الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله نور السمواتِ والأرض
قال الله تعالى:
وقد فسر ابن القيم قوله تعالى: {الله نَور السموات والأرض} :
بكونه مُنوراً السموات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض، فبنوره اهتدى
أهل السموات والأرض، وهذا إنما هو فعله وإلا فالنور هو من أوصافه قائم به، ومنه اشتق له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى.
[إعلام الموقعين لابن القيم ج 1/ 185]
وضرب الله عز وجل لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلاً بالمشكاة، وهي الكوة في الحائط، فهي مِثل الصدر، وفي تلك المشكاة زجاجة من أصفي الزجاج، حتى شبهت بالكوكب الدري في بياضه وصفائه. وهي مِثل القلب، وشبه بالزجاجة لأنها جمعت أوصافاً هي في قلب المؤمن، وهي الصفاء والرقة والصلابة، فيرى الحق والهدى بصفائه، وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته، ويجاهد أعداء الله تعالى ويَغلظ عليهم، ويَشتد في الحق، ويصلب فيه بصلابته، ولا تُبطل صفة منه صفة أخرى ولا تعارضها، بل تساعدها وتعاضدها كما قال الله تعالى في وصفهم:
{أشِداء على الكفار، رحماء بينهم} . [الفتح 29]
وفي الزجاجة مصباح، وهو النور الذي في الفتيلة، وهي حاملته، ولذلك النور مادة، وهو قد عصر من زيتونة في أعدل الأماكن تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فزيتها من أصفى الزيت، وأبعده عن الكدر، حتى إنه ليكاد من صفائه يضيء بلا نار، فهذه مادة نور المصباح.
وكذلك مادة نور المصباح الذي في قلب المؤمن: هو من شجرة الوحي التي هي أعظم الأشياء بركة، وأبعدها عن الإنحراف، بل هي أوسط الأمور وأعدلها وأفضلها، لم تنحرف انحراف النصرانية، ولا انحراف اليهودية، بل هي وسط بين الطرفين المذمومين في كل شيء. فهذه مادة مصباح الإِيمان في قلب الؤمن.
ولما كان ذلك الزيت قد اشتد صفاؤه، حتى كاد أن يضيء بنفسه، ثم خالط النار، فاشتدت بها إضاءته، وقويت مادة ضوء النارية فيه كان ذلك نوراً على نور.
وهكذا المؤمن: قلبه مضيء يكاد يعرف الحق بفطرته وعقله، ولكن لا مادة له من نفسه، فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه، فازداد نوراً بالوحي على نوره الذي فطره الله تعالى عليه، فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة.
فليتأمل اللبيب هذه الآية العظيمة ومطابقتها لهذه المعاني الشريفة، فقد ذكر
سبحانه وتعالى نورَه في السموات والأرض، ونوره في قلب عباده المؤمنين: النور المعقول المشهود بالبصائر والقلوب، والنور المحسوس المشهور بالأبصار التي استنارت به أقطار العالم العلوي والسفلي، فهما نوران عظيمان، وأحدهما أعظم من الآخر.
وكما أنه إذا فقد أحدهما من مكان أو موضع لم يعش فيه آدمي ولا غيره، لأن الحيوان إنما يكون حيث النور، ومواضع الظلمة لا يشرق عليها نور لا يعيش فيها حيوان ولا يكون البتة.
فكذلك أمة فُقد فيها نورُ الوحي والِإيمان ميتة ولا بُد، وقلبٌ ضد منه هذا النور: ميت ولا بُد، لا حياة البتة، كما لا حياة للحيوان في مكان لا نور فيه.
[انظر تفسير القيم لابن الميم 374/ والوابل الصيب 736]
وفسر الطبري قوله تعالى: {يهدي الله لنوره مَن يشاء} .
يوفق الله لاتباع نوره، وهو هذا القرآن مَن يشاء مِن عباده.
وقوله تعالى: {ويضربُ الله الأمثالَ للناس} يقول:
ويمثل الله الأمثال والأشباه للناس كما مثل لهم مَثل هذا القرآن في قلب المؤمن بالمصباح في المشكاة وسائر ما في هذه الآية من الأمثال.
{والله بكل شيء عليم} والله يضرب الأمثال وغيرها من الأشياء كلها، ذو علم. [انظر تفسير الطبري 18/ 143]
ما يستفاد من الآية
1 -
أن الله جعل للمؤمن نوراً يهتدي به.
2 -
أن الله يهدي من يشاء من عباده إلى الإِيمان.
3 -
أن هذه الهداية هي هداية التوفيق.
4 -
أن هداية التوفيق بيد الله لا يقدر عليها أحد.
5 -
استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان والفهم.
6 -
أن اسم النور من أسماء الله تعالى.
7 -
النور نوعان: نور محسوس كضوء الشمس لا يستغني عنه إنسان ولا حيوان ولا نبات. ونور معنوي: وهو القرآن الذي سماه الله نوراً لا يستغني عنه إنسان يريد الحياة الطيبة.
8 -
إذا ظهر نور الشمس المحسوس الذي خلقه الله تعالى، لم يكن للمصابيح والشموع نور يُذكر؛ وكذلك إذا ظهر نور الإِسلام الذي أنزله الله لعباده -وهو نور معنوي- يجب أن تزول المبادىء المخالفة له: كالعلمانية، والماسونية، والرأسمالية، والشيوعية، وغيرها مما يضعه البشر، وقد زالت الشيوعية، وستزول بقية الأنظمة المخالفة للإِسلام، بإذن الله تعالى. وصدق الشاعر حين قال:
الله أكبر إن دين محمد
…
وكتابه أقوى وأقوم قيلا
لا تُذكَر الكتب السوالف عنده
…
طلع الصباح فأطفىء القنديلا