المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآية: (286) [سورة البقرة (2) : آية 286] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٢

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآية: (253) [سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌الآية: (254) [سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌الآية: (255) [سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌الآية: (256) [سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌الآية: (257) [سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌الآية: (258) [سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌الآية: (259) [سورة البقرة (2) : آية 259]

- ‌الآية: (260) [سورة البقرة (2) : آية 260]

- ‌آية: (261) [سورة البقرة (2) : آية 261]

- ‌الآية: (262) [سورة البقرة (2) : آية 262]

- ‌الآية: (263) [سورة البقرة (2) : آية 263]

- ‌الآية: (264) [سورة البقرة (2) : آية 264]

- ‌الآية: (265) [سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌الآية: (266) [سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌الآية: (267) [سورة البقرة (2) : آية 267]

- ‌الآية (268) [سورة البقرة (2) : آية 268]

- ‌الآية: (269) [سورة البقرة (2) : آية 269]

- ‌الآية: (270) [سورة البقرة (2) : آية 270]

- ‌الآية: (271) [سورة البقرة (2) : آية 271]

- ‌الآية: (272) [سورة البقرة (2) : آية 272]

- ‌الآية: (273) [سورة البقرة (2) : آية 273]

- ‌الآية: (274) [سورة البقرة (2) : آية 274]

- ‌الآية: (275) [سورة البقرة (2) : آية 275]

- ‌الآية: (276) [سورة البقرة (2) : آية 276]

- ‌الآية: (277) [سورة البقرة (2) : آية 277]

- ‌الآية: (278) [سورة البقرة (2) : آية 278]

- ‌الآية: (279) [سورة البقرة (2) : آية 279]

- ‌الآية: (280) [سورة البقرة (2) : آية 280]

- ‌الآية: (281) [سورة البقرة (2) : آية 281]

- ‌مبحث فى الربا

- ‌أنواعه وأحكامه

- ‌الإسلام والربا

- ‌مداخل إلى الربا

- ‌1- ربا الفضل

- ‌2- بيوع الغرر

- ‌حكم الربا

- ‌مبحث فى الدّين توثيقه والإشهاد عليه

- ‌الآية: (282) [سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌الآية: (283) [سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌الآية: (284) [سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌الآية: (285) [سورة البقرة (2) : آية 285]

- ‌الآية: (286) [سورة البقرة (2) : آية 286]

- ‌3- سورة آل عمران

- ‌الآية: (1) [سورة آل عمران (3) : آية 1]

- ‌الآيات: (2- 4) [سورة آل عمران (3) : الآيات 2 الى 4]

- ‌الآيتان: (5، 6) [سورة آل عمران (3) : الآيات 5 الى 6]

- ‌الآية: (7) [سورة آل عمران (3) : آية 7]

- ‌الآية: (8) [سورة آل عمران (3) : آية 8]

- ‌الآية: (9) [سورة آل عمران (3) : آية 9]

- ‌الآية: (10) [سورة آل عمران (3) : آية 10]

- ‌الآية: (11) [سورة آل عمران (3) : آية 11]

- ‌الآية: (12) [سورة آل عمران (3) : آية 12]

- ‌الآية: (13) [سورة آل عمران (3) : آية 13]

- ‌الآية: (14) [سورة آل عمران (3) : آية 14]

- ‌الآية: (15) [سورة آل عمران (3) : آية 15]

- ‌الآيتان: (16، 17) [سورة آل عمران (3) : الآيات 16 الى 17]

- ‌الآية: (18) [سورة آل عمران (3) : آية 18]

- ‌الآية: (19) [سورة آل عمران (3) : آية 19]

- ‌الآية: (20) [سورة آل عمران (3) : آية 20]

- ‌الآيتان: (21، 22) [سورة آل عمران (3) : الآيات 21 الى 22]

- ‌الآية: (23) [سورة آل عمران (3) : آية 23]

- ‌الآية: (24) [سورة آل عمران (3) : آية 24]

- ‌الآية: (25) [سورة آل عمران (3) : آية 25]

- ‌الآيتان: (26- 27) [سورة آل عمران (3) : الآيات 26 الى 27]

- ‌الآية: (28) [سورة آل عمران (3) : آية 28]

- ‌الآيتان: (29- 30) [سورة آل عمران (3) : الآيات 29 الى 30]

- ‌الآيتان: (31- 32) [سورة آل عمران (3) : الآيات 31 الى 32]

- ‌الآيتان: (33، 34) [سورة آل عمران (3) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآيتان: (35، 36) [سورة آل عمران (3) : الآيات 35 الى 36]

- ‌الآية: (37) [سورة آل عمران (3) : آية 37]

- ‌الآيتان: (38، 39) [سورة آل عمران (3) : الآيات 38 الى 39]

- ‌الآيتان: (40، 41) [سورة آل عمران (3) : الآيات 40 الى 41]

- ‌الآيتان: (42، 43) [سورة آل عمران (3) : الآيات 42 الى 43]

- ‌الآية: (44) [سورة آل عمران (3) : آية 44]

- ‌الآيتان: (45، 46) [سورة آل عمران (3) : الآيات 45 الى 46]

- ‌كلام المسيح فى المهد

- ‌الآيات: (47- 51) [سورة آل عمران (3) : الآيات 47 الى 51]

- ‌الآيتان: (52- 53) [سورة آل عمران (3) : الآيات 52 الى 53]

- ‌الآيتان: (54- 55) [سورة آل عمران (3) : الآيات 54 الى 55]

- ‌الآيتان: (56- 57) [سورة آل عمران (3) : الآيات 56 الى 57]

- ‌آية: (58) [سورة آل عمران (3) : آية 58]

- ‌آية: (59) [سورة آل عمران (3) : آية 59]

- ‌الآية: (60) [سورة آل عمران (3) : آية 60]

- ‌الآية: (61) [سورة آل عمران (3) : آية 61]

- ‌الآيتان: (62، 63) [سورة آل عمران (3) : الآيات 62 الى 63]

- ‌الآية: (64) [سورة آل عمران (3) : آية 64]

- ‌الآيتان: (65، 66) [سورة آل عمران (3) : الآيات 65 الى 66]

- ‌الآية: (67) [سورة آل عمران (3) : آية 67]

- ‌الآية: (68) [سورة آل عمران (3) : آية 68]

- ‌الآية: (69) [سورة آل عمران (3) : آية 69]

- ‌الآيتان: (70- 71) [سورة آل عمران (3) : الآيات 70 الى 71]

- ‌الآية: (72) [سورة آل عمران (3) : آية 72]

- ‌الآيتان: (73- 74) [سورة آل عمران (3) : الآيات 73 الى 74]

- ‌الآية: (75) [سورة آل عمران (3) : آية 75]

- ‌الآية: (76) [سورة آل عمران (3) : آية 76]

- ‌الآية: (77) [سورة آل عمران (3) : آية 77]

- ‌الآية: (78) [سورة آل عمران (3) : آية 78]

- ‌الآيتان: (79، 80) [سورة آل عمران (3) : الآيات 79 الى 80]

- ‌الآيتان: (81- 82) [سورة آل عمران (3) : الآيات 81 الى 82]

- ‌الآية: (83) [سورة آل عمران (3) : آية 83]

- ‌(الآيتان: 84- 85) [سورة آل عمران (3) : الآيات 84 الى 85]

- ‌الآيات: (86- 89) [سورة آل عمران (3) : الآيات 86 الى 89]

- ‌الآية: (90) [سورة آل عمران (3) : آية 90]

- ‌آية: (91) [سورة آل عمران (3) : آية 91]

- ‌الآية: (92) [سورة آل عمران (3) : آية 92]

- ‌الآيتان: (93- 95) [سورة آل عمران (3) : الآيات 93 الى 95]

- ‌الآيتان: (96، 97) [سورة آل عمران (3) : الآيات 96 الى 97]

- ‌الآيتان: (98- 99) [سورة آل عمران (3) : الآيات 98 الى 99]

- ‌الآيتان: (100- 101) [سورة آل عمران (3) : الآيات 100 الى 101]

- ‌الآيتان: (102- 103) [سورة آل عمران (3) : الآيات 102 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة آل عمران (3) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيتان: (108، 109) [سورة آل عمران (3) : الآيات 108 الى 109]

- ‌[مبحث: الخير.. فى خير أمة أخرجت للناس]

- ‌الآية: (110) [سورة آل عمران (3) : آية 110]

- ‌الآيتان: (111- 112) [سورة آل عمران (3) : الآيات 111 الى 112]

- ‌الآيات: (113- 115) [سورة آل عمران (3) : الآيات 113 الى 115]

- ‌الآيتان: (116- 117) [سورة آل عمران (3) : الآيات 116 الى 117]

- ‌الآيات: (118- 120) [سورة آل عمران (3) : الآيات 118 الى 120]

- ‌الآيتان: (121، 122) [سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 126) [سورة آل عمران (3) : الآيات 123 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 129) [سورة آل عمران (3) : الآيات 127 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 136) [سورة آل عمران (3) : الآيات 130 الى 136]

- ‌الآيات: (137- 138) [سورة آل عمران (3) : الآيات 137 الى 138]

- ‌الآيات: (139- 143) [سورة آل عمران (3) : الآيات 139 الى 143]

- ‌الآيتان: (144- 145) [سورة آل عمران (3) : الآيات 144 الى 145]

- ‌الآيات: (146- 148) [سورة آل عمران (3) : الآيات 146 الى 148]

- ‌الآيات: (149- 150- 151) [سورة آل عمران (3) : الآيات 149 الى 151]

- ‌الآية: (152) [سورة آل عمران (3) : آية 152]

- ‌الآيتان: (153- 154) [سورة آل عمران (3) : الآيات 153 الى 154]

- ‌الآيات: (155- 158) [سورة آل عمران (3) : الآيات 155 الى 158]

- ‌الآية: (159) [سورة آل عمران (3) : آية 159]

- ‌الآية: (160) [سورة آل عمران (3) : آية 160]

- ‌الآية: (161) [سورة آل عمران (3) : آية 161]

- ‌الآية: (162) [سورة آل عمران (3) : آية 162]

- ‌الآية: (163) [سورة آل عمران (3) : آية 163]

- ‌الآية: (164) [سورة آل عمران (3) : آية 164]

- ‌الآيات: (165- 168) [سورة آل عمران (3) : الآيات 165 الى 168]

- ‌الآيات: (169- 170- 171- 172) [سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 175]

- ‌الآيات: (176، 178) [سورة آل عمران (3) : الآيات 176 الى 178]

- ‌الآية: (179) [سورة آل عمران (3) : آية 179]

- ‌الآية: (180) [سورة آل عمران (3) : آية 180]

- ‌الآيتان: (181- 182) [سورة آل عمران (3) : الآيات 181 الى 182]

- ‌الآية: (183) [سورة آل عمران (3) : آية 183]

- ‌الآية: (184) [سورة آل عمران (3) : آية 184]

- ‌الآية: (185) [سورة آل عمران (3) : آية 185]

- ‌الآية: (186) [سورة آل عمران (3) : آية 186]

- ‌الآية: (187) [سورة آل عمران (3) : آية 187]

- ‌الآية: (188) [سورة آل عمران (3) : آية 188]

- ‌الآيات: (189- 195) [سورة آل عمران (3) : الآيات 189 الى 195]

- ‌الآيتان: (196- 197) [سورة آل عمران (3) : الآيات 196 الى 197]

- ‌الآية: (198) [سورة آل عمران (3) : آية 198]

- ‌الآية: (199) [سورة آل عمران (3) : آية 199]

- ‌الآية: (200) [سورة آل عمران (3) : آية 200]

- ‌4- سورة النساء

- ‌الآية الأولى [سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌الآية: (2) [سورة النساء (4) : آية 2]

- ‌الآية: (3) [سورة النساء (4) : آية 3]

- ‌تعدد الزوجات: ضوابطه، وحكمته

- ‌الآية: (4) [سورة النساء (4) : آية 4]

- ‌الآية: (5) [سورة النساء (4) : آية 5]

- ‌الآية: (6) [سورة النساء (4) : آية 6]

- ‌الآيتان: (7- 8) [سورة النساء (4) : الآيات 7 الى 8]

- ‌الآيتان: (9- 10) [سورة النساء (4) : الآيات 9 الى 10]

- ‌الآية: (11) [سورة النساء (4) : آية 11]

- ‌الآية: (12) [سورة النساء (4) : آية 12]

- ‌الآيتان: (13- 14) [سورة النساء (4) : الآيات 13 الى 14]

- ‌الآيتان: (15- 16) [سورة النساء (4) : الآيات 15 الى 16]

- ‌الآيتان: (17- 18) [سورة النساء (4) : الآيات 17 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 21) [سورة النساء (4) : الآيات 19 الى 21]

- ‌الآية: (22) [سورة النساء (4) : آية 22]

- ‌الآية: (23) [سورة النساء (4) : آية 23]

الفصل: ‌الآية: (286) [سورة البقرة (2) : آية 286]

يخبر سبحانه بإيمان المؤمنين الذي اتبعوا النبي، على نحو الإيمان الذي آمن به النبىّ.

وليس الإخبار بإيمان النبىّ والمؤمنين لمجرد الإعلام بمضمون هذا الخبر، وإنما لما ينكشف وراء هذا الخبر من الصورة التي كان عليها إيمانهم، فهذا الإيمان قائم على دعائم، هى: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، دون تفرقة بين أحد من رسله، فهم جميعا حملة رسالة الله إلى عباده، يعملون لغاية واحدة، هى هداية الناس إلى الله، وإقامتهم على صراط الله، ودين الله.. والتفرقة بينهم تفرقة للحق الذي جاءوا به، والحق وجه واحد، وطريق واحد، لا تختلف مناهجه، ولا تتفرق سبله.

ومن تمام هذا الإيمان أيضا، السمع والطاعة لله ولرسوله، والإنابة إلى الله في العثرات والزلات.

وقوله تعالى: «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ» هو مقول لقول محذوف يدل عليه القول فى قوله تعالى: «وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا» أي قائلين لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا.»

وفى هذا كله تعريض بأهل الكتاب، وخاصة اليهود، الذين فرّقوا دين الله، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه، وعزلوا رسل الله بعضهم عن بعض كما عزلوا هم أنفسهم عن المجتمع الإنسانى كله.

‌الآية: (286)[سورة البقرة (2) : آية 286]

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)

ص: 388

التفسير: التكاليف التي حملها رسل الله إلى الناس، إنما هى لإصلاح معاشهم ومعادهم، وإقامتهم على طريق مستقيم، تطيب لهم فيه الحياة، حيث تجمعهم الأخوة والمودة، ويؤلف بينهم العدل والإحسان.

وهذه التكاليف ليس فيها إعنات ولا تحدّ لقدرة الإنسان وقوة احتماله، وإلا كانت ضربا من النكال، ولونا من العقاب، الأمر الذي جاءت رسالات السماء على خلافه.. فما هى إلا رحمة من رحمات الله، وفضل من أفضاله على عباده، تفتح لهم مغالق الخير، والحق، والهدى.

وقوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» هو البيان المبين لحقيقة الشرائع السماوية، وأنها المنهج التربوى السليم، لإصلاح أمر الفرد والمجتمع، وهى الغذاء الروحي والنفسي والعقلي للإنسان.. وإذ كان هذا شأنها فإنها لم تجىء إلا بما تتقبله النفوس السليمة، وتستجيب له، وتتفاعل معه، وتسعد به.

وإذ كانت أحكام الشريعة عامة للناس كلهم، عامتهم وخاصتهم على السواء، وإذ كان الناس على درجات متفاوتة، فى القوة والضعف، وفى الصحة والمرض- فإن مما قضت به الحكمة فى ذلك أن جاءت الشرائع السماوية- وخاصة شريعة الإسلام- على مستوى الوسط للقدرة الإنسانية، بمعنى أن من فوق هذا المستوي تتسع قدراتهم لأكثر من تكاليف الشريعة، على حين أن من دون هذا المستوي لا تضيق نفوسهم به، وإن وجدوا فيه شيئا من العناء والجهد.

هذا فى مجال الإنسانية كلها.. أما فى خاصة حياة الفرد من الناس،

ص: 389

فإن الشريعة قد راعت الظروف الخاصة التي تعرض للإنسان، والضرورات التي تتحدّى قدرته، فوضعت لتلك الظروف وهذه الضرورات أحكاما خاصة، موقوتة بوقتها، ومقدورة بقدرها، فأباحت المحظورات عند الضرورات، ودفعت الحرج عن الضعفاء، والمرضى، والمسافرين، فرفعت عنهم بعض الأحكام، رفعا جزئيا أو كليا، بصفة مؤقته أو دائمة، وبهذه الأحكام الاستثنائية الواردة على الأحكام العامة، يرفع الحرج عن المؤمنين بالله، الحريصين على الوفاء بأحكام شريعته.. وهذا من رحمة الله بالناس، ولطفه بعباده:

«وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (220: البقرة) .

ثم إن فى قوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» . ما يجعل إلى الإنسان نفسه عند التطبيق العملىّ لأحكام الشريعة، أن يردّها إلى قدرته واحتماله، فما خرج منها عن قدرته، وجاوز احتماله، فقد تجاوز الله عنه، ورفع عنه الحرج فيه، شريطة أن يكون ذلك عن نية صادقة فى الامتثال لأمر الله، ورغبة خالصة فى مرضاته، بمعنى أن يحاول الإنسان أداء المطلوب صادقا مخلصا، فإن عجز أو قصّر فرحمة الله لن تضيق به، ولن تقيمه على الضر والأذى:

«لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» .

وقوله تعالى: «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» الكسب هنا غير الاكتساب.. فالكسب للحسنات والأعمال الصّالحة، والاكتساب للسيئات والأعمال السيئة.. وفى لفظ الكسب خفة، ولطف، واستقامة على اللسان، على خلاف لفظ الاكتساب وما فيه من ثقل، وقلق واضطراب..

«كسبت» و «اكتسبت» ! ولفظ «لها ما كسبت» يفيد الملكية، التي تقضى للمالك بالانتفاع بما ملك، والتصرف فيه بما ينفعه، وذلك واقع فيما يكسبه الإنسان من حسنات،

ص: 390

وما يعمله من صالحات.. إنها له، وملك يمينه، أما لفظ «عليها ما اكتسبت» فهو يدل على إلقاء أعمال وأعباء على كاهل المكتسب، تنقض ظهره، وتقيد خطوه، فلا يبلغ غاية، ولا يحقق أملا.

قوله تعالى: «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» . من رحمة الله بنا وألطافه علينا- أتباع هذه الملة السمحاء- أن دعانا إلى أن ندعوه بهذا الدعاء، الذي صاغه سبحانه من كلماته، وجعله سبحا لملائكته ولعباده الصالحين، يسبّحون له، ويدعون لنا به.. بل إنه سبحانه وتعالى يأتمّنا بهذا الدّعاء، ويصلى علينا به، ونحن نقول بما يقول، ونصلّى بما يصلّى.. فما أكثر رحمة الله بنا، وما أوسع فضله علينا.. إذ تقبّل دعاءنا قبل أن ندعو، واستجاب لنا قبل أن نكون! فقد رفع الله عنا الخطأ والنسيان، كما أخبر الرسول الكريم فى قوله:«رفع عن أمّتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» كذلك عافانا مما ابتلى به أمما قبلنا.. كأمة اليهود، الذين ابتلاهم الله بضروب شتى من البلوى، وحمّلهم من التكاليف ما أعنتهم وأرهقهم، عقابا لهم، ونكالا، جزاء كفرهم بآيات الله، ومكرهم بنعمه، وفى هذا يقول سبحانه:«فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ» (160: النساء) ويقول سبحانه: «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ» (146: الأنعام) .. لقد عافانا الله من هذا الامتحان

ص: 391

القاسي، فلم يأخذنا بذنوبنا، ولم يحملنا من التكاليف ما لا نطيق، وجعل لنا باب التوبة مدخلا نثوب به إليه، ونقترب منه، بعد أن بعدنا بذنوبنا عنه، إذ نضرع إليه قائلين:«رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» .

وإنى لأحبّ أن أفهم قوله تعالى: «رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» . على أنه- مع كونه دعاء مطلقا يدعو به المسلم فى كل وقت- هو تعويذة يلوذ بها المذنبون الذي تغلبهم أنفسهم، وتقهرهم أهواؤهم فيقترفون ما اقترفوا وهم فى هذا الضعف النفسي المستولى عليهم، فهم- والحال كذلك- قد وجدوا أمام أمر لا طاقة لهم به، وهم لذلك فى استخزاء، وفى حسرة وندم، لا يجدون إلا وجه الله يبسطون أيديهم إليه أن يعينهم على أنفسهم، فيقوّى من إيمانهم، ويشد من عزائمهم، فى هذا الصراع الدائر فى كيانهم، بين الإقدام على المعصية والإحجام عن مواقعتها، حتى ينتصروا على أنفسهم وينتهوا عمّا نهوا عنه..

وفى ختم هذا الدعاء العظيم الشامل بقوله تعالى: «أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» إلفات للمسلمين بأن غايتهم من هذا التضرع إلى الله، بإصلاح أمرهم واستقامة طريقهم- هو أن يكونوا آخر الأمر أهلا لهداية الناس إلى الله، وأن يصبحوا جبهة عاملة لنصرة الحق، وجندا مقاتلا فى سبيل الله، وبهذا تقوى جبهة الإيمان، وتضمر أو تزول دولة الكفر.. وإذ كان المؤمنون أولياء الله، ونصراء كلمته، فإن الله وليهم وناصرهم على عدوهم..

«أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» .

ص: 392