الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العظيم، والجزاء الحسن فى الآخرة، وإذ كان ذلك موقظا لأشواق النفس نحو هذا المقام الكريم، حافزا الهمم والعزائم إلى بلوغ هذه الغاية المسعدة- فقد جاءت دعوة الذين آمنوا إلى ترك هذا المنكر، فى وقتها المناسب، لتتلقاها النفوس، وهى فى نشوة أشواقها إلى رضوان الله، وإلى الطمع فيما أعدّ للمتقين من جنات فيها نعيم مقيم.
فمن واجب الذين آمنوا، وصافحت قلوبهم أضواء الهدى أن يتقوا الله، وأن يقدروه حق قدره، فلا ينتهكوا حرماته، ولا يحوموا حول حماه.. وقد حرّم الله الرّبا، ومن تقوى الله اجتناب هذا المحرم، إن أراد المؤمن أن يكون فى المؤمنين حقا.. إذ لا يجتمع الإيمان بالله، والمحادّة لله، ومحاربته.
وقوله تعالى: «وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا» أي اتركوا ما تعاملتم به من ربا قبل أن يأتيكم الله حكم فيه بالتحريم، فليس لكم بعد هذا إلا رءوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون.
الآية: (279)[سورة البقرة (2) : آية 279]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)
التفسير: أي فإن أنتم أيها المقرضون بالرّبا لم تنتهوا عما نهيتم عنه من أخذ الربا، فأعدّوا أنفسكم لحرب معلنة عليكم من الله ورسوله.. فهل لكم على هذه الحرب صبر؟ وأين لكم القوة التي تقف لقوة الله، وتحول بينكم وبين ما يرسل عليكم من صواعق سخطه، ووابل عذابه؟
وفى قوله تعالى «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ما يسأل عنه، وهو: إذا كان لحرب الله للمصرّين على أخذ الربا.. مفهوم، وهو وقوعهم تحت سلطان
سخطه ونقمته وعذابه.. فما مفهوم حرب رسول الله لهم؟
والجواب على هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن مخالفتهم لأمر الله وخروجهم عن طاعته هو مخالفة لأمر الرسول، وخروج طاعته، إذ كان الرسول- عليه السلام هو حامل أمر الله ومبلغه. فعقاب الله الذي يأخذهم به هو عقاب من رسول الله أيضا، وحرب الله لهم، هى حرب لحساب رسول الله كذلك.. وذلك ما يدل عليه قوله تعالى:
«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً» (23: سورة الجن) الوجه الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منفّذ أمر الله فيهم، بما مكّن الله من سلطان، يقيم به حدود الله على الخارجين عليها.. وإذ لم يكن للرّبا حدّ مفروض يعاقب به المرابون، كحدّ السرقة والزنا مثلا، وذلك لشناعة الربا، وغلظ جريمته التي لا حدّ لها إلا عذاب جهنم أو مغفرة الله- إذ كان ذلك كذلك، فإن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم إذا عرض عليه نزاع فى معاملة ربوية أن يسقط الربا، وأن يجعل للمرابى رأس ماله دون ما أربى به.. كما فعل صلوات الله وسلامه عليه. فوضع ربا الجاهلية كلّه، وذلك فى قوله فى خطبة الوداع:: «كلّ ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب» .
وهذا الذي لرسول الله من تسلط على الرّبا، هو حق من بعده لولىّ الأمر، إذا عرض له نزاع فى معاملة ربوية، وضع الربا عن المقترض، وجعل للمقرض رأس ماله.