الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف نؤمن بالقدر خيره وشره
في هذه السطور لقاؤنا مع أصول الإِيمان والتوحيد نتعلم فيه أصلين عظيمين
من أصول الإِيمان لا تقبل عبادة من العبادات إلا ممن أتى بهما: القضاء
والقدر، واليوم الآخر:
س1: كيف نؤمن بالقدر؟
جـ 1: أن تعلم أن ما أصابك لمِ يكن ليُخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن توقن أن الخلق جميعاً لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجَفَت الصحف، وأن تؤمن بأن ما شاء الله كان وما لم يثا لم يكن، وأن كل ما فى الكون من حركة وسكون وحياة وموت وخير وشر وطاعة ومعصية إنما هو بتقدير الله ومشيئته وعلمه وحكمته لم يكن شيء من ذلك قهراً عليه سبحانه وتعالى عن ذلك ولا عبثاً منه عز وجل.
س2 ما معنى قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [سورة محمد، آية 31]
ألم يكنَ الله يعلم ذلك قبل وجوده؟
جـ 2: بلَى فالله بكل شيء عليم، علِمَ ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ كما قال:
{وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [سورة الطلاق، آية 12]
وقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا
تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة الأنعام، آية 59]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما خلق الله القلم فقال اكتب فقال ما أكتب؟ قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة". [رواه البخاري]
ولكن من عدله سبحانه وحكمته لا يظلم العباد فهو لا يحاسبهم إلا على ما صدر منهم من أعمال عملوها هم بإرادتهم التي خلقها الله لهم، فلا
يحاسبهم إلا بعلمه بما صدر منهم لا على مجرد العلم السابق والكتابة في اللوح الحفوظ، فمعنى الآية: أن الله يبتلي عباده -أي يختبرهم ليعلم المجاهدين الصابرين من المنافقين- علماً يحاسبهم عليه وإن كان قد علمه قبل ذلك.
س 3: هل الإِنسان مُسيّر أم مخيّر؟
جـ 3: هذا السؤال خطأ من أصله فالِإنسان في أفعاله الاختيارية -كالطاعة والخير، والمعصية والشر- له قدرة واختيار لا ينكره إلا معاند، لأن كل إنسان يشعر بذلك في نفسه، وأثبت الله ذلك في القرآن فقال:
{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} . [سورة الكهف، آية 29]
ولكن هذه المشيئة ليست مطلقةً بلا حدود، بل هي مقيدة بمشيئة الله لأن الله
هو الذي خلق الإنسان وخلق له القدرة والإِرادة كما قال سبحانه:
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . [سورة الإنسان، آية 30]
وهذا التقييد لا يعني إلغاء إرادته وأنه مُسَير أو مجبور بلا اختيار، بل لا يحاسب الله أحداً فقد إرادته كالمكره والمجنون والنائم، ولكن مشيئة الله تجري على العباد من خلال ما يعلمونه هم بأنفسهم وقدرتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم وأفعالهِم، أما الأفعال غير الاختيارية كنبض القلب والانجذاب إلى الأرض مثلًا فلا خلاف أن العبد لا قدرة له عليها ولا اختيار. س 4: إذا كان الله هو الذي شاء وجود الخير والشر وهو الذي خلقهما فهل يرضى عن الشر ويُحب أن يُعْصَى؟.
جـ 4: الله لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر، بل رضي لهم الإِسلام ديناً، وهو يحب المؤمنين والمتقين والمحسنين ولا يرضى عن القوم الفاسقين، فالمحبة والرضى تابعة لتنفيذ أمر الله الشرعي المنزل على رسله -لا لمجرد المشيئة في وجود الشيء،- فالله خلق إبليس ولا يحبه، وكذلك هو الذي خلق الشر ولا يرضى عنه، ولا يأمر عباده به، ولكنه خلقه لِحكَم يعلمها فهو العليم الحكيم:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} . [سورة الأنبياء، آية 23]
لأن العباد يعجزون عن الإِحاطة بعلم الله وحكمته.
س 5: إذا كان كل شيء مُقدَّراً ومكتوباً فما فائدة العمل؟ وكيف يعذب الله العصاة على أمر هو الذي كتبه وخلقه؟
جـ 5: (اعملوا فكل مُيَسَّر لما خُلِق له) فالشقاوة والسعادة خلقها الله مرتبطة بأسبابها من المعصية والطاعة، ولم يخلقها مجردة عن الأسباب، فلا يصير أحد إلى النار إلا بعمل أهل النار، ويدخل المؤمنون الجنة جزاءً بما كانوا يعملون، وكما سبق فالعمل وإن كان بمشيئة الله وقدرته فهو مقدور للإِنسان، وهو سبب سعادته أو شقائه وهو يكون بمشيئة العبد:
{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة فصلت، آية 40]
والله يعذب من يستحق العذاب من عباده على عملهم هم وإن كان هو كتبه فهو لم يأمرهم به:
{قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [سورة الأعراف، آية 28]
كما أن الكتابة في اللوح اَلمحفوظ لا يعلمها العباد وإنما يعلمون شرع الله:
الأمر والنهي والحلال والحرام وعندهم العقل والاختيار، ولذا رد الله على
المشركين القائلين:
{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} . [سورة الأنعام، آية 148]
بقوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ} [سورة الأنعام، آية 148]
والسؤال يوم القيامة يكون عن ماذا أجبتم المرسلين؟؟. و (ماذا كنتم تعملون؟؟) لا عن ماذا كتب عليكم في اللوح المحفوظ.
س 6: ما حكم من يفعل المحرمات ويترك الواجبات ويقول: "لو أراد الله أن يهديني لهداني".
جـ6: هذا من أتباع إبليس الذي قال لربه: {رب بما أغويتني} فأول من احتج
بالقدر إبليس فلم تنفعه هذه الحجة، وأما آدم وحواء فقالا:
[سورة الأعراف، آية 23]
فاختر لنفسك مع مَن تريد أن تكون فإن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس
أنفسهم يظلمون.
س 7 ما حكم من لم يؤمن بالقدر؟
جـ 7: لو أنفق مثل أحُد ذهباً ما تُقبل منه حتى يؤمن بالقَدر، ولو مات على غير ذلك لكان من أهل النار. هكذا روى أُبيّ وحذيفة، وابن مسعود، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى:
{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} . [سورة القمر، آية 48]
س 8: أين نقرأ في هذا الموضوع؟
جـ: في كتاب القضاء والقدر لأبي بكر الجزائري، ومعارج القبول لأحمد حكمي، وشفاء العليل لابن القيم، والعقيدة الواسطية لابن تيمية، وأركان الإِسلام والإِيمان للمؤلف.