الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 - باب رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَا إِذَا أَحْصَنَتْ
2584 -
عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ المهاجرين، مِنْهُم عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ عَوفٍ، فبيْنمَا أنَا في مَنزلِهِ بمنىً، وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ في آخر حَجَّةٍ حَجَّهَا، إذْ رَجَعَ إليَّ عَبْدُ الرَّحْمَن، فقالَ:
لَوْ رَأَيتَ رَجُلاً أتَى أمِيرَ المؤْمِنينَ اليومَ، فَقالَ: يَا أمِيرَ المؤمِنينَ! هَلْ لَكَ في فُلَانٍ؟ يَقولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاناً، فَوَ اللهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبي بَكْرٍ إلا فَلْتَةً (8) فتمَّتْ. فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قالَ:
إنِّي إن شَاءَ اللهُ لَقَائمٌ العَشِيَّةَ في النَّاسِ، فمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاءِ الذيِنَ يُرِيدُونَ أنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُم.
قَالَ عَبْدُ الرحْمَنِ: فُقلْتُ: يَا أميرَ المؤْمِنينَ! لَا تْفَعلْ، فَإنَّ الموسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وغَوْغاءَهُم؛ فَإنَّهُم هُمُ الذينَ يَغلبُونَ عَلى قُربكَ حَين تَقُومُ في النَّاس، وَأنَا أخشَى أنْ تَقُومَ فَتَقولَ مَقَالةً يُطَيِّرُهَا (9) عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأنْ لا يَعُوهَا، وَأنْ لا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِها، فَأمْهِلْ (وفي روايةٍ: وإني أرى أن تُمهِلَ 4/ 265) حَتَّى تَقْدَمَ المدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الفِقْهِ وَأشرَافِ النَّاسِ [وذوي رأيهم] (وفي روايةٍ: بأصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار 8/ 152)، فَتقولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّناً، فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضعُونَها عَلَى مَواضعِهَا، فَقالَ عُمَرُ:
أمَا واللهِ إنْ شَاءَ اللهُ لأقُومَنَّ بِذَلِكَ أوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بالمدِينَةِ.
(8) أى: فجأة، أي: من غير تدبّر.
(9)
بضم أوله؛ من أطار الشيء إذا أطلقه. (وأن لا يعوها): أن لا يعرفوا المراد منها.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِى عَقِبِ ذِى الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْنَا الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِى رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ ابنُ الخَطَّابِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلاً قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فَأَنْكَرَ عَلَىَّ، وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ، قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنِّى قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لَا أَدْرِى لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَىْ أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَىَّ:
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا (10)، وَعَقَلْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا، فَلِذا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ (11)، وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الاِعْتِرَافُ.
2585 -
ثُمَّ إنَّا كُنَّا نَقْرأُ فِيما نَقْرأُ مِنْ كِتَابِ اللهِ: أنْ لا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ،
(10) زاد الإسماعيلي وغيره: "وقد قرأناها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) "، ولها شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة. فراجع لها "الفتح"، و"الصحيحة"(2913).
(11)
أي: في الآية المذكورة التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها. قال الحافظ:
"وقد وقع ما خشيه عمر أيضًا، فأنكر الرجمَ طائفةٌ من الخوارج وبعض المعتزلة".
فَإنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أنْ تَرغَبُوا عْنَ آبائِكُم، أوْ إنَّ كُفْراً بِكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبائِكُم.
2586 -
ألا ثُمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"لا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ (وفي روايةٍ: أطرت النصارى 4/ 142) عِيسى بْن مَرْيَمَ، [فإنما أنا عبدُه، فـ] قُولُوا: عَبْدُ اللهِ ورسولُهُ".
2587 -
ثُمَّ إنَّهُ بَلَغَني أنَّ قَائِلاً مِنْكُمْ يَقولُ: وَاللهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بايَعْتُ فُلانًا، فَلا يَغْتَرَّنَّ امرُؤٌ أنْ يَقولَ: إنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ، أَلا وَإنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إلَيْهِ مِثْلُ أَبي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَنْ غَيرِ مَشُورَةٍ مِنَ المسْلِمينَ فَلا يُبَايَعُ هُوَ وَلا الَّذي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أنْ يُقْتَلا (12).
2588 -
وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِىٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ، فَقُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ! انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ، لَقِيَنَا رَجُلَانِ مِنْهُمْ صَالِحَانِ [شهدا بدراً، فحدثتُ عروةَ بن الزبير، فقال: هما عُوَيْم بن ساعدة ومعن ابن عَدي 5/ 20]، فَذَكَرَا مَا تَمَالَى (13) عَلَيْهِ الْقَوْمُ، فَقَالَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أنْ لَا
(12) يقال: غرر نفسه تغريراً وتغرة؛ إذا عرضها للهلاك، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره: خوف تغرة أن يقتلا، أي: خوف وقوعهما في القتل.
(13)
ولأبي ذر (تمالأ) بالهمز، أي: اتفق. اهـ (شارح).
تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ (14)، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلاً، تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ، وَكَتِيبَةُ الإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ (15)، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا (16) مِنْ أَصْلِنَا، وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ. فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِى، أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَىْ أَبِى بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِى مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ (17)، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّى وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِى فِى تَزْوِيرِى إِلَاّ قَالَ فِى بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا حَتَّى سَكَتَ، فَقَالَ:
مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَاّ لِهَذَا الْحَىِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِى وَبِيَدِ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ: غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِى لَا يُقَرِّبُنِى ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَاّ أَنْ تُسَوِّلَ إِلَىَّ نَفْسِى عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا
(14) قوله: (يوعك) أي: محموم.
(15)
قوله: (رهط) أي: قليل بالنسبة إلينا. قوله: (دفت دافة) أي: سارت رفقة قليلة من مكة إلينا.
(16)
قوله: (أن يختزلونا) أي: أن يقطعونا: وقوله: (يحضنونا) يقال: حضنه عن الأمر أخرجه في ناحية عنه واستبدَّ به.
(17)
قوله: (أداري) أصله الهمز؛ أي: أدفع منه بعض ما يعتريه من الحدَّة.