الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويهتف بمن لا يستجيب له إلى يوم القيامة.. أما المؤمن فيدعو ربّ الأرباب، ومدبّر الأكوان، والآخذ بناصية كل كائن، والقائم على كل موجود.
الآية: (152)[سورة آل عمران (3) : آية 152]
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)
التفسير: فى أولى الآيات التي استفتح الله بها ذكر تلك المعركة- معركة أحد- جاء قوله تعالى: «بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ» .. وكان هذا وعدا من الله المؤمنين بالمدد العلوىّ، الذي يحمل معه النصر لهم. وقد جاء هذا الوعد مشروطا وأنه لن يحققه الله لهم إلا إذا وفوا بهذا الشرط، وهو أن يصبروا ويتقوا..
وقد صبر المسلمون فى أول القتال، وأعطوا أنفسهم كلها للمعركة..
فصدقهم الله وعده، وأراهم بشائر النصر.. فإنه منذ الساعات الأولى من القتال استولى المسلمون على زمام المعركة، وبدأت طلائع بدر تطل عليهم، فقتلوا مقتلة عظيمة فى المشركين، وأدخلوا فى صفوفهم الخلل والاضطراب، حتى همّوا بالهزيمة والفرار، وأخلوا أيديهم مما معهم من متاع.. وإذ ذاك امتدت أبصار كثير من المسلمين إلى هذا المتاع الذي تخلّى عنه أهله، وكان الأولى بهم أن يلتفتوا إلى رءوس المشركين أولا، فيزيلوها عن مكانها، فهذا هو الأمر الذي ندبهم الله له، وانتظموا فى سبيل المجاهدين من أجله!!
وإذن فقد تخلّى المسلمون عن الشرط الذي اشترطه الله عليهم ليمنحهم نصره.. فكان أن تخلّى عنهم النصر، واستقبلتهم الهزيمة..!!
وفى قوله تعالى: «إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ» إشارة إلى ما فعل المسلمون بالمشركين أول الأمر، وأنهم حصدوهم حصدا.. فالحسّ معناه: القتل الذّريع الكثير..
وقوله تعالى: «حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ» يشير إلى ما كان من جماعة الرّماة التي جعلها الرسول الكريم من وراء جيش المسلمين، تحمى ظهورهم من أن يأخذهم كمين من العدو على غرّة، وقد وصّى النبىّ هؤلاء الرماة أن يلزموا أماكنهم، وألا يتحولوا عنها بحال أبدا، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا.
ولكن الذي كان من الرماة غير هذا.. فإنهم ما كادوا يرون الهزيمة فى المشركين، ويرون الأسلاب والغنائم وقد تخلّى عنها أصحابها، حتى قال قائل منهم: ما موقفنا هنا، وقد ولّى المشركون وانهزموا؟ وقال آخرون: إن الرسول لم يلزمنا أن نكون حيث نحن إلا لنحمى ظهر المسلمين من العدو.. فأين هذا العدوّ؟ وقال رئيس الجماعة، وهو عبد الله بن جبير:«يا قوم.. الزموا أماكنكم كما أمرنا رسول الله، ولا تتحولوا عنها..» فأبى عليه كثيرون، وتركوه فى نفر من أصحابه.. وما هى إلا لحظات حتى رأى خالد بن الوليد، - وكان على فرسان المشركين- رأى موقف الرماة يكاد يكون خلوا فاستدار إليهم بمن معه من فرسان، فاستقبله عبد الله بن جبير، ومن معه، مقاتلين، حتى استشهدوا جميعا، رحمهم الله.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» .