المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيتان: (79، 80) [سورة آل عمران (3) : الآيات 79 الى 80] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٢

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآية: (253) [سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌الآية: (254) [سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌الآية: (255) [سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌الآية: (256) [سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌الآية: (257) [سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌الآية: (258) [سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌الآية: (259) [سورة البقرة (2) : آية 259]

- ‌الآية: (260) [سورة البقرة (2) : آية 260]

- ‌آية: (261) [سورة البقرة (2) : آية 261]

- ‌الآية: (262) [سورة البقرة (2) : آية 262]

- ‌الآية: (263) [سورة البقرة (2) : آية 263]

- ‌الآية: (264) [سورة البقرة (2) : آية 264]

- ‌الآية: (265) [سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌الآية: (266) [سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌الآية: (267) [سورة البقرة (2) : آية 267]

- ‌الآية (268) [سورة البقرة (2) : آية 268]

- ‌الآية: (269) [سورة البقرة (2) : آية 269]

- ‌الآية: (270) [سورة البقرة (2) : آية 270]

- ‌الآية: (271) [سورة البقرة (2) : آية 271]

- ‌الآية: (272) [سورة البقرة (2) : آية 272]

- ‌الآية: (273) [سورة البقرة (2) : آية 273]

- ‌الآية: (274) [سورة البقرة (2) : آية 274]

- ‌الآية: (275) [سورة البقرة (2) : آية 275]

- ‌الآية: (276) [سورة البقرة (2) : آية 276]

- ‌الآية: (277) [سورة البقرة (2) : آية 277]

- ‌الآية: (278) [سورة البقرة (2) : آية 278]

- ‌الآية: (279) [سورة البقرة (2) : آية 279]

- ‌الآية: (280) [سورة البقرة (2) : آية 280]

- ‌الآية: (281) [سورة البقرة (2) : آية 281]

- ‌مبحث فى الربا

- ‌أنواعه وأحكامه

- ‌الإسلام والربا

- ‌مداخل إلى الربا

- ‌1- ربا الفضل

- ‌2- بيوع الغرر

- ‌حكم الربا

- ‌مبحث فى الدّين توثيقه والإشهاد عليه

- ‌الآية: (282) [سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌الآية: (283) [سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌الآية: (284) [سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌الآية: (285) [سورة البقرة (2) : آية 285]

- ‌الآية: (286) [سورة البقرة (2) : آية 286]

- ‌3- سورة آل عمران

- ‌الآية: (1) [سورة آل عمران (3) : آية 1]

- ‌الآيات: (2- 4) [سورة آل عمران (3) : الآيات 2 الى 4]

- ‌الآيتان: (5، 6) [سورة آل عمران (3) : الآيات 5 الى 6]

- ‌الآية: (7) [سورة آل عمران (3) : آية 7]

- ‌الآية: (8) [سورة آل عمران (3) : آية 8]

- ‌الآية: (9) [سورة آل عمران (3) : آية 9]

- ‌الآية: (10) [سورة آل عمران (3) : آية 10]

- ‌الآية: (11) [سورة آل عمران (3) : آية 11]

- ‌الآية: (12) [سورة آل عمران (3) : آية 12]

- ‌الآية: (13) [سورة آل عمران (3) : آية 13]

- ‌الآية: (14) [سورة آل عمران (3) : آية 14]

- ‌الآية: (15) [سورة آل عمران (3) : آية 15]

- ‌الآيتان: (16، 17) [سورة آل عمران (3) : الآيات 16 الى 17]

- ‌الآية: (18) [سورة آل عمران (3) : آية 18]

- ‌الآية: (19) [سورة آل عمران (3) : آية 19]

- ‌الآية: (20) [سورة آل عمران (3) : آية 20]

- ‌الآيتان: (21، 22) [سورة آل عمران (3) : الآيات 21 الى 22]

- ‌الآية: (23) [سورة آل عمران (3) : آية 23]

- ‌الآية: (24) [سورة آل عمران (3) : آية 24]

- ‌الآية: (25) [سورة آل عمران (3) : آية 25]

- ‌الآيتان: (26- 27) [سورة آل عمران (3) : الآيات 26 الى 27]

- ‌الآية: (28) [سورة آل عمران (3) : آية 28]

- ‌الآيتان: (29- 30) [سورة آل عمران (3) : الآيات 29 الى 30]

- ‌الآيتان: (31- 32) [سورة آل عمران (3) : الآيات 31 الى 32]

- ‌الآيتان: (33، 34) [سورة آل عمران (3) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآيتان: (35، 36) [سورة آل عمران (3) : الآيات 35 الى 36]

- ‌الآية: (37) [سورة آل عمران (3) : آية 37]

- ‌الآيتان: (38، 39) [سورة آل عمران (3) : الآيات 38 الى 39]

- ‌الآيتان: (40، 41) [سورة آل عمران (3) : الآيات 40 الى 41]

- ‌الآيتان: (42، 43) [سورة آل عمران (3) : الآيات 42 الى 43]

- ‌الآية: (44) [سورة آل عمران (3) : آية 44]

- ‌الآيتان: (45، 46) [سورة آل عمران (3) : الآيات 45 الى 46]

- ‌كلام المسيح فى المهد

- ‌الآيات: (47- 51) [سورة آل عمران (3) : الآيات 47 الى 51]

- ‌الآيتان: (52- 53) [سورة آل عمران (3) : الآيات 52 الى 53]

- ‌الآيتان: (54- 55) [سورة آل عمران (3) : الآيات 54 الى 55]

- ‌الآيتان: (56- 57) [سورة آل عمران (3) : الآيات 56 الى 57]

- ‌آية: (58) [سورة آل عمران (3) : آية 58]

- ‌آية: (59) [سورة آل عمران (3) : آية 59]

- ‌الآية: (60) [سورة آل عمران (3) : آية 60]

- ‌الآية: (61) [سورة آل عمران (3) : آية 61]

- ‌الآيتان: (62، 63) [سورة آل عمران (3) : الآيات 62 الى 63]

- ‌الآية: (64) [سورة آل عمران (3) : آية 64]

- ‌الآيتان: (65، 66) [سورة آل عمران (3) : الآيات 65 الى 66]

- ‌الآية: (67) [سورة آل عمران (3) : آية 67]

- ‌الآية: (68) [سورة آل عمران (3) : آية 68]

- ‌الآية: (69) [سورة آل عمران (3) : آية 69]

- ‌الآيتان: (70- 71) [سورة آل عمران (3) : الآيات 70 الى 71]

- ‌الآية: (72) [سورة آل عمران (3) : آية 72]

- ‌الآيتان: (73- 74) [سورة آل عمران (3) : الآيات 73 الى 74]

- ‌الآية: (75) [سورة آل عمران (3) : آية 75]

- ‌الآية: (76) [سورة آل عمران (3) : آية 76]

- ‌الآية: (77) [سورة آل عمران (3) : آية 77]

- ‌الآية: (78) [سورة آل عمران (3) : آية 78]

- ‌الآيتان: (79، 80) [سورة آل عمران (3) : الآيات 79 الى 80]

- ‌الآيتان: (81- 82) [سورة آل عمران (3) : الآيات 81 الى 82]

- ‌الآية: (83) [سورة آل عمران (3) : آية 83]

- ‌(الآيتان: 84- 85) [سورة آل عمران (3) : الآيات 84 الى 85]

- ‌الآيات: (86- 89) [سورة آل عمران (3) : الآيات 86 الى 89]

- ‌الآية: (90) [سورة آل عمران (3) : آية 90]

- ‌آية: (91) [سورة آل عمران (3) : آية 91]

- ‌الآية: (92) [سورة آل عمران (3) : آية 92]

- ‌الآيتان: (93- 95) [سورة آل عمران (3) : الآيات 93 الى 95]

- ‌الآيتان: (96، 97) [سورة آل عمران (3) : الآيات 96 الى 97]

- ‌الآيتان: (98- 99) [سورة آل عمران (3) : الآيات 98 الى 99]

- ‌الآيتان: (100- 101) [سورة آل عمران (3) : الآيات 100 الى 101]

- ‌الآيتان: (102- 103) [سورة آل عمران (3) : الآيات 102 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة آل عمران (3) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيتان: (108، 109) [سورة آل عمران (3) : الآيات 108 الى 109]

- ‌[مبحث: الخير.. فى خير أمة أخرجت للناس]

- ‌الآية: (110) [سورة آل عمران (3) : آية 110]

- ‌الآيتان: (111- 112) [سورة آل عمران (3) : الآيات 111 الى 112]

- ‌الآيات: (113- 115) [سورة آل عمران (3) : الآيات 113 الى 115]

- ‌الآيتان: (116- 117) [سورة آل عمران (3) : الآيات 116 الى 117]

- ‌الآيات: (118- 120) [سورة آل عمران (3) : الآيات 118 الى 120]

- ‌الآيتان: (121، 122) [سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 126) [سورة آل عمران (3) : الآيات 123 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 129) [سورة آل عمران (3) : الآيات 127 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 136) [سورة آل عمران (3) : الآيات 130 الى 136]

- ‌الآيات: (137- 138) [سورة آل عمران (3) : الآيات 137 الى 138]

- ‌الآيات: (139- 143) [سورة آل عمران (3) : الآيات 139 الى 143]

- ‌الآيتان: (144- 145) [سورة آل عمران (3) : الآيات 144 الى 145]

- ‌الآيات: (146- 148) [سورة آل عمران (3) : الآيات 146 الى 148]

- ‌الآيات: (149- 150- 151) [سورة آل عمران (3) : الآيات 149 الى 151]

- ‌الآية: (152) [سورة آل عمران (3) : آية 152]

- ‌الآيتان: (153- 154) [سورة آل عمران (3) : الآيات 153 الى 154]

- ‌الآيات: (155- 158) [سورة آل عمران (3) : الآيات 155 الى 158]

- ‌الآية: (159) [سورة آل عمران (3) : آية 159]

- ‌الآية: (160) [سورة آل عمران (3) : آية 160]

- ‌الآية: (161) [سورة آل عمران (3) : آية 161]

- ‌الآية: (162) [سورة آل عمران (3) : آية 162]

- ‌الآية: (163) [سورة آل عمران (3) : آية 163]

- ‌الآية: (164) [سورة آل عمران (3) : آية 164]

- ‌الآيات: (165- 168) [سورة آل عمران (3) : الآيات 165 الى 168]

- ‌الآيات: (169- 170- 171- 172) [سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 175]

- ‌الآيات: (176، 178) [سورة آل عمران (3) : الآيات 176 الى 178]

- ‌الآية: (179) [سورة آل عمران (3) : آية 179]

- ‌الآية: (180) [سورة آل عمران (3) : آية 180]

- ‌الآيتان: (181- 182) [سورة آل عمران (3) : الآيات 181 الى 182]

- ‌الآية: (183) [سورة آل عمران (3) : آية 183]

- ‌الآية: (184) [سورة آل عمران (3) : آية 184]

- ‌الآية: (185) [سورة آل عمران (3) : آية 185]

- ‌الآية: (186) [سورة آل عمران (3) : آية 186]

- ‌الآية: (187) [سورة آل عمران (3) : آية 187]

- ‌الآية: (188) [سورة آل عمران (3) : آية 188]

- ‌الآيات: (189- 195) [سورة آل عمران (3) : الآيات 189 الى 195]

- ‌الآيتان: (196- 197) [سورة آل عمران (3) : الآيات 196 الى 197]

- ‌الآية: (198) [سورة آل عمران (3) : آية 198]

- ‌الآية: (199) [سورة آل عمران (3) : آية 199]

- ‌الآية: (200) [سورة آل عمران (3) : آية 200]

- ‌4- سورة النساء

- ‌الآية الأولى [سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌الآية: (2) [سورة النساء (4) : آية 2]

- ‌الآية: (3) [سورة النساء (4) : آية 3]

- ‌تعدد الزوجات: ضوابطه، وحكمته

- ‌الآية: (4) [سورة النساء (4) : آية 4]

- ‌الآية: (5) [سورة النساء (4) : آية 5]

- ‌الآية: (6) [سورة النساء (4) : آية 6]

- ‌الآيتان: (7- 8) [سورة النساء (4) : الآيات 7 الى 8]

- ‌الآيتان: (9- 10) [سورة النساء (4) : الآيات 9 الى 10]

- ‌الآية: (11) [سورة النساء (4) : آية 11]

- ‌الآية: (12) [سورة النساء (4) : آية 12]

- ‌الآيتان: (13- 14) [سورة النساء (4) : الآيات 13 الى 14]

- ‌الآيتان: (15- 16) [سورة النساء (4) : الآيات 15 الى 16]

- ‌الآيتان: (17- 18) [سورة النساء (4) : الآيات 17 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 21) [سورة النساء (4) : الآيات 19 الى 21]

- ‌الآية: (22) [سورة النساء (4) : آية 22]

- ‌الآية: (23) [سورة النساء (4) : آية 23]

الفصل: ‌الآيتان: (79، 80) [سورة آل عمران (3) : الآيات 79 الى 80]

‌الآية: (78)[سورة آل عمران (3) : آية 78]

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)

التفسير: هذه الآية تكشف عن فريق آخر من أهل الكتاب، من جماعة اليهود، بعد أن كشفت الآيات السابقة عن جماعة من أهل العلم فيهم، يتّجرون بما عندهم من علم، ويبيعونه لمن يشترى.. أما هذا الفريق فهم. «يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ» أي يتلون آيات الكتاب تلاوة تلوكها ألسنتهم، وتلتوى بها شفاههم، فلا تخرج الكلمات إلا متآكلة متكسرة، يختلط بعضها ببعض، لا يدرى أحد ما مدلولها، ولا يهتدى أحد إلى وجه الحقّ فيها.. فهى أقرب إلى الرمز منها إلى الكلام.. «وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.. وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» أنه الكذب.. أي أن كذبهم هذا على علم، وهو شرّ ما عرف من الكذب، وأبغض ما ظهر للناس من وجوهه.

‌الآيتان: (79، 80)[سورة آل عمران (3) : الآيات 79 الى 80]

ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)

التفسير: فى هاتين الآيتين يكشف الله سبحانه عن تلك المفارقات البعيدة بين دعوات الأنبياء، وبين ما يدخله أتباعهم على تلك الدعوات من افتراء وبهتان.

ص: 504

فالنبىّ- وإن كان بشرا من البشر، وإنسانا من الناس- هو ممن اصطفاه الله، وتخيره من بين الناس، ليقوم بالسفارة بين الله وبين وعباده.

والله سبحانه وتعالى، إنما يتخير سفراءه من صفوة خلقه، ثم يكملهم ويحمّلهم بما يفيض عليهم من نفحات رحمته، وغيوث بركاته، فإذا هم بعد هذا الأدب الربانىّ أكمل الناس كمالا، وأصدقهم قولا، وأبعدهم عن مواطن الشبه والريب،.. بل هم الكمال كله، والصدق جميعه، والفضيلة فى تمامها وكمالها..

فإذا جاء أتباع رسول من رسل الله، وبأيديهم كتاب يضاف إليه هذا الرسول، وعلى ألسنتهم كلمات يحسبونها عليه، ثم كان فى هذا الكتاب ما ينقص من جلاله وكماله، وكان فى تلك الكلمات ما يجعل لله ما لا ينبغى لذلك الجلال والكمال- فآفة ذلك هم الأتباع، الذين غيروا فى الكتاب وبدّلوا، وتقوّلوا على الرسول، ونسبوا إليه ما نسبوا، زورا وبهتانا، ليجدوا لما تقوّلوا وزيّفوا طريقا إلى الآذان، حين ينسبونه إلى الرسول، ويضيفونه إلى ما تلقوا من كلماته التي هى كلمات الله.

وهذا الموقف يظهر على تمامه، فيما كان بين المسيح وأتباعه.. فقد جاء المسيح- عليه السلام إلى الناس مرسلا من عند الله، برسالة قائمة على سنن الأنبياء والمرسلين الذين سبقوه، كما ينقل ذلك عنه أتباعه فى كلمات صريحة واضحة إذ يقول:«ما جئت لأنقض الناموس والأنبياء بل لأكّمل» .

ومع هذا الذي يقوله السيد المسيح، وينقله عنه أتباعه، ويؤمنون به- فإنهم يلتقون بالسيد المسيح فى آخر المطاف، فإذا هو الله رب العالمين، تجسد فى كائن بشرى، وعاش ما عاش بين الناس، ثم قدّم نفسه قربانا ليفتدى البشرية ويخلّصها من الخطيئة التي هى ميراث الناس جميعا من أبيهم آدم.. فكان أن عمل المسيح على إثارة ثائرة اليهود عليه، ليصلبوه، وليؤدّى بهذا الصلب الفداء

ص: 505

المطلوب لخلاص البشر.. وقد تم له ما أراد، وقدّم إلى الصلب، وصلب!! هكذا يقول أتباع المسيح عن المسيح وفيه! وهى مقولات تنقضها كلمات المسيح نفسه فى الإنجيل أو الأناجيل التي فى يد أتباعه، كما ينقضها تاريخ الرسل والأنبياء السابقين له، ونبى الإسلام الذي جاء من بعده، وينقضها قبل ذلك كله، وبعد ذلك كله، المنطق السليم، والعقل المطلق من قيد الهوى، المتحرر من عبودية التقليد والمحاكاة.

وفى قوله تعالى: «ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ»

وفى ذكر «بشر» بدل «نبىّ» ما يشير إلى أن النبىّ بشر من البشر، وأنه إذا جاز على البشر الكذب والافتراء على الله وعلى الناس، فإن النبي- وهو بشر- لا يكون منه أبدا الكذب والافتراء على الله أو على الناس.. وإلا كان ذلك اتهاما لله، ورميا لعلمه بالقصور، ولقدرته بالعجز، ولحكمته بالنقص، حيث اصطفى واختار من يحمل رسالته، ويودّى أمانته، ثم لم يكن من هذا المصطفى المختار إلا أن زيف الرسالة وخان الأمانة.. وبدلا من أن يكون داعيا لله، هاديا إليه، تحول إلى داعية لنفسه، قائدا الناس إلى الهلاك والضلال.. وتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.. وإنه لن يرضى أسوأ الحكام وأجهل الأمراء أن ينسب إليه مثل هذا العجز وسوء التقدير فى اختيار أعوانه وسفرائه. فكيف بأحكم الحاكمين.. الله رب العالمين؟

وفى الآية حذف دل عليه سياق الكلام.. وتقديره: «ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ» ليدعو الناس إلى الله، وإلى الإقرار بوحدانيته.. «ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ» وقوله تعالى:«وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ» أي ولكنه يدعوكم إلى أن تكونوا ربانيين أي مؤمنين بالله، دعاة إلى الله، إذ كنتم علماء، وللناس

ص: 506

على العلماء حقّ هو أن يعلموهم ما علموا.

والالتفات هنا من الغيبة إلى الحضور، هو إمساك بمخانق علماء أهل الكتاب، وهم متلبسون بهذا الضلال الذي هم فيه، يطعمون منه ويطعمون أتباعهم من هذا الزاد الفاسد، الذي يهلك من يتناوله ويتزوّد منه.

وقوله تعالى: «وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً» معطوف على قوله تعالى: «ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ» .. ويكون معنى القول هنا الأمر، أو يكون معنى الأمر فى قوله تعالى:«وَلا يَأْمُرَكُمْ» القول..

أي ولا يقول لكم أن اتخذوا الملائكة والنّبيّين أربابا.

وفى قوله تعالى: «أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» ما يسأل عنه.. وهو: هل كانوا مسلمين قبل أن يجيئهم الرسول ويدعوهم إلى ما دعاهم إليه؟ وإذا كان كذلك فما داعية إرساله إليهم؟

والجواب على هذا، هو أن أتباع المسيح الذين التقوا به، وآمنوا بدعوته، كانوا على هدى وبصيرة من أمر تلك الرسالة الكريمة التي حملها عيسى عليه السلام، وهم بهذا كانوا مؤمنين، مسلمين، بل كان منهم الحواريون الذين أوحى الله إليهم! فهذه هى دعوة عيسى، وتلك هى رسالته، وهؤلاء هم أتباعه الذين آمنوا به وحقّ لهم الانتساب إليه، وإلى المسلمين! ومع الأيام، وانتقال الشريعة اليهودية المسيحية إلى مواطن غير موطنها دخل عليها كثير من الحذف والإضافة، والتأويل، والتخريج، حتى أصبح لها وجهان.. وجه بدأت به، ووجه آخر انتهت إليه، وبين الوجهين من الخلاف ما بين الأبيض والأسود من خلاف. وتضادّ.

ص: 507

بدأت المسيحية بالمسيح رسولا وانتهت به إلها يدعو إلى عبادته وعبادة أمّه.. كما يقول الله تعالى «وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟» (116: المائدة) .

بدأت المسيحية إسلاما يدين بها المسلمون، وانتهت إلحادا يدين بها من يعبدون المسيح، ويؤلهون أم المسيح! وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى:«أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» . أي أيدعوكم المسيح أيها الذين آمنوا به إلها، إلى الكفر بالله، بعد أن دعا آباءكم الأولين إلى الإيمان به فكانوا من عباده المسلمين؟

أيدعوكم إلى هذا الذي تدّعون؟ ذلك محال! إن دعوة المسيح هى تلك الدعوة التي دعا إليها آباءكم الأولين، فآمنوا وأسلموا عليها، فكيف تكون تلك الدعوة نفسها هى التي بين أيديكم، والتي تدعوكم إلى الإيمان به إلها من دون الله؟ ما تأويل هذا وما منطقه؟

إنه لا تأويل لهذا إلا أن تحريفا دخل على دعوة المسيح فغيّر وجهها، وقلب حقيقتها، وإنه لا منطق لهذا إلا أن يكون هناك مسيحيان: مسيح عرفه المسيحيون الأولون.. المؤمنون المسلمون، ومسيح عرفتموه أنتم وعبدتموه من دون الله! وأما وليس إلا مسيح واحد، فالكلمة الآن لكم، لتقيموا لهذا التناقض وجها، ولتجعلوا له منطقا، إن كان للجمع بين المتناقضين وجه أو منطق!!.

ص: 508