الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقيقة وأضافوا الكفر والإيمان الذي هو عمل العباد القائم بهم وكسبهم إليهم حقيقة، فالله خالق والعبد مخلوق والله هاد أو مضل والعبد مهتد أو ضال، فالفعل (1)
يضاف لله والانفعال (2) يضاف للعبد فالهداية منه تعالى والاهتداء من العبد وهكذا
…
أ-أدلة أهل السنة على مذهبهم:
-قال تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أن يشاء الله رب العالمين} (3) .
فالآيات تدل على أن للعباد قدرة على أعمالهم ولهم مشيئة واختيار وإن ذلك كله لا يتم لهم إلا بإذن الله ومشيئته، والله تعالى هو خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَمَشِيئَتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَهُوَ تَعَالَى الَّذِي مَنَحَهُمْ إِيَّاهَا وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهَا وَجَعَلَهَا قَائِمَةً بِهِمْ مُضَافَةً إِلَيْهِمْ حَقِيقَةً، وَبِحَسَبِهَا كُلِّفُوا وعليها يُثَابُونَ وَيُعَاقَبُونَ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا وسعهم ولم يحملهم إلا طاقتهم، قال تَعَالَى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لما ما كسبت وعليها ما اكتسبت} (4) .
(1) أي: الخلق..
(2)
أي: العمل والكسب كما قال تَعَالَى: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 14]، وقال:{فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} [الأعراف: 39]، وقال أيضاً:{وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شهوداً إذ تفيضون فيه} [يونس: 61] ، وقد يسمى ذلك فعلاً ويضاف للعبد بهذا المعنى لا بمعنى الخلق، كما قال عز وجل:{إن الله يعلم ما تفعلون} [النحل:: 91]، وقال تعالى في جانب الشر:{كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 79]، وقال في جانب الخير:{وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج: 77] ، أي اعملوه وليس المعنى اخلقوه، وأما ما قصده الشيخ رحمه الله بإضافة الفعل إلى الله والانفعال إلى العبد، وأن من أضاف الفعل للعبد فقد كفر، فالمراد بذلك خلق الفعل لا أداؤه واكتسابه والله أعلم.
(3)
التكوير: 27 - 29.
(4)
البقرة: 286.
-وَقَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كنتم تعملون} (1) أي بسبه، وَقَالَ تَعَالَى:{وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تعملون} (2) . فالآيتان فيهما دلالة واضحة على أن عمل العبد وكسبه يضاف إليه وأن له قدرة على عمله وله مشيئة يثاب أو يعاقب بمقتضاها.
-وللبخاري عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَهُوَ يَقُولُ: (وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا صُمْنَا ولا صلينا..) .
-فالحديث واضح الدلالة في أن كل شيء في قدرة الله وأمره بما في ذلك الاهتداء، وأن الله عز وجل هو موجد الهداية وخالقها والعبد لم يخلق فعل نفسه ولم يوجده، فَكَمَا لَمْ يُوجِدِ الْعِبَادُ أَنْفُسَهُمْ لَمْ يُوجِدُوا أَفْعَالَهُمْ، فَقُدْرَتُهُمْ وَإِرَادَتُهُمْ وَمَشِيئَتُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ تَبَعٌ لِقُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَأَفْعَالِهِ إِذْ هُوَ تَعَالَى خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَمَشِيئَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ. وليس مشيئتهم وأرادتهم وَأَفْعَالُهُمْ هِيَ عَيْنُ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَفِعْلِهِ. كَمَا لَيْسُوا هُمْ إِيَّاهُ تَعَالَى الله عن ذلك، فالله تَعَالَى هادٍ حَقِيقَةً وَالْعَبْدُ مهتدٍ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا أضاف الله تعالى في الآية كُلًّا مِنَ الْفِعْلَيْنِ إِلَى مَنْ قَامَ بِهِ فقال عز وجل:{كم يهد الله فهو المهتد} (3) . وفي الحديث أضاف الرسول صلى الله عليه وسلم الاهتداء والصلاة والصوم للعباد، ولكنه بين مع ذلك أنهم لم يخلقوا ذلك ولم يوجدوه بأنفسهم وإنما عملوه وكسبوه بإقدار الله لهم على ذلك وتوفيقهم له، وهذا واضح في قي قوله: (والله لولا الله ما اهتدينا
…
) فَإِضَافَةُ الْهِدَايَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً وَإِضَافَةُ الاهتداء إلى العبد حقيقية، وَكَمَا أَنَّ الْهَادِيَ تَعَالَى لَيْسَ هُوَ عَيْنُ
(1) الزخرف: 72.
(2)
السجدة: 14.
(3)
الكهف: 17.