الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسول يخطب في حجة الوداع
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفات وقال:
"إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في
بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمَيَّ هاتين موضوع، ودماء
الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث -كان مسترضعًا في بني سعد فقتلَته هُذيل- وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا: ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانِ الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطِئن فُرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبرِّح، ولهن عليكم رزقهن، وكِسوتهن بالمعروف.
وإني قد تركت فيكم ما -لن تضلوا بعد - إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت وأدَّيت ونصحت.
فقال: بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، ويُنكتُها إلى الناس:
اللهم اشهد اللهم اشهد (ثلاث مرات)(ينكتها: يميلها).
وقال صلى الله عليه وسلم عند الرمي يوم النحر:
لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلّي لا أحج بعد حجتي هذه.
وقال أيضًا: ويحكم أو قال ويلكم -لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" [أخرج الخطبة مسلم عن جابر]
يستفاد من خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم
1 -
تحريم سفك الدماء البريئة، وأخذ الأموال بغير حق، وهذا تأكيد لصيانة
النفوس، والملكية الفردية، والقضاء على الإشتراكية الفاشلة، وهي فرع من
الشيوعية الملحدة، وقد عرف الناس بطلانها فثاروا عليها ليتخلصوا منها.
2 -
تحريم أخذ الربا، وهو الزائد على رأس المال قَلَّ أو كَثُر.
قال تعالى: {وإن تُبتم فلكم رؤوسُ أموالِكم} . [البقرة: 279]
3 -
فيها الحث على مراعاة حق النساء، والوصية بهن ومعاشرتهن بالمعروف، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصية بالنساء، وبيان حقوقهن، والتحذير من التقصير في ذلك.
4 -
استحلال فروج النساء بالزواج الشرعي، كقوله تعالى:
{فانكحوا ما طاب لكم من النساء} . [النساء: 3]
5 -
لا يجوز للزوجة إدخال أحد يكرهه الزوج في بيته، سواء كان رجلاً أجنبيًّا، أو امرأة، أو أحدًا من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك كما ذكره النووي.
6 -
يجوز للرجل أن يضرب زوجته -إذا خالفته فيما تقدم- ضربًا ليس بشديد ولا شاق، ولا سيما الإبتعاد عن ضرب الوجه، أو تقبيحه، فإنه من المحرمات، وقد ورد النهي عن ذلك؛ وهذا من قوامة الرجال على النساء كما قال الله تعالى:{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} . [سورة النساء: 34]
7 -
فيها الحث على التمسك بكتاب الله الذي فيه عز المسلمين ونصرهم، والتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم المبينة للقرآن، وأن سبب ضعف المسلمين اليوم هو تركهم الحكم بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نصر لهم إلا بالرجوع إليهما.
8 -
فيها الدليل الواضح على علُو الله على عرشه، حيث رفع الرسول صلى الله عليه وسلم أصبعه إلى
السماء ليُشهد الله على أنه بلَّغ الرسالة.
9 -
فيها الأمر بأخذ مناسك الحج، وغيرها عنه- صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله، وتقريره، وفيها إشارة إلى وداعه لأصحابه.
التحذير من القتال بين المسلمين، وهو من الكفر العملي الذي لا يخرج صاحبه من الإِسلام، وهو كقوله في:
"سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر". (متفق عليه)
الجمع بين الصلاتين في عرفة:
ثم أذَّن بلال، ثم أقام فصلَّى الظُّهر ثم أقام فصلَّى العصر، ولم يُصَلِّ بينهما شيئًا، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات (1).
وجعل حبل المشاة (2) بين يديه، واستقبل القبلة (3)، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه.
الإفاضة من عرفات:
ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي رواية أفاض وعليه السكينة)، وقد شنق للقصواء الزمام (4)، حتى إن رأسها ليُصيب مَورك (5) رحله ويقول بيده اليمنى:
"أيها الناس السكينة السكينة" كلما أتى حبلًا من الحبال (6) أرخى لها قليلًا حتى تصعد.
(1) صخرات مفترشاة في أسفل جبل الرحمة، قال النووي: وهو الموقف المستحب، وما اشتهر من صحو الجبل فغلط.
(2)
مجتمعهم.
(3)
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه وقف يدعو رافعًا يديه.
(4)
ضمّ وضيق.
(5)
الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه.
(6)
الحبل المستطيل من الرمل.
المبيت في المزدلفة:
حتى اذا أتى المزدلفة فصلَّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسبِّح (1) بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة.
الوقوف على المشعر الحرام:
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام (2) فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلَّله ووحده؛ فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا وقال:
"وقفتُ ههنا، والمزدلفة كلها موقف". (رواه مسلم وغيره)
الدفع من المزدلفة لرمي الجمرة:
فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيمًا، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظُعن (3) يجرين، فطفق الفضل ينظر اليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه التي الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر (4) ينظر، حتى أتى بطن مُحَسِّر، فحرك قليلًا.
رمي الجمرة الكبرى:
ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي
(1) لم يصل نفلًا.
(2)
قال جماهير المفسرين وأهل السير والحديث: المشعر الحرام جميع المزدلفة (نووي).
(3)
نساء.
(4)
فيه دليل على وجوب غض البصر عن النساء.
عند الشجرة، فرماها [بسبع حصيات] يُكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى
الخذف (1).
رمى من بطن الوادي يقول:
"لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه".
النحر والحلق:
ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثًا وستين [بدنة] بيده؛ ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر [ما بقي] وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجُعلت في قِدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها.
وفي رواية: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم[فحلق] وجلس [بمنى يوم النحر] للناس، فما سئل عن شيء [قُدِّم قبل شيء] إلا قال:"لا حَرج لا حَرج"(2).
الإفاضة لطواف الإفاضة:
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت أفطافوا، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يَسقُون على زمزم فقال:
"انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس لنزعتُ معكم"(3) فناولوه دلوًا فشرب منه. (رواه مسلم وغيره عن جابر انظر حجة النبي صلى الله عليه وسلم للمحدث الألباني)
(1) حصى الخذف: بقدر حبة الحمص الكبيرة. ومن الخطأ ما يفعله بعض الجهلة بالرمي بالأحذية وغيرها مخالفين هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه وذلك حين قال: "لتأخذوا عني مناسككم".
(2)
معناه: افعل ما بقي عليك، وقد أجزأك ما فعلته ولا حرج عليكم في التقديم والتأخير.
واعلم أن أفعال يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم طواف الإفاضة، والسنة ترتيبها، فلو خالف وقدم بعضها على بعض جاز ولا فدية عليه لهذا الحديث وغيره (قاله النووي).
(3)
معناه: لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج ويزدحموا عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الإستقاء لاستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الإستقاء "ذكره الإمام النووي".