الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القبح عبادة تلك الأصنام الجمادات المحضة، التي ليس لها فهم ولا قدرة ولا اختيار.
التفسير والبيان:
نبّه الله تعالى في هذه الآيات على عظمته، وأنه لا تنبغي العبادة إلا له، دون ما سواه من الأوثان التي لا تخلق شيئا، بل هي مخلوقة، فقال:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ.} . أي أفمن يخلق هذه الأشياء التي ذكرناها، كمن لا يخلق، بل لا يقدر على شيء من الخلق أصلا، أفلا تذكّرون أي تعتبرون وتتعظون؟! فإن معرفة ذلك لا تحتاج إلى تدبّر وتفكّر ونظر. والاستفهام إنكار عليهم ورميهم بالجهل وسوء التقدير. ونظير الآية:{هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان 11/ 31].
ثم نبههم تعالى على كثرة نعمه وإحسانه إليهم ليرشدهم إلى أن العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم، فقال:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ.} . أي وإن أردتم حساب نعم الله وضبطها، لا تستطيعوا إحصاءها وضبط عددها، فنعم الله كثيرة دائمة، والعقل عاجز عن الإحاطة بها.
{إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ.} . أي إنه تعالى كثير المغفرة يتجاوز عنكم وعن تقصيركم في الشّكر، رحيم بكم فينعم عليكم مع استحقاقكم للحرمان بسبب الإشراك والكفر، فلو طالبكم بشكر جميع نعمه، لعجزتم عن القيام بذلك، ولو عذّبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم، ولكنه غفور رحيم، يغفر الكثير، ويجازي على اليسير، ومهما عمل الإنسان من الطاعات فلن يقابل نعمة واحدة من نعم الله تعالى.
والخلاصة: إنه تعالى بعد أن بيّن بالآية المتقدّمة: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ.} . أن
الاشتغال بعبادة غير الله باطل وخطأ، بيّن بهذه الآية:{وَإِنْ تَعُدُّوا} أن العبد لا يمكنه الإتيان بعبادة الله وشكر نعمه على وجه أتم.
وبعد أن أبطل عبادة الأصنام لعجزها عن الخلق والإنعام، أبطل عبادتها بوجه آخر وهو كونها جمادات لا تعلم شيئا، فقال:{وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ.} .
أي والله يعلم الضمائر والسرائر، كما يعلم الظواهر، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، فهو عالم الغيب والشّهادة، والظّاهر والباطن.
ثم وصف تعالى الأصنام بما يجردها عن أهلية العبادة، ليدلّ على غباء المشركين صراحة، فقال ذاكرا ثلاثة أوصاف:
1 -
{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ.} . أي إن الأوثان والأصنام لا يخلقون شيئا، بل هي مخلوقة، كما قال تعالى:{أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ؟ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} ؟ [الصافات 95/ 37 - 96].
2 -
{أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ} أي هي جمادات لا أرواح فيها ولا حياة لها أصلا، فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل، فلا تفيدكم شيئا.
فقوله تعالى: {غَيْرُ أَحْياءٍ} لبيان أنه لا يعقب موتها حياة، وذلك أعرق في موتها، فهي ليست كبعض المواد التي يمكن طروء الحياة عليها، كالنّطف التي ينشئها الله حيوانا، وأجساد الحيوان التي تبعث بعد موتها.
أما الإله فهو الحيّ الذي لا يطرأ عليه موت أصلا، فبان الفرق بينهما وهو أن الإله دائم الحياة، والأصنام دائمة الموت.
3 -
{وَما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ} أي وتلك الأصنام لا يدرون متى يبعث عبدتها ومتى تقوم الساعة؟ فكيف يرتجى عند هذه نفع أو ثواب أو جزاء؟ إنما
يرجى ذلك من الذي يعلم كلّ شيء، وهو خالق كلّ شيء. وعبّر عن الأصنام كما يعبّر عن الآدميين لزعمهم أنها تعقل عنهم وتشفع لهم عند الله تعالى، فجرى خطابهم على حسب زعمهم.
وهذا إيماء إلى أن البعث من لوازم التكليف، للجزاء على العمل من خير أو شرّ، وتصريح بأن من لوازم الألوهية معرفة يوم القيامة، وهو تهكّم بالمشركين الذين لا يحسنون الفهم والتّقدير.
وبعد هدم عبادة الأصنام، صرّح تعالى بالمطلوب فقال:{إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} أي إن إلهكم أيها الناس إله واحد، لا إله إلا هو، ومعبودكم الذي يستحقّ العبادة والطاعة بحقّ هو الإله المعبود الواحد. ثم ذكر سبب شركهم وإنكارهم التوحيد، فقال تعالى:
{فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ.} . أي فالذين لا يؤمنون بالآخرة وينكرونها ولا يصدّقون بها، ولا يؤمنون بالوحدانية قلوبهم منكرة للتّوحيد، وهم مستكبرون عن الإقرار بالوحدانية وعن عبادة الله، فلا يرغبون في حصول الثواب، ولا يرهبون من الوقوع في العقاب.
والمعنى أن الكافرين تنكر قلوبهم الوحدانية، كما قال تعالى واصفا تعجبهم منها:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ} [ص 5/ 38]. وقال تعالى: {وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر 45/ 39].
ثم هددهم تعالى وأوعدهم على أعمالهم، فقال:{لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ.} . أي حقّا، إنّ ربّك يعلم ما يسرّ هؤلاء المشركون وما يعلنون، ويعلم إصرارهم على كفرهم، وسيجزيهم على ذلك أتمّ الجزاء، إنه لا يحبّ المستكبرين عن التوحيد وهم