الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا أعلم ما في غيرك، وقوله تعالى لموسى عليه السلام:{واصطنعتك لنفسي} (1) أي واصطنعتك لغيري، وهذا لا يقوله عاقل.
6-
تأويلهم وجهه تعالى بنفسه مع جحودهم لها كما تقدم، وهذا التناقض يكفي عن الرد عليهم، ولجأ بعضهم إلى القول بأن (وجه الله) من باب المجاز كقولك (وجه الكلام) و (وجه الدار)، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ الثَّوْبُ وَالدَّارُ وَالْكَلَامُ مَخْلُوقَاتٍ كُلَّهَا، وَقَدْ شَبَّهْتَمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ؟ فأين الفكاك والخلاص.
7
-
تأويلهم اليد بالنعمة
، واستشهدوا على ذلك بِقَوْلِ الْعَرَبِ:(لَكَ يَدٌ عِنْدِي) أَيْ نِعْمَةٌ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{بَلْ يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} (2) يَعْنِي نِعْمَتَاهُ، فَلَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ إِلَّا نِعْمَتَيْنِ، والله تعالى يقول:{وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} (3) ويكون قوله تعالى: {لما خلقت بيدي} أي بنعمتي، فأي فضيلة لآدم عليه السلام على غيره على هذا التأويل؟ ولم يقول له الناس في الموقف حين يطلبون منه أن يشفع لهم عند الله لفصل القضاء:(أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ..) والحديث متفق عليه، وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ بِنِعْمَتِهِ. وماذا يقولون في قوله تعالى:{والسماوات مطويات بيمينه} (4) ؟ هل المراد مَطْوِيَّاتٌ بِنِعْمَتِهِ؟ فَهَلْ يَقُولُ هَذَا عَاقِلٌ؟ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بِقُوَّتِهِ، اسْتِشْهَادًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالسَّمَاءَ بنيناها بأيد} (5) أَيْ بِقُوَّةٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ كُلُّ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُوَّةٍ؟ فَعَلَى هَذَا مَا مَعْنَى قوله عز
(1) طه: 41.
(2)
المائدة: 64.
(3)
لقمان: 20.
(4)
الزمر:27.
(5)
الذاريات: 47.
وَجَلَّ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (1) وَأَيُّ فَضْلٍ لِآدَمَ عَلَى إِبْلِيسَ إِذْ كل منهما خلقه الله بقوته؟ كذلك ما معنى قوله: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} ؟ هل معناه قوتان؟!! ...... الخ.
8-
تأويلهم أَحَادِيثَ النُّزُولِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا بِأَنَّهُ يَنْزِلُ أَمْرُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى نَازِلًا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ؟ فَمَاذَا يَخُصُّ السَّحَرَ بِذَلِكَ؟ وَقَالَ آخَرُونَ: يَنْزِلُ مَلَكٌ بِأَمْرِهِ، فَنَسَبَ النُّزُولَ إِلَيْهِ تَعَالَى مَجَازًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَهَلْ يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُرْسِلَ من يدعي ربوبيته؟ وهل يمكن للملك أن يقول: (مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) وَهَلْ قَصُرَتْ عِبَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنْ يَقُولَ: يَنْزِلُ مَلَكٌ بِأَمْرِ اللَّهِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَكُمْ كَذَا أَوْ أَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ لَكُمْ كَذَا حَتَّى جَاءَ بِلَفْظٍ مجمل يوهم ربوبية الملك؟!! .
9-
تأويلهم الْمَجِيءَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَجَازِ، فَقَالُوا: يَجِيءُ أَمْرُهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك} (2) فَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أن يأتيهم الله} (3) هذا مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ، وَالتَّقْدِيرُ يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ قَدِ اتَّضَحَ ذَلِكَ غَايَةَ الِاتِّضَاحِ، أَنَّ مَجِيءَ رَبِّنَا عز وجل غَيْرُ مَجِيءِ أَمْرِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَأَنَّهُ يَجِيءُ حَقِيقَةً وَمَجِيءُ أَمْرِهِ حَقِيقَةٌ، وَمَجِيءُ مَلَائِكَتِهِ حَقِيقَةٌ، وَقَدْ فَصَلَ الله تَعَالَى ذَلِكَ وَقَسَّمَهُ وَنَوَّعَهُ تَنْوِيعًا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ فَذَكَرَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ مَجِيئَهُ وَمَجِيءَ الْمَلَائِكَةِ (4) وَكَذَا فِي آيَةٍ الفجر (5) ، وذكر في
(1) ص: 75.
(2)
النحل: 33.
(3)
البقرة: 210.
(4)
قال تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة 210] .
(5)
قال تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الْفَجْرِ:22] .