الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعطاياه.. وإن من عباده الذين اصطفاهم لأفضاله ومنحه.. آدم، ونوحا. وآل إبراهيم، وآل عمران..
فآدم، هو أبو البشر.. وقد اصطفاه الله فجعله خليفته فى الأرض.
ونوح، هو الأب الثاني للبشرية، بعد أن هلك البشر بالطوفان.
وإبراهيم، هو أبو الأنبياء.. وآله هم هؤلاء الأنبياء من ذريته.
وعمران، هو الفرع الزاكي من شجرة إبراهيم، ومن ذريته موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى.
وفى قوله تعالى: «وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ» إشارة إلى امتداد الاصطفاء من الأصول إلى الفروع.. ولهذا قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً» لا آل آدم، ولا آل نوح.. لأن ذلك يشمل الإنسانية كلّها، من حيث كان آدم ونوح أبوى البشرية كلها، فلا يكون- والأمر كذلك- مكان للاصطفاء من بين الذرية المصطفاة كلها..
وفى قوله تعالى: «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ» أي أن هؤلاء المصطفين من آل إبراهيم وآل عمران، هم وآباؤهم من معدن واحد، خلص من شوائب الفساد والكدر، فجاء الفرع مشابها للأصل، طيبا وكرما، وكمالا وحسنا..
الآيتان: (35، 36)[سورة آل عمران (3) : الآيات 35 الى 36]
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36)
التفسير: لقد سمع الله مريم إذ تناجى نفسها، وعلم- سبحانه- ما أخفاه عنها من ألطافه ونعمه إذ ناجته بنذرها الذي نذرته، وهو هذا الجنين الذي حملت به.
«إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً» .
فإنها ما كادت تتحقق من أن جنينا يتحرك فى أحشائها، حتى أقبلت على الله بكيانها كله، وإيمانها كلّه، جاعلة هذا الذي وهبها الله إياه خادما لله، محرّرا من كل رباط يربطه بالحياة، ليكون كلّه فى خدمة بيت الله:«إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً» وضرعت إلى الله تعالى أن يقبل هذا النذر، وأن يرضاه لها، تحية شكر له، على ما أنعم عليها من ولد بعد يأس كاد يدخل عليها، ويخرجها من الدنيا عقيما بين النساء:«فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» وجاءها المخاض، وولد المولود الذي كانت تنتظره، فإذا هو أنثى!! ونظرت فى وجه مولودتها فحزنت أن جاءت على غير ما كانت تنتظر. إنها كانت ترجو أن يكون وليدها ذكرا، فهو الذي ترى فيه الوفاء بنذرها، حيث هو الذي يصلح للخدمة فى بيت الله، أما الأنثى فمكانها هناك قلق حرج، بين المنذورين الذين يخدمون فى بيت الله، وكلهم من الذكور.
ومع هذا، فقد نذرت ما فى بطنها محررا لخدمة الله، وقد جاء ما فى بطنها أنثى، فهى- والأمر كذلك- لا تملك غير هذه التي أعطاها الله، فلتقدمها لله وفاء بما نذرت:«فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى» !! وفى قوله تعالى: «فَلَمَّا وَضَعَتْها» إشارة إلى ما تقرر فى علم الله من أنها لا تضع إلا أنثى، فالضمير المؤنث فى «وضعتها» يشير إلى معهود معلوم من قبل الوضع. وذلك ما كان فى علم الله وتقديره!
وفى قوله تعالى على لسان امرأة عمران: «قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى» ما يكشف عن استحيائها وخجلها من أن تقدم لله أنثى تخدم فى بيته، وكأن الله- سبحانه- لم يجعلها أهلا لأن تجىء بالذكر الذي هو أهل لتلك الخدمة.
وقول الله تعالى: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ» ردّ على هذا الشعور الحزين الآسف الذي كان يعتمل فى نفسها، وعزاء لها من أن تتحسر أو تحزن أو تعتذر لله، فالله سبحانه «أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ» وهو الذي قدّر هذا، وأراد الوليدة لأمر عظيم، ستكشف عنه الأيام، بعد قليل.. وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله:
«وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى» أي أن الذكر الذي كانت تتمناه امرأة عمران وترجوه، لا يتحقق به هذا الأمر العظيم، الذي جعل الله إظهاره على يد هذه الأنثى، التي ستلد مولود البشريّة البكر:«عيسى عليه السلام» ! فهل لو ولدت امرأة عمران ذكرا أكان لهذا الذكر أن يلد «عيسى» على الأسلوب الذي ولد به؟
ولهذا جاء أسلوب التشبيه على وجه عجيب: «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى» وهذا ما جعل المفسرين يتأولون مختلف التأويلات له، مع أن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من نظرة، حتى تنحلّ عقدة هذا التشبيه، فإذا هو فى أعلى درجات البيان والوضوح.. إنه ليس قائما على مطلق المفاضلة بين الذكر والأنثى، ولكنه قائم على مفاضلة بين الذكر الذي كانت ترجوه امرأة عمران والأنثى التي وضعتها..
فإذا كان ذلك كذلك فهل لأحد قول فى أن هذا الذكر ليس كهذه الأنثى؟
محال! ليس الذكر كالأنثى لتحقيق هذا الأمر العظيم الذي أراده الله، واختص هذه الأنثى به. وهى أن تلد مولودا من غير أب، هو المسيح.
«وعمران» هذا الذي تحدّث الآية بأنه أبو هذه الأنثى وزوج أمّها «امْرَأَتُ عِمْرانَ» ليس المراد به- والله أعلم- أنه زوجها، وإنما هو رجل من آل «عمران» الذين اصطفاهم الله فيما اصطفى من عباده، كما قال تعالى فى