الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يستطيعون أن يردوا عليَّ شيئاً) وحديث القليب هذا رواه مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه. قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً.
- وإذا فسرنا السماع المنفي في الآية بسماع الاستجابة لا مطلق السماع فلا يبقى له شبهة. وَبِهَذَا يَتَّضِحُ تَشْبِيهُ الْكُفَّارِ بِهِمْ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَسْمَعُونَ كَلَامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَسْمَعُونَ مِنْهُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِسَمَاعِ اسْتِجَابَةٍ وَلِهَذَا أَثْبَتَ تَعَالَى هَذَا السَّمَاعَ الظَّاهِرَ لَهُمْ في قوله:{يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مستكبراً كأن لم يسمعها} (1) ، وَلَوْ كَانَ الْكُفَّارُ لَمْ يَسْمَعُوا مُطْلَقًا لَا سَمَاعَ اسْتِجَابَةٍ وَلَا مُطْلَقًا لَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ حجة عليهم ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بَلَّغَهُمْ لِأَنَّهُمْ مَا سَمِعُوهُ مِنْهُ، وَلَا أَفْسَدَ من قول هذا لازمه.
3- شبهتهم العقلية في المصلوب الذي يرونه بعد الصلب لا يعذب ونحو ذلك:
فإذا احتجوا بذلك قلنا لهم أنتم ترون الرجل عند موته في الفراش وما رأيتم مرة أنه يضرب وما سمعتم مرة توبيخاً وتقريعاً يخاطب به عند موته مع أن ذلك يحدث للكفرة الظلمة كما قال عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عذاب الهون} (2)
(1) الجاثية: 8، ونفى سبحانه وتعالى عنهم سماع الاستجابة في قوله:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها} [الأعراف: 179] .
(2)
الأنعام: 93.
الآية. قال أئمة التفسير: {الملائكة باسطو أيديهم} أَيْ إِلَيْهِمْ بِالضَّرْبِ وَالنَّكَالِ وَأَنْوَاعِ الْعَذَابِ حَتَّى تخرج أنفسهم من أجسادهم. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِذَا كان يفعل بهذا وَهُوَ مُحْتَضِرٌ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ أَهْلِهِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وذكرهم وأنثاهم ولا يدرون بشيء من ذلك الضرب، فلأن يفعل به ذلك في قبره أو بعد موته، وأعظم منه، ولا يعلمه من يراه أو يكشف عنه القبر أولى وأظهر (1) . وكون البشر لا يدركون ذلك من رحمته تعالى، وهو أمر مقصود إذ لو شعر البشر بذلك ما طاب لهم عيش ولما استطاعوا تحمل رؤية ذلك وسماعه، لذ حجب الله عز وجل تلك الأمور عنهم كما في صحيح مسلم عن آنس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع)(2) .
وثم أمر آخر وهو أن أكثر الأمور الْإِيمَانِ اعْتِقَادَاتٌ بَاطِنَةٌ مِنَّا لِأُمُورٍ غَائِبَةٍ عَنَّا وهي أعلى صفات أهل الإيمان التي يميزهم الله بها ويمحصهم ولذا ذكرها تعالى من صفات المؤمنين المتقين في قوله: {الذين يؤمنون بالغيب} (3) .
(1) ويقال لهم أيضاً: إن الحياة أنواع كما أن تعلق الروح بالجسد أنواع، فأنتم ترون النائم في سريره لا يتحرك وهو في نومه يتكلم ويأتي ويذهب ويتألم ويجري ويقاتل ويرى أشياء خاصة يستطيع وصفها بدقة ويسمع كلمات معينة يستطيع سردها، فما المانع من كون الروح في البرزخ تتصل بالجسد اتصالاً ثالثاً خاصاً ليتألم الجسد بما يتألم به وصاحب الجسد يدرك ذلك ويشعر به ويتغير هيئته دون أن يدرك ذلك الناس ودون أن تكون حياته كالحياة الدنيوية؟
(2)
أما هو عليه الصلاة والسلام فيؤيده الله بقوى خاصة في بعض الأحوال ليسمع بها بعض الأشياء التي لا يقوي على سماعها بدون تهيئة الله له، ولهذا أيضاً كتلقي الوحي. والله تعالى أعلم.
(3)
البقرة: 3.