الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويرى «الزمخشري» أن تقديم الوصية على الدّين هنا للإلفات إليها، والتحريض على إنفاذها، دون تهاون أو تفريط.
ذلك أن «الوصية» تبرع وإحسان بدون عوض، وإذ كانت على تلك الصفة فربما رآها الورثة بعين الاستخفاف، فلم يمضوها كما أرادها الموصى، أو لم يمضوها أصلا.. أما الدّين فهو حق للدائن، إن سكت عنه الورثة لم يسكت عنه صاحبه.
فإذا قدمت الوصية على الدين كان ذلك غير مفوّت على الدين مكانته، فى حين أن هذا التقديم يقوّى من شأن الوصية، ويلحقها بالدّين فى القوة والإلزام.
الآية: (12)[سورة النساء (4) : آية 12]
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)
فى هذه الآية تتمة أحكام المواريث، التي بينتها الآية السابقة.. فللزوج نصف ما تترك زوجته إذا لم يكن لها ولد- ذكرا أو أنثى- منه أو من غيره..
فإن كان لها ولد فله الربع، أما الزوجة فلها ربع ما ترك زوجها، إذا لم يكن له ولد، ذكرا أو أنثى، منها أو من غيرها، فإن كان له ولد فلها الثمن.. وذلك
كلّه من بعد أن تنفذ الوصية، ويقضى الدين، إن كانت هناك وصية من المتوفّى، أو كان عليه دين.
وقد تضمنت الآية حكما آخر غير حكم الزوجين فى التوارث بينهما، وهو حكم «الكلالة» وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:
«وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ» .
وقد اختلف فى «الكلالة..» فى معناها أولا، وفى متجهها ثانيا.
فقد رأى بعضهم أنها من الكلال، وهو الضعف إعباء وتعبا.. وقالوا إن صلة الورثة بالمورّث هنا صلة واهية ضعيفة.. ومن هنا حملوا «الكلالة» على من مات ولم يترك وراءه أبا أو ولدا، أو أخوة.
ورأى بعضهم أنها من الكلّ وهو الحمل والعبء، وقالوا إن الورثة هنا عبء على التركة، وأنهم أشبه بالفضوليين عليها، إذ كانوا ولا معتبر لهم فى الميراث إلا إذا لم يكن وراء الميت أحد من أصوله أو فروعه، أو فروع أصوله، وفروع فروعه وذلك أمر نادر الحدوث.
وعلى حسب اختلاف الآراء فى مفهوم «الكلالة» اختلفت الآراء كذلك فى موصوفها، وهل هو المتوفّى، أو الورثة، أو المال المورّث! وعلى أىّ فقد اتفق الفقهاء على أن «الكلالة» فى الميراث تقع فى الحال التي يتوفّى فيها المرء- ذكرا أو أنثى- من غير أن يترك وراءه أحدا من فروعه أو أصوله أو فروع فروعه، أو فروع أصوله.
وهنا يكون لذوى الأرحام نصيب مفروض فى تركة المتوفى، بعد أن كان لهم نصيب مندوب، غير محسوب، فيما يرزقونه إذا حضروا القسمة.
وقوله تعالى: «وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ» المراد بالأخ أو الأخت هنا الأخوة
لأم، وهم من ذوى الأرحام، الذين لا نصيب لهم فى الميراث مع وجود أحد من فروع المتوفى أو أصوله، أو فروع أصوله.
وقوله سبحانه: «فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ» هو بيان للنصيب المفروض للأخ أو الأخت، من الأم، لكل واحد منهما السدس، لا فرق فى ذلك بين الذكر والأنثى، إذ هما فى الموقف ليسا ذكرا أو أنثى، وإنما هما إنسانان يراد بهما البر والإحسان، ولا فرق فى هذا بين ذكر وأنثى.. وهذا يعنى أن مكان الأخوة لأم فى كيان الأسرة، وفى دعم بنائها الأسرىّ لا معول عليه، بل ولا حساب له، لأنهما فى أسرة المتوفى كلالة- رجلا أو امرأة- أشبه بالغرباء منهما بالأقرباء! وقوله تعالى:«فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» أي أن الأخوة لأم لا يرثون فى «الكلالة» أكثر من ثلث التركة أيّا كان عددهم.. للذكر مثل حظ الأنثى.
وفى الوقوف بنصيب الأخوة لأم عند حد الثلث، لا يتجاوزونه مهما كان عددهم- فى هذا ما يسند الرأى الذي ذهبنا إليه من قبل، من أن الميراث المفروض للأخوة لأم هنا لا يعدو أن يكون ضربا من البر والصدقة، وأنه خرج من ثلث التركة لا يتجاوزها، شأنه فى هذا شأن الوصية، التي لا تتعدى ثلث التركة بحال.
وقوله تعالى: «غَيْرَ مُضَارٍّ» هو حال من الضمير فى «يوصى» الذي يعود على المتوفّى.
وهذا الحال قيد يقيّد به ما ترك الميت وراءه من وصية أو دين.. بمعنى ألا يكون المتوفى كلالة قد نظر إلى نفسه قبيل وفاته، فرأى أنه لا وارث له من فروعه وأصوله، وعندئذ حدثته نفسه أن يحدث فى تركته حدثا يفسد