الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم
-
قال جابر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذَّن (1) في الناس في العاشرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجٌّ [هذا العام]، فقدم المدينة بَشَرٌ كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة (2)، فولدت أسماء بنت عُميس محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال:"اغتسلي واستثفري (3) بثوب وأحرمي"؛ فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد [وهو صامت](4).
الإحرام: (5)
ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء [أهل بالحج](6)
قال جابر: فنظرتُ إلى مَد بصري من بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا
(1) معناه: أعلمهم بذلك ليتأهبوا للحج ويتعلموا المناسك.
(2)
اسم مكان قريب من المدينة صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ركعتين.
(3)
ضعي خرقة محل الدم.
(4)
يعني: لم يُلَبِّ، وإنما لبَّى على الناقة.
(5)
وطيبته عائشة قبل إحرامه كما في الصحيح.
(6)
رفع صوته بالتلبية، وفي حديث أنس في الصحيحين: أهلَّ بالحج والسرة معًا وهو الصحيح كما بينه ابن القيم.
وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويلَه، وما عمل به من شيء عملنا به (1) فأهلَّ بالتوحيد:
"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
وأهلَّ الناس بهذا الذي يُهلّون به، فلم يَرُدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته.
قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج.
دخول مكة والطواف: (للعمرة)
حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن (وفي رواية: الحجر الأسود)(2).
فرمل (3) ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ:
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]
فجعل المقام بينه ويين البيت [فصلى ركعتين].
فكان يقرأ في الركعتين: {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} .
[ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصبَّ على رأسه، ثم رجع إلى الركن فاستلمه.
(1) فيه إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يبين لأصحابه ما نزل عليه من القرآن، وهو النبي يعرف تأويله (تفسيره) وفيه رَدٌّ على فريقين من الناس:
أ - الصوفية الذين يستغني أحدهم عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم بما يزعمونه من العلم اللدني الذي يرمز إليه أحدهم بقوله: "حدثني قلبي عن ربي" بل زعم الشعراني في "الطبقات الكبرى"أن أحد شيوخه (المجذولين) والذين يترضى هو عنهم! كان يقرأ قرآنًا غير قرآننا، ويُهدي ثواب تلاوته لأموات المسلمين!!
ب - طائفة يسمون أنفسهم بـ "القرآنيين" والقرآن مهم بريء، يزعمون أن لا حاجة بهم لفهم القرآن إلى السنة.
(ذكره الشيخ الألباني في حجة النبي صلى الله عليه وسلم).
(2)
أي مسحه بيده، وقبَّله. واستلم الركن اليماني ولم يقبله، كما في حديث ابن عمر، وورد التسمية والتكبير عند الحجر الأسود فقط.
(3)
الرمَل: إسراع المشي مع تقارب الخُطى.
الوقوف على الصفا والمروة:
ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (1) أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحَّد الله وكبره وقال:
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".
ثم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا ثلاث مرات.
ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت (2) قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدَتا (3) مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا.
الأمر بفسخ الحج إلى العمرة:
حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال:
"لو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أسُقِ الهَديَ وجعلتها عمرة، فمَن كان منكم ليس معه هَدي فليَحل وليجعلها عمرة".
وفي رواية: فقال: "أحِلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة،
وقصِّروا، وأقيموا حلالًا، حتى إذا كان يوم التروية فأهِلّوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة". (متفق عليه)
فقام سراقة بن مالك بن جعشُم فقال: يا رسول الله [أرأيت عُمرتنا (وفي لفظ:
مُتْعتنا)، ألِعامنا هذا أم لأبدٍ؟ فشبك رسول الله أصابعه واحدة في الأخرى وقال:"دخلتِ العمرة في الحج "مرتين" [إلى يوم القيامة]، لا بل لأبدٍ أبَد.
(1) البقرة 158.
(2)
انصبت قدماه: انحدرت.
(3)
ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.
خطبته صلى الله عليه وسلم بتأكيد الفسخ:
فقام فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه فقال:
"أبالله تعلموني أيها الناس!؟ قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم اِفعلوا ما آمركم به فإني لولا هَديي لحلَلت كما تَحِلون، ولكن لا يَحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محِله، ولو استقبلتُ من أمري ما استدبرت لم أسُقِ الهَدي".
فحلَّ الناس كلهم وقصَّروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هَدي، وليس مع أحدٍ منهم هَدي إلا النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة.
قدوم علي من اليمن:
وقدم علي ببُدن (1) النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حَلَّ، ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا.
قال: فكان علي بالعراق يقول: فذهبتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحرِّشا (2) على فاطمة للذي صنعَت مُستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرَتْ عنه، فأخبرته أني أنكرتُ ذلك عليها، فقال:"صدَقتْ، صدَقتْ"، ماذا قلتَ حين فرضتَ الحج؟ (أي نويت).
قال علي: قلتُ: اللهم إني أُهِلُّ بما أهَلَّ به رسولك.
قال صلى الله عليه وسلم: "فإن معي الهدي فلا تَحِلُّ".
قال جابر: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة [بدنة].
قال جابر: فَحَلَّ الناس كلهم وقصَّروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هَدي.
(1) ببُدن: جمع بدنة، وهي الإبل.
(2)
مُحرِّشًا: يذكر له ما يقتضي عتابها.
التوجه إلى منى محرمين:
فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهَلّوا بالحج.
[قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها فوجدها تبكي فقال: "ما شأنك؟ " قالت: شأني أني قد حِضتُ، وقد حَلَّ الناس، ولم أَحلِل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن، فقال:
"إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي ثم أهلِّي بالحج، ثم حجي واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا تصلِّي"[ففعلَت].
"عزا الشيخ الألباني هذه الرواية إلى الإمام أحمد وغيره في كتابه حجة النبي صلى الله عليه وسلم"
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلَّى بها (يعني منى) الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بقُبةٍ مِن شعر تُضرَب له بنمرة.
التوجه إلى عرفات:
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضُربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرُحِلت له (2).
(1) جاوز المزدلفة ولم يقف بها.
(2)
فرُحلت له: جُعل عليها الرحل.