الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلخ وقال الثوري في التفرقة بين العمل والإيمان: هُوَ رَأْيٌ مُحْدَثٌ أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْإِيمَانِ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْأَمْصَارِ: أَمَّا بَعْدُ فإن الإيمان فرائض وشرائع فمن استكملها فقد اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإيمان. وكلام أئمة الحديث في كتبهم يطول ذكره، وَمِمَّا قَصَدُوهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ الذين أخرجوا الأعمال من الإيمان أو قصروا الإيمان على بعض أجزائه كمن قال إن الإيمان هو مجرد التصديق أو غير ذلك من مقالات المبتدعة كما سنبينه بمشيئة الله تعالى في الكلام على أقوال المخالفين لأهل السنة من الإيمان، والمقصود هنا تقرير المذهب الصحيح، مذهب أهل السنة والجماعة الذي يقضي بأن الدين الذي لا ينجوا أحد إلا به قول أو عمل، هذا هو معنى الإيمان الذي قصده السلف كما ذكرنا فصار الإيمان يتضمن أموراً أربعة كما هو مفصل في الفقرة التالية.
ب-الإيمان قول وعمل:
أي قول بالقلب واللسان، وعمل بالقلب واللسان والجوارح، وفيما يلي بيان كل منها:
1-
قول القلب: وهو تصديقه وإيقانه. قال تَعَالَى. {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلك جزاء المحسنين} (1)، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورسوله ثم لم يرتابوا} (2) أي: صدقوا ثم لم يشكّوا.
2-
قول اللسان: وهو النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمهما. قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يحزنون} (3) ،
(1) الزمر: 33، 34.
(2)
الحجرات: 15.
(3)
الأحقاف: 13.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ
…
) (1) .
3-
عَمَلُ الْقَلْبِ: وَهُوَ النِّيَّةُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْمَحَبَّةُ وَالِانْقِيَادُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ عز وجل وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ ولوازم ذلك وتوابعه، قال تَعَالَى:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يريدون وجهه} (2)، وقال تعالى:{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تليت عليهم آياته زداتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون} (3)، وَقَالَ تَعَالَى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4)، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دنيا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)(5)، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)(6) .
4-
عَمَلُ اللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ: فَعَمَلُ اللِّسَانِ مَا لَا يُؤَدَّى إِلَّا بِهِ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ في التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِ ذلك. وعمل الجوارح ما لا يؤدي إلا به كالقيام والركوع والسجود والمشي في
(1) الحديث في الصحيحين وقد سبق تخريجه فيهما أكثر من مرة، وانظر الفتح ج1 ص94، 95، ج12 ص288، وشرح النووي ج1ص201 -212.
(2)
الأنعام: 52.
(3)
الأنفال: 2.
(4)
النساء: 65.
(5)
رواه البخاري ومسلم، انظر الحديث الأول في صحيح البخاري، ورواه مسلم في الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنية) انظر مسلم بشرح النووي ج13 ص53.
(6)
رواه البخاري في الإيمان، باب حب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، ومسلم في الإيمان، باب وجوب محبته صلى الله عليه وسلم انظر الفتح ج1 ص 75، ومسلم بشرح النووي ج2 ص15.