الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُفْهَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ، فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَعْبُودُ، فَإِذَا قِيلَ لَا مَعْبُودَ مَوْجُودٌ إِلَّا اللَّهُ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ عُبِدَ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ هُوَ اللَّهُ فَيَكُونُ مَا عَبَدَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هِيَ اللَّهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ تَوْحِيدًا، فَمَا عُبِدَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إِلَّا اللَّهُ إِذْ هِيَ هُوَ وَهَذَا - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَعْظَمُ الْكُفْرِ وَأَقْبَحُهُ عَلَى الإطلاق، وفيه تزكية لِكُلِّ كَافِرٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا إِذْ كُلُّ مَا عَبَدَهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ هُوَ اللَّهُ فلم يكن عندهم مشركاً بل موحداً، وفي ذلك إِبْطَالٌ لِرِسَالَاتِ جَمِيعِ الرُّسُلِ وَكُفْرٌ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وجحود لجميع الشرائع. فَإِذَا فَهِمْنَا هَذَا فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْخَبَرِ بموجود إِلَّا أَنْ يُنْعَتَ اسْمُ (لَا) بِحَقٍّ فَلَا بأس ويكون التقدير لا إله حقاً أو بحق موجود إلا الله - وهذا صحيح، فقد عرفنا معنى الإله الحق - فبقيد الاستحقاق ينتفي المحذور الذي ذكرنا.
5-فَضْلُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ:
كلمة لا إله إلا الله هي سبيل السعادة في الدارين فبالتزامها النجاة من النار وبعدم التزامها البقاء في النار، وبها تثقل الموازين وبدونها تخف الموازين وبها أخذ الله الميثاق {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} (1) ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار، لذا فقد اجتمعت لهذه الكلمة العظيمة كثير من الفضائل:
1-
فهي أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عز وجل بِهَا عَلَى عِبَادِهِ أَنْ هَدَاهُمْ إِلَيْهَا، وَلِهَذَا ذَكَرَهَا فِي سُورَةِ النَّحْلِ الَّتِي هِيَ سُورَةُ النِّعَمِ فَقَدَّمَهَا أَوَّلًا قَبْلَ كُلِّ نِعْمَةٍ، فَقَالَ تَعَالَى:{يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إله إلا أنا فاتقون} (2) .
(1) الزخرف: 45.
(2)
النحل: 2.
2-
وهي العروة الوثقى: قال تَعَالَى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى لا انفصال لها} (1) . قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ.
3-
وَهِيَ الْعَهْدُ الذي ذكره اللَّهُ عز وجل إِذْ يَقُولُ: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} (2) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلَّا بِاللَّهِ وَأَنْ لَا يَرْجُوَ إِلَّا اللَّهَ عز وجل.
4-
وَهِيَ الْحُسْنَى التي ذكرها تعالى في قوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى} (3) . قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالضَّحَّاكُ، وَرَوَاهُ عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما.
5-
وَهِيَ كَلِمَةُ الْحَقِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل إذ يقول: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} (4) قاله البغوي.
6-
وهي كلمة التقوى التي ذكرها تعالى في قوله: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} (5) رواه ابْنُ جَرِيرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
7-
وهي القول الثابت الذي ذكره تعالى في قوله: {يثبت الله الاذين آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة} (6) وقد ثبت ذلك في الصحيحين عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) البقرة: 256.
(2)
مريم: 78.
(3)
الليل: 5-7.
(4)
الزخرف: 86.
(5)
الفتح: 26.
(6)
إبراهيم: 27.
8-
وهي الكلمة الطيبة المضروبة مثلاً في قوله تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء} (1) . وهو مروي عن علي بن طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فأصلها ثابت في قلب المؤمن وفروعها الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي السَّمَاءِ صَاعِدٌ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وكذا قال الضحاك وابن جبير وعكرمة ومجاهد وغيرهم.
9-
وهي سبب النجاة من النار، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ مُؤَذِّنًا يَقُولُ: أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله، فقال:(خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ) . وَفِيهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ) وفي حديث الشفاعة: (أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ من إيمان)(2) .
10-
وهي سبب دخول الجنة، ففي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:(أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) .
11-
وهي أفضل ما ذكر الله به عز وجل كما يقول عليه الصلاة والسلام: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله)(3) .
12-
وهي أثقل شيء في الميزان كَمَا فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ نُوحًا عليه السلام قال لابنه عند موتهه: آمرك
(1) إبراهيم: 24.
(2)
حديث الشفاعة في الصحيحين وغيرهما بألفاظ متقاربة، انظر فتح الباري، ج1 ص91، ج11ص424، ج13ص431، شرح النووي على صحيح مسلم ج3 ص17-38 وانظر صحيح سنن الترمذي للألباني رقم 2091.
(3)
حسنه الألباني في الصحيحة رقم 1503، صحيح الجامع 1113.
بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعْنَ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ لَرَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَوْ أَنَّ السماوات السبع والأرضين السبع كن حَلْقَةٌ مُبْهَمَةٌ (1) لَفَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (2)
وفي الترمذي والنسائي والمسند عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الهل صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا، أَظْلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فيقول: لا يارب. فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يارب. فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ بِطَاقَةً فِيهَا أشهد أن لا إله اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احضر وزنك، فيقول: يارب مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: فإنك لا تظلم، قال: فتوضع السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ وَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله تعالى شيء)(3) .
13-
ويكفي في فضلها إِخْبَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا على جَمِيعِ شُعَبِ الْإِيمَانِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عن الطريق) وهذا لفظ مسلم. فمن قال هذه الكلمة عالماً ومتيقناً معناها وعاملاً بِمُقْتَضَاهَا عَلَى وَفْقِ مَا عَلِمَهُ مِنْهَا وَتَيَقَّنَهُ في
(1) أي مغلقة. لسان العرب ص376.
(2)
سنده صحيح. قاله الألباني في الصحيحة رقم 134، ولم أذكر حديث: (يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري
…
) الحديث، لضعف سنده.
انظر شرح السنة للبغوي بتحقيق الشاويش والأرناؤوط رقم 1273.
(3)
صحيح الجامع الصغير 1772.