الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن كثير-كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد الناس، وأكثرهم عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر، واشتد عليه خطب، فزع إلى الصلاة.
روى أحمد عن ابن عمار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخره» .
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
القرآن العظيم هو النعمة العظمى على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين لا يقاس بها أي شيء آخر من مال أو ثروة أو غير ذلك.
2 -
الفاتحة سورة من القرآن خصصت بالذكر لفضلها ومزيتها، لاشتمالها على أصول الإسلام، بل هي أفضل سور القرآن لسببين:
الأول-إفرادها بالذكر مع كونها جزءا من القرآن، مما يدل على مزيد الشرف والفضيلة.
الثاني-أنه تعالى لما أنزلها مرتين، دل ذلك على زيادة فضلها وشرفها.
وإنها نزلت مرة بمكة في أوائل ما نزل من القرآن، ومرة بالمدينة.
3 -
لا يطمح بصر المؤمن إلى زخارف الدنيا، وعنده معارف المولى عز وجل،
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة: «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن» أي من لم يستغن به.
4 -
قال بعضهم: هذه الآية تقتضي الزجر عن التشوّف إلى متاع الدنيا على
الدوام، وإقبال العبد على مولاه. والحق أنه ليس في دين محمد الرهبانية، والإقبال على الأعمال الصالحة بالكلية، كما كان في دين عيسى، وإنما الإسلام دين الحنيفية السمحة ودين الفطرة ودين الوسطية الذي يجمع بين الروح والمادة، والاشتغال للحياتين معا الدنيا والآخرة، واستيفاء حظوظ الجسد المباحة مع الرجوع إلى الله بقلب سليم.
5 -
على المؤمن أن يكون بعيدا من المشركين، ولا يحزن إن لم يؤمنوا، قريبا من المؤمنين، متواضعا لهم، محبا لهم، ولو كانوا فقراء.
6 -
مهمة النبي صلى الله عليه وسلم وكل مؤمن عالم بعده التبليغ لرسالة الله لجميع الخلق، والإنذار بالعذاب من الكفر والعصيان. وقد كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في بادئ الأمر سرّية، ثم صارت جهرية بهذه الآية:{فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} .
7 -
العذاب مقرر على المقتسمين لكتاب الله، بأن يؤمنوا ببعض ويكفروا بالبعض الآخر، سواء أكانوا من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) أم من مشركي قريش.
8 -
الآية: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} بعمومها تدل على سؤال الجميع من الناس، كافرهم ومؤمنهم، إلا من دخل الجنة بغير حساب. والظاهر أن الكافر يسأل، لقوله تعالى:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} [الصّافّات 24/ 37] وقوله:
{إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ} [الغاشية 25/ 88 - 26].
وأما قوله تعالى: {وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص 78/ 28] وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرحمن 39/ 55] وقوله:
{وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} [البقرة 174/ 2] وقوله: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين 15/ 83] فذلك في أحوال خاصة بيوم القيامة؛ لأن للقيامة مواطن،
فموطن يكون فيه سؤال وكلام، وموطن لا يكون ذلك فيه. قال عكرمة:
القيامة مواطن، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها.
وقال ابن عباس: لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام، هل عملتم كذا وكذا؛ لأن الله عالم بكل شيء، ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ، فيقول لهم: لم عصيتم القرآن وما حجتكم فيه؟
(1)
.
9 -
تكفلت عناية الله ورعايته بصون النبي صلى الله عليه وسلم وحمايته من أذى المشركين بقوله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} أي عن الاهتمام باستهزائهم وعن المبالاة بقولهم، فقد برأك الله عما يقولون.
قال بعضهم: هذا منسوخ بآية القتال، قال الرازي: وهو ضعيف؛ لأن معنى هذا الإعراض ترك المبالاة بهم، فلا يكون منسوخا
(2)
.
ثم قال تعالى: {إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.} . أي اصدع بما تؤمر ولا تخف غير الله؛ فان الله كافيك من آذاك، كما كفاك المستهزئين. وصفة المستهزئين:
الشرك، كما قال تعالى:{الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ} .
10 -
التسبيح والتحميد والصلاة علاج الهموم والأحزان، وطريق الخروج من الأزمات والمآزق والكروب. وغاية القرب من الله تعالى حال السجود، كما
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة: «أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأخلصوا الدعاء» لذا خص السجود هنا بالذكر بقوله: {وَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ} .
11 -
المسلم مطالب على سبيل الفرضية بالعبادة التي هي الصلاة على الدوام حتى يأتيه الموت، ما لم يغلب الغشيان أو فقد الذاكرة على عقله، والإسلام سمح
(1)
تفسير القرطبي: 61/ 10
(2)
تفسير الرازي: 215/ 19
سهل، فعليه أداء الصلاة بأي كيفية يستطيعها، ولا تسقط عنه أصلا إلا في حال لغيبوبة، ويحاسب على كل فريضة تركها أو أهملها عمدا، كما قال العبد الصالح عيسى عليه السلام:{وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا} [مريم 31/ 19].