الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية: (69)[سورة آل عمران (3) : آية 69]
وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (69)
التفسير: الشرّ يعمل دائما على أن يتحكّك بالخير، وأن يدير وجهه إليه، ليرصد كل حركاته وسكناته، وذلك ليطمئن على وجوده القائم على الباطل، وحتى يطفىء تلك الشعاعات المضيئة المسلطة عليه من الحق، والتي تهدده بفضح موقفه وسوء مصيره.
وهكذا أهل الباطل والضلال دائما، فى كل أمة، ومن كل جيل، يهاجمون الحق فى كل سانحة تسنح لهم، ويدبّرون له العدوان حيث وجدوا إلى ذلك سبيلا.. لأنهم يستشعرون أنهم مهددون بالضياع، وأن تلك الخيوط الواهية التي تشدّهم إلى الباطل، وتقيمهم على الضلال، هى فى معرض الانحلال والتفكك، لأدنى لمسة تلمسها بها يد الحق! فهم بهذه المحاولات التي يتهجمون بها على مواطن الحق إنما يريدون أن يدفعوا خطرا- متوهّما أو متحققا- يطلّ عليهم من آفاق الحق ومواطنه.
وقد كشف الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم كثيرا من مكايد أهل الكتاب، وما يدبرون للمسلمين من شر، وما يبيّتون من عدوان.
والسلاح الأول الذي يعتمد عليه أهل الكتاب- وخاصة اليهود- فى المعركة التي يدبّرونها مع الإسلام، هو التشكيك فى رسالة الرسول، وفى الكتاب الذي نزل عليه.. ذلك أنهم لو كسبوا المعركة فى هذه الميدان، لأغناهم
ذلك عن لقاء الإسلام والمسلمين فى أي ميدان آخر.. حيث لا يكون إسلام ولا مسلمون، متى قام الدليل على بطلان دعوة «محمد» وبطلان ما نزل عليه من عند الله.
ذلك هو تقدير بعض أهل الكتاب، وهو فى ذاته تقدير سليم لو أنه صادف النبىّ والكتاب الذي نزل عليه، كما توهموا وقدروا.. ولكن، فى كل مرة ساق فيها أهل الكتاب كيدا إلى النبي وإلى القرآن، رجمتهم صواعق الحق، فولوا مدبرين، يجرّون ثوب الخزي والخسران.
وفى قوله تعالى: «وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ» ما يكشف عن بعض هذه النوايا الخبيثة، التي تنطوى عليها بعض النفوس الضالة من أهل الكتاب.. إنهم يريدون أن يفسدوا على المسلمين دينهم، وأن يقيموهم منه على الشك، بما يتأوّلون لهم من متشابه القرآن، وما يصدرون لهم من شبهات، يحيكونها من خيوط البهتان والضلال.. فبهذا إنما هم يضلّون أنفسهم، إذ اتخذوا الضلال مركبا، والزور طريقا، والجدل سلاحا، فى تلك المعركة التي اشتبكوا فيها مع الإسلام والمسلمين.. إنهم قد خسروا أنفسهم من أول الطريق، إذ كانوا على ضلال وفى ضلال.. فإن كسبوا المعركة واستطاعوا أن يضلوا غيرهم، فحسبهم من الغنيمة أنهم خسروا معها أنفسهم مرتين.. مرة قبل المعركة ومرة بعدها! وقوله تعالى:«وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ» قد قصر الضلال عليهم وحدهم فى سعيهم الذي سعوه لإضلال المؤمنين.. وهذا يدعونا إلى أن نسأل:
كيف يقصر الضلال عليهم وحدهم، مع أنه من الممكن أن يكونوا قد أضلّوا غيرهم، بما فعلوا حين احتكاكهم بضعاف الإيمان، ممن أسلموا ولمّا يدخل الإيمان فى قلوبهم، من الأعراب وغيرهم.. فكيف هذا؟