الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم أجمعين، وقص علينا من أنبائهم ثُمَّ قَالَ: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ موسى تكليماً) (1) .
د-أول الرسل:
أولهم بعد الاختلاف نوح عليهم السلام لأن أمته التي بعث إليها كانت أَوَّلُ مَنِ اخْتَلَفَ وَغَيَّرَ وَبَدَّلَ وَكَذَّبَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ من بعدهم} (2) وإلا فآدم قبله كان نبياً ورسولاً، وكان الناس أمة واحدة على دينه كما قال ابن عباس وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمْ رضي الله عنهم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{كان الناس أمة واحدة} الْآيَةَ. قَالُوا: كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَآدَمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ فَاخْتَلَفُوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.
هـ- أولو العزم من الرسل:
المشهور أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم.
-والعزم: الحزم وَالْجِدَّ وَالصَّبْرَ وَكَمَالَ الْعَقْلِ، وَلَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ تعالى من رسول إلا وهذه الصفات مجتمعة فيه، غير أن هؤلاء أَصْحَابُ الشَّرَائِعِ الْمَشْهُورَةِ كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِيهِمْ أكمل وأعظم من غيرهم، ولذا خصوا بالذكر في سورة الأحزاب في قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مريم
…
} (3)، وكذا في سورة الشورى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نوحاً والذي أوحينا إليك وما
(1) النساء: 164.
(2)
غافر: 5.
(3)
البقرة: 213.
وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدين ولا تتفرقوا فيه..} (1) وَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ هُمُ الَّذِينَ يَتَرَاجَعُونَ الشَّفَاعَةَ بَعْدَ أَبِيهِمْ آدَمَ عليه السلام حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الكلام عن الشفاعة إن شاء الله تعالى.
-والأقوال في المراد بأولى العزم هي:
1-
أنهم هؤلاء الخمسة الذين ذكرنا، وهو قول ابن عباس وقتادة ومن وافقهما هو الأشهر.
2-
أنهم الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْجِهَادِ وَأَظْهَرُوا الْمُكَاشَفَةَ مَعَ أَعْدَاءِ الدين. قاله الكلبي.
3-
وَقِيلَ هُمْ سِتَّةٌ: نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَلُوطٌ وشعيب وموسى عليهم السلام، وهم المذكرون عَلَى النَّسَقِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَهُودٍ وَالشُّعَرَاءِ.
4-
وَقَالَ مُقَاتِلٌ هُمْ سِتَّةٌ نُوحٌ صَبَرَ عَلَى أذى قومه، وإبراهيم صبر على النار، وإسحاق صَبَرَ عَلَى الذَّبْحِ، وَيَعْقُوبُ صَبَرَ عَلَى فَقْدِ وَلَدِهِ وَذَهَابِ بَصَرِهِ، وَيُوسُفُ صَبَرَ عَلَى الْبِئْرِ والسجن، وأيوب صبر على الضر،. وقوله (وإسحاق صَبَرَ عَلَى الذَّبْحِ) هُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ أَوْ مردود وإنما كان الذبيح إسماعيل كما يفهم من سورة الصافات (2) ومن سورة هود (3) .
(1)
(2)
حيث قال تعالى: {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين *رب هب لي من الصالحين *فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك..} ثم قال بعد ذلك: {وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين} [الصافات: 99-122] فهذا يقتضي أن البشرى الأولى كانت إسماعيل. وإسحاق رزق به إبراهيم على الكبر بعد إسماعيل. والله تعالى أعلم.
(3)
لقوله تعالى: {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود: 71] قال ابن كثير رحمه الله: ومن هنا استدل من استدل بهذه الآية على أن الذبيح هو إسماعيل، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به وأنه سيولد له يعقوب فكيف يؤمر بذبحه وهو طفل صغير ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده، ووعد الله حق لا خلاف فيه فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه، فتعين أن يكون هو إسماعيل، وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه ولله الحمد، تفسير ابن كثير ج2ص390.