الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي سليمان يمسح الخيل حبًا لها
قال الله تعالى:
ذكر كثير من المفسرين أن سليمان عليه السلام شغلته الخيل عن صلاة العصر، حتى غابت الشمس فأمر بقطع سوقها وذبحها تقربًا إلى الله، وقد اختلفت عباراتهم، وكلها تدور على هذا المعنى، وهذا التفسير عليه ملاحظات:
1 -
قوله: {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} أي: صلاة العصر، لا دليل عليه، لأن كلمة (عن)
تأتي بمعنى (لأن) كما نقل الشوكاني في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} يقول: مِن ذكر ربي. [ج4/ 432]
فالخيل هي من ذكر الله، لأن فيها الإِعانة على الجهاد، ولذلك أمر الله تعالى برباطها فقال عز من قائل:
وقد حل مكانها الآن الدبابات، والطائرات والمصفحات، والصواريخ، وغيرها من المخترعات.
فإعداد الخيل للجهاد من العبادات المطلوبة، بل هو من أفضلها، لذلك جاء مدحها في كثير من الأحاديث الصحيحة.
2 -
قول المفسرين {حَتَّى تَوَارَتْ} أي الشمس: لا دليل عليه أيضًا لأن الشمس ليس لها ذكر من قريب أو بعيد، والأقرب هو ذكر الخيل، فيكون المعنى: حتى توارت الخيل واختفت عن نظر سليمان عليه السلام.
3 -
والأهم من ذلك قول المفسرين: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قطع سوقها وأعناقها حيث فسروا المسح بالقطع: وهذا لا دليل عليه، ولا سيما أن فيه تعذيبًا للحيوان وإتلافًا للمال.
والأولى أن نحمل الآية على ظاهرها، فقد نقل الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى:{فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} :
يقول: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبًا لها.
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية، لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يكن إن شاء الله ليعذب حيوانًا بالعرقبة، ويُهلك مالاً من ماله بغير سبب.
(العرقبة: قطع أرجل الخيل). [انظر تفسير الطبري ج 23/ 156]
4 -
أقول: هذا التفسير لابن عباس هو الصحيح، ويمكن القول بأن سليمان عليه السلام كان يُجري استعراضًا عسكريًا للخيل لمحبته لها فلما مرت أمامه، وغابت عن نظره أمر بإعادتها وردها، فجعل يمسح التراب والعرَق عن سوقِها وأعناقها مِن أثر الغبار الذي لحقها، كما يفعل الآن من عنده الخيل.
5 -
وقال ابن حزم: تأويل الآية على أنه قتل الخيل إذ اشتغل بها عن الصلاة، خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة. قد جمعت أفانين من القول، لأن فيها معاقبة خيل لا ذَنب لها، والتمثيل بها، وإتلاف مال منتفع به بلا معنى؛ ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل، ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها!!
وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حُب الخير من أجل ذكر ربه حتى توارت
الشمس، أو تلك الصافنات بحجابها، ثم أمر بردها فطفق مسحًا بسوقها
وأعناقها بيده برًا بها وإكرامًا لها، وهذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره، وليس فيها إشارة أصلًا إلى ما ذكره من قتل الخيل وتعطيل الصلاة، وكل هذا قد قاله ثقات المسلمين. فكيف ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6 -
وقال الفخر الرازي في الآية: إن رباط الخيل كان مندوبًا إليه في دينهم، كما أنه كذلك في دين الإِسلام. ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو، فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها، وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه. وهو المراد من قوله:
{عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} ثم أنه عليه السلام أمر بإعادتها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره، ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل، فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها.
والغرض من ذلك المسح أمور:
1 -
تشريفًا لها وإبانة لعزتها، لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو.
2 -
أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك وأنه يباشر أكثر الأمور بنفسه.
3 -
أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها، فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض.