الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
48 - باب تَعْبيرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ
2636 -
عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قالَ:
كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أنْ يَقولَ لأصْحَابِهِ (وفي روايةٍ: كان إذا صلى صلاةً أقبل علينا بوجهه، فقال 2/ 104):
"هَلْ رأى أحَدٌ مِنْكُم [الليلة] مِنْ رُؤْيَا؟ "، قالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ الله أنْ يَقُصَّ، (وفي روايةٍ: فإن رأى أحد قَصَّها، فيقول ما شاء الله، فسألَنا يوماً، فقال:
"هل رأى أحد منكم رؤيا؟ ". قلنا: لا)، وَإنَّهُ قالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ:
"إنَّهُ أتَاني اللَّيْلَةَ آتيانِ (وفي روايةٍ: قال: لكني رأيتُ الليلةَ رجُلَين أتَيَاني) وَإنَّهُما ابْتَعثاني، وإنَّهُمَا قَالا لي: انْطَلِقْ [فأخذا بَيدي]، وَإنَّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا [فأخرجاني إلى الأرض المقدسةِ]، وَإنَّا أتيْنَا عَلى رجلٍ مُضْطجِع، وَإذَا آخرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِ [فِهرٍ أو] صَخْرَةٍ، وَإذَا هُوَ يَهْوي بِالصَّخْرَةِ لِرَأسِهِ، فَيَثْلَغُ (15) (وفي روايةٍ: فَيَشْدَخُ به)، رأسَهُ، فَيَتَهَدْهَدُ (16) الحَجَرُ هَاهُنَا، فَيَتْبعُ الحَجَرَ، فَيَأخُذُهُ، فَلا يَرْجعُ إليْهِ حَتّى يَصِحَّ رَأسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيفعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المرَّةَ الأُولى.
قالَ: قُلْتُ لَهما: سُبْحَانَ الله! مَا هَذَانِ؟ قالَ: قالا لي: انْطلِقِ انْطَلِقْ.
فانْطَلقْنَا، فَأتَينْا عَلى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفاهُ، وَإذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بـ[يده] كَلُّوبٌ
(15) قوله: (فيثلغ) أي: يشدخ، والشدخ: كسر الشيء الأجوف.
(16)
وقوله: (فيتهدهد) أي: فيتدحرج. اهـ. قسطلاني.
مِنْ حَدِيدٍ، وَإذَا هُوَ يَأتي أحَدَ شِقَّي وَجْهِهِ، فَيُشَرْشِرُ (17) شِدْقَهُ إلى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إلى قَفَاهُ. وَعَينَهُ إلى قَفَاهُ -قالَ: وَرُبَّمَا قالَ أبُو رَجَاءٍ: فَيَشُقُّ- قالَ: ثُمَّ يَتَحوَّلُ إلى الجَانِبِ الآخَرِ، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغُ من ذلكَ الجانبِ حتى يصحَّ (وفي روايةٍ: يلتئم) ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيفعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المرَّةَ الأولَى.
قالَ: قُلْتُ: سبْحَان الله! مَا هَذَانِ؟ قالَ: قَالا لي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ.
فَانطَلقنا، فَأتَيْنَا علَى [ثِقَبٍ] مِثْلِ التَّنُّورِ [أعلاه ضيِّقٌ، وأسفله واسعُ، يتوقَّدُ تحتَه ناراً]، قالَ: فَأحْسِبُ أنَّهُ كَانَ يَقولُ: فَإذَا فيه لَغَط وَأُصْوَاتُ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فيه، فَإذَا فيه رِجَال وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإذَا هُمْ يَأتِيهم لَهَبٌ مِنْ أسَفَلَ مِنْهم، [فإذَا اقْتَربَ ارتفعوا حتى كادَ أن يخرجوا، فإذا خمدَتْ رجعوا فيها]، فَإذا أتاهُم ذلِكَ اللَّهَبُ ضَوضَوْا (18).
قالَ: قَلْتُ لَهُما: مَا هَؤلاءِ؟ قالَ: قالا لي: انْطلِق، انْطلِق.
فَانْطَلَقْنا، فَأتَيْنَا علَىَ نَهَرٍ -حَسِبْتُ أنَّهَ كَان يَقولُ- أحمَرَ مِثْل الدَّمِ، وَإذَا في النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ وَإذَا علَى شَطِّ النَّهرِ رَجُلٌ [قائم]، قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثيرةً، وَإذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأتي ذَلِكَ الذي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهِ الحجارَة، فَيفغَرُ لَهُ (19) فَاهُ، فَيُلْقِمُهُ حَجَراً، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجعُ إليْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ
(17) قوله: (فيشرشر شدقه) أي: يقطعه، و (الشدق) جانب الفم. اهـ عيني.
(18)
قوله: (ضوضوا) كذا بغير همز أي: صاحوا.
(19)
قوله: (فيفغر له فاه) أي: فيفتح له فمه.
إليْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ، فألْقمَهُ حَجَراً.
قالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَال: قالا لي: انْطَلِق، انْطَلِقْ.
فَانَطَلَقْنَا، فَأَتَينَا علَى رَجُلٍ كريهِ المَرْآةِ (20)، كَأكْرَهِ مَا أنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإذَا عِنْدَهُ نَارٌ يحُشُّهَا (21) وَيَسْعى حَوْلَها.
قَال: قُلْتُ لَهما: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالا لي: انْطَلِقِ، انطلقْ.
فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ (22)[خضراءَ فيها شجرةٌ] فيِها من كُلِّ نَوْرِ الرَّبيع، وَإذَا بَيْنَ ظَهْرَي الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَويلٌ، لا أكادُ أرَى رْأسَهُ طُولاً في السَّمَاءِ، وَإذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أكثَرِ وِلدَانٍ رَأيْتُهُم قَطُّ.
قالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قالا لي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا، فَانْتَهَيْنَا إلى رَوْضَةٍ عَظيمَةٍ، لَمْ أرَ رَوْضَةً قَطُّ أعْظَمَ منْهَا، وَلا أحْسَنَ، [فيها رجالٌ شيوخٌ، وشبابٌ، ونساءٌ، وصبيانٌ]، قَالَ: قالا لي: ارْقَ (23) فيها. قالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إلى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّة بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأتَيْنَا بَابَ المدِينَةِ. فاسْتفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا (وفي روايةٍ: فأدخلاني داراً هي أحسنُ وأفضلُ، فيها شيوخٌ وشبابٌ)، فَتَلَقَّانَا فيها رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسنِ مَا أنْتَ رَاءٍ، وَشَطرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنتَ رَاءٍ، قَالَ: قالا لَهُم: اذْهَبُوا فَقَعُوا في ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ:
(20) كريه المرآة: المنظر.
(21)
قوله: (يحشُّها) أي: يحركها.
(22)
قوله: (معتمة) أي: كثيرة النبات طويلته. اهـ.
(23)
قوله: (ارقَ)؛ في نسخة العيني: (ارقَه) بهاء السكت.
وَإذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْري كَأَنَّ مَاءَهُ المحضُ في البَياضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إليْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُم، فَصَارُوا في أَحْسَنِ صُورَةٍ.
قَالَ: قالا لي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، [فارفع رأسَكَ]، قَالَ:[فرفعت رأسي]، فَسَما بَصَرِي صُعُداً، فَإذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ البَيْضَاءِ، قَالَ: قَالا لي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ الله فيكُمَا، ذَرَاني فأَدْخُلَهُ، قَالا: أمَّا الآنَ فَلا، وَأنْتَ دَاخِلُهُ (وفي روايةٍ: قالا: إنه بقيَ لكَ عمرٌ لم تستَكْمِلْهُ، فلو استكملْتَ أتيتَ منزِلَكَ).
قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإنِّي قَدْ رَآَيتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَباً، فَمَا هَذَا الذي رَأَيْتُ؟
قَالَ: قَالا لي: أمَا إنَّا سَنُخْبِرُكَ:
أمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثلَغُ (وفي الرواية الأخرى: يشدَخ) رَأسُهُ بالحجَرِ، فَإنَّهُ الرَّجُلُ يَأخُذُ القُرآنَ فَيَرْفُضُه (24)، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المكْتُوبَةِ. (وفي الرواية الأخرى: فرجلٌ علّمَه الله القرآنَ، فنامَ عنه بالليل، ولم يَعْملْ فيه بالنهارِ، يُفْعَلُ به إلى يومِ القيامةِ).
وَأمَّا الرَّجُل الذي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلى قَفاهُ، وَمَنْخِرُهُ إلى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إلى قَفَاهُ، فَإنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الكَذبَةَ [فتُحْمَلُ عنه حتى] تبْلُغَ الآفَاقَ، [فيُصْنَعُ به ما رأيت إلى يومِ القيامةِ].
(24) قوله: (فيرفضه) بكسر الفاء، وقيل بضمها أي: يتركه، ولما رفضَ أشرفَ الأشياء وهو القرآن؛ عوقب في أشرف أعضائه. اهـ عيني.
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ في مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَاني.
وَأمَّا الرَّجُلُ الَّذي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَح في النَّهَرِ، وَيُلقَمُ الحَجَرَ، فَإنَّهُ آكِلُ الرِّبَا.
وَأَمَّا الرَّجلُ الكَريهُ المَرآةِ، الَّذي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا، وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطويلُ الَّذي في الرَّوْضَةِ، فَإنَّهُ إبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذينَ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلى الفِطْرَةِ".
قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ المسْلِمينَ: يَا رَسُولَ الله! وَأَوْلادُ المشْركينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"وَأوْلَادُ المُشْرِكينَ".
"وَأمَّا القَوْمُ الَّذينَ كَانوا شَطْرٌ مِنْهُم حَسَناً، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحاً، فَإنَّهُم قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئاً؛ تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ.
[والدارُ الأولى التي دخلت؛ دارُ عامةِ المؤمنين، وأما هذه الدارُ فدارُ الشهداءِ، وأنا جبريلُ. وهذا ميكائيلُ] ".