الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب-ظهور الخوارج وبيان فساد مذهبهم
(1) :
وعلي رضي الله عنه هو مبيد ومدمر كُلِّ خَارِجِيٍّ، نِسْبَةً إِلَى الْخُرُوجِ مِنَ الطَّاعَةِ وَلَكِنْ صَارَ هَذَا الِاسْمُ عَلَمًا عَلَى الحروريَّة (2) الذين كفّروا أهل القبلة بالمعاصي وَحَكَمُوا بِتَخْلِيدِهِمْ فِي النَّارِ بِذَلِكَ، وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، حَتَّى الصَّحَابَةَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أهل بد وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (3) وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَخَبَّابَ وَأَقْرَانَهُمْ رضي الله عنهم، ثم صار هذا الاسم عاماً
(1) قال ابن رجب رحمه الله: (وقد اختلف العلماء في حكمهم فمنهم من قال: هم كفار فيكون قتلهم لكفرهم. ومنهم من قال: إنما يقتلون لفسادهم في الأرض بسفك دماء المسلمين وتكفيرهم لهم) جامع العلوم والحكم ص: 120، 121، وقال ابن تيمية رحمه الله:(الخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالاً للأمة وتكفيراً لها ولم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع) وقال أيضاً: (ومن قال إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفركفراً ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة) مجموع الفتاوى (7/217، 218) .
(2)
نسبة إلىحَرُوراء، وهو المكان الذي نزلوا فيه وأبَوْا أن يساكنوا علياً رضي الله عنه بالكوفة. انظر البداية والنهاية ج7 ص289. والضبط من لسان العرب ص 1126، وقال النووي رحمه الله: الحرورية هم الخوارج سموا حرورية لأنهم نزلوا حَرُوراء وتعاقدوا عندها على قتال أهل العدل، وحَرُوراء بفتح الحاء وبالمد قرية بالعراق قريبة من الكوفة وسموا خوارج لخروجهم على الجماعة وقيل لخروجهم عن طريق الجماعة وقيل لقوله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من ضئضيء هذا) . انظر صحيح مسلم بشرح النووي ج7 ص164.
(3)
زعموا أنه كفر يجعله الرجال حكاماً بينه وبين خصومه وإنما الحكم لله، وانظر الدروس المستفادة من مناقشة ابن عباس لهم في ذلك ورجوع كثير منهم بعدها في مجلة البيان، العدد (12) .
لِكُلِّ مَنِ اتَّبَعَ مَذْهَبَهُمُ الْفَاسِدَ وَسَلَكَ طَرِيقَتَهُمِ الخائبة، وكل ذنب يكفرون به المؤمنين تَكْفِيرٌ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ:
-فَمِنْهَا أَنَّ تَكْفِيرَ الْمُؤْمِنِ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَفَرَ فَاعِلُهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: (أيما امريء قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ)(1) .
-وَمِنْهَا أَنَّ مِنْ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُكَفِّرُونَ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَهُمْ أَسْرَعُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِيمَانِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ.
-وَمِنْهَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَإِنْ عَمِلَ الْمَعَاصِي فَهُوَ لَا يَسْتَحِلُّهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ فِيهَا لِغَلَبَةِ نَفْسِهِ إِيَّاهُ وَتَسْوِيلِ شَيْطَانِهِ لَهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِتَحْرِيمِهَا وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا ارْتَكَبَهُ، وَهُمْ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ أَخَذَهَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَيَفْعَلُونَ الْأَفَاعِيلَ الْقَبِيحَةَ مُسْتَحِلِّينَ لَهَا، وَالَّذِي يَعْمَلُ الْكَبِيرَةَ مُسْتَحِلًّا لَهَا أولى بالكفر ممن يعملها مقراً بتحريمها، إِذْ هُوَ تَكْذِيبٌ بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ رُسُلَهُ عليهم السلام، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الصَّحَابَةُ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ (2) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يتأولون فحكموا أنهم بغاة.
وفي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -
(1) رواه مسلم في الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأيه المسلم يا كافر. وهذا لفظه ورواه البخاري بنحوه في الأدب، باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال. وانظر شرح النووي ج2 ص49، الفتح ج10 ص531.
(2)
وهو الموضع الذي اجتمع فيه الخوارج ودارت فيه المعركة الفاصلة، وهُزِموا شر هزيمة. انظر البداية والنهاية (7/297-300) .
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجعِرّانة (1) مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبِضُ مِنْهَا وَيُعْطِي النَّاسَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ. قَالَ: (وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خبت وخسرت إن إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ) . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلُ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) .
وفيه عن أبي سعيد في قصة الذهبية (فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ العينين ناتيء الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إن من ضئضيء (2) هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) وفي لفظ:(ثمود) .
ج-الرافضة وأقسامهم (3) وموقفه رضي الله عنه منهم:
وعلي رضي الله عنه هو كذلك مبيد كل رافضي فاسق.
(1) بكسر الجيم والعين وتشديد الراء، وقد تسكن العين (الجِعْرَانة) وهي بين الطائف ومكة. انظر الفتح ج7 ص643.
(2)
الضئضيء: الأصل. يقال ضئضيء صدق، وضؤضؤ صدق. وحكى بعضهم ضئضيء بوزن قنديل. يريد أنه يخرج من نسله وعقبه. ورواه بعضهم بالصاد المهملة وهو بمعناه. (النهاية) .
(3)
الشيعة لا يكفرون بإطلاق وإنما يكفر من أظهر منهم القول بأن في القرآن زيادة ونقصاناً، وسب جميع الصحابة أو معظمهم ونحو ذلك، أما العامة الذين لا يظهرون مثل هذه الأقوال فنكل أمرهم إلى الله وهم من أهل القبلة، وممن قال بكفر من سب جميع الصحابة أو معظمهم بالكفر أو الردة أو الفسق ابن تيمية - في الصارم المسلول - والهيثمي. ومن سب بعضهم سباً يطعن في دينهم كاتهامهم بالكفر أو الفسق ففي تكفيره خلاف، ويرى الهيثمي تكفير من كفّر أبا بكر ونظرائه ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة - كما سيأتي في حديث العشرة المشهود لهم بالجنة ص 393.
يراجع مقال شرح اعتقاد أهل السنة في الصحابة لمحمد بن عبد الله الوهيبي في مجلة البيان، العدد (25) . =
=وانظر وجاء دور المجوس، الجزأ الأول (الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية) ص152-153 ط الرابعة، والجزء الثاني (أمل والمخيمات الفلسطينية) ص10-11 ط الأولى، للدكتور عبد الله محمد الغريب.
-وَالرَّافِضِيُّ نِسْبَةٌ إِلَى الرَّفْضِ وَهُوَ التَّرْكُ بِازْدِرَاءٍ واستهانة، سموا بذلك لرفضهم الشيخين أبا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما (1) ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمَا ظلما علياً واغتصباه الخلافة ومنعا فاطمة رضي الله عنها فَدَك (2) .
(1) وفي منهاج السنة أنهم كانوا يعرفون بالشيعة قبل أن يعرفوا بالرافضة وإنما ظهر لفظ الرافضة في زمن زيد بن علي بن الحسين فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فترم عليهما رفضه قوم فقال لهم رفضتموني، فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدياً لانتسابهم إليه. ومن حينئذ افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية. وقبل تسميتهم بالرافضة كانوا يسمون أيضاً بالخشبية لقولهم إنا لا نقاتل بالسيف إلا مع إمام معصوم فقاتلوا بالخشب. وبهذا يعرف كذب لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة. انظر منهاج السنة لابن تيمية (1/8) وقال الشيخ عبد العزيز القاري حفظه الله:(أول من أطلق هذا الاسم عليهم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما غدروا به وسلموا لأعدائه فقتلوه وصلبوه، وقال لهم: رفضتموني، وذلك لأنهم أرادوه على أن يتبرأ من الخليفتين الصديق والفاروق فأبى وقال: كيف أتبرأ من وزيري جدي صلى الله عليه وسلم. فوصف الروافض يضم فيما يضمه الاثنا عشرية لرفضهم إمامة الشيخين وتبرءهم منهما، بل لرفضهم الصحابة جميعاً إلا أربعة نفر) انظر برنامج عملي للمتفقهين ص: 26.
(2)
قرية بخيبر. لسان العرب ص3365 وانظر الرد على أولئك الضالين في ذلك في العواصم من القواصم لابن العربي بتعليق محب الدين الخطيب ص48-50 والكتاب كله مفيد في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
-وَهُمْ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ لَا كَثَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى:
1-
السبئية، أَتْبَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ الْيَهُودِيِّ قَبَّحَهُ الله، وهم أَعْظَمَهُمْ غُلُوًّا وَأَسْوَأَهُمْ قَوْلًا وَأَخْبَثَهُمُ اعْتِقَادًا بَلْ وأخبث من اليهود والنصارى، فقد كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي عَلِيٍّ رضي الله عنه الْإِلَهِيَّةَ كَمَا يَعْتَقِدُ النَّصَارَى فِي عِيسَى عليه السلام، وَهُمُ الَّذِينَ أَحْرَقَهُمْ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِالنَّارِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري والسند وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهِيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاتعذبوا بِعَذَابِ اللَّهِ) وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) .
وَكَانَ كَبِيرُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ يَهُودِيًّا ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَابْتَدَعَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قال: قيل لعي رضي الله عنه: إِنَّ هُنَا قَوْمًا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ رَبَّهُمْ، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: وَيْلَكُمُ مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: أَنْتَ رَبُّنَا وَخَالِقُنَا وَرَازِقُنَا. قَالَ: وَيْلَكُمْ إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكُمْ آكُلُ الطَّعَامَ كَمَا تَأْكُلُونَ وَأَشْرَبُ كَمَا تَشْرَبُونَ. إِنْ أَطَعْتُ اللَّهَ أَثَابَنِي إِنْ شَاءَ وَإِنْ عَصَيْتَهُ خَشِيْتُ أَنْ يُعَذِّبَنِي، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَارْجِعُوا، فَأَبَوْا. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ غَدَوْا عَلَيْهِ، فَجَاءَ قَنْبَرٌ فَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ رَجَعُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ الْكَلَامَ، فَقَالَ: أَدْخِلْهُمْ فَقَالُوا كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الثَّالِثُ: قَالَ: لَئِنْ قُلْتُمْ ذَلِكَ لَأَقْتُلَنَّكُمْ بِأَخْبَثِ قِتْلَةٍ فَأَبَوْا إِلَّا ذَلِكَ، فَأَمَرَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنْ يَخُدَّ لَهُمْ أُخْدُودٌ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْقَصْرِ، وَأَمَرَ بِالْحَطَبِ أَنْ يُطْرَحَ فِي الْأُخْدُودِ وَيُضْرَمَ بِالنَّارِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إِنِّي طَارِحُكُمْ فِيهَا أَوْ تَرْجِعُوا. فَأَبَوْا أَنْ يَرْجِعُوا، فَقَذَفَ بِهِمْ حَتَّى إِذَا احْتَرَقُوا قَالَ:
إِنِّي إِذَا رَأَيْتُ أَمْرًا مُنْكَرَا
…
أَوْقَدْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قَنْبَراً (1)
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حُجْرٍ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (2) .
2-
وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا عَلِيٌّ وَهُمُ النُّصَيْرِيَّةُ الَّذِينَ يَقُولُ شَاعِرُهُمُ قَبَّحَهُ اللَّهُ:
أَشْهَدُ أَلَا إِلَهَ إِلَّا
…
حَيْدَرَةُ (3) الْأَذْرُعُ (4) الْبَطِينْ (5)
وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا
…
مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الْأَمِينْ
وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إِلَّا
…
سَلْمَانُ ذو القوة المتين
3-
ومنهم مَنْ يَدَّعِي فِيهِ الرِّسَالَةَ وَأَنَّ جِبْرِيلَ خَانَهَا فَنَزَلَ بِهَا عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
4-
وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي فِيهِ الْعِصْمَةَ وَيَرَى خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بَاطِلَةٌ، وَيَشْتُمُونَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ وَيَرْمُونَهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ ابْنُ سَلُولٍ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ.
5-
وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ كَمَا رُفِعَ عِيسَى وسينزل كما ينزل عيسى عليه السلام، وهم أصحاب الرجعة.
(1) اسم رجل. والضبط من لسان العرب ص: 3747.
(2)
قال الحافظ في الفتح ج12 ص282: إسناده حسن. (م) .
(3)
قال في لسان العرب: حَيْدَرة الأسد، وقال أيضاً: وحيدرة اسمان، وقال ابن الأعرابي: الحيدرة في الأسد مثل الملك في الناس، وقال أبو العباس فيما ينسب لعلي:(أنا الذي سمتني أمي الحيدرة) يعني: لغلَط عنقه وقوة ساعديه، ومنه غلام حادر إذا كان ممتليء البدن شديد البطش. وقيل أراد بقوله:(أنا الذي سمتني أمي الحيدرة) أن الذي سمتني أمي أسداً لأن أمه لم تسمه حيدرة وإنما سمته أسداً باسم أبيها لأنها فاطمة بنت أسد. انظر لسان العرب ص803، 804.
(4)
الأفصح. القاموس المحيط للفيروز آبادي ج3 ص23.
(5)
يقال: هو بطين إذا عظم بطنه. انظر لسان العرب، ص303.
6-
وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ وَصَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُمَّتِهِ وَأَنَّهُ عَهِدَ إليه ما لم يَعْهَدُهُ إِلَى غَيْرِهِ وَبَلَّغَهُ مَا كَتَمَهُ النَّاسَ؟، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فِرَقِهِمُ الضَّالَّةِ وَشِيَعِهِمُ الْخَاطِئَةِ.
7-
وَأَمَّا الزَّيْدِيَّةُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَتْبَاعِهِ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَشْتُمُونَ الشَّيْخَيْنِ - أبا بكر وعمر - وَلَا عَائِشَةَ وَلَا سَائِرِ الْعَشْرَةِ (1) ، وَلَكِنَّهُمْ يُفَضِّلُونَ عَلِيًّا رضي الله عنه وَيُقَدِّمُونَهُ فِي الْخِلَافَةِ ثُمَّ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَيَحُطُّونَ (2) عَلَى معاوية غفر الله له.
هذا الذي تحصّل من رسائلهم، وفي بعضها السكوت عن أبي بكر وعم رضي الله عنهما، فَلَا يَذْكُرُونَهُمَا بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ، وَلَا بِخِلَافَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، ثُمَّ يَحْصُرُونَ الْخِلَافَةَ فِي عَلِيٍّ رضي الله عنه وَذُرِّيَّتِهِ (3) ، فَفِرْقَةٌ تَدَّعِي عِصْمَتَهُمْ وَأُخْرَى لَا تَدَّعِي ذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ فِرَقٌ كَثِيرَةٌ مُتَفَاوِتُونَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَاعْتِقَادَاتِهِمْ، وَأَخَفُّهُمْ بدعة الزيدية.
-هذا في شأن أهل البيت طهرهم الله تعالى، أما فِي مَسْأَلَةِ الصِّفَاتِ وَالْقُرْآنِ وَالْقَدَرِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَسَائِرِ الْمُعْتَقَدَاتِ، فَقَدْ دَهَى كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ما دهى
(1) يعني: المبشرين بالجنة، كما سيأتي في الحديث إن شاء الله تعالى ص:393.
(2)
من الحَطِّ وهو الوضع أو الحَدْر من علو أي أنهم ينتقصونه وينزلون من قدره ويخفضون من شأنه. وانظر لسان العرب ص914، 915.
(3)
وتدعي الشيعة الإمامية الاثنا عشرية أنهم اثنا عشر إماماً، وينتظرون الأخير منهم، وهو غير المهدي الثابت عند أهل السنة والجماعة. يراجع بتوسع.
-وجاء دور المجوس، الجزأ الأول: الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية. للدكتور الغريب وهو كتاب هام في موضوعه.
-المهدي حقيقة لا خرافة للأخ الفاضل الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم حفظه الله ص78، 88، 119 وبقية الكتاب.
غيرها من الناس، ولكن المشهور من غالبهم اعتمادهم كُتُبَ الْعَلَّافِ والجُبَّائي (1) وَأَشْبَاهِهِ، وَالزَّيْدِيَّةُ عُمْدَتُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ كَشَّافُ الزَّمَخْشَرِيِّ وَقَدْ شَحَنَهُ بِقَوْلِ القدرية والمعتزلة.
-وأما كون علي رضي الله عنه له منزلة من الرسول صلى الله عليه وسلم كمنزلةو هارون من موسى عليهما السلام فهذا في الاستخلاف. فموسى عليه السلام استخلف هارون عليه السلام فِي مُدَّةِ الْمِيعَادِ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَفِي الصحيحين مِنْ رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خرج إلأى تبوك واستخلف عياً رضي الله عنه، فَقَالَ: أَتَخْلُفْنِي فِي الصِّبْيَانِ والنساء؟ (أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) وهذا الا ستثناء يزيل الإشكال من الارواية التي فيها: (أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ من موسى؟ بدون استثناء وهي أيضاً في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ - وَيُخَصِّصُ عُمُومَ الْمَنْزِلَةِ بِخُصُوصِ الْأُخُوَّةِ وَالِاسْتِخْلَافِ فِي أَهْلِهِ فَقَطْ لَا فِي النُّبُوَّةِ كَمُشَارَكَةِ هَارُونَ لموسى.
د-ما شجر في خلافته بيين الصحابة (2) وبيان ذرهم في ذلك:
ونقصد بذلك مَا أَصَابَهُ رضي الله عنه مِنَ اخْتِلَافِ الناس عليه والفتن الهائلة
(1) وهما من أئمة المعتزلة، وأبو الهزيل العلاف هو الذي صنف لهم كتابين وبين مذهبهم في عهد هارون الرشيد. انظر الفرق بين الفرق ص18، شرح الطحاوية ص588-589.
(2)
ذكر الشيخ حافظ رحمه الله في كتابه سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا دُلِّيت مِنَ السَّمَاءِ، فَجَاءَ أَبُو بكر فأخذ بعراقيعها فشرب شُرْبًا ضَعِيفًا، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بعراقيها حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فانتشطت وانتضح عليه منها شيء) قال الشيخ رحمه الله: وَكَانَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ رضي الله عنه مِنَ اخْتِلَافِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَالْفِتَنِ الْهَائِلَةِ
…
إلخ وهذا الحديث رواه أحمد رحمه الله، قال في الفتح الرباني في الشرح، وسنده جيد ورجاله ثقات (22/186) . ورواه أبو داود، قال الألباني: ضعيف، فيه عبد الرحمن الجرمي، فيه جهالة ومن طريقه أخرجه أحمد (5/21) . انظر شرح الطحاوية بتحقيق الألباني.
وقوله (بعراقيها) : قال الخطابي: العراقي أعود يخالف بينها ثم تشد في عرى الدلوا ويعلق بها الحبل، واحدتها عرقوه.
وقوله: (فشرب شرباً ضعيفاً) فيه إشارة إلى قصر مدة أيام ولايته، وقوله (حتى تضلع) يريد الاستيفاء في الشرب حتى روى فتمدد جنبه وضلوعه، وفيه إشارة إلى طول مدته في الخلافة. وقوله:(فانتشطت) أي: اضطربت حين نزعها من البئر. انظر الفتح الرباني ومعه بلوغ الأماني (22/186) .
وَالدِّمَاءِ الْمُهْرَقَةِ وَالْأُمُورِ الصِّعَابِ وَالْأَسْلِحَةِ الْمَسْلُولَةِ بَيْنَ المسلمين بسبب السبئية ومن وافقهم عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، وَكَانَ غَالِبُهُمْ مُنَافِقِينَ، وَقَلِيلٌ منهم من أبناء صحابة مَغْرُورُونَ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجَمَلِ وصفين وغيرهما وقائع يطول ذكرها.
-فأما موقعهة الْجَمَلِ فَكَانَتْ بِمَحْضِ فِعْلِ السَّبَئِيَّةِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، لَيْسَ بِاخْتِيَارِ عَلِيٍّ رضي الله عنه ولا طلحة ولا الزبير ولا أم أمؤمنين رضي الله عنهم، بل بات الفريقين متصالحين بخير ليلة، فتوطأ أهل الفتنة، وتمالؤا عَلَى أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَيُنْشِبُوا الْحَرْبَ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ مِنَ الْغَلَسِ، فَثَارَ النَّاسُ مِنْ نَوْمِهِمْ إِلَى السِّلَاحِ فَلَمْ يَشْعُرْ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا بالرؤوس تَنْدُر (1) والمعاصم (2) تتطاير ما يريدون ما الأمر حتى عقر الجمل (3) وانكشفت الحال
(1) تسقط. انظر لسان العرب ص4382.
(2)
أي الأيدي. قال في لسان العرب ص 2978: (والمِعْصَم: موضع السوار من اليد وربما جعلوا المعصم اليد، وهما معصمان) .
(3)
أي قطعت قوائم الجمل الذي كانت عليه عائشة رضي الله عنها. انظر البداية والنهاية (7/255)، ولسان العرب ص:3034.
وكانت وقعة الجمل بالبصرة. انظر البداية والنهاية (7/241-256) .
ومن المهم أن نعلم النزاع بين علي ومعاوية لم يكن على الخلافة وإنما كان بسبب مسألة الاقتصاص من قتلة عثمان كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وارجع في هذا ما كتبه الشيخ محمد الوهيبي حفظه الله في مجلة البيان، العدد (27) تحت عنوان: الإمساك عما شجر بين الصحابة.
عَنْ عَشَرَةِ آلَافِ قَتِيلٍ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَإِنَّمَا أَنْشَبَ أَهْلُ الْفِتْنَةِ الْحَرْبَ بين الفريقين لعلهم أَنَّهُمَا إِنْ تَصَالَحَا دَارَتِ الدَّائِرَةُ عَلَيْهِمْ وأُخِذوا بدم عثمان وأقيم عليهم كتاب الله، فَقَالُوا نَشْغَلُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مقدوراً. وكان السبئية يخافون علياً رضي الله عنه أكثر مِنْ خُصَمَائِهِ، وَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى مَا فعلوه.
-وأما في قتاله أهل الشام (1) فكانوا مع معاويه رضي الله عنه، وكان معاوية متأولاً يطلب بدم عثمان رضي الله عنه وَيَرَى أَنَّهُ وَلِيَّهُ وَإِنَّ قَتَلَتَه فِي جَيْشِ علي رضي الله عنه، فكان معذوراً بخطئه بِذَلِكَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ رضي الله عنه فَكَانَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا وَفَالِجًا مُحِقًّا يُرِيدُ جَمْعَ كَلِمَةِ الأمة حتى إذا كانوا جماعة وخمدت الفتنة أَخَذَ بِالْحَقِّ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، وَكَانَ رضي الله عنه أعلم بكتاب الله عز وجل من المطالبين بدم عثمان رضي الله عنه، فكان أهل الشام بغاة اجتهدوا فأخطؤوا وَعَلِيٌّ رضي الله عنه يُقَاتِلُهُمْ لِيَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ وَيَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ بَدْرٍ الْمَوْجُودُونَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ فِي جَيْشِهِ وَعَمَّارٌ قُتِلَ مَعَهُ رضي الله عنه، كما فيب الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي بِنَاءِ المسجد، قال:(كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لِبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عنه ويقول (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، ويدعوهم إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ) قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ) (2) ،
فَقَتَلَهُ أَهْلُ الشَّامِ مِصْدَاقَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ -
(1) يعني وقعة صفين. انظر البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله (7/264) .
(2)
الحديث بهذا السياق رواه البخاري في الصلاة باب التعاون في بناء المساجد وفي الجهاد والسير باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله. أما مسلم فأخرجه بدون ذكر قصة حمل عمار للبنتين وبألفاظ قريبة عن أم سلمة، وعن أبي سعيد قال: أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين رآه يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: (بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية)(شرح النووي 6/42، 43 كتاب الفتن) ..
صلى الله عليه وسلم - وهو يدعوه إِلَى الْجَمَاعَةِ وَالِائْتِلَافِ وَإِلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ التِّى هِيَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى الفتنة والفرقة التي هي أَسْبَابِ دُخُولِ النَّارِ، وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَسْعَدَ مِنْهُمْ وَأَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ لِقَتْلِهِ الْخَوَارِجَ بالنهروان، وقد ثبت في الصحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:(يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق) وفي رواية عنه: (فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق وهو يومئذ رضي الله عنه أَفْضَلُ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ مصداق ما سبق في حديث سفينة رضي الله عنه (1) قَالَ سَمِعْتُ: رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مُلْكًا) قَالَ سَفِينَةُ: فَخُذْ سَنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعَشْرَ عُمَرَ واثنتى عشر عُثْمَانَ وَسِتَّ عَلِيٍّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
وسفينة رضي الله عنه حَذَفَ الزَّائِدَ وَالنَّاقِصَ عَنِ السِّنِينَ مِنَ الْأَشْهُرِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عادة العرب في حذف الكسور في الحساب، فإن مدة خلافة أبي بكر رضي الله عنه كانت سنتين وثلاثة أشهر، وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَةِ الْفَارُوقِ رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر، وكانت مدة خلافة عثمان رضي الله عنه اثنتى عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً، وكانت مدة خلافة عليّ رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر إلا ليال، وعلى هذا فأيام خلافتهم رضي الله عنهم لا تكمل ثلاثين سنة إلا بخلافة السن بْنِ عَليّ رضي الله عنه وَهِيَ سِتَّةُ أشهر، وقد أصلح الله به بين الْفِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (2) . وولي معاوية
(1) انظر ص: 381.
(2)
كما في صحيح البخاري في فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما. انظر الفتح (7/118، 119) .