الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ممن خالفكم فأنتم وما تحملتم من ذلك! وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه من الآن فدعوه! فقالوا: قد سمعنا ما قلتن فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك وربك ما أحببت! فتكلم صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون نساءكم وأبناءكم! فأخذ الباء بن معرور بيده ثم قال والذي بعثك بالحق! لنمنعك مما تمنع به أزرنا فنحن والله أهل الحرب! فقال الهيثم بن التيهان: يا رسول الله! إن بيننا وبين الناس حبالًا وإنا قاطعوها - يعني اليهود- فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع على قومك فتبسم صلى الله عليه وسلم ثم قال: الدم الدم والهدم والهدم! أنتم مني وأنا منكم! أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم! فبايعناه، فقال ابن عبادة: والذي بعثك بالحق! لئن شئت لنميلن غدًا على أهل مني بأسيافنا، فقال صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر به فانصرفوا، فأمر صلى الله عليه ولم أصحابه بالخروج إلى المدينة، فخرجوا أرسالا، وكان أول من هاجر من قريش أبو سلمة وكان قدم من الحبشة، ثم عامر بن ربيعة، ثم عبد الله بن جحش، ثم عمر بن الخطاب وعياش بن ربيعة وغيرهم، وما بقي في مكة إلا حبس أو فتن إلا على بن أبي طالب، وكان أبو بكر كثيرًا يستأذنه في الخروج فيقول: لا تعجل، لعل الله أن يجعل لك صاحبًا.
[رابعة عشرة]
وفي الرابعة عشرة أراد أبو بكر الخروج نحو الحبشة لشدة إيذائهم حتى إذا بلغ برك الغماد لقي ابن الدغنة سيد القارة فقال: أين تريد؟ قال: أخرجني قومي، قال: مثلك لا يخرج، إنك تكسب المعدوم - وكذا، فأنا لك! ارجع فاعبد ربك ببلدك، فرجع، فطاف ابن الدغنة في أشراف قريش طلبًا للأمان له، فاشترطوا أن لا يستعلن بالقرآن، فأنا نخاف فتنة نسائنا وأبنائنا! فابتنى أبو بكر مسجدًا بفناء داره وكان يقرأ، فتنقذف عليه نساؤهم وأبناؤهم يعجبون منه، وكان بكاء إذا قرأ، فأفزع أشراف قريش فقالوا لابن الدغنة: إن أبا بكر خالف شرطه فمره أن
يمضي عليه أو يرد إليك ذمتك! فبلغه ابن الدغنة قولهم فقال: أرد إلي جوارك وأرضي بجوار الله! فتجهز قبل المدينة، فقال صلى الله عليه وسلم: على رسلك! فإني أرجو الإذن، فحبس نفسه وعلف راحلتين أربعة أشهر، فلما رأت قريش أنه صارت له شيعة وأصحاب بغير بلدهم وأصابوا منعة، حذروا خروجه وعرفوا عزمه اللحوق بهم، فاجتعوا فيدار الندوة يتشاورون في أمره، واجتمع إبليس في صورة شيخ نجدي معهم، فقال بعض: قد صار من أمره ما صار وإنا لا نأمنه أن يثب علينا بمن قد اتبعه، فاحبسوه في الحديد وتربصوا موته، فقال الشيخ النجدي: ما هذا برأي! فإنكم لو حبستموه يثب أصحابه وينتزعون من أيديكمن فقيل: نخرجه من بلدنا وتنفيه منه، فقال النجدي: ألم تروا حسن حديثه وغلبته به على القلوب! فإنه لو نفيتم يحل على حي من العرب ثم يسير بهم عليكم حتى يطأكم، فقال أبو جهل: نأخذ من كل قبيلة جلدًا فيقتلونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في كل القبائل، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فقال النجدي: القول ما قال هذا! فأوحى إليه أن لا يبيت الليلة على فراشه، فقال لعلي: نم على فراشي واتشح ببردتي، فاجتمعوا على بابه بالعتمة، فخرج صلى الله عليه وسلم وأخذ بحفنة من تراب ونثر على رؤسهم وهو يقرأ "يس- إلى: وجعلنا من بين أيديهم سدًا" وانصرف حتى لحق بالغار، ولم يشعروا حتى أتاهم آت وقال: ما تنتظرون! فإن محمدًا قد خرج وانطلق، فاطلعوا فرأوا عليًا على فراشه فقالوا: هذا محمد نائم! فلم يبرحوا ذلك حتى أصبحوا، فقام علي عن الفراش، فضربوه وحبسوه ساعة ثم تركوه واقتصوا أثره، فنزل "وإذ يمكر بك الذين كفروا"؛ وروى عن عائشة: بينا نحن جلوس في بيت أبي بكر وقت الظهيرة غذ جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أذن لي في الخروج، قال أبو بكر: الصحبة! قال: نعم، قال: فخذ إحدى راحلتي، قال صلى الله عليه وسلم: بالثمن! فتجهزنا لهما أخف الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب، فخرجا من خوخة في ظهر بيته ليلة الاثنين في السابع
والعشرين من صفر أو لأربع خلون من ربيع الأول ولحقا بالغار، واحتمل أبو بكر كل ماله خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، ولحقهما الكفار فرأوا نسج العنكبوت وبيض الحمامة بفم الغار فانصرفوا، وجعل أبو جهل مائة أبل لمن ظفر بهما، فلم يزل القوم يطوفون في جبال مكة وبعثوا القافة، فكانا في الغار ثلاثة أيام حتى سكن الناس، يبيت عندما عبد الله ويصبح مع قريش كبائت، فلا يسمع أمرًا يكادان به إلا وعاه ويخبرهما به، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر غمان فييريحها عليهما حين يذهب ساعة من الليلن فيبيتان في لبن، واستأجر رجلًا من بني الديل وهو كافر فمناه فرعى راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث، فخرجا من الغار لغرة ربيع الأول، وكان معه أربعة: أبو بكر وعامر بن فهيرة وعبد الله بن أريقط، فأدلجنا فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى لحقنا سراقة بن مالك. فقال:"لا تحزن أن الله معنا" فقال: اللهم اكفنا بما شئت! فساخت قوائم فرسه، فقال: ادع الله! فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب! فدعا، فأطلق ورجع إلى أصحابه، وروى أنه قال: اكتب لي كتابة تكون آية لي! فكتب أبو بكر، قال: وعرضت عليه الزاد والمتاع فلم يأخذا، فلما فتح مكة عرضت عليه الكتاب فاكرمني وأسلمت. ومما جرى في الطريق أنه ركب بريدة بن الحصيب في سبعين راكبًا من أهل بيته ليكبدوا به صلى الله عليه وسلم فتلقى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر: برد أمرنا وصلح! فأسلم هو ومن معه، فحل عمامته وشدها في رمح جعله علمًا، ثم مشى بين يديه. ونزلوا في الطريق على خيمة أم معبد فأضافتهم، وشربوا من لبنهم ثم ساروا؛ فلما سمع الأنصار خروجه كانوا يغدون كل غداة إلى الحرة، فلما قربوا من المدينة بصر بهم يهودي فنادى بأعلى صوته: يا معشر العرب! هذا جدكم الذي تنتظرونه! فثار المسلمون إلى السلاح وتلقوه إلى الحرة، فنزل في بني عمرو
ابن عوف في أهل قباء يوم الاثنين من ربيع الأول وأقام فيهم إلى الخميس، وأسس مسجدهم الذي أسس على التقوى، وقيل: مكث بضعة عشر يومًا. فركب يوم الجمعة يؤم المدينة فجمع في بني سالم بن عوف، وكان أول جمعة في الإسلام، وخطب ووعظ وذكر نعم الله، ثم قدموا إلى المدينة فتلقاه الناس وتنازعوا أيهم ينزل عليه! فقال: انزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرم به! فلما أصبح ركب ناقته وأرخى لها الزمام، فجعلت لا تمر بدار من دور الأنصار إلا قالوا هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة! فيقول: خلوا زمامها فإنها مأمورة، حتى انتهى إلى موضع مسجد اليوم فبركت على بابه وهو يومئذ مريد لغلامين، فلم ينزل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فوثبت فسارت غير بعيد، ثم التفتت خلفها ثم رجعت إلى مبركها الأول فبركت فيه ووضعت جرانها، فنزل صلى الله عليه وسلم، فاحتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته، فأقام عند أبي أيوب حتى ابتاع المربد فبنى مسجدًا ومساكنه. فأقام في المدينة أحد عشر شهرًا متهيأ للحرب، ثم خرج غازيًا في ثاني عشر صفر غزوة الأبواء يريد قريشًا وكان قدم المدينة في ثاني عشر ربيع الأول، فلقي بودان فوادعته فيها بنو ضمرة فرجع إلى المدينة، فأقام بقية صفر وصدرا من ربيع الأول، ثم بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين أو ثمانين من المهاجرين، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فلقي جمعًا عظيمًا من قريش عيهم عكرمة بن أبي جهل فلم يكن قتال ثم انصرف القوم، ثم بعث في مقامه ذلك حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر في ثلاثين راكبًا من المهاجرين، فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب، فحجر بينهم محمد بن عمرو وكان موادعًا للفريقين، فانصرفوا من غير قتال. وفي هذه السنة تكلم الذئب خارج المدينة. وفيها بعث صلى الله عليه وسلم إلى بناته وزوجته سودة زيدًا وأبا رافع، فحملاهن إلى المدينة، وخرج عبد الله بن أبي بكر بعيال أبيه، وصحبهم طلحة بن عبد الله ومعهم أم رومان ام عائشة وعبد الرحمن حتى قدموا المدينة. وفيها بني بعائشة في شوال بعد الهجرة