الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي أن المؤمنين من أتباع المسيح هم فوق الكافرين إلى يوم القيامة..
وهذا حكم عام فيما بين المؤمنين والكافرين.. فحيث كان مؤمنون وكافرون، فالمؤمنون فوق الكافرين أبدا.. فلا يتساوى المؤمن والكافر فى المركز الاجتماعى فى الدنيا، حيث لا يأكل المؤمن طعام الكافر، ولا يتزوج منه، ولا يزوّجه.
فالكافرون فى منزلة دون منزلة المؤمنين أبدا، وإن تساووا فى الآدمية والإنسانية، والله سبحانه وتعالى يقول:«وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» (141: النساء) .
وقوله سبحانه: «ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» .
بيان لحكم الله فى الآخرة بين المؤمنين والكافرين، بعد أن بين الله هؤلاء وهؤلاء فيما اختلفوا فيه من الحق.. فالمؤمنون هم أهل الحق، ولهم يحكم الله، والكافرون أصحاب الباطل وعليهم يحكم الله..
وفى الآية وعيد للكافرين ونذير بالعذاب الذي ينتظرهم، وقد حملته الآية الكريمة تلميحا لا تصريحا، ولكنه تلميح يشير بأكثر من إشارة إلى الآيات الكثيرة التي حملت إلى الكافرين أهوال العذاب الذي توعدهم الله به.
الآيتان: (56- 57)[سورة آل عمران (3) : الآيات 56 الى 57]
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)
التفسير: فى هاتين الآيتين بيان لما تضمنه قوله تعالى فى الآية السابقة عليهما:
«ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» وفى هذا الفصل ينكشف الكافرون، ويعرف المؤمنون، ويفرّق بينهما فى الموقف.. كل جماعة فى جهة.. ثم يكون الجزاء لكل من الفريقين حسب عمله.. فأما الذين كفروا فلهم عذاب شديد، ليس له من الله دافع، وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفون أجرهم كاملا، وتتلقاهم الملائكة تزفّهم إلى جنات النعيم.
وفى قوله تعالى: «فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ» ما يسأل عنه، وهو: كيف يعذبون عذابا شديدا فى الدنيا، وهم الآن فى الآخرة وفى موقف الحساب؟
والجواب عن هذا، هو أن هذا الوعيد من الله سبحانه وتعالى وعيد قديم، ولكنه يتجدد بتجدد الأزمان والأحداث، فيقع العلم به للمنذرين فى الوقت الذي ينذرون به، لا يوم القيامة والحساب..
وفى قوله تعالى: «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» ما يسأل عنه أيضا.. إذ كيف يتناسب هذا، بعد قوله تعالى:«فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ» ؟
والجواب عن هذا، هو أن المؤمنين قد بشّروا به فى قوله تعالى:
«فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ» وأنهم قد اطمأنوا إلى هذا الوعد الكريم، ونعموا به، وإن نعيمهم ليتضاعف حين ينظرون إلى أصحاب النّار وما يلاقون فيها من عذاب الهون، فيسبّحون بحمد الله إذ نجاهم من هذا البلاء، وغمرهم بفضله ونعمه- إن المؤمنين وهم فى تلك الحال ليسألون عن عذاب أهل العذاب،
وما الذي أوردهم هذا المورد الوبيل، فيقال لهم:«وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» أي أن هؤلاء الذين يتقلبون فى النار، إنما هم من الذين ظلموا أنفسهم، بأن حجبوها عن الإيمان، وسبحوا بها فى ظلمات الكفر والضلال، فهم إذن ظالمون. «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» . ولن ينال رضا الله، وينعم بنعيم جناته إلّا من رضى عنه وأحبّه! ومما يسأل عنه فى هاتين الآيتين: كيف جاء الوعيد للذين كفروا فى صيغة المتكلم فى قوله تعالى: «فَأُعَذِّبُهُمْ» على حين جاء الوعد للذين آمنوا فى صيغة الغائب فى قوله سبحانه: «فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ» .
والجواب، هو أن الذين كفروا لم يؤمنوا بالله، بل ولم يعترفوا بوجوده، ومن هنا فإنهم لا يعرفونه، ولا يتصورون له وجودا.. فكان من المناسب لتلك الحال أن يسمعهم الله صوته، وأن يواجههم بالجريمة التي اقترفتها أيديهم، ويلقاهم بالعذاب الذي هم أهل له.. وهذا أبلغ فى إلفات الكافرين إلى ما هم فيه من غفلة وضلال، إذ يرون عذاب الله عيانا، فى هذا النذير الذي ينذرهم الله مواجهة به، «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ» (47: الزمر) أما المؤمنون فشأنهم مع الله على غير هذا.. إن الله معهم دائما يملأ قلوبهم، ويعمر حياتهم، ويرون قدرته وحكمته فى كل ما تتصل به حواسهم، أو يتصوره خيالهم.. ومن ثم فإن ما بينهم وبين الله من معرفة لا يحتاج إلى إعلان.. إنهم آمنوا بالله عن غيب، وصدّقوا ما جاءهم به الرّسل من عند الله، فكان من المناسب لحالهم تلك أن يخاطبوا من الله بصيغة الغيبة.. تلك الغيبة التي هى حضور جلىّ فى قلوبهم، وظهور باد فى كل ما أبدع الله وصوّر!