الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر:
والمراد اليوم الآخر وما يدل فيه وما يتصل به مما سنذكره إن شاء الله تعالى. قال تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} (1)، وَقَالَ تَعَالَى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ومن أصدق من الله حديثاً} (2) .
وهذا الإيمان يجب أن يكون مجرداً عن ادعاء علم بوقت قيام الساعة فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَفَاتِحِ الْغَيْبِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ عز وجل. قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يعلمون} (3) . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ) . ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} (4)، ولما سأل أعرابي: متى الساعة قال له صلى الله عليه وسلم: (وَيْحَكَ إِنَّ السَّاعَةَ آتية فما أعددت لها؟ ..) والحديث في الصحيحين (5) .
ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بما يلي:
1-أمارات الساعة:
وتشمل الآتي:
(1) البقرة: 4.
(2)
النساء: 87.
(3)
الأعراف: 187.
(4)
لقمان: 34.
(5)
وليس فيهما (ويحك إن الساعة آتية)(الفتح 78/51، شرح النووي 16/185-188) وللحديث قصة ذكرها صاحب كتاب المعارج منسوبة للصحيحين وليست فيهما.
1-
بعثته صلى الله عليه وسلم، لقوله:(بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ) وَقَرَنَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السبابة والتي تليها. والحديث في الصحيحين.
2-
أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ (1) .
3-
تقاتُلُ الناس على جبل من ذهب على الفرات، ففي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ويقول كل رجل منهم لعلي أكون الَّذِي أَنْجُو) وَفِي رِوَايَةٍ: (فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يأخذ منه شيئاً) .
4-
الدخان. قَالَ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مبين} (2) .
5-
ظهور الفتن والعجائب وسوء الأخلاق، كما روى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ: (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكُمْ بِمَشَارِيطِهَا وَمَا يَكُونُ بَيْنَ يديها، إن بين يديها فتناً وهَرْجاً)(3) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْفِتْنَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ:(بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْقَتْلُ) قَالَ: (وَيُلْقَى بَيْنَ النَّاسِ التَّنَاكُرُ فَلَا يَكَادُ أحدهم يعرف أحداً)(4) .
ومن تفصيلات الفتن وغيرها من الأشراط الصغرى اقتتال فئتين عظيمتين من المسلمين دعواهما واحدة، وأن يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ
(1) سبق في حديث جبريل عليه السلام، وهو في صحيح مسلم.
(2)
الدخان: 10.
(3)
الضبط من النهاية لابن الأثير.
(4)
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. بلوغ الأماني ج24ص: 48.
يزعم أنه رسول الله، وأن يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، ويكثر الْمَالُ فَيَفِيضُ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرض عليه لا أرب لي به ومنها أن يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مكانه. وهذا كله رواه البخاري في الفتن (1) .
6-
ثلاث خسوف، وخروج نار من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم، ففي صحيح مسلم عن حذيفة بنم أَسِيد (2) الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: طَلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ:(مَا تُذَاكِرُونَ) ؟ قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: (إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ: فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوف: خسف المشرق، وخسف المغرب، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم) .
7-
عدم الفرح بغنيمة، وعدم قسمة الميراث، وذلك بعد مقتلة عظيمة بين
(1) ومن تفصيلات الفتن وغيرها من الأشراط الصغرى غير ما ذُكِر: قتال قوم من الترك صغار العيون، وعبادة الأوثان من بعض قبائل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقتال اليهود حتى يختبئ اليهودي من المسلم وراء الشجر فيدل الشجر المسلم عليه، وخروج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، وتخريب ذي السويقتين من الحبشة للكعبة، وعدم حج البيت، وتباهي الناس في المساجد، وخروج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه، وظهور المهدي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ومن الأمارات أيضاً ألا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع - أي الدنيء صغير العلم والعقل / لسان العرب - انظر صحيح الجامع الصغير 7248 - 7310، وصحيح مسلم بشرح النووي ج18 ص 36.
(2)
الضبط من تقريب التهذيب لابن حجر رحمه الله، والعلامات المذكورة في الحديث هي العلامات الكبرى.
المسلمين والروم يقتل فيها كثير من المسلمين ويفتحون قسطنطينية ويخرج بعد ذلك الدجال، كما هو مروي في صحيح مسلم.
8-
خروج المسيح الدجال ثم نزول عيسى ابن مريم عليه السلام لقتله، ثم يخرج يأجوج ومأجوج، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه إلى الطور ويدعون الله عز وجل، فيميت يأجوج ومأجوج مهلكة واحدة، وينزل عيسى وأصحابه عن الجبل فيجدون نتن جيفهم في كل مكان، فيدعون الله فيرسل طيراً تحملهم وتطرحهم حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا غزيراً، وتظهر البركة وتعظم الثمرة على غير ما يعهده الناس، ثم يظهر الله ريحاً باردة طيبة تقبض روح كل مسلم ومؤمن ويبقى شرار الناس (1) فعليهم تقوم الساعة (2) .
وذلك كله مذكور في صحيح مسلم رحمه الله.
9-
طلوع الشمس من مغربها والدابة، أيتهما كانت الأولى فالأخرى على أثرها قريباً، وإذا طلعت الشمس من مغربها لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمن من قبل، ولا تنفع توبة. وذلك ثابت في صحيح مسلم أيضاً (3) .
(1) وهم غير يأجوج ومأجوج، فقد هلكوا جميعاً كما سبق.
(2)
أي يصعقون فلا يبقى حي على الأرض.
(3)
وهذا يكون بعد الدجال ونزول عيسى عليه السلام قال ابن حجر رحمه الله: (نزول عيسى بن مريم يعقب خروج الدجال، وعيسى لا يقبل إلا الإيمان، فانتفى أن يكون بخروج الدجال لا يقبل الإيمان ولا التوبة
…
فالذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من الغرب
…
والحكمة في ذلك أ، عند طلوع الشمس من الغرب يغلق باب التوبة فتخرج الدابة تميز المؤمن والكافر تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس كما تقدم في حديث أنس في بدء الخلق في مسائل عبد الله بن سلام، ففيه:(وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب)
…
فتح الباري ج11 ص: 361.