الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الصحابة:
ح الصحيحين: يغزو فئام فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفتح لهم ثم يأتي زمان فيغزو فئام فيقال: هل فيم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم ثم يأتي زمان فيقال: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم، فيفتح لهم، يدل على تعميم اسم الصحابي على من رآه ولو مرة، وكذا قول سعيد بن زيد من العشرة المبشرة: لمشهد رجل منهم مع رسول الله يغبر به وجهه خير من عمل أحدكم ولو عمر نوح، وهو يدل أيضًا أنه لا يفضل أحد من بعد الصحابة على واحد منهم. وفي الشفاء عن جابر: إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار منهم أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير. وفي جناح النجاح عن الشيخ أبي منصور رحمه الله والشيخ الإمام الحليمي: إن الخلفاء الأربعة أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام، ثم الستة من العشرة المبشرة، ثم عامة الصحابة، ثم فقهاء التابعين، ثم بقية التابعين، ثم بقية الفقهاء الأتقياء، ثم جميع المسلمين. ك: وح: مثل الجليس الصالح، يدل على فضل كلهم فليس لهم فضيلة كالصحبة، ولذا سموا بالصحابة مع أنهم علماء كرماء شجعاء - إلى فضائلهم. ز: فإن قيل: قوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، يقتضي كون مدار الفضل هو التقوى! قلت: هو مسلم لن الصحبة تستلزمه، فإن ببركتها مرة ينال من التقوى مالا ينال بوجوه الأعمال في الدهور، قال أبو طالب المكي: وأما الصحابة رضي الله عنهم فكانت فتوحاتهم من غير صنع خلوة بل من حضور مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحصل لهم من المعارف وغرائب العلوم بصحبة واحدة معه ما لم يحصل لغيرهم بالخلوات الكثيرة، وذلك أن الإرادة كما قيل ترك العادة، وكانت عادتهم رسوم الجاهلية فانتزعوا منها إلى متابعته وحكموا النبي صلى الله عليه وسلم على أنفسهم مسلمين
لقضائه فكتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه- انتهى؛ أقول: من تتبع أحوال الصحابة في السير والأحاديث يجدها شاهد صدق على ما قاله، فكم من سراق وزناة جبى بهم فلم يستطع إلا أن أقر وتاب بمجرد حضور مجلسه! وكم من الخصوم في الدعاوى أقر بالحق بمجرد سماع زواجر الحق! وهل سمعت في سائر الأزمان أحدًا تاب وأقر على نفسه بالزنا وعرضها للحد حزمًا لها من عذاب الآخرة وفضيحتها ولم يكتف بالمغفرة بالتوبة إيثارًا للأحوط! كحال أبناء الدنيا يؤثرون ما يحسبونه أحوط في تحصيل معاشهم وأرزاقهم ولم يكتفوا بموعد ربهم بإيصال مرادهم، فلشدة حرصهم على الدنيا غفلوا عن المواعيد المؤكدة بالأيمان، فهكذا أولئك لرجال عاينوا بصحبته الشريفة فضائح المحشر فغفلوا عن وعد الغفران بالتوبة، أو جوزوا عدم وجدان شرائطها فأثروا الأحوط، ولعمري! لقد كانت أنوار تقواهم باهرة على قلوبهم بحيث ينكشف حينًا إذا مشوا في ل الدياجي في مهامهم وذلك "نورهم يسعى بين أيديهم" حشرنا الله في زمرتهم وأفاض علينا من بركاتهم وتاب علينا بمحبتهم. ك: ثم إن الثواب ليس بلازم أن يكون على قدر المشقة، ألا ترى أن في التلفظ بكلمة الشهادة من الثواب ما ليس في كثير من العبادات الشاقة! ونحوها ما قال العلماء إن إدراك صحبة النبي لحة خير وفضيلة لا يوازيها عمل ولا ينال درجتها بشيء. غير: فإن قيل: مثل أمتي كالمطر- ينافي تفضيل الصحابة مطلقًا! قلت: أجاب عنه في التلويح بأن الخيرية تختلف بالإضافات والاعتبارات، فالقرون السابقة خير بنيل شرف العهد به صلى الله عليه وسلم ولزوم سيرة العدل واجتناب المعصية، وأما باعتبار كثرة الثواب ونيل الدرجات في الآخرة فلا يدري أن الأول خير لكثرة طاعته وقلة معصيته أم الأخير لإيمانه بالغيب طوعًا والتزامه طريق السنة مع فساد الزمان - ومر في أمم. ط: لا يريد به التردد في فضل الأولين فإنه مقطوع به بل في النفع في بث الشريعة
والذب عن الحقيقة؛ قلت: بل هو من التجاهل، نحو: أي يوميه أفضل! مع قطعية أفضلية يوم الندى، مع أن الحديث ذكره السخاوي في الموضوعات. ز: فإن قيل: حديث أبي عبيدة: قلت: أحد خير منا؟ أمنا بك وجاهدنا معك! قال نعم، قوم يؤمنون ولم يروني، فإنه يدل على خيرية جميع من أمن بعد الصحابة، قلت: لما لم يذهب إلى ظاهره أحد من أهل السنة لا ابن عبد البر ولا ذلك البعض من المتكلمين وجب صرفه عن ظاهره وتأويله، كما أول حديث: أمتي كالمطر - الدال على التردد، إذ لم يذهب أحد إلى التردد، إذ لم يذهب أحد إلى التردد وإن جوز البعض فضل بعض الأحاد على بعض من الصحابة ممن لم يصحبه، وكذا وجب صرف كلام التلويح عن ظاهره لو سلم دلالته على التردد - فتبصر فإن الاغترار بمثل هذه الظواهر يدل على عدم البصارة بمهب أهل الحق في هذا المقام. ما: قال ابن الصلاح: لا يناقض: أوله خير أم أخره، لأن المراد بالآخر في هذا الحديث المضطرب المهدي وعيسى ومن معهما، قال: ويقع بعد نزول عيسى حين يظهر البركة ويظهر الدين بحيث يشكك في بادي الرأي أن هؤلاء أفضل أم الأوائل! وإلا فالأفضل هو الأول في نفس الأمر وهو من باب التجاهل، وعن أبي عمر بن عبد البر أن خيرية أولها ليست على العموم، فإن فيهم منافقين وأهل الكبائر الذين أقيم عليهم الحدود، ثم روى عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى سالم أن اكتب إليّ بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها، فكتب إليه سالم: إن عملت بسيرته فأنت أفضل من عمر، لأن زمانك ليس كزمان عمر ولا رجالك كرجال عمر، وبمثله كتب فقهاء زمانه كلهم. ل: والوجه ما تقدم، فإن المنافقين خارجون عن الصحبة، وأصحاب الحدود والكبائر طهروا بإقامة الحدود والتوبة وزادوا بشرف الصحبة، وحديث سالم خبر واحد لا يعارض الأحاديث المتكاثرة وإجماع من يعتد بهم، وما قاله ابن الصلاح فصريح بأنه من التجاهل، وألا فلم ينقل عن أحد فيما علمت أن أصحاب المهدي يساوون الصحابة - والله أعلم. فتح: ومقتضى: خير القرون قرني، أفضلية الصحابة على التابعين وأفضلية التابعين
على من بعدهم، وهل الأفضلية للمجموع أو الأفراد؟ وإلى الثاني ذهب الجمهور، والأول قول ابن عبد البر، والذي يظهر أن من قاتل معه صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بإذنه أو أنفق شيئًا من ماله لا يعدله أحد كائنًا من كان، والخلاف في غيره، لقوله تعالى:"لا يستوي منكم من أنفق -إلخ"، واحتج ابن عبد البر بحديث: أمتي كالمطر، وبأن السبب في أفضلية الأول أنهم غرباء في الإيمان لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم، فكذلك في الآخر أقاموا الدين وصبروا على الطاعة حين ظهر المعاصي والبدع فصاروا غرباء، لحديث: بدأ الإيمان غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء! والذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة ومشاهدة الرسول لا يعدلها عمل؛ وأما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة والنصرة وضبط للشرع وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده، لأنه ما من خصلة منها إلا وللذي سبق بها أجر من عمل بها من بعده فإنه لا يعدله، فيظهر محل الخلاف فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة؛ على أن حديث: للعامل منهم أجر خمسين منكم، لا يدل على أفضلية غير الصحابة، لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة. ز: وإنما أطنبت الكلام لما حكي عن بعض أفاضل العصر: يجوز كون بعض عالم هذا الزمان أفضل من بعض عوام الصحابة ممن لم يصحبه كثيرًا ولم يغز معه، وكذا زعم هذه الفرقة الغاوية المرادية أن متبوعهم أفضل على من هو أفضل العالمين بعد الأنبياء والمرسلين الصديق الأكبر، وأعجب منه ما حدثنا شيخنا الشيخ برهان الدين السوهي الذي صحب ذلك المتبوع في سفره إلى قندار أنهم يفضلون متبوعهم على سيد الرسل لا بوجه بل كفضل حال الشمس في الاستواء على حالها عند الطلوع، ويؤيده ما حدثنا ثقة عن الشيخ غياث البهروجي بواسطة أو بغيرها أنه حين توجه إلى زيارة المدينة رأى في رؤيا في طريقه أن النبي صلى الله عليه وسلم منعه عن التوجه إليه إلا بعد أن يتوب عن عقيدته في دعوى المهدية، فلما استيقظ قال: لا حاجة إلى التوسل بزيارته، فرجع عن وسط الطريق ولم يزر المدينة المشرفة، فإن صدق