الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ -وفيه- فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جعفر وآل عباس.
4-وُجُوبِ السُّكُوتِ عَنِ الْخَوْضِ فِي الْفِتَنِ الَّتِي جرت بين الصحابة:
-أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى وُجُوبِ السُّكُوتِ عَنِ الْخَوْضِ فِي الْفِتَنِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، وَالِاسْتِرْجَاعِ عَلَى تِلْكَ الْمَصَائِبِ الَّتِي أُصِيبَتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَالِاسْتِغْفَارِ لِلْقَتْلَى مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ وَحِفْظِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَالِاعْتِرَافِ لَهُمْ بِسَوَابِقِهِمْ وَنَشْرِ مَنَاقِبِهِمْ عَمَلًا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سبقونا بالإيمان} (1) الْآيَةَ، وَاعْتِقَادِ أَنَّ الْكُلَّ مِنْهُمْ مُجْتَهِدٌ، إِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ: أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَأَجْرٌ عَلَى إِصَابَتِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرُ الِاجْتِهَادِ وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ، وَلَا نَقُولُ إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ بَلْ مجتهدون غما مُصِيبُونَ وَإِمَّا مُخْطِئُونَ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْخَطَأَ فِي ذلك، وما روي من مساوئهم الْكَثِيرُ مِنْهُ مَكْذُوبٌ، وَمِنْهُ مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ أَوْ نُقِصَ مِنْهُ وغُيِّر عَنْ وَجْهِهِ، والصحيح هم فيه معذورون.
-وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فِي مُعْتَقَدِ أَهْلِ السُّنَّةِ: وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُمْ مِنَ السَّوَابِقِ والفضائل ما يوجب ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يُغْفَرُ لَهُمْ مِنَ السَّيِّئَاتِ مَا لَا يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ (2) ، وَأَنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إِذَا تَصَدَّقَ بِهِ كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بَعْدِهِمْ (3) ، ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ذَنْبٌ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بِحَسَنَةٍ تَمْحُوهُ، أَوْ غُفِرَ لَهُ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ أَوِ ابْتُلِيَ بِبَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا كَفَّرَ بِهِ عَنْهُ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ فَكَيْفَ بِالْأُمُورِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ إِنْ أصابوا فلهم أجران وإن أخطؤا فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ. ثُمَّ الْقَدْرُ الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نَزْرٌ مَغْفُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ عَلِمَ يقيناً أنهم خير
(1) الحشر: 10.
(2)
والحديث - كما سبق - فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ص394.
(3)
والحديث - كما سبق - في الصحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه انظر ص 395.
الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ لَا كَانَ وَلَا يَكُونُ مِثْلَهُمْ، وَأَنَّهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ عز وجل. أهـ (1) .
-وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي ذِكْرِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَفَضَائِلِهِمْ: (وَأَمَّا الْحُرُوبُ الَّتِي جَرَتْ فَكَانَتْ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شُبْهَةٌ اعْتَقَدَتْ تَصْوِيبَ نَفْسِهَا بِسَبَبِهَا، وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ رضي الله عنهم وَمُتَأَوِّلُونَ فِي حُرُوبِهِمْ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يُخْرِجْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَنِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ اخْتَلَفُوا فِي
(1) انظر العقيدة الواسطية بشرح محمد خليل هراس. ص122/ مكتبة ابن تيمية، ط/ الرابعة.
وقد أشار ابن تيمية رحمه لله فيها إلى أن مسألة ترتيب عثمان وعلي في الفضل ليست من الأصول التي يُضلَّل فيها المخالف عند جمهور أهل السنة لكن التي يضَلل فيها مسألة الخلافة. ص188-120.
مَسَائِلَ مِنْ مَحَلِّ الْإِجْتِهَادِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْمُجْتَهِدُونَ بَعْدَهُمْ فِي مَسَائِلَ مِنَ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْصُ أَحَدٍ مِنْهُمْ.
-وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ تِلْكَ الْحُرُوبِ أَنَّ الْقَضَايَا كَانَتْ مُشْتَبِهَةً، فَلِشِدَّةِ اشْتِبَاهِهَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمْ وَصَارُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ ظَهَرَ لَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذَا الطَّرَفِ وَأَنَّ مُخَالِفَهُ باغٍ فَوَجَبَ عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقوه، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لِمَنْ هَذِهِ صفته التأخير عَنْ مُسَاعَدَةِ إِمَامِ الْعَدْلِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ فِي اعْتِقَادِهِ.
وَقِسْمٌ عَكْسُ هَؤُلَاءِ ظَهَرَ لَهُمْ بِالْاِجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مُسَاعَدَتُهُ وَقِتَالُ الْبَاغِي عَلَيْهِ.
وَقِسْمٌ ثَالِثٌ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمُ الْقَضِيَّةُ وَتَحَيَّرُوا فِيهَا وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَاعْتَزَلُوا الْفَرِيقَيْنِ، فَكَانَ هذا الاعتزال هو الواجب في قهم، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِقْدَامُ عَلَى قِتَالِ مُسْلِمٍ حتى يظهر أنه مستحق لذلك، ولو أظهر لِهَؤُلَاءِ رُجْحَانُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَأَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ لما جاز لهم التأخير عَنْ نُصْرَتِهِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ عَلَيْهِ.
فَكُلُّهُمْ مَعْذُورُونَ رضي الله عنهم. وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ وَمَنْ يَعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَرِوَايَاتِهِمْ وَكَمَالِ عَدَالَتِهِمْ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ) (1) وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَطُولُ.
-وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْفِتَنِ أَيَّامَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ تَالِيًا قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} (2) .
(1) انظر هذا الكلام بطوله في شرح النووي (15/149) .
(2)
البقرة: 134، 141.