الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عيسى عليه السلام حي في السماء
قال الله تعالى بشأن عيسى عليه السلام:
{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55]
قد يتوهم بعض الناس من ظاهر هذه الآية الكريمة وفاة عيسى وموته، ولو رجعوا إلى أقوال المفسرين المعتمدين لهذه الآية لزال عنهم الوهم.
وقد اختلف المفسرون فيها على أقوال:
1 -
إن التوهم جاء من كلمة (مُتَوفيك) على أن التوفي بمعنى الإماتة، وأنه قد حصل قبل الرفع، والجواب على هذا ما يلي:
أن قوله تعالى: {مُتَوَفِّيكَ} لا يدل على تعيين الوقت، ولا يدل على أن التوفي
قد مضى، والله تعالى متوفيه يومًا ما، ولكن لا دليل على أن ذلك اليوم قد مضى. وأما عطفه {وَرَافِعُكَ} على قوله:{مُتَوَفِّيكَ} فلا دليل فيه، لأن الجمهور من علماء اللغة يرون أن الواو لا تفيد الترتيب ولا الجمع، وإنما تفيد مطلق التشريك، والدليل قوله تعالى:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} [الجاثية: 24]
فدلت الآية على أن الواو لا تفيد الترتيب، لأن المعطوف وهو الحياة سابق في الوجود على المعطوف عليه، وهو الموت.
وعليه فيكون معنى الآية: (إني رافعك إِليَّ ومُتوفيك) وقد ثبت بالأدلة على أن
عيسى حي في السماء، وأنه سينزل ويقتل الدجال ويكسر الصليب، وغير ذلك كما سيأتي، ثم يتوفاه الله بعد ذلك. [انظر أضواء البيان، وزاد المسير وغيرهما]
2 -
التفسير الثاني: أنها وفاة نوم للرفع إلى السماء فيكون معنى الآية:
(إني مُنيمك، ورافعك إليَّ).
وقد جاء في القرآن إطلاق الوفاة على النوم في قوله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60]
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42]
وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من النوم يقول:
"الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور". [رواه البخاري]
فقد ثبت في الكتاب والسنة صحة إطلاق الوفاة على النوم، ويكون رفع عيسى عليه السلام وهو نائم رفقًا به كما قال الحسن البصري.
3 -
التفسير الثالث: أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: هذا من المقدم والمؤخر: أي رافعك ومتوفيك بعد ذلك في الأرض بعد أن تعود إليها قبل يوم القيامة، لتكون علمًا من أعلام الساعة.
وهذا قول الفراء والزجاج، وتكون الفائدة في إعلامه بالتوفي تعريفه أن رفعه إلى السماء لا يمنع من موته.
4 -
الوجه الرابع: أن {مُتَوَفِّيكَ} اسم فاعل من توفاه إذا قبضه وحازه إليه، ومنه قولهم:(توفى فلان دينه) إذا قبضه. قال ابن قتيبة في غريب القرآن:
{مُتَوَفِّيكَ} : قابضك من الأرض من غير موت (1)
قال الإِمام ابن جرير الطبري: ومعلوم أنه لوكان أماته الله عز وجل لم يكن بالذي يميته ميتة أخرى، فيجمع عليه ميتتين ..
فتأويل الآية: يا عيسى إني قابضك من الأرض، ورافعك إليَّ ومُطهرك من الذين كفروا فجحدوا نبوتك. [انظر تفسير الطبري تحقيق محمود شاكر 6/ 460]
أقول: كل التفاسير التي مرت يصح تفسير الآية بها، إلا أن الراجح هو التفسير الرابع: وهو أن المراد من قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} أي متوفي شخصك حيًا من الأرض من غير موت ولا نوم، وأن قوله:{رَافِعُكَ إِلَيَّ} هو تعيين لنوع التوفي، وهو اختيار الطبري وابن قتيبة كما تقدم، وهو الرواية الصحيحة عن ابن عباس كما قال الألوسي في روح المعاني.
وعلى هذا فلا يمكن تفسير قوله تعالى: {مُتَوَفِّيكَ} مميتك، ومن قوله تعالى {رَافِعُكَ} رافع روحك كما زعم البعض وذلك لما تقدم من أوجه التفسير في معنى التوفي. والله أعلم.
(1) انظر موهم الاختلاف بين آيات القرآن للأخ ياسر أحمد الشمالي