الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكنهم أفسدوا هذا الخير على أنفسهم وعلى الناس، فغيّروا وبدلوا، وقلبوا وجه الحق باطلا، وأحالوا عذبه ملحا أجاجا، فضلّوا وأضلوا..
إنهم- والأمر كذلك- أشبه بمن كان فى صحراء، لا شىء فيها من ماء أو طعام، وفى يديه شىء من ماء وطعام، ومعه رفقة مسافرة، لا شىء معها، وكان فى هذا ما يبلغ به وبها الغاية إلى حيث الماء والطعام، لو أنّه أظهره لها، وأشاعه فيها.. ولكن كزازة طبعه، وشحّ نفسه، وخبث طويته- كل أولئك سوّل له أن يخفى هذا الزاد بل، وأن يفسده، حتى لا ينتفع به أحد..
فهلك، وأهلك الرفقة المسافرة معه! هكذا كان شأن اليهود مع كتاب الله الذي فى أيديهم.. كتموا الحق الذي فيه، وأفسدوا الخير الذي ينطوى عليه، وقالوا للكافرين والمشركين الكذب على رسول الله، وعلى الكتاب الذي بين يديه، لقاء عرض زائل يعيشون فيه، ودنيا فانية يمسكون بها.. فهلكوا وأهلكوا، وضلّوا وأضلّوا..
وفيهم يقول الله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً» (51- 52: النساء)
الآية: (188)[سورة آل عمران (3) : آية 188]
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188)
التفسير: هذه الآية أيضا تعريض باليهود، وفضح لمساويهم، ووعيد بالخزي وسوء المصير لهم.
فقد ذكر فى الآيات السابقة قولهم: «إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ» وأنهم بهذا يمسكون المال، ويحادّون الله به..
وهنا- فى هذه الآية- يعرضون فى معرض الفرحين بما أتوا، وهذا الذي أتوه، ليس مما يحمد ويقبل، حتى يفرحوا به.. ولكن الذي فعلوه هو المنكر كلّه، وهو الشرّ كلّه.. إنهم إنما فعلوا الافتراء على الله، ونقض الميثاق الذي واثقهم به، أن يبينوا للناس ما معهم من كلمات الله، وما فيها من هدى ونور، ولم يقفوا عند هذا الحدّ من البخل والشح، فبدّلوا فى كلمات الله وغيروا، لتستجيب لمطالبهم الخسيسة، ودواعيهم الخبيثة..
هذا هو الذي فعلوه، وفرحوا به، وحسبوا أنهم بهذه المنكرات التي أفسدوا بها دينهم وأضلوا بها غيرهم- قد استطاعوا أن يفسدوا على «محمد» دعوته، وأن يغروا المشركين به، ويصرفوهم عنه! «وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ» (26: الأنعام) ولم يقف أمرهم عند هذا المنكر، من تحريفهم لكلمات الله، بل لقد لبسوا النفاق، وظهروا به فى الناس، يظهرون لهم المودة والحب، ويضمرون العداوة والبغضاء، ويرجون لهم النصر بألسنتهم، ويتمنون لهم الهزيمة من قلوبهم..
إنهم يريدون أن ينالوا الحمد والثناء، بما لم يفعلوا مما يستحق الحمد، ويستوجب الثناء.. إنها مجرد كلمات معسولة خادعة، إن انطوت على شىء، فإنما تنطوى على الشر والسوء والفساد..
وقوله تعالى «فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ» هو بدل من قوله سبحانه:
«لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا
…
» وإعادة الفعل «تحسبن» هنا