الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صادهم الإسلام، وعلقوا فى حباله.. فما أن عاش بعضهم فى الإسلام ساعات حتى استولت عليه روح الإسلام، وطردت من كيانه نوازع الزيغ والضلال، فدخل فى الإسلام عن يقين، بعد أن كان قد غشى حماه للكيد والإفساد..
ومن غلبت عليه شقوته من كلاب الصيد هذه، فلم يدخل الإسلام ولم يعتقده، عاد إلى جماعته مثخنا بالجراح، فلم يصبح مسلما، ولم يعد كافرا.، بل تحوّل إلى منافق، يتردد أمره بين الإيمان والكفر..!
من أجل هذا كان من وصاة تلك الجماعة المتآمرة، لمن ترسلهم من كلاب الصيد هذه- كانت وصاتهم لهم:«وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ» يحذّرونهم من أن يلقوا أسماعهم إلى المسلمين، وأن يفتحوا قلوبهم إلى ما يحدّثونهم به من الإسلام، وإلا ساءت العاقبة، وفسد التدبير! وقد شاء الله أن تسيىء العاقبة، عاقبة تلك الجماعة المتامرة، وأن يفسد تدبيرها. ويسوء مصيرها. فتعلو كلمة الإسلام، ويموت الشانئون والكائدون، غيظا وكمدا!
الآيتان: (73- 74)[سورة آل عمران (3) : الآيات 73 الى 74]
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)
التفسير: فى قوله تعالى: «قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ» رد على أولئك الذين اعتقدوا أنهم على الحق، وهم الضالون المضلون. ولم يقع فى تصورهم أن
يكون لله سبحانه وتعالى فضل على غيرهم، أو أن يؤتى- سبحانه- أحدا غيرهم كتابا، كما أتاهم كتابا، فمكروا به وحرّفوه.
لهذا أمر الله نبيّه- عليه السلام أن يبطل هذا التصور الفاسد الذي تصوروه، وأن يقول لهم كلمة الحق التي ألقاها الله إليه:«إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ» أي إن الهدى هو ملك لله، لا ملك لأحد معه فيه، وأنه نعمة من نعمه، ورزق من أرزاقه، يضعه حيث يشاء، ويهدى به من يشاء، وأنه ليس محبوسا على اليهود وحدهم، مقصورا عليهم، لا ينال منه أحد غيرهم..
وفى قوله تعالى: «أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ» ما يكشف عن ظن اليهود بأنفسهم، وأنهم فوق العالمين، وأن الله هو ربّهم وحدهم، وأن رحمته ونعمته لا تنزلان إلا عليهم، وهم لهذا ينكرون كل نعمة تصيب غيرهم، وكل فضل يناله سواهم. كما يقول الله سبحانه وتعالى عنهم «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً، حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» (109 البقرة) ويقول سبحانه فيهم: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» (54: النساء) المصدر المؤول من أن وما بعدها فى قوله تعالى: «أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ» هو معمول للام التعليل المتعلق بفعل محذوف قبله، تقديره:
فلا تقتلوا أنفسكم حسدا لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ركبتم الضلال وعميتم عن الحق، وفقدتم عقولكم فأهلكتم أنفسكم؟
وقوله تعالى: «أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ» معطوف على قوله تعالى «أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ» .
والمعنى: ألأن أوتى المسلمون كتابا من عند الله فاهتدوا، كما أوتيتم أنتم كتابا من عند الله فلم تنتفعوا به، وقامت الحجة به عليكم، ولأن أصبح للمسلمين الحجة عليكم بهذا الكتاب الذي فى أيديهم، والذي يحدّث عنه كتابكم الذي فى أيديكم- ألهذا وذاك جحدتم الحق، وتنكرتم له، وحرّفتم كتابكم ليلتقى ما فيه مع أهوائكم، وليطفىء داء الحسد المتقد فى صدوركم؟
ولقد مكر اليهود بأنفسهم، وأفسدوا الكتاب الذي فى أيديهم، والذي يحدّث عن محمد، ويبشر به وبكتابه الذي أنزله الله عليه، حتى لا يكون للمسلمين حجة عليهم يلزمونهم بها، وما تنطق به التوراة من تصديق بمحمد وبكتاب الله الذي معه.. وفى هذا يقول الله تعالى عنهم:«أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ» (75- 76 البقرة) ذلك أن اليهود كانوا يعلمون ما فى التوراة عن «محمد» وعن رسالته، وأنّهم قد استقبلوا محمدا من أول الأمر بالتكذيب، وبادءوه بالعداوة والبغضاء، فلم يكن لهم- والشأن كذلك- إلّا يمضوا فى الشوط إلى نهايته، بل وأن يمعنوا فى التكذيب، وأن يتطاولوا فى العداوة والبغضاء.. وكان من أسلحتهم فى تلك الحرب أن يطمسوا ما فى التوراة من الحق الذي تتحدث به عن «محمد» ورسالته.
وقوله تعالى: «قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» هو ردّ آخر على اليهود الذين أرادوا أن يحتجزوا فضل الله، وأن يجعلوه خالصا لهم.. شحّا وحسدا أن يصيب أحد خيرا غيرهم.. «وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» يسع فضله النّاس جميعا، دون أن ينقص من فضل الله شىء.. ولكن
اليهود يرون الله وكأنه أحد أغنيائهم، وأنه بقدر ما ينفق، يكون النقص فيما بين يديه من مال، ولو استمر فى الإنفاق لنفد ما بين يديه.. وفيهم يقول الله تعالى:«قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً» (100: الإسراء) .
وللإنسان أن يذهب مذهب التقتير، لأنه إنسان، ملكه محدود وإن بلغ ما بلغ من كثرة واتساع، وتعالى الله علوا كبيرا أن ينظر إليه وإلى فضله هذا النظر الذي يجعله والناس على سواء وقد كشف الله سبحانه وتعالى عن هذا الخلق اللئيم المندسّ فى طبيعة اليهود، وهو الحسد القاتل، الذي يأكل صدورهم، إذا نال أحد من الناس خيرا.. يقول الله تعالى:«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ «1» يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ «2» وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً» (51- 52- 53: النساء) .. إنها كزازة نفس، وسوء خلق، وفساد ضمير، وأنانية فاتلة، وشحّ لئيم.
وقوله تعالى: «يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» رد ثالث على اليهود بأن فضل يقع حيث يشاء، وينزل حيث أراد الله أن ينزل:«اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» وفضل الله عظيم، ورحمته واسعة «فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً» (78: النساء)
(1) وهم اليهود.
(2)
أي الضلال والبهتان. [.....]