمنعوا من المناداة حتى تظهر توبتهم (5) .

* اشتراك الدلالين في بيع السلع:

يعرض في الأسواق أن يتضامن جماعة من الدلالين يكونون شركة للقيام بالمزايدة في السوق حسب برنامج محدد بينهم، يذهب صاحب السلعة إلى واحد منهم ليقوم بالمناداة عليه، فيناوله هذا إلى دلال آخر من بين مجموعهم، فالأمر يعتمد رضا صاحب السلعة موافقة، أو معارضة؛ ذلك "أن الدلال وكيل التاجر، وللوكيل أن يوكل غيره، وإنما تنازعوا في جواز توكيله بلا إذن الموكل، وإذا كان هناك عرف معروف أن الدلال يسلم السلعة إلى من يأتمنه كان العرف المعروف كالشرط .....) (6) .

(1) انظر: مفيد النعم ومبيد النقم، الطبعة الأولى، تحقيق محمد علي النجار، وأبو زيد شلبي، (مصر: دار الكتاب العربي، عام 1367 / 1948) ، ص 143

(2)

ألف العلامة أبو العباس الأبياني كتابا بعنوان (مسائل السماسرة) ، حققه محمد العروسي المطوي، طبع دار الغرب الاسلامى، بيروت، لخصه العلامة أحمد بن يحيى الونشريسي في كتابه المعيار بعنوان (هذه أسئلة مجموعة في السماسرة) 8/ 355

(3)

الزرقاني، سيدي عبد الباقي، شرح الزرقاني على مختصر سيد خليل، (بيروت: دار الفكر، عام 1398 / 1378) 5 /90

(4)

الونشريسي، أحمد بن يحيى، المعيار المغرب، 8 / 356

(5)

ابن تيمية، مجموع فتاوى شيخ الاسلام، 29 / 305

(6)

ابن تيمية، أحمد عبد الحليم، مجموع فتاوى، 30 / 97 – 98

ص: 593

" وإذا علم الناس أنهم شركاء، ويسلمون إليهم أموالهم جعلوا ذلك إذنًا لأحدهم أن يأذن لشريكه، وليس لولي الأمر المنع في مثل العقود، والقبوض التي يجوزها العلماء، ومصالح الناس وقف عليها، مع أن المنع من جميعها لا يمكن في الشرع، وتخصيص بعضها بالمنع تحكم"(1) .

2-

أجرة الدلال:

من المناسب التعرض لأجرة الدلال والأحكام المتعلقة بها في الآتي:

• مدير المزاد أو (الدلال) يستحق أجره على عمله بحسب ما جرى به العرف، أو الشرط عند العقد، فيستحق من البائع إذا جرى به العرف، أو من المشتري إذا جرى اشتراطه عليه، وإذا لم يكن عرف فبحسب الشرط الذي تفرضه الإدارة المنظمة له، أو أطراف العقد، فالمؤمنون على حسب شروطهم.

• إذا رد المبيع على البائع بسبب شرعي كاستحقاق المبيع لغيره، أو رد بسبب عيب في السلعة فليس للبائع الرجوع على الدلال بما دفعه له، ولا تسترد الدلالة. قال العلامة محمود بن إسماعيل بابن قاضي سماوه:

" لو استحق المبيع، أو رد بعيب بقضاء، أو بغيره لا يسترد الدلالة، ولو انفسخ البيع؛ إذا لم يظهر أن البيع لم يكن فلا يبطل عمله"(2) .

• إذا فوض صاحب العين الدلال في بيع السلعة فليس له أخذ الدلالة من المشتري إذ هو العاقد حقيقة وتجب الدلالة على البائع إذا قيل بأمر البائع.

• إذا طلب صاحب السلعة من دلال أن يتولى عرضها للبيع، وحد له أجرا على إتمامه، ولكن لم يتم البيع، ثم أن دلالا آخر باع فللأول أجر بقدر عمله وعنائه. " قال أبو الليث: هذا قياس، ولا أجر له استحسانا إذ أجر المثل يعرف بالتجار، وهم لا يعرفون لهذا الأمر أجرا، وبه نأخذ" (3) .

"رجل دفع إلى دلال ثوبا ليبيعه على أن ما زاد على كذا فهو له فهو إجارة، ولو ضاع من يده ضمن"(4) .

(1) ابن تيمية، مجموع فتاوى، 30 / 99

(2)

جامع الفصولين، الطبعة الاولى، (مصر: المطبعة الأزهرية، عام 1300) ، 2 /211، وانظر: ابن عابدين، العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، الطبعة الثانية، (بيروت: دار المعرفة) ، 1 / 247

(3)

ابن قاضي سماوة، محمود بن إسماعيل، جامع الفصولين، 2 / 211

(4)

ابن غانم البغدادي، أبو محمد، مجمع الضمانات، ص 53

ص: 594

المبحث الرابع: ضمان الدلال

خص العلامة أبو محمد بن غانم بن محمد البغدادي ضمان الدلال، ومسائل أخرى متعلقة به بدراسة مستقلة، يتم العرض هنا لجملة مختارة منها يسترشد بها في القضايا المعاصرة:

" الدلال أجير مشترك حتى لو ضاع من يده شيء بلا صنعه لا يضمن عند أبي حنيفة.

• أخذ الدلال الثمن لسلمه إلى صاحبه، أو كان يمسكه ليظفر بصاحبه فيسلمه فضاع منه، يصالح بينهما إلى النصف (1) . إذا هلك المتاع في يد الدلال فسئل فقال: لا أدري أهلك عن بيتي أم عن كتفي لا يضمن.

• إذا دفع الدلال الثوب إلى رجل يريد الشراء لينظر فيه، ثم يشتري، فأخذ الرجل الثوب وذهب، ولم يظفر به الدلال، قالوا: لا يضمن؛ لأنه مأذون بهذا الدفع عادة. قال قاضيخان: وعندي: إنما لا يضمن إذا وقع إليه الثوب ولم يفارقه، أما إذا دفع الثوب وفارقه يضمن، كما لو أودعه الدلال عند أجنبي، أو تركه عند من لا يريد الشراء.

• السمسار إذا خلط أموال الناس، وأثمان ما باعه ضمن إلا في موضع جرت العادة بالإذن بالخلط

فالوكيل ضامن، وكذا المتولي إذا كان في يده أوقاف مختلفة، وقد خلط غلاتها كان ضامنًا، وكذا البيع والسمسار إذا خلط أموال الناس.

• لا ضمان على الدلال إذا وقع الثوب من يده وضاع، وقال: لا أدري كيف ضاع، ولو قال: نسيت، ولا أدري في أي حانوت وضعته يكون ضامنًا" (2) . يضمن الدلال فيما فرط فيه أو فعل شيئا لم يؤذن له فيه لفظا أو عرفا (3) .

• ليس على الدلال (المنادي) تبعة، أو مسئولية لما يبيعه في عقد المزايدة إلا إذا لم يبين عيبها، أو أخفاه، أو سكت عنه، مثله مثل الوكيل، والأجير، والوصي، والسلطان.

قال أبو عمير يوسف بن عبد البر:

" ومتي تبرأ الوكيل أنه يبيع؛ أو يشتري لغيره فهو كالمنادي، أو الأجير، أو الوصي، أو السلطان؛ لاتباعة على واحد من هؤلاء، وإن لم يبين الوكيل وسكت فالعهدة عليه"(4) .

(1) يذهب المالكية إلى التفصيل: يضمن الدلال إذا استلم الثمن بدون أمر من البائع، ولا ينبغي النقد في الخيار، وِأما لو ابتدأ التاجر بتسليم الثمن دون طلب من الدلال على أساس دفعها للبائع أن رضي الثمن، وإلا رده، فذهب ليشاور فتسقط منه النقود فلا ضمان، لأنه أمين، إلا أن يصنع أو يفرط – الونشريسي، المعيار المغارب، 8 / 357

(2)

مجمع الضمانات، الطبعة الأولى، (بيروت: عالم الكتب، عام 1407 / 1987) ، ص 52 - 54

(3)

انظر: ابن تيمية، مجموع فتاوى، 30 / 389

(4)

كتاب الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، الطبعة الثانية، (الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، عام 1400 / 1980) ، 2 / 77، وانظر: الونشريسي، المعيار المغرب، 8 / 357

ص: 595

الباب الثاني

المزايدة في العصر الحديث

الفصل الأول

الدراسة القانونية

المبحث الأول: تعريف المزايدة قانونًا.

المبحث الثاني: الإجراءات المتبعة في البيع بالمزايدة.

المبحث الثالث: ركنا الإيجاب والقبول في المزايدة.

المبحث الرابع: دعوى الغبن في المزايدة قانونًا.

الباب الثاني

المزايدة في العصر الحديث

تمهيد:

عقد المزايدة في العصر الحديث من العقود الشائعة المنتشرة محليا وعالميا، تضاعفت أهميته نظرا لشدة الحاجة اليه؛ إذ أنه لم يصبح (بيع الفقراء) ، أو (بيع من كسدت تجارته) كما عبر عنه بعض الفقهاء قديما، بل أصبح عقد المؤسسات والإدارات الحكومية، له نظمه، وقوانينه، ولوائحه المتطورة، فمن ثم انتظم قانونا بين (العقود الإدارية) التي "يكون أحد أطراف العقد شخصا من أشخاص القانون العام، كالدولة مثلا، أو الهيئات والمؤسسات العامة ذات الشخصية المعنوية (1) . له استقلاله الموضوعي، ودراساته المتخصصة.

أضحى لكل دولة أنظمتها ولوائحها فيما يخص (عقد المزايدة) ، تشترك في المبادئ والأسس، وتختلف في الإجراءات والتنظيمات حسب العرف، والبيئة المحلية.

ومن أجل التعريف بالمزايدة قانونا، وتوضيح المقابلة الشرعية والقانونية التنظيمية لهذا الأسلوب في إنجاز العقود يتطلب البحث التعريف بها قانونا، ودراستها شكلا وموضوعا، وتقديم نموذج لها من البلاد الإسلامية في العصر الحديث.

(1) نجيم، أحمد بن سالم، وعبد اللطيف بن صالح العبد اللطيف، (العقود الإدارية ومشكلات تنفيذها؛ بحث ميداني مقدم في ندوة العقود الإدارية في المملكة العربية السعودية)، (الرياض: معهد الإدارة العامة، عام 1401) ، ص 20

ص: 596

الفصل الأول

الدراسة القانونية

المبحث الأول: تعريف المزايدة قانونًا

المزايدة والمناقصة من عقود المنافسة في القانون الإداري، يثبت لكل واحد منهما من الإجراءات والتنظيمات ما يثبت للآخر في الجملة، ويخضع كل منهما لما يخضع له الآخر، فيما عدا بعض الأمور والشروط التي تتلاءم وطبيعة كل واحد منهما على انفراد؛ فإنه " إذا كان شراء الأصناف، أو تنفيذ الأعمال يتم عن طريق المناقصة، فإن بيع الأصناف والمهمات الحكومية يتم عن طريق المزايدة للوصول إلى أكبر عطاء، وكذلك بالنسبة إلى إيجار أملاك الحكومة، أو بيعها، وما يماثل ذلك من التصرفات، والاصل في المزايدات أن تتم وفقا لمجموعة الإجراءات التي تتبع عند طرح المناقصات العامة بقصد الوصول إلى المزايد الذي يتقدم بأعلى سعر للتعاقد معه

" (1) . لهذا جرى التعريف بهما قانونا في عبارة واحدة في العبارة التالية:

" المناقصة أو المزايدة العامة: هي طريقة بمقتضاها تلتزم الإدارة باختيار أفضل من يتقدمون للتعاقد معها شروطا، سواء من الناحية المالية، أو من ناحية الخدمة المطلوب أداؤها"(2) .

والعلاقة بين المزايدة والمناقصة من الناحية اللغوية علاقة تباين وتضاد كما هي أيضا من الناحية الموضوعية.

فالزيادة ضد النقص، ومن ثم جاءت التفرقة بينهما في العقود: أن المناقصة تستهدف اختيار من يتقدم بأقل عطاء، ويكون ذلك عادة إذا أرادت الإدارة القيام بأعمال معينة كأشغال عامة مثلا، أما الثانية:(المزايدة) فترمي إلى التعاقد مع الشخص الذي يقدم أعلى عطاء، وذلك إذا أرادت الإدارة مثلا أن تبيع، أو تؤجر شيئا من أملاكها، والأحكام القانونية للنوعين واحدة...." (3) .

تستخدم المزايدة في العصر الحديث لأغراض وعقود عديدة "أهم هذه العقود البيع، والإيجار، فالبيع الجبري عن طريق القضاء، أو عن طريق الإدارة يتم بالمزاد، وكذلك البيوع التي تجريها المحاكم المحاسبية، وقد يقع البيع الاختياري كذلك بطريق المزاد إذا اختار البائع هذا الطريق.

وكثيرا ما تؤجر الجهات الحكومية، ووزارة الأوقاف أراضي وعقارات بطريق المزاد" (4) .

تعتمد كل من المزايدة، والمناقصة "على أساس المنافسة الحرة، والمساواة بين المتنافسين

" في إتاحة المعلومات المتوافرة لدى الجهة الإدارية وإتاحة الفرصة في الدخول في المنافسة.

(1) درويش، حسين، شرح التشريعات المنظمة للمناقصات والمزايدات والمستودعات في دولة الإمارات العربية المتحدة (معلومات النشر: بدون) ، ص 18

(2)

اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، مصطلحات قانونية، (العراق: مطبوعات المجمع العلمي العراقي، 1394 / 1974، ص 178

(3)

الطماوي، سليمان محمد الأسس العامة للعقود الإدارية دراسة مقارنة، الطبعة الرابعة، (مصر: مطبعة عين شمس، 1984) ، ص 213؛ وانظر: اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، مصطلحات قانونية، ص 178

(4)

السنهوري، عبد الرزاق، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، (مصر: جامعة الدول العربية، معهد البحوث والدراسات العربية، 1967) ، 2 / 61

ص: 597

المبحث الثاني: الإجراءات المتبعة في عقد المزايدة

عقد المزايدة في العصر الحديث شكلا وهيئة جديدة، تعتمد الإعلان في الصحف ووسائل الإعلام، وتتم إجراءاتها كتابيا، أو مناداة علنية وفق أنظمة وإجراءات محددة، في صورة وهيئة تختلف في بعضها تماما عن الصورة التقليدية (الحراج)(1) .

(الأولى: التقدم بالعطاءات من جانب الأفراد.

والثانية: فحص العطاءات وإرساء المزاد.

والثالثة: إبرام العقد) (2) .

وفيما يلي بيان طبيعة كل مرحلة ووظيفتها، وأهم الإجراءات في خطوط عريضة وعناصر رئيسة:

المرحلة الأولى: التقدم بالعطاءات من جانب الأفراد، ويتم وفق التالي:

أولا: الإعلان عن المزايدة في الصحف ووسائل الإعلام لتحقيق المنافسة الحرة، والمساواة بين المتنافسين، "وهذا الإعلان ضروري حتى يكون هناك مجال حقيقي للمنافسة بين الراغبين في التعاقد مع الإدارة لأن بعض الراغبين في التعاقد قد لا يعلم بحاجة الإدارة إلى ذلك، ومن ناحية أخرى فإن الإعلان يحول بين الإدارة وقصر عقودها على طائفة معينة من المواطنين بحجة أنهم وحدهم الذين تقدموا"(3) .

(1)(حراج – بوزن سحاب – مكررة كلمة ينطق بها البائع مرتين، أو مرارا قبل أن يبيع ببيعا تاما ما بيده، فالحراج إذن وقوف البضاعة مع الدلال عند ثمن لا يزاد عليه، ومنه سوق الحراج في المدن الكبيرة) الشرباصي، أحمد، المعجم الاقتصادي الإسلامي (مصر: دار الجبل عام 1401 / 1981) (حراج) ، ص 113

(2)

الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 255

(3)

الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية دراسة مقارنة، ص 217

ص: 598

ثانيا: "بعد الإعلان عن المناقصات، أو المزايدات العامة يجب بطبيعة الحال أن تحدد مهلة معقولة لكي يفكر فيها من يريد التقدم، وليزن عطاءه، وظروفه جيدًا قبل التقدم

" (1) .

المرحلة الثانية: فحص العطاء وإرساء المزاد:

"وهي مرحلة تمهيدية تستهدف اختيار أفضل المتقدمين وفقا لنوع المناقصة، (أو المزايدة) ......، ويقوم بهذه العملية

لجنتان هما لجنة فتح المظاريف، ولجنة البت....

ومهمة اللجنة (لجنة فتح المظاريف) كما هو واضح من تسميتها تنحصر في فتح مظاريف العطاءات المتقدمة، تمهيدًا لفحص العطاءات، والتأكد من مطابقتها للشروط المعلن عنها، واستبعاد العطاءات التي لا تستوفي الشروط لسبب أو لأخر، ومهمة لجنة البت في العطاءات إتمام الإجراءات بقصد الوصول إلى تعيين أفضل المناقصين، أو المزايدين حسب القانون ......

وتختص بإتمام الإجراءات المؤدية إلى تعيين من ترسو عليه المناقصة – المزايدة – بعد تحقيق شروطها توطئة لاضطلاع جهة الإدارة بمهمتها الخاصة بإبرام العقد، واختصاص اللجنة في هذا الصدد اختصاص مقيد تجري فيه على قواعد وضعت لصالح الإدارة والأفراد على السواء بقصد كفالة احترام مبدأ المساواة بين المتناقصين (أو المزايدين)

، وينتهي عمل هذه اللجنة بتقرير أصلح العطاءات

، ثم يأتي بعد ذلك دور جهة التعاقد، وهي الجهة المختصة بإبرام العقد مع المناقص، (أو المزايد) الذي وقع عليه اختيار لجنة البت" (2) .

المرحلة الثالثة: إبرام العقد

ويختص به هيئة أخرى غير (لجنة البت)"قد تكون رئيس المصلحة، أو رئيس الإدارة المركزية، أو الوزير المختص......".

والمسلم به أن التزامات الإدارة لم تبدأ إلا من هذه اللحظة، أما قبل ذلك فإن التعاقد يكون في دور التكوين، وكل ما يترتب على قرار لجنة البت نتيجة واحدة، وهي التزام الإدارة بأن لا تتعاقد إلا مع من يرسو عليه المزاد، أو المناقصة، وهذا هو ما يعرف بآلية المزاد (أو المناقصة)(3) .

(1) الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 239

(2)

الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 239

(3)

الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 271

ص: 599

المبحث الثالث: ركنا الإيجاب والقبول في المزايدة قانونًا

التكييف القانوني لركني الإيجاب والقبول في عقد المزايدة كالتالي: التقدم بالعطاء، من قبل المزايد بمثل الإيجاب في العقد بيعًا، أو إجارة، أو غير ذلك.

إرساء المزاد يمثل القبول فيه.

يقدم العلامة عبد الرزاق السنهوري خلاصة المبادئ القانونية فيما يتعلق بهذين الركنين من أحكام في الفقرات التالية:

"أولا: في بيع المزاد – ولنفرض التعاقد بيعًا – الإيجاب ليس هو طرح الصفقة في المزاد، وإنما هو التقدم بعطاء، والقبول هو إرساء المزاد على متقدم بعطاء. وبإرساء المزاد يتم البيع لمن رسا عليه المزاد، ولو تقدم بعد ذلك شخص آخر بعطاء أكبر.

ثانيا: من تقدم بعطاء، اعتبر عطاؤه إيجابا كما قدمنا. وهو هنا إيجاب ملزم؛ لأن ظروف الحال تدل على أن من تقدم بعطاء أراد أن يتقيد به ولا يرجع عنه، ويبقي مقيدا بعطائه إلى أن يسقط هذا العطاء بعطاء أزيد على الوجه الذي قدمناه، أو حتى تنتهي جلسة المزاد دون أن يرسى عليه المزاد. أما إذا أرسي عليه المزاد في الجلسة فقد تم البيع على ما ذكرنا.

ثالثا: العطاء اللاحق يسقط العطاء السابق، فمن تقدم بعطاء يزيد على عطاء سابق يسقط بعطائه هذا العطاء السابق، ويبقى عطاؤه اللاحق هو العطاء القائم. ويلاحظ أن التقدم بعطاء هو تعبير عن إرادة تتجه لإحداث أثر قانوني، فهو إذن تصرف قانوني. ولكن العطاء اللاحق إنما يسقط العطاء السابق، لا باعتباره تصرفًا قانونيًا، بل باعتباره واقعة مادية. ومن ثم يسقط العطاء اللاحق العطاء السابق، حتى لو كان العطاء اللاحق باطلا، كعطاء يتقدم به قاض في بيع عين متنازع عليها، ويقع نظر النزاع في اختصاصه، أو كان قابلا للإبطال، كعطاء يصدر من قاصر، أو محجور عليه.

رابعا: لا يتحتم إرساء المزاد على من يتقدم بأكبر عطاء، وإن كان هذا هو المفروض ما لم يشترط خلافه. فقد يشترط صاحب السلعة أن من حقه ألا يرسى المزاد حتى على من يتقدم بأكبر عطاء؛ لأن هذا العطاء لا يجزيه في السلعة، أو لأنه لا يحب التعامل مع صاحب أكبر عطاء، أو لأي سبب آخر يذكره، أو لغير ما سبب يبديه. وقد يشترط أن من حقه أن يرسي المزاد على أي شخص يتقدم بعطاء يختاره، ولو كان عطاؤه لا يزيد على عطاء غيره، أو يقل عنه، مع إبداء سبب ما" (1) .

المبحث الرابع: دعوى الغبن في المزايدة

جرى القانون على نفي الغبن فيما بيع في المزاد العلني إذا اشترطت المحكمة بيعه بالمزاد العلني، وتم البيع فعلا بالمزاد كنص القانون، وفي ملخص موجز للأحوال التي لا يقبل فيها الطعن بالغبن في المزايدة، يقول العلامة الدكتور عبد الرزاق السنهوري:

" ويخلص مما قدمناه أنه لا يجوز الطعن بالغبن في الأحوال الآتية:

(1)

إذا بيع عقار غير كامل الأهلية في المزاد العلني تنفيذًا لدين.

(2)

إذا بيع عقار غير كامل الأهلية في المزاد العلني تنفيذ لأمر المحكمة التي أذنت في البيع.

(3)

إذا بيع عقار غير كامل الأهلية في المزاد العلني لعدم إمكان قسمته عينا" (2)

(1) مصادر الحق: 2 / 62

(2)

الوسيط في شرح القانون المدني (4) العقود التي تقع على الملكية، البيع والمقايضة، (بيروت: دار إحياء التراث العربي) ، المجلد الأول، ص 395.

ص: 600

الفصل الثاني

الدراسة التنظيمية

المبحث الأول: نموذج تطبيقي من النظام السعودي

من المناسب تقديم نموذج تطبيقي من أنظمة المزايدة القائمة في بعض الدول الإسلامية من المملكة العربية السعودية، فقد مر نظام المزايدات والمناقصات بالمملكة العربية السعودية بمراحل عديدة تضمنت تغيرات شكلية، وموضوعية:

"ففي عام 1361 هـ صدر نظام المناقصات العلنية ليضع قواعد خاصة لعقود الإدارة، وتلاه نظام المشتريات العامة في سنة 1364 هـ ......، ثم نظام (المناقصات والمزايدات الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم 6، وبتاريخ 24/2/1386 هـ وأخيرا صدر نظام تأمين مشتريات الحكومة، وتنفيذ أعمالها بالمرسوم الملكي رقم 4، وتاريخ 1 / 7 / 1397 هـ، وتلاه بعض الأوامر السامية، والتعاميم التي نظمت بصورة شاملة كيفية اختيار الإدارة للمتعاقد معها، وطرق إبرام عقودها، وأحكام، وآثار هذه العقود"(1) .

وسيتم العرض هنا لما يخص عقد المزايدة من (نظام تأمين مشتريات الحكومة) في المملكة العربية السعودية الصادر بالمرسوم الملكي رقم 4، وتاريخ 1 / 7 / 1397 هـ الجاري به العمل في الوقت الحاضر

(1) نجيم، أحمد بن سالم، وعبد اللطيف بن صالح العبد اللطيف، العقود الإدارية ومشكلات تنفيذها في المملكة العربية السعودية، ندوة العقود الإدارية في المملكة العربية السعودية، ص 21 - 22

ص: 601

القواعد الأساسية:

وهي قواعد مشتركة بين عقود المزايدات والمناقصات، والتوريدات، وقد وردت في النظام في المواد التالية:

"مادة (1) : يراعي في تأمين مشتريات الحكومة، وتنفيذ ما تحتاجه من مشروعات وأعمال القواعد الأساسية التالية:

أ- لجميع الأفراد والمؤسسات الراغبين في التعامل مع الحكومة ممن تتوفر فيهم الشروط التي تؤهلهم لهذا فرص متساوية، ويعاملون على قدم المساواة.

م / 1 / ب توفر للمتنافسين معلومات كاملة، وموحدة عن العمل المطلوب، ويمكنون من الحصول على هذه المعلومات في وقت واحد، ويحدد ميعاد واحد لتقديم العروض.

م / 1 / جـ تتعامل الحكومة في سبيل تأمين مشترياتها، وتنفيذ مشروعاتها، وما تحتاجه من أعمال من الأفراد والمؤسسات المرخص لهم بممارسة العمل الذي تقع في نطاقه الأعمال، أو المشتريات اللازمة طبقا للأنظمة والقواعد المتبعة".

ثم استمر النظام يعرض لبعض الشروط والخصائص المحلية الواجب توافرها في المتقدمين مما ليس له صفة العموم بالنسبة للمزايدات، مستمرا في هذه المادة حتى م / 1 / ز.

وفي المادة الثانية تعرض إلى قواعد تقديم العروضِ، وهي في موادها تطبيق للمرحلة الأولى التي نص عليها القانون في المبحث الثاني من الفصل الثاني، والذي يهم الباحث منه؛ بصفة خاصة الفقرات التالية:

"م / 2 / د: يقدم مع العرض ضمان ابتدائي يتراوح بين 1و2 % من قيمته وفقا لما تحدده الشروط والمواصفات، ولا يلزم تقديم هذا الضمان في حالة الشراء المباشر، أو العروض المفتوحة المشار إليها فيما بعد".

كما تعرض في هذه المادة إلى قواعد فتح المظاريف في م / 2 / هـ.

وفي م / 2 / هـ توضيح للآتي:

"م / 2 / هـ: لا يجوز للمتنافسين في غير الحالات التي يجوز التفاوض فيها وفقا لأحكام هذا النظام تعديل أسعار عروضهم بالزيادة، أو النقصان بعد تقديمها".

أما المواد التي تخص المزايدات في النظام ولائحته التنفيذية فهي ما يأتي:

"المادة (11) : يجوز بيع ما يزيد من المنقولات عن حاجة الجهة الإدارية، ولا تحتاجه غيرها من الجهات بعد تقدير قيمتها بمعرفة لجنة من ثلاثة من الموظفين على الأقل، تسترشد في ذلك بأسعار السوق، على أن لا يقل ثمن البيع عن تقرير اللجنة المذكورة، فإذا زادت قيمة هذه المنقولات عن مائة ألف ريال فلا يتم البيع إلا بمزاد علني وفقا للإجراءات التي تنص عليها اللائحة التنفيذية لهذا النظام.

ولا يجوز لموظفي الحكومة شراء أصناف مما تبيعه الحكومة إلا إذا كان البيع بمزايدة علنية، وكانت الأصناف المشتراة لأستعمال المشتري خاصة".

ص: 602

قواعد المزايدات:

"المادة (38) : مع عدم الإخلال بما تقضي به المادة (11) من النظام يتم بيع المنقولات الزائدة عن حاجة الجهة الإدارية بمزاد علني ينشر عنه في الصحف، وفي مقار الجهة الإدارية، والبلدية قبل ميعاد المزاد بخمسة عشر يومًا على الأقل.

المادة (39) : على من يشترك في المزاد العلني أن يقدم ضمانًا، يبلغ واحدة في المائة من قيمة عرضه، يزاد إلى خمسة في المائة بالنسبة لصاحب أفضل عطاء عند انتهاء المزاد، وعليه أن يدفع باقي القيمة عند اعتماد الترسية.

المادة (40) : تعتمد نتيجة الترسية من الوزير، أو رئيس الدائرة إذا بلغت القيمة خمسمائة ألف ريال فأكثر، ومن الوكيل إذا قلت".

المبحث الثاني: أهم الشروط والمتطلبات

في المزايدات في العصر الحديث

عقد المزايدة في هيئته الحديثة وبصورته الإدارية الحكومية يخدم مصلحة عامة، يحرص النظام على مراعاتها، والمحافظة عليها، وفي سبيل ذلك وضعت الضوابط والشروط التي من شأنها تحقيق تلك المصلحة وضمانها، ومن هذه الضوابط والشروط العامة ما يلي:

أولا: "التأكد مقدما من صلاحية المناقصين، أو المزايدين، فيتعين على هؤلاء أن يثبتوا قيامهم في عهود قريبة بأعمال تشبه في نوعها الأعمال المطروحة في المناقصة، أو المزايدة، حتى لا تتعاقد الإدارة مع بعض المغامرين فتضار المصلحة العامة "(1) .

ثانيا: اشتراط رسم للدخول في المزايدة والمناقصة، مثل تحديد سعر للوثائق الخاصة بكل واحدة منها.

ثالثا: "تقديم تأمين مؤقت لا يقل عن 1 % من مجموع قيمة العطاء

ولا يقل عن 2 % من قيمة العطاء" (2) . والهدف من هذا "ضمان جدية المتقدم" (3) .

هذا وقد تفرض كل دولة شروطها وإجراءات مختلفة لا تمت بصلة إلى العقد مباشرة، "وإنما تستهدف أغراضا متعددة أهمها الضغط على راغبي التعاقد من الشركات حتى تخدم الالتزامات التي تفرضها التشريعات الاجتماعية، والعمالية ...."(4) .

(1) الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 221

(2)

الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 223

(3)

الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 223

(4)

الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 238

ص: 603

المبحث الثالث: استعمالات اقتصادية حديثة لعقد المزايدة

المزايدة في الشركات:

ألف الناس المزايدة في البيوع والإجارات، ومع تطور المعاملات التجارية، وتطور أساليبها وأدواتها تبين عمليا إمكانية استخدام (المزايدة) في عقود أخرى غير ما سبق، وذلك هو توظيف طريقة (المزايدة) للحصول على أعلى نسبة للمشاركة في الربح مع المستثمر في عقد مشاركة، وصورة ذلك:

"أن تطرح البنوك الإسلامية في المزايدة مشاريع استثمارية تكون قد أثبتت جدواها الاقتصادية، ووافق البنك على تقديم التمويل لمن يرغب في إنشائها:

وعنصر المزايدة في ذلك هو سعي البنك للحصول على أعلى نسبة للمشاركة في الربح مع المستثمر في عقد مشاركة" (1) .

الفصل الثالث

الدراسة الفقهية المقابلة

يتضح من خلال العرض السابق لعقد المزايدة تعريفًا، وأحكاما في الشريعة والقانون، والأنظمة الحديثة – وجود نقاط اختلاف واتفاق في الشكل والمضمون يقتضي البحث إبرازها ودراستها في مبحثين (2) .

المبحث الأول: الشكل

يختلف عقد المزايدة شكلا في بعض صوره وهيئته في الأنظمة والقوانين الحديثة عنه في مصادر الشريعة والفقه الإسلامي، وبالتحديد في الأسلوب التحريري الكتابي والتنظيمي السري أحيانا في مراحله الثلاث، في حين أن الثابت والوارد في الشريعة الإسلامية المناداة والإعلان الشفهي (الحراج) .

وهو اختلاف في الأسلوب، والأدوات والتنظيمات التي من شأنها الحرص على سلامة المزايدة، وضمان نزاهتها، تشملها بعض مدلولات القاعدة الفقهية المشهورة:(العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني) .

هذه التنظيمات تستهدف في حقيقتها المحافظة على أهداف المزايدة، وتحقيق المقاصد الشرعية المتوخاة من إيجاد منافسة شريفة في رفع السعر وزيادته لصالح صاحب السلعة، أو المؤسسة، أو الإدارة الحكومية. بل يتعين هذا الأسلوب في الشريعة الإسلامية إذا كان الغرض منه مساعدة صاحبه على سداد عوزه، أو قضاء دينه، أو رفع الحجر عنه، أو تحقيق ريع أو غلة أكبر للموقوف عليهم من فقراء، أو مرافق عامة كالمدارس، ودور الأيتام والعجزة، أو تحقيق دخل اكبر لمصلحة حكومية تنفقه على مرفق عام من مرافق الأمة.

والمزايدة أسلوبا وشكلا يرد على عقود عديدة مثل البيع، والإجارة، والشركات وغير ذلك من أنواع المعاملات، وكما يمارس من قبل الأفراد فإنه يمارس من قبل الهيئات والإدارات.

(1) الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 238

(2)

ورقة العمل المقدمة من المجمع

ص: 604

ركزت الدراسات الفقهية الإسلامية على المزايدة بالمناداة في سوق الحراج (المزاد) ؛ لأن هذا هو الأسلوب والشكل السائد في القرون الماضية، في حين أن القانون والأنظمة الحديثة تتناول الجانب التحريري الكتابي، وهو أسلوب متطور تتسع له قواعد الشريعة الإسلامية، وتتبناه ما دام أنه يحقق الغرض المطلوب من دون خروج أو معارضة للقواعد الشرعية وأصول المعاملات.

المبحث الثاني: المضمون

يتفق القانون والأنظمة الحديثة مع الشريعة الإسلامية وفقهها أن هذا العقد قائم على المنافسة النزيهة بين المتقدمين في المزاد، وإفساح المجال لهم على قدم المساواة. كما يتفقان على مشروعية رغبة صاحب السلعة فردا، أو جهة استثمارية، أو هيئة، أو إدارة حكومية في الحصول على ثمن أو ربح أعلى من خلال أسلوب المزايدة، وكما يضمن تحقيق هذه الرغبة بين الأفراد بعضهم مع بعض، وفق الصور التقليدية البسيطة للمزايدة فإنها متحققة وموجودة في الصور التنظيمية الحديثة، ولا توجب معارضة شرعية.

* أوجبت الشريعة الإسلامية سلوكيات وأخلاقا وأحكاما على المتقدمين في المزاد من هذا تحريم التغرير والخداع مطلقا سواء من البائعين، أو المشترين، أو أطراف خارجية، أو بواحد من هؤلاء ضمانا للمنافسة الحرة النزيهة.

اتفقت الأنظمة والقوانين الحديثة مع الشريعة الإسلامية على مراعاة تلك الجوانب، وقننت لها أساليب تتناسب وأحجام المعاملات وتطورها في العصر الحاضر، خصوصا فيما يتصل بالمؤسسات والإدارات، فقد حاولت أن تضع بعض القيود والشروط للحد من الممارسات المنحرفة من أطراف المزايدة، بما يخدم المصلحة العامة، ويسد الطريق امام المحتالين والمختلسين.

* يتمثل ركن الإيجاب في الفقه الإسلامي في عقد المزايدة في عطاء المزايد وهو ملزم له في العقد سواء رسا العطاء عليه وتوقفت عنده الزيادة، أم لا.

ركن القبول يمثله البائع صاحب السلعة في إعلانه الرضى بالثمن الذي انتهى إليه المزاد، أو رضاه بما هو أدني منه من شخص معين؛ إذ أن له الخيار في إمضاء البيع مع من شاء من المزايدين، بصرف النظر عن مقدار العطاء، وسواء وجد شرط بذلك أم لا.

ص: 605

يتفق القانون مع الفقه الإسلامي في بعض هذه العناصر، ويختلف عنه في أخرى. أما الاتفاق فهو في ركن الإيجاب المتمثل في عطاء المزايد’ والقبول المتمثل في رضا البائع جملة، لا تفصيلا، يتضح هذا من الاختلاف في النقاط التالية:

أولا: العطاء اللاحق لا ينسخ العطاء السابق في الفقه الإسلامي، فكل مزايد ملزم بعطائه سواء كان سابقا أو لاحقا، هذا إذا كان البيع على الفور، قال المواق:"وأما إن تنوع الوقت فلا يتفق هذا عندنا في الحاجة الموقوفة يأتي صاحبها بعد الموسم، يحمل الناس على عوائدهم ومقاصدهم"(1) .

ثانيا: أن المبدأ السابق ينسجم تماما مع آثاره الشرعية المترتبة عليه، وهو إعطاء صاحب السلعة الحرية في اختيار من يبيع له السلعة من المزايدين، دون أن يكون للثمن الأعلى التزاما مفروضا على البائع، وهذا حق شرعي إذا لم يوجد شرط بخلافه.

في حين أن القانون يعطي هذا الحق لصاحب السلعة في حالة واحدة إذا اشترط أن من حقه أن لا يرسى المزاد على من يتقدم بأكبر عطاء

وقد يشترط أن من حقه "أن يرسى المزاد على أي شخص يتقدم بعطاء يختاره

" (2) .

* دعوى الغبن في المزايدة مقبولة في الشريعة الإسلامية وليس الأمر كذلك في القانون. ولعل الاتجاه القانوني في منع دعوى الغبن في المزايدة كما هو مذهب فريق من الفقهاء المسلمين هو: "أن قيمة الشيء بعد المناداة عليه في الأسواق وشهرته هي ما وقف عليه

" (3) . ومعني هذا "أنه لا يتصور فيه غبن" (4) .

ولكن الحقيقة أن " قيمة الشيء ما يقومه به أهل معرفته، وهي تابعة لصفته، فإن كانت - أي صفته - جيدة كثرت قيمته، وإن كانت رديئة حطت، أي قيمته

" (5) .

وقد تتحكم بعض الأسباب في تقليص المزايدة وعدم بلوغ السلعة ثمنها، ويتضح مستقبلا وجود الغبن غير المعتاد، ففي قبول الدعوى إنصاف لصاحبها إن كان فردًا، وحماية للمصلحة العامة إن كانت وقفا، أو جهة حكومية، أو مرفقا عاما.

* ومن أهم ما تنفرد به القوانين والأنظمة عن الشريعة المطهرة في عقد المزايدة من ناحية المضمون أيضا الأمور التالية:

أولا: إثبات المتقدمين للمزايدة "قيامهم في عهود قريبة بأعمال تشبه في نوعها الأعمال المطروحة في المناقصة أو المزايدة"(6) .

(1) الونشريسي، أحمد بن يحيى، المعيار المغرب، 5 / 38

(2)

السنهوري، عبد الرزاق، مصادر الحق، 2 / 62

(3)

الوزاني، أبو عبد الله محمد المهدي، تحفة الحذاق بنشر ما تضمنته لامية الزقاق، ص 304

(4)

الوزاني، أبو عبد الله محمد المهدي، تحفة الحذاق بنشر ما تضمنته لامية الزقاق، ص 304

(5)

الوزاني، أبو عبد الله محمد المهدي، تحفة الحذاق بنشر ما تضمنته لامية الزقاق، ص 304

(6)

الطماوي، محمد سليمان، الأسس العامة للعقود الإدارية، ص 221

ص: 606

ثانيا: اشتراط رسم للدخول في المزايدة والمناقصة يختلف مقداره بين مزايدة، أو مناقصة وأخرى (1) .

ثالثا: اشتراط التأمين المالي، أو الضمان الابتدائي والانتهائي (2) . وفيما يلي تتم مناقشة هذه الموضوعات ودراستها في ضوء القواعد العامة في الشريعة الإسلامية:

أولا: إثبات المتقدمين كفاءتهم ووفاءهم في أعمال سابقة هو إجراء إداري، المقصود منه أن لا تقدم الإدارة أو المؤسسة على التعاقد مناقصة، أو مزايدة إلا وهي واثقة من كفاءة المتقدم وقدرته على تنفيذ ما وكل إليه، حتى لا تتغير أعمالها، وتتأخر مشاريعها، أصبح هذا من الحاجيات التي يتطلبها الاضطلاع بأي مشروع عاما كان أو خاصا، حتى لا تتعرض المصلحة العامة أو الخاصة للضياع والإهمال، وفي هذا حماية المصلحة العامة من عبث العابثين، وأخذ الحيطة في مثل هذه الأمور مسئولية شرعية يتوجب التحقق منها، والتأكد من سلامتها.

ثانيا: اشتراط رسم الدخول في المزايدة، أو المناقصة مثل تحديد سعر للوثائق. لا بد من البداية من التفرقة بين المناقصة، والمزايدة في هذا الأمر، إذ أن رسم الدخول غالبا ما يكون مطلوبا في المناقصة، وفي المزايدة أحيانا نادرة، ذلك أن المناقصة عبارة عن قائمة احتياجات من مشاريع، أو منقولات يحتاجها المعلن بمواصفات معينة تسد حاجته، وتشبع رغبته، قد يتطلب هذا توظيف بعض الخبرات والاستشارات الموسعة، التي يحتاج أن ينفق عليها المعلن مقدارا من المال يرتفع وينخفض حسب أهمية المطلوب في المناقصة، وحين يعلن عن المناقصة المسهمين في المناقصة بمجموع المواصفات والدراسات التي أكملها في الصورة التي يرغب تنفيذ المشروع على ضوئها، أو تأمين المنقولات حسب مواصفاتها، فيحسب مقدار تكلفة تلك الدراسات والأعمال المكتبية ليستعيدها من مجموع تلك الرسوم من المتقدمين لتنفيذ المطلوب.

ومن جهة أخرى فإن تلك المواصفات والدراسات ستوفر على المتقدم في المناقصة الكثير، بحيث لا يحتاج إلا التنفيذ بموجبها عندما يرسو عليه العطاء.

وفي ضوء هذا التفصيل يمكن القول بأن هذا صحيح بالنسبة لمن رسا عليه عطاء المناقصة؛ لأنه سيفيد منها، أما الآخرون الذين لم يرس عليهم العطاء فإنهم يدفعون تلك الرسوم دون مقابل، ولا يستعيدونها؛ إذ يقضي العدل والإنصاف أن تكون مسئولية دفع التكاليف جميعها من قبل من ظفر بعطاء المناقصة، وإذا كان هذا معلوما لديه مسبقا فإنه سيحتسب تكلفة تلك الدراسات ضمن تكاليف المشروع التي يتقدم لها لإدارة ذلك المشروع أو المؤسسة، ذلك أن من رسا عليه عطاء المناقصة هو المستفيد الوحيد دون أحد آخر، أو تكون التكلفة من مسئوليات الإدارة وواجباتها فتتحمل تكاليفها دون المسهمين، وفي كلا الحالتين فليست هي مسئولية من لم يظفر بالعطاء في المناقصة، وبهذا نستطيع أن تخلص معاملاتها من شبهة أكل أموال الناس بغير حق.

(1) ورقة العمل المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي بجدة

(2)

ورقة العمل المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي بجدة

ص: 607

أما المزايدة فإنها غالبا ما تكون على أشياء فائضة عن حاجة صاحبها، أفرادا، أو إدارات تدفعها إلى المزاد بقصد التخلص منها، وفي الغالب لا يشترط في الدخول فيها إلى دفع رسوم إلا حيث تكون تحت أعمال مكتبية، أو استشارات خاصة أو غير ذلك.

وفي جميع الحالات فرسوم الدخول سواء في المناقصة، أو المزايدة إذا كانت موجباتها ما سبق فالأولي والأحق بدفعها من رسا عليه العطاء في المناقصة، أو المزايدة لأنه المستفيد الوحيد وسيحتسبها ضمن تكاليف المشروع مناقصة، أو مزايدة، وربما يكون هذا من واجباته ومسئولياته لو لم تقم المؤسسة أو الإدارة بتجهيزها، ومن ثم تقدمها له، وليس من سبب شرعي أن يكلف بدفع التكلفة كلها، أو جزء منها من أصبح مؤكدا خروجه من العقد، وعدم استفادته منه.

ثالثا: يشترط القانون الوضعي، والنموذج التطبيقي للمزايدات ضمانا ماليا بـ 1 %، ويزاد إلى 5 % لصاحب أفضل عطاء عند انتهاء المزاد، وعليه أن يدفع باقي القيمة عند اعتماد الترسية كما نصت عليه المادة (39) اللائحة التنفيذية لنظام المشتريات الحكومية.

وهذا ليس موجودا ضمن أحكام الشريعة الإسلامية وموادها في عقد المزايدة والغرض من هذا الضمان المالي هو التأكد من جدية المزايد وضمان صدق رغبته.

ص: 608

والإجراء المتبع في هذا؛ هو إعادة الضمان المالي لمن لا يرسو عليه العطاء، ومضاعفته إلى 5 % على من يرسو عليه العطاء محتسبا له في النهاية من قيمة العطاء، هذا هو بيع العربون في المعني والجوهر، وهو بهذه الصورة من الصور الجائزة الصحيحة في المذهب الحنبلي فحسب، قال العلامة منصور البهوتي:

" (و) يصح (بيع العربون)

، (و) يصح (إجارته) أي العربون. قال أحمد وابن سيرين: لا بأس به، وفعله عمر، وعن ابن عمر أنه أجازه، و (هو) أي بيع العربون (دفع بعض ثمن) في بيع عقداه، (أو) أي وإجارة العربون: دفع بعض (أجرة) بعد عقد إجارة (ويقول) مشتر، أو مستأجر (إن أخذته) أي المبيع أو المؤجر احتسبت بما دفعت من ثمن، أو أجرة، وإلا فهو لك، (أو) يقول: أن (جئتك بالباقي) من ثمن، أو أجرة، وإن لم يعين وقتا، (إلا فهو) أي ما قبضته (لك لما روي عن نافع بن عبد الحارث، أنه أشتري لعمر دار السجن من صفوان بن أمية، فإن رضي عمر، وإلا فله كذا وكذا، قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر، وضعف حديث ابن ماجه، أي أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع العربون)

، (وما دفع في عربون فلبائع) في بيع، (و) لمؤجر في إجارة (إن لم يتم) العقد

". (1) .

والضمان المالي الذي يقدمه المزايدون في هذا العقد راجع وعائد لهم في النهاية إذا رسا العطاء دون استثناء.

قد يكون التأمين المالي ضمانا بنكيا متمثلا في خطاب الضمان يصدره البنك، يتحمل فيه مسئولية ما ينجم من تقصير المزايد تجاه مسئوليته وواجباته حيال الطرف الآخر، مقابل نسبة مئوية يتحصل عليها من صاحب الخطاب فلهذا الإجراء تعلقان:

1-

التعلق الأول: العلاقة بين المزايد (أو المناقص) وصاحب السلعة، ولهذا الأخير أن يشترط في العقد لضمان جدية المزايد، وصدق رغبته ما يكفل طمأنينته، ويضمن حقوقه، سواء في صورة ضمان، أو كفالة، أو رهن، يختار من الوسائل والأدوات المشروعة المالية، أو الشخصية ما يضمن حقوقه، ويحافظ على مصلحته (والمؤمنون عند شروطهم) ، فإذا طالب بضمان بنكي فهو حق له، ولا غبار عليه أن يختار هذا النوع من الضمان.

(1) شرح منتهي الإرادات، ج 2، ص 165، انظر: البهوتي منصور بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، ج 3، ص 195

ص: 609

2-

التعلق الثاني: العلاقة بين المزايد (المضمون) والبنك الذي يصدر خطاب الضمان، وما يتحصل عليه في مقابل ذلك من فوائد مالية فقد قرر حكمه تفصيلا مجمع الفقه بجدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم 12 وتاريخ 1 – 16 ربيع الثاني سنة 1406 هـ، 22 – 28 ديسمبر سنة 1985 م في النص التالي:

(1)

– أن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي، والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء، أو بدونه، فإن كان بدون غطاء فهو ضمن ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالا، أو مالا، وهذه هي حقيقة ما يعني في الفقه الإسلامي باسم (الضمان) ، أو (الكفالة) .

وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي (الوكالة) ، والوكالة تصح بأجر، أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له) .

(2)

- أن الكفالة هي عقد تبرع للإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعا على المقرض، وذلك ممنوع شرعا، ولذلك فإن المجمع يقرر ما يلي:

أولا: أن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان (والتي يراعي فيها عادة مبلغ الضمان ومدته) سواء أكان بغطاء أم بدونه.

ثانيا: أما المصاريف الإدارية لإصدار الخطاب الضمان بنوعيه فجائزة شرعا، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي يجوز أن يراعي في تقرير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء، والله أعلم (1) .

(1) منظمة المؤتمر الإسلامي، مجمع الفقه الإسلامي قرارات وتوصيات، 1406 – 1409 / 1985 – 1988، (جدة: شركة دار العلم للطباعة والنشر) ، ص 22

ص: 610

في ضوء هذا التفصيل يكيف المزايد وضعه الشرعي مع البنك الذي يصدر خطاب الضمان، دون أن يكون لصاحب السلعة تعلق، أو علاقة بالوضع بين المزايد والبنك ما دام يحصل على ضمان حقوقه بطريقة شرعية فيما بينه وبين المزايد.

* أما المزايدة في الحصول على نسبة ربح أعلى في مشاريع استثمارية تكون قد أثبتت جدواها الاقتصادية، ووافق البنك على تمويل من يرغب في إنشائها فإن المضاربة، ومعناها شرعا:

"أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه"(1) .

فالعقد مشروع إذا استكمل أركانه وشروطه، والمزايدة في نسبة الربح، ومحاولة كل من الطرفين الحصول على أعلى نسبة منه أمر مشروع يعود إلى ما اتفقا عليه في العقد.

والمزايدة في الربح حسب الصورة السابقة سواء في شركة المضاربة، أو غيرها من أنواع الشركات لها أصل شرعي تقاس عليه في البيوع والإجارات، ذلك أن لجوء صاحب السلعة، بقصد البيع أو الإجارة، إلى المزايدة للحصول على أعلى ثمن في حدود الأحكام والضوابط الشرعية جائز، وقصد معتبر في الشرع، كذلك الأمر بالنسبة للربح بين المضارب ورب المال.

كذلك لجوء الشريك الممول في المضاربة أو غيرها من الشركات إلى المزايدة في الحصول على نسبة أعلى من الربح بقصد تنمية ماله، وزيادة ربحه عن طريق المزايدة، يجتمع مع البيع والإجارة في المعني، ويتفق معهما في القصد ما لم تكن مخالفة شرعية، أو تجاوزات للأركان والشروط وأسباب الصحة في أصل العقد.

ولا تتجاوز المزايدة بصورتها المشروعة أن تكون أسلوبا شكليا، وطريقا من الطرق المشروعة للربح وتنمية المال تقع على العقود المتوخاة لتنمية الأموال التي ترك الشرع صياغتها، وتحديد أسلوبها رحمة بالناس، لتكييفها حسب احتياجاتهم واختلاف بيئاتهم وأزمانهم.

يأخذ هذا الحكم عموم جواز استعمال المزايدة في جميع العقود المباحة المعلومة، وغير المعلومة، إذا التزم المزايدون فيها أركان الصحة وشروطها، وتفادوا ما يفسدها، أو يتعارض مع مقصد من مقاصد الشريعة وقواعدها.

وليس في الشريعة ما يمنع صاحب راس المال أن يدخل في أكثر من عقد مع المضارب في مشاريع استثمارية أخرى، إذا تحقق قدرته وكفاءته على الاضطلاع بها، ويعد كل عقد قائما بذاته، مستقلا عن الآخر بشروطه وواجباته.

(1) ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد، المغني، 5 / 22

ص: 611

خاتمة البحث

الخلاصة والنتائج

إن العرض السابق لعقد المزايدة تعريفا، وبسطا لأحكامه ومسائله في الشريعة الإسلامية والقانون، ومن خلال النموذج التطبيقي في دراسة تحليلية موجزة خلص إلى الأحكام والنتائج التالية:

أولا: أن عقود المعاملات في الشريعة الإسلامية من المرونة بحيث يمكن أن تتقبل الأشكال، والأساليب في المعاملات بما يحقق المصلحة العامة، ويحفظ حقوق المتعاقدين ما لم تعارض قاعدة شرعية، أو تناقض قصدا مرعيا، ذلك " أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني ".

فإذا سلم أصل العقد وحقق أغراضه الشرعية فالشكل مقبول وصحيح ما سلمت أصول العقد، وقعت عليه المزايدة.

ثانيا: أن الإجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي، وتنظيم إداري أن لم يكن من (الضروريات) فهو من (الحاجيات) في الوقت الحاضر، ومراعاتها معلومة في الشريعة الإسلامية، ولو قيل إنها من التحسينيات "وهي التي تقع موقع التحسين، والتيسير للمزايا، ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات"(1) ، "وهي ما به كمال الأمة في نظامها

فإن لمحاسن العادات مدخلا

" (2) .

(1) ابن عاشور، الطاهر، مقاصد الشريعة، (تونس: الشركة التونسية للتوزيع) ، ص 82

(2)

ابن عاشور، الطاهر، مقاصد الشريعة، (تونس: الشركة التونسية للتوزيع) ، ص 82

ص: 612

وأهمية واعتبارا في الشرع، وهي مقصد مهم من مقاصد الشريعة المطهرة يتوجب توخيها.

ثالثا: أن الضوابط والشروط الإدارية في عقد المزايدة في جملتها لا تتعارض ومبادئ الشريعة الإسلامية، خصوصا ما يتصل منها بتحديد القدرات والكفاءات والإنجاز بما يخدم المصلحة العامة، ويقطع على المتهاونين سبل الخلل والإهمال.

رابعا: أن لزوم الإيجاب من قبل المزايد، ومنح البائع الخيار في القبول كما في الشريعة الإسلامية منسجم تمامًا مع أهداف هذا العقد، وملائم لطبيعته؛ ذلك أن المقصد الأساس أن يكون لصاحب السلعة الكلمة الفصل في إنجاز العقد، والرضي بالسعر الذي يريده، ولمن يختاره.

خامسا: رسم الدخول (قيمة وثيقة المواصفات) التي تعد من قبل صاحب المزايدة، أو المناقصة، موضحًا فيها الشروط المطلوب تنفيذها والتقيد بها تمثل في الحقيقة تكاليف الخبرات والاستشارات ومجموع الأعمال والجهود للوثائق المعدة ينبغي أن لا يتحملها من لم يرس العطاء عليه، فإذا أخذت منه أخذت بغير مقابل، وبدون وجه حق، وهي جديرة بأن تكون مسئولية الجهة صاحبة المصلحة.

سادسا: الضمان المالي الابتدائي الذي يرد في النهاية إلى صاحبه هو بيع العربون وهو نموذج عادل، حيث لا يحق أخذه من قبل صاحب المناقصة، أو المزايدة في جميع الأحوال، ظفر المزايد بالعطاء، أو لم يظفر به.

سابعا: الضمان النهائي معتبر للمزايد، أو المناقص إذا وفي بمسئولياته، ويخصم لحسابه، وهو بيع العربون الجائز صورة وحقيقة، ولا يخالف في صحته المعارضون لصحة بيع المعربون.

ثامنا: الضمان البنكي صورة من صور الضمان المالي، وهو بصوره الصحيحة، أو الفاسدة لا يؤثر على العقد الصحيح، بل هو خارج عن العقد، وليس من مسئوليات الجهة صاحبة العقد أن تتحقق صحته، أو فساده.

تاسعا: صحة الضمان وإباحته في عقد المزايدة مسئولية المضمون، وهو بالتحديد: العلاقة بين المضمون والضامن تحكمها المبادئ والأسس الشرعية، وتحدد علاقتهما في ضوء القواعد، والقرارات المجمعية الفقهية.

عاشرا: استعمال عقد المزايدة توصلا للحصول على نسبة ربح أعلى في مشاريع استثمارية بالمشاركة استعمال جديد يتفق مضمونا وأهدافا مع استعماله المعتاد في البيوع والإجارات، وغيرها من عقود المعاملات المبسوطة في الفقه الإسلامي، المعلوم صحتا وجوازها.

حادي عشر: قبول دعوى الغبن في المزايدة كما هو الراجح في المذهب المالكي إنصاف للأفراد، وحماية للمصلحة العامة ينسجم مع تعاليم الشريعة الإسلامية القائمة على العدل والإنصاف.

ثاني عشر: يحمل الناس على عوائدهم ومقاصدهم فيما يجزي فيه اختلاف في عقد المزايدة.

كما أنه يلجأ إلى قرائن الأحوال فيما ينشأ عنه من نزاع بين المتبايعين (1) .

في الختام أتوجه إلى المولى الكريم أن يجنبنا الزلل في القول والعمل، وأن يغفر ما قد زل به القلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خيرته من خلقه، أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

(1) انظر: الونشريسي، المعيار المغرب، 5 / 38

ص: 613

مصادر البحث

- الآبي الأزهري، صالح عبد السميع.

جواهر الإكليل شرح مختصر العلامة خليل.

مصر: دار إحياء الكتب العربية.

- الأبي، أبو عبد الله محمد بن خلف الوشتاني.

إكمال إكمال المعلم شرح صحيح مسلم.

بيروت: دار الكتب العلمية.

- اتحاد المجامع العلمية العربية

مصطلحات قانونية.

العراق: مطبوعات المجمع العلمي العراقي، عام 1394 هـ / 1974 م.

-ابن الأخوة، محمد بن محمد بن أحمد القرشي.

معالم القربة في أحكام الحسبة.

تحقيق محمد محمود شعبان، وصديق أحمد عيسى المطيعي.

مصر: الهيئة المصرية للكتاب.

- أنيس، إبراهيم، وعبد الحليم منتصر، وعطية الصوالحي، ومحمد خلف الله أحمد.

المعجم الوسيط.

معلومات النشر: بدون.

- البابرتي، أكمل الدين محمد بن محمود.

شرح العناية على الهداية.

ص: 614

الطبعة الأولى مع فتح القدير.

مصر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، عام 1389 هـ / 1970 م.

- البخاري، محمد بن إسماعيل.

صحيح البخاري.

تحقيق محمود النواوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، ومحمد خفاجي.

مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة.

- البهوتي، منصور بن يونس.

شرح منتهي الإرادات.

المدينة المنورة: مكتبة محمد عبد المحسن الكتبي.

* كشف القناع متن الإقناع

راجعه وعلق عليه هلال مصيلح مصطفى هلال.

الرياض: مكتبة النصر الحديثة.

- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم.

فتاوى ابن تيمية.

الرباط: مكتبة المعارف، طبع على نفقة الملك خالد، 1401 / 1981م.

- ابن جزي، محمد بن أحمد

ص: 615

القوانين الفقهية.

ليبيا وتونس: الدار العربية للكتاب.

- الحجاوي، موسى.

الإقناع.

تصحيح وتعليق عبد اللطيف محمد موسى السبكي.

مصر: المطبعة المصرية.

- ابن حجر، أحمد بن علي.

فتح الباري بشرح صحيح البخاري

رقّم أبوابه محمد فؤاد عبد الباقي، وصححه محب الدين الخطيب.

مصر: المطبعة السلفية ومكتبتها.

- الحطاب، محمد بن عبد الرحمن المكي.

مواهب الجليل على مختصر أبي الضياء سيدي خليل.

الطبعة الأولى

مصر: مطبعة السعادة، عام 1328 هـ.

- الخطابي، أبو سليمان حمد بن محمد.

معالم السنن.

الطبعة الأولى

حلب: المطبعة العلمية، عام 1325 هـ / 1933 م.

- أبو داود، سليمان الأشعث السجستاني.

سنن أبي داود.

ضبط وتعليق محمد محيى الدين عبد الحميد.

بيروت: دار إحياء التراث العربي.

- الدردير، أبو البركات، أحمد بن محمد.

الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب مالك.

أخرجه مصطفى كمال وصفي.

مصر دار المعارف.

- درويش، حسين.

شرح التشريعات المنظمة للمناقصات والمزايدات والمستودعات في دولة الإمارات العربية المتحدة.

معلومات النشر: بدون.

- الدسوقي، محمد عرفة.

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير.

بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

- ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي.

المقدمات الممهدات.

الطبعة الأولى، تحقيق سعيد أحمد عراب، وعبد الله الأنصاري.

ص: 616

بيروت: دار الغرب الإسلامي، عام 1408 هـ / 1988 م.

* البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة.

الطبعة الأولى.

تحقيق أحمد الشرقاوي إقبال، ومحمد حجي.

بيروت: دار الغرب الإسلامي، عام 1404 هـ / 1984 م.

- الرملي، شمس الدين محمد بن أحمد.

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج.

مصر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، عام 1386.

- الزرقاني، سيدي عبد الباقي.

شرح الزرقاني على مختصر سيدي الخليل

بيروت: دار الفكر، عام 1398 هـ / 1978 م.

- الزمخشري، جار الله أبو القاسم محمود بن عمر.

أساس البلاغة

الطبعة الأولى: تحقيق عبد الرحيم محمود.

مصر: مطبعة أولاد أوقاند، عام 1372 هـ/ 1953 م.

- الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي.

نصب الراية لأحاديث الهداية.

الطبعة الأولى

مصر: مطبعة دار المأمون، عام 1357 هـ / 1938 م.

* تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق.

الطبعة الثانية بالأوفست، مصورة عن الطبعة الأولى.

بيروت: دار المعرفة.

- الساعاتي، أحمد عبد الرحمن البنا.

الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد.

الطبعة الأولى.

مصر: طبع على نفقة المؤلف، عام 1370 م.

ص: 617

* بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، مع الفتح الرباني.

الطبعة الأولى. مصر: طبع على نفقة المؤلف، عام 1370 هـ.

- ابن السبكي، تاج الدين عبد الوهاب.

مفيد النعم ومبيد النقم.

الطبعة الأولى. تحقيق محمد علي النجار، وأبو زيد شلبي.

مصر: دار الكتاب العربي، عام 1367 هـ / 1948 م.

- السنهوري، عبد الرزاق.

مصادر الحق في الفقه الإسلامي

جامعة الدول العربية: معهد البحوث والدراسات العربية، عام 1967 م.

* الوسيط في شرح القانون المدني (48) العقود التي تقع على الملكية، البيع والمقايضة.

بيروت: دار إحياء التراث العربي.

- ابن سودة، أبو عبد الله محمد التاودي.

شرح لامية الزقاق.

بعد أن طبع أربع مرات قبلها.

فاس: مطبعة المكتبة المخزنية الفاسية، عام 1341 هـ.

- الشافعي، محمد بن إدريس.

الأم.

تحقيق محمد زهري النجار.

مصر: مكتبة الكليات الأزهرية.

ص: 618

- الشرباصي، أحمد

المعجم الاقتصادي الإسلامي.

بيروت: دار الجيل، عام 1401 هـ/ 1981م.

- الشرواني، عبد الحميد.

حاشية على تحفة المحتاج بشرج المنهاج، مع شرح التحفة.

بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

- الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم.

المهذب، مع شرحه المجموع.

الطبعة الأولى

جدة: مكتبة الإرشاد.

- الطماوي، سليمان محمد.

الأسس العامة للعقود الإدارية دراسة مقارنة.

الطبعة الرابعة.

مصر: مطبعة عين شمس، عام 1948 م.

- ابن عاشور، الطاهر

مقاصد الشريعة الإسلامية.

الطبعة الأولى

تونس: الشركة التونسية للتوزيع. 1978 م.

- ابن عبد البر. أبو عمر يوسف.

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد.

الطبعة الأولى. تحقيق أحمد أعراب.

المغرب: وزارة الأوقاف والشئون الدينية، عام 1407 هـ / 1987 م.

* كتاب الكافي في فقه أهل المدينة المالكي.

الطبعة الثانية: الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، عام 1400 هـ /1980م.

ص: 619

- ابن عرفة، أبو عبد الله محمد.

حدود ابن عرفة مع شرحها للرصاع.

الطبعة الأولى. تحقيق محمد أبو الأجفان، والطاهر المعموري.

بيروت: دار الغرب الإسلامي، عام 1993 م.

- العيني، بدر الدين أبو محمد محمود.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري

بيروت: دار التراث العربي. مصورة عن الطباعة المنيرية.

* البناية في شرح الهداية.

الطبعة الأولى. تصحيح المولوي محمد بن عمر، الشهير بناصر الإسلام الرامفوري.

بيروت: دار الفكر، عام 1401 هـ / 1981 م.

- ابن غانم البغدادي، أبو محمد.

مجمع الضمانات.

الطبعة الأولى

بيروت: عالم الكتب، عام 1407 هـ/ 1987 م.

- ابن فارس، أبو الحسين أحمد.

ص: 620

معجم مقاييس اللغة.

تحقيق عبد السلام هارون، مصر: دار الفكر.

- ابن قاضي سماوة، محمود بن إسماعيل.

جامع الفصولين.

الطبعة الأولى، مصر: المطبعة الأزهرية، عام 1300 هـ.

- ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد.

المغني.

الطبعة الثالثة. تعليق وتصحيح السيد محمد رشيد رضا.

مصر: دار المنار، عام 1367 هـ.

- الكاساني، علاء الدين.

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع.

الطبعة الثانية.

بيروت: دار الكتب العلمية، عام 1394 هـ / 1974 م.

- مالك بن أنس.

الموطأ، مع شرح تنوير الحوالك.

مصر: عبد الحميد أحمد حنفي.

- ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني.

سنن ابن ماجه

الطبعة الأولى. تحقيق محمد مصطفى الأعظمي

الرياض: شركة الطباعة العربية السعودية، عام 1403 هـ.

- الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب.

"كتاب البيوع من الحاوي".

دراسة وتحقيق محمد مفضل مصلح الدين. رسالة دكتوراه.

مكة: جامعة أم القرى، قسم الدراسات الشرعية، عام 1408 هـ / 1989 م.

- المباركفوري، محمد عبد الرحمن

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي.

مراجعة وتصحيح عبد الرحمن محمد عثمان.

مصر: مؤسسة قرطبة.

- المجليدي، أحمد سعيد

ص: 621

كتاب التيسير في أحكام التسعير.

تقديم وتحقيق موسى إقبال.

الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع.

- المرغيناني، أبو الحسن علي بن أبي بكر.

الهداية شرح بداية المبتدي.

الطبعة الأخيرة.

مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.

- نجيم، أحمد بن سالم وعبد اللطيف بن صالح.

" العقود الإدارية ومشكلات تنفيذها" بحث ميداني مقدم في ندوة العقود الإدارية في المملكة العربية السعودية.

الرياض: معهد الإدارية العامة، عام 1410 هـ.

- ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد.

فتح القدير على الهداية شرح البداية.

الطبعة الأولى: مصر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، عام 1389 هـ / 1970 م.

- الهيتمي، شهاب الدين أحمد بن حجر.

تحفة المحتاج بشرح المنهاج.

بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

- الوزاني، أبو عبد الله محمد المهدي بن محمد بن الخضر الشريف العراني.

تحفة الحذاق بنشر ما تضمنته لامية الزقاق.

أعيد طبعه بعد أن طبع أربع مرات.

فاس: مطبعة المكينة المخزنية الفاسية، عام 1341 هـ.

- الونشريسي، أحمد بن يحيى.

المعيار المغرب.

الطبعة الأولى، تحقيق محمد حجي.

بيروت: دار الغرب الإسلامي، عام 1410 هـ / 1981 م.

ص: 622

المناقشة

البيع بالمزايدة

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم

لعلي قد كلفت بتقديم هذه العروض لأن عرضي كان أصغر العرضين؛ عرضي وعرض لفضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان وعبر عنه بالبيع بالمزايدة، فبحث الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان اشتمل على واحد وسبعين صفحة، وعرضي اقتصر على تسع وثلاثين صفحة. وهذا البيع اختلفنا أيضا في التعبير عنه، فالدكتور عبد الوهاب أبو سليمان لقبه بالبيع بالمزايدة، وعبرت عنه ببيع المزايدة أخذا من تعبير الفقهاء وتعريف ابن عرفة. سوف أقتصر أولا على الملخص الذي كتبته للبحث ثم أقوم بمقارنة بيني وبين زميلي بذكر النواحي التي نختلف فيها فقط، أما فنحن على اتفاق، وفي ذكر النواحي التي أهملها بعضنا وذكرها البعض الآخر، وابتداء أريد أن أبين وأذكر بموضوع وهو هذا الموضوع الثالث البيع بالمزايدة، أنواعه، الجهات التي تحتاج إليه، الإجراءات المتبعة الآن في البيع بالمزايدة، حكم طلب الضمان البنكي لكل من يريد الدخول في المزايدة، اشتراط الرسم للدخول في المزايدة كتحديد السعر للوثائق الخاصة بالمزايدة، هل تجوز عمليات الاستثمار بالمزايدة؟ وصورتها أن تطرح البنوك الإسلامية في المزايدة مشاريع استثمارية تكون قد أثبتت الدراسات جدواها الاقتصادية ووافق البنك على تقديم التمويل لمن يرغب في إنشائها، وعنصر المزايدة في ذلك هو سعي البنك للحصول على أعلى نسبة للمشاركة في الربح مع المستثمر في عقد المشاركة، وما الحكم إذا كان المستثمر عاملا في عقد مضاربة مع البنك؟ الصور الحديثة للنشر المنهي عنها في بيع المزايدة، وأقول قبل الافتتاح إني غطيت كل ما طلب مني إلا الفقرة الثانية وهو الإجراءات المتبعة الآن في البيع بالمزايدة لأني لم أفهم حسب توقعي أن كاتبا يتحدث عن الإجراءات المتبعة في بلده أو في كافة البلدان الإسلامية وإذا كانت في كافة البلدان الإسلامية فهو فوق طاقتي، وإذا كان في بلدي فقط فإنه لا يفيد نظرا إلى أن المجمع هو مجمع للعالم الإسلامي كله.

ص: 623

بيع المزايدة:

حقيقته: أطلق على هذا البيع: بيع المزايدة والبيع في من يزيد، وهو أن يعرض صاحب السلعة ما يريد بيعه على الراغبين فيزيد بعضهم على بعض حتى تنقطع الزيادة فيصفق البائع أن شاء وقف السلعة للعرض. وهذا التعريف أخذته من تعريفات الفقهاء وذكرت في الأصل تعريف ابن عرفة بقيوده، ولكن كما نعلم تعاريف ابن عرفة هي تعاريف يسير فيها على الطريقة المنطقية، فيها كثير من الالتواءات واللبس المنطقي فأخذت خلاصة حكمه وعبرت عنه بهذا التعبير الجديد.

حكمه: اختلف فيه المتقدمون فذهب بعضهم إلى كراهته مطلقا وذهب بعضهم إلى جوازه بدون كراهة من بيع المغانم والمواريث فقط.

وذهب آخرون إلى جوازه مطلقا بضوابط البيع الشرعي، وهذا الخلاف إنما هو خلاف تاريخي إذ حصل إجماع من الفقهاء على جوازه بعد ذلك.

مقارنة بين منافع هذا العقد ومفاسده:

يستفيد من بيع المزايدة البائع باعتبار أن حظه من وجود مشتر جاد يكون أقوى، وهو في حاجة إلى السيولة النقدية، كما يتيح له تحقيق ثمن أرفع مما لو لم يناد عليه ويشهره للبيع، ويستفيد منه المشتري بما يتيحه الإعلان من تركيبه من وجود ما يرغب فيه بيسر خاصة من الأشياء المستعملة، ومن ناحية أخرى فقد يتضرر التجار من بيع المزايدة إذ يصرف الإشهار والنداء المشترين عنهم إلى السلع المعروضة في سوق المزايدة، كما يمكن أن يتضرر فيه المشترون، إذ أن الظروف النفسية لبيع المزايدة قد تغري المشتري بدفع ثمن الأرباح. ولذلك بينت في الأصل أنه لا بد من أن يأخذ ولي الأمر والدول الإسلامية من الضوابط ما يحول دون هذه المفاسد التي يمكن أن تكون في بيع المزايدة.

ص: 624

أقسام بيع المزايدة:

ينقسم بيع المزايدة بالنظر إلى طريقة إنجازه إلي:

أولا: أن تعرض السلعة في السوق وينادي عليها البائع بنفسه أو بواسطة سمسار أو بواسطة المأمور القضائي إلى أن تنتهي الزيادة.

ثانيا: أن يعرض متولي البيع السلعة بثمن رفيع فإن وجد من يقبل وإلا خفضه وما يزال يخفضه إلى أن يقبل به أحد المشترين فيفوز بالبضاعة وهو أقل ما يستعمل ولكنه موجود وخاصة في أمريكا.

ثالثا: أن يعلن عن بيع السلعة بالمزايدة ويقدم الراغبون عروضهم في ظروف مختومة تفتح في أجل محدد ومن طرف هيئة محددة ويفوز بالسلعة من كان عرضه أوفر وعلى هذه الطريقة تجري الشركات والبيع الصادر عن الدولة.

وينقسم بالنظر إلى الحالة التي عليها البيع:

أولا: إلى بيع الأشياء الجديدة.

ثانيا: إلى بيع الأشياء المستعملة.

ثالثا: إلى بيع التحف والنفائس.

ويجوز بيع الأشياء الجديدة ما لم يتضرر التجار من ذلك، كما يجوز بيع الأشياء القديمة مع ضوابط الرجوع بالعيب، كما ينبغي ضبط أماكن بيع التحف والنفائس حماية للمشتري والبائع من التحايل.

وينقسم بالنظر إلى متولي البيع:

أولا: أن يكون البائع هو المالك ولفائدته.

ثانيا: أن يكون البائع غير المالك كما إذا دعا أحد الشركاء إلى تصفيق ما لا يقسم أو يتضرر ببيعه منفردا، وكالبائع على المحجور، وقد بينت اختيار الفقهاء في هذا ودليل كل فريق من الفقهاء الذين ذهبوا إلى أنه يجبر الشريك على البيع إذا كان الشريك يتضرر من بيع قسطه وحده بلزوم بيع المزايدة ينبرم العقد إذا صفق البائع السلعة لآخر راغب بالثمن الذي بذله.

ثالثا: للبائع أن يصفق السلعة لأحد المتزايدين مفضلا له على باذل الثمن الأرفع؛ لأن كل من زاد هو ملتزم بالثمن الذي عرضه ما لم يطل أو يجر عرف وما لم تكن السلعة بيد المشتري بعد الطول وفي البحث تفصيل هذه الأحكام.

الزيادة بعد تثبيت البيع: إذا لم يظهر غبن لا تقبل الزيادة، وإذا ظهر في البيع غبن فالمشهور عدم قبول الزيادة، وجرى العمل بقبولها في الأندلس، ولذلك قد يترجح أنه يتبع العرف، وفي تقدير الغبن خلاف هل هو ما يعتبر كثيرا أو هو ما بلغ الثلث أو ما يجاوزه وما معنى ما يعتبر كثيرا؟ فإذا افترضنا أن البيع بمائة ألف دولار فعشرة آلاف دولار هي عشر الثمن. فتقدير الكثرة والقلة هو اعتبار بنسبة ضخامة البيع أو حقارته.

قلت هنا: على ولي الأمر أن يضبط الغبن الموجب لقبول الزيادة حتى يضبط الأمور وقطعا لباب الخلاف.

ص: 625

خيار النقيصة حالة البيع بالبراءة:

وخيار النقيصة كما يجري في بيع المزايدة يجري في غيره من البيوع، وقد نص على هذا كثير من الفقهاء، وذكرت نصوصا في أصل البحث إذا وجد المشتري عيبا بالمبيع وباعه على البراءة، الحالة الأولى أن يكون قد باعه على البراءة أو ذكر أنه معيب بكل عيب. ذهب الحنفية إلى أن المشتري لا حق له في القيام بالعيب في هذه الحالة، وذهب المالكية إلى أن بيع البراءة لا ينفع إلا في الرقيق إذا كان البائع صاحب السلعة أو وكيله، وأما إذا كان البائع الحاكم أو الوارث فله أن يبيع على البراءة بشرط أن لا يعلم بالعيب وذهب الشافعية في أصح الأقوال إلى أنه ماض في بيع الحيوان والرقيق، وذهب الحنابلة إلى أن بيع البراءة لا يفيد البائع، وللمشتري القيام بالعيب مطلقا، إذا علم البائع العيب وكتمه عن المشتري، فللمشتري القيام بالعيب مطلقا، وإذا كان غير عالم كبيع الحاكم والوارث والوصي لا قيام فيه بالعيب، وبيع غيرهم البائع متحمل لكل عيب قديم.

خيار النقيصة إذا باع لا على البراءة:

إذا اطلع المشتري على عيب في المبيع موجود قبل العقد في اتفاق أو قبل القبض في ما يتعلق به حق التوقيف باتفاق أو قبل القبض عند غير المالكية في غير ذلك، فإن كان البائع قد كتمه فالمشتري بخيار، تقدير ما هو عيب يرجع للعرف العام أو لأهل الخبرة فيما دق من العيوب، ويطالب القائم بحق الرد المالك أن تولى البيع، وكذلك الوكيل إذا كان مفوضا إليه، وكذلك وكيل البائع إذا لم يبين أنه وكيل، وغير المالك، وما باعه الوصي لنفقة من هم إلى نظره لا يرجع القائم إلا في عين شيئه فإن أنفقه لم يكن له شيء، وما باعه القاضي فإن كان على اليتيم فالقائم يأخذ حقه من مال اليتيم فإن هلك فلا شيء له وما باعه لقضاء الديون فللقائم مطالبة الغرماء. والفضولي يتحمل العهدة إلا إذا أجاز المالك فعله، والسمسار لا عهدة عليه.

هل يرد السمسار ما أخذه إذا انتقص البيع؟ إذا رد المشتري البيع وكان قد تحمل بأجرة السمسار فهل يعود على السمسار؟ إذا كانت السمسرة إجارة فلا يرجع البائع على السمسار بأن يتفق معه على أن ينادي على السلعة يوما أو يومين أو مدة معلومة، وإذا كان فعلا قد اتفق معه على البيع يوما أو يومين أو عشرة متى انتهى ووصل المبيع إلى غاية ثمنه فإنه يتم البيع، وإذا كان جعلا وجب عليه رد ما أخذه إذا كان البائع غير مدلس وحكم القاضي عليه بالرد، ويجب الرد أيضا إذا كان البائع غير مدلس وحكم القاضي عليه بالرد، ويجب الرد أيضا إذا كان السمسار مواطئا للبائع على الكتمان.

ص: 626

من الأسئلة حكم طلب الضمان:

الضمان هو طلب عربون عند عقد الصفقة يأخذه البائع إن نكل المشتري عن إتمام البيع، وهذا يرتبط بآخر العربون وهو الذي قال به أحمد، وهو ما يجري به العمل في البلاد الإسلامية، فيكون القرار في هذا مرتبطا بقرارنا في جلسة الصباح كما وصل إليه القرار في جلسة الصباح، يسري على بيع المزايدة.

اشتراط أن يكون المشارك في المزايدة قد تملك كراسة الشروط:

لا يوجد ما يمنع البائع من اشتراط أن يكون المشارك بالمزايدة قد اشترى كراس الشروط واطلع عليه واشتراط ذلك لا مانع منه لهوان قيمته بالنسبة لأصل الصفقة عادة؛ إذ لو كان رفيع الثمن، لكان عامل طرد للمزايدين، وهو عكس رغبة البائع ومصلحته، لعل فضيلة الدكتور أبو سليمان خالفني في هذا وقد ذكر في بحثه عند قوله.

خامسا: رسم الدخول، يرى أن قسيمة ورسم المواصفات التي تعد من قبل صاحب المزايدة أو المناقصة موضحا فيها الشروط المطلوب تنفيذها والتقيد بها يمثل في الحقيقة تكاليف الخبرات والاستشارات ومجموع الأعمال والجهود والوثائق المعدة ينبغي ألا يتحملها من لم يرس العطاء عليه، فإذا أخذت منه أخذت بغير مقابل وبدون وجه حق، وهي جديرة بأن تكون مسئولية الجهة صاحبة المصلحة، يرى فضيلة الدكتور أبو سليمان أنه لا يجوز بيع هذه الوثائق وأنه يجب أن تقدم بدون مقال. ورأيي أن هذه الوثائق هي وثائق تمثل معلومات تبيعها الدولة أو تبيعها الشركة، لها أن تبيعها، ولم تلزم أحدا بشرائها، فإذا قال: إني لا أقبل إلا من يمسك هذه الوثائق حتى يكون على بينة تامة من إقدامه على العقد، أرى أنه لا مانع من ذلك، وهذه كلها قضايا جديدة، ونبهت في الأصل على أنها قضايا جديدة لا عهد بها ولا توجد من قبل ولم يتكلم فيها الفقهاء من قبل.

ص: 627

عمليات الاستثمار بالمزايدة:

لما كان الغرض من بيع المزايدة توفير الغنم للعارض فلا مانع من أن يعمد البنك الإسلامي في عرض مشروعه على المشاركين مزايدة على معنى أن يزيد بعضهم على بعض في النسبة التي يحصل عليها البنك من المشروع، هكذا تصوري للقضية.

النجش:

إذا كان القصد منه التغرير بالمشتري ليزيد في السلعة ويبلغ بها ثمنا أعلى من قيمتها فهو حرام بالإجماع، وإن كان للبلوغ بالسلعة المعروضة قيمتها فقد اختلف فيه الفقهاء والراجح الذي أطمئن إليه منعه لأنه خداع، وبينت آراء الحنفية في هذا وأنهم يرون وكذلك ابن العربي الذي يرى أن دخول شخص لتبلغ السلعة قيمتها إذا رأى أنها ستباع بدون قيمة؛ أنه عمل طيب، بل يرى ابن العربي أنه مأجور ويشمل النجش دخول طرف ثالث بالتواطؤ مع البائع أو بدون تواطؤ، ومنه ما تقوم به وسائل الإعلام في التنويه بالسلعة وكتمان نقائصها وعرضها عرضا مغريا بالدخول في المزايدة، فهذه كلها اعتبرها أنا أنها من أنواع النجش.

هذا ملخص البحث كما قدمته وكما هو موجود بين أيديكم، بقي أنه عندما أقوم بمقارنة بين ما كتبته وبين ما تفضل به أخي الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.

أولا: الدكتور أبو سليمان أفاض القول في الإجراءات المتبعة الآن بالبيع بالمزايدة الذي تركته أنا. وتعرض في ذلك فقط إلى بيع المزايدة في المملكة العربية السعودية وتتبع القوانين وتواريخها والإجراءات وكيف تتم، فعلا بالنسبة للتفصيلات ما ذكرت منها إلا ما كان متصلا ببيع المزايدة، أما ما كان عاما فلم أتعرض له، سيادة الدكتور أبو سليمان تعرض للدلال وكذلك الإعلان بالصحف وكذلك إلى آخره، من القضايا التي توسع فيها ولم أتوسع فيها أنا باعتبار أني رأيت أنها تعود إلى قواعد فقهية عامة. في الصور الحديثة للنجش الشائعة لبيع الرجل على بيع أخيه يقول فضيلة الدكتور أبو سليمان ويمثل ظاهرة اجتماعية سيئة بين التجار عندما يعرف البعض بوكالة بيع بعض البضاعة، أتعلمون ما يتحدث فيه فعلا؟ أنا ذكرت القضية هي أنه يتحدث الدكتور أبو سليمان في صور النجش في النيابة إذا كان الشخص ينوب عن شركة من الشركات ليتولى البيع عنها فيأتي شخص آخر إلى تلك الشركة ويعرض عليها أنه يبيع لها بأخفض من النسبة التي يأخذها الآخر، فهذه ذكر أنها مما يتنافي مع مبادئ الشريعة، ثم تحدث عن الشخص الموجود في المعروض وفي نجش التقليد.

هذا ملخص عام لما اطلعت عليه من بحث زميلي ومن ملخص بحثي، وشكرا لكم على حسن الاستماع.

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته

ص: 628

الشيخ خليل الميس:

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الشكر للباحثين، استوقفتنا ملاحظة عجيبة أن الباحثين مرّا بموضوع ولم يقفا عنده، وهو في قول من قصر صحة بيع النجش على الغنائم والمواريث لحكمة، لم لم يتوقف أمامها الباحثان؟ هذا واحد، أمر آخر تحرير مذهب فقهاء الحنفية، الحقيقة هو ليس في مستوى الفقيهان في إباحة هذا العقد وإليكم العبارات.

عبارات الأحناف: أولا: ما قاله أبو الحسن علي بن أبي بكر المرغناني، أورد ذكر هذا العقد في مساق البيوع المنهي عنها حيث قال: ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش - أو النجش برواية – وعن السوم على سوم غيره، وعن تلقي الجلب، وعن بيع الحاضر للبادي وكل ذلك يكره ولا يقصد به البيع، ولا بأس ببيع من يزيد، هذه من بحث الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان؛ إذن هنا المناسبة للبيوع المنهي عنها، هو ألحق بها بيعا لقوله لا بأس، وكلمة لا بأس عند فقهاء الحنفية ما كان تركه أولى، هذا شيء متفق عليه، أمر آخر في لو تنزلنا تاريخيا نجد عند صاحب الكلف؟ الكنز وشارحه يقول: وكذا السوم إنما يكره فيما إذا جنح قلب البائع إلى البيع بالثمن الذي سماه المشتري أما إذا لم يجنح قلبه ولم يرضه فلا بأس لغيره أن يشتريه بأزيد، إذن ليس الإطلاق ولكن هنا قال: علقها على ميل القلب هكذا أما إذا لم يجنح قلبه فلا بأس لغيره أن يشتريه بأزيد لأن هذا بيع من يزيد، وقال أنس وأتي بالحديث والأمر العجيب لم يتركوا الحديث هكذا بل قال أنس: إنه عليه الصلاة والسلام باع قدحا وحلسا في من يزيد – رواه أحمد والترمذي، والتعليق: ولأنه بيع الفقراء والحاجة ماسة إليه كأن هنا أمرين يفرزان قناة هذا الأمر، ثم يتنزل إلى قول الكاساني والعبارة هنا عنده يقول: فإن كان لم يجنح فلا بأس للثاني أن يشتريه لأن هذا ليس سوما على سوم أخيه، ولا يدخل تحت النهي بل هو بيع من يزيد وأنه ليس بمكروه.

تأملوا كيف العبارة بدأت تتغير وأنه ليس بمكروه؛ لم؟ علل لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا له ببيع من يزيد، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيع بيعا مكروها، إذن وكأن الشارح بهذا توقف أمام الحديث فهو ما بين أمرين؛ ما بين الحديث الذي ثبت وما بين الرضا الذي تشوبه شائبة في هذا البيع فيحرم. وشكرا.

والسلام عليكم

الشيخ محمد الشيباني:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أشكر الباحثين العارض وزملاءه، الحقيقة أن بيع المزايدة بمعناه الصحيح هو بيع صحيح عند جميع العلماء، والذي أعلق عليه ولا أريد أن أرجع إلى الوراء، هو أن العربان أو العربون الذي يقبله عارض السلع أنه يختلف عن ما قال الإمام أحمد، الإمام أحمد رحمه الله جعل البيع بين اثنين فقط، أما هذه الشركات أو المؤسسات التي تعرض سلعها للبيع فإن العربون قد يصل أصحابه إلى مائة فمع أي هؤلاء نتعاقد معه.

أنا أريد أن أقول هذا للأمانة، أرى أننا إما أن نقول مصيبة عمت بها البلوى ولا ننسب ذلك للإمام أحمد رحمه الله، الإمام أحمد رحمه الله جعل الأمر بين اثنين فقط، بائع ومشتر، وإن المشتري له الخيار فيما بعد، نحن الآن قبل أن يكون البائع له الخيار قبل هذا إذا كان البيع وقع لا يجوز البيع الآخر وإذا كان لم يقع لا يجوز لآخر وآخر، فقط، أنا أريد أن أنبه إلى السبب الذي نتكلم فيه هو اقتران بيع المزايدة بالعربون وهو أصبح اليوم سائدا في كثير من البلاد، أرجو أن تتأملوا هذا الموضوع ولا تنسبوا للعلم إلا ما هو الحق.

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته

ص: 629

الشيخ وهبة الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

لعل تسمية بيع المزايدة يوضحها ما عليه تسميات القانونيين أن هذا البيع معروف باسم البيع بالمزاد العلني، وهذا النوع من التعاقد سليم من الناحية الشرعية والفقهية وفيه مراعاة لحوائج الناس المتعددة، بل هو طريق لإرخاص السلع خصوصا عن الناس الذين لا يعرفون الأسعار فيدخلون في هذه المناقصات، في النهاية يستقر البيع على الذي زاد أخيرا، فالذي يرسو عليه المزاد وهو دون أن يكون هناك محاولة زيادة من الآخرين بشرط أن تكون زيادة جدية لا نجش فيها، خلافا لما يعمل بعض هؤلاء من ما رأيته بعيني في سوق الموسكى بمصر؛ يحضر اثنين أو ثلاثة الشركة أو المحل التجاري يزيدون وهميا لإيقاع الآخرين في الغرر، وما رايته بعيني في النهاية عندما يرسو المزاد على المستأجرين يمرر القماش من الجانب الآخر ويدخلها إلى المحل الأصلي ثم يعاد عرض هذا القماش مرة أخرى ولأناس آخرين فوقفت حوالي نصف ساعة أو أكثر ثم أعيدت نفس السلعة وهؤلاء المستأجرون يقومون بالزيادة الوهمية لتغرير الآخرين، فإذا كان هناك جدية في الأمر ثم رسا الثمن على واحد منهم دون إشكال فالبيع جائز، وقد نص الفقهاء على أنه جائز عند جمهور الفقهاء، ما عدا زين العابدين بن علي بن الحسين فهذا لم يجزه مما يدل على أن بقية الفقهاء أجازوه، وأما ما ذكره الأخ الشيخ خليل أن الحنفية يعبرون أحيانا لا بأس به ويريدون بذلك أن هذا خلاف الأولى فهذا ليس في كل الأحوال، هذا الإطلاق ليس مرادا عندهم في كل الأحوال، وإنما هذا تعبير بالجواز والإباحة، خصوصا وأن الحديث واضح بيع النبي صلى الله قد باع قدحا وحلسا ثم قال: من يزيد؟ قال: علي درهمان، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لهِ: خذ هذا الدرهم واشتر به لأهلك. وأن الآخر اشترى به قدوما وبارك الله له في صفقته.

فالأدلة واضحة ولا أدري ما الحاجة الشديدة إلى هذه الإطالة في البحوث إلا أن يكون هناك محاولة تغطية لأوضاع جزئية، خصوصًا وأن القضية قضية دفتر الشروط ودفتر الشروط ينبغي أن يكون بثمن ودائما العارض والشركة والدولة تقول أن الذي يريد أن يشارك في هذه المناقصة عليه أن يدفع ثمن هذا الدفتر، ولماذا الشركة تخسر شيئا أنفقت عليه من الخبرة والمعلومات ثم يضيع الأمر ثم تطالب أيضا هذه الجهات التي تعرض بالمزاد العلني أن يكون هناك جدية في العرض أن يوضع عربون يأخذه في النهاية إذا لم يرس الثمن عليه، فلا أجد إشكالا في قضية إباحة هذا النوع من المبايعات وأن الفقهاء يصرحون ببيعه وجوازه، لذلك أن القضية أسهل من أن تثار فيها غبار في قضية مشهورة، وشكرا.

الشيخ عبد الله البسام:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

هذا الموضوع لم نجد شيئا نناقشه فيه، لأنه موضوع متفق عليه بين العلماء وبين الأئمة وأمره ولله الحمد واضح ولا زال المسلمون يتبايعوون بالمزايدة من أول الإسلام وحتى الآن، لأنه ما فيه شيء من غموض ولا في – والحمد لله – ما يوجب بحثه ونقاشه، أنا ارى لو كان بحث البيع بالمزايدة بأطرافه التي فيها إشكالات وفيها خلافات بين أهل العلم وهي أشياء مستجدة طرأت على المسلمين وغير المسلمين لو كان البحث اختصر على هذا يكون أفضل، ومن ذلك أولا يكون: كيف يتم البيع بواسطة الاتصالات الحديثة من الفاكس والتليفون والبرقية؟ متى ينعقد البيع ومتي ينتهي مجلس العقد؟ هذه أمور طرأت على الناس وأصبح الناس يتبايعون ويشترون بواسطة هذه الآلات الحديثة، وهو شيء طرأ على المسلمين وهم الآن لا يشترون ولا يبيعون إلا بواسطة هذه الأمور، وهذا نوع من أنواع بيع المزايدة، أي يجوز العقد، لو بحث هذا الأمر وأعطي حقه من البحث لكان من الأفضل.

ص: 630

أيضا من النواحي التي - وإن كانت قديمة – إلا انها أيضا تستحق العناية، مثلا: البيع على بيع المسلم اختلف فيه العلماء، هل هو من البيع بالمزايدة؟ هل بعد أن ينعقد البيع؟ هل هو شرط باختيار المجلس؟ فيه خلافات بين أهل العلم، وكذلك خيار الشرط، النجش هل يصح معه البيع؟ ويكون للناجش أو صاحب السلعة الخيار أو لا يصح، بيع الغبن وما هو تحديد الغبن؟ من ذلك مثلا، خيار الشرط مدته وانتهاؤه، هذه كلها متعلقة ببيع المزايدة وكلها داخلة في البيوع وهي التي تحتاج إلى مثل هذه البحوث، أما مثلا أقول: من الأفضل أن يحدث تعديل في البحث ويؤجل إلى الدورة الآتية، لهذا، أما هذا فالحمد لله ما فيه شيء بين الأخوان ولا فيه شيء بين الأئمة ونحن استفدنا من هذه البحوث، استفدنا لأن المشايخ الذين كتبوا تعرضوا لأشياء مفيدة، استفدنا منها إنما هي أشياء واضحة ومقيدة والمسلمون يعملون فيها وليس فيها أي نوع من أنواع الإشكال. وشكرا.

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم

في الواقع الذي ذكره الشيخ عبد الله أحب أن أذكر على أنه سبق أن طرح في الدورة السادسة، وهو البيع بواسطة الآلات الحديثة، ولما لم يتوصل المجمع فيه إلى شيء أجل إلى وقت لاحق، فجمعًا بين الأمرين، لو رأيتم على أن يكون من موضوعات الدورة القادمة إن شاء الله تعالى هو البيع بالآلات الحديثة بأنواعها، قرار نهائي أنا أذكر فيها عددا من الفقرات لم يصدر فيها قرار، لكن من الأحسن أن يستحضر القرار وننظر فيه، لكن هنا في بحث الشيخ عبد الوهاب لعل أبرز نقطة في مسألة البيع بالمزايدة وهي ذكرها الشيخ المختار والشيخ عبد الوهاب هي مسألتان: الضمان المالي والضمان البنكي، بالنسبة للضمان البنكي أنا أحب أن أذكر الشيخ عبد الوهاب بأن المجمع قد أصدر فيه قرارا ولعله في الدورة الثالثة التي انعقدت في عمان أو في الدورة الرابعة، وتبقى قضية الضمان المالي حيث إن الضمان المالي من صورها أنه لا يرد في المزايدات الحكومية.

الشيخ محمد المختار السلامي:

لا يمكن أن يكون الضمان المالي لا يرد قد يكون المشاركون مائة.

الدكتور عبد الستار أبو غدة:

فضيلة الرئيس، ممكن تسمح لي، الضمان ضمانات في المزايدات والمناقصات الحكومية ضمان ابتدائي أولي وهو من واحد إلى اثنين، هذا بمثابة العربون كل مساهم أو مزايد أو مناقص يدفع هذا الضمان ومن وقعت عليه المزايدة أو المناقصة يرد الضمان لجميع أهله، وهذا الذي وقعت عليه المزايدة أو المناقصة يطالب بضمان 5 %، 5 % هذه تحتسب من قيمة الشيء إذا وفى بجميع التزاماته وتحسب عليه إذا لم يلتزم، فالضمان الأولي مردود إلى أصحابه لإثبات جدية المزايدين والمناقصين، وهو مثال نموذجي عادل، هذا لضمان عدم دخول من في دخولهم إضرار بالمزايدة هذا واحد، وهو يعود إلى الجميع فيما إذا وقعت المزايدة أو المناقصة على شخص واحد يعود الضمان هذا لجميع أهله.

الرئيس:

شكرا، على كل، الشيخ مختار أو غيره له الحق في أن يقول كل ما يملك.

ص: 631

الشيخ محمد المختار السلامي:

جرينا على قاعدة من أول هذا الاجتماع، والاجتماعات الأخرى أن يعرض العارض ما يريد أن يعرضه، أن يناقش المناقشون، أن يتولى العارض بيان النقاط الغامضة إثر ذلك للجميع، فما بالنا أصبحنا اليوم عند التدخلات، شخص يقول إنه لم يفهم شيئا، وآخر يرينا أنه زايد، يتكلم كل واحد بما يشاء، مع أنه لم تقع هناك زيادة، وأن القضية معروفة من جميع الفقهاء، وهو لم يطلع على البحوث، القضية فيها بحث علمي صحيح ودقيق وبدون دعوى ليس سهلا، فإذا كان عرضه عرضا سهلا فليس ذلك أنه ميسور حتى أصبح تافها. وشكرا.

الشيخ علي محيي الدين القره داغي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.

أولا: نشكر فضيلة المفتي شيخنا المختار السلامي على بحثه القيم وعرضه الطيب، جزاه الله خيرا، فالأخوان الباحثان أتيا بمسائل قديمة ومعاصرة ومسائل قانونية طيبة جدا وهي شاملة وكافية في نظري، عشت معها قبل ما تأتي وهنا قرأت أكثرها ففيها كثير من الأبحاث وكثير من القضايا الجيدة والممتازة وإن كان كما قال الشيخ المختار أنه لم يعرض كل الأشياء لأنه أراد أن يعرض معظم هذه الأشياء، أما البحثان فيغطيان ويزيدان فهو فعلا تتناسى حتى مع الاسم، البيع بالمزايدة أن فيها الزيادة وهذه القضية لا بد من الإشارة إليها والتنويه بها، قضية ثانية، حقيقة كنا نريد أن نقف عند بعض المسائل التي تناولها هذان البحثان ولكنها تحتاج للمناقشة لإصدار قرار، منها: قضية اشتراط البراءة من العيوب ولا سيما هذه القضية ملازمة لقضية البيع بالمزاد والمسألة خلافية كما أشار البحثان إلى ذلك وهل بإمكان المجمع الموقر إصدار قرار بهذه المسألة بعد المداولة والمناقشة التي لا بد أن توجه إلى هذه المسائل العملية، وليست المسائل الشكلية؟ هذه قضية، قضية أخرى مسألة فيما لو كانت أجرة السمسار نسبة مئوية كما هو الآن معهود مثلا 1 % أو5 % أو 10 % هذا معهود في كل المزادات أن السمسار أو الشركة، والآن أصبحت شركات تأخذ نسبة بالمائة، وهذه النسبة مجهولة نوعا ما، وإن النسبة أو الثمن لم يتحدد بعد وبالتالي هذه النسبة غير معلومة، وأنا حقيقة اطلعت على ابن عابدين فوجدت في حاشية الدر المختار عفوا رد المحتار يتكلم عن هذه المشكلة ويقول: ما دامت قد جرت به العادة والعرف فإن تحديد نسبة السمسار بـ 10 % حتى بهذه الصورة موجود في الجزء الثاني فإن هذه النسبة جائزة ويمكن هذه أن تعرض للمناقشة وليست للفتوى، هذه مسألة ثانية. المسألة الثالثة هي خطيرة جدا وهي قضية إعطاء خيار المشتري، لا شك كما قال الأساتذة الكرام أن الخيار خيار المجلس مسألة مختلف فيها والرِأي الراجح حسب نظرنا رأي الحنابلة والشافعية للحديث الصحيح، لكن في مقابل هذين الإمامين هناك إمامان آخران ذهبا إلى عدم الخيار.

ص: 632

وفي قضية البيع بالمزاد، نحتاج أن لا يكون هناك خيار لأنه إذا وجد خيار المجلس انتهت فائدة المزاد، الآن رجل جالس وقائم وبعد ذلك يقول: يا أخي أنا مش عائز، طيب نعيد المزاد مرة أخرى وقد يقول المجلس: هذه المسألة لا بد أن تناقش. هل يعقد بالنسبة للمزاد لطبيعته كما يقولون بالنسبة للنواحي القانونية، يقال الإيجاب ملزم للطرفين اصبح خطرا بالنسبة للشخص الذي يعرف الإيجاب، مثل الإيجاب الذي يوجه للجماهير أصبح ملزما بهذا الإيجاب، كذلك الثاني يصبح ملزما به، فهل نقول بهذا الراي رغم أن هذا خلاف ما رجحناه في الكتب. فهذه المسألة تحتاج للمناقشة والمجلس الموقر مفروض يناقش هذه القضية، في نظرى مسألة بيع النجش فيما لو حدث نجش مثل ما أشار إليه بعض المتداخلين لو تم المزاد عن طريق النجش لا شك العلماء قالوا: أن البيع ينعقد أو أن البيع منعقد، لكن قالوا: يعطي لصاحبه الخيار، وربما هذا رأي وجيه لكنه أيضا معروض للمناقشة.

هذا ما أردت حقيقة أن أذكر أن هناك مسائل أخرى، فأرجو من الأخوة الأساتذة الكرام أن يوجهوا موضوعاتهم نحو هذه المسألة، والمسألة جزئية ولا نحتاج لمثل: نؤجلها أو غير ذلك، نعم بيع المزاد جائز بالاتفاق، ولكن نضع بعض الضوابط حتى لا يقع هناك بعض المحظورات، فيمنع مثلا النجش بعض الضوابط التي يراها السادة الكرام، ثم بعد ذلك يمكن أن نصدر بها قرارا، والله أعلم. وشكرا.

الدكتور/ إبراهيم فاضل الدبو:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

في الواقع عندما نناقش بعض البحوث أو نرد عليها ليس معنى هذا أن ننال منها أو من أصحابها، بل هذا دليل على عمق الدراسة واهتمام الباحث وقدرته، ولكن مهما بلغ الإنسان لا بد أن تكون هناك مسائل تفوقه يجب أن يذكر فيها هذه البحوث على قدرها وجلالتها واتساعها، أخرت بعض الأمور ربما هي تقيدت بالمطلوب منها ولكن هنالك أمور أخرى غير عقد البيع، مثلا عقد الايجار من العقود المستجدة الآن، تطرق لها الدكتور عبد الوهاب في بحثه عن المناقصات الحكومية وتأجير أملاك الحكومة في عقود الاستصناع وفي عقود أخرى، هل يمكن القياس عليها أو تطبيق نفس القواعد في بيع المزايدة، إذ كان ينبغي تناول هذه الأمور وخاصة هي الآن معمول بها وهناك قواعد وقوانين الدول كلها تنص على المناقصات في البيع وفي التأجير، كنا نود أن تشمل هذه البحوث الموضوعات المستجدة، وشكرا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 633

الشيخ علي السالوس:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

الشكر للأخوة الكرام الباحثين لبحوثهم القيمة، الواقع كنت أحب أن يكون مع هذا الموضوع موضوع آخر وهو المناقصات هناك اتصال بين الموضوعين. موضوع المناقصات فيه مشكلات كثيرة في المناقصة أحيانا يتعهد بتوريد أشياء خلال عام مثل طعام للجيش مثل أشياء كثيرة فالمشكلات هناك أكثر من مشكلات هذا الموضوع، ولذلك الموضوع هنا مر بسرعة لقلة مشكلاته وليس لعدم عمق أبحاثه، فلو ضم إليه موضوع المناقصات لكان هذا الموضوع أجل وبحث الاثنان معا لأنه هناك مشكلات كثيرة.

شيء آخر يعني هل يسمح بالمناقشة أم نترك المناقشة هناك نقطة، نريد اشتراط رسم للدخول في المزايدة، فالأمر هنالك متعلق بثمن كراسة الشروط كما عبر فضيلة الشيخ وهبة، وإنما هو رسم وهذا الرسم قد تنتج عنه مبالغ كبيرة جدا، وقد تلغى المناقصة لأنه يعلن فيها، ومن حق الشركة أو حق كذا رفض المناقصة بدون إبداء الأسباب فيقوم بعمل مزايدة ويجمع مبلغا كبيرا ثم انتهت المزايدة بغير أن ترسو على أحد، باي حق تأخذ هذه الشركة المبالغ التي حصلتها، هذه نقطة، أرجو في إصدار القرار أن نلاحظ هنا لو أن الأمر يتصل بثمن كراس الشروط فهذا لا مانع منه، أما إذا كان مجرد رسم ومن حق الشركة الرفض أو القبول وقد تلغي وتأخذ الشركة هذه المبالغ الكبيرة فبأي حق تأخذها؟ وشكرا.

الشيخ تقي العثماني:

بسم الله الرحمن الرحيم

الواقع أنه كما ذكر الأخوة أن موضوع إباحة بيع المزايدة ليس موضوعا تختلف فيه الأنظار وإنما أجمع على جوازه الفقهاء، وما ذكره الشيخ خليل الميس من بعض العبارات الفقهية في الكتب الحنفية فإنها لا تنفي الجواز، والجواز ثابت وليس هناك مجال للاختلاف في هذا الموضوع ولكن هناك بعض الجزئيات التي جاءت من خلال المداولات يجب التنبه لها، منها ما ذكرت في كلام بعض الأخوة قبلي، والذي أريد أن أوضح، هي نقطة واحدة، قد جاء في خلال المداولات موضوع ضمان وموضوع الضمان هل يرد إلى العارضين أو لا يرد؟ فالواقع مما فهمت من هذه العملية أن هناك شيئين، الأول: رسوم الدخول، والثاني: العربون، فأما رسوم الدخول فهي لا ترد إلى أصحابها أبدا فمن شاء أن يشارك في هذه المزايدة فإنه يدفع بعض المبالغ كرسوم للدخول في هذه العملية، ولو رفض عرضه فإن هذه الرسوم لا ترد إليه بعد ذلك، أما العربون فقد اختلف فيه العمل في شتى البلاد، ففي بعض البلاد مبلغ العربون يرد إلى صاحبه إذا رفض عرضه، وإنما يرصد إذا وقع على عرضه البيع، أما إذا رفض العرض فهذا المبلغ يرد إليه ولكن في بعض البلاد وجدت في بعض اتفاقيات المزايدة وبعض النشرات التي صدرت من قبل أصحاب المزاد العلني فإنهم يشترطون مبالغ جسيمة كعربون، ويشترط في نفس ذلك الإعلان أن هذا المبلغ لا يرد إلى صاحبه أبدا ولو رفض عرضه. ومن الواجب علينا حين إصدار القرار أن ننص على هذا أن كل مبلغ يؤخذ قبل العرض يجب رده إذا لم يقبل ذلك العرض، هذه واحدة.

ص: 634

والمسألة الثانية هي مسألة شرط البراءة من كل عيب كما تفضل به أخونا الدكتور محيى الدين حفظه الله، شرط البراءة من كل عيب، هذا الموضوع لو استبعدنا هذا الشرط بتاتا فربما لا تبقى أية فائدة في هذه المزايدات أو المناقصات والمزايدات خاصة وعندنا مخرج أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى جواز شرط البراءة من كل عيب وفي الواقع عندما يشترط البائع البراءة من كل عيب، فإنه ينقل العهدة إلى المشتري أنه لا يدخل في هذه العملية إلا بعد تثبته بأن المبيع سيكون سليما، فهذا أرى أنه لا مانع منه في بيع المزايدة، والمسالة الثانية تتعلق بمذهب خيار المجلس، وكما تفضل به بعض الأخوة فإنه لو أثبتنا خيار المجلس هنا لذهبت فائدة المزايدة رأسا، وإني مع الأخوة الذين يرجحون حديث خيار المجلس وقد أثبتوا في كتاب شرح مسلم أن أدلة الجمهور في ذلك أقوى، ولكن مع ذلك ربما يكون هناك مخرج أضعه أمام أصحاب الفضيلة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أثبت خيار المجلس قال:" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا" ولقد فسر الشافعية كلمة أو يختار بأن إذا قال البائع فور إتمام البيع اختر فإن ذلك البيع يكون لازما حتى قبل انقضاء المجلس، فلو كان هذا الأمر مسبقا من قبل الإعلانات أن هذا البيع لا يكون فيه خيار المجلس، هل يدخل ذلك في مثل قول البائع اختر لم يقلها بعد تمام البيع ولكنه قال ذلك قبل تمامه. وحينئذ يكون هناك، مخرج لنفي خيار المجلس في هذه البيعة.

هذه نقاط ثلاث كنت أريد أن أنبه عليها والله سبحانه وتعالى أعلم. وشكرا.

الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

شكرا سيدي الرئيس، أود أن أقول كما هو معروف لدى الفقهاء والأصوليين: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلا بد في البداية من تصور نظام المزايدات والمناقصات كما هو جار ومتبع في صوره الحديثة. ومعرفة ذلك من أصحاب الشأن وذوي الاختصاص وهذا ما حاولت أن أفعله وما حاولت أن أعرضه، والاستفهام عن كل نقطة نقطة هذا ما بينته في البحث فجعلت فصلا مستقلا للدراسة القانونية كما هو المنفذون له، وهذا ما جرى عرضه في فصل مستقل أيضا، ثم تكيف هذه الأمور على الأحكام الشرعية والفقهية، هذه النقطة الأولى وهي ما حاولت أن أفصلها وأعرضها عرضا مفصلا كما يفهمها المنفذون والقانونيون أولا. ثانيا: أن المجمع عرض بعض إشكالات ونقاط هي التي كانت تهم هذا المجمع ولذلك لا يمكن أن تدرس هذه الموضوعات منفصلة مستقلة عن إطارها الفقهي الكامل وهو بيع المزايدة، فالأساس هي تلك النقاط الأربع أو الست وحبذا لو كان النقاش ركز على هذا.

ص: 635

النقطة الأولى: الإجراءات المتبعة في المزايدة في الوقت الحاضر، المزايدة في العصور الإسلامية كانت مشافهة وعلانية، الإجراءات المتبعة كتابيا وسريًّا وبغير الطرق المعروفة في الشرع الإسلامي، هذا أولا وهذا ما سأل عنه أو ما ضمنته ورقة العمل.

ثانيا: مدى صحة اشتراط الضمان البنكي، وهنا أود أن أذكر كما ذكرت في البيان السابق أن الضمان البنكي ضمانان، ضمان ابتدائي وضمان نهائي، الضمان الابتدائي كما هو معروف في البلاد العربية وما جرت به القوانين ومشى عليه المنفذون لذلك وبالاحتكاك والمناقشة مع المنفذين لهذا النوع على أن هذا الضمان الأولى يعود لأصحابه، فهو نموذج رفيع من بيع العربون وهذا باتفاق بين كافة المذاهب، الضمان الأخير الواقع، إنما هو ضمان لصحة التنفيذ، فإذا تم التنفيذ كاملا سيحتسب له ذلك من قيمة تلك المزايدة والمناقصة، ثالثا: هل من الصحيح شرعا إجراء عمليات الاستثمار مزايدة؟ المعروف لدينا أن المزايدة تجري في البيوع وفي الإيجارات، وبعد ذلك هل يمكن لمثل هذا النوع من العقود أن يسري على كافة بقية أنواع المعاملات؟ الواقع أن بيع المزايدة هو ليس بيع مزايدة، أنا قلت عقد مزايدة لأن المزايدة هي هيئة وشكل لا أقل ولا أكثر، هذا الشكل وهذه الهيئة يمكن أن تنطبق على كثير من أنواع المعاملات ولا حرج في هذا، وهذا ما ذكرته.

إذن النقطة التي عرضها المجمع وهي هل يصح إجراء المزايدة في نسبة ربح المشاركة أو الشركات أم لا؟ وهذا ما تعرض له البحثان، بحث فضيلة العلامة الشيخ السلامي، كما تعرضت له أيضا، هذا الأمر الثالث،الأمر الرابع المعروف عن الصور الحديثة للنجش هذا أولا: ولكن أود أن أعلق على بعض هذه التعليقات، فضيلة الشيخ الميس يقول: أن هذه البحوث لم تذكر لماذا قصر بيع المزايدة على الغنائم والمواريث، أظن فضيلته لو تأمل البحث، وقراه قراءة تأملية سيجد الجواب في ثنايا البحث وهو ليس جوابي، أيضا جواب بقية العلماء الآخرين، فعملية اقتصار القائلين بأن بيع المزايدة خاص بالغنائم والمواريث وذلك لأن أكثر المتاع، كما جاء في النص، الغنائم والمواريث في ذلك الوقت، وهم بحاجة للبيع، من ذلك الجماعة الذين قالوا فقط في الغنائم والمواريث، والشيخ ابن العربي في عارضة الأحوذي ذكر أنه لا معني لتخصيص هذا بالغنائم والمواريث، هذا ما ذكره الشيخ ابن العربي، وهو عرض عرضا سريعا، بعد ذلك أورد بعض الاعتراضات في الحقيقة ما عرفتها، ماذا يقصد من ذلك. عرض كلام الأحناف في هذا وكان كلامهم صريحا فالواقع أن النصوص التي نقلتها من كتب معتمدة لم أخبط خبط عشواء من أي كتاب في المذاهب وإنما اعتمدت على كتب المذاهب المعتمدة في كل بحث ولم ألجأ إلى كتاب غير معتمد إلا إذا وجدت فيه معلومة أخرى غير موجودة في تلك، موضوع أنه لا بد من ضم المناقصات إلى المزايدات.

ص: 636

المناقصة والمزايدة أحكامها القانونية واحدة لا تختلف وهذا مذكور في البحث وبالتفصيل، اقتران بيع المزايدة بالعربون على أنه نمط جديد وهو كلام فضيلة الشيخ الشيباني فأعتقد إذا صح في الإيجار وهي أهم العقود من باب أولي أن تصح، وهو لا زال بيع مزايدة، ولا زال إيجارة مزايدة فهو كما صح في البيع وصح في الإيجارة فإنه يصح في ما عد ذلك، متى ينتهي مجلس العقد أظن أننا ذكرنا أين ركن الإيجاب وأين ركن القبول، في موضوع بيع المزايدة أو عقد المزايدة وفي موضوع الغبن أيضا والفرق بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية في موضوع الإيجاب والقبول وظهر أن الشريعة الإسلامية هنا أكثر سماحة وأكثر مرونة وتتمشى تعاليمها في موضوع الإيجاب والقبول مع الغرض من هذا البيع، وكما سبق أن قلنا أن العلماء قديما كانوا يسمونه بيع الفقراء وبيع المساكين وبيع من كسدت بضاعته، ولكنه الآن يعتبر بيع الإدارات والمؤسسات الحكومية وبيع الأغنياء وليس بيع الفقراء، أيضا اشتراط البراءة من العيوب، أظن فضيلة الشيخ السلامي غطى هذا الموضوع تغطية وافية حتى أني أشعر بالقصور في بحثي من هذا الجانب أمام ما عرضه عرضا مستفيضا. ما يقال في أجرة السمسار بنسبة معينة أظن أني ذكرت هذا وذكر فضيلة الشيخ السلامي هذا عن موضوع أجرة السمسار وجعلنا له إعطاء الخيار للمشتري، الواقع هو ليس الخيار للمشتري في بيع المزايدة، الخيار للبائع وليس الخيار للمشتري لأنه إذا زاد فكان ذلك بمثابة الإيجار له فالخيار للبائع وليس للمشتري، وأظن هنا يتفق القانون مع الشريعة الإسلامية في هذا إذا رضي الثمن معنى ذلك قبولا منه، إذا لم يرض فهو لا زال في حاجة إلى زيادة، الموضوعات التي أوردتها أنا في الخلاصة، الحقيقة ذكرت أنا موضوع الضوابط والشروط الإدارية في عقد المزايدة في جملتها لا تتعارض ومبادئ الشريعة الإسلامية خصوصا ما اتصل منها بتحديد القدرات والكفاءات لزوم الإيجاب من قبل المزايد ومنح البائع فيه صفة القبول هذا أيضا، رسم الدخول، الواقع فهم الممارسين لهذا العمل، رسم الدخول قيمة الدفتر تختلف وليس ثابتة وليس القيمة الدفترية وإنما تكاليف الخبرات والاستشارات، ولذلك نجد من مناقصة ومواصفة تختلف قيمة الدفتر عن الدفتر الآخر، الواقع أن من رست عليه المناقصة أو من رست عليه المزايدة هو المستفيد، فإذا كان رسم الدخول هذا الهيئات التي تصدر دفتر رسم الدخول هي تريد أن تستعيد قيمة تلك الخبرات والاستشارات عن طريق فرض قيمة معينة لذلك الدفتر، ومن خلال البيع تستعيد أجرة تلك الاستشارات والخبرات وليست القيمة على قدر الصغر أو الكبر وليست القيمة محددة وإنما على قدر قيمة الخبرات والأموال التي أنفقت في تلك الخبرات والاستشارات فهي تريد أن تجمع من قيمة هذا الدفتر ما أنفقته في تلك الرسوم.

فحينئذ الشخص المستفيد هو الذي رست عليه المناقصة أو المزايدة، فالمفروض أن يدفعها هو ويحتسبها من قيم المناقصة أو من قيمة المزايدة، أما الآخرون الذين دخلوا على أمل أن ترسو عليه المزايدة أو المناقصة ولم ترس عليهم فبأي حق يدفعون ذلك، إذا كان قيمة الدفتر ألف ريال أو ثلاثة آلاف ريال بينما هو لا يتجاوز الثلاثين أو الأربعين صفقة وتريد أن تجمع العطاء حينئذ دفع مالا بغير حق، أو أخذ منه مال بغير حق؛ إذن في هذه الحالة الذي يتحمل مصاريف هذا الدفتر أو هذه الخبرات والاستشارات واحد من الاثنين، إما الشخص الذي رسا عليه العطاء وهو سيحتسب هذا من قيمة المناقصة أو المزايدة، أو المؤسسة أو الإدارة التي أنفقت على ذلك هي التي تتكلف بهذا، وهي أيضا تحتسبها من قيمة العطاء، إذن الأشخاص الآخرين المتزايدين في هذا أخذ قيمة الدفتر منهم بهذا الغلاء وبهذا الثمن أخذ بغير حق، وهذا هو الذي توصلت إليه. وشكرا.

ص: 637

الشيخ عبد الله بن منيع:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أولا: أشكر الإخوة الأفاضل الذين قاموا بإعداد هذه البحوث القيمة، كما أشكر فضيلة الشيخ المفتي جزاه الله خيرا على عرضه المختصر والجامع، في الواقع عندي جزئيات أحببت أن أشارك في إبداء رأيي فيها، هذه الجزئيات أولا ما يتعلق بوثائق المبيع وهو ما يسمى بدفتر الشروط، في الواقع لا أرى ما يمنع من بيعه وعندئذ تكون قيمته تجميعا لما خسر عليه أو ما أنفق على تهيئته، وإن كانت لما قيمته لا تساوي مائة ريال مثلا، ويباع بألف ريال فالغرض من ذلك هو ألا يدخل في المزايدة من يريد أن يضيع فرصة انتهاء هذه المزايدة بما يرسو عليه، لأنه قد يدخل فيها من ليس لها أهل ثم بعد أن ترسو عليه المزايدة يكون عنده شيء من المكور أو عدم الجدية، ومعني ذلك أن تضيع الفرصة ثم يرجع إلى الذي يليه فيقول ذهب الأمر لست موكلا أو لست ملزما إلا حينما كانت كلمتي معروضة عليكم فهكذا فتضيع الفرصة، فأرى أن أخذ قيمة ومرتفعة نسبيا عن تكاليفها الدفترية قد يكون هذا من المصلحة المعتبرة.

الأمر الثاني: ما يتعلق بالدعاية على البضاعة، في الدعاية على البضاعة إذا كانت صادقة وليس فيها تضليل وإنما كل ما يقال من محامد في هذه البضاعة صحيح، فما الذي يمنع من اعتبار هذه الدعاية؟ نعم لو صار فيها تضليل صار فيها كذب وتزوير لا شك أن هذا كله ممنوع. أما إذا كانت صادقة فذكر محامدها ولم يذكر عيوبها، فالبضاعة أمامه معروضة، يستطيع أن يرى ما فيها من المساوئ، والمحامد ذكرها صاحبها، كذلك ما يتعلق بأخذ الضمان رأيت أو سمعت من بعض الأخوة الخلط بين هذا الضمان والعربون واعتبارها نوعًا من العربون وليس كذلك، وأنا أثني على ما ذكره الشيخ الشيباني بأن هذا ليس من العربون في شيء وإنما هو ضمان بجدية الدخول في المزايدة فمتى تم إرساء هذه المزايدة على أحد المزايدين وتعين إرجاع هذا الضمان على الآخرين الذين لم يتم إرساء هذه المزايدة عليهم، وهذا هو العدل، أما أن يأخذ هذه الضمانات صاحب البضاعة فهذا يعتبر من الظلم ومن أكل أموال الناس بالباطل، وإنما أخذ هذا الضمان هو في قوة حماية هذه المزايدة من أن يدخلها من ليس لها أهلا أو من ليس جادا فيها.

ص: 638

كذلك أثني على ما ذكره فضيلة الشيخ عبد الله البسام من أن الموضع في الواقع أولا، أنا لا أهون من أمر البحثين الذين قدما لنا فهي بحوث ذات قيمة وأشارت إلى مسائل لها اعتبارها وقيمتها، لكن المزايدة في حد ذاتها ليست من الأهمية بمكان يجعلها في صدارة ما ينبغي أن نبحثه من المواضيع التي نحن في أمس الحاجة إلى بحثها، فالمزايدة إذا تمت هي في الواقع وليس فهيا غرر ولا جهالة ولا استرسال لأنها مزايدة أمام مجموعة كبيرة، نعم، إذا تبين لمن رست عليه أن هناك ناجشين فله حق الدعوى بهذا العيب، وله حق مقاضاة صاحب البضاعة التي باعها عليه بطريق النجش، كذلك لو تبين فيها من العيب ما تبين فله حق التقاضي عند القضاء في حال عدم الوصول إلى حل يرضيه فيما بينه وبين مالك البضاعة، كذلك ما يتعلق بالخيار ولا شك أن خيار المجلس وإن وقف منه من وقف من أئمتنا الأفاضل في القديم والحديث، فهو كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإمام مالك رحمة الله عليه روى في موطأه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) فلا شك أن خيار المجلس ثابت بنص صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن فيما يتعلق بالمزايدة هل يمكن أن يدخل خيار المجلس في المزايدة، في الواقع رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى المزايدة في القدح والحلس ولم يثبت لمن باعه هاتين السلعتين، لم يثبت له الخيار، إذن ممكن أن يكون البيع بالمزايدة مخصصا بعموم خيار المجلس بمعنى أنه لا خيار لمن اشترى عن طريق البيع بالمزايدة، لأنه حينما يختار الرد فمعني ذلك أن يفوت هذه الفرصة التي قد توجد المشقة في إعادتها مرة ثانية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لا ضرر ولا ضرار)) ولنا من فعله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة، كذلك القول بأن المزايدة في البيع وهذا ما تفضل به فضيلة الدكتور عبد الوهاب قد تطورت عما كانت عليه في العصور السابقة فصارت الآن لها نوع تنظيم وكذا، فهذا ليس على إطلاقه فنحن نرى ونشاهد في مجموعة كبيرة من بلدان العالم أسواق مزايدة شفهية وما أكثرها من الأموال المنقولة والثابتة، الحيوانات، السيارات، الآلات وغير ذلك، ففي أسواق مخصوصة بالمزايدات فإذن حقيقة هناك مزايدات محكمة بطريق منظمة وهناك مزايدات بطريقة مكشوفة وكذلك ليس فيها كلفة وليس فيها شيء من التعقيد، ما يتعلق بالبيوع، والقول بأن يكون هذا الموضوع مضموما إليه – الذي هو المزايدة – المناقصة، في الواقع لا يتصور بيوع بالمناقصة وإنما البيوع كلها بالمزايدة، وأما المناقصة فهي خاصة بالمقاولات وما يتعلق بهذا، نعم، إن قيل أن المقاولات نوع من البيوع فيمكن أن يكون هذا على سبيل التجوز لكن في الواقع المزايدات لها وضع والبيوع دائما وأبدا لا تكون إلا بمزايدات وأما المقاولات على كل حال لها وضع آخر، وشكرا للجميع ولسماحة الرئيس والسلام عليكم.

ص: 639

الشيخ علي التسخيري:

بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا سيدي الرئيس، هناك نقطتان فقط أريد أن أطرحهما وعندي اقتراح بعدهما، النقطة الأولى: مسألة عموم مشروعية المزايدة بالعقود، اعتقد أن المزايدة حتى لو لم تصلنا هذه النصوص المجوزة لها فهي منسجمة مع القواعد العامة، وما دام الإبرام يتم عند العرض الأخير، أكرر أقول في مسألة تعميم حكم مشروعية المزايدة بكل العقود الذي أعتقده أن المزايدة هي طبق القواعد العامة وطبق الشروط العامة، فحتى لو لم نكن نملك هذه النصوص المجوزة لقلنا بصحة المزايدة ما دامت كل هذه الأمور مقدمات إلى العرض الأخير حيث يتم العقد ويتم ربط الإيجاب بالقبول في العرض الأخير الزايد أو الناقص في المناقصات فهذا عقد منسجم مع القواعد العامة ومن هنا نستطيع أن نعمم مثل هذا الموضوع بمختلف العقود بلا حاجة حتى إلى القياس بأن نقيس باقي العقود على هذا المورد الذي صرحت به النصوص، والنقطة الأخرى التي أود أن أشير لها هي مسألة خيار المجلس الذي أشار الشيخ المنيع. يعني هذه النصوص التي تحدثت عن عمل الرسول عليه الصلاة والسلام لم تقل أن الرسول نفى خيار المجلس حتى يمكن أن تكون هذه النصوص مخصصة لعموم خيار المجلس للبيعتين والمتعاقدين إذا عممنا، فالعموم باق على حاله، الرسول ما قال إنه أسقط حق الخيار في هذه العين عمل هذا العمل دون أن نعلم أنه أسقط حق الخيار حتى تخصص عموم خيار المجلس، فخيار المجلس باق على حاله، ولا يمكننا تخصيصه بمثل هذا النص.

في ختام هذه الإشارة أعتقد أن النقاش قد أعطي الموضوع حقه بمقدار ما يستحق، وأعتقد أننا لو شكلنا لجنة لتراجع هذه الأمور، هو أصل الموضوع ثابت فهذه الأمور المرتبطة والفرعية يمكنها أن تصاغ في هذه اللجنة، وحبذا لو لم تدم المناقشة لأن الموضوع يكاد يكون واضحا وشكرا.

ص: 640

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم

نستأنف الجلسة والكلمة للشيخ أحمد الكبيسي.

الشيخ أحمد الكبيسي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

في البداية، أود أن أشكر المجمع الموقر حيث قبلني عضوا منتدبا فيه أشارك في جلساته لأول مرة، أرجو أن تكون لي من خلال هذه المشاركة خبرة أستطيع بها المساهمة الجادة في أعماله في المستقبل إن شاء الله، لا أعتقد أن الباحث بحاجة إلى الدفاع عن جدوى بحثه أمام السادة أصحاب الفضيلة العلماء حيث لم يبادر بالبحث بنفسه بل كلف من قبل المجمع الموقر، والمجمع هو الذي وضع مفردات البحث، فإذا كان هناك نقد على بحث موضوع فليكن لمن كلف به لا لمن كلف، كما نرجو أن نخرج بتوصية وقرار بيع المزايدة حيث تضمن بحوثه جزئيات ومسائل هامة، وأمتنا الإسلامية بحاجة إلى أي جهد في هذا السبيل وهي تنتظر أي ثمرة من المجمع الكريم. وشكرا.

ص: 641

الشيخ المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

وصلا للحديث الذي بدأت به والذي تخلل كلامي الأول وكلامي الآخر، المناقشات الكريمة التي تفضل بها الإخوان والتي معظمها تدل على الاهتمام، أثار فضيلة الشيخ المفتي خليل الميس أنه لا بد من تخريج وبيان هذه الأقوال، ولماذا قصر ذلك على الغنائم والمواريث؟ وإن هذه النقطة لا بد أن تبين وأن توضح، وفي هذه النقطة قد أعذر الشيخ خليل أنه لم يجد الوقت الكافي للرجوع إلى البحث ولو رجع إليه لوجد في ثناياه سند الأقوال، التحليل مطلقا أولا، ثم الجواز في بيع الغنائم والمواريث، أولا: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر إلا الغنائم والمواريث وعلق ابن حجر على هذا الحديث فقال: كأنه خرج على الغالب فيما يعتاد فيه بيع المزايدة وهي الغنائم والمواريث، وقلت: يعني ابن حجر بكلامه هذا أن الحديث تضمن أمرين نهيا عن تسلط المؤمن على أخيه المؤمن عند رضا المتبايعين وقبل إنجازه، وإذنا في بيع المزايدة إلا أنه عبر عن بيع المزايدة بما يجري فيه غالبا؛ على أن في سند هذا الحديث مقالا. ثانيا: الأثر الذي رواه البخاري إثر عنوان باب بيع المزايدة قال وقال عطاء: أدركت الناس لا يرون بأسا ببيع الغنائم في من يزيد، قال في الفتح: وصله ابن أبي شيبة، وروى هو وسعيد بن منصور عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: لا بأس ببيع من يزيد، وكذلك كانت تباع الأخماس، ولا حجة في ذلك؛ لأن أثر مجاهد لم يخص بيع من يزيد بشيء وإنما قال: ولا باس به، ثم أكد الجواز ببيع الأخماس بالمزايدة، ولا دليل في هذا على عدم جوازه في غير ذلك، وكذلك أثر عطاء. ثم تعرض لقضية النجش، وقضية النجش سأتعرض لها مع الشيخ وهبة الزحيلي وستسمع، الشيخ الشيباني، تفضل البيع أو أن هذا يرد من قبل العربون في بيع المزايدة أكثر من وضع، فقد يطلب البائع عربونا ممن رسا عليه زيادة إلا أن تتم إجراءات البيع، وإن تمت إجراءات البيع اعتبر ذلك من الثمن، وإن لم تتم إجراءات البيع فإنه يجري عن الكلام في بيع العربون مطلقا أكان ذلك في البيع بالمزايدة أم في غيره من أنواع البيوع، فهذا هو الذي تحدثنا عنه.

ص: 642

الشيخ وهبة الزحيلي تفضل وقال: إن هذا النوع سليم، وبشرط وجود عدم النجش ولا بد من التنبيه على هذا، فقد قلنا في البحث حكم العقد الذي وقع فيه نجش إذا اطلع المشتري على أنه قد خدع بناجش فقد اختلف الفقهاء فيما يترتب على ذلك. أولا: أن البيع باطل وإليه ذهب أحمد واختاره أبو بكر لأن النهي يقتضي الفساد. ثانيا: أن العقد صحيح ولا خيار للمشتري لأنه فرط وكان عليه أن يتحوط قبل العقد ويسأل أن كان غير خبير بالقيم. قال: قال ابن نجيم أن بيع النجش منهي عنه لمجاور فكراهته كراهة التحريم مع الصحة، وقال في المغني: والأصح أنه لا خيار للمشتري في تفريطه حيث لم يتأمل، ولم يراجع أهل الخبرة، والثاني له الخيار في التدليس كالتصريح، ومحل الخلاف عند مواطأة البائع بالناجش، وإلا فلا خيار جزما، تفصيلات واضحة ودقيقة ومبين المراجع فيها في الأسفل، فالشيخ عبد الله البسام يقول: أن هذا الموضوع لا نقاش فيه لأنه واضح والأولى أن لا يبحث، أولا: ما قسمه الله للناس مختلف، فإذا كان هو قد قسم له رب العزة ما كان هذا البحث الذي أمضيت فيه أكثر من شهر بحثا وتنقيبا مضافا إلى ذلك ما عندي من قبل من مدخر، إذا كان هو يراه أمرا سهلا فهذا فتح من الله إنه يفتح على من يشاء، ثانيا: إن هذا الموضوع لم أختره أنا لأقدمه ولم تختره أمانة المجمع فقط، ولكن المجمع يسير على قانون، وهذا القانون هو أن المجمع له لجانه الخاصة التي جاءت به، ومن اللجان لجنة التخطيط التي تنظر في المواضيع التي يبحث فيها وتحيل مجموعة من المواضيع على الأمانة لتتولى الأمانة إنجاز تلك المواضيع التي وردت إليها من لجنة التخطيط، والأمر من الأمانة بالاشتراط مع الرئاسة، تختار في كل مرة من المرات مجموعة من القضايا وتستكتب فيها من تشاء، فأعتقد أنه إذا كان هناك نظرة جديدة في طريقة تركيب المجلس وسيره فلا يقدم هذا في بيع المزايدة، ولكن يقدم كطريقة جديدة لم تبحث في أصل تركيب المجلس وفي طرق تسييره، كما أنه تمني لو وقع الاختصار على الأشياء المختلف فيها، في الحقيقة أعتقد أن فضيلة الشيخ البسام لم يطلع على الموضوع وما استمعتم إليه وهي بعض أسطر تدل على أنها أشياء مختلف فيها اختلافات، وهناك رجوع إلى النصوص الأصلية من الكتاب والسنة ثم محاولة التعمق في النص ثم ترجيح أحد المحامل على المحامل الأخرى، فبالنسبة لي القضية ليست ممن السهولة بمكان وتطلب مني، كما قلت أكثر من شهر في الأوقات التي كان عندي فيها فراغ، فضيلة الشيخ القره داغي جزاه الله خيرا تعرض إلى اشتراط براءة العيوب، اشتراط براءة العيوب هذه أتخمته بحثا لكن تعرض إلى نسبة أجرة السمسار وما حكمها إذا كانت نسبة وأجرة السمسار إذا كانت نسبة ما تعرضت لها لأن حكمها معلوم فهي جائزة عند الحنابلة والحنفية، ثم أثار قضية خيار المجلس أنا أسأل كل الحاضرين من منهم يعمل بخيار المجلس اليوم في الساحات الكبرى التي تبيع إذا دفعت الثمن وقبضه منك القابض أهناك خيار المجلس؟

ص: 643

ولذلك مالك عندما روى الحديث هو رواه، وهنا لا يصح أن يقال: أن حديث رسول الله وقع هكذا، بإثارة كبرى حديث رسول الله على الرأس والعين ورواه مالك هو أمير المؤمنين بالحديث معلوم فضل مالك، ولا أريد أن أبين قيمته وأنتم تعلمون قيمة مالك أكثر مني، فمالك روى الحديث ثم قال: وليس لهذا عندنا حد معلوم، بمعني أن إجراء الحديث هو يوقع في جهالة كبرى التي جاءت نصوص يقينية ثم توافرت تلك النصوص فأصبح قاعدة من القواعد فهو ترك العمل به لأنه يقع في تناقض إذا ما عمل به غيره لم ير هذا التناقض فقال به وتعمق مالك في فهم الحديث وهو مما لا يذكر به. فقضية خيار المجلس لا عمل به عندنا الآن في العالم الإسلامي ولا عمل به في عهد مالك في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمل به، ورأى بعضهم أنه إذا اتسع الحديث وأخذ به وهي قضية أشبعت بحثا في كتب الخلاف ولكل رأيه ولا يمكن أن نحتج برأي على رأي آخر، والقضية ليست في رد الحديث ولكن في حمل الحديث على محامله.

بيع النجش: البيع على النجش ورد في البحث، وبينت وما زال أكثر ما قرأته في بيع النجش وماذا طرأ عند بيع النجش، الإجارة كما تحدث فيها الشيخ عبد الله، الإجارة هي بيع منافع وبيع المنافع يجري فيه ما يجري في بيع الأعيان، فضيلة الشيخ علي السالوس تمني لو أن هذا الموضوع موضوع آخر وهو المناقصة، التمني شيء لكن لم توافق لجنة التخطيط أن تجمع بينهما، والأمانة العامة هي أسيرة لجنة التخطيط وما تقدمه، وإذا بحث موضوع فلا يمنع هذا من بحث موضوع آخر، في مناسبة أخرى على أن قضية طعام الجيش وغيره، هذه من القضايا الكبرى التي وقع التعارض لها في السنة الماضية والتي اتخذ فيها قرار وكنت أنا غير موافق حتى آخر لحظة؛ لأن المناقصات التي تجري في مثل هذه البيوع، إما لطعام الجيش أو لكسوة الجيش والتي هي من نوع بيع السلم والتي في السلم لا بد من اشتراط دفع الثمن كاملا، والذي لا تطبقه أي دولة من الدول ولا تستطيع ذلك، وقد أثرت هذه القضية ولم يؤخذ برأيي، فهذه القضية أخذ فيها المجمع قراره من السنة الماضية وانتهينا.

ص: 644

فضيلة الشيخ تقي العثماني يتحدث عن رسوم الدخول، ورسوم الدخول حسب ما رجعت إلى أهل الخبرة قالوا لي: هذه الرسوم لا يجوز هذه الرسوم الدخولية؛ ولكن هي ما يريده صاحب السلعة الذي عرض المتاع للبيع بالمزايدة من الشركات ومن الدولة. يريد جدية المشتري في أنه اطلع على جميع شروطه فيكتب الكراس، هو لا يستطيع أن يقدر ثمن الخدمات كما قال أخونا الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان: لا؛ لأن الخدمات والبحوث وقعت من موظفين موجودين في الدولة، الموظفون المكلفون بالبيع هم يدرسون القضية من كل جوانبها ويضعون كراسة الشروط ووقوع ذلك على مرتباتهم موقع شيء كبير، فكراس الشروط ليس المقصود منها جمع النفقات ولكن في الحقيقة بيع أوراق لاطمئنان الدولة أو الشركات الكبرى على أن من يدخل المزايدة يعلم كل شروطها وكل مواصفاتها حتى لا يقع بعد ذلك في مشاكل، فهذه هي سببها؛ فما ذكره الشيخ تقي الدين العثماني جزاه الله خيرا، من أنه اطلع على أن هناك رسوما كبيرة قد تكون تقع هذا، لكن أن الواقع ينفيه أن من يريد أن يقوم ببيع المزايدة يرغب في أكثر من مزايد لا في أقل من مزايد فلو وضع معوقات برفع ثمن كراسة الشروط لما أقدم الناس على ذلك. فاشتراط مبالغ جسيمة قد يصد الناس.

ص: 645

شروط البراءة من كل عيب، هذا تحدثت عنه في البحث، وبينت فيه كل ما وقع في يدي من أقوال الفقهاء ومن تفصيلاتهم، فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع تحدث عن الدعاية في البضاعة وأنها إذا كانت صادقة ما تحدثت أنا على الدعاية حتى أقول إنها محرمة ولكن أعود إلى ما ذكرته من أوجه النجش، أن التعريف الذي ارتضيناه هو أن بيع النجش هو الذي يدخل فيه طرف ثالث ليغري غيره بالشراء فيرتفع ثمن المبيع تبعا لتدخله، وهذا التدخل يشمل الزيادة ممن لا يرغب في الشراء كما يشمل مدح السلعة والتأثير على المشتري ليغريه بالشراء، وفي المجتمع الاستهلاكي أخذت أجهزة الإعلام تقوم بدور مؤثر للإقبال أكثر وأكثر على الاستهلاك، ثم التلاعب بعواطف الجماهير واستهتارهم وهذه الأساليب أن كانت صادقة كاشفة عن حقيقة المبيعات كان تأثيرها على عقلية الأفراد والشعوب تأثيرا سيئا إذ تجعلها مولعة بالإسراف، وما كان الإسراف إلا منهجا مفسدا لا يرضى عنه الدين:{وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [الشعراء: 151 – 152] وأما إذا كانت كاذبة خادعة فهي من أنواع النجش الذي تحدثنا عنه إذ تخدع المشتري فيبذل في السلعة أفضل من قيمتها ولما كانت الدول الإسلامية تراقب أجهزة الإعلام فعليها أن تربط بتشريع واضح حدود الإعلام والدعوة والإقبال على الشراء والاستهلاك سواء أكان البيع بيع مزايدة أو غيره من أنواع البيوع. وما أظن أن المصلحة العامة لا بد من الحديث عنها. جاء في كلامه أنه يثني على ما ذكره الشيخ عبد الله البسام وأن المزايدة ليس من الأهمية للتحدث فيها ولا لبس فيها ولا استرسال، كلمة الاسترسال في البيع وكيف يتصور في بيع المزايدة بيع الاسترسال لا يمكن أن يتصور هذا، أظن أنه ساق إليه الكلام وهو يثني ويثني، وخيار المجلس كما قلت بينه العلماء واختلفوا فيه ولا وجه لأن ترجح كلمة أحدهم على الآخر ولا يكون انتساب الإنسان إلى مذهب محددا رأيه في طريقة واحدة، هذا ما أردت أن أضيفه إلى الكلمة التي لخصت بها موضوعي وموضوع إخواني، وشكرا للذين شاركوا في النقاش والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 646

الشيخ عبد الله البسام:

بسم الله الرحمن الرحيم

أنا أعتذر من فضيلته أن يكون رأى مني شيئا من الخشونة، البحثان اللذان قدما يعني هو الواجب مني أن أقول أن أشكر صاحبيهما أولا على بحثيهما وأننا استفدنا منهما ثم بعد هذا إذا كان رأي صوابا أن هذه القضية ثبت أن بيع المزايدة أن المسألة والحمد لله حصل فيها الإجماع من العلماء إلا أنه لا تحتاج إلى كل هذه العناية وإنما أطرافها هي التي تبحث، هذه من ناحية أنا أعتذر إليك.

الأمر الثاني: أريد أن أعلق تعليقا بسيطا جدا إن شاء الله لو تحمل هو أو غيره نعم، لم نقصد به إلا الفائدة، والحديث حديث خيار المجلس، هذا رواه الإمام مالك، هو أول من رواه وقبل أن يرويه البخاري ومسلم ومعروف منزلة الإمام مالك رضي الله عنه، ولكن الإمام مالكا رضي الله عنه حين نحتج عليه لقوله هو نفسه يقول: كل يؤخذ عليه من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، فإذا وجدنا أن هذا الحديث صحيح والإمام مالك نفسه صححه على كل حال أظن ما نستطيع أن نقول: أن الرأي المخالف لهذا الحديث أن هذا هو الصواب، يعني ندع قول النبي صلى الله عليه وسلم ونأخذ قول عالم من العلماء، ما يمكن هذا، كما قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، هذه ناحية، الناحية الثانية: أن خيار المجلس موجود في صدر الإسلام ليجزم في هذا البيع حتى يلزم نفسه بالعقد الذي أجراه؛ كل هذا محافظة على إتمام العقد لئلا يحصل خلاف في هذا. الأمر الثاني: أن البيع دائما يقع في حالات مباغتة وبحالات ما فيها تروّ ولا فيها تأن؛ لأن مع كثرة المداولة البائع والمشتري يقع منهما هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو المشرع الأعظم جعل له هذه الفرصة حتى يستدرك إذا كان أي البيع ما وافقه في نفس المجلس حتى أنه يترك له فسحة من الأمر، فهذا فائدته موجودة ولا يزال الآن معروفا خيار المجلس في هذا المكان يتبايعون ويشترون حتى أنهم يتفرقون وإذا تفرقوا لزم البيع وما دام في المجلس فلكل منهم فسحة ما لم يسقط أحدهم خياره أو يسقط كلا الطرفين الخيار، فهذا في رضاه، وبناء عليه فهو لله الحمد مسألة وقضية ثابتة بالنص الشرعي ومعمول بها في صدر الإسلام ولا يزال وفائدتها وثمرتها معروفة وموجودة، وأظن إن شاء الله ما فيها أي شيء. أما الإمام مالك فلا نقول فيه شيئا ولو لم يره، هذا رأيه ورأيه لا يؤنب عليه، كما أنب الإمام مالكا بعض المعاصرين في تركه الحديث وأخذه بهذا لكن نحن لا نقول هذا. الإمام مالك رضي الله عنه معروف المقام ومعروف علمه ومعروف أتباعه، فالإمام مالك جمع بين العلم والعقل فهو عالم وعاقل ولهذا لا يزال الناس يرددون كلامه، فأهل السنة والجماعة يرددون كلامه في الصفات وهو أول من سن الوقوف في صفات الله تعالى، الإمام مالك يقول: لا يصلح آخر هذا الأمر إلا ما صلح به أوله؛ والإمام مالك يقول: كل يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب هذا القبر؛ هذه كلمات جامعة نافعة لم يرو مثلها عن غير الإمام مالك رضي الله عنه، وكونه رضي الله عنه لم يأخذ بهذا الحديث فهذا عذره، ولكن مع هذا لا يمكن أن نطرح حديثا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أي واحد حتى ولو كان من الخلفاء الراشدين والخلفاء الراشدون نجد لهم قولا مخالفا، نقول: اختلفوا وشكرا.

ص: 647

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

في الواقع العنوان هو رسول البحث، فلو كان العنوان هو الجوانب المعاصرة في بيع المزايدة أو بيع المزايدة قديما وحديثا لتجلت فيه المسائل التي ركز عليها في المناقشة، وعلى كل إن شاء الله لعل لجنة الصياغة أو إعداد القرار سوف تتولى هذا وهو من العارض والمقرر والشيخ تقي، الشيخ وهبة، الشيخ علي السالوس، الشيخ القره داغي، مناسب. وبهذا ترفع الجلسة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 648

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه

قرار رقم: 77 / 4 / 85

بشأن

عقد المزايدة

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري باجوان، بروناي دار السلام من 1 إلى 7 محرم 1414 هـ الموافق 21 – 27 يونيو 1993 م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (عقد المزايدة) .

وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.

وحيث أن عقد المزايدة من العقود الشائعة في الوقت الحاضر، وقد صاحب تنفيذه في بعض الحالات تجاوزات دعت لضبط طريقة التعامل به ضبطا يحفظ حقوق المتعاقدين طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، كما اعتمدته المؤسسات والحكومات، وضبطته بتراتيب إدارية، ومن أجل بيان الأحكام الشرعية لهذا العقد.

قرر ما يلي:

1-

عقد المزايدة: عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء، أو كتابة للمشاركة في المزاد ويتم عند رضا البائع.

2-

يتنوع عقد المزايدة بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة وغير ذلك، وبحسب طبيعته إلى اختياري كالمزادات العادية بين الأفراد، وإلى إجباري كالمزادات التي يوجبها القضاء، وتحتاج إلى المؤسسات العامة والخاصة، والهيئات الحكومية والأفراد.

3-

أن الإجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي، وتنظيم، وضوابط وشروط إدارية أو قانونية، يجب أن لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

ص: 649

4-

طلب الضمان ممن يريد الدخول في المزايدة جائز شرعًا، ويجب أن يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء، ويحتسب الضمان المالي من الثمن لمن فاز بالصفقة.

5-

لا مانع شرعا من استيفاء رسم الدخول (قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية) لكونه ثمنا له.

6-

يجوز أن يعرض المصرف الإسلامي، أو غيره، مشاريع استثمارية ليحقق لنفسه نسبة أعلى من الربح، سواء أكان المستثمر عاملا في عقد مضاربة مع المصرف أم لا.

7-

النجش حرام،ومن صوره:

أ – أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ليغري المشتري بالزيادة.

ب – أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها، ويمدحها ليغرّ المشتري فيرفع ثمنها.

ج- أن يدعي صاحب السلعة، أو الوكيل أو السمسار، إدعاء كاذبا أنه دفع فيها ثمنا معينا ليدلس على من يسوم.

د- ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعا اعتماد الوسائل السمعية، والمرئية، والمقروءة، التي تذكر أوصافا رفيعة لا تمثل الحقيقة، أو ترفع الثمن لتغرّ المشتري، وتحمله على التعاقد.

والله أعلم

ص: 650