الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقراءتان- بالنصب والجرّ- يكملان بعضهما- ويكشفان عن وجه من وجوه الإعجاز القرآنى، ويأخذان على الناس السبيل إلى الانحراف عن سواء السبيل، فى الجمع بين تقوى الله، وبرّ ذوى الأرحام.. فمن الناس من يلتفت بوجوده كلّه إلى الله، ويذهل عن حقّ أهله وذوى قرابته، ومن الناس من تشغله أمور أهله وذوى قرابته فيجور على حقّ الله عنده. والطريق القويم هو أن يرعى الأمرين معا، فلله حقوق يجب أن يؤديها، وللأهل حقوق ينبغى أن يرعاها، وهو ملوم إن قصّر فى حق على حساب الحق الآخر.
الآية: (2)[سورة النساء (4) : آية 2]
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2)
التفسير: التطبيق العملي للتقوى بشقّيها- تقوى الله، وتقوى ذوى الأرحام- يكون أكثر ما يكون ظهورا فى رعاية حقوق الضعفاء من ذى الأرحام، وهم اليتامى، حيث يكون اليتم غالبا فى كفالة أحد أقاربه.
ولهذا كان أول اختبار عملىّ للتقوى التي دعا الله إليها فى مطلع السورة هو الدعوة إلى رعاية حقوق اليتامى، واتقاء الله فيهم، وفى أموالهم التي هى أمانة فى أيدى الأوصياء، كما أنهم هم أنفسهم أمانة فى ذمة هؤلاء الأوصياء..
فلا تبرأ ذمة الوصىّ حتى يؤدّى تلك الأمانة على وجهها الذي أمر الله أن تؤدّى عليه..
وقد خصّ الأمر الإلهى المال بالذكر، لأن أكثر ما تطمح إليه نفوس الأوصياء وتطمع فيه، هو المال، وما سواه فهو تبع له..
فلو أن الوصىّ عفّ عن مال اليتيم، وراقب الله فيه، وبذل له من الجهد والرأى ما يبذل لماله هو- لو أنه فعل ذلك لا استقام أمره كلّه مع اليتيم، فبذل له من الحبّ والعطف، ما ينعش نفسه، ويطيّب خاطره، ويعدّل سلوكه..
والعكس صحيح، فإنه حين تمتد عين الوصىّ إلى مال اليتيم بالخيانة والغدر، فإنه لا يتحرج أبدا بعد هذا من أن يسوق البغض والكراهية لهذا اليتيم، وأن يسومه الخسف والهوان، وأن يرخى له الحبل فى طريق الضلال والفساد، حتى يخلى له الطريق لأكل ماله الذي استباح أكله، واستمرأه.
وفى قوله تعالى: «وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ» أمر قاطع بأداء أموال اليتامى إليهم سليمة كاملة، سواء كان اليتيم لا يزال صغيرا تحت كفالة الوصىّ، أو بلغ رشده واستحق أن يتولىّ أمر نفسه.
وعلى هذا، فليذكر الوصىّ دائما أن مال اليتيم هو مال اليتيم، وأنه أمانة فى يده، مطالب بأن يحاسب نفسه عليها فى كل يوم، وأن يدفعها إلى اليتيم عند أي طلب.. وهذا ما يجعله فى مراجعة ومحاسبة مع نفسه أبدا، غير منتظر هذا اليوم البعيد، الذي قد يمتد إلى سنين، حين يبلغ اليتيم رشده، ويحين وقت الحساب!.
«وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ» .
نهى بعد أمر.. وفى هذا النهى، وبالامتثال له، يتحقق الأمر، ويجىء الوفاء به على وجه مرضى سليم..
والخبيث، هو أكل مال اليتيم، وتضييع حقوقه، وإفساد مصالحه أو تفويتها، إهمالا وتقصيرا.. عن عمد أو غير عمد.
والطيب، هو رعاية مال اليتيم، وحسن القيام عليه، وتحرّى أعدل الوجوه لإنمائه وتثميره.