المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صفات عباد الرحمن - مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع - جـ ٢

[محمد جميل زينو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ المجلد الثاني

- ‌(1)كيف نفهم القرآن أنواع التفسير وشرح بعض آي القرآن

- ‌تفسير القرآن بالقرآن

- ‌تفسير القرآن بالحديث الصحيح

- ‌تفسير القرآن بأقوال الصحابة

- ‌تفسير القرآن بأقوال التابعين

- ‌تفسير القرآن باللغة العربية

- ‌معرفة الإستنباط

- ‌معرفة أسباب النزول

- ‌معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌الحكمة في النسخ

- ‌القرآن المكي والمدني

- ‌تعريف القرآن المكي والمدني

- ‌خصائص القرآن المكي

- ‌خصائص القرآن المدني

- ‌فوائد العلم بالمكي والمدني

- ‌الآيات المكية والمدنية المتداخلة

- ‌متى نعمل بالقرآن المكي والمدني

- ‌نزول القرآن مفرقًا والحكمة منه

- ‌الأمثلة على نزوله بالتدريج

- ‌من خصائص القرآن الكريم

- ‌القرآن كتاب جامع شامل

- ‌القرآن سليم من الإختلاف

- ‌أسماء القرآن وأوصافه

- ‌معنى التأويل وأنواعه في القرآن

- ‌التأويل المذموم

- ‌موقف الراسخين في العلم والزائغين من المتشابه

- ‌أنواع التشابه في القرآن

- ‌الحكمة في تنوع القرآن إلى محكم ومتشابه

- ‌كيف تنتفع بالقرآن الكريم

- ‌كيف تقرأ القرآن

- ‌القرآن حجة لك أو عليك

- ‌التحذير من هجر القرآن

- ‌توجيه وبيان لفهم معاني بعض آي القرآن

- ‌التحذير من البدع في الدين

- ‌التحذير من مخالطة المبتدعة

- ‌علاقة الشرك بالإفساد في الأرض

- ‌محبة غير الله كحب الله شرك

- ‌الله فوق العرش على السماء

- ‌الخوف والرجاء

- ‌الله نور السمواتِ والأرض

- ‌المحو والإثبات في الأجل

- ‌الزيادة والنقصان في العمر

- ‌طريق الحق واحد وطرق الضلال كثيرة

- ‌المفهوم الصحيح لآية الهداية

- ‌أنواع الهداية في القرآن الكريم

- ‌المحافظة على أرواح المؤمنين

- ‌يستفاد من الآية ما يلي:

- ‌القرآن يأمر بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الذكر الكثير وأنواعه

- ‌ما هي فتنة داود عليه السلام

- ‌النبي سليمان يمسح الخيل حبًا لها

- ‌التفسير الصحيح لفتنة سليمان عليه السلام

- ‌السحر من عمل الشياطين

- ‌حكم تعدد الزوجات في الإسلام

- ‌خطر اختلاط الرجال بالنساء

- ‌عيسى عليه السلام حي في السماء

- ‌الآيات الدالة على عدم قتل عيسى

- ‌الأحاديث التي تثبت نزول عيسى

- ‌الكافي هو الله وحده

- ‌ترك الحكم بكتاب الله يسبب البلاء

- ‌تنزيه القرآن عن دسائس الشيطان

- ‌التفسير الصحيح للآية

- ‌تفسير رائع للعلامة الشنقيطي

- ‌الفسق وأثره في هلاك الأمة

- ‌معنى قوله تعالى {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}

- ‌النهي عن التشبه بالكفار

- ‌صفات عباد الرحمن

- ‌كيفية الدعوة إلى الله

- ‌الدعوة تقوم على العلم

- ‌استجيبوا لله وللرسول

- ‌ضعف الخلق وقوة الخالق

- ‌معاني فواتح السور

- ‌كيف نلفظ هذه الحروف

- ‌الخسارة للكافرين والفوز للمؤمنين

- ‌(2)معلومات مهمة من الدين لا يعلمها كثير من المسلمين

- ‌{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}

- ‌ما هو الشرك وأنواعه

- ‌{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

- ‌الولاء والبراء والحكم

- ‌الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإِيمان

- ‌إن الحكم إلا لله

- ‌ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها

- ‌كيف نؤمن بالقدر خيره وشره

- ‌فريق في الجنة وفريق في السعير

- ‌أسباب الإنحراف عن المسيرة الإسلامية

- ‌أسباب وقوع العذاب والبلاء في الدنيا

- ‌أمثلة ونماذج من عذاب الدنيا

- ‌وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون

- ‌{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [

- ‌حجاب المرأة المسلمة

- ‌عادات وتقاليد يجب تركها

- ‌بدع المواسم والأعياد

- ‌منكرات منتشرة في البيوت

- ‌منكرات الأزياء والزينة

- ‌بدع الخطبة والزواج

- ‌بدع البناء في البيوت والمساجد

- ‌منكرات التشبه بغير المسلمين

- ‌مشروعية التكني وعدم التشبه بالأعاجم

- ‌(من تشبه بقوم فهو منهم)

- ‌منكرات المآتم والقبور

- ‌الصوفية في ميزان الكتاب والسنة

- ‌من أقوال الصوفية

- ‌كرامات الصوفية

- ‌الجهاد عند الصوفية

- ‌مفهوم الولي عند الناس

- ‌أولياء الرحمن

- ‌أولياء الشيطان

- ‌الخوف والرجاء

- ‌ماذا تعرف عن: قصيدة البردة

- ‌ماذا تعرف عن كتاب دلائل الخيرات

- ‌علامات حسن الخاتمة

- ‌باب لا يقال فلان شهيد

- ‌موعظة الرسول عند دفن الميت

- ‌ما يستفاد من هذا الحديث

- ‌كيف تخرج روح المؤمن:

- ‌كيف تخرج روح الكافر أو الفاجر

- ‌(3)توجيه المسلمين إلى طريق النصر والتمكين

- ‌الإيمان بالقدَر خيره وشره

- ‌من فوائد الإيمان بالقدر

- ‌الإحتجاج بالقدر

- ‌نواقض الإسلام

- ‌الذنوب

- ‌اجتنبوا الكبائر

- ‌أنواع الكبائر

- ‌الكفر وأنواعه

- ‌الحكم بغير ما أنزل الله كفر

- ‌كيف تعظم الذنوب

- ‌تنبيه مهم

- ‌الإبتلاء في القرآن الكريم

- ‌الإبتلاء في السنة المطهرة

- ‌أنواع الإبتلاء والصبر عليه

- ‌أسباب الوقوع في الذنوب

- ‌أحاديث نبوية في الفتن

- ‌كيف يخرج المسلمون من الفتن

- ‌آثار المعاصي والذنوب

- ‌الجهاد في سبيل الله

- ‌واجب الإصلاح بين المتقاتلين

- ‌شروط تحقيق النصر

- ‌{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}

- ‌من أسباب النصر

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌شروط الآمر

- ‌أنواع المنكرات

- ‌الصبر وأنواعه

- ‌طرق الوقاية من الذنوب

- ‌التوبة في القرآن الكريم

- ‌التوبة في السنة المطهرة

- ‌تحريم الظلم بأنواعه

- ‌الأمر بالدعاء

- ‌من فوائد الدعاء

- ‌من شروط الدعاء وآدابه

- ‌أوقات إجابة الدعاء

- ‌الذين يستجاب دعاؤهم

- ‌المحرم من الدعاء

- ‌الدعاء المستجاب

- ‌دعاء الضائع

- ‌دعاء الليل مستجاب

- ‌نصائح وتوجيهات

- ‌دعاء من القرآن الكريم

- ‌من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إلهي أنت المغيثُ وحدَك

- ‌(4)صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم مسائل مهمة عن العمرة والحج

- ‌صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الرسول يخطب في حجة الوداع

- ‌خلاصة أعمال العمرة

- ‌خلاصة أعمال الحج

- ‌المنافع العظيمة في الحج

- ‌منافع الحج في الدنيا

- ‌منافع الحج. والعمرة في الآخرة

- ‌أنواع الصبر في الحج

- ‌شروط الإحتفاظ بمنافع الحج

- ‌وصايا مهمة للحاج

- ‌من آداب المسجد النبوي

- ‌ذكريات مفيدة

- ‌مشهد الحجيج

- ‌مناجاة وتوجع

- ‌(5)من بدائع القصص النبوي الصحيح

- ‌المقدمة

- ‌الغلام المؤمن والساحر

- ‌الغلام والأفعى

- ‌الغلام والأعمى

- ‌تعذيب من آمن

- ‌الغلام يُعذب

- ‌الغلام يضحي بنفسه

- ‌احتراق الكفار

- ‌أبرص وأقرع وأعمى

- ‌أصحاب الغار والصخرة

- ‌وليمة جابر المباركة

- ‌جوع الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌جرة الذهب

- ‌الأمانة في الخشبة العجيبة

- ‌صوت في سحابة

- ‌إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام

- ‌هاجر وولدها إسماعيل

- ‌أم إسماعيل تبحث عن الماء:

- ‌نزول جُرْهُم قرب الماء:

- ‌إبراهيم وامرأة إسماعيل الأولى:

- ‌إبراهيم والمرأة الثانية:

- ‌الخليل يلتقي بإسماعيل:

- ‌بنيان البيت

- ‌من فوائد القصة

- ‌أرض التوبة

- ‌أهمية خطبة الحاجة وتأثيرها على النفوس

- ‌النص الكامل لخطبة الحاجة

- ‌من فوائد هذه الخطبة العظيمة

- ‌معجزة نبوية مباركة

- ‌المتخلفون عن الجهاد

- ‌تخلف كعب:

- ‌كعب يتردد في الجهاد:

- ‌الرسول يتفقد الغزاة:

- ‌رجوع الرسول من تبوك:

- ‌كعب يعترف بالذنب:

- ‌الهجر جزاء المتخافين:

- ‌كعب يتسور على ابن عمه:

- ‌ملك غسان يطمع في كعب:

- ‌أمر المتخلفين باعتزال النساء:

- ‌البشارة بالتوبة:

- ‌كعب يتصدق للبشرى:

- ‌الرسول ييرق وجهه من السرور:

- ‌كعب يتصدق بماله كله:

- ‌كعب يعاهد الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدق:

- ‌من فوائد القصة

- ‌قصة إسلام سيد أهل اليمامة

- ‌صحابي جليل يتحدث عن إسلامه

- ‌(6)معجزة الإسراء والمعراج

- ‌معجزة الإسراء والمعراج

- ‌المعجزات النبوية المحمدية

- ‌ما هو الإسراء والمعراج

- ‌الإسراء ووحدة الوجود

- ‌متى كان الإسراء والمعراج

- ‌الحوادث التي سبقت الإسراء

- ‌حديث الإسراء والمعراج

- ‌من فوائد حديث المعراج

- ‌خلاصة معجزة الإسراء والمعراج

- ‌من عبرة الإسراء والمعراج

- ‌هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج

- ‌الرسول يفاجىء المشركين بالإسراء

- ‌آيات صدقه في الإسراء

- ‌زيارة المسجد الأقصى

- ‌عقوبة العصاة كما رآها الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌من فوائد الرؤيا في الحديث

- ‌من فضائل الإسراء والمعراج

- ‌الآيات الكبرى التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌بدع الإسراء والمعراج

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌(7)كيف نربي أولادنا وما هو واجب الآباء والأبناء

- ‌الإهداء

- ‌المقدمة

- ‌وصايا لقمان الحكيم لابنه

- ‌وصايا نبوية مهمة للأولاد

- ‌أركان الإِسلام

- ‌أركان الإِيمان

- ‌قصة رائعة مفيدة

- ‌نصائح نبوية للآباء والأبناء

- ‌مسؤولية الأبوين والمعلم

- ‌واجب المربي والمعلم

- ‌التحذير من المحرمات

- ‌تعليم الصلاة

- ‌الستر والحجاب

- ‌الأخلاق والآداب

- ‌الجهاد والشجاعة

- ‌العدل في العطاء بين الأولاد

- ‌حل مشاكل الشباب

- ‌خطر تحديد النسل

- ‌فضل الصلوات والتحذير من تركها

- ‌من أحاديث الصلاة

- ‌تعلم الوضوء والصلاة

- ‌صلاة الصبح

- ‌من أحكام الصلاة

- ‌وجوب صلاة الجمعة والجماعة

- ‌كيف أصلي الجمعة مع آدابها

- ‌حكم الغناء والموسيقا

- ‌الغناء في الوقت الحاضر

- ‌علاج الغناء والموسيقا

- ‌المستثنى من الغناء

- ‌حكم الصور والتماثيل

- ‌الصور والتماثيل المسموح بها

- ‌هل الدخان حرام

- ‌إعفاء اللحية واجب

- ‌بر الوالدين

الفصل: ‌صفات عباد الرحمن

‌صفات عباد الرحمن

1 -

قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] من صفاتهم أنهم يمشون بسكينة ووقار وتواضعٍ، لا يضربون بأقدامهم تكبرًا، فقد قال تعالى:{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37]

قال ابن كثير: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} :

أي متبخترًا متمايلًا مشي الجبارين، فلن تقطع الأرض بمشيك.

وقوله: {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} أي بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك؛ بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده. [والمتكبرون. يحشرون يوم القيامة كأمثال الذر].

2 -

{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]

أي إذا خاطبهم السفهاء بالقول السيّء لم يقابلوهم بمثله، بل قالوا كلامًا فيه سلام من الإِيذاء والإِثم، سواء كان بصيغة السلام كقولهم:(سلام عليكم) أو غيرها مما فيه لطف في القول، أو عفو أو صفح، وكظم للغيظ، دفعًا بالتي هي أحسن. [أنظر تفسير القاسمي]

3 -

{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64]

يكون لهم في الليل صلاة وقيام ودعاء كما قال تعالى في وصفهم:

{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن تعارَّ من الليل فقال:

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استُجيب له، فإن توضأ وصلَّى قُبلت صلاته". [رواه البخاري وغيره]

ص: 124

(تعارَّ: استيقظ وقال بصوت) وقد قرأت هذا الدعاء فكانت الإِجابة.

4 -

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 65 - 66]

ومن صفاتهم أنهم يدعون ربهم أن يصرف عنهم عذاب النار، لأن عذابها هلاك دائم، وبئس المقام والمستَقَر فيها، وفي الآية ردٌ على الصوفية القائلين بأنهم لا يعبدون الله خوفًا من ناره.

5 -

{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وصفهم الله بالقصد، فهم لا يُسرفون في الإِنفاق، ولم يُضيقوا على أنفسهم وأهليهم بالبخل، بل كانوا متوسطين:

وقال الطبري في تفسير الآية:

"الإِسراف في النفقة الذي عناه الله في هذا الموضع: ما جاوز الحد الذي أباحه الله لعباده إلى ما فوقه.

والِإقتار: ما قصرَّ عما أمر الله به. والقَوام بين ذلك".

أقول: ويوضح معنى هذه الآية قوله تعالى:

{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]

يقول تعالى: آمرًا بالاقتصاد ذامًا للبخل ناهيًا عن السرف، لا تكن بخيلاً مَنوعًا لا تعطي أحدًا شيئًا، ولا تسرف في الإِنفاق، فتعطي فوق طاقتك، وتُخرج أكثر من دخلك، فتقعد إن بخلت ملومًا يلومك الناس ويذمونك، ويستغنون عنك، ومتى بسطت يدك فوق طاقتك قعدت بلا شيء تنفقه فتكون كالحسير، وهو كالدابة التي عجزت عن السير فوقفت ضعفًا وعجزًا فإنها تسمى الحسير، هكذا فسَّر هذه الآية بأن المراد هنا البخل والسرَف: ابن عباس والحسن. . [انظر تفسير ابن كثير ج 3/ 37]

6 -

{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68]

هذه صفة مهمة جدًا، وهي أنهم يوحدون الله، ولا يشركون به أحدًا في جميع عباداتهم، ولا سيما الدعاء لأنه من العبادة، ولأن دعاء غير الله من الأموات - ولو كانوا أنبياء أو أولياء- هو من الشرك الذي يحبط العمل، "ولما سُئل رسول الله

ص: 125

- صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تدعو لله نِدًّا وهو خلقك". [متفق عليه]

(النِدُّ: المثيل، ومعناه) ن تدعو غير الله، وتجعله مماثلًا له].

7 -

{وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]

ومن صفاتهم أنهم لا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها، ومنها الوأد وغيره، إلا

بالحق المزيل لحرمتها: كالردة، والقاتل لغيره، والساعي في الأرض فسادًا،

فيُقتلون بحق.

- {وَلَا يَزْنُونَ} فعباد الرحمن لا يقربون الزنا، لأنه فاحشة وساء سبيلًا، وفيه

ضرر على الفرد والجماعة، حيث يورث الأمراض، ويضيع الأنساب، ويُدمر

الأسرة وغير ذلك من المخاطر.

{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 68 - 69]

ومن يفعل ما تقدم من الكبائر كدعاء غير الله، وقتل النفس، والزنا، فإنه يلقى جزاءً يوم القيامة بأن يكرر عليه العذاب، ويخلد فيه ذليلًا حقيرًا.

{إِلا مَنْ تَابَ} إلى الله في الدنيا من جميع ما فعل، فإن الله يتوب عليه إذا قام بشروط التوبة.

9 -

{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72]

قال الطبري: وأولى الأقوال بالصواب أن يقال:

والذين لا يشهدون شيئًا من الباطل، لا شِركًا، ولا غِناء، ولا كذبًا، ولا غيره، وكل ما لزمه اسم الزور، لأن الله عَمَّ في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور، فلا ينبغي أن يخص من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو فعل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" ثلاثًا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال:"الشرك بالله، وعقوق الوالدين" وكان متكئًا فجلس فقال: "ألا وقول الزور؛ ألا وشهادة الزور"، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. [متفق عليه]

10 -

{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]

جاوزوه علماء معرضين عنه. قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إن الله أخبرنا عن هؤلاء المؤمنين الذين مدحهم بأنهم إذا مروا

ص: 126

باللغو مروا كرامًا، واللغو في كلام العرب هو كل كلام أو فعل باطل لا حقيقة له ولا أصل، أو ما يُستقبح، فسَبُّ الإِنسانِ الإِنسانَ بالباطل الذي لا حقيقة له من اللغو، وذِكر النكاح بصريح اسمه مما يستقبح في بعض الأماكن، فهو من اللغو، وكذلك تعظيم المشركين آلهتهم من الباطل الذي لا حقيقة لما عظموه على نحو ما عظموه، وسماع الغناء هو مما يستقبح في أهل الدين، فكل ذلك يدخل في معنى اللغو، فلا وجه- إذا كان كل ذلك يلزمه اسم اللغو- أن يقال: عنى به بعض ذلك دون بعض، إذ لم يكن لخصوص ذلك دلالة من خبر أو عقل.

11 -

{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73]

قال ابن كثير: وهذه أيضًا من صفات المؤمنين:

{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]

بخلافِ الكافر فإنه إذا سمع كلام الله لا يؤثر فيه ولا يتغير عما كان عليه. بل يبقى مستمرًا على كفره وطغيانه وجهله وضلاله.

فقوله: {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} .

سئل الشعبي عن الرجل يرى القوم سجودًا ولم يسمع ما سجدوا، أيسجد معهم؟ قال فتلا هذه الآية:{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا. . .} .

يعني أنه لا يسجد معهم، لأنه لم يتدبر أمر السجود، ولا ينبغي للمؤمن أن يكون إمَّعة، بل يكون على بصيرة من أمره، ويقين واضح بين.

وقال قتادة في تفسير قوله تعالى:

{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} .

يقول: لم يَصُمّوا عن الحق ولم يعموا فيه، فهم والله قوم عقلوا عن الحق، وانتفعوا بما سمعوا من كتابه. [ج 3/ 329]

12 -

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]

قال ابن كثير: يعني الذين يسألون الله أن يُخرج من أصلابهم ومن ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له.

1 -

قال ابن عباس: يعنون من يعمل بطاعة الله فتَقرُّ به أعينهم في الدنيا والآخرة.

2 -

قال عكرمة: لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالًا ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين.

ص: 127

3 -

وسئل الحسن البصري عن هذه الآية فقال: أن يُريَ الله العبد المسلم من زوجته ومن أخيه ومن حميمه طاعة الله. لا والله لا شيء أقَرُّ لعين المسلم من أن يرى ولدًا أو ولدَ ولدٍ أو أخًا أو حميمًا مطيعًا لله عز وجل.

13 -

{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} اجعلنا أئمة يُهتدى بنا.

قال ابن كثير: قال ابن عباس والحسن والسدي:

اجعلنا أئمة يُقتدى بنا إلى الخير.

وقال غيرهم: اجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير.

{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 75 - 76]

قال ابن كثير: لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة، والأقوال والأفعال الجميلة، قال بعد ذلك (أولئك) المتصفون بهذه (يُجزِون) يوم القيامة (الغرفة) وهي الجنة (بما صبروا) أي على القيام بذلك (ويُلَقَّون فيها) أي في الجنة (تحية وسلامًا) أي يُبتدرون فيها بالتحية والإِكرام، ويلقون التوقير والاحترام، فلهم السلام وعليهم السلام، فإن الملائكة يدخلون

عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا}

(أي مقيمين ولا يحولون، ولا يموتون ولا يزالون عنها)

وقوله تعالى: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} .

أي حسنت منظرًا، وطابت مقيلًا ومنزلًا. [ج 3/ 330]

ص: 128

من فوائد الآيات

1 -

فضيلة التواضع والسكينة في المشي، وتحريم التكبر.

2 -

فضيلة رَدّ السيئة بالحسنة.

3 -

فضل قيام الليل والدعاء.

4 -

فضيلة الاعتدال في النفقة.

5 -

تحريم الشرك والقتل والزنى.

6 -

التوبة تمحو الذنوب بشروطها.

7 -

تحريم شهود الزور وشهادته.

8 -

فضيلة الإعراض عن اللغو.

9 -

فضل تدبر القرآن والعمل به.

10 -

من اتصف بصفات عباد الوحمن فله الجنة والتكريم.

ص: 129