الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف الراسخين في العلم والزائغين من المتشابه
إن موقف الرالسخين في العلم من المتشابه وموقف الزائغين منه بينه الله تعالى فقال في الزائغين: {فأما الذين في قلويهم زَيغٌ فيتَّبعون ما تشابة منه ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويلِه} . [آل عمران 7]
وقال في الراسخين في العلم:
{والراسخون في العلم يقولون آمنا به كُل من عند رَبنا} [آل عمران 7]
فالزائغون يتخذون من هذه الآيات المشتبهات وسيلة للطعن في كتاب الله وفتنة الناس عنه وتأويله لغير ما أراد الله تعالى به فيَضِلون وُيضلون.
وأما الراسخون في العلم فيؤمنون بأن ما جاء في كتاب الله تعالى فهو حق وليس فيه اختلاف ولا تناقض لأنه من عند الله.
{ولو كان من عند الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} . [النساء: 82]
وما جاء مشتبهاً ردوه إلى المحكم ليكون الجميع مُحكَماً.
1 -
ويقولون في المثال الأول: إن لله تعالى يدين حقيقتين على ما يليق بجلاله وعظمته لا تماثلان أيدي المخلوقين كما أن له ذاتاً لا تماثل ذوات الخلوقين لأن الله تعالى يقول: {لَيسَ كمِثله شيء وَهُوَ السَميِعُ البَصير} . [الشورى 11]
وكعُلُو الله على عرشه على ما يليق بجلاله لا يشبه مخلوقاته:
قال الله تعالى: {الرحمَن عَلَى العَرش استَوَى} . [طه 5]
2 -
ويقولون في المثال الثاني: إن الحسنةَ والسيئة كلتاهما بتقدير الله عز وجل لكن الحسنة سببها التفضل من الله تعالى على عباده. أما السيئة فسببها فعل العبد كما قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} . [الشورى 30]
فإضافة السيئة إلى العبد من إضافة الشيء إلى سببه لا من إضافته إلى مُقَدِّره، أما
إضافة الحسنة والسيئة إلى الله تعالى فمن باب إضافة الشيء إلى مُقَدِّره، وبهذا يزول ما يوهم الاختلاف بين الآيتين لانفكاك الجهة.
3 -
ويقولون في المثال الثالث: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه شك فيما أُنزل إليه بل هو أعلم به وأقواهم يقيناً كما قال الله تعالى {قل يا أيها الناس إن كنتم في شَكٍ مِن ديني فلا أعبدُ الذين تعبدون مِن دون الله} الآية. [سورة يونس104]
المعنى إن كنتم في شك منه فأنا على يقين منه ولهذا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله بل أكفر بهم وأعبد الله.
ولا يلزم من قوله: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} أن يكون الشك جائزاً
على الرسول صلى الله عليه وسلم واقعاً منه، ألا ترى قوله تعالى:
{قل إنْ كان للرحمن ولَدٌ فأنا أولُ العابدين} . [الزخرف 81]
هل يلزم منه أن يكون الولد جائزاً على الله تعالى أو حاصلاً؟
كلا، فهِذا لم يكن حاصلاً ولا جائزاً على الله تعالى، قال الله تعالى:
{وَمَا يَنبغِيِ لِلرَّحمن أن يَتَّخِذَ وَلَداً، إِنْ كُلُّ مَن في السَّمَوَاتِ وَالأرضِ إِلاءَاتِى
الرَّحَمنِ عَبداَ}. [سوره مريم 92 - 93]
ولا يلزم من قوله تعالى: {فلا تكونَن من الممترين} أن يكون الامتراء واقعاً من
الرسول صلى الله عليه وسلم لأن النهي عن اليء قد يوجه إلى من لم يقع منه، ألا ترى قوله تعالى:{ولا يصدُنَّك عن آياتِ الله بعد إذ أنزلَتْ إليك وادعُ إلى ربك ولا تكونن من المشركين} . [القصص 87]
المعلوم أنهم لم يصدوا النبي صلى الله عليه وسلم عن آيات الله وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه شرك؛ والغرض من توجيه النهي إلى من لا يقع منه التنديد بمن وقع منهم والتحذير من منهاجهم، وبهذا يزول الاشتباه وظن ما لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم. [انظر كتاب أصول في علم التفسير للشيخ محمد صالح العثيمين]